الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: يَبْطُلُ عَقْدُ الْهِبَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَاخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي مُوسَى. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْهِبَةِ فِي الصِّحَّةِ. وَأَمَّا فِي الْمَرَضِ إذَا مَاتَ قَبْلَ إقْبَاضِهَا فَجَعَلَا الْوَرَثَةَ بِالْخِيَارِ لِشَبَهِهَا بِالْوَصِيَّةِ. انْتَهَى.
[فَائِدَةٌ وَهَبَ الْغَائِبُ هِبَةً وَأَنْفَذَهَا مَعَ رَسُولِ الْمَوْهُوبِ لَهُ]
فَائِدَةٌ: لَوْ وَهَبَ الْغَائِبُ هِبَةً، وَأَنْفَذَهَا مَعَ رَسُولِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَوْ وَكِيلِهِ، ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ، أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَ وُصُولِهَا: لَزِمَ حُكْمُهَا. وَكَانَتْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ. لِأَنَّ قَبْضَ الرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ كَقَبْضِهِ. وَإِنْ أَنْفَذَهَا الْوَاهِبُ مَعَ رَسُولِ نَفْسِهِ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ وُصُولِهَا إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَوْ مَاتَ الْمُوهَبُ لَهُ: بَطَلَتْ. وَكَانَتْ لِلْوَاهِبِ وَلِوَرَثَتِهِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ. وَكَذَلِكَ الْحَكَمُ فِي الْهَدِيَّةِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ " قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ " أَنَّ إذْنَ الْوَاهِبِ يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ إذْنُهُ بِمَوْتِ الْمُتَّهَبِ.
فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ مَاتَ الْمُتَّهَبُ قَبْلَ قَبُولِهِ: بَطَلَ الْعَقْدُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ.
الثَّانِيَةُ: يَقْبِضُ الْأَبُ لِلطِّفْلِ مِنْ نَفْسِهِ بِلَا نِزَاعٍ. وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ مِنْ نَفْسِهِ. الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيُكْتَفَى بِقَوْلِهِ " وَهَبْته. وَقَبَضْته لَهُ " وَقَالَ الْقَاضِي: لَا بُدَّ فِي هِبَةِ الْوَلَدِ أَنْ يَقُولَ " قَبِلْته ". وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. وَالْمُذْهَبُ خِلَافُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يُكْتَفَى بِأَحَدِ لَفْظَيْنِ، إمَّا أَنْ يَقُولَ " قَدْ قَبِلْتُهُ " أَوْ " قَبَضْتُهُ ".
وَإِنْ وَهَبَ وَلِيُّ غَيْرِ الْأَبِ، فَقَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: لَا بُدَّ أَنْ يُوَكِّلَ الْوَاهِبُ مَنْ يَقْبَلُ لِلصَّبِيِّ وَيَقْبِضُ لَهُ. لِيَكُونَ الْإِيجَابُ مِنْ الْوَلِيِّ، وَالْقَبُولُ وَالْقَبْضُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. بِخِلَافِ الْأَبِ. فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوجِبَ وَيَقْبَلَ وَيَقْبِضَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالصَّحِيحُ عِنْدِي: أَنَّ الْأَبَ وَغَيْرَهُ فِي هَذَا سَوَاءٌ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي قَبْضِ وَلِيِّ غَيْرِ الْأَبِ مِنْ نَفْسِهِ: رِوَايَتَا شِرَائِهِ وَبَيْعِهِ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ.
الثَّالِثَةُ: لَا يَصِحُّ قَبْضُ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ لِنَفْسِهِ وَلَا قَبُولُهُ. وَوَلِيُّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِمَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ فَوَصِيُّهُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْحَاكِمُ الْأَمِينُ، أَوْ مَنْ يُقِيمُوهُ مَقَامَهُمْ. وَلَا يَقُومُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مَقَامَهُمْ.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ الْقَبُولُ وَالْقَبْضُ مِنْ غَيْرِهِمْ عِنْدَ عَدَمِهِمْ.
الرَّابِعَةُ: لَا يَصِحُّ مِنْ الْمُمَيِّزِ قَبْضُ الْهِبَةِ وَلَا قَبُولُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ.
وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ تَبَعًا لِلْحَارِثِيِّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ.
وَعَنْهُ: يَصِحُّ قَبْضُهُ وَقَبُولُهُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْحَارِثِيُّ.
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَقِفَ صِحَّةُ قَبْضِهِ عَلَى إذْنِ وَلِيِّهِ دُونَ الْقَبُولِ. وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا. وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ: هَلْ تَصِحُّ هِبَتُهُ؟ وَالسَّفِيهُ كَالْمُمَيِّزِ فِي ذَلِكَ وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ. وَالْوَصِيَّةُ كَالْهِبَةِ فِي ذَلِكَ.
الْخَامِسَةُ: قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: يُعْتَبَرُ لِقَبْضِ الْمُشَاعِ إذْنُ الشَّرِيكِ فِيهِ. فَيَكُونُ نِصْفُهُ مَقْبُوضًا تَمَلُّكًا، وَنِصْفُ الشَّرِيكِ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ: يَكُونُ نِصْفُ الشَّرِيكِ وَدِيعَةً عِنْدَهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: يَكُونُ قَبْضُ نِصْفِ الشَّرِيكِ عَارِيَّةً مَضْمُونَةً. انْتَهَى.
قُلْت: لَوْ قِيلَ: إنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ، وَتَصَرَّفَ: كَانَ عَارِيَّةً. وَإِنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ: فَوَدِيعَةً لَكَانَ مُتَّجِهًا. ثُمَّ وَجَدْته فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ حَكَى كَلَامَهُ فِي الْفُنُونِ، فَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ: هُوَ عَارِيَّةٌ، حَيْثُ قَبَضَهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ بِلَا عِوَضٍ. قَالَ صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ صَحِيحٌ إنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ مَجَّانًا. أَمَّا إنْ طَلَبَ مِنْهُ أُجْرَةً: فَهِيَ إجَارَةٌ. وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِي الِانْتِفَاعِ بَلْ فِي الْحِفْظِ: فَوَدِيعَةٌ. انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ.
السَّادِسَةُ: لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ: أَنْتَ حَبِيسٌ عَلَى آخِرِنَا مَوْتًا: لَمْ يَعْتِقْ بِمَوْتِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا. وَيَكُونُ فِي يَدِ الثَّانِي عَارِيَّةً. فَإِذَا مَاتَ عَتَقَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَبْرَأَ الْغَرِيمُ غَرِيمَهُ مِنْ دَيْنِهِ، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ، أَوْ أَحَلَّهُ مِنْهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ) . وَكَذَا إنْ أَسْقَطَهُ عَنْهُ، أَوْ تَرَكَهُ لَهُ، أَوْ مَلَّكَهُ لَهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ، أَوْ عَفَا عَنْهُ: بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ (وَإِنْ رَدَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْبَلْهُ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَبْرَأَهُ مِنْ دَيْنِهِ، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ، أَوْ أَحَلَّهُ مِنْهُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَكَانَ الْمُبَرِّئُ وَالْمُبَرَّأُ يَعْلَمَانِ الدَّيْنَ صَحَّ ذَلِكَ، وَبَرِئَ وَإِنْ رَدَّهُ وَلَمْ يَقْبَلْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَفِي الْمُغْنِي: فِي إبْرَائِهَا لَهُ مِنْ الْمَهْرِ: هَلْ هُوَ إسْقَاطٌ، أَوْ تَمْلِيكٌ؟ فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ احْتِمَالٌ: لَا يَصِحُّ بِهِ. وَإِنْ صَحَّ اُعْتُبِرَ قَبُولُهُ وَفِي الْمُوجَزِ، وَالْإِيضَاحِ: لَا تَصِحُّ هِبَةٌ فِي عَيْنٍ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إنْ حَلَفَ لَا يَهَبُهُ، فَأَبْرَأَهُ: لَمْ يَحْنَثْ. لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكُ عَيْنٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: تَصِحُّ بِلَفْظِ " الْهِبَةِ " وَ " الْعَطِيَّةِ " مَعَ اقْتِضَائِهِمَا وُجُودَ مُعَيَّنٍ. وَهُوَ مُنْتَفٍ. لِإِفَادَتِهِمَا لِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ هُنَا. قَالَ: وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ دَيْنَهُ هِبَةً حَقِيقَةً: لَمْ يَصِحَّ. لِانْتِفَاءِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ، وَانْتِفَاءِ شَرْطِ الْهِبَةِ. وَمِنْ هُنَا: امْتَنَعَ هِبَتُهُ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ. وَامْتَنَعَ إجْزَاؤُهُ عَنْ الزَّكَاةِ، لِانْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ. انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: إنْ أَبْرَأَ مَرِيضٌ مِنْ دَيْنِهِ وَهُوَ كُلُّ مَالِهِ فَفِي بَرَاءَتِهِ مِنْ ثُلُثِهِ، قَبْلَ دَفْعِ ثُلُثَيْهِ: مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ. انْتَهَى. وَأَمَّا إنْ عَلِمَهُ الْمُبَرَّأُ بِفَتْحِ الرَّاءِ أَوْ جَهِلَهُ. وَكَانَ الْمُبَرِّئُ بِكَسْرِهَا يَجْهَلُهُ: صَحَّ، سَوَاءٌ جُهِلَ قَدْرُهُ، أَوْ وَصْفُهُ، أَوْ هُمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.