الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْوَقْفِ]
ِ قَوْلُهُ (وَهُوَ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ) .
وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَرَادَ مَنْ حَدَّ بِهَذَا الْحَدِّ مَعَ شُرُوطِهِ الْمُعْتَبَرَةِ. وَأَدْخَلَ غَيْرُهُمْ الشُّرُوطَ فِي الْحَدِّ. انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْمَطْلَعِ: وَحَدُّ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَجْمَعْ شُرُوطَ الْوَقْفِ وَحَدَّهُ غَيْرُهُ فَقَالَ: تَحْبِيسُ مَالِكٍ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ مَالَهُ الْمُنْتَفَعَ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ بِقَطْعِ تَصَرُّفِ الْوَاقِفِ فِي رَقَبَتِهِ، يَصْرِفُ رِيعَهُ إلَى جِهَةِ بِرٍّ، تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى. انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَأَقْرَبُ الْحُدُودِ فِي الْوَقْفِ: أَنَّهُ كُلُّ عَيْنٍ تَجُوزُ عَارِيَّتُهَا.
فَأَدْخَلَ فِي حَدِّهِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، لَا يَجُوزُ وَقْفُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَالْأَصْحَابِ. يَأْتِي حُكْمُهَا.
قَوْلُهُ (وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ) .
كَمَا مَثَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رحمه الله: انْعِقَادُ الْوَقْفِ بِهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. انْتَهَى.
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ لِلْقَاضِي، وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ
لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَالْكَافِي، وَالْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْقَوْلِ وَحْدَهُ، كَمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ.
وَمَنَعَ الْمُصَنِّفُ دَلَالَتَهَا. وَجَعَلَ الْمَذْهَبَ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَكَذَلِكَ الْحَارِثِيُّ. فَائِدَةٌ:
قَالَ فِي الْمَطْلَعِ: السِّقَايَةُ بِكَسْرِ السِّينِ الَّذِي يُتَّخَذُ فِيهِ الشَّرَابُ فِي الْمَوَاسِمِ، وَغَيْرِهَا. عَنْ ابْنِ عَبَّادٍ. قَالَ: وَالْمُرَادُ هُنَا بِالسِّقَايَةِ: الْبَيْتُ الْمَبْنِيُّ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ. سُمِّيَ بِذَلِكَ تَشْبِيهًا بِذَلِكَ. قَالَ: وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ. إلَّا بِمَعْنَى مَوْضِعِ الشَّرَابِ، وَبِمَعْنَى الصُّوَاعِ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَرَادَ بِالسِّقَايَةِ: مَوْضِعَ التَّطَهُّرِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ، بِقَيْدِ وُجُودِ الْمَاءِ. قَالَ: وَلَمْ أَجِدْ ذَلِكَ فِي كُتُبِ اللُّغَوِيِّينَ. وَإِنَّمَا هِيَ عِنْدَهُمْ مَقُولَةٌ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى الْإِنَاءِ الَّذِي يُسْقَى بِهِ، وَعَلَى مَوْضِعِ السَّقْيِ. أَيْ الْمَكَانِ الْمُتَّخَذِ بِهِ الْمَاءُ. غَيْرَ أَنَّ هَذَا يُقَرِّبُ مَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ " وَشَرَعَهَا " أَيْ فَتَحَ بَابَهَا. وَقَدْ يُرِيدُ بِهِ مَعْنَى الْوُرُودِ. انْتَهَى.
قُلْت: لَعَلَّهُ أَرَادَ أَعَمَّ مِمَّا قَالَا. فَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ: لَوْ وَقَفَ خَابِيَةً لِلْمَاءِ عَلَى الطَّرِيقِ، وَنَحْوِهِ. وَبَنَى عَلَيْهَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ تَسْبِيلًا لَهُ. وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ وَقَفَ سِقَايَةً: مِلْكَ الشُّرْبِ مِنْهَا. لَكِنْ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ " وَيَشْرَعُهَا لَهُمْ ".
تَنْبِيهٌ:
قَوْلُهُ (مِثْلَ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا) أَيْ: يَبْنِيَ بُنْيَانًا عَلَى هَيْئَةِ الْمَسْجِدِ. (وَيَأْذَنُ لِلنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ) .
أَيْ إذْنًا عَامًّا. لِأَنَّ الْإِذْنَ الْخَاصَّ: قَدْ يَقَعُ عَلَى غَيْرِ الْمَوْقُوفِ. فَلَا يُفِيدُ دَلَالَةَ الْوَقْفِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ قَوْلُهُ (وَصَرِيحُهُ: وَقَفْت، وَحَبَسْت، وَسَبَّلْت) . وَقَفْت، وَحَبَسْت: صَرِيحٌ فِي الْوَقْفِ، بِلَا نِزَاعٍ. وَهُمَا مُتَرَادِفَانِ، عَلَى مَعْنَى الِاشْتِرَاكِ فِي الرَّقَبَةِ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمُزِيلَةِ لِلْمِلْكِ. وَأَمَّا " سَبَّلْت " فَصَرِيحَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ صَرِيحًا. لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام " حَبَسَ الْأَصْلَ، وَسَبَّلَ الثَّمَرَةَ ".
غَايَرَ بَيْنَ مَعْنَى " التَّحْبِيسِ " وَ " التَّسْبِيلِ " فَامْتَنَعَ كَوْنُ أَحَدِهِمَا صَرِيحًا فِي الْآخَرِ.
وَقَدْ عُلِمَ كَوْنُ الْوَقْفِ: هُوَ الْإِمْسَاكَ فِي الرَّقَبَةِ عَنْ أَسْبَابِ التَّمَلُّكَاتِ. وَالتَّسْبِيلُ: إطْلَاقُ التَّمْلِيكِ. فَكَيْفَ يَكُونُ صَرِيحًا فِي الْوَقْفِ؟ انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَكِنَايَتُهُ: تَصَدَّقْت، وَحَرَّمْت، وَأَبَّدْت) .
أَمَّا " تَصَدَّقْت، وَحَرَّمْت " فَكِنَايَةٌ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. وَأَمَّا " أَبَّدْت " فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ أَنَّ " أَبَّدْت " صَرِيحٌ فِيهِ.
قَوْلُهُ (فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ بِالْكِنَايَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ) بِلَا نِزَاعٍ.
(أَوْ يَقْرِنَ بِهَا أَحَدَ الْأَلْفَاظِ الْبَاقِيَةِ) .
يَعْنِي: الْأَلْفَاظَ الْخَمْسَةَ مِنْ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ. أَوْ حُكْمُ الْوَقْفِ، فَيَقُولُ: تَصَدَّقْت صَدَقَةً مَوْقُوفَةً، أَوْ مُحْبَسَةً،
أَوْ مُسَبَّلَةً، أَوْ مُحَرَّمَةً، أَوْ مُؤَبَّدَةً، أَوْ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ، وَلَا تُورَثُ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: أَنَّ قَوْلَهُ " صَدَقَةً مَوْقُوفَةً، أَوْ مُؤَبَّدَةً، أَوْ لَا يُبَاعُ " كِنَايَةً. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: إضَافَةُ: التَّسْبِيلِ " بِمُجَرَّدِهِ إلَى " الصَّدَقَةِ " لَا يُفِيدُ زَوَالَ الِاشْتِرَاكِ. فَإِنَّ " التَّسْبِيلَ " إنَّمَا يُفِيدُ مَا تُفِيدُهُ الصَّدَقَةُ، أَوْ بَعْضُهُ. فَلَا يُفِيدُ مَعْنًى زَائِدًا.
وَكَذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى إضَافَةِ " التَّأْبِيدِ " إلَى " التَّحْرِيمِ " لَا يُفِيدُ الْوَقْفَ، لِأَنَّ التَّأْبِيدَ قَدْ يُرِيدُ بِهِ دَوَامَ التَّحْرِيمِ. فَلَا يَخْلُصُ اللَّفْظُ عَنْ الِاشْتِرَاكِ. قَالَ: وَهَذَا الصَّحِيحُ. انْتَهَى.
وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: لَوْ جَعَلَ عُلُوَّ بَيْتِهِ أَوْ سُفْلَهُ مَسْجِدًا صَحَّ. وَكَذَا لَوْ جَعَلَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِطْرَاقَ: صَحَّ كَالْبَيْعِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ الِاكْتِفَاءُ بِلَفْظٍ يُشْعِرُ بِالْمَقْصُودِ. وَهُوَ أَظْهَرُ عَلَى أَصْلِنَا. فَيَصِحُّ " جَعَلْت هَذَا لِلْمَسْجِدِ " أَوْ " فِي الْمَسْجِدِ " وَنَحْوُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِهِ.
وَصَحَّحَ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ: وَقْفَ مَنْ قَالَ " قَرْيَتِي الَّتِي بِالثَّغْرِ لِمَوَالِيَّ الَّذِينَ بِهِ، وَلِأَوْلَادِهِمْ " قَالَهُ شَيْخُنَا.
وَقَالَ: إذَا قَالَ وَاحِدٌ، أَوْ جَمَاعَةٌ " جَعَلْنَا هَذَا الْمَكَانَ مَسْجِدًا، أَوْ وَقْفًا " صَارَ مَسْجِدًا، وَوَقْفًا بِذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يُكْمِلُوا عِمَارَتَهُ.
وَإِذَا قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ " جَعَلْت مِلْكِي لِلْمَسْجِدِ " أَوْ " فِي الْمَسْجِدِ " وَنَحْوَ ذَلِكَ. صَارَ بِذَلِكَ حَقًّا لِلْمَسْجِدِ. انْتَهَى.
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا قَالَ " تَصَدَّقْت بِأَرْضِي عَلَى فُلَانٍ وَذَكَرَ مُعَيَّنًا، أَوْ مُعَيَّنَيْنِ وَالنَّظَرُ لِي أَيَّامَ حَيَاتِي. أَوْ لِفُلَانٍ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِفُلَانٍ " كَانَ مُفِيدًا لِلْوَقْفِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ " تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى فُلَانٍ. ثُمَّ مَنْ بَعْدِهِ: عَلَى وَلَدِهِ، أَوْ عَلَى فُلَانٍ " أَوْ " تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى قَبِيلَةِ كَذَا " أَوْ " طَائِفَةِ كَذَا " كَانَ مُفِيدًا لِلْوَقْفِ. لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا عَدَاهُ. فَالشَّرِكَةُ مُنْتَفِيَةٌ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " تَصَدَّقْت بِدَارِي عَلَى فُلَانٍ " ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ " أَرَدْت الْوَقْفَ " وَلَمْ يُصَدِّقْهُ فُلَانٌ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْمُتَصَدِّقِ فِي الْحُكْمِ. لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ. قُلْت: فَيُعَايَا بِهَا.
قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ. أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ فِي عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا دَائِمًا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا) . يَعْنِي فِي الْعُرْفِ. كَالْإِجَارَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَاعْتَبَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ بَقَاءَ مُتَطَاوِلًا. أَدْنَاهُ: عُمْرُ الْحَيَوَانِ.
قَوْلُهُ (كَالْعَقَارِ، وَالْحَيَوَانِ، وَالْأَثَاثِ، وَالسِّلَاحِ) . أَمَّا وَقْفُ غَيْرِ الْمَنْقُولِ: فَيَصِحُّ بِلَا نِزَاعٍ. وَأَمَّا وَقْفُ الْمَنْقُولِ كَالْحَيَوَانِ، وَالْأَثَاثِ، وَالسِّلَاحِ، وَنَحْوِهَا فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ وَقْفِهَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ.
وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ وَقْفُ غَيْرِ الْعَقَارِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَحَنْبَلٍ. وَمَنَعَ الْحَارِثِيُّ دَلَالَةَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَجَعَلَ الْمَذْهَبَ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: لَا يَجُوزُ. وَقْفُ السِّلَاحِ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: لَا يَصِحُّ وَقْفُ الثِّيَابِ.
قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُشَاعِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً. وَفِي طَرِيقِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: وَيَتَوَجَّهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ إجَارَةِ الْمُشَاعِ: عَدَمُ صِحَّةِ وَقْفِهِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ أَنَّ الْمُشَاعَ لَوْ وَقَفَهُ مَسْجِدًا ثَبَتَ فِيهِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي الْحَالِ، فَيُمْنَعُ مِنْ الْجُنُبِ. ثُمَّ الْقِسْمَةُ مُتَعَيِّنَةٌ هُنَا، لِتَعَيُّنِهَا طَرِيقًا لِلِانْتِفَاعِ بِالْمَوْقُوفِ. انْتَهَى.
وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ.
قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ وَقْفُ الْحُلِيِّ لِلُّبْسِ وَالْعَارِيَّةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ. وَذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، فِي آخَرِينَ وَنَقَلَهَا الْخِرَقِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي الْحُلِيِّ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ. وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُ فِي الْمَنْعِ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ.
فَائِدَةٌ:
لَوْ أَطْلَقَ وَقْفَ الْحُلِيِّ: لَمْ يَصِحَّ. قَطَعَ بِهِ فِي الْفَائِقِ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِالصِّحَّةِ، وَيُصْرَفُ إلَى اللُّبْسِ وَالْعَارِيَّةِ: لَكَانَ مُتَّجِهًا. وَلَهُ نَظَائِرُ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، كَأَحَدِ هَذَيْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ كَالْعِتْقِ. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِيمَنْ وَقَفَ دَارًا وَلَمْ يَحُدَّهَا قَالَ: يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَحُدَّهَا. إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. فَعَلَى الصِّحَّةِ: يَخْرُجُ الْمُبْهَمُ بِالْقُرْعَةِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَغَيْرُهُمَا.
قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْكَلْبِ) أَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُهَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قُلْت: فَلَعَلَّ مُرَادَ الْقَائِلِ بِذَلِكَ: إذَا قِيلَ بِجَوَازِ بَيْعِهَا. أَوْ أَنَّهُ يَصِحُّ مَا دَامَ سَيِّدُهَا حَيًّا. وَعَلَى قَوْلٍ يَأْتِي. ثُمَّ وَجَدْت صَاحِبَ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قَالَ: وَفِي أُمِّ الْوَلَدِ وَجْهَانِ. قُلْت: إنْ صَحَّ بَيْعَهَا صَحَّ وَقْفُهَا. وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. لَكِنْ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَصِحَّ وَقْفُهَا قَوْلًا وَاحِدًا. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله: لَا يَصِحُّ وَقْفُ مَنَافِعِ أُمِّ الْوَلَدِ فِي حَيَاتِهِ. فَائِدَتَانِ.
إحْدَاهَا: قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْمُكَاتَبُ إنْ قِيلَ بِمَنْعِ بَيْعِهِ فَكَأُمِّ الْوَلَدِ. وَإِنْ قِيلَ بِالْجَوَازِ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ فَمُقْتَضَى ذَلِكَ: صِحَّةُ وَقْفِهِ. وَلَكِنْ إذَا أَدَّى: هَلْ يَبْطُلُ الْوَقْفُ؟ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ. انْتَهَى.
الثَّانِيَةُ: حُكْمُ وَقْفِ الْمُدَبَّرِ حُكْمُ بَيْعِهِ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
وَأَمَّا " الْكَلْبُ " فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ.
وَقَالَ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَقَدْ تَخْرُجُ الصِّحَّةُ مِنْ جَوَازِ إعَارَةِ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ كَمَا خَرَجَ جَوَازُ الْإِجَارَةِ. لِحُصُولِ نَقْلِ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمَنْفَعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ بِغَيْرِ إشْكَالٍ. فَجَازَ أَنْ تُنْقَلَ.
قَالَ: وَالصَّحِيحُ اخْتِصَاصُ النَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ بِمَا عَدَا كَلْبِ الصَّيْدِ. بِدَلِيلِ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَالسِّنَّوْرِ، إلَّا كَلْبَ الصَّيْدِ» وَالْإِسْنَادُ جَيِّدٌ. فَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُعَلَّمِ. لِأَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ.
وَفِي مَعْنَاهُ جَوَارِحُ الطَّيْرِ، وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ الصَّيَّادَةُ يَصِحُّ وَقْفُهَا وَيَجُوزُ بَيْعُهَا، بِخِلَافِ غَيْرِ الصَّيَّادَةِ.
وَمَرَّ فِي الْمُذْهَبِ رِوَايَةٌ بِامْتِنَاعِ بَيْعِهَا أَعْنِي الصَّيَّادَةَ فَيَمْتَنِعُ وَقْفُهَا، وَالْأَوَّلُ: أَصَحُّ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يَصِحُّ وَقْفُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ، وَالْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ، وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ.
قَوْلُهُ (وَلَا مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ دَائِمًا، كَالْأَثْمَانِ) .
إذَا وَقَفَ الْأَثْمَانَ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَقِفَهَا لِلتَّحَلِّي وَالْوَزْنِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
فَإِنْ وَقَفَهَا لِلتَّحَلِّي وَالْوَزْنِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَدَمُ الصِّحَّةِ أَصَحُّ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. قِيَاسًا عَلَى الْإِجَارَةِ.
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إنْ وَقَفَهَا لِلزِّينَةِ بِهَا. فَقِيَاسُ قَوْلِنَا فِي الْإِجَارَةِ: إنَّهُ يَصِحُّ. فَعَلَى هَذَا: إنْ وَقَفَهَا وَأَطْلَقَ: بَطَلَ الْوَقْفُ. عَلَى الصَّحِيحِ.
وَقِيلَ: يَصِحُّ، وَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا. وَإِنْ وَقَفَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ: لَمْ يَصِحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ وَعَنْهُ: يَصِحُّ وَقْفُ الدَّرَاهِمِ. فَيُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ. اخْتَارَهُ شَيْخُنَا. يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ رحمه الله.
وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَلَوْ وَقَفَ الدَّرَاهِمَ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ: لَمْ يَكُنْ جَوَازُ هَذَا بَعِيدًا. فَائِدَتَانِ.
إحْدَاهُمَا: لَوْ وَقَفَ قِنْدِيلَ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ عَلَى مَسْجِدٍ: لَمْ يَصِحَّ. وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ فَيُزَكِّيهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. فَيُكْسَرُ وَيُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. قُلْت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: لَوْ وَقَفَ قِنْدِيلَ نَقْدٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: صُرِفَ لِجِيرَانِهِ صلى الله عليه وسلم قِيمَتُهُ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: النَّذْرُ لِلْقُبُورِ هُوَ لِلْمَصَالِحِ، مَا لَمْ يَعْلَمْ رَبُّهُ، وَفِي الْكَفَّارَةِ الْخِلَافُ. وَإِنَّ مِنْ الْحَسَنِ صَرْفَهُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْمَشْرُوعِ.
وَلَوْ وَقَفَ فَرَسًا بِسَرْجٍ وَلِجَامٍ مُفَضَّضٍ: صَحَّ. نَصَّ عَلَيْهِ تَبَعًا. وَعَنْهُ: تُبَاعُ الْفِضَّةُ وَتُصْرَفُ فِي وَقْفٍ مِثْلِهِ. وَعَنْهُ: يُنْفَقُ عَلَيْهِ.
الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَجُوزُ وَقْفُ الْمَاءِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَفِي الْجَامِعِ: يَصِحُّ وَقْفُ الْمَاءِ. قَالَ الْفَضْلُ: سَأَلْته عَنْ وَقْفِ الْمَاءِ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَ شَيْئًا اسْتَجَازُوهُ بَيْنَهُمْ جَازَ. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى وَقْفِ مَكَانِهِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا النَّصُّ يَقْتَضِي تَصْحِيحَ الْوَقْفِ لِنَفْسِ الْمَاءِ، كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ دِمَشْقَ. يَقِفُ أَحَدُهُمْ حِصَّةً أَوْ بَعْضَهَا مِنْ مَاءِ النَّهْرِ. وَهُوَ مُشْكِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: إثْبَاتُ الْوَقْفِ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ. فَإِنَّ الْمَاءَ يَتَحَدَّدُ شَيْئًا فَشَيْئًا.
الثَّانِي: ذَهَابُ الْعَيْنِ بِالِانْتِفَاعِ. وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ: بَقَاءُ مَادَّةِ الْحُصُولِ مِنْ غَيْرِ تَأَثُّرٍ بِالِانْتِفَاعِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ بَقَاءِ أَصْلِ الْعَيْنِ مَعَ الِانْتِفَاعِ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا: صِحَّةُ وَقْفِ الْبِئْرِ. فَإِنَّ الْوَقْفَ وَارِدٌ عَلَى مَجْمُوعِ الْمَاءِ وَالْحَفِيرَةِ. فَالْمَاءُ أَصْلٌ فِي الْوَقْفِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْبِئْرِ. ثُمَّ لَا أَثَرَ لِذَهَابِ الْمَاءِ بِالِاسْتِعْمَالِ، لِتَجَدُّدِ بَدَلِهِ. فَهُنَا كَذَلِكَ. فَيَجُوزُ وَقْفُ الْمَاءِ كَذَلِكَ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَالْمَطْعُومُ وَالرَّيَاحِينُ) . يَعْنِي: لَا يَصِحُّ وَقْفُهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: لَوْ تَصَدَّقَ بِدُهْنٍ عَلَى مَسْجِدٍ لِيُوقَدَ فِيهِ: جَازَ. وَهُوَ مِنْ بَابِ الْوَقْفِ. وَتَسْمِيَتُهُ وَقْفًا بِمَعْنَى أَنَّهُ وُقِفَ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِهَا لَا تَأْبَاهُ اللُّغَةُ. وَهُوَ جَارٍ فِي الشَّرْعِ. وَقَالَ أَيْضًا: يَصِحُّ وَقْفُ الرِّيحَانِ لِيَشُمَّهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ. قَالَ: وَطِيبُ الْكَعْبَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ كِسْوَتِهَا. فَعُلِمَ أَنَّ التَّطْيِيبَ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ. لَكِنْ قَدْ تَطُولُ مُدَّةُ التَّطَيُّبِ وَقَدْ تَقْصُرُ، وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمَا يَبْقَى أَثَرُهُ مِنْ الطِّيبِ كَالنِّدِّ وَالصَّنْدَلِ، وَقِطَعِ الْكَافُورِ لِشَمِّ الْمَرِيضِ وَغَيْرِهِ: فَيَصِحُّ وَقْفُهُ عَلَى ذَلِكَ، لِبَقَائِهِ مَعَ الِانْتِفَاعِ. وَقَدْ صَحَّتْ إجَارَتُهُ لِذَلِكَ فَصَحَّ وَقْفُهُ. انْتَهَى. وَهَذَا لَيْسَ دَاخِلًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ هَذَا مِنْ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ لِوُجُودِ شُرُوطِ الْوَقْفِ.
قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَلَى بِرٍّ) .
وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَاقِفُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا. نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله. كَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْأَقَارِبِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مُبَاحٍ أَيْضًا. وَقِيلَ: يَصِحُّ عَلَى مُبَاحٍ وَمَكْرُوهٍ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَقِيلَ: الْمُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى جِهَةِ مَعْصِيَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ قُرْبَةً وَثَوَابًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ. انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا: يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: اشْتِرَاطُ الْعُزُوبَةِ بَاطِلٌ. لِأَنَّ الْوَصْفَ لَيْسَ قُرْبَةً، وَلِتَمْيِيزِ الْغِنَى عَلَيْهِ. وَعَلَى هَذَا: هَلْ يَلْغُو الْوَصْفُ وَيَعُمُّ، أَوْ يَلْغُو الْوَقْفُ، أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَقِفَ وَيَشْتَرِطَ، أَوْ يَذْكُرَ الْوَصْفَ ابْتِدَاءً. فَيُلْغَى فِي الِاشْتِرَاطِ وَيَصِحُّ الْوَقْفُ؟ . يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ.
فَائِدَتَانِ.
إحْدَاهُمَا: أَبْطَلَ ابْنُ عَقِيلٍ وَقْفَ السُّتُورِ لِغَيْرِ الْكَعْبَةِ. لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. فَيُصْرَفُ لِمَصْلَحَةٍ. نَقَلَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ عَنْهُمَا. وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ: الْمَعْصِيَةُ لَا تَنْعَقِدُ. وَأَفْتَى أَبُو الْخَطَّابِ بِصِحَّتِهِ، وَيُنْفَقُ ثَمَنُهَا عَلَى عِمَارَتِهِ وَلَا يَسْتُرُ. لِأَنَّ الْكَعْبَةَ خُصَّتْ بِذَلِكَ. كَالطَّوَافِ.
الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ وَقْفُ عَبْدِهِ عَلَى حُجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِإِخْرَاجِ تُرَابِهَا وَإِشْعَالِ قَنَادِيلِهَا وَإِصْلَاحِهَا، لَا لِإِشْعَالِهَا وَحْدَهُ، وَتَعْلِيقِ سُتُورِهَا الْحَرِيرِ، وَالتَّعْلِيقُ وَكَنْسِ الْحَائِطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ
قَوْلُهُ (مُسْلِمِينَ كَانُوا أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ) . يَعْنِي: إذَا وَقَفَ عَلَى أَقَارِبِهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ: صَحَّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً.
تَنْبِيهَانِ.
أَحَدُهُمَا: قَدْ يُقَالُ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى ذِمِّيٍّ، غَيْرِ قَرَابَتِهِ. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالتَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَمَالَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ.
وَقِيلَ: يَصِحُّ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا مِنْ الْوَاقِفِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَصِحُّ عَلَى ذِمِّيٍّ مِنْ أَقَارِبِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَى غَيْرِهِ، مِنْ مُعَيَّنٍ. فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ دُونَ الْجِهَةِ. انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: يَصِحُّ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَ فِي الْوَاضِحِ صِحَّةَ الْوَقْفِ مِنْ ذِمِّيٍّ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ.
الثَّانِي: قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَالَ الْأَصْحَابُ: إنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَنْزِلُ الْكَنَائِسَ، وَالْبِيَعَ مِنْ الْمَارَّةِ وَالْمُجْتَازِينَ: صَحَّ
قَالُوا: لِأَنَّ هَذَا الْوَقْفَ عَلَيْهِمْ، لَا عَلَى الْبُقْعَةِ. وَالصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ جَائِزَةٌ وَصَالِحَةٌ لِلْقُرْبَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: إنْ خَصَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ، فَوَقَفَ عَلَى الْمَارَّةِ مِنْهُمْ: لَمْ يَصِحَّ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي الْمُنْتَخَبِ، وَالرِّعَايَةِ: يَصِحُّ عَلَى الْمَارَّةِ بِهَا مِنْهُمْ، يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ.
وَقَالَهُ فِي الْمُغْنِي فِي بِنَاءِ بَيْتٍ يَسْكُنُهُ الْمُجْتَازُ مِنْهُمْ. وَلَمْ أَرَ مَا قَالَ عَنْهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ فِيهِمَا فِي مَظِنَّتِهِ، بَلْ قَالَ: وَيَصِحُّ مِنْهَا عَلَى ذِمِّيٍّ بِهِمَا أَوْ يَنْزِلُهُمَا، أَوْ يُجْتَازُ، رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا.
قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ عَلَى الْكَنَائِسِ وَبُيُوتِ النَّارِ) . وَكَذَا الْبِيَعُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ. وَفِي الْمُوجَزِ رِوَايَةٌ. عَلَى الْكَنِيسَةِ وَالْبِيعَةِ كَمَارٍّ بِهِمَا. فَوَائِدُ.
الْأُولَى: الذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ الذِّمِّيِّ عَلَى الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ وَبُيُوتِ النَّارِ، وَنَحْوِهَا، وَلَا عَلَى مَصَالِحِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَالْمُسْلِمِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَصَحَّحَ فِي الْوَاضِحِ وَقْفَ الذِّمِّيِّ عَلَى الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي وَقْفِ الذِّمِّيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ.
الثَّانِيَةُ: الْوَصِيَّةُ كَالْوَقْفِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: مِنْ كَافِرٍ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ عَلَى ذِمَّتِهِ لَزِمَهُ. وَذَكَرَ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ: يَصِحُّ لِلْكُلِّ. وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ رِوَايَةً. وَذَكَرَ الْقَاضِي صِحَّتَهَا بِحَصِيرٍ وَقَنَادِيلَ. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: إنْ وَصَّى لِمَا لَا مَعْرُوفَ فِيهِ وَلَا بِرَّ كَكَنِيسَةٍ أَوْ كُتُبِ التَّوْرَاةِ لَمْ يَصِحَّ. وَعَنْهُ يَصِحُّ.
الثَّالِثَةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى ذِمِّيٍّ، وَشَرَطَ اسْتِحْقَاقَهُ مَا دَامَ كَذَلِكَ، فَأَسْلَمَ: اسْتَحَقَّ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَلُغِيَ الشَّرْطُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ هَذَا الشَّرْطَ. وَقَالَ: لِأَنَّهُ إذَا وَقَفَهُ عَلَى الذِّمِّيِّ مِنْ أَهْلِهِ دُونَ الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ شَرْطٌ لَهُمْ حَالَ الْكُفْرِ. فَأَيُّ فَرْقٍ.
قَوْلُهُ (وَلَا عَلَى حَرْبِيٍّ، أَوْ مُرْتَدٍّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ ": هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا: إذَا أَوْصَى مُسْلِمٌ لِأَهْلِ قَرْيَتِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ: لَمْ يَتَنَاوَلْ كَافِرَهُمْ إلَّا بِتَسْمِيَتِهِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَالْوَقْفُ كَالْوَصِيَّةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: فَصَحَّحَهُ عَلَى الْكَافِرِ الْقَرِيبِ وَالْمُعَيَّنِ. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مُقَاتِلًا، وَلَا مُخْرِجًا لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ دِيَارِهِمْ، وَلَا مُظَاهِرًا لِلْأَعْدَاءِ عَلَى الْإِخْرَاجِ. انْتَهَى. وَقَوَّاهُ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ عَلَى نَفْسِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَقْيَسُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَلَا يَصِحُّ عَلَى نَفْسِهِ، عَلَى الْأَصَحِّ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا الْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفِ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ، وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. نَقَلَ حَنْبَلٌ، وَأَبُو طَالِبٍ: مَا سَمِعْت بِهَذَا. وَلَا أَعْرِفُ الْوَقْفَ إلَّا مَا أَخْرَجَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، وَيُوسُفَ بْنِ أَبِي مُوسَى، وَالْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: صَحَّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ: يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ النَّاظِمُ: يَجُوزُ عَلَى الْمَنْصُورِ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَمَالَ إلَيْهِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي مُسَوَّدَتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هِيَ أَصَحُّ. قُلْت: الَّذِي رَأَيْته فِي الْإِرْشَادِ وَالْفُصُولِ: مَا ذَكَرْته آنِفًا. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّذْكِرَةِ. فَلَعَلَّهُمَا اخْتَارَاهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ. لَكِنَّ عِبَارَتَهُ فِي الْفُصُولِ مُوهِمَةٌ.
قُلْت: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَيْهَا الْعَمَلُ فِي زَمَانِنَا وَقَبْلَهُ، عِنْدَ حُكَّامِنَا مِنْ أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ عَظِيمَةٌ. وَتَرْغِيبٌ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ. وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ الْمَذْهَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْبُلْغَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يَصِحُّ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ. عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَحْسُنُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْوَقْفِ الْمُعَلَّقِ.
فَائِدَةٌ:
إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ، حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ: فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَنْفُذُ الْحَكَمُ ظَاهِرًا. وَفِيهِ فِي الْبَاطِنِ الْخِلَافُ. وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ: إذَا حَكَمَ بِهِ حَنَفِيٌّ، وَأَنْفَذَهُ شَافِعِيٌّ: لِلْوَاقِفِ نَقْضُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَة، وَإِلَّا جَازَ نَقْضُهُ فِي الْبَاطِنِ فَقَطْ. بِخِلَافِ صَلَاتِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ حَيَاتَهُ، لِعَدَمِ الْقُرْبَةِ وَالْفَائِدَةِ فِيهِ، ذَكَرَهَا ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِهِ وَاسْتَثْنَى الْأَكْلَ مِنْهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ: صَحَّ) هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَابْنِ مُنَجَّا، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْقَوَاعِدِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. فَائِدَتَانِ.
إحْدَاهُمَا: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ اسْتَثْنَى الْأَكْلَ مُدَّةً مُعَيَّنَةً. وَكَذَا لَوْ اسْتَثْنَى الْأَكْلَ وَالِانْتِفَاعَ لِأَهْلِهِ، أَوْ يُطْعِمُ صَدِيقَهُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُمْ
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَصِحُّ شَرْطُ غَلَّتِهِ لَهُ أَوْ لِوَلَدِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فِي الْمَنْصُوصِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ لِأَوْلَادِهِ أَوْ لِبَعْضِهِمْ سُكْنَى الْوَقْفِ مُدَّةَ حَيَاتِهِمْ جَازَ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إذَا شَرَطَ الِانْتِفَاعَ لِأَهْلِهِ، أَوْ شَرَطَ السُّكْنَى لِأَوْلَادِهِ أَوْ لِبَعْضِهِمْ. ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ اسْتَثْنَى الِانْتِفَاعَ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، فَمَاتَ فِي أَثْنَائِهَا. فَقَالَ فِي الْمُغْنِي: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ. كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ السُّكْنَى مُدَّةً، فَمَاتَ فِي أَثْنَائِهَا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: يَجُوزُ إيجَارُهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلِغَيْرِهِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ ثُمَّ افْتَقَرَ: أُبِيحَ لَهُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ: شَمِلَهُ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَالْفِقْهِيَّةِ: يَدْخُلُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُبَاحُ ذَلِكَ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي التَّلْخِيصِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي دُخُولِهِ: إذَا افْتَقَرَ، عَلَى قَوْلِنَا. فَإِنَّ الْوَقْفَ عَلَى النَّفْسِ يَصِحُّ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ: فَلَا يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ إذَا افْتَقَرَ جَزْمًا. لِأَنَّهُ لَا يُتَنَاوَلُ بِالْخُصُوصِ. فَلَا يُتَنَاوَلُ بِالْعُمُومِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَأَمَّا إذَا وَقَفَ دَارِهِ مَسْجِدًا، أَوْ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً، أَوْ بِئْرَهُ لِيَسْتَقِيَ مِنْهَا الْمُسْلِمُونَ،
أَوْ بَنَى مَدْرَسَةً لِعُمُومِ الْفُقَهَاءِ أَوْ لِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ، أَوْ رِبَاطًا لِلصُّوفِيَّةِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَعُمُّ: فَلَهُ الِانْتِفَاعُ كَغَيْرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. .
قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: أَنْ يَقِفَ عَلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُ. وَلَا يَصِحُّ عَلَى مَجْهُولٍ كَرَجُلٍ وَمَسْجِدٍ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا لَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ مُبْهَمًا، كَأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ احْتِمَالًا. وَقِيلَ: يَصِحُّ إنْ قُلْنَا لَا يَفْتَقِرُ الْوَقْفُ إلَى قَبُولٍ، مُخْرَجٌ مِنْ وَقْفِ إحْدَى الدَّارَيْنِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي التَّلْخِيصِ. فَعَلَى الصِّحَّةِ: يَخْرُجُ الْمُبْهَمُ بِالْقُرْعَةِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قُلْت: وَهُوَ مُرَادُ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِيمَا إذَا وَقَفَ أَحَدَ هَذَيْنِ.
قَوْلُهُ (وَلَا عَلَى حَيَوَانٍ لَا يَمْلِكُ كَالْعَبْدِ) . لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْعَبْدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْعَبْدِ. عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، لِضَعْفِ مِلْكِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ، إنْ قُلْنَا يَمْلِكُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. حَيْثُ اشْتَرَطَ لِعَدَمِ الصِّحَّةِ: عَدَمَ الْمِلْكِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ.
وَقِيلَ: يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ. سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ، أَوْ لَا. وَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ. وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ.
فَائِدَتَانِ.
إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ: الصِّحَّةَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَإِنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِهَا، عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ، أَوْ يَكُونَ الرِّيعُ لَهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ: صَحَّ. فَإِنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ لِأُمِّ وَلَدِهِ كَاسْتِثْنَائِهَا لِنَفْسِهِ. وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ صَحَّحْنَا الْوَقْفَ عَلَى النَّفْسِ: صَحَّ. لِأَنَّ مِلْكَ أُمِّ وَلَدِهِ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مِلْكِهِ. وَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْهُ، فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ كَالْوَقْفِ عَلَى الْعَبْدِ الْقِنِّ. وَيَتَوَجَّهُ الْفَرْقُ بِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تَمْلِكُ بِحَالٍ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَدْ يُخَرَّجُ عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ بِالتَّمْلِيكِ. فَإِنَّ هَذَا نَوْعَ تَمْلِيكٍ لِأُمِّ وَلَدِهِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْقِنِّ. فَإِنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ، فَيَكُونُ مِلْكًا لِعَبْدِ الْغَيْرِ. وَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ: فَقَدْ تُخَرَّجُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مَسْأَلَةِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ يَعُمُّ حَالَ رِقِّهَا وَعِتْقِهَا. فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فِي إحْدَى الْحَالَيْنِ: خَرَجَ فِي الْحَالِ الْأُخْرَى وَجْهَانِ. فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْوَقْفَ الْمُنْقَطِعَ الِابْتِدَاءِ يَصِحُّ. فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ. وَإِنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ: فَهَذَا كَذَلِكَ. انْتَهَى.
الثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْمُكَاتَبِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ.
وَقِيلَ: يَصِحُّ، وَيَحْتَمِلُهُ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَقَدْ يَشْمَلُهُ قَوْلُهُ " أَنْ يَقِفَ عَلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُ ". وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ،
قَوْلُهُ (وَالْحَمْلُ) . يَعْنِي: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْحَمْلِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. مِنْهُمْ: ابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ: جَوَازَ الْوَقْفِ عَلَى الْحَمْلِ ابْتِدَاءً. وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَصِحُّ عَلَى حَمْلٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ إذًا، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ. وَفِيهِمَا نِزَاعٌ.
تَنْبِيهٌ:
إيرَادُ الْمُصَنِّفِ فِي مَنْعِ الْوَقْفِ عَلَى الْحَمْلِ: يَخْتَصُّ بِمَا إذَا كَانَ الْحَمْلُ أَصْلًا فِي الْوَقْفِ. أَمَّا إذَا كَانَ تَبَعًا بِإِنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، أَوْ أَوْلَادِ فُلَانٍ، وَفِيهِمْ حَمْلٌ، أَوْ انْتَقَلَ إلَى بَطْنٍ، وَفِيهِمْ حَمْلٌ: فَيَصِحُّ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَا يُشَارِكُهُمْ قَبْلَ وِلَادَتِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَالْأَكْثَرِينَ. وَجَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَثْبُتُ لَهُ اسْتِحْقَاقُ الْوَقْفِ فِي حَالِ كَوْنِهِ حَمْلًا، حَتَّى صَحَّحَ الْوَقْفَ عَلَى الْحَمْلِ ابْتِدَاءً، كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله بِاسْتِحْقَاقِ الْحَمْلِ مِنْ الْوَقْفِ أَيْضًا.
فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " وَقَفْت عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لِي " أَوْ " مَنْ سَيُولَدُ لِفُلَانٍ " لَمْ يَصِحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ تَحْمِلُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ. وَقَالَ الْمَجْدُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: صِحَّتُهُ. وَرَدَّهُ ابْنُ رَجَبٍ.
قَوْلُهُ (وَالْبَهِيمَةُ) . يَعْنِي لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ: الصِّحَّةَ. وَقَالَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي. كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْقَنْطَرَةِ، وَالسِّقَايَةِ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: أَنْ يَقِفَ نَاجِزًا. فَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ: لَمْ يَصِحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالْحَارِثِيُّ، وَقَالَ: الصِّحَّةُ أَظْهَرُ. وَنَصَرَهُ. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ مِنْ عِنْدِهِ إنْ قِيلَ: الْمِلْكُ لِلَّهِ تَعَالَى: صَحَّ التَّعْلِيقُ. وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَقُولَ: هُوَ وَقْفٌ مِنْ بَعْدِ مَوْتِي) . فَيَصِحُّ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله.
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ أَصَحُّ. لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ، وَالْوَصَايَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: لَا تَصِحُّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا، وَالْقَاضِي. وَحَمَلَ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَى أَنَّهُ قَالَ: قِفُوا بَعْدَ مَوْتِي. فَيَكُونُ وَصِيَّةً بِالْوَقْفِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ. فَوَائِدُ.
مِنْهَا: قَالَ الْحَارِثِيُّ: كَلَامُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَقْفَ الْمُعَلَّقَ عَلَى الْمَوْتِ، أَوْ عَلَى شَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ: لَا يَقَعُ لَازِمًا قَبْلَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ. لِأَنَّ مَا هُوَ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ وَصِيَّةٌ، وَالْوَصِيَّةُ فِي قَوْلِهِمْ لَا تَلْزَمُ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَالْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ فِي مَعْنَاهَا. فَيَثْبُتُ فِيهِ مِثْلُ حُكْمِهَا فِي ذَلِكَ. قَالَ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي الْمُعَلَّقِ عَلَى الْمَوْتِ: هُوَ اللُّزُومُ. قَالَ الْمَيْمُونِيُّ فِي كِتَابِهِ: سَأَلْته عَنْ الرَّجُلِ يُوقِفُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، أَوْ عَلَى الْمَسَاكِينِ بَعْدَهُ. فَاحْتَاجَ إلَيْهَا، أَيَبِيعُ عَلَى قِصَّةِ الْمُدَبَّرِ؟ فَابْتَدَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بِالْكَرَاهَةِ لِذَلِكَ. فَقَالَ: الْوُقُوفُ إنَّمَا كَانَتْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنْ لَا يَبِيعُوا وَلَا يَهَبُوا. قُلْت: فَمَنْ شَبَّهَهُ وَتَأَوَّلَ الْمُدَبَّرَ عَلَيْهِ. وَالْمُدَبَّرُ قَدْ يَأْتِي عَلَيْهِ وَقْتٌ يَكُونُ فِيهِ حُرًّا، وَالْمَوْقُوفُ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَقَفَهُ بَعْدَهُ، وَهُوَ مِلْكُ السَّاعَةِ. قَالَ لِي: إذَا كَانَ يَتَأَوَّلُ. قَالَ الْمَيْمُونِيُّ: وَإِنَّمَا نَاظَرْته بِهَذَا، لِأَنَّهُ قَالَ: الْمُدَبَّرُ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ مِلْكُ السَّاعَةِ. وَهَذَا شَيْءٌ وَقَفَهُ عَلَى قَوْمٍ مَسَاكِينَ. فَكَيْفَ يُحْدِثُ بِهِ شَيْئًا؟ فَقُلْت: هَكَذَا الْوُقُوفُ، لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا شَيْءٌ، السَّاعَةَ هُوَ مِلْكٌ. وَإِنَّمَا
اسْتَحَقَّ بَعْدَ الْوَفَاةِ، كَمَا أَنَّ الْمُدَبَّرَ السَّاعَةَ لَيْسَ بِحُرٍّ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَيْهِ وَقْتٌ يَكُونُ فِيهِ حُرًّا. انْتَهَى. فَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَقْفِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَبَيْنَ الْمُدَبَّرِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْفَرْقُ عَسِرٌ جِدًّا.
وَتَابَعَ فِي التَّلْخِيصِ الْمَنْصُوصَ، فَقَالَ: أَحْكَامُ الْوَقْفِ خَمْسَةٌ. مِنْهَا: لُزُومُهُ فِي الْحَالِ. أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ، أَمْ لَمْ يُخْرِجْهُ. وَعِنْدَ ذَلِكَ: يَنْقَطِعُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ. وَشَيْخُنَا رحمه الله فِي حَوَاشِي الْمُحَرَّرِ لَمَّا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَدَّ كَلَامَ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَتَأَوَّلَهُ. اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَ فِيهَا مَنْقُولٌ مَعَ أَنَّهُ وَافَقَ الْحَارِثِيَّ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: لَا يَقَعُ الْوَقْفُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَازِمًا. قُلْت: كَلَامُهُ فِي الْقَوَاعِدِ يُشْعِرُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا: هَلْ هُوَ لَازِمٌ أَمْ لَا؟ . قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ فِي تَبَعِيَّةِ الْوَلَدِ. وَمِنْهَا: الْمُعَلَّقُ وَقْفُهَا بِالْمَوْتِ، إنْ قُلْنَا: هُوَ لَازِمٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ. انْتَهَى. فَظَاهِرُ قَوْلِهِ " إنْ قُلْنَا: هُوَ لَازِمٌ " يُشْعِرُ بِالْخِلَافِ.
وَمِنْهَا: لَوْ شَرَطَ فِي الْوَقْفِ أَنْ يَبِيعَهُ، أَوْ يَهَبَهُ، أَوْ يَرْجِعَ فِيهِ مَتَى شَاءَ: بَطَلَ الشَّرْطُ وَالْوَقْفُ فِي أَحَدِ الْأَوْجُهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَقِيلَ: يَبْطُلُ الشَّرْطُ دُونَ الْوَقْفِ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ مِنْ الْبَيْعِ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يَصِحُّ فِي الْكُلِّ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفَائِقِ. وَمِنْهَا: لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي الْوَقْفِ فَسَدَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَخَرَجَ فَسَادُ الشَّرْطِ وَحْدَهُ مِنْ الْبَيْعِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَشْبَهُ. وَمِنْهَا: لَوْ شَرَطَ الْبَيْعَ عِنْدَ خَرَابِهِ، وَصَرْفَ الثَّمَنِ فِي مِثْلِهِ، أَوْ شَرَطَهُ لِلْمُتَوَلِّي بَعْدَهُ. فَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمْ: يَبْطُلُ الْوَقْفُ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَإِلْغَاءِ الشَّرْطِ. ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَارِثِيُّ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَشَرْطُ بَيْعِهِ إذَا خَرِبَ فَاسِدٌ فِي الْمَنْصُوصِ. نَقَلَهُ حَرْبٌ. وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ وَمَنْفَعَةٌ لَهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَى تَعْلِيلِهِ: لَوْ شُرِطَ عَدَمُهُ عِنْدَ تَعْطِيلِهِ. وَقِيلَ: الشَّرْطُ صَحِيحٌ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ. فَفِيهِ وَجْهَانِ) . إذَا وَقَفَ وَقْفًا، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، أَوْ غَيْرِهِ. فَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ النَّاظِمُ احْتِمَالًا: أَنَّ نَائِبَ الْإِمَامِ يَقْبَلُهُ. وَإِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ آدَمِيًّا مُعَيَّنًا زَادَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: أَوْ جَمْعًا مَحْصُورًا فَهَلْ يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ أَمْ لَا يُشْتَرَطُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا. أَحَدُهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَوْلَى.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا أَقْوَى. وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: لَا يُشْتَرَطُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُشْتَرَطُ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ: يُشْتَرَطُ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَقْوَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَأَخْذُ الرِّيعِ قَبُولٌ.
تَنْبِيهٌ: أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَحْكِي الْخِلَافَ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ بَعْدَ تَعْلِيلِ الْوَجْهَيْنِ وَالْأَشْبَهُ: أَنْ يَنْبَنِيَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ: هَلْ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ . فَإِنْ قِيلَ بِالِانْتِقَالِ، قِيلَ: بِاشْتِرَاطِ الْقَبُولِ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَبَنَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، قُلْت: إنْ قُلْنَا " هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى " لَمْ يُعْتَبَرْ الْقَبُولُ، وَإِنْ قُلْنَا " هُوَ لِلْمُعَيَّنِ وَالْجَمْعِ الْمَحْصُورِ " اُعْتُبِرَ فِيهِ الْقَبُولُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ. فَإِنَّ الْقَبُولَ إنْ أُنِيطَ بِالتَّمْلِيكِ فَالْوَقْفُ لَا يَخْلُو مِنْ تَمْلِيكٍ، سَوَاءٌ قِيلَ بِالِامْتِنَاعِ أَوْ عَدَمِهِ. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ عَلَى الْقَوْلِ بِالِانْتِقَالِ. إذْ لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ هُوَ الْمَذْهَبُ، مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمُخْتَارِ هُنَا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَبْطُلُ بِرَدِّهِ. فَرَدُّهُ وَقَبُولُهُ وَعَدَمُهُمَا وَاحِدٌ كَالْعِتْقِ.
جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ: إنَّهُ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ كَالْوَكِيلِ إذَا رَدَّ الْوَكَالَةَ. وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهَا الْقَبُولَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاطِ، قَالَ الْحَارِثِيُّ: يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ. فَإِنْ تَرَاخَى عَنْهُ: بَطَلَ كَمَا يَبْطُلُ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ. وَعَلَّلَهُ. ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا عُلِمَ هَذَا، فَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ الثَّانِي وَالثَّالِثِ. وَمِنْ بَعْدِ تَرَاخِي اسْتِحْقَاقِهِمْ عَنْ الْإِيجَابِ. ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. قَالَ: وَهَذَا يُشْكِلُ بِقَبُولِ الْوَصِيَّةِ مُتَرَاخِيًا عَنْ الْإِيجَابِ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله إذَا اُشْتُرِطَ الْقَبُولُ عَلَى الْمُعَيَّنِ. فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ الْمَجْلِسُ. بَلْ يَلْحَقُ بِالْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ. فَيَصِحُّ مُعَجَّلًا وَمُؤَجَّلًا بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ. فَأَخْذُ رِيعِهِ: قَبُولٌ. وَقَطْعٌ، وَاخْتَارَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ: أَنَّ تَصَرُّفَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ: يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ بِالْقَوْلِ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ أَوْ رَدَّهُ: بَطَلَ فِي حَقِّهِ، دُونَ مَنْ بَعْدَهُ) . وَهَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ الْقَبُولِ. فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ كَالْمُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ. فَيَأْتِي فِيهِ وَجْهٌ بِالْبُطْلَانِ. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. أَعْنِي: كَوْنَهُ كَالْمُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ هَذَا، وَإِنْ لَمْ تُصَحَّحْ فِي الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَصَحُّ كَتَعَذُّرِ اسْتِحْقَاقِهِ لِفَوْتِ وَصْفٍ فِيهِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ. فَعَلَى هَذَا: يَصِحُّ هُنَا. قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: لَيْسَ كَالْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ، بَلْ الْوَقْفُ هُنَا صَحِيحٌ. قَوْلًا وَاحِدًا
قَوْلُهُ (وَكَانَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ. ثُمَّ عَلَى مَنْ يَجُوزُ) . هَذَا الْوَقْفُ الْمُنْقَطِعُ الِابْتِدَاءِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: جَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَبَنَاهُ فِي الْمُغْنِي، وَمَنْ تَابَعَهُ، عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. فَأَجْرَى وَجْهًا بِالْبُطْلَانِ. قَالَ: وَفِيهِ بُعْدٌ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُصْرَفُ فِي الْحَالِ إلَى مَنْ بَعْدَهُ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَقْوَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ إنْ كَانَ مَنْ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ يَعْرِفُ انْقِرَاضَهُ كَرَجُلٍ مُعَيَّنٍ صُرِفَ إلَى مَصْرِفِ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ. يَعْنِي الْمُنْقَطِعَ الِانْتِهَاءِ. عَلَى مَا يَأْتِي. صَرَّحَ بِهِ الْحَارِثِيُّ، إلَى أَنْ يَنْقَرِضَ. ثُمَّ يُصْرَفَ إلَى مَنْ بَعْدَهُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْقَاضِي. وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُصْرَفُ إلَى أَقَارِبِ الْوَاقِفِ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جِهَةٍ تَنْقَطِعُ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مَآلًا، أَوْ عَلَى مَنْ يَجُوزُ، ثُمَّ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ) انْصَرَفَ بَعْدَ انْقِرَاضِ مَنْ يَجُوزُ (الْوَقْفُ عَلَيْهِ إلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ وَقْفًا عَلَيْهِمْ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) .
وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَعَلَيْهَا: يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْقَاضِي: فَلِلْبِنْتِ مَعَ الِابْنِ الثُّلُثُ. وَلَهُ الْبَاقِي. وَلِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ مَعَ الْأَخِ لِلْأَبِ السُّدُسُ. وَلَهُ مَا بَقِيَ. وَإِنْ كَانَ جَدٌّ وَأَخٌ: قَاسَمَهُ. وَإِنْ كَانَ أَخٌ وَعَمٌّ: انْفَرَدَ بِهِ الْأَخُ. وَإِنْ كَانَ عَمٌّ وَابْنُ عَمٍّ: انْفَرَدَ بِهِ الْعَمُّ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا تَخْصِيصٌ بِمَنْ يَرِثُ مِنْ الْأَقَارِبِ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ. وَتَفْضِيلٌ لِبَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ. وَهُوَ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَقَارِبِهِ، لَمَا قَالُوا فِيهِ بِهَذَا التَّخْصِيصِ، وَالتَّفْضِيلِ. وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، أَوْ أَوْلَادِ زَيْدٍ. لَا يُفَضَّلُ فِيهِ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى. وَقَدْ قَالُوا هُنَا: إنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْأَقَارِبِ وَقْفًا. انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ مَالَ إلَى عَدَمِ الْمُفَاضَلَةِ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَعَنْهُ: فِي أَقَارِبِهِ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ بِالسَّوِيَّةِ. وَيَخْتَصُّ بِهِ الْوَارِثُ. انْتَهَى.
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: يُصْرَفُ إلَى أَقْرَبِ عَصَبَتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ تُصْرَفُ إلَى عَصَبَتِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَقْرَبَ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. فَعَلَيْهِمَا: يَكُونُ وَقْفًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ.
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَالَ فِي الْمُغْنِي: نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِنَّمَا حَذَفَ ذِكْرَ الْوَقْفِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، اخْتِصَارًا وَاكْتِفَاءً بِذِكْرِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي رِوَايَةِ الْعَوْدِ إلَى الْوَرَثَةِ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " فِي الْوَرَثَةِ " يَكُونُ وَقْفًا عَلَيْهِمْ. عَلَى أَنَّهُ إذَا انْصَرَفَ إلَى أَقْرَبِ الْعَصَبَةِ: لَا يَكُونُ وَقْفًا. وَرَدَّهُ الْحَارِثِيُّ. فَقَالَ: مِنْ النَّاسِ مَنْ حَمَلَ رِوَايَةَ الْعَوْدِ إلَى أَقْرَبِ الْعَصَبَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: عَلَى الْعَوْدِ مِلْكًا. قَالَ: لِأَنَّهُ قَيَّدَ رِوَايَةَ الْعَوْدِ إلَى الْوَرَثَةِ بِالْوَقْفِ، وَأَطْلَقَ هُنَا. وَأَثْبَتَ بِذَلِكَ وَجْهًا. قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَإِنَّ الْعَوْدَ إلَى الْأَقْرَبِ مِلْكًا إنَّمَا يَكُونُ بِسَبَبِ الْإِرْثِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِرْثَ لَا يَخْتَصُّ بِأَقْرَبِ الْعَصَبَةِ. وَأَيْضًا: فَقَدْ حَكَى خِلَافًا فِي اخْتِصَاصِ الْعَوْدِ بِالْفُقَرَاءِ بِهِمْ. وَلَوْ كَانَ إرْثًا لَمَا اخْتَصَّ بِالْفُقَرَاءِ. مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ صَرَّحَ بِالْوَقْفِ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابَيْهِ. وَكَذَلِكَ الَّذِينَ نَقَلَ مِنْ كُتُبِهِمْ، كَالْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: يَكُونُ مِلْكًا. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَقِيلَ يَكُونُ مِلْكًا. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إنْ رَجَعَ إلَى الْوَرَثَةِ كَانَ مِلْكًا، بِخِلَافِ الْعَصَبَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَهَذَا أَصَحُّ وَأَشْبَهُ بِكَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ أَيْضًا (هَلْ يَخْتَصُّ بِهِ فُقَرَاؤُهُمْ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْأَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْأَقْوَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَالْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَخْتَصُّ بِهِ فُقَرَاؤُهُمْ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ.
فَائِدَةٌ: مَتَى قُلْنَا بِرُجُوعِهِ إلَى أَقَارِبِ الْوَاقِفِ، وَكَانَ الْوَاقِفُ حَيًّا، فَفِي رُجُوعِهِ إلَيْهِ أَوْ إلَى عَصَبَتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ رِوَايَتَانِ. حَكَاهُمَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْإِقْنَاعِ رِوَايَةً.
إحْدَاهُمَا: يَدْخُلُ. قَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّبْعِينَ. وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَنْسَالِهِمْ، عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ: رَجَعَ نَصِيبُهُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ. فَتُوُفِّيَ أُحُدُ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ، وَالْأَبُ الْوَاقِفُ حَيٌّ، فَهَلْ يَعُودُ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ النَّاسِ إلَيْهِ، أَمْ لَا؟ تُخَرَّجُ عَلَى مَا قَبْلَهَا. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ. وَالْمَسْأَلَةُ مُلْتَفِتَةٌ إلَى دُخُولِ الْمُخَاطَبِ فِي خِطَابِهِ.
تَنْبِيهٌ:
لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاقِفِ أَقَارِبُ: رَجَعَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. عَلَى الصَّحِيحِ جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يُبَاعُ. وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ فِي الْمَسَاكِينِ. وَقِيلَ: يُصْرَفُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إبْرَاهِيمَ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَغَيْرِهَا.
وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَفِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: أَنَّهُ يَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْمَسَاكِينِ. وَالْمَوْضِعُ الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي فِيهِ: هُوَ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالزَّيْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ النَّاظِمُ: هِيَ أَوْلَى الرِّوَايَاتِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا لَا أَعْلَمُهُ نَصًّا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. قَالَ الْمُصَنِّفُ: إنْ كَانَ فِي أَقَارِبِ الْوَاقِفِ فُقَرَاءُ: فَهُمْ أَوْلَى بِهِ، لَا عَلَى الْوُجُوبِ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ: يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ: وَنَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو جَعْفَرٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنَصُّ الرِّوَايَاتِ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهِمْ فَعَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ: يَكُونُ وَقْفًا أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ يَرْجِعُ إلَى مِلْكِ وَاقِفِهِ الْحَيِّ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: أَنَّهُ قَبْلَ وَرَثَتِهِ لِوَرَثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: إنْ وَقَفَ عَلَى عَبِيدِهِ لَمْ يَسْتَقِمْ. قُلْت: فَيُعْتِقُهُمْ؟ قَالَ: جَائِزٌ. فَإِنْ مَاتُوا وَلَهُمْ أَوْلَادٌ فَهُوَ لَهُمْ، وَإِلَّا فَلِلْعَصَبَةِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ بِيعَ وَفُرِّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ.
فَائِدَةٌ: لِلْوَقْفِ صِفَاتٌ.
إحْدَاهَا: مُتَّصِلُ الِابْتِدَاءِ وَالْوَسَطِ وَالِانْتِهَاءِ.
الثَّانِيَةُ: مُنْقَطِعُ الِابْتِدَاءِ مُتَّصِلُ الِانْتِهَاءِ.
الثَّالِثَةُ: مُتَّصِلُ الِابْتِدَاءِ، مُنْقَطِعُ الِانْتِهَاءِ، عَكْسُ الَّذِي قَبْلَهُ.
الرَّابِعَةُ: مُتَّصِلُ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ، مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ.
الْخَامِسَةُ: عَكْسُ الَّذِي قَبْلَهُ. مُنْقَطِعُ الطَّرَفَيْنِ، صَحِيحُ الْوَسَطِ. وَأَمْثِلَتُهَا وَاضِحَةٌ. وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَخَرَجَ وَجْهٌ بِالْبُطْلَانِ فِي الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَرِوَايَةٌ بِأَنَّهُ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِي مُنْقَطِعِ الْآخَرِ: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ.
السَّادِسَةُ: مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ وَالْوَسَطِ وَالْأَخِيرِ، مِثْلُ أَنْ يَقِفَ عَلَى مَنْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، وَيَسْكُتُ، أَوْ يَذْكُرُ مَا لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ أَيْضًا. فَهَذَا بَاطِلٌ. بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ.
فَالصِّفَةُ الْأُولَى: هِيَ الْأَصْلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ.
وَالصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، حَيْثُ قَالَ " وَكَانَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ ثُمَّ عَلَى مَنْ يَجُوزُ ".
وَالصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَيْضًا، حَيْثُ قَالَ " وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جِهَةٍ تَنْقَطِعُ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مَآلًا، أَوْ عَلَى مَنْ يَجُوزُ. ثُمَّ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ ".
وَالرَّابِعَةُ، وَالْخَامِسَةُ: لَمْ يَذْكُرْهُمَا الْمُصَنِّفُ، لَكِنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ. .
قَوْلُهُ (أَوْ قَالَ: وَقَفْت. وَسَكَتَ) . يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ " وَقَفْت " وَيَسْكُتُ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الِانْتِهَاءِ. فَالْوَقْفُ صَحِيحٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَنَا. انْتَهَى.
فَظَاهِرُهُ: أَنَّ فِي الصِّحَّةِ خِلَافًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الِانْتِهَاءِ فِي مَصْرِفِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: يُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ، الْوَجْهُ الثَّانِي: يُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْخَيْرِ. قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ، وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ شِهَابٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْخِلَافِ الصَّغِيرِ، وَالشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالزَّيْدِيُّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْقَاضِي، وَالْعُكْبَرِيُّ فِي آخَرِينَ. وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ " وَكَانَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ". وَفِي بَعْضِهَا " صُرِفَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ " وَالْمَعْنَى: مُتَّحِدٌ. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي قَوْلِهِ " تَصَدَّقْت " تَكُونُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: وَقَفْته سَنَةً: لَمْ يَصِحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ، وَيُصْرَفَ بَعْدَهَا مَصْرِفَ الْمُنْقَطِعِ يَعْنِي مُنْقَطِعَ الِانْتِهَاءِ وَهُوَ وَجْهٌ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ، وَيَلْغُو تَوْقِيتُهُ.
فَائِدَةٌ:
لَوْ وَقَفَهُ عَلَى وَلَدِهِ سَنَةً، ثُمَّ عَلَى زَيْدٍ سَنَةً، ثُمَّ عَلَى عَمْرٍو سَنَةً، ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ: صَحَّ. لِاتِّصَالِهِ ابْتِدَاءً، وَانْتِهَاءً. وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَقَفْته عَلَى وَلَدِي مُدَّةَ حَيَاتِي، ثُمَّ عَلَى زَيْدٍ، ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ: صَحَّ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُشْتَرَطُ إخْرَاجُ الْوَقْفِ عَنْ يَدِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ، وَاخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَالْمَنْصُورُ عِنْدَهُمْ فِي الْخِلَافِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْمُخْتَارُ الْمَعْمُولُ بِهِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ يَدِهِ. قَطَعَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى فِي كِتَابَيْهِمَا. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَاخْتَارَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَالْوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَرَأَيْت بَعْضَهُمْ قَالَ: قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: لَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُهُ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ يَصْرِفُهُ فِي مَصَارِفِهِ: وَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ يَدِهِ: أَنَّهُ يَقَعُ بَاطِلًا. انْتَهَى. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاطِ: فَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: التَّسْلِيمُ إلَى نَاظِرٍ يَقُومُ بِهِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ. فَالْمَسَاجِدُ وَالْقَنَاطِرُ وَالْآبَارُ وَنَحْوُهُمَا يَكْفِي التَّخْلِيَةُ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ.
قَالَ: وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي التَّسْلِيمَ إلَى الْمُعَيَّنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إذَا قِيلَ بِالِانْتِقَالِ إلَيْهِ. وَإِلَّا فَإِلَى النَّاظِرِ أَوْ الْحَاكِمِ. انْتَهَى. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاطِ أَيْضًا: لَوْ شَرَطَ نَظَرَهُ لِنَفْسِهِ: سَلَّمَهُ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ ارْتَجَعَهُ مِنْهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَأَمَّا التَّسْلِيمُ إلَى مَنْ يُنَصِّبُهُ هُوَ، فَالْمَنْصُوبُ: إمَّا غَيْرُ نَاظِرٍ. فَوَكِيلٌ مَحْضٌ يَدُهُ كَيَدِهِ، وَإِمَّا نَاظِرٌ. فَالنَّظَرُ لَا يَجِبُ شَرْطُهُ لِأَجْنَبِيٍّ. فَالتَّسْلِيمُ إلَى الْغَيْرِ غَيْرُ وَاجِبٍ. انْتَهَى. قُلْت: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ.
فَائِدَةٌ:
إذَا قُلْنَا بِالِاشْتِرَاطِ. فَهَلْ هُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ، أَوْ لِلُزُومِهِ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ: أَنَّهُ شَرْطٌ لِلُّزُومِ، لَا شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَصَرَّحَ بِهِ الْحَارِثِيُّ: فَقَالَ: وَلَيْسَ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ، بَلْ شَرْطٌ لِلُّزُومِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ. فَعَلَى هَذَا: قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالسَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ: إنْ مَاتَ قَبْلَ إخْرَاجِهِ وَحِيَازَتِهِ: بَطَلَ. وَكَانَ مِيرَاثًا. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ: وَغَيْرُهُ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الْأَوْلَى هُنَا: اللُّزُومُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّ الْخِلَافَ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ. فَقَالُوا: هَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ إخْرَاجُهُ عَنْ يَدِ الْوَاقِفِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ إخْرَاجُهُ عَنْ يَدِهِ.
قَوْلُهُ (وَيَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُهُ، وَالشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالزَّيْدِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ بَكْرُوسٍ وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. " وَعَنْهُ لَا يَمْلِكُهُ " بَلْ هُوَ مِلْكٌ لِلَّهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ اخْتِيَارِ ابْنِ أَبِي مُوسَى قِيَاسًا عَلَى الْعِتْقِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَبِهِ أَقُولُ. وَعَنْهُ مُلْكُ لِلْوَاقِفِ. ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَمْ يُوَافِقْهُمَا عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَلَا مُتَأَخِّرِيهِمْ. انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَهَا مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. كَصَاحِبِ الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي فَوَائِدِهِ: وَعَلَى رِوَايَةِ " أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ " فَهَلْ هُوَ مِلْكٌ لِلْوَاقِفِ أَوْ لِلَّهِ؟ فِيهِ خِلَافٌ. تَنْبِيهٌ:
لِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ. مِنْهَا:
مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. فَمِنْهَا: لَوْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَوْقُوفَةَ. فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا مَهْرَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَتَّجِهُ أَنْ يَنْبَنِيَ عَلَى الْمِلْكِ إنْ جَعَلْنَاهُ لَهُ: فَلَا حَدَّ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. قَالَ: وَفِي الْمُغْنِي وَجْهٌ بِوُجُوبِ الْحَدِّ فِي وَطْءِ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ. قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا الْمَنْفَعَةَ. فَلَزِمَهُ كَالْمُسْتَأْجِرِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: فَيَطَّرِدُ الْحَدُّ هُنَا، عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْمِلْكِ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْجَهْلَ وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ. وَمِنْهَا: قَوْلُهُ (وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ فَهُوَ حُرٌّ. وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَشْتَرِي بِهَا مَا يَقُومُ مَقَامَهُ. وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ) . يَعْنِي تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إنْ قُلْنَا: هِيَ مِلْكٌ لَهُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهَا: لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ. وَهِيَ وَقْفٌ بِحَالِهَا.
قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) . يَعْنِي قِيمَةَ الْوَلَدِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ إذَا أَوْلَدَهَا. وَعَزَاهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ إلَى اخْتِيَارِ أَبِي الْخَطَّابِ.
قَوْلُهُ (وَتَجِبُ قِيمَتُهَا فِي تَرِكَتِهِ، يَشْتَرِي بِهَا مِثْلَهَا تَكُونُ وَقْفًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: تُصْرَفُ قِيمَتُهَا لِلْبَطْنِ الثَّانِي، إنْ تَلَقَّى الْوَقْفَ مِنْ وَاقِفِهِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: فَدَلَّ عَلَى الْخِلَافِ. وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُغْنِي، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ: الْبَطْنُ الثَّانِي يَتَلَقَّوْنَهُ مِنْ وَاقِفِهِ، لَا مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ. وَصَحَّحَهُ الطُّوفِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ. فَلَهُمْ الْيَمِينُ مَعَ شَاهِدِهِمْ. لِثُبُوتِ الْوَقْفِ، مَعَ امْتِنَاعِ بَعْضِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْهَا. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهَلْ يَتَلَقَّى الْبَطْنُ الثَّانِي الْوَقْفَ مِنْ الْبَطْنِ الَّذِي قَبْلَهُ، أَوْ مِنْ الْوَقْفِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ: فَالْوَلَدُ حُرٌّ. وَعَلَيْهِ
الْمَهْرُ لِأَهْلِ الْوَقْفِ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ، وَإِنْ تَلِفَتْ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا، يَشْتَرِي بِهِمَا مِثْلَهُمَا) . يَعْنِي يَشْتَرِي بِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَقِيمَةِ أُمِّهِ إذَا تَلِفَتْ. الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَشْتَرِي بِهِمَا مِثْلَهُمَا إنْ بَلَغَ، أَوْ شِقْصًا إنْ لَمْ يَبْلُغْ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ. " وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَ قِيمَةَ الْوَلَدِ هَاهُنَا ". يَعْنِي يَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْوَلَدِ هُنَا، عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ.
فَائِدَةٌ: لَوْ أَتْلَفَهَا إنْسَانٌ: لَزِمَهُ قِيمَتُهَا، يَشْتَرِي بِهَا مِثْلَهَا. وَإِنْ حَصَلَ الْإِتْلَافُ فِي جُزْءٍ بِهَا كَقَطْعِ طَرَفٍ مَثَلًا فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَشْتَرِي بِأَرْشِهَا شِقْصًا يَكُونُ وَقْفًا. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقِيلَ: يَكُونُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي التَّلْخِيصِ. وَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ إتْلَافٍ: فَالْأَرْشُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِ.
فَائِدَةٌ أُخْرَى:
لَوْ قَتَلَ الْمَوْقُوفَ عَبْدٌ مُكَافِئٌ. فَقَالَ فِي الْمُغْنِي: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ. لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ. فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ قَاتِلُهُ. كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَتَحْرِيرُ قَوْلِهِ فِي الْمُغْنِي: أَنَّ الْعَبْدَ الْمَوْقُوفَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُلَّاكِ وَمِنْ شَرْطِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ: مُطَالَبَةُ كُلِّ الشُّرَكَاءِ، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ. قَالَ: وَفِيهِ بَحْثٌ وَذَكَرَهُ وَمَالَ إلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ.
تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: وَقْفِيَّةُ الْبَدَلِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، لِاسْتِدْعَاءِ
الْبَدَلِيَّةِ ثُبُوتَ حُكْمِ الْأَصْلِ لَا الْبَدَلِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ عَقْدِ الْوَقْفِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِذَا خَرِبَ الْوَقْفُ، وَلَمْ يَرُدَّ شَيْئًا: بِيعَ وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهِ مَا يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْوَقْفِ، وَجُعِلَ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَكَذَا نَصَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رحمه الله فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. قَالَ: وَبِهَذَا أَقُولُ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ بَيْعِ الْوَقْفِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. وَكَلَامُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ. وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ:
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَلَهُ تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ ". يَعْنِي إذَا قُلْنَا: يَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ. وَعَلَى الثَّالِثَةِ: يُزَوِّجُهَا الْوَاقِفُ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ، وَالْحَارِثِيُّ لَكِنْ إذَا زَوَّجَ الْحَاكِمُ اُشْتُرِطَ إذْنُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. وَكَذَا إذَا زَوَّجَهَا الْوَاقِفُ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ عِنْدِهِ. قُلْت: هُوَ مُرَادُ مَنْ لَمْ يَذْكُرْهُ قَطْعًا. وَقَدْ طَرَدَهُ الْحَارِثِيُّ فِي الْوَاقِفِ وَالنَّاظِرِ، إذَا قِيلَ بِوِلَايَتِهِمَا. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا بِحَالٍ، إلَّا إذَا طَلَبَتْهُ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمُغْنِي. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَحْتَمِلُ مَنْعَ تَزْوِيجِهَا، إنْ لَمْ تَطْلُبْهُ.
قَوْلُهُ (وَوَلَدُهَا وَقْفٌ مَعَهَا) . هَذَا الْمُذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَهُ) الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ. وَهُوَ اخْتِيَارٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظِيرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ. وَنَسَبَ الْأَوَّلَ إلَى الْأَصْحَابِ.
وَيَأْتِي: هَلْ يَجُوزُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَيْهِ؟ فِي الْفَوَائِدِ قَرِيبًا.
وَمِنْ الْفَوَائِدِ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَإِنْ جَنَى الْوَقْفُ خَطَأً: فَالْأَرْشُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) . يَعْنِي إذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَمْلِكُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: تَكُونُ جِنَايَتُهُ فِي كَسْبِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّبْصِرَةِ. وَضَعَّفَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ، عَلَى الْقَوْلَيْنِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ: فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْوَاقِفِ. " وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ فِي كَسْبِهِ " قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ عِنْدِهِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ: وَلَهُمْ وَجْهٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ الْوُجُوبُ عَلَى الْوَاقِفِ. قَالَ: وَفِيهِ بَحْثٌ. تَنْبِيهٌ:
هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا. أَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالْمَسَاكِينِ وَنَحْوِهِمْ فَقَالَ فِي الْمُغْنِي: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَرْشُ فِي كَسْبِهِ. لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّنٌ، يُمْكِنُ إيجَابُ الْأَرْشِ عَلَيْهِ. وَلَا يُمْكِنُ تَعَلُّقُهَا بِرَقَبَتِهِ، فَتَتَعَيَّنُ فِي كَسْبِهِ. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
فَائِدَةٌ:
حَيْثُ أَوْجَبْنَا الْفِدَاءَ، فَهُوَ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ، أَوْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، اعْتِبَارًا بِأُمِّ الْوَلَدِ. تَنْبِيهٌ:
فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ.
وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ مَاشِيَةً: لَمْ تَجِبْ زَكَاتُهَا، عَلَى الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ. لِضَعْفِ الْمِلْكِ. وَتَجِبُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عَلَى الْأُولَى، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَاخْتِيَارِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالْمَجْدِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ النَّاظِمُ: وَلَكِنْ لِيَخْرُجَ مَنْ سِوَاهَا وَيُمْدَدْ
قُلْت: فَيُعَايَا بِهَا. وَقِيلَ: لَا تَجِبُ مُطْلَقًا لِضَعْفِ الْمِلْكِ. اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. فَأَمَّا الشَّجَرُ الْمَوْقُوفُ: فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي ثَمَرِهِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. وَجْهًا وَاحِدًا. لِأَنَّ ثَمَرَتَهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي الْفَوَائِدِ. قَالَ الشِّيرَازِيُّ: لَا زَكَاةَ فِيهِ مُطْلَقًا. وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ رِوَايَةً. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا زَكَاةَ فِي السَّائِمَةِ الْمَوْقُوفَةِ " بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. فَلْيُرَاجَعْ.
وَمِنْهَا: النَّظَرُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، إنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ: مِلْكَ النَّظَرِ عَلَيْهِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَيَنْظُرُ فِيهِ هُوَ مُطْلَقًا، أَوْ وَلِيُّهُ، إنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا. وَقِيلَ: يُضَمُّ إلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَكُونُ النَّظَرُ لِلْحَاكِمِ. وَعَلَى الثَّالِثَةِ: لِلْوَاقِفِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ عِنْدِهِ.
وَمِنْهَا: هَلْ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِشَرِكَةِ الْوَقْفِ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ.
أَحَدُهُمَا: الْبِنَاءُ. فَإِنْ قِيلَ: يَمْلِكُهُ اسْتَحَقَّ بِهِ الشُّفْعَةَ، وَإِلَّا فَلَا.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْوَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا: يَمْلِكُهُ. قَالَهُ الْمَجْدُ. وَهَذَا كُلُّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْمُذْهَبِ فِي جَوَازِ قِسْمَةِ الْوَقْفِ مِنْ الطَّلْقِ.
أَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ بِمَنْعِ الْقِسْمَةِ: فَلَا شُفْعَةَ. وَكَذَلِكَ بَنَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ الْوَجْهَيْنِ هُنَا عَلَى الْخِلَافِ فِي قَبُولِ الْقِسْمَةِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَلَا شُفْعَةَ بِشَرِكَةِ الْوَقْفِ ".
وَمِنْهَا: نَفَقَةُ الْحَيَوَانِ الْمَوْقُوفِ. فَتَجِبُ حَيْثُ شُرِطَتْ، وَمَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ تَجِبُ فِي كَسْبِهِ، وَمَعَ عَدَمِهِ تَجِبُ عَلَى مَنْ الْمِلْكُ لَهُ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مِنْ عِنْدِهِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: تَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَهُوَ وَجْهٌ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ فَوَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: نَفَقَتُهُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: فِي بَيْتِ الْمَالِ. فَقِيلَ: هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ. وَقَدْ يُقَالُ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ لِغَيْرِهِ، كَمَا نَقُولُ بِوُجُوبِهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ عَلَى وَجْهٍ، انْتَهَى.
وَمِنْهَا: لَا يَجُوزُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْأُولَى. وَيَجُوزُ عَلَى الثَّانِيَةِ. قُلْت: وَعَلَى الثَّالِثَةِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا الْبِنَاءُ ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّهُ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ. وَلِهَذَا يَكُونُ الْمَهْرُ لَهُ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ، فَعَلَى الْأُولَى: لَوْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ. لِوُجُودِ الْمِلْكِ.
وَمِنْهَا: لَوْ سَرَقَ الْوَقْفَ أَوْ نَمَاءَهُ. فَعَلَى الْأُولَى: يُقْطَعُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ: لَمْ يُقْطَعْ، عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ يُقْطَعُ.
وَمَحَلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ: إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ.
وَمِنْهَا: وُجُوبُ إخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عَلَى الْأُولَى. عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا إذَا اُشْتُرِيَ عَبْدٌ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِخِدْمَةِ الْوَقْفِ. فَإِنَّ الْفُطْرَةَ تَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا. لِتَمَامِ التَّصَرُّفِ فِيهِ. قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي. وَيُعَايَى بِمَمْلُوكٍ لَا مَالِكَ لَهُ. وَهُوَ عَبْدٌ وُقِفَ عَلَى خِدْمَةِ الْكَعْبَةِ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمَنْثُورِ.
وَمِنْهَا: لَوْ زَرَعَ الْغَاصِبُ أَرْضَ الْوَقْفِ. فَعَلَى الْأُولَى: لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ التَّمَلُّكُ بِالنَّفَقَةِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمُسْتَأْجِرِ وَمَالِكُ الْمَنْفَعَةِ. فِيهِ تَرَدُّدٌ. ذَكَرَهُ فِي الْفَوَائِدِ مِنْ الْقَوَاعِدِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ. ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ رَجَعَ نَصِيبُهُ عَلَى الْآخَرَيْنِ) . وَكَذَا لَوْ رَدَّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: الصَّرْفُ مُدَّةَ بَقَاءِ الْآخَرَيْنِ مَصْرِفُ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ. لِسُكُوتِهِ عَنْ الْمَصْرِفِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الِانْتِقَالُ إلَى الْمَسَاكِينِ. لِاقْتِضَاءِ اللَّفْظِ لَهُ. فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ: الصَّرْفُ إلَى الْمَسَاكِينِ بَعْدَ انْقِرَاضِ مَنْ عَيَّنَ. فَصَرْفُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمْ عِنْدَ انْقِرَاضِهِ إلَى الْمَسَاكِينِ: دَاخِلٌ تَحْتَ دَلَالَةِ اللَّفْظِ، وَرَجَّحَهُ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ. فَوَائِدُ.
إحْدَاهَا: لَوْ وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مَآلًا. فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَحُكْمُ نَصِيبِهِ حُكْمُ الْمُنْقَطِعِ. كَمَا لَوْ مَاتُوا جَمِيعًا. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ.
وَقَالَ: عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ يُصْرَفُ إلَى مَنْ بَقِيَ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَكَذَا الْحَكَمُ لَوْ رَدَّ بَعْضُهُمْ. قَالَهُ فِيهَا أَيْضًا.
الثَّانِيَةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ هَذَا تَرْتِيبُ جُمْلَةٍ عَلَى مِثْلِهَا. لَا يَسْتَحِقُّ الْبَطْنُ الثَّانِي شَيْئًا قَبْلَ انْقِرَاضِ الْأَوَّلِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: هَذَا الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ. فَيَكُونُ مِنْ بَابِ تَوْزِيعِ الْجُمْلَةِ. وَقِيلَ: تَرْتِيبُ أَفْرَادٍ. فَيَسْتَحِقُّ الْوَلَدُ نَصِيبَ أَبِيهِ بَعْدَهُ. فَهُوَ مِنْ تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ بَيْنَ كُلِّ شَخْصٍ وَأَبِيهِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ، عِنْدَ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ بِالْهِلَالِ: إذَا قُوبِلَ جَمْعٌ بِجَمْعٍ: اقْتَضَى مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ مِنْهُ بِالْفَرْدِ لُغَةً. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: فَعَلَى هَذَا: الْأَظْهَرُ اسْتِحْقَاقُ الْوَلَدِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَبُوهُ. وَقَالَ: الْأَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدَيْهِ نِصْفَيْنِ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا، وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا وَعَقِبِهِمَا بَعْدَهُمَا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ: أَنَّهُ يَنْتَقِلُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى وَلَدِهِ، ثُمَّ وَلَدِ وَلَدِهِ. وَقَالَ: مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْوَقْفَ كَالْإِرْثِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبُوهُ أَخَذَ شَيْئًا لَمْ يَأْخُذْ هُوَ: فَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ. وَلِهَذَا: لَوْ انْتَفَتْ الشُّرُوطُ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى، أَوْ بَعْضِهِمْ: لَمْ تَحْرُمْ الثَّانِيَةُ مَعَ وُجُودِ الشُّرُوطِ فِيهِمْ إجْمَاعًا، وَلَا فَرْقَ. انْتَهَى.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَوْلُ الْوَاقِفِ " مَنْ مَاتَ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ " يَعُمُّ مَا اسْتَحَقَّهُ وَمَا يَسْتَحِقُّهُ مَعَ صِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ اسْتَحَقَّهُ أَوْ لَا، تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ، وَلِصِدْقِ الْإِضَافَةِ
بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ. وَلِأَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَسْتَحِقُّهُ. وَلِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عِنْدَ الْعَامَّةِ الشَّارِطِينَ، وَيَقْصِدُونَهُ. لِأَنَّهُ يَتِيمٌ لَمْ يَرِثْ هُوَ وَأَبُوهُ مِنْ الْجَدِّ. وَلِأَنَّ فِي صُورَةِ الْإِجْمَاعِ يَنْتَقِلُ مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ إلَى وَلَدِهِ، لَكِنْ هُنَا: هَلْ يُعْتَبَرُ مَوْتُ الْوَالِدِ؟ يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ. وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا مَا اسْتَحَقَّهُ فَمَفْهُومٌ. خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَقَدْ تَنَاوَلَهُ الْوَقْفُ عَلَى أَوْلَادِهِ، ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَعَلَى قَوْلِ شَيْخِنَا: إنْ قَالَ " بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ " وَنَحْوَهُ: فَتَرْتِيبُ جُمْلَةٍ، مَعَ أَنَّهُ مُحْتَمِلٌ. فَإِنْ زَادَ الْوَاقِفُ " عَلَى أَنَّهُ إنْ تُوُفِّيَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ، وَلَهُ وَلَدٌ، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ عَنْ أَوْلَادٍ لِصُلْبِهِ، وَعَنْ وَلَدِ وَلَدِهِ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ. فَلَهُ مَعَهُمْ مَا لِأَبِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا " فَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله أَيْضًا فِيمَا إذَا قَالَ " بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ " وَلَمْ يَزِدْ شَيْئًا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا نِزَاعٌ. وَالْأَظْهَرُ: أَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ يَنْتَقِلُ إلَى وَلَدِهِ، ثُمَّ إلَى وَلَدِ وَلَدِهِ، وَلَا مُشَارَكَةَ انْتَهَى.
الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنِينَ. فَقَالَ " وَقَفْت عَلَى وَلَدِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَعَلَى وَلَدِ وَلَدِي " كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَوْلَادِهِمَا وَأَوْلَادِ الثَّالِثِ، وَلَا شَيْءَ لِلثَّالِثِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُخْتَارًا لَهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَاهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَوَّاهُ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ. وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: يَدْخُلُ الِابْنُ الثَّالِثُ. وَنَقَلَهُ حَرْبٌ، وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. فَقَالَ: فَالْمَنْصُوصُ دُخُولُ الْجَمِيعِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَيَخْرُجُ وَجْهٌ بِالِاخْتِصَاصِ بِوَلَدِ مَنْ وَقَفَ عَلَيْهِمْ، اعْتِبَارًا بِآبَائِهِمْ. وَكَذَا الْحَكَمُ وَالْخِلَافُ وَالْمَذْهَبُ لَوْ قَالَ " وَقَفْت عَلَى وَلَدَيَّ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ " هَلْ يَشْمَلُ وَلَدَ وَلَدِهِ أَمْ لَا؟ .
وَقِيلَ: يَشْمَلُهُ هُنَا. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ احْتِمَالًا مِنْ عِنْدِهِ.
الرَّابِعَةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى فُلَانٍ. فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادُهُ فَعَلَى الْمَسَاكِينِ: كَانَ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ لِأَوْلَادِهِ. ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ لِلْمَسَاكِينِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَقِيلَ: يُصْرَفُ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ مَصْرِفَ الْمُنْقَطِعِ، حَتَّى يَنْقَرِضَ أَوْلَادُهُ. ثُمَّ يُصْرَفُ عَلَى الْمَسَاكِينِ.
الْخَامِسَةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ: اشْتَرَكُوا حَالًا. وَلَوْ قَالَ فِيهِ " عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِذَوِي طَبَقَتِهِ " كَانَ لِلِاشْتِرَاكِ أَيْضًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَقَدْ زَعَمَ الْمَجْدُ: أَنَّ كَلَامَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْأَوْلَادِ، وَأَوْلَادِهِمْ. ثُمَّ يُضَافُ إلَى كُلِّ وَلَدٍ نَصِيبُ وَالِدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِمَنْ رَاجَعَهُ وَتَأَمَّلَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ لِلتَّرْتِيبِ بَيْنَ كُلِّ وَلَدٍ وَأَبِيهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَذَكَرَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. وَلَوْ رَتَّبَ بِقَوْلِهِ " الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، أَوْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، أَوْ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ ثُمَّ الثَّانِي " فَهَذَا تَرْتِيبُ جُمْلَةٍ عَلَى مِثْلِهَا. لَا يَسْتَحِقُّ الْبَطْنُ الثَّانِي شَيْئًا قَبْلَ انْقِرَاضِ الْأَوَّلِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَكَذَا قَوْلُهُ " قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ ". وَلَوْ قَالَ بَعْدَ التَّرْتِيبِ بَيْنَ أَوْلَادِهِ " ثُمَّ عَلَى أَنْسَالِهِمْ وَأَعْقَابِهِمْ " فَهَلْ يَسْتَحِقُّهُ أَهْلُ الْعَقِبِ مُرَتَّبًا، أَوْ مُشْتَرَكًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ.
قُلْت: الصَّوَابُ التَّرْتِيبُ. وَلَوْ رَتَّبَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ بِ " ثُمَّ " ثُمَّ قَالَ " وَمَنْ تُوُفِّيَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ " اسْتَحَقَّ كُلُّ وَلَدٍ بَعْدَ أَبِيهِ نَصِيبَهُ. وَلَوْ قَالَ " عَلَى أَوْلَادِي، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي، عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِأَهْلِ دَرَجَتِهِ " اسْتَحَقَّ كُلُّ وَلَدٍ نَصِيبَ أَبِيهِ بَعْدَهُ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. قَالَ فِي الْفَائِقِ: ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله وَغَيْرُهُ. انْتَهَى. وَهُمَا يَنْزِعَانِ إلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِيهَا. قُلْت: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ. وَقَدْ وَافَقَ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ رحمه الله عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذْهَبِ. وَجَعَلُوهُ مِنْ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْمَفْهُومِ. وَهُوَ أَظْهَرُ. وَصَنَّفَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي ذَلِكَ مُصَنَّفًا حَافِلًا خَمْسَ كَرَارِيسَ. وَلَوْ قَالَ " وَمَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ " فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَشْمَلُ النَّصِيبَ الْأَصْلِيَّ وَالْعَائِدَ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثُ إخْوَةٍ. فَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ عَنْ وَلَدٍ. وَيَمُوتُ الثَّانِي عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ. فَنَصِيبُهُ لِأَخِيهِ الثَّالِثِ. فَإِذَا مَاتَ الثَّالِثُ عَنْ وَلَدٍ: اسْتَحَقَّ جَمِيعَ مَا كَانَ فِي يَدِ أَبِيهِ مِنْ الْأَصْلِيِّ وَالْعَائِدِ إلَيْهِ مِنْ أَخِيهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يَشْمَلُ النَّصِيبَ الْأَصْلِيَّ، وَيَشْتَرِكُ وَلَدُ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ وَوَلَدُ الْمَيِّتِ الثَّالِثِ فِي النَّصِيبِ الْعَائِدِ إلَى أَخِيهِ. لِأَنَّ وَالِدَيْهِمَا لَوْ كَانَا حَيَّيْنِ لَاشْتَرَكَا فِي الْعَائِدِ. فَكَذَا وَلَدُهُمَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَلَوْ قَالَ " مَنْ تُوُفِّيَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ: فَنَصِيبُهُ لِأَهْلِ دَرَجَتِهِ " وَكَانَ الْوَقْفُ مُرَتَّبًا بِالْبُطُونِ، كَانَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ: لِأَهْلِ الْبَطْنِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ.
وَلَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَهْلِ الْبُطُونِ: عَادَ إلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْوَقْفِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَوُجُودُ هَذَا الشَّرْطِ كَعَدَمِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَخْتَصُّ الْبَطْنُ الَّذِي هُوَ مِنْهُ. فَيَسْتَوِي فِيهِ إخْوَتُهُ وَبَنُو عَمِّهِ وَبَنُو بَنِي عَمِّ أَبِيهِ. لِأَنَّهُمْ فِي الْقُرْبِ سَوَاءٌ. قَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي دَرَجَتِهِ أَحَدٌ: فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ لَمْ يُذْكَرْ الشَّرْطُ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ، عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ، وَإِنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ: انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ. فَمَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ، فَقِيلَ: يَعُودُ نَصِيبُهُ إلَى أَهْلِ الْوَقْفِ كُلِّهِمْ، وَإِنْ كَانُوا بُطُونًا. وَحَكَمَ بِهِ التَّقِيُّ سُلَيْمَانُ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: يَخْتَصُّ أَهْلُ بَطْنِهِ، سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ حَالًا أَوْ قُوَّةً، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ ثَلَاثَةً. فَمَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ ابْنٍ، ثُمَّ مَاتَ الثَّانِي عَنْ ابْنَيْنِ. فَمَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ وَتَرَكَ أَخَاهُ وَابْنَ عَمِّهِ، وَعَمَّهُ وَابْنًا لِعَمِّهِ الْحَيِّ. فَيَكُونُ نَصِيبُهُ بَيْنَ أَخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ الْمَيِّتِ وَابْنِ عَمِّهِ الْحَيِّ. وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَمُّ شَيْئًا. وَقِيلَ: يَخْتَصُّ أَهْلُ بَطْنِهِ فِي أَهْلِ الْوَقْفِ الْمُتَنَاوِلِينَ لَهُ فِي الْحَالِ. فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ لِأَخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ. وَلَا شَيْءَ لِعَمِّهِ الْحَيِّ وَلَا لِوَلَدِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: ذَوُو طَبَقَتِهِ: إخْوَتُهُ، وَبَنُو عَمِّهِ، وَنَحْوُهُمْ. وَمَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ: عُمُومَتُهُ، وَنَحْوُهُمْ. وَمَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ: وَلَدُهُ، وَوَلَدُ إخْوَتِهِ وَطَبَقَتُهُمْ. وَلَا يَسْتَحِقُّ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْوَقْفِ بِحَالٍ. كَمَنْ لَهُ أَرْبَعُ بَنِينَ.
وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَتَرَكَ الرَّابِعَ. فَمَاتَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ: لَمْ يَكُنْ لِلرَّابِعِ فِيهِ شَيْءٌ. لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَإِذَا شَرَطَهُ لِمَنْ فِي دَرَجَةِ الْمُتَوَفَّى عِنْدَ عَدَمِ وَلَدِهِ: اسْتَحَقَّهُ أَهْلُ الدَّرَجَةِ حَالَةَ وَفَاتِهِ. وَكَذَا مَنْ سَيُوجَدُ مِنْهُمْ فِي أَصَحِّ الِاحْتِمَالَيْنِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: هَذَا أَقْوَى الِاحْتِمَالَيْنِ. قَالَ: وَرَأَيْت الْمُشَارَكَةَ بِخَطِّ الشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ يَعْنِي الشَّارِحَ وَالنَّوَوِيَّ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: يَخْرُجُ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ: وَالدُّخُولُ هُنَا أَوْلَى. وَبِهِ أَفْتَى الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا، لَوْ حَدَثَ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْ الْمَوْجُودِينَ، وَكَانَ فِي الْوَقْفِ اسْتِحْقَاقُ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى: فَإِنَّهُ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ.
السَّادِسَةُ: لَوْ قَالَ " عَلَى أَوْلَادِي، ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ فَقَطْ. ثُمَّ نَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ، ثُمَّ الْفُقَرَاءِ. عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، وَتَرَكَ وَلَدًا وَإِنْ سَفُلَ: فَنَصِيبُهُ لَهُ. فَمَاتَ أَحَدُ الطَّبَقَةِ الْأُوَلِ، وَتَرَكَ بِنْتًا، فَمَاتَتْ وَلَهَا أَوْلَادٌ ". فَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: مَا اسْتَحَقَّتْهُ قَبْلَ مَوْتِهَا: فَهُوَ لَهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَيَتَوَجَّهُ: لَا. انْتَهَى. وَلَوْ قَالَ " وَمَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ، وَإِنْ سَفَلَ: فَنَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ. ثُمَّ نَسْلِهِمْ، وَعَقِبِهِمْ " عَمَّ مَنْ لَمْ يُعْقِبْ وَمَنْ أَعْقَبَ، ثُمَّ انْقَطَعَ عَقِبُهُ، لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ غَيْرُهُ. وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُ. فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ قَطْعًا. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ نُفُوذُ حُكْمِهِ بِخِلَافِهِ.
السَّابِعَةُ: لَوْ اجْتَمَعَ صِفَتَانِ أَوْ صِفَاتٌ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ. فَهُوَ كَاجْتِمَاعِ شَخْصَيْنِ أَوْ أَشْخَاصٍ. عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَيَتَعَدَّدُ الِاسْتِحْقَاقُ بِهَا، كَالْأَعْيَانِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ.
وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الْوَصَايَا، وَالْفَرَائِضِ، وَالزَّكَاةِ، فَكَذَلِكَ الْوَقْفُ. وَأَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ أَيْضًا. وَرَدَّ قَوْلَ الْمُخَالِفِ فِي ذَلِكَ. وَقِيلَ: لَا يَتَعَدَّدُ الِاسْتِحْقَاقُ بِذَلِكَ. وَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فِي الْفَائِدَةِ السَّادِسَةِ مِنْ الْفَوَائِدِ الْآتِيَةِ قَرِيبًا.
الثَّامِنَةُ: إذَا تَعَقَّبَ الشَّرْطُ جُمَلًا: عَادَ إلَى الْكُلِّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَجْهَيْنِ، فِي قَوْلِهِ " أَنْتِ حَرَامٌ. وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى " انْتَهَى. وَالِاسْتِثْنَاءُ كَالشَّرْطِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا. وَقِيلَ: وَالْجُمَلُ مِنْ جِنْسٍ كَالشَّرْطِ. وَكَذَا مُخَصَّصٌ: مِنْ صِفَةٍ، وَعَطْفِ بَيَانٍ، وَتَوْكِيدٍ، وَبَدَلٍ، وَنَحْوِهِ، وَالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ، نَحْوِ " عَلَى أَنَّهُ " أَوْ " بِشَرْطِ أَنَّهُ " وَنَحْوِ ذَلِكَ كَالشَّرْطِ. لِتَعَلُّقِهِ بِفِعْلٍ، لَا بِاسْمٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَعُمُومُ كَلَامِهِمْ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَطْفِ بِوَاوٍ وَفَاءٍ وَثُمَّ. وَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ. ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ.
التَّاسِعَةُ: لَوْ وَجَدَ فِي كِتَابِ وَقْفٍ " أَنَّ رَجُلًا وَقَفَ عَلَى فُلَانٍ وَعَلَى بَنِي بَنِيهِ. وَاشْتَبَهَ: هَلْ الْمُرَادُ بِبَنِي بَنِيهِ، جَمْعُ ابْنٍ، أَوْ بَنِي بِنْتِهِ، وَاحِدَةُ الْبَنَاتِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: يَكُونُ بَيْنَهُمَا عِنْدَنَا. لِتُسَاوِيهِمَا، كَمَا فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: لَيْسَ هَذَا مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ، بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ تَرَدُّدِ الْبَيِّنَةِ الْوَاحِدَةِ. وَلَوْ كَانَ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ. فَالْقِسْمَةُ عِنْدَ التَّعَارُضِ رِوَايَةٌ مَرْجُوحَةٌ. وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ: إمَّا التَّسَاقُطُ وَإِمَّا الْقُرْعَةُ. فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْرَعَ هُنَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَجَّحَ بَنُو الْبَنِينَ. لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِ بِنْتَيْهِ لَا يَخُصُّ مِنْهُمَا الذُّكُورَ، بَلْ يَعُمُّ أَوْلَادَهُمَا، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى وَلَدِ الذُّكُورِ. فَإِنَّهُ
يَخُصُّ ذُكُورَهُمْ كَثِيرًا، كَآبَائِهِمْ. وَلِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ وَلَدَ الْبِنْتِ لَسَمَّاهَا بِاسْمِهَا، أَوْ لَشَرَّكَ بَيْنَ وَلَدِهَا وَوَلَدِ سَائِرِ بَنَاتِهِ. قَالَ: وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ.
وَأَفْتَى أَيْضًا رحمه الله فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى أَحَدِ أَوْلَادِهِ وَلَهُ عِدَّةُ أَوْلَادٍ وَجُهِلَ اسْمُهُ: أَنَّهُ يُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ.
قَوْلُهُ (وَيُرْجَعُ إلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ فِي قَسْمِهِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَفِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَالْجَمْعِ وَالتَّرْتِيبِ، وَالتَّسْوِيَةِ وَالتَّفْضِيلِ، وَإِخْرَاجِ مَنْ شَاءَ بِصِفَةٍ وَإِدْخَالِهِ بِصِفَةٍ. وَفِي النَّاظِرِ فِيهِ، وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَسَائِرِ أَحْوَالِهِ) . وَكَذَا لَوْ شَرَطَ عَدَمَ إيجَارِهِ، أَوْ قَدْرَ مُدَّةٍ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَنْ بَعْضِهِمْ: جَوَازُ زِيَادَةِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ عَلَى مَا شَرَطَهُ النَّاظِرُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ. قَالَ: وَهُوَ يَحْتَاجُ عِنْدِي إلَى شَيْءٍ مِنْ تَفْصِيلٍ. فَقَوْلُهُ " يُرْجَعُ فِي قَسْمِهِ " أَيْ فِي تَقْدِيرِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَ " التَّقْدِيمُ " الْبُدَاءَةُ بِبَعْضِ أَهْلِ الْوَقْفِ دُونَ بَعْضٍ. كَوَقْفٍ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ. وَيَبْدَأُ بِالدَّفْعِ إلَى زَيْدٍ، أَوْ وَقَفْت عَلَى طَائِفَةِ كَذَا. يَبْدَأُ بِالْأَصْلَحِ، أَوْ الْأَفْقَهِ. وَ " التَّأْخِيرُ " عَكْسُ ذَلِكَ. وَإِذَا أُضِيفَ تَقْدِيرُ الِاسْتِحْقَاقِ: كَانَ لِلْمُؤَخَّرِ مَا فَضَلَ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ سَقَطَ. وَ " الْجَمْعُ " جَمْعُ الِاسْتِحْقَاقِ مُشْتَرَكًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَ " التَّرْتِيبُ " جَعْلُ اسْتِحْقَاقِ بَطْنٍ مُرَتَّبًا عَلَى آخَرَ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَ " التَّرْتِيبُ " مَعَ " التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ " مُتَّحِدٌ مَعْنًى، لَكِنَّ الْمُرَادَ فِي صُورَةِ
التَّقْدِيمِ بَقَاءُ أَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْمُؤَخَّرِ، عَلَى صِفَةِ أَنَّ لَهُ مَا فَضَلَ وَإِلَّا سَقَطَ. وَفِي صُورَةِ التَّرْتِيبِ: عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْمُؤَخَّرِ مَعَ وُجُودِ الْمُقَدَّمِ. وَ " التَّسْوِيَةُ " جَعْلُ الرِّيعِ بَيْنَ أَهْلِ الْوَقْفِ مُتَسَاوِيًا. وَ " التَّفْضِيلُ " جَعْلُهُ مُتَفَاوِتًا. وَمَعْنَى " الْإِخْرَاجِ بِصِفَةٍ " وَ " الْإِدْخَالِ بِصِفَةٍ " جَعْلُ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْحِرْمَانِ مُرَتَّبًا عَلَى وَصْفٍ مُشْتَرَطٍ. فَتَرَتُّبُ الِاسْتِحْقَاقِ: كَالْوَقْفِ عَلَى قَوْمٍ بِشَرْطِ كَوْنِهِمْ فُقَرَاءَ أَوْ صُلَحَاءَ. وَتَرَتُّبُ الْحِرْمَانِ أَنْ يَقُولَ: وَمَنْ فَسَقَ مِنْهُمْ، أَوْ اسْتَغْنَى فَلَا شَيْءَ لَهُ. تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الشَّرْطَ الْمُبَاحَ الَّذِي لَا يَظْهَرُ قَصْدُ الْقُرْبَةِ مِنْهُ: يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ: الْوُجُوبُ. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ رحمه الله يَخْرُجُ مِنْ شَرْطِ كَوْنِهِ قُرْبَةً: اشْتِرَاطُ الْقُرْبَةِ فِي الْأَصْلِ يَلْزَمُ الشُّرُوطَ الْمُبَاحَةَ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَارَ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ لُزُومَ الْعَمَلِ بِشَرْطٍ مُسْتَحَبٍّ خَاصَّةً. وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُذْهَبِ. لِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ، وَيُعْذَرُ عَلَيْهِ، فَبَذْلُ الْمَالِ فِيهِ سَفَهٌ، وَلَا يَجُوزُ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ يَعْنِي الْمُبَاحَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَعَلَّلَهُ. قَالَ: وَهَذَا لَهُ قُوَّةٌ، عَلَى الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ الْقُرْبَةِ فِي أَصْلِ الْجِهَةِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَإِيَّاهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ " فِيمَا أَرَى.
وَيُؤَيِّدُهُ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَذَكَرَ النَّصَّ فِي الْوَصِيَّةِ. انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " مِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ " الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ رحمه الله. وَكَانَ فِي زَمَنِهِ. وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ إيمَاءٌ إلَى ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: مَنْ قَدَّرَ لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا. فَلَهُ أَكْثَرُ مِنْهُ إنْ اسْتَحَقَّهُ بِمُوجِبِ الشَّرْعِ. وَقَالَ أَيْضًا: الشَّرْطُ الْمَكْرُوهُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا.
فَائِدَةٌ:
لَوْ خَصَّصَ الْمَدْرَسَةَ بِأَهْلِ مَذْهَبٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ قَبِيلَةٍ: تَخَصَّصَتْ. وَكَذَلِكَ الرِّبَاطُ وَالْخَانْقَاهْ وَالْمَقْبَرَةُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَذَكَرَ بَعْضُ شُيُوخِنَا فِي كِتَابِهِ احْتِمَالًا بِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ. وَأَمَّا الْمَسْجِدُ: فَإِنْ عَيَّنَ لِإِمَامَتِهِ شَخْصًا: تَعَيَّنَ. وَإِنْ خَصَّصَ الْإِمَامَةَ بِمَذْهَبٍ: تَخَصَّصَتْ بِهِ، مَا لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ مُخَالِفًا لِصَرِيحِ السُّنَّةِ أَوْ ظَاهِرِهَا، سَوَاءٌ كَانَ لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ، أَوْ لِتَأْوِيلٍ ضَعِيفٍ. وَإِنْ خَصَّصَ الْمُصَلِّينَ فِيهِ بِمَذْهَبٍ، فَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَخْتَصُّ بِهِمْ عَلَى الْأَشْبَهِ. لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي أَحْكَامِ الصَّلَاةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَالَ غَيْرُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَقَوَّى الْحَارِثِيُّ عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ، قُلْت: وَاخْتَارَ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ فِي الْمَسْجِدِ بِمَذْهَبٍ فِي الْإِمَامِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا تَتَعَيَّنُ طَائِفَةٌ وُقِفَ عَلَيْهَا مَسْجِدٌ أَوْ مَقْبَرَةٌ. كَالصَّلَاةِ فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَحْتَمِلُ إنْ عَيَّنَ مَنْ يُصَلِّي فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، أَوْ تَدْرِيسِ الْعِلْمِ: اُخْتُصَّ. وَإِنْ سَلِمَ، فَلِأَنَّهُ لَا يَقَعُ التَّزَاحُمُ بِإِشَاعَتِهِ، وَلَوْ وَقَعَ: فَهُوَ أَفْضَلُ. لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُرَادُ لَهُ. وَقِيلَ: تُمْنَعُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ فُقَهَاءَ، كَمُسَابِقَةٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: قَوْلُ الْفُقَهَاءِ " نُصُوصُ الْوَاقِفِ كَنُصُوصِ الشَّارِعِ " يَعْنِي فِي الْفَهْمِ وَالدَّلَالَةِ، لَا فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ، مَعَ أَنَّ التَّحْقِيقَ: أَنَّ لَفْظَهُ، وَلَفْظَ الْمُوصِي، وَالْحَالِفِ، وَالنَّاذِرِ، وَكُلِّ عَاقِدٍ: يُحْمَلُ عَلَى عَادَتِهِ فِي خِطَابِهِ، وَلُغَتِهِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا، وَافَقَتْ لُغَةَ الْعَرَبِ أَوْ لُغَةَ الشَّارِعِ. أَمْ لَا. قَالَ: وَالشُّرُوطُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا. إذَا لَمْ تُفْضِ إلَى الْإِخْلَالِ بِالْمَقْصُودِ الشَّرْعِيِّ. وَلَا تَجُوزُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى بَعْضِهَا مَعَ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ بِهَا. قَالَ: وَمَنْ شَرَطَ فِي الْقُرُبَاتِ: أَنْ يُقَدِّمَ فِيهَا الصِّنْفَ الْمَفْضُولَ: فَقَدْ شَرَطَ خِلَافَ شَرْطِ اللَّهِ. كَشَرْطِهِ فِي الْإِمَامَةِ تَقْدِيمَ غَيْرِ الْأَعْلَمِ، وَالنَّاظِرُ مُنْفِذٌ لِمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ. انْتَهَى. وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَنْزِلَ فَاسِقٌ، وَلَا شِرِّيرٌ، وَلَا مُتَجَوِّهٌ، وَنَحْوُهُ: عُمِلَ بِهِ. وَإِلَّا تَوَجَّهَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِي فُقَهَاءَ وَنَحْوِهِمْ. وَفِي إمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ الْخِلَافُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَكَلَامُ شَيْخِنَا فِي مَوْضِعٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْزِلَ فَاسِقٌ فِي جِهَةٍ دِينِيَّةٍ، كَمَدْرَسَةٍ وَغَيْرِهَا مُطْلَقًا. لِأَنَّهُ يَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَعُقُوبَتُهُ. فَكَيْفَ يَنْزِلُ؟ وَقَالَ أَيْضًا: إنْ نُزِّلَ مُسْتَحِقٌّ تَنْزِيلًا شَرْعِيًّا: لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ بِلَا مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ انْتَهَى.
فَائِدَةٌ:
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِمَحْضَرٍ كَوَقْفٍ فِيهِ شُرُوطٌ ثُمَّ ظَهَرَ كِتَابُ الْوَقْفِ غَيْرَ ثَابِتٍ: وَجَبَ ثُبُوتُهُ، وَالْعَمَلُ بِهِ إنْ أَمْكَنَ.