الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ أَيْضًا: لَوْ أَقَرَّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ: أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ فِي هَذَا الْوَقْفِ إلَّا مِقْدَارًا مَعْلُومًا. ثُمَّ ظَهَرَ شَرْطُ الْوَاقِفِ بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ: حُكِمَ لَهُ بِمُقْتَضَى شَرْطِ الْوَاقِفِ. وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ الْمُتَقَدِّمُ. انْتَهَى.
تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِخْرَاجُ مَنْ شَاءَ بِصِفَةٍ، وَإِدْخَالُهُ بِصِفَةٍ) . أَنَّ الْوَاقِفَ لَوْ شَرَطَ لِلنَّاظِرِ إخْرَاجَ مَنْ شَاءَ بِصِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَإِدْخَالَ غَيْرِهِ بِصِفَةٍ مِنْهُمْ: جَازَ. لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِخْرَاجٍ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْوَقْفِ. وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيقُ الِاسْتِحْقَاقِ بِصِفَةٍ. فَكَأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ حَقًّا فِي الْوَقْفِ إذَا اتَّصَفَ بِإِرَادَةِ النَّاظِرِ لِيُعْطِيَهُ، وَلَمْ يُجْعَلْ لَهُ حَقًّا إذَا انْتَفَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ فِيهِ. وَإِنْ شَرَطَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَيُدْخِلَ مَنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِهِمْ: لَمْ يَصِحَّ. لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْوَقْفِ. فَأَفْسَدَهُ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِهِ. قَالَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَابَعَهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، قَالَ: وَالْفَرْقُ لَا يَتَّجِهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: كُلُّ مُتَصَرِّفٍ بِوِلَايَةٍ إذَا قِيلَ لَهُ " يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ " فَإِنَّمَا هُوَ لِمَصْلَحَةٍ شَرْعِيَّةٍ، حَتَّى لَوْ صَرَّحَ الْوَاقِفُ بِفِعْلِ مَا يَهْوَاهُ، وَمَا يَرَاهُ مُطْلَقًا: فَشَرْطٌ بَاطِلٌ. لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْعَ. وَغَايَتُهُ: أَنْ يَكُونَ شَرْطًا مُبَاحًا. وَهُوَ بَاطِلٌ. عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ، حَتَّى لَوْ تَسَاوَى فِعْلَانِ عُمِلَ بِالْقُرْعَةِ. وَإِذَا قِيلَ هُنَا بِالتَّخْيِيرِ: فَلَهُ وَجْهٌ.
[فَوَائِدُ مَصْرِفُ الْوَقْفِ إلَى الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَهُ]
فَوَائِدُ.
الْأُولَى: يَتَعَيَّنُ مَصْرِفُ الْوَقْفِ إلَى الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يَجُوزُ تَغْيِيرُ شَرْطِ الْوَاقِفِ إلَى مَا هُوَ أَصْلَحُ
مِنْهُ. وَإِنْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ. حَتَّى لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَهَاءِ، وَالصُّوفِيَّةِ وَاحْتَاجَ النَّاسُ إلَى الْجِهَادِ: صُرِفَ إلَى الْجُنْدِ. وَقِيلَ: إنْ سَبَّلَ مَاءً لِلشُّرْبِ جَازَ الْوُضُوءُ مِنْهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَشُرْبُ مَاءٍ مَوْقُوفٍ لِلْوُضُوءِ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ، وَأَوْلَى. وَقَالَ: الْأَحْرَى فِي الْفَرَسِ الْحَبِيسِ: لَا يُعِيرُهُ إلَّا الْفَرَسَ. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْكَبَهُ فِي حَاجَةٍ إلَّا لِتَأْدِيبِهِ وَجَمَالِ الْمُسْلِمِينَ وَرَفْعِهِ لَهُمْ، أَوْ غَيْظٍ لِلْعَدُوِّ. وَتَقَدَّمَ وَجْهٌ بِتَحْرِيمِ الْوُضُوءِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَعَلَى نَجَاسَةِ الْمُنْفَصِلِ وَاضِحٌ. وَقِيلَ: لِمُخَالَفَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ: أَنَّهُ لَوْ سَبَّلَ مَاءً لِلشُّرْبِ، فِي كَرَاهَةِ الْوُضُوءِ مِنْهُ وَتَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ فِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ: يَجُوزُ إخْرَاجُ بُسُطِ الْمَسْجِدِ وَحُصْرِهِ لِمَنْ يَنْتَظِرُ الْجِنَازَةَ. وَأَمَّا رُكُوبُ الدَّابَّةِ لِعَلَفِهَا وَسَقْيِهَا: فَيَجُوزُ. نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ. وَجَزَمَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.
الثَّانِيَةُ: إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ لِنَاظِرِهِ أُجْرَةً: فَكُلْفَتُهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَبْقَى أُجْرَةُ مِثْلِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ: كُلْفَتُهُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ. قِيلَ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله: فَلَهُ الْعَادَةُ بِلَا شَرْطٍ؟ فَقَالَ: لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا يُقَابِلُ عَمَلَهُ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحِجْرِ: إذَا لَمْ يَشْرِطْ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ أُجْرَةً، هَلْ لَهُ الْأَخْذُ أَمْ لَا؟
الثَّالِثَةُ: قَالَ الْحَارِثِيُّ: إذَا أَسْنَدَ النَّظَرَ إلَى اثْنَيْنِ لَمْ يَتَصَرَّفْ أَحَدُهُمَا بِدُونِ شَرْطٍ. وَكَذَا إنْ جَعَلَهُ الْحَاكِمُ أَوْ النَّاظِرُ إلَيْهِمَا.
وَأَمَّا إذَا شَرَطَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ: اسْتَقَلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ لِاسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالنَّظَرِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ نَاظِرًا إمَّا بِالشَّرْطِ، وَإِمَّا لِانْتِفَاءِ نَاظِرٍ مَشْرُوطٍ وَكَانَ وَاحِدًا: اسْتَقَلَّ بِهِ. وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً: فَالنَّظَرُ لِلْجَمِيعِ. كُلُّ إنْسَانٍ فِي حِصَّتِهِ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ فِي حَالَةِ الشَّرْطِ لَا يَسْتَقِلُّ بِحِصَّتِهِ، لِأَنَّ النَّظَرَ مُسْنَدٌ إلَى الْجَمِيعِ. فَوَجَبَ الشَّرِكَةُ فِي مُطْلَقِ النَّظَرِ. فَمَا مِنْ نَظَرٍ إلَّا وَهُوَ مُشْتَرَكٌ. وَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى عَدْلَيْنِ مِنْ وَلَدِهِ، فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا وَاحِدٌ، أَوْ أَبَى أَحَدُهُمَا، أَوْ مَاتَ: أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ آخَرَ. لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَرْضَ بِوَاحِدٍ. وَإِنْ جَعَلَ كُلًّا مِنْهُمَا مُسْتَقِلًّا: لَمْ يَحْتَجْ إلَى إقَامَةِ آخَرَ. لِأَنَّ الْبَدَلَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، وَاللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى الْأَفْضَلِ فَالْأَفْضَلُ مِنْ وَلَدِهِ، وَأَبَى الْأَفْضَلُ الْقَبُولَ: فَهَلْ يَنْتَقِلُ إلَى الْحَاكِمِ مُدَّةَ بَقَائِهِ، أَوْ إلَى مَنْ يَلِيهِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِيمَا إذَا رَدَّ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قُلْت: وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِمَّا إذَا عَضَلَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبَ: هَلْ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَى الْحَاكِمِ أَوْ إلَى مَنْ يَلِيهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ؟ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ. وَإِنْ تَعَيَّنَ أَحَدُهُمْ لِفَضْلِهِ، ثُمَّ صَارَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ: انْتَقَلَ إلَيْهِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِيهِ.
الرَّابِعَةُ: لَوْ تَنَازَعَ نَاظِرَانِ فِي نَصْبِ إمَامَةٍ نَصَبَ أَحَدُهُمَا زَيْدًا وَالْآخَرُ عَمْرًا إنْ لَمْ يَسْتَقِلَّا: لَمْ تَنْعَقِدْ الْوِلَايَةُ. لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا. وَإِنْ اسْتَقَلَّا وَتَعَاقَبَا: انْعَقَدَتْ لِلْأَسْبَقِ. وَإِنْ اتَّحَدَا وَاسْتَوَى الْمَنْصُوبَانِ: قُدِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ
الْخَامِسَةُ: يَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامٍ جَمَّةٍ مِنْ أَحْكَامِ النَّاظِرِ. إذَا عَزَلَ الْوَاقِفُ مَنْ شَرَطَ النَّظَرَ لَهُ: لَمْ يَنْعَزِلْ، إلَّا أَنْ يَشْرُطَ لِنَفْسِهِ وِلَايَةَ الْعَزْلِ. قَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. وَلَوْ مَاتَ هَذَا النَّاظِرُ فِي حَيَاةِ الْوَاقِفِ: لَمْ يَمْلِكْ الْوَاقِفُ نَصْبَ نَاظِرٍ بِدُونِ شَرْطٍ. وَانْتَقَلَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ. وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ وَفَاةِ الْوَاقِفِ: فَكَذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ. ثُمَّ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ، أَوْ فَوَّضَهُ إلَيْهِ، أَوْ أَسْنَدَهُ: فَهَلْ لَهُ عَزْلُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.
أَحَدُهُمَا: لَهُ عَزْلُهُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَقَالَ: وَإِنْ قَالَ " وَقَفْت كَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ زَيْدٌ " أَوْ " عَلَى أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ " أَوْ قَالَ عَقِبَهُ " جَعَلْته نَاظِرًا فِيهِ " أَوْ جَعَلَ النَّظَرَ لَهُ: صَحَّ، وَلَمْ يَمْلِكْ عَزْلَهُ. وَإِنْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ. ثُمَّ جَعَلَهُ لِزَيْدٍ، أَوْ قَالَ " جَعَلْت نَظَرِي لَهُ " أَوْ " فَوَّضْت إلَيْهِ مَا أَمْلِكُهُ مِنْ النَّظَرِ " أَوْ " أَسْنَدْته إلَيْهِ " فَلَهُ عَزْلُهُ. وَيَحْتَمِلُ عَدَمَهُ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ لَا تَنْحَصِرُ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى مَسْجِدٍ، أَوْ مَدْرَسَةٍ، أَوْ قَنْطَرَةٍ، أَوْ رِبَاطٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَالنَّظَرُ لِلْحَاكِمِ وَجْهًا وَاحِدًا. وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ: أَنَّهُ لِلْوَاقِفِ. وَبِهِ قَالَ: هِلَالُ الرَّأْيِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَقْوَى. فَعَلَيْهِ: لَهُ نَصْبُ نَاظِرٍ مِنْ جِهَتِهِ، وَيَكُونُ نَائِبًا عَنْهُ. يَمْلِكُ عَزْلَهُ مَتَى شَاءَ. لِأَصَالَةِ وِلَايَتِهِ. فَكَانَ مَنْصُوبُهُ نَائِبًا عَنْهُ كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ.
وَلَهُ الْوَصِيَّةُ بِالنَّظَرِ لِأَصَالَةِ الْوِلَايَةِ إذَا قِيلَ: بِنَظَرِهِ لَهُ أَنْ يَنْصِبَ وَيَعْزِلَ أَيْضًا كَذَلِكَ. انْتَهَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ. وَهُوَ الِاحْتِمَالُ الَّذِي فِي الرِّعَايَةِ. وَلِلنَّاظِرِ بِالْأَصَالَةِ أَنْ يَعْزِلَ وَيَنْصِبَ أَيْضًا بِشَرْطِهِ. وَالْمُرَادُ بِالنَّاظِرِ بِالْأَصَالَةِ: وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، أَوْ الْحَاكِمِ. قَالَهُ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ. وَأَمَّا النَّاظِرُ الْمَشْرُوطُ: فَلَيْسَ لَهُ نَصْبُ نَاظِرٍ. لِأَنَّ نَظَرَهُ مُسْتَفَادٌ بِالشَّرْطِ. وَلَمْ يَشْرِطْ النَّصْبَ لَهُ. وَإِنْ قِيلَ: بِرِوَايَةِ تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ: كَانَ لَهُ بِالْأَوْلَى. لِتَأَكُّدِ وِلَايَتِهِ مِنْ جِهَةِ انْتِفَاءِ عَزْلِهِ بِالْعَزْلِ. وَلَيْسَ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِالنَّظَرِ أَيْضًا. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ بِالشَّرْطِ. وَلَمْ يَشْرُطْ الْإِيصَاءَ لَهُ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ. وَمَنْ شَرَطَ لِغَيْرِهِ النَّظَرَ إنْ مَاتَ، فَعَزَلَ نَفْسَهُ أَوْ فَسَقَ، فَهُوَ كَمَوْتِهِ. لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ لِلْغَالِبِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ لَا. وَقَالَ: وَلَوْ قَالَ " النَّظَرُ بَعْدَهُ لَهُ " فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ، أَوْ الْمُرَادُ بَعْدَ نَظَرِهِ؟ يَتَوَجَّهُ وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَلِلنَّاظِرِ التَّقْرِيرُ فِي الْوَظَائِفِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي نَاظِرِ الْمَسْجِدِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْمَشْرُوطُ لَهُ نَظَرُ الْمَسْجِدِ: لَهُ نَصْبُ مَنْ يَقُومُ بِوَظَائِفِهِ مِنْ إمَامٍ، وَمُؤَذِّنٍ، وَقَيِّمٍ، وَغَيْرِهِمْ كَمَا أَنَّ لِنَاظِرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ نَصْبَ مَنْ يَقُومُ بِمَصْلَحَتِهِ. مِنْ جَابٍ وَنَحْوِهِ.
وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ نَاظِرٌ: لَمْ يَكُنْ لِلْوَاقِفِ وِلَايَةُ النَّصْبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ، وَابْنُ بُخْتَانَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لِلْإِمَامِ وِلَايَةُ النَّصْبِ. لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ. وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ كَبِيرًا كَالْجَوَامِعِ، وَمَا عَظُمَ وَكَثُرَ أَهْلُهُ فَلَا يَؤُمُّ فِيهَا إلَّا مِنْ نَدَبَهُ السُّلْطَانُ. وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَسَاجِدِ الَّتِي يَبْنِيهَا أَهْلُ الشَّوَارِعِ وَالْقَبَائِلِ: فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمْ. وَالْإِمَامَةُ فِيهَا لِمَنْ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ. وَلَيْسَ لَهُمْ بَعْدَ الرِّضَى بِهِ عَزْلُهُ عَنْ إمَامَتِهِ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ لِلْإِمَامِ النَّصْبَ أَيْضًا، لَكِنْ لَا يَنْصِبُ مَنْ لَا يَرْضَاهُ الْجِيرَانُ. وَكَذَلِكَ النَّاظِرُ الْخَاصُّ لَا يَنْصِبُ مَنْ لَا يَرْضَوْنَهُ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ أَيْضًا: وَهَلْ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ نَصْبُ نَاظِرٍ فِي مَصَالِحِهِ وَوَقْفِهِ؟ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ كَمَا فِي نَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ. هَذَا إذَا وُجِدَ نَائِبٌ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ. فَأَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ كَمَا فِي الْقُرَى الصِّغَارِ أَوْ الْأَمَاكِنِ النَّائِيَةِ أَوْ وُجِدَ، وَكَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ، أَوْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ نَصْبُ مَنْ لَيْسَ مَأْمُونًا: فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ لَهُمْ النَّصْبَ، تَحْصِيلًا لِلْغَرَضِ، وَدَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ. وَكَذَا مَا عَدَاهُ مِنْ الْأَوْقَافِ. لِأَهْلِ ذَلِكَ الْوَقْفِ، أَوْ الْجِهَةِ: نَصْبُ نَاظِرٍ فِيهِ كَذَلِكَ. وَإِنْ تَعَذَّرَ النَّصْبُ مِنْ جِهَةِ هَؤُلَاءِ فَلِرَئِيسِ الْقَرْيَةِ أَوْ الْمَكَانِ النَّظَرُ وَالتَّصَرُّفُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ حَاجَةٍ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله عَلَى مِثْلِهِ. انْتَهَى.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: أَنَّ الْإِمَامَ يُقَرِّرُ فِي الْجَوَامِعِ الْكِبَارِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَا يَتَوَقَّفُ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى نَصْبِهِ إلَّا بِشَرْطٍ. وَلَا نَظَرَ لِغَيْرِ النَّاظِرِ مَعَهُ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَيَتَوَجَّهُ مَعَ حُضُورِهِ. فَيُقَرِّرُ حَاكِمٌ فِي وَظِيفَةٍ خَلَتْ فِي غَيْبَتِهِ. لِمَا فِيهِ مِنْ الْقِيَامِ بِلَفْظِ الْوَاقِفِ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَدَوَامِ نَفْعِهِ. فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يُرِيدُهُ. وَلَا حُجَّةَ فِي تَوْلِيَةِ الْأَئِمَّةِ مَعَ الْبُعْدِ. لِمَنْعِهِمْ غَيْرَهُمْ التَّوْلِيَةَ. فَنَظِيرُهُ: مَنْعُ الْوَاقِفِ التَّوْلِيَةَ لِغَيْبَةِ النَّاظِرِ. وَلَوْ سَبَقَ تَوْلِيَةُ نَاظِرٍ غَائِبٍ قُدِّمَتْ. وَلِلْحَاكِمِ النَّظَرُ الْعَامُّ. فَيُفْتَرَضُ عَلَيْهِ إنْ فَعَلَ مَا لَا يَسُوغُ. وَلَهُ ضَمُّ أَمِينٍ مَعَ تَفْرِيطِهِ أَوْ تُهْمَتِهِ، يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَيْضًا: وَمَنْ ثَبَتَ فِسْقُهُ، أَوْ أَصَرَّ مُتَصَرِّفًا بِخِلَافِ الشَّرْطِ. الصَّحِيحِ، عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ: قُدِحَ فِيهِ. فَإِمَّا أَنْ يَنْعَزِلَ، أَوْ يُعْزَلَ، أَوْ يُضَمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ، عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ. ثُمَّ إنْ صَارَ هُوَ أَوْ الْوَصِيُّ أَهْلًا: عَادَ. كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، وَكَالْمَوْصُوفِ. وَقَالَ أَيْضًا: مَتَى فَرَّطَ: سَقَطَ مِمَّا لَهُ بِقَدْرِ مَا فَوَّتَهُ مِنْ الْوَاجِبِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ. لَوْ عُزِلَ عَنْ وَظِيفَتِهِ لِلْفِسْقِ مَثَلًا ثُمَّ تَابَ، وَأَظْهَرَ الْعَدَالَةَ يَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ فِيهَا مَا قِيلَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ أَوْ أَوْلَى. لِأَنَّ تُهْمَةَ الْإِنْسَانِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَمَصْلَحَتِهِ أَبْلَغُ مِنْهَا فِي حَقِّ الْغَيْرِ.
وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مُرَادَهُ بِالْخِلَافِ الْمَشْهُورِ: مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْمُوصَى إلَيْهِ إذَا فَسَقَ: يَنْعَزِلُ أَوْ يُضَمُّ أَمِينٌ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ أَيْضًا قَرِيبًا فِي الْفَائِدَةِ السَّابِعَةِ. وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: يَسْتَحِقُّ مَالُهُ إنْ كَانَ مَعْلُومًا. فَإِنْ قَصَّرَ فَتَرَكَ بَعْضَ الْعَمَلِ لَمْ يَسْتَحِقَّ مَا قَابَلَهُ. وَإِنْ كَانَ بِجِنَايَةٍ مِنْهُ: اسْتَحَقَّهُ. وَلَا يَسْتَحِقُّ الزِّيَادَةَ.
وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَأُجْرَةُ مِثْلِهِ. فَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا فِي الدِّيوَانِ وَعَمِلَ بِهِ جَمَاعَةٌ. فَهُوَ أَجْرُ الْمِثْلِ. وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا. فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: إنْ كَانَ مَشْهُورًا بِأَخْذِ الْجَارِي عَلَى عَمَلِهِ، فَلَهُ جَارِي مِثْلُهُ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَلَهُ الْأَجْرُ مِنْ وَقْتِ نَظَرِهِ فِيهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَمَنْ أَطْلَقَ النَّظَرَ لِحَاكِمٍ: شَمِلَ أَيَّ حَاكِمٍ كَانَ، سَوَاءٌ كَانَ مَذْهَبُهُ مَذْهَبَ حَاكِمِ الْبَلَدِ زَمَنَ الْوَقْفِ أَوْ لَا، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظَرٌ إذَا انْفَرَدَ، وَهُوَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا. وَقَدْ أَفْتَى الشَّيْخُ نَصْرُ اللَّهِ الْحَنْبَلِيُّ، وَالشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ وَلَدُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ فِي وَقْفٍ شَرَطَ وَاقِفُهُ " أَنَّ النَّظَرَ فِيهِ لِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ كَائِنًا مَنْ كَانَ " بِأَنَّ الْحُكَّامَ إذَا تَعَدَّدُوا يَكُونُ النَّظَرُ فِيهِ لِلسُّلْطَانِ. يُوَلِّيهِ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُتَأَهِّلِينَ لِذَلِكَ. وَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي سِرَاجُ الدِّينِ بْنُ الْبُلْقِينِيِّ، وَشِهَابُ الدِّينِ الْبَاعُونِيُّ، وَابْنُ الْهَائِمِ، وَالتَّفَهْنِيُّ الْحَنَفِيُّ، وَالْبِسَاطِيُّ الْمَالِكِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي نَجْمُ الدِّينِ بْنُ حَجِّيٍّ نَقْلًا، وَمُوَافَقَةً لِلْمُتَأَخِّرِينَ إنْ كَانَ صَادِرًا مِنْ الْوَاقِفِ قَبْلَ حُدُوثِ الْقُضَاةِ الثَّلَاثَةِ، فَالْمُرَادُ: الشَّافِعِيُّ. وَإِلَّا فَهُوَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا عَلَى الرَّاجِحِ.
وَلَوْ فَوَّضَهُ حَاكِمٌ لَمْ يَجُزْ لِآخَرَ نَقْضُهُ. وَلَوْ وَلَّى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَخْصًا قَدَّمَ وَلِيُّ الْأَمْرِ أَحَقَّهُمَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: لَا يَجُوزُ لِوَاقِفٍ شَرْطُ النَّظَرِ لِذِي مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ دَائِمًا. وَقَالَ أَيْضًا: وَمَنْ وَقَفَ عَلَى مُدَرِّسٍ وَفُقَهَاءَ، فَلِلنَّاظِرِ، ثُمَّ الْحَاكِمِ: تَقْدِيرُ أَعْطِيَتِهِمْ. فَلَوْ زَادَ النَّمَاءُ فَهُوَ لَهُمْ. وَالْحُكْمُ بِتَقْدِيمِ مُدَرِّسٍ أَوْ غَيْرِهِ بَاطِلٌ. لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا يَعْتَدُّ بِهِ قَالَ بِهِ، وَلَا بِمَا
يُشْبِهُهُ، وَلَوْ نَفَّذَهُ حُكَّامٌ. وَبُطْلَانُهُ لِمُخَالَفَتِهِ مُقْتَضَى الشَّرْطِ وَالْعُرْفِ أَيْضًا. وَلَيْسَ تَقْدِيرُ النَّاظِرِ أَمْرًا حَتْمًا كَتَقْدِيرِ الْحَاكِمِ. بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ زِيَادَتُهُ وَنَقْصُهُ لِلْمَصْلَحَةِ. وَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْمُدَرِّسَ لَا يُزَادُ وَلَا يُنْقَصُ بِزِيَادَةِ النَّمَاءِ وَنَقْصِهِ: كَانَ بَاطِلًا. لِأَنَّهُ لَهُمْ. وَالْقِيَاسُ: أَنَّهُ يُسَوَّى بَيْنَهُمْ، وَلَوْ تَفَاوَتُوا فِي الْمَنْفَعَةِ، كَالْإِمَامِ وَالْجَيْشِ فِي الْمَغْنَمِ. لَكِنْ دَلَّ الْعُرْفُ عَلَى التَّفْصِيلِ. وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْقَيِّمُ وَنَحْوُهُ، لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةٌ. وَلِهَذَا يَحْرُمُ أَخْذُهُ فَوْقَ أُجْرَةِ مِثْلِهِ بِلَا شَرْطٍ. انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " إذَا وَقَفَ عَلَى مَنْ يُمْكِنُ حَصْرُهُ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَعْلُ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ كَالْقَيِّمِ، بِخِلَافِ الْمُدَرِّسِ، وَالْمُعِيدِ، وَالْفُقَهَاءِ. فَإِنَّهُمْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي مُدَرِّسٍ وَفُقَهَاءَ وَمُتَفَقِّهَةٍ، وَإِمَامٍ وَقَيِّمٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ: يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ رِوَايَتَا عَامِلِ زَكَاةٍ الثَّمَنُ، أَوْ الْأُجْرَةُ. انْتَهَى.
قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ شَرَطَ عَلَى مُدَرِّسٍ وَفُقَهَاءَ وَإِمَامٍ: فَلِكُلِّ جِهَةٍ الثُّلُثُ. ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ فِي لَفْظِ الْمَنَافِعِ. قَالَ صَاحِبُ الْفَائِقِ: قُلْت: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، أَخْذًا مِنْ رِوَايَتَيْ مَدْفُوعِ الْعَامِلِ: هَلْ هُوَ الثَّمَنُ؟ اعْتِبَارًا بِالْقِسْمَةِ، أَوْ أُجْرَةُ مِثْلِهِ بِالنِّسْبَةِ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَلَوْ عَطَّلَ مُغِلٌّ وَقْفَ مَسْجِدٍ سَنَةً: تَقَسَّطَتْ الْأُجْرَةُ الْمُسْتَقْبَلَةُ عَلَيْهَا وَعَلَى السَّنَةِ الْأُخْرَى، لِتَقُومَ الْوَظِيفَةُ فِيهِمَا. لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ التَّعْطِيلِ. وَلَا يُنْقَصُ الْإِمَامُ بِسَبَبِ تَعَطُّلِ الزَّرْعِ بَعْضَ الْعَامِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَقَدْ أَدْخَلَ مُغَلَّ سَنَةٍ فِي سُنَّةٍ.
وَقَدْ أَفْتَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَّا فِي زَمَنِنَا فِيمَا نَقَصَ عَمَّا قَدَّرَهُ الْوَاقِفُ كُلَّ شَهْرٍ: أَنَّهُ يُتَمِّمُ مِمَّا بَعْدَهُ. وَحَكَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ بَعْدَ سِنِينَ. وَقَالَ: وَرَأَيْت غَيْرَ وَاحِدٍ لَا يَرَاهُ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَمَنْ لَمْ يَقُمْ بِوَظِيفَتِهِ عَزَلَهُ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ بِمَنْ يَقُومُ بِهَا، إذَا لَمْ يَتُبْ الْأَوَّلُ وَيَلْتَزِمْ بِالْوَاجِبِ. وَيَجِبُ أَنْ يُوَلِّيَ فِي الْوَظَائِفِ وَإِمَامَةِ الْمَسَاجِدِ الْأَحَقَّ شَرْعًا، وَأَنْ يَعْمَلَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلِ وَاجِبٍ. وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: وِلَايَةُ الْإِمَامَةِ بِالنَّاسِ طَرِيقُهَا الْأَوْلَى، لَا الْوُجُوبُ بِخِلَافِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَالنِّقَابَةِ. لِأَنَّهُ لَوْ تَرَاضَى النَّاسُ بِإِمَامٍ يُصَلِّي لَهُمْ: صَحَّ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِي الْمَسَاجِدِ السُّلْطَانِيَّةِ وَهِيَ الْجَوَامِعُ إلَّا مَنْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ، لِئَلَّا يَفْتَاتَ عَلَيْهِ فِيمَا وُكِّلَ إلَيْهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ رَضُوا بِغَيْرِهِ بِلَا عُذْرٍ: كُرِهَ، وَصَحَّ فِي الْمُذْهَبِ. ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْأَذَانِ.
السَّادِسَةُ: لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ نَاظِرًا، وَمُدَرِّسًا، وَمُعِيدًا، وَإِمَامًا. فَهَلْ يَجُوزُ لِشَخْصٍ أَنْ يَقُومَ بِالْوَظَائِفِ كُلِّهَا وَتَنْحَصِرُ فِيهِ؟ صَرَّحَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ الْكَبِيرِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي الْفَيْءِ، بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله لَا يَتَمَوَّلُ الرَّجُلُ مِنْ السَّوَادِ. وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْوَظَائِفِ لِوَاحِدٍ: فَعَلَ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ لِابْنِ رَجَبٍ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ قَرِيبًا.
السَّابِعَةُ: يُشْتَرَطُ فِي النَّاظِرِ الْإِسْلَامُ، وَالتَّكْلِيفُ، وَالْكِفَايَةُ فِي التَّصَرُّفِ، وَالْخِبْرَةُ بِهِ، وَالْقُوَّةُ عَلَيْهِ. وَيُضَمُّ إلَى الضَّعِيفِ قَوِيٌّ أَمِينٌ.
ثُمَّ إنْ كَانَ النَّظَرُ لِغَيْرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ تَوْلِيَتُهُ مِنْ الْحَاكِمِ، أَوْ النَّاظِرِ: فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْعَدَالَةِ فِيهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْته. وَإِنْ كَانَتْ تَوْلِيَتُهُ مِنْ الْوَاقِفِ وَهُوَ فَاسِقٌ، أَوْ كَانَ عَدْلًا فَفَسَقَ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ: يَصِحُّ. وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ تَوْلِيَةُ الْفَاسِقِ. وَيَنْعَزِلُ إذَا فَسَقَ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ: مَنْ قَالَ بِمَا ذَكَرْنَا فِي الْفِسْقِ الطَّارِئِ، دُونَ الْمُقَارِنِ لِلْوِلَايَةِ. وَالْعَكْسُ أَنْسَبُ. فَإِنَّ فِي حَالِ الْمُقَارَنَةِ مُسَامَحَةً لِمَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُ، بِخِلَافِ حَالَةِ الطَّرَيَانِ. انْتَهَى. وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إمَّا بِجَعْلِ الْوَاقِفِ النَّظَرَ لَهُ، أَوْ لِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ نَاظِرٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِذَلِكَ، رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا. لِأَنَّهُ يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يُضَمُّ إلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَمَّا الْعَدَالَةُ: فَلَا تُشْتَرَطُ، وَلَكِنْ يُضَمُّ إلَى الْفَاسِقِ عَدْلٌ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالسَّامِرِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. لِمَا فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ بِالشَّرْطِ، وَحِفْظِ الْوَقْفِ انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَتَقَدَّمَ إذَا كَانَ النَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَكَانَ غَيْرَ أَهْلٍ: لِصِغَرٍ، أَوْ سَفَهٍ، أَوْ جُنُونٍ. فَإِنَّ وَلِيَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي النَّظَرِ إنْ قُلْنَا: الْوَقْفُ يَمْلِكُهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَإِلَّا الْحَاكِمُ.
الثَّامِنَةُ: وَظِيفَةُ النَّاظِرِ: حِفْظُ الْوَقْفِ وَالْعِمَارَةِ، وَالْإِيجَارِ، وَالزِّرَاعَةِ، وَالْمُخَاصَمَةُ فِيهِ، وَتَحْصِيلُ رِيعِهِ مِنْ تَأْجِيرِهِ، أَوْ زَرْعِهِ، أَوْ ثَمَرِهِ وَالِاجْتِهَادُ فِي تَنْمِيَتِهِ، وَصَرْفُهُ فِي جِهَاتِهِ مِنْ عِمَارَةٍ وَإِصْلَاحٍ، وَإِعْطَاءِ مُسْتَحِقٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَلَهُ وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْأَصْلِ. وَلَكِنْ إذَا شَرَطَ التَّصَرُّفَ لَهُ، وَالْيَدَ لِغَيْرِهِ. أَوْ عِمَارَتَهُ إلَى وَاحِدٍ، وَتَحْصِيلَ رِيعِهِ إلَى آخَرَ: فَعَلَى مَا شَرَطَ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَنَصَبَ الْمُسْتَوْفِي الْجَامِعَ لِلْعُمَّالِ الْمُتَفَرِّقِينَ: وَهُوَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَالْمَصْلَحَةِ. فَإِنْ لَمْ تَتِمَّ مَصْلَحَةُ قَبْضِ الْمَالِ وَصَرْفِهِ إلَّا بِهِ: وَجَبَ. وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ لِقِلَّةِ الْعُمَّالِ. قَالَ: وَمُبَاشَرَةُ الْإِمَامِ الْمُحَاسِبَةَ بِنَفْسِهِ كَنَصْبِ الْإِمَامِ الْحَاكِمَ. وَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ يُبَاشِرُ الْحُكْمَ فِي الْمَدِينَةِ بِنَفْسِهِ، وَيُوَلِّي مَعَ الْبُعْدِ. انْتَهَى.
التَّاسِعَةُ: قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا اعْتِرَاضَ لِأَهْلِ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ وَلَّاهُ الْوَاقِفُ إذَا كَانَ أَمِينًا. وَلَهُمْ مَسْأَلَتُهُ عَمَّا يَحْتَاجُونَ إلَى عَمَلِهِ مِنْ أَمْرِ وَقْفِهِمْ، حَتَّى يَسْتَوِيَ عِلْمُهُمْ وَعِلْمُهُ فِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَصُّهُ إذَا كَانَ مُتَّهَمًا. انْتَهَى. وَلَهُمْ مُطَالَبَتُهُ بِانْتِسَاخِ كِتَابِ الْوَقْفِ. لِيَكُونَ فِي أَيْدِيهِمْ وَثِيقَةً لَهُمْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَتَسْجِيلُ كِتَابِ الْوَقْفِ كَالْعَادَةِ.
الْعَاشِرَةُ: مَا يَأْخُذُهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ الْوَقْفِ: هَلْ هُوَ كَإِجَارَةٍ أَوْ جِعَالَةٍ، وَاسْتُحِقَّ بِبَعْضِ الْعَمَلِ؟ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْعَقْدَ عُرْفًا. وَهُوَ كَالرِّزْقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَاخْتَارَ الْأَخِيرَ. فَقَالَ: وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَيْسَ عِوَضًا وَأُجْرَةً: بَلْ رِزْقٌ لِلْإِعَانَةِ عَلَى الطَّاعَةِ. وَكَذَلِكَ الْمَالُ الْمَوْقُوفُ عَلَى أَعْمَالِ الْبِرِّ، وَالْمُوصَى بِهِ. أَوْ الْمَنْذُورُ لَهُ، لَيْسَ كَالْأُجْرَةِ وَالْجُعْلِ. وَانْتَهَى. قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ مِنْهُ مَا يُؤْخَذُ أُجْرَةً عَنْ عَمَلٍ كَالتَّدْرِيسِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّا نَقُولُ: أَوَّلًا. لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ أُجْرَةٌ مَحْضَةٌ، بَلْ هُوَ رِزْقٌ وَإِعَانَةٌ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْأَمْوَالِ. وَهَذَا مُوَافِقٌ لَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله أَيْضًا: مِمَّنْ أَكَلَ الْمَالَ بِالْبَاطِلِ: قَوَّمَ لَهُمْ رَوَاتِبَ أَضْعَافَ حَاجَتِهِمْ، وَقُوَّمَ لَهُمْ جِهَاتٍ مَعْلُومُهَا كَثِيرٌ يَأْخُذُونَهُ وَيَسْتَنِيبُونَ بِيَسِيرٍ وَقَالَ أَيْضًا: النِّيَابَةُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ: جَائِزَةٌ. وَلَوْ عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ إذَا كَانَ النَّائِبُ مِثْلَ مُسْتَنِيبِهِ. وَقَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ، كَالْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ نَاظِرًا. فَالنَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ بِشَرْطِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لِلْحَاكِمِ. قَطَعَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ وَقَالَ: فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ بَنَى هَذَا الْوَجْهَ عَلَى الْقَوْلِ بِانْفِكَاكِ الْمَوْقُوفِ عَنْ مِلْكِ الْآدَمِيِّ. وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي كَذَلِكَ وَلَا بُدَّ. إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِحَقِّ مَنْ يَأْتِي بَعْدُ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَمَنْ تَبِعَهُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ: هَلْ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، أَوْ إلَى اللَّهِ؟ . فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، فَالنَّظَرُ فِيهِ لَهُ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، فَالنَّظَرُ لِلْحَاكِمِ. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ هُنَاكَ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ هُنَا: إذَا قُلْنَا: النَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. فَيَكُونُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِمِلْكِهِ، كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ. انْتَهَى. فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ مَا اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ. فَوَافَقَ احْتِمَالُهُ مَا قَالُوهُ، أَوْ تَكُونُ طَرِيقَةٌ أُخْرَى فِي الْمُسَلَّمِ. وَهُوَ أَقْرَبُ.
تَنْبِيهٌ:
مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا، أَوْ جَمْعًا مَحْصُورًا. فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ غَيْرَ مَحْصُورِينَ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى
مَسْجِدٍ، أَوْ مَدْرَسَةٍ، أَوْ قَنْطَرَةٍ، أَوْ رِبَاطٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ: فَالنَّظَرُ فِيهِ لِلْحَاكِمِ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَسَأَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ: عَنْ دَارٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. إنْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ فَقَامَ بِأَمْرِهَا، وَتَصَدَّقَ بِغَلَّتِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ؟ فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِيهِ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ النَّظَرَ يَكُونُ لِلْوَاقِفِ. قَالَ: وَهُوَ الْأَقْوَى. قَالَ: وَعَلَى هَذَا لَهُ نَصِيبُ نَاظِرٍ مِنْ جِهَتِهِ. وَيَكُونُ نَائِبًا عَنْهُ، يَمْلِكُ عَزْلَهُ مَتَى شَاءَ. وَلَهُ أَيْضًا الْوَصِيَّةُ بِالنَّظَرِ، لِأَصَالَةِ الْوِلَايَةِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا قَرِيبًا.
قَوْلُهُ (وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ غَلَّتِهِ) . مُرَادُهُ: إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْوَاقِفُ النَّفَقَةَ مِنْ غَيْرِهِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ مِنْ غَيْرِهِ: فَهُوَ مِنْ غَلَّتِهِ. وَإِنْ عَيَّنَهُ مِنْ غَيْرِهِ: فَهُوَ مِنْهُ، بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَخَالَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَالُوا: لَوْ شَرَطَ الْمَرَمَّةَ عَلَى الْمَوْقُوفِ: لَمْ يَجُزْ. وَوَجَبَتْ فِي الْغَلَّةِ. وَعَنْ بَعْضِهِمْ: يُرَدُّ لِلْوَقْفِ مَا لَمْ يُقْبَضْ. لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَثَابَةِ الْعِوَضِ. فَنَافَى مَوْضُوعَ الصَّدَقَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَقْوَى. انْتَهَى.
وَإِذَا قُلْنَا: هُوَ مِنْ غَلَّتِهِ، فَلَمْ تَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ رَوْحٌ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ فِيهِ رَوْحٌ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ مُعَيَّنَيْنِ، أَوْ غَيْرِهِمْ.
فَإِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنَيْنِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ نَفَقَتِهِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُمْ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ: وَجْهًا بِوُجُوبِهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَحْسُنُ بِنَاؤُهُ عَلَى انْتِفَاءِ مِلْكِ الْآدَمِيِّ لِلْمَوْقُوفِ. قَالَ: وَبِهِ أَقُولُ. ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ بِيعَ وَصُرِفَ الثَّمَنُ فِي عَيْنٍ أُخْرَى تَكُونُ وَقْفًا لِمَحِلِّ الضَّرُورَةِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الْغَلَّةِ لِأَجْلِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُسْتَغَلَّ كَالْعَبْدِ يَخْدُمُهُ، وَالْفَرَسِ يَغْزُو عَلَيْهِ، أَوْ يَرْكَبُهُ أَوْ جَرَّ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ الَّذِي لَهُ رَوْحٌ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْمَسَاكِينِ، وَالْغُزَاةِ، وَنَحْوِهِمْ فَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَيَتَّجِهُ إيجَارُهُ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ حَيْثُ أَمْكَنَ، مَا لَمْ يَتَعَطَّلْ النَّفْعُ الْمَوْقُوفُ لِأَجْلِهِ. ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَ: فَفِي بَيْتِ الْمَالِ. وَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ: بِيعَ وَلَا بُدَّ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا أَيْضًا. وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ: فَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ عَلَى مَا قُلْنَا فِي نَفَقَتِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ لَا رَوْحَ فِيهِ كَالْعَقَارِ، وَنَحْوِهِ: لَمْ تَجِبْ عِمَارَتُهُ عَلَى أَحَدٍ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ