الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ.
قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ مَعَ جَهْلِ الْمُبَرَّأِ بِفَتْحِ الرَّاءِ دُونَ عِلْمِهِ. وَأَطْلَقَ فِيمَا إذَا عَرَفَهُ الْمَدْيُونُ فِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ، فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ جَهِلَاهُ، إلَّا إذَا تَعَذَّرَ عِلْمُهُ.
وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَصِحَّ بِكُلِّ حَالٍ، إلَّا إذَا عَرَفَهُ الْمُبَرَّأُ، وَظَنَّ الْمُبَرِّئُ جَهْلَهُ بِهِ: فَلَا يَصِحُّ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْمَجْهُولِ، كَالْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ. ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْوَفَاءِ. كَمَا لَوْ كَتَمَهُ الْمُبَرَّأُ خَوْفًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَهُ الْمُبَرِّئُ: لَمْ يُبَرِّئْهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَأَمَّا إنْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ يَعْلَمُهُ وَيَكْتُمُهُ الْمُسْتَحِقُّ، خَوْفًا مِنْ أَنَّهُ إذَا عَلِمَهُ لَمْ يَسْمَحْ بِإِبْرَائِهِ مِنْهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ فِيهِ. لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرًا بِالْمُبَرِّئِ وَقَدْ أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ. انْتَهَيَا. وَتَابَعَهُمَا الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ: الصِّحَّةُ مُطْلَقًا. قَالَ: وَهَذَا أَقْرَبُ.
[فَوَائِدُ صُوَرِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ]
فَوَائِدُ الْأُولَى: مِنْ صُوَرِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ: لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ أَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا. قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ، وَالْحَارِثِيُّ. وَقَالَا: يَصِحُّ، وَيُؤْخَذُ بِالْبَيَانِ كَطَلَاقِهِ إحْدَاهُمَا وَعِتْقِهِ أَحَدَهُمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَعْنِي ثُمَّ يُقْرِعُ. عَلَى الْمَذْهَبِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ مِائَةٍ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِائَةٌ فَفِي صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ وَجْهَانِ.
صَحَّحَ النَّاظِمُ: أَنَّ الْبَرَاءَةَ لَا تَصِحُّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَظْهَرُ. أَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَصْلُهُمَا: لَوْ بَاعَ مَالًا لِمَوْرُوثِهِ، يَعْتَقِدُ أَنَّهُ حَيٌّ وَكَانَ قَدْ مَاتَ وَانْتَقَلَ مِلْكُهُ إلَيْهِ فَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَتَقَدَّمَ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا فِي كِتَابِ الْبَيْعِ، بَعْدَ تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ. فَكَذَا هُنَا. وَقَالَ الْقَاضِي: أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ: مَنْ وَاجَهَ امْرَأَةً بِالطَّلَاقِ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً، فَبَانَتْ امْرَأَتَهُ، أَوْ وَاجَهَ بِالْعِتْقِ مَنْ يَعْتَقِدُهَا حَرَّةً فَبَانَتْ أَمَتَهُ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ.
الثَّالِثَةُ: لَا تَصِحُّ هِبَةُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَيَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ كَالْأَعْيَانِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ بَعْدَهُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالْمُخْتَارُ الصِّحَّةُ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ فَذَكَرَهُ إنْ اتَّصَلَ الْقَبْضُ بِهِ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ هِبَةِ دَيْنِ السَّلَمِ فِي بَابِهِ مُحَرَّرًا. فَلْيُعَاوَدْ.
الرَّابِعَةُ: لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ بِشَرْطٍ. نَصَّ عَلَيْهِ، فِيمَنْ قَالَ " إنْ مِتَّ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ " فَإِنْ ضَمَّ التَّاءَ. فَقَالَ " إنَّ مِتُّ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ " فَهُوَ وَصِيَّةٌ. وَجَعَلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَجُلًا فِي حِلٍّ مِنْ غَيْبَتِهِ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَعُودَ. وَقَالَ: مَا أَحْسَنَ الشَّرْطَ. فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ. وَأَخَذَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ مِنْ شَرْطِهِ " أَنْ لَا يَعُودَ " رِوَايَةً فِي صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطٍ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ: صِحَّةَ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطٍ. وَاحْتَجَّ بِنَصِّهِ الْمَذْكُورِ هُنَا أَنَّهُ وَصِيَّةٌ.
وَأَنَّ ابْنَ شِهَابٍ، وَالْقَاضِيَ، قَالَا: لَا يَصِحُّ عَلَى غَيْرِ مَوْتِ الْمُبَرِّئِ. وَأَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ. لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ. وَقَدَّمَ الْحَارِثِيُّ مَا قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ، وَقَالَ: إنَّهُ أَصَحُّ.
الْخَامِسَةُ: لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ قَبْلَ وُجُوبِهِ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. نَقَلَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَنْهُ. وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ: بِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ. وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ: أَنَّهُ إسْقَاطٌ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِسْقَاطِ، وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ: فَكَأَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهُ، ثُمَّ سَقَطَ. وَمَنَعَ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَبُولُهُ. وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ: فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مَالًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ. وَقَالَ: الْعَفْوُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ تَمْلِيكٌ أَيْضًا.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ " أَنَّ أَبَا الْيَسْرِ الصَّحَابِيَّ رضي الله عنه قَالَ لِغَرِيمِهِ: إذَا وَجَدْت قَضَاءً فَاقْضِ. وَإِلَّا فَأَنْتَ فِي حِلٍّ ".
وَأَعْلَمَ بِهِ الْوَلِيدَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه، وَابْنَهُ، وَهُمَا تَابِعِيَّانِ. فَلَمْ يُنْكِرَاهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا مُتَّجِهٌ. وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا.
السَّادِسَةُ: لَوْ تَبَارَآ. وَكَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ مَكْتُوبٌ. فَادَّعَى اسْتِثْنَاءَهُ بِقَلْبِهِ، وَلَمْ يُبَرِّئْهُ مِنْهُ: قُبِلَ قَوْلُهُ. وَلِخَصْمِهِ تَحْلِيفُهُ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَتَوَجَّهُ الرِّوَايَتَانِ فِي مُخَالَفَةِ النِّيَّةِ لِلْعَامِّ بِأَيِّهِمَا يُعْمَلُ.
السَّابِعَةُ: قَالَ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْمَجْهُولِ: عِنْدَنَا صَحِيحٌ. لَكِنْ هَلْ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ، أَوْ خَاصٌّ بِالْأَمْوَالِ؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ عَامٌّ.
قُلْت: صَرَّحَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ فِي آخِرِ الْقَذْفِ. وَقَدَّمَهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ لَا يَكْفِي الِاسْتِحْلَالُ الْمُبْهَمُ. وَيَأْتِي ذَلِكَ مُحَرَّرًا هُنَاكَ.
قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمُشَاعِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَقْطُوعُ بِهِ، عِنْدَ الْأَصْحَابِ قَاطِبَةً. وَفِي طَرِيقِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِنْ عَدَمِ إجَارَةِ الْمُشَاعِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ وَلَا هِبَتُهُ. وَقَوْلُهُ (وَكُلُّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) . يَعْنِي: تَصِحُّ هِبَتُهُ. وَهَذَا صَحِيحٌ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَمَفْهُومُهُ: أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: تَصِحُّ هِبَةُ مَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ. جَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ. وَتَصِحُّ هِبَةُ الْكَلْبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ. وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: وَلَيْسَ بَيْنَ الْقَاضِي وَصَاحِبِ الْمُغْنِي خِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ. لِأَنَّ نَقْلَ الْيَدِ فِي هَذِهِ الْأَعْيَانِ جَائِزٌ، كَالْوَصِيَّةِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. انْتَهَى. نَقَلَ حَنْبَلٌ فِيمَنْ أَهْدَى إلَى رَجُلٍ كَلْبَ صَيْدٍ تَرَى أَنْ يُثِيبَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: هَذَا خِلَافُ الثَّمَنِ. هَذَا عِوَضٌ مِنْ شَيْءٍ. فَأَمَّا الثَّمَنُ: فَلَا. وَأَطْلَقَ فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَجْهَيْنِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَقِيلَ: وَتَصِحُّ أَيْضًا هِبَةُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَيَظْهَرُ لِي صِحَّةُ هِبَةِ الصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ قَوْلًا وَاحِدًا.
تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا تَصِحُّ هِبَةُ أُمِّ الْوَلَدِ. إنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: يَصِحُّ هُنَا، مَعَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ.
قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ. بِأَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْإِمَاءِ فِي الْخِدْمَةِ وَنَحْوِهَا، إلَى أَنْ يَمُوتَ الْوَاهِبُ، فَتَعْتِقَ. وَتَخْرُجَ مِنْ الْهِبَةِ.
قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ) . اعْلَمْ أَنَّ الْمَوْهُوبَ الْمَجْهُولَ: تَارَةً يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ. وَتَارَةً لَا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ. فَإِنْ تَعَذَّرَ عِلْمُهُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصُّلْحِ عَلَى الْمَجْهُولِ الْمُتَعَذِّرِ عِلْمُهُ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَهُوَ الصِّحَّةُ. قَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. لِإِطْلَاقِهِمْ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي هِبَةِ الْمَجْهُولِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَحَرْبٍ الْآتِيَتَيْنِ. وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ عِلْمُهُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ. نَقَلَ حَرْبٌ: لَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ أَيْضًا: إذَا قَالَ " شَاةً مِنْ غَنَمِي " يَعْنِي وَهَبْتهَا لَهُ لَمْ يَجُزْ.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْجَهْلَ إذَا كَانَ مِنْ الْوَاهِبِ: مَنَعَ الصِّحَّةَ. وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ: لَمْ يَمْنَعْهَا.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ. كَقَوْلِهِ " مَا أَخَذْت مِنْ مَالِي فَهُوَ لَك " أَوْ " مَنْ وَجَدَ شَيْئًا مِنْ مَالِي: فَهُوَ لَهُ ". وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ: صِحَّةَ هِبَةِ الْمَجْهُولِ.
فَائِدَةٌ:
لَوْ قَالَ " خُذْ مِنْ هَذَا الْكِيسِ مَا شِئْت " كَانَ لَهُ أَخْذُ مَا فِيهِ جَمِيعًا. وَلَوْ قَالَ " خُذْ مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ مَا شِئْت " لَمْ يَمْلِكْ أَخْذَهَا كُلَّهَا. إذْ الْكِيسُ ظَرْفًا. فَإِذَا أَخَذَ الْمَظْرُوفَ: حَسُنَ أَنْ " يَقُولَ أَخَذْت مِنْ الْكِيسِ مَا فِيهِ " وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَقُولَ " أَخَذْت مِنْ الدَّرَاهِمِ كُلَّهَا " نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ الصَّيْرَفِيِّ.
قَوْلُهُ (وَلَا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ) . يَعْنِي لَا تَصِحُّ هِبَتُهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: تَصِحُّ هِبَتُهُ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ: جَوَازُ هِبَةِ الْمَعْدُومِ وَغَيْرِهِ. قُلْت: اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: صِحَّةَ هِبَةِ الْمَعْدُومِ. كَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ بِالسَّنَةِ. قَالَ: وَاشْتِرَاطُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ هُنَا: فِيهِ نَظَرٌ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ جَوَازَ تَعْلِيقِهَا عَلَى شَرْطٍ. قُلْت: وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفَائِقِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَا شَرَطَ مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهَا، نَحْوَ: أَنْ لَا يَبِيعَهَا، وَلَا يَهَبَهَا) . هَذَا الشَّرْطُ بَاطِلٌ بِلَا نِزَاعٍ.
لَكِنْ هَلْ تَصِحُّ الْهِبَةُ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. بِنَاءً عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الصِّحَّةُ.
قَوْلُهُ (وَلَا تَوْقِيتُهَا. كَقَوْلِهِ. وَهَبْتُك هَذَا سَنَةً) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الْمُصَنِّفُ. وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ الْجَوَازَ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. قَوْلُهُ (إلَّا فِي الْعُمْرَى، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ، أَوْ أَرْقَبْتُكَهَا، أَوْ جَعَلْتهَا لَك عُمُرَك، أَوْ حَيَاتَك) . وَكَذَا قَوْلُهُ (أَعْطَيْتُكَهَا) أَوْ " جَعَلْتهَا لَك عُمْرَى، أَوْ رُقْبَى أَوْ مَا بَقِيت " فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَتَكُونُ لِلْمُعَمَّرِ بِفَتْحِ الْمِيمِ (وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ) . هَذِهِ " الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى " وَهِيَ صَحِيحَةٌ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ. وَتَكُونُ لِلْمُعَمَّرِ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ:" الْعُمْرَى " الْمَشْرُوعَةُ، أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَك وَلِعَقِبِك مِنْ بَعْدِك لَا غَيْرُ. وَنَقَلَ يَعْقُوبُ، وَابْنُ هَانِئٍ: مَنْ يُعْمَرُ الْجَارِيَةَ، هَلْ يَطَؤُهَا؟ قَالَ: لَا أَرَاهُ. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الْوَرَعِ. لِأَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَهَا تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَالصَّوَابُ تَحْرِيمُهُ، وَحَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ بِالْعُمْرَى قَاصِرٌ.
فَائِدَةٌ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ رُجُوعَهَا إلَى الْمُعَمِّرِ بِكَسْرِ الْمِيمِ عِنْدَ مَوْتِهِ، أَوْ قَالَ: هِيَ لِآخِرِنَا مَوْتًا)(صَحَّ الشَّرْطُ) .
هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ. وَتَكُونُ لِلْمُعَمَّرِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْفَائِقِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. أَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ عَنْ الرِّوَايَةِ الْأُولَى: هُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ عَنْ الثَّانِيَةِ لَا تَصِحُّ الرِّوَايَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله بِصِحَّةِ الشَّرْطِ
تَنْبِيهٌ: مِنْ لَازِمِ صِحَّةِ الشَّرْطِ: صِحَّةُ الْعَقْدِ، وَلَا عَكْسَ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْعَقْدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ أَيْضًا.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ: وَجْهًا بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ. لِبُطْلَانِ الشَّرْطِ كَالْبَيْعِ. وَلَا يَصِحُّ. انْتَهَى.
فَائِدَةٌ: لَا يَصِحُّ إعْمَارُهُ الْمَنْفَعَةَ، وَلَا إرْقَابُهَا. فَلَوْ قَالَ " سُكْنَى هَذِهِ الدَّارِ لَك عُمُرَك " أَوْ " غَلَّةُ هَذَا الْبُسْتَانِ " أَوْ " خِدْمَةُ
هَذَا الْعَبْدِ لَك عُمُرَك " أَوْ " مَنَحْتُكَهُ عُمُرَك " أَوْ " هُوَ لَك عُمُرَك " فَذَلِكَ عَارِيَّةٌ. لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إذَا قَالَ " هُوَ وَقْفٌ عَلَى فُلَانٍ. فَإِذَا مَاتَ فَلِوَلَدِي، أَوْ لِفُلَانٍ " فَكَمَا لَوْ قَالَ " إذَا مَاتَ فَهُوَ لِوَلَدِهِ، أَوْ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ الْوَاقِفُ " لَيْسَ يَمْلِكُ مِنْهُ شَيْئًا. إنَّمَا هُوَ لِمَنْ وَقَفَهُ. يَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ. مِثْلُ السُّكْنَى، وَالسُّكْنَى مَتَى شَاءَ رَجَعَ فِيهِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِي الرُّقْبَى وَالْوَقْفِ إذَا مَاتَ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ، بِخِلَافِ السُّكْنَى. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَيْضًا: الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى وَالْوَقْفُ مَعْنًى وَاحِدٌ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْطٌ: لَمْ يَرْجِعْ إلَى وَرَثَةِ الْمُعَمِّرِ. وَإِنْ شَرَطَ فِي وَقْفِهِ أَنَّهُ لَهُ حَيَاتَهُ: رَجَعَ. وَإِنْ جَعَلَهُ لَهُ حَيَاتَهُ وَبَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ: لِوَرَثَةِ الَّذِي أَعْمَرَهُ، وَإِلَّا رَجَعَ إلَى وَرَثَةِ الْأَوَّلِ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْوَقْفِ الْمُؤَقَّتِ.
قَوْلُهُ (وَالْمَشْرُوعُ فِي عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ: الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ) هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، وَحَرْبٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، وَالْمَرُّوذِيِّ، وَالْكَوْسَجِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَسِنْدِيٍّ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: الْمَشْرُوعُ أَنْ يَكُونَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى كَمَا فِي النَّفَقَةِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ، وَالْحَارِثِيُّ. وَفِي الْوَاضِحِ وَجْهٌ: تُسْتَحَبُّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَبٍ وَأُمٍّ، وَأَخٍ وَأُخْتٍ.
قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدًا مِنْ وَلَدِهِ فِي طَعَامٍ وَلَا غَيْرِهِ. كَأَنْ يُقَالَ " يَعْدِلُ بَيْنَهُمْ فِي الْقُبَلِ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَخَلَ فِيهِ نَظَرُ وَقْفٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ فِي الذِّمَّةِ.
تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ " فِي عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ " دُخُولَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ. يُقَوِّيهِ قَوْلُهُ " الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ " فَقَدْ يَكُونُ فِي وَلَدِ الْوَلَدِ مَنْ يَرِثُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَخْصُوصٌ بِأَوْلَادِهِ لِصُلْبِهِ. وَهُوَ وَجْهٌ. وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ: لَا وَلَدُ بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ. الثَّانِي: قُوَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: تُعْطِي أَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْوَاضِحِ.
وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ. وَلَا يَأْبَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَارِثِيُّ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَقَالَ: هُوَ الْمَذْهَبُ. الثَّالِثُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَالْمَشْرُوعُ فِي عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ " أَنَّ الْأَقَارِبَ الْوَارِثِينَ غَيْرُ الْأَوْلَادِ: لَيْسَ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ.
قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. فَإِنَّهُ قَالَ: يَجِبُ التَّعْدِيلُ فِي عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ مِنْهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ، كَالْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ سَهْوٌ. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ: أَنَّ حُكْمَ الْأَقَارِبِ الْوُرَّاثِ فِي الْعَطِيَّةِ كَالْأَوْلَادِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَأَمَّا الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ: فَلَا يَدْخُلَانِ فِي لَفْظِ الْأَوْلَادِ وَالْأَقَارِبِ. بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. فَهُمْ خَارِجُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ. صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْبَاقِينَ.
الرَّابِعُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: مَشْرُوعِيَّةُ التَّسْوِيَةِ فِي الْإِعْطَاءِ. سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَسَوَاءٌ كَانُوا كُلُّهُمْ فُقَرَاءَ أَوْ بَعْضُهُمْ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ الشَّيْءِ التَّافِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: يُعْفَى عَنْ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. وَعَنْهُ: يَجِبُ التَّسْوِيَةُ أَيْضًا فِيهِ، إذَا تَسَاوَوْا فِي الْفَقْرِ أَوْ الْغِنَى.
قَوْلُهُ (فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ، أَوْ فَضَّلَهُ: فَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بِالرُّجُوعِ، أَوْ إعْطَاءِ الْآخَرِ حَتَّى يَسْتَوُوا) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ.
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ. انْتَهَى.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ إيرَادِ الْكِتَابِ، وَنَصَرَهُ. وَتَحْرِيمُ فِعْلِ ذَلِكَ فِي الْأَوْلَادِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَقَارِبِ: مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقِيلَ: إنْ أَعْطَاهُ لِمَعْنًى فِيهِ مِنْ حَاجَةٍ، أَوْ زَمَانَةٍ، أَوْ عَمًى، أَوْ كَثْرَةِ عَائِلَةٍ، أَوْ لِاشْتِغَالِهِ بِالْعِلْمِ وَنَحْوِهِ. أَوْ مَنَعَ بَعْضَ وَلَدِهِ لِفِسْقِهِ، أَوْ بِدْعَتِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ يَعْصِي اللَّهَ بِمَا يَأْخُذُهُ وَنَحْوِهِ جَازَ التَّخْصِيصُ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. إلَّا أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةُ مَغْلُوطَةً. وَقَطَعَ بِهِ النَّاظِمُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. قُلْت: قَدْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ بِالْوَقْفِ: لَا بَأْسَ إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ. وَأَكْرَهُهُ إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْأَثَرَةِ، وَالْعَطِيَّةُ، فِي مَعْنَى الْوَقْفِ. قُلْت: وَهَذَا قَوِيٌّ جِدًّا.
قَوْلُهُ (فَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بِالرُّجُوعِ أَوْ إعْطَاءِ الْآخَرِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. أَعْنِي أَنَّ التَّسْوِيَةَ: إمَّا بِالرُّجُوعِ، وَإِمَّا بِالْإِعْطَاءِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمَامُ أَحْمَدَ رحمه الله فِي رِوَايَةٍ إلَّا " الرُّجُوعَ " فَقَطْ. وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ، وَالْأَظْهَرُ: أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله لَيْسَ قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، إنَّمَا هُوَ اخْتِلَافُ حَالَيْنِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَوْ إعْطَاءُ الْآخَرِ " وَلَوْ كَانَ إعْطَاؤُهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ: الْجَوَازُ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا يُعْطَى فِي مَرَضِهِ. وَهُوَ قَوْلٌ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ: لَا يَصِحُّ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، وَيُوسُفَ بْنِ مُوسَى، وَالْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ، وَعَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْهَيْثَمِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ. وَنَقَل الْمَيْمُونِيُّ وَغَيْرُهُ: لَا يَنْفُذُ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَغَيْرُهُ: يُؤْمَرُ بِرَدِّهِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِإِذْنِ الْبَاقِي. ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لِلْأَبِ تَمَلُّكُهُ بِلَا حِيلَةٍ. قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَتَابَعَهُ فِي الْفُرُوعِ وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا.
قَوْلُهُ (فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ)(ثَبَتَ لِلْمُعْطَى) .
هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ.