المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فوائد احتاج الخان المسبل أو الدار الموقوفة لسكنى الحاج] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٧

[المرداوي]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الْوَقْفِ]

- ‌[فَوَائِدُ مَصْرِفُ الْوَقْفِ إلَى الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَهُ]

- ‌[فَوَائِدُ احْتَاجَ الْخَانُ الْمُسَبَّلُ أَوْ الدَّارُ الْمَوْقُوفَةُ لِسُكْنَى الْحَاجِّ]

- ‌[بَابُ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ وَهَبَ الْغَائِبُ هِبَةً وَأَنْفَذَهَا مَعَ رَسُولِ الْمَوْهُوبِ لَهُ]

- ‌[فَوَائِدُ صُوَرِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ]

- ‌[فَوَائِدُ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ]

- ‌[فَوَائِدُ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تُبَرِّئِينِي]

- ‌[فَائِدَةٌ وَتُفَارِقُ الْعَطِيَّةُ الْوَصِيَّةَ فِي أَرْبَعَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[فَوَائِدُ أَوْجَبَهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ فَلَمْ يَقْبَلْ فِيهِمَا]

- ‌[بَابُ الْمُوصَى لَهُ]

- ‌[بَابُ الْمُوصَى بِهِ]

- ‌[بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْأَنْصِبَاءِ وَالْأَجْزَاءِ]

- ‌[بَابُ الْمُوصَى إلَيْهِ]

- ‌[كِتَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ ذَوِي الْفُرُوضِ]

- ‌[بَابُ الْعَصَبَاتِ]

- ‌[بَابُ أُصُولِ الْمَسَائِلِ]

- ‌[بَابُ تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ]

- ‌[بَابُ الْمُنَاسَخَاتِ]

- ‌[بَابُ قَسْمِ التَّرِكَاتِ]

- ‌[بَابُ ذَوِي الْأَرْحَامِ]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ الْحَمْلِ]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ الْخُنْثَى]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ الْغَرْقَى وَمَنْ عُمِّيَ مَوْتُهُمْ]

- ‌[بَابُ الْإِقْرَارِ بِمُشَارِكٍ فِي الْمِيرَاثِ]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ]

- ‌[بَابُ الْوَلَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الْعِتْقِ]

- ‌[فَوَائِدُ خِيفَ عَلَى الرَّقِيقِ الزِّنَا وَالْفَسَادُ فِي الْعِتْق]

- ‌[بَابُ التَّدْبِيرِ]

- ‌[بَابُ الْكِتَابَةِ]

- ‌[بَابُ أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ]

الفصل: ‌[فوائد احتاج الخان المسبل أو الدار الموقوفة لسكنى الحاج]

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ كَالطَّلْقِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إلَّا مَنْ يُرِيدُ الِانْتِفَاعَ بِهِ، فَيُعَمِّرُهُ بِاخْتِيَارِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يَجِبُ عِمَارَةُ الْوَقْفِ بِحَسَبِ الْبُطُونِ.

[فَوَائِدُ احْتَاجَ الْخَانُ الْمُسَبَّلُ أَوْ الدَّارُ الْمَوْقُوفَةُ لِسُكْنَى الْحَاجِّ]

فَوَائِدُ.

الْأُولَى: لَوْ احْتَاجَ الْخَانُ الْمُسَبَّلُ، أَوْ الدَّارُ الْمَوْقُوفَةُ لِسُكْنَى الْحَاجِّ، أَوْ الْغُزَاةِ، إلَى مَرَمَّةٍ: أُوجِرَ جُزْءٌ مِنْهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ.

الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُقَدَّمُ عِمَارَةُ الْوَقْفِ عَلَى أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَسَبَ الْإِمْكَانِ أَوْلَى. بَلْ قَدْ يَجِبُ. انْتَهَى. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: عِمَارَتُهُ لَا تَخْلُو مِنْ أَحْوَالٍ.

أَحَدُهَا: أَنْ يُشْرَطَ الْبُدَاءَةُ بِهَا، كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ. فَلَا إشْكَالَ فِي تَقْدِيمِهَا.

الثَّانِي: اشْتِرَاطُ تَقْدِيمِ الْجِهَةِ عَلَيْهَا. فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِمُوجِبِهِ، مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى التَّعْطِيلِ. فَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ: قُدِّمَتْ الْعِمَارَةُ. فَيَكُونُ عَقْدُ الْوَقْفِ مُخَصَّصًا لِلشَّرْطِ. وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ تَأْقِيتِ الْوَقْفِ. أَمَّا عَلَى صِحَّتِهِ: فَتُقَدَّمُ الْجِهَةُ كَيْفَ كَانَ.

الثَّالِثُ: اشْتِرَاطُ الصَّرْفِ إلَى الْجِهَةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا، فَهُوَ فِي مَعْنَى اشْتِرَاطِ تَقْدِيمِهِ عَلَى الْعِمَارَةِ. فَيَتَرَتَّبُ مَا قُلْنَا فِي الثَّانِي.

الرَّابِعُ: إيقَاعُ الْوَقْفِ عَلَى فُلَانٍ، أَوْ جِهَةِ كَذَا وَبَيَّضَ لَهُ انْتَهَى.

الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْوَقْفِ بِدُونِ إذْنِ الْحَاكِمِ لِمَصْلَحَةٍ، كَشِرَائِهِ لِلْوَقْفِ نَسِيئَةً، أَوْ بِنَقْدٍ لَمْ يُعَيِّنْهُ. قَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ فِي قَرْضِهِ مَالًا: كَوَلِيٍّ.

ص: 72

الرَّابِعَةُ: لَوْ أَجَّرَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ. ثُمَّ طَلَبَ بِزِيَادَةٍ، فَلَا فَسْخَ. بِلَا نِزَاعٍ. وَلَوْ أَجَّرَ الْمُتَوَلِّي مَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرَاتِ، ثُمَّ طَلَبَ بِزِيَادَةٍ أَيْضًا، فَلَا فَسْخَ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُفْسَخَ. ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ.

الْخَامِسَةُ: إذَا أَجَّرَهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ: صَحَّ. وَضَمِنَ النَّقْصَ كَبَيْعِ الْوَكِيلِ بِأَنْقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهَلْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إجَارَةُ الْمَوْقُوفِ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.

السَّادِسَةُ: يَجُوزُ صَرْفُ الْمَوْقُوفِ عَلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ كَبِنَاءِ مَنَارَتِهِ، وَإِصْلَاحِهَا وَكَذَا بِنَاءُ مِنْبَرِهِ، وَأَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ سُلَّمًا لِلسَّطْحِ، وَأَنْ يَبْنِيَ مِنْهُ ظُلَّتَهُ. وَلَا يَجُوزُ فِي بِنَاءِ مِرْحَاضٍ، وَلَا فِي زَخْرَفَةِ الْمَسْجِدِ، وَلَا فِي شِرَاءِ مَكَانِسَ وَمُجَازِفَ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَأَمَّا إذَا وُقِفَ عَلَى مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ، أَوْ عَلَى الْمَسْجِدِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ فَجَائِزٌ صَرْفُهُ فِي نَوْعِ الْعِمَارَةِ، وَفِي مَكَانِسَ، وَمُجَازِفَ، وَمَسَاحِيَّ، وَقَنَادِيلَ، وَفُرُشٍ، وَوَقُودٍ، وَرِزْقِ إمَامٍ، وَمُؤَذِّنٍ، وَقَيِّمٍ. وَفِي نَوَادِرِ الْمُذْهَبِ، لِابْنِ الصَّيْرَفِيِّ: مَنْعُ الصَّرْفِ مِنْهُ فِي إمَامٍ، أَوْ بَوَارِي. قَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُصَلِّينَ. لَا لِلْمَسْجِدِ. وَرَدَّهُ الْحَارِثِيُّ.

السَّابِعَةُ: قَالَ فِي نَوَادِرِ الْمُذْهَبِ: لَوْ وَقَفَ دَارِهِ عَلَى مَسْجِدٍ، وَعَلَى إمَامٍ يُصَلِّي فِيهِ: كَانَ لِلْإِمَامِ نِصْفُ الرِّيعِ. كَمَا لَوْ وَقَفَهَا عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو. قَالَ: وَلَوْ وَقَفَهَا عَلَى مَسَاجِدِ الْقَرْيَةِ، وَعَلَى إمَامٍ يُصَلِّي فِي وَاحِدٍ مِنْهَا: كَانَ الرِّيعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ الْمَسَاجِدِ نِصْفَيْنِ. انْتَهَى. وَتَابَعَهُ الْحَارِثِيُّ.

ص: 73

قُلْت: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ لِمَسْجِدٍ وَاحِدٍ. وَلَهُ نَظَائِرُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ. ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ. فَهُوَ لِوَلَدِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ) . نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. لَكِنْ لَوْ حَدَثَ لِلْوَاقِفِ وَلَدٌ بَعْدَ وَقْفِهِ: فَفِي دُخُولِهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ.

إحْدَاهُمَا: يَدْخُلُ مَعَهُمْ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ. وَالْوَصِيَّةُ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَا يَدْخُلُونَ بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. وَقِيلَ: يَدْخُلُونَ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَامِدٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِذَا قِيلَ بِدُخُولِ وَلَدِ الْوَلَدِ: هَلْ يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ؟ . جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ هُنَا بِعَدَمِ الدُّخُولِ، مَعَ إيرَادِهِمْ الْخِلَافَ فِيهِ فِيمَا إذَا قَالَ " عَلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ " كَمَا فِي الْكِتَابِ.

ص: 74

قَالَ: وَالصَّوَابُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ. فَيَطَّرِدُ فِي هَذِهِ مَا فِي الْأُخْرَى، لِتَنَاوُلِ الْوَلَدِ وَالْأَوْلَادِ لِلْبَطْنِ الْأَوَّلِ، فَمَا بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ (وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُمْ سَوَاءٌ كَانُوا مَوْجُودِينَ حَالَةَ الْوَقْفِ أَوْ لَا. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيهِمْ.

إحْدَاهُمَا: يَدْخُلُونَ مُطْلَقًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، وَيُوسُفَ بْنِ مُوسَى، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُنَادِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْمَذْهَبُ دُخُولُهُمْ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ أَوْلَى. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْحَارِثِيُّ، وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ، وَالْقَاضِي فِيمَا عَلَّقَهُ بِخَطِّهِ عَلَى ظَهْرِ خِلَافِهِ، وَغَيْرُهُمْ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَدْخُلُونَ مُطْلَقًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَصَايَا وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَدْخُلُونَ بِدُونِ قَرِينَةٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَعَنْهُ: يَدْخُلُونَ إنْ كَانُوا مَوْجُودِينَ حَالَةَ الْوَقْفِ، وَإِلَّا فَلَا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: إنْ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ: لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُ الْوَلَدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ: دَخَلَ. وَاسْتَشْهَدَ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ.

ص: 75

وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْفُرُوعِ فِي الْمَوْجُودِينَ حَالَةَ الْوَقْفِ. وَقَدَّمَ عَدَمَ الدُّخُولِ فِي غَيْرِ الْمَوْجُودِينَ. وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِمَّا اصْطَلَحْنَا عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الدُّخُولِ: قَالَ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ: إنْ قَالَ " عَلَى وَلَدِي، وَوَلَدِ وَلَدِي. ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ " دَخَلَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي، وَلَمْ يَدْخُلْ الْبَطْنُ الثَّالِثُ. وَإِنْ قَالَ " عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِ وَلَدِي " دَخَلَ ثَلَاثُ بُطُونٍ، دُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ وَفْقُ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ.

تَنْبِيهَانِ.

الْأَوَّلُ: حَيْثُ قُلْنَا بِدُخُولِهِمْ، فَلَا يَسْتَحِقُّونَ إلَّا بَعْدَ آبَائِهِمْ مُرَتَّبًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِقَوْلِهِ " بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ، أَوْ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ ". قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ مُرَتَّبًا. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ أَيْضًا. وَقِيلَ: يَسْتَحِقُّونَ مَعَهُمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ: وَفِي " التَّرْتِيبِ " فَهَلْ هُوَ تَرْتِيبُ بَطْنٍ عَلَى بَطْنٍ، فَلَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ الْوَلَدِ شَيْئًا، مَعَ وُجُودِ فَرْدٍ مِنْ الْأَوْلَادِ. أَوْ تَرْتِيبُ فَرْدٍ عَلَى فَرْدٍ. فَيَسْتَحِقُّ كُلُّ وَلَدٍ نَصِيبَ وَالِدِهِ بَعْدَ فَقْدِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.

وَالثَّانِي: مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. انْتَهَى.

الثَّانِي: حُكْمُ مَا إذَا أَوْصَى لِوَلَدِهِ فِي دُخُولِ وَلَدِ بَنِيهِ: حُكْمَ الْوَقْفِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

ص: 76

وَحَكَاهُ فِي الْقَوَاعِدِ عَنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ: وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله نَصَّ عَلَى دُخُولِهِمْ. وَالْمَعْرُوفُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: إنَّمَا هُوَ فِي الْوَقْفِ. وَأَشَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله إلَى دُخُولِهِمْ فِي الْوَقْفِ دُونَ الْوَصِيَّةِ. لِأَنَّ الْوَقْفَ يَتَأَبَّدُ، وَالْوَصِيَّةُ تَمْلِيكٌ لِلْمَوْجُودِينَ. فَيَخْتَصُّ بِالطَّبَقَةِ الْعُلْيَا الْمَوْجُودَةِ. فَوَائِدُ

إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ " عَلَى وَلَدِ فُلَانٍ وَهُمْ قَبِيلَةٌ " أَوْ قَالَ " عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ " فَلَا تَرْتِيبَ. وَسَأَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ: عَمَّنْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى فُلَانٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَلِوَلَدِهِ؟ قَالَ: هُوَ لَهُ حَيَاتَهُ. فَإِذَا مَاتَ فَلِوَلَدِهِ. وَإِذَا قَالَ " عَلَى وَلَدِي. فَإِذَا انْقَرَضُوا. فَلِلْفُقَرَاءِ " شَمِلَهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَا يَشْمَلُهُ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ اقْتَرَنَ بِاللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي الدُّخُولَ: دَخَلُوا بِلَا خِلَافٍ. كَقَوْلِهِ " عَلَى أَوْلَادِي وَهُمْ قَبِيلَةٌ " أَوْ " عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِي أَبَدًا مَا تَعَاقَبُوا وَتَنَاسَلُوا " أَوْ " عَلَى أَوْلَادِي " وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَوْلَادُ أَوْلَادٍ. أَوْ " عَلَى أَوْلَادِي: الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى " أَوْ " تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى " وَمَا أَشْبَهَ هَذَا. وَإِنْ اقْتَضَى عَدَمَ الدُّخُولِ: لَمْ يَدْخُلُوا بِلَا خِلَافٍ. " كَعَلَى وَلَدِي لِصُلْبِي " أَوْ " الَّذِينَ يَلُونَنِي " وَنَحْوِ ذَلِكَ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ " وَلَدِي لِصُلْبِي ". الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ " عَلَى أَوْلَادِي. فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادِي وَأَوْلَادُ أَوْلَادِي: فَعَلَى الْمَسَاكِينِ ". فَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْكَافِي: يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ. لِأَنَّ اشْتِرَاطَ انْقِرَاضِهِمْ دَلِيلُ إرَادَتِهِمْ بِالْوَقْفِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.

ص: 77

وَفِي الْكَافِي وَجْهٌ: بِعَدَمِ الدُّخُولِ. لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ. فَهُوَ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ. يُصْرَفُ بَعْدَ انْقِرَاضِ أَوْلَادِهِ مَصْرِفَ الْمُنْقَطِعِ. فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادُهُمْ: صُرِفَ إلَى الْمَسَاكِينِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ.

الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إذَا جُهِلَ شَرْطُ الْوَاقِفِ، وَتَعَذَّرَ الْعُثُورُ عَلَيْهِ: قُسِمَ عَلَى أَرْبَابِهِ بِالسَّوِيَّةِ. فَإِنْ لَمْ يُعْرَفُوا: جُعِلَ كَوَقْفٍ مُطْلَقٍ لَمْ يُذْكَرْ مَصْرِفُهُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْكَافِي: لَوْ اخْتَلَفَ أَرْبَابُ الْوَقْفِ فِيهِ: رُجِعَ إلَى الْوَاقِفِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ: تَسَاوَوْا فِيهِ، لِأَنَّ الشَّرِكَةَ ثَبَتَتْ. وَلَمْ يَثْبُتْ التَّفْضِيلُ. فَوَجَبَتْ التَّسْوِيَةُ كَمَا لَوْ شَرَكَ بَيْنَهُمْ بِلَفْظِهِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: إنْ تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ، أَمْكَنَ التَّأَنُّسُ بِتَصَرُّفِ مَنْ تَقَدَّمَ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ: رُجِعَ إلَيْهِ. لِأَنَّهُ أَرْجَحُ مِمَّا عَدَاهُ. وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ، وَوُقُوعِهِ عَلَى الْوَفْقِ. وَإِنْ تَعَذَّرَ وَكَانَ الْوَقْفُ عَلَى عِمَارَةٍ أَوْ إصْلَاحٍ صُرِفَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ. وَإِنْ كَانَ عَلَى قَوْمٍ، وَثَمَّ عُرْفٌ فِي مَقَادِيرِ الصَّرْفِ كَفُقَهَاءِ الْمَدَارِسِ رُجِعَ إلَى الْعُرْفِ. لِأَنَّ الْغَالِبَ وُقُوعُ الشَّرْطِ عَلَى وَفْقِهِ. وَأَيْضًا: فَالْأَصْلُ عَدَمُ تَقْيِيدِ الْوَاقِفِ. فَيَكُونُ مُطْلَقًا. وَالْمُطْلَقُ مِنْهُ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْعُرْفِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ سُوِّيَ بَيْنَهُمْ. لِأَنَّ التَّشْرِيكَ ثَابِتٌ، وَالتَّفْضِيلَ لَمْ يَثْبُتْ. انْتَهَى. وَقَالَ: وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ نَحْوَهُ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: أَنَّهُ يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ. وَهُوَ الصَّوَابُ.

ص: 78

وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: إذَا ضَاعَ كِتَابُ الْوَقْفِ وَشَرْطُهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّفْضِيلِ وَعَدَمِهِ: احْتَمَلَ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَهُمْ. لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّفْصِيلِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ يُفَضَّلَ بَيْنَهُمْ. لِأَنَّ الظَّاهِرَ: أَنَّهُ يَجْعَلُهُ عَلَى حَسَبِ إرْثِهِمْ مِنْهُ. وَإِنْ كَانُوا أَجَانِبَ: قُدِّمَ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي التَّسْوِيَةَ وَيُنْكِرُ التَّفَاوُتَ. انْتَهَى.

تَنْبِيهٌ:

يَأْتِي فِي بَابِ الْهِبَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَلْ تَجُوزُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَوْلَادِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ تُسْتَحَبُّ التَّسْوِيَةُ، أَمْ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ عَلَى حَسَبِ الْمِيرَاثِ؟ .

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى عَقِبِهِ، أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ، أَوْ ذُرِّيَّتِهِ: دَخَلَ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ) بِلَا نِزَاعٍ فِي " عَقِبِهِ " أَوْ " ذُرِّيَّتِهِ ". وَأَمَّا إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ: فَهَلْ يَشْمَلُ أَوْلَادَ الْوَلَدِ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ، وَهَلُمَّ جَرًّا؟ . تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ غَيْرَ الْمَذْكُورِينَ.

وَقَوْلُهُ (وَنُقِلَ عَنْهُ: لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ) . إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ، أَوْ قَالَ " عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي وَإِنْ سَفُلُوا ". فَنَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: أَنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ لَا يَدْخُلُونَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: وَإِنْ وَصَّى لِوَلَدِ وَلَدِهِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ. لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْوَقْفِ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ: لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ. وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالْجَامِعِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَشْمَلْ وَلَدَ بَنَاتِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ. اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ.

ص: 79

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخَانِ يَعْنِي بِهِمَا: الْمُصَنِّفَ، وَالشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَنُقِلَ عَنْهُ فِي الْوَصِيَّةِ: يَدْخُلُونَ. وَذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَهَذَا مِثْلُهُ.

قُلْت: بَلْ هِيَ هُنَا رِوَايَةٌ مَنْصُوصَةٌ مِنْ رِوَايَةِ حَرْبٍ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَمَالَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْمُغْنِي. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيِّ. قَالَ الشَّارِحُ: الْقَوْلُ بِأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ: أَصَحُّ وَأَقْوَى دَلِيلًا. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ فِي الْوَصِيَّةِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ: يَدْخُلُونَ فِي الْوَقْفِ، إلَّا أَنْ يَقُولَ " عَلَى وَلَدِ وَلَدِي لِصُلْبِي " فَلَا يَدْخُلُونَ. وَهِيَ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: فَإِنْ قَالَ " لِصُلْبِي " لَمْ يَدْخُلُوا وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ: فَإِنْ قَيَّدَ فَقَالَ " لِصُلْبِي " أَوْ قَالَ " مَنْ يُنْتَسَبُ إلَيَّ مِنْهُمْ " فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ. وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ حَامِدٍ: إذَا قَالَ " وَلَدِ وَلَدِي لِصُلْبِي " أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ بَنَاتِهِ لِصُلْبِهِ. لِأَنَّ بِنْتَ صُلْبِهِ: وَلَدُهُ حَقِيقَةً، بِخِلَافِ وَلَدِ وَلَدِهَا.

ص: 80

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله " لِصُلْبِهِ " قَدْ يُرِيدُ بِهِ وَلَدَ الْبَنِينَ، كَمَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ إيرَادِ الْمُصَنِّفِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ. فَلَا يَدْخُلُونَ، جَعْلًا لِوَلَدِ الْبَنِينَ. وَلَدَ الظَّهْرِ، وَوَلَدِ الْبَنَاتِ وَلَدَ الْبَطْنِ. فَلَا يَكُونُ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَةِ. وَقَدْ يُرِيدُ بِهِ وَلَدَ الْبِنْتِ الَّتِي تَلِيهِ. فَيَكُونُ نَصًّا. وَهُوَ الظَّاهِرُ. انْتَهَى.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ رَابِعٌ: بِدُخُولِ وَلَدِ بَنَاتِهِ لِصُلْبِهِ، دُونَ وَلَدِ وَلَدِهِنَّ. تَنْبِيهٌ:

مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ: إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ، أَوْ قَالَ " عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي ". وَكَذَا الْحَكَمُ، وَالْخِلَافُ، وَالْمُذْهَبُ إذَا وَقَفَ عَلَى عَقِبِهِ أَوْ ذُرِّيَّتِهِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِعَدَمِ الدُّخُولِ هُنَا: أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ. وَابْنُ بَكْرُوسٍ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ بِالدُّخُولِ فِي " الذُّرِّيَّةِ " دُونَ " الْعَقِبِ " وَبِهِ أَقُولُ. وَكَذَلِكَ الْقَاضِي فِي بَابِ الْوَصَايَا مِنْ الْمُجَرَّدِ وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالزَّيْدِيُّ وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ. قَالُوا: بِعَدَمِ الدُّخُولِ فِي " الْعَقِبِ " انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ وَلَدَ وَلَدِهِ وَعَقِبَهُ وَذُرِّيَّتَهُ وَعَنْهُ: يَشْمَلُهُمْ غَيْرَ وَلَدِ وَلَدِهِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَشْمَلُ الذُّرِّيَّةَ، وَأَنَّ الْخِلَافَ فِي وَلَدِ وَلَدِهِ.

تَنْبِيهَانِ.

الْأَوَّلُ: حَكَى الْمُصَنِّفُ هُنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ حَامِدٍ، أَنَّهُمَا قَالَا: يَدْخُلُونَ فِي الْوَقْفِ، إلَّا أَنْ يَقُولَ " عَلَى وَلَدِ وَلَدِي لِصُلْبِي ". وَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْهُمَا فِيمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ.

ص: 81

وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَالْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَابْنَ حَامِدٍ: اخْتَارَا دُخُولَهُمْ مُطْلَقًا، كَالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْخِصَالِ: اخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ: أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ مُطْلَقًا. وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ: يَدْخُلُونَ، إلَّا أَنْ يَقُولَ " عَلَى وَلَدِ وَلَدِي لِصُلْبِي ". قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَذَا فِي الْمُغْنِي الْقَدِيمِ فِيمَا أَظُنُّ.

الثَّانِي: مَحَلُّ الْخِلَافِ: مَعَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ. أَمَّا إنْ كَانَ مَعَهُ مَا يَقْتَضِي الْإِخْرَاجَ: فَلَا دُخُولَ بِلَا خِلَافٍ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. كَقَوْلِهِ " عَلَى أَوْلَادِي، وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي الْمُنْتَسِبِينَ إلَيَّ " وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَكَذَا إنْ كَانَ فِي اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي الدُّخُولَ. فَإِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ. بِلَا خِلَافٍ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. كَقَوْلِهِ " عَلَى أَوْلَادِي، وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي، عَلَى أَنَّ لِوَلَدِ الْإِنَاثِ: سَهْمًا، وَلِوَلَدِ الذُّكُورِ سَهْمَيْنِ " أَوْ " عَلَى أَوْلَادِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَفُلَانَةَ، وَأَوْلَادِهِمْ. وَإِذَا خَلَتْ الْأَرْضُ مِمَّنْ يَرْجِعُ نَسَبُهُ إلَيَّ مِنْ قِبَلِ أَبٍ أَوْ أُمٍّ: فَلِلْمَسَاكِينِ " أَوْ " عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ " وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَوْ قَالَ " عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْ أَوْلَادِي، ثُمَّ عَلَى الثَّانِي، وَالثَّالِثِ، وَأَوْلَادِهِمْ " وَالْبَطْنُ الْأَوَّلُ بَنَاتٌ: فَكَذَلِكَ يَدْخُلُونَ. بِلَا خِلَافٍ. فَوَائِدُ.

الْأُولَى: لَفْظُ " النَّسْلِ " كَلَفْظِ " الْعَقِبِ، وَالذُّرِّيَّةِ " فِي إفَادَةِ وَلَدِ الْوَلَدِ. قَرِيبِهِمْ وَبَعِيدِهِمْ. وَكَذَا دُخُولُ وَلَدِ الْبَنَاتِ وَعَدَمُهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: لَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ. كَمَا قَالَ فِي " الْعَقِبِ " وَهُوَ اخْتِيَارُ السَّامِرِيِّ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ خِلَافَهُ. أَوْرَدَهُ فِي الْوَصَايَا.

ص: 82

الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " عَلَى بَنِي بَنِيَّ " أَوْ " بَنِي بَنِي فُلَانٍ "" فَكَأَوْلَادِ أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِ فُلَانٍ ". وَأَمَّا وَلَدُ الْبَنَاتِ: فَقَالَ الْحَارِثِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ هُنَا: أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ مُطْلَقًا.

الثَّالِثَةُ: " الْحَفِيدُ " يَقَعُ عَلَى وَلَدِ الِابْنِ وَالْبِنْتِ، وَكَذَلِكَ " السِّبْطُ " وَلَدُ الِابْنِ وَالْبِنْتِ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ قَالَ الْهَاشِمِيُّ " عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي الْهَاشِمِيِّينَ " لَمْ يَدْخُلْ مِنْ أَوْلَادِ بِنْتِهِ مَنْ لَيْسَ هَاشِمِيًّا. وَالْهَاشِمِيُّ مِنْهُمْ فِي دُخُولِهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَبَنَاهُمَا الْقَاضِي عَلَى الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: أَوْلَاهُمَا الدُّخُولُ، مُعَلِّلًا بِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ: وَصْفِ كَوْنِهِ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ، وَوَصْفِ كَوْنِهِ هَاشِمِيًّا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَدَمُ الدُّخُولِ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَوْ قَالَ " عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي الْمُنْتَسِبِينَ إلَى قَبِيلَتِي " فَكَذَلِكَ.

الْخَامِسَةُ: تَجَدُّدُ حَقِّ الْحَمْلِ: بِوَضْعِهِ مِنْ ثَمَرٍ، وَزَرْعٍ كَمُشْتَرٍ. نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَارِثِيُّ. وَقَالَ: ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْأَوْلَادِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ جَعْفَرٌ: يَسْتَحِقُّ مِنْ زَرَعَ قَبْلَ بُلُوغِهِ الْحَصَادَ، وَمِنْ نَخْلٍ لَمْ يُؤَبَّرْ. فَإِنْ بَلَغَ الزَّرْعُ الْحَصَادَ، أَوْ أُبِّرَ النَّخْلُ: لَمْ يُسْتَحَقَّ مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ وَالْقَوَاعِدِ. وَقَالَ: وَكَذَلِكَ الْأَصْحَابُ صَرَّحُوا بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُؤَبَّرِ وَغَيْرِهِ هُنَا. مِنْهُمْ ابْنُ أَبِي مُوسَى،

ص: 83

وَالْقَاضِي. وَأَصْحَابُهُ. مُعَلِّلِينَ بِتَبَعِيَّةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرِ فِي الْعَقْدِ. فَكَذَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يَسْتَحِقُّ قَبْلَ حَصَادِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: الثَّمَرَةُ لِلْمَوْجُودِ عِنْدَ التَّأْبِيرِ أَوْ بُدُوِّ الصَّلَاحِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُشْبِهُ الْحَمْلَ: إنْ قَدِمَ إلَى ثَغْرٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، أَوْ خَرَجَ مِنْهُ إلَى بَلَدٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ فِيهِ. نَقَلَهُ يَعْقُوبُ. وَقِيَاسُهُ: مَنْ نَزَلَ فِي مَدْرَسَةٍ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ كَذَلِكَ. لِأَنَّ وَاقِفَ الْمَدْرَسَةِ وَنَحْوِهَا جَعَلَ رِيعَ الْوَقْفِ فِي السَّنَةِ. كَالْجُعْلِ عَلَى اشْتِغَالِ مَنْ هُوَ فِي الْمَدْرَسَةِ عَامًا. فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ بِقَدْرِ عَمَلِهِ مِنْ السَّنَةِ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ فِي السَّنَةِ. لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْإِنْسَانُ شَهْرًا مَثَلًا فَيَأْخُذُ مُغَلَّ جَمِيعِ الْوَقْفِ. وَيَحْضُرَ غَيْرُهُ بَاقِي السَّنَةِ بَعْدَ ظُهُورِ الْعَشَرَةِ. فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا. وَهَذَا يَأْبَاهُ مُقْتَضَى الْوُقُوفِ وَمَقَاصِدُهَا انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يَسْتَحِقُّ بِحِصَّتِهِ مِنْ مُغَلِّهِ. وَقَالَ: مَنْ جَعَلَهُ كَالْوَلَدِ فَقَدْ أَخْطَأَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى بَنِيهِ، أَوْ بَنِي فُلَانٍ. فَهُوَ لِلذُّكُورِ خَاصَّةً إلَّا أَنْ يَكُونُوا قَبِيلَةً. فَيَدْخُلُ فِيهِ النِّسَاءُ دُونَ أَوْلَادِهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ) . إذَا لَمْ يَكُونُوا قَبِيلَةً، وَقَالَ ذَلِكَ: اُخْتُصَّ بِهِ الذُّكُورُ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانُوا قَبِيلَةً. فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ دُخُولِ أَوْلَادِ النِّسَاءِ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ. وَقِيلَ: بِدُخُولِهِمْ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ.

ص: 84

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى قَرَابَتِهِ، أَوْ قَرَابَةِ فُلَانٍ. فَهُوَ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِهِ، وَأَوْلَادِ أَبِيهِ، وَجَدِّهِ، وَجَدِّ أَبِيهِ) . يَعْنِي بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَ كَبِيرِهِمْ وَصَغِيرِهِمْ، وَذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ، وَغَنِيِّهِمْ وَفَقِيرِهِمْ. بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالشَّرِيفَيْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَالزَّيْدِيِّ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَخْتَصُّ بِوَلَدِهِ وَقَرَابَةِ أَبِيهِ، وَإِنْ عَلَا مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يُعْطَى مَنْ يُعْرَفُ بِقَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ الَّذِينَ يَنْتَسِبُونَ إلَى الْأَبِ الْأَدْنَى. انْتَهَى. وَمِثَالُهُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى أَقَارِبِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ بْنِ مِقْدَامِ بْنِ نَصْرٍ، رحمهم الله فَالْمُسْتَحَقُّونَ: هُمْ الْمُنْتَسِبُونَ إلَى قُدَامَةَ. لِأَنَّهُ الْأَبُ الَّذِي اُشْتُهِرَ انْتِسَابُ الْمُصَنِّفِ إلَيْهِ.

وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَلَدِ الْمَهْدِيِّ. فَيُعْطَى كُلُّ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى الْمَهْدِيِّ. وَمَثَّلَ فِي الْمُذْهَبِ بِمَا إذَا كَانَ مِنْ وَلَدِ الْمُتَوَكِّلِ. وَمَثَّلَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ بِمَا إذَا كَانَ مِنْ وَلَدِ الْعَبَّاسِ. وَعَنْهُ يَخْتَصُّ بِثَلَاثَةِ آبَاءَ فَقَطْ. فَعَلَيْهَا: لَا يُعْطَى الْوَلَدُ شَيْئًا.

ص: 85

قَالَ الْقَاضِي: أَوْلَادُ الرَّجُلِ لَا يَدْخُلُونَ فِي اسْمِ الْقَرَابَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَعَنْهُ يَخْتَصُّ مِنْهُمْ مَنْ يَصِلُهُ. نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ وَغَيْرُهُ. وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ. وَنَقَلَ صَالِحٌ: إنْ وَصَلَ أَغْنِيَاءَهُمْ أُعْطُوا، وَإِلَّا فَالْفُقَرَاءُ أَوْلَى. وَأَخَذَ مِنْهُ الْحَارِثِيُّ عَدَمَ دُخُولِهِمْ فِي كُلِّ لَفْظٍ عَامٍّ. وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: أَنَّ الْقَرَابَةَ مُخْتَصَّةٌ بِقَرَابَةِ أَبِيهِ، إلَى أَرْبَعَةِ آبَاءَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَشَذَّ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي وَجِيزِهِ بِأَنْ أَعْطَى أَرْبَعَةَ آبَاءِ الْوَاقِفِ. فَأَدْخَلَ جَدَّ الْجَدِّ. فَعَلَى هَذَا: لَا يَدْفَعُ إلَى الْوَلَدِ. قَالَ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَصْحَابِ. انْتَهَى. قُلْت: نَقَلَ صَالِحٌ: الْقَرَابَةُ يُعْطَى أَرْبَعَةُ آبَاءٍ. وَقَدْ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَإِنْ وَصَّى لِأَقَارِبِهِ، دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَأَبُو الْجَدِّ، وَجَدُّ الْجَدِّ، وَأَوْلَادُهُمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَوْ وَقَفَ عَلَى قَرَابَتِهِ: شَمِلَ أَوْلَادَهُ وَأَوْلَادَ أَبِيهِ وَجَدَّهُ. وَجَدَّ أَبِيهِ. وَعَنْهُ: وَجَدَّ جَدِّهِ. فَكَلَامُ الزَّرْكَشِيّ فِيهِ شَيْءٌ. وَهُوَ أَنَّهُ شَذَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ.

وَقَدْ نَقَلَهُ صَالِحٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَحَكَمَ عَلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ بِأَنْ لَا يُدْفَعَ إلَى الْوَلَدِ شَيْءٌ. وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ. بَلْ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي كَلَامِ مَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ خِلَافُ ذَلِكَ. وَهُوَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: قَرَابَتُهُ كَآلِهِ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَعَنْهُ: إنْ كَانَ يَصِلُ قَرَابَتَهُ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ فِي حَيَاتِهِ: صُرِفَ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذِهِ عَنْهُ أَشْهَرُ.

ص: 86

وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ، وَقَالَا: هِيَ أَصَحُّ. وَقِيلَ: تَدْخُلُ قَرَابَةُ أُمِّهِ، سَوَاءٌ كَانَ يَصِلُهُمْ أَوْ لَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَلَامُ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَجِيزِ يَقْتَضِي: أَنَّهُ رِوَايَةٌ. فَعَلَى هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ يَدْخُلُ إخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ وَأَوْلَادُهُمْ، وَأَخْوَالُهُ وَخَالَاتُهُ، وَأَوْلَادُهُمْ. وَهَلْ يَتَقَيَّدُ بِأَرْبَعَةِ آبَاءٍ أَيْضًا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ. وَفِي الْكَافِي: احْتِمَالٌ بِدُخُولِ كُلِّ مَنْ عُرِفَ بِقَرَابَتِهِ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِأَرْبَعَةِ آبَاءٍ. وَنَحْوُهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَكَذَلِكَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ:

مِنْ يُوصِي لِلْقَرِيبِ قُلْ لَا يَدْخُلُ

مِنْهُمْ سِوَى مَنْ فِي الْحَيَاةِ يَصِلُ

فَإِنْ تَكُنْ صِلَاتُهُ مُنْقَطِعَهْ

قَرَابَةُ الْأُمِّ إذَنْ مُمْتَنِعَهْ

وَعُمِّمَ الْبَاقِي مِنْ الْأَقَارِبِ

مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ لَا تُوَارِبْ

وَفِي الْقَرِيبِ كَافِرٌ لَا يَدْخُلُ

وَعَنْ أُهَيْلِ قَرْيَةٍ يَنْعَزِلُ

تَنْبِيهٌ:

الْوَصِيَّةُ كَالْوَقْفِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْمُوصَى لَهُ " إذَا أَوْصَى لِأَقْرَبِ قَرَابَتِهِ، وَالْوَقْفُ كَذَلِكَ " فَانْقُلْ مَا يَأْتِي هُنَاكَ إلَى هُنَا.

قَوْلُهُ (وَأَهْلُ بَيْتِهِ بِمَنْزِلَةِ قَرَابَتِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُعْطَى مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ.

ص: 87

وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: أَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ كَقَرَابَةِ أَبَوَيْهِ. وَاخْتَارَ الشِّيرَازِيُّ: أَنَّهُ يُعْطَى مَنْ كَانَ يَصِلُهُ فِي حَيَاتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَلَوْ جَاوَزَ أَرْبَعَةَ آبَاءٍ. وَنَقَلَهُ صَالِحٌ. وَقِيلَ: أَهْلُ بَيْتِهِ كَذَوِي رَحِمِهِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. وَعَنْهُ: أَزْوَاجُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَمِنْ أَهْلِهِ. ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَقَالَ: فِي دُخُولِهِنَّ فِي " آلِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ " رِوَايَتَانِ. أَصَحُّهُمَا: دُخُولُهُنَّ، وَأَنَّهُ قَوْلُ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ " وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ الْوَسِيلَةِ: أَنَّ لَفْظَ " الْأَهْلِ " كَالْقَرَابَةِ، وَظَاهِرُ الْوَاضِحِ: أَنَّهُمْ نُسَبَاؤُهُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ أَوْلَادَ الرَّجُلِ لَا يَدْخُلُونَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. فَائِدَةٌ:

" آلُهُ " كَأَهْلِ بَيْتِهِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله وَغَيْرِهِ فِي " الْآلِ " فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ. فَلْيُعَاوَدْ. وَ " أَهْلُهُ " مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ إلَى " الْبَيْتِ " وَكَإِضَافَتِهِ إلَيْهِ. قَالَهُ الْمَجْدُ. وَذَكَرَ عَنْ الْقَاضِي فِي دُخُولِ الزَّوْجَاتِ هُنَا وَجْهَيْنِ. وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ الدُّخُولَ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالسُّنَّةُ طَافِحَةٌ بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ (وَقَوْمُهُ وَنُسَبَاؤُهُ كَقَرَابَتِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِيهِمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: هُمَا كَذَوِي رَحِمِهِ.

ص: 88

وَقِيلَ: قَوْمُهُ كَقَرَابَتِهِ. وَنُسَبَاؤُهُ كَذَوِي رَحِمِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَ " نُسَبَاؤُهُ " كَأَهْلِ بَيْتِهِ وَقَوْمِهِ. وَقَدَّمَا: أَنَّ " قَوْمَهُ " كَقَرَابَتِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُمَا كَأَهْلِ بَيْتِهِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا حَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: أَنَّهُ إذَا قَالَ " لِأَهْلِ بَيْتِي " أَوْ " قَوْمِي " فَهُوَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ. وَإِنْ قَالَ " أَنْسِبَائِي " فَمِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ. انْتَهَى. وَيَأْتِي كَلَامُ الْقَاضِي فِي " الْأَنْسِبَاءِ " عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى ذَوِي الرَّحِمِ. وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: أَنَّ " قَوْمَهُ " كَقَرَابَةِ أَبَوَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: " الْقَوْمُ " لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات: 11] .

قَوْلُهُ (وَالْعِتْرَةُ: هُمْ الْعَشِيرَةُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالشَّارِحُ " الْعِتْرَةُ " الْعَشِيرَةُ الْأَدْنَوْنَ فِي عُرْفِ النَّاسِ، وَوَلَدُهُ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ، وَإِنْ سَفُلُوا. وَصَحَّحَاهُ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ:" الْعِتْرَةُ " تَخْتَصُّ الْعَشِيرَةُ، وَالْوَلَدُ. وَقِيلَ:" الْعِتْرَةُ " الذُّرِّيَّةُ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ. وَقِيلَ: هِيَ الْعَشِيرَةُ الْأَدْنَوْنَ. وَقِيلَ: وَلَدُهُ. وَقِيلَ: وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ. وَقِيلَ: ذَوُو قَرَابَتِهِ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى.

ص: 89

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إذَا أَوْصَى لِعِتْرَتِهِ. فَقَدْ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَدْخُلَ فِي ذَلِكَ عَشِيرَتُهُ وَأَوْلَادُهُ. وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَخْتَصَّ مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِهِ.

فَائِدَةٌ:

" الْعَشِيرَةُ " هِيَ الْقَبِيلَةُ. قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هِيَ أَهْلُهُ الْأَدْنَوْنَ. وَهُمْ بَنُو أَبِيهِ. قَوْلُهُ (وَذَوُو رَحِمِهِ: كُلُّ قَرَابَةٍ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَهُمْ قَرَابَتُهُ لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هُمْ قَرَابَةُ أَبَوَيْهِ، أَوْ وَلَدِهِ، بِزِيَادَةِ أَلْفٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا قَالَ " لِرَحِمِي " أَوْ " لِأَرْحَامِي " أَوْ " لِنُسَبَائِي " أَوْ " لِمُنَاسِبِيَّ " صُرِفَ إلَى قَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ. وَيَتَعَدَّى وَلَدَ الْأَبِ الْخَامِسَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَعَلَى هَذَا: يُصْرَفُ إلَى كُلِّ مَنْ يَرِثُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ، أَوْ بِالرَّحِمِ، فِي حَالٍ مَنْ الْأَحْوَالِ. وَنَقَلَ صَالِحٌ: يَخْتَصُّ مَنْ يَصِلُهُ مِنْ أَهْلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَلَوْ جَاوَزَ أَرْبَعَةَ آبَاءٍ.

قَوْلُهُ (وَالْأَيَامَى وَالْعُزَّابُ مِنْ الْأَزْوَاجِ لَهُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الشَّارِحُ: ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَخْتَصَّ الْأَيَامَى بِالنِّسَاءِ وَالْعُزَّابُ بِالرِّجَالِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَا أَوْلَى. وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي.

ص: 90

وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ " الْأَيَامَى ": النِّسَاءُ الْبِلَاغُ قَالَ الْقَاضِي، فِي التَّعْلِيقِ: الصَّغِيرُ لَا يُسَمَّى أَيِّمًا عُرْفًا. وَإِنَّمَا ذَلِكَ صِفَةٌ لِلْبَالِغِ. قَوْلُهُ فَأَمَّا الْأَرَامِلُ: فَمِنْ النِّسَاءِ اللَّاتِي فَارَقَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ. هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: هُوَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، فِي اللُّغَةِ: رَجُلٌ أَرْمَلُ، وَامْرَأَةٌ أَرْمَلَةٌ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: الصَّغِيرَةُ لَا تُسَمَّى أَرْمَلَةً عُرْفًا. وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلْبَالِغِ. كَمَا قَالَ فِي الْأَيِّمِ. فَائِدَتَانِ.

إحْدَاهُمَا: " الْبِكْرُ، وَالثَّيِّبُ، وَالْعَانِسُ " يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. وَكَذَا " إخْوَتُهُ وَعُمُومَتُهُ " يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ: وَتَنَاوُلُهُ لِبَعِيدٍ، كَوَلَدِ وَلَدٍ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُقَالُ فِي اللُّغَةِ: رَجُلٌ أَيِّمٌ، وَامْرَأَةٌ أَيِّمٌ، وَرَجُلٌ بِكْرٌ، وَامْرَأَةٌ بِكْرٌ، إذَا لَمْ يَتَزَوَّجَا. وَرَجُلٌ ثَيِّبٌ، وَامْرَأَةٌ ثِيبَةٌ: إذَا كَانَا قَدْ تَزَوَّجَا. انْتَهَى وَأَمَّا " الثُّيُوبَةُ " فَزَوَالُ الْبَكَارَةِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَمَنْ تَبِعَهُ، وَأَطْلَقَ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: زَوَالُ الْبَكَارَةِ بِزَوْجِيَّةٍ، مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ.

الثَّانِيَةُ: " الرَّهْطُ " مَا دُونَ الْعَشَرَةِ مِنْ الرِّجَالِ خَاصَّةً، لُغَةً. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَنَّ " الرَّهْطَ " مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، وَالْعَشَرَةِ. وَكَذَا قَالَ فِي " النَّفَرِ " إنَّهُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالْعَشَرَةِ.

ص: 91

وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ " النَّفَرِ " فِي الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ، فِيمَا إذَا وَقَفَ نَفَرٌ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى أَهْلِ قَرْيَتِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ) وَكَذَا لَوْ وَصَّى لَهُمْ (لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمْ مَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ) . وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى إخْوَتِهِ وَنَحْوِهِمْ: لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمْ مَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّ الْمُسْلِمَ يَدْخُلُ، وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ كَافِرًا، وَلَا عَكْسَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ.

تَنْبِيهَانِ.

أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ قَوْلِيَّةٌ، أَوْ حَالِيَّةٌ. فَإِنْ وُجِدَتْ دَخَلُوا، مِثْلَ: أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْقَرْيَةِ إلَّا مُسْلِمُونَ. أَوْ لَا يَكُونَ فِيهَا إلَّا كَافِرٌ وَاحِدٌ، وَبَاقِي أَهْلِهَا مُسْلِمُونَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ كَانَ أَكْثَرُ أَقَارِبِهِ كُفَّارًا: اُخْتُصَّ الْمُسْلِمُونَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: لَوْ وَقَفَ الْمُسْلِمُ عَلَى قَرَابَتِهِ، أَوْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ، أَوْ أَوْصَى لَهُمْ وَفِيهِمْ مُسْلِمُونَ وَكُفَّارٌ: لَمْ يَتَنَاوَلْ الْكُفَّارَ حَتَّى يُصَرِّحَ بِدُخُولِهِمْ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، وَأَبِي طَالِبٍ. وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ وَاحِدٌ، وَالْبَاقِي كُفَّارٌ: فَفِي الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ. لِأَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى وَاحِدٍ بَعِيدٌ جِدًّا. انْتَهَى. قُلْت: الصَّوَابُ الدُّخُولُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَالَ إلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ

الثَّانِي: شَمِلَ قَوْلُهُ " لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمْ مَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ " لَوْ كَانَ فَهُمْ كَافِرٌ عَلَى

ص: 92

غَيْرِ دِينِ الْوَاقِفِ الْكَافِرِ: فَلَا يَدْخُلُ. وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا. وَلَوْ قُلْنَا: بِدُخُولِ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ الْوَاقِفُ كَافِرًا. وَهُوَ كَذَلِكَ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَدْخُلَ، بِنَاءً عَلَى تَوْرِيثِ الْكُفَّارِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَعَ اخْتِلَافِ دِينِهِمْ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَعَلَهُ فِي الْفُرُوعِ: مَحَلَّ وِفَاقٍ. عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَرِثُ بَعْضًا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ، وَلَهُ مَوَالٍ مِنْ فَوْقُ، وَمَوَالٍ مِنْ أَسْفَلَ: تَنَاوَلَ جَمْعَهُمْ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُخْتَصُّ الْمَوَالِي مِنْ فَوْقُ. وَهُمْ مُعْتِقُوهُ. وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ: أَنَّهُ لِلْعَتِيقِ. قَالَ: لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِإِحْسَانِ الْمُعْتِقِينَ إلَى الْعُتَقَاءِ. فَائِدَتَانِ.

إحْدَاهُمَا: لَوْ عُدِمَ الْمَوَالِي: كَانَ لِمَوَالِي الْعَصَبَةِ. قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: يَكُونُ لِمَوَالِي أَبِيهِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ. وَقِيلَ: لِعَصَبَةِ مَوَالِيهِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لِوَارِثِهِ بِوَلَاءٍ. وَقِيلَ: كَمُنْقَطِعِ الْآخِرِ.

ص: 93

قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ عَصَبَةِ الْمَوَالِي. وَأَطْلَقَ الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ فِي الْفُرُوعِ.

الثَّانِيَةُ: لَا شَيْءَ لِمَوَالِي عَصَبَتِهِ، إلَّا مَعَ عَدَمِ مَوَالِيهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَوْ كَانَ لَهُ مَوَالِي أَبٍ حِينَ الْوَقْفِ، ثُمَّ انْقَرَضَ مَوَالِيهِ: لَمْ يَكُنْ لِمَوَالِي الْأَبِ شَيْءٌ. فَوَائِدُ

الْأُولَى: " الْعُلَمَاءُ " هُمْ حَمَلَةُ الشَّرْعِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: مِنْ تَفْسِيرٍ، وَحَدِيثٍ، وَفِقْهٍ. وَلَوْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، عَلَى الْقَوْلَيْنِ. لَكِنْ هَلْ يَخْتَصُّ بِهِ مَنْ كَانَ يَصِلُهُ؟ حُكْمُهُ حُكْمُ قَرَابَتِهِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

الثَّانِيَةُ: أَهْلُ الْحَدِيثِ: مَنْ عَرَّفَهُ. وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ أَنَّ الْفُقَهَاءَ، وَالْمُتَفَقِّهَةَ، كَالْعُلَمَاءِ. وَلَوْ حَفِظَ أَرْبَعِينَ حَدِيثًا لَا بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ. فَأَهْلُ الْقُرْآنِ الْآنَ: حُفَّاظُهُ. وَفِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ: هُمْ الْفُقَهَاءُ.

الثَّالِثَةُ: " الصَّبِيُّ وَالْغُلَامُ " مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، وَكَذَا " الْيَتِيمُ " مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَهُوَ بِلَا أَبٍ. وَلَوْ جُهِلَ بَقَاءُ أَبِيهِ، فَالْأَصْلُ: بَقَاؤُهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يُعْطَى مَنْ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُعْرَفُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ. قَالَ: وَلَا يُعْطَى كَافِرٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْ وَقْفٍ عَامٍّ.

ص: 94

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي مَوَاضِعَ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ: وَلَيْسَ وَلَدُ الزِّنَا يَتِيمًا. لِأَنَّ الْيُتْمَ انْكِسَارٌ يَدْخُلُ عَلَى الْقَلْبِ بِفَقْدِ الْأَبِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِيمَنْ بَلَغَ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْيَتِيمِ.

الرَّابِعَةُ: " الشَّابُّ، وَالْفَتَى " هُمَا مِنْ الْبُلُوغِ إلَى الثَّلَاثِينَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ. وَ " الْكَهْلُ " مِنْ حَدِّ الشَّابِّ إلَى خَمْسِينَ. وَ " الشَّيْخُ " مِنْهَا إلَى السَّبْعِينَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ فِي الْكَافِي: إلَى آخِرِ الْعُمُرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. فَإِنَّهُمْ قَالُوا: ثُمَّ الشَّيْخُ بَعْدَ الْخَمْسِينَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَا يَزَالُ كَهْلًا حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسِينَ سَنَةً. ثُمَّ هُوَ شَيْخٌ حَتَّى يَمُوتَ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكُونُ " الْهَرَمُ " مِنْهَا إلَى الْمَوْتِ.

الْخَامِسَةُ: " أَبْوَابُ الْبِرِّ " وَهِيَ الْقُرَبُ كُلُّهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَأَفْضَلُهَا الْغَزْوُ. وَيَبْدَأُ بِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ: يَبْدَأُ بِمَا تَقَدَّمَ فِي أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ. يَعْنِي الَّذِي تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ. وَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُوصَى لَهُ " إذَا أَوْصَى فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى.

ص: 95

السَّادِسَةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ: اسْتَحَقَّ مَنْ أَخَذَ مِنْ الزَّكَاةِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: يَعُمُّ. فَيَدْخُلُ فِيهِ الْغَارِمُ لِلْإِصْلَاحِ. قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: وَيَجُوزُ لِغَنِيٍّ قَرِيبٍ.

السَّابِعَةُ: " جَمْعُ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ " وَضَمِيرُهُ " يَشْمَلُ الْأُنْثَى. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدْ ذَكَرَهَا أَصْحَابُنَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَنَصَرُوا: أَنَّ النِّسَاءَ يَدْخُلْنَ تَبَعًا. وَقِيلَ: لَا يَشْمَلُهَا كَعَكْسِهِ لَا يَشْمَلُ الذَّكَرَ.

الثَّامِنَةُ " الْأَشْرَافُ " وَهُمْ أَهْلُ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: أَهْلُ الْعِرَاقِ كَانُوا لَا يُسَمُّونَ شَرِيفًا إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ. وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَغَيْرِهِمْ: لَا يُسَمُّونَهُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَوِيًّا. قَالَ: وَلَمْ يُعَلِّقْ عَلَيْهِ الشَّارِعُ حُكْمًا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لِيُتَلَقَّى حَدُّهُ مِنْ جِهَتِهِ. وَ " الشَّرِيفُ " فِي اللُّغَةِ: خِلَافُ الْوَضِيعِ وَالضَّعِيفِ. وَهُوَ الرِّيَاسَةُ، وَالسُّلْطَانُ وَلَمَّا كَانَ أَهْلُ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَحَقَّ الْبُيُوتِ بِالتَّشْرِيفِ، صَارَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ شَرِيفًا.

التَّاسِعَةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، أَوْ وَصَّى لَهُمْ: لَمْ يَدْخُلْ مَوَالِيهِمْ. نَصَّ عَلَيْهِ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَحَنْبَلٍ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ يُعْتَبَرُ فِيهَا لَفْظُ الْمُوصِي، وَلَفْظُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَعْنَى. وَلِهَذَا: لَوْ حَلَفَ " لَا أَكَلْت سُكَّرًا لِأَنَّهُ حُلْوٌ " لَمْ يَعُمَّ غَيْرَهُ مِنْ الْحَلَاوَاتِ.

ص: 96

وَكَذَا لَوْ قَالَ " عَبْدِي حُرٌّ لِأَنَّهُ أَسْوَدُ " لَمْ يَعْتِقْ غَيْرُهُ مِنْ الْعَبِيدِ. وَلَوْ قَالَ اللَّهُ " حَرَّمْت الْمُسْكِرَ. لِأَنَّهُ حُلْوٌ " عَمَّ جَمِيعَ الْحَلَاوَاتِ. وَكَذَا إذَا قَالَ " اعْتِقْ عَبْدَك لِأَنَّهُ أَسْوَدُ " عَمَّ. انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُهَا لِمَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْعِلَّةَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي هُنَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ وَاسْتِيعَابُهُمْ: وَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَحْتَمِلُ جَوَازَ الْمُفَاضَلَةِ فِيمَا يُقْصَدُ فِيهِ تَمْيِيزٌ. كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَهَاءِ. قُلْت: هَذَا أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ. وَعَنْهُ: إنْ وَصَّى فِي سَكَنِهِ، وَهُمْ أَهْلُ دُرْبَةٍ: جَازَ التَّفْضِيلُ لِحَاجَةٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْأَوْلَى جَوَازُ التَّفْضِيلِ لِلْحَاجَةِ، فِيمَا قُصِدَ بِهِ سَدُّ الْخَلَّةِ. كَالْمَوْقُوفِ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِهِ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَقِيَاسُهُ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ. وَعَنْهُ: فِيمَنْ أَوْصَى فِي فُقَرَاءِ مَكَّةَ يُنْظَرُ أَحْوَجُهُمْ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله: إذَا وَقَفَ عَلَى مَدَارِسَ وَفُقَهَاءَ: هَلْ يُسَوَّى بَيْنَهُمْ، أَوْ يَتَفَاضَلُونَ؟ فِي أَحْكَامِ النَّاظِرِ.

تَنْبِيهٌ:

الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا: إذَا لَمْ يَكُنْ قَرِينَةٌ. فَإِنْ كَانَ قَرِينَةٌ: جَازَ التَّفَاضُلُ. بِلَا نِزَاعٍ. وَلَهَا نَظَائِرُ. تَقَدَّمَ حُكْمُهَا. فَائِدَةٌ:

لَوْ كَانَ الْوَقْفُ فِي ابْتِدَائِهِ عَلَى مَنْ يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُ، فَصَارَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُ كَوَقْفِ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَلَى وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَعْمِيمُ مَنْ أَمْكَنَ مِنْهُمْ، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا.

ص: 97

قَوْلُهُ (وَإِلَّا جَازَ تَفْضِيلُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ) . يَعْنِي: إذَا لَمْ يُمْكِنْ حَصْرُهُمْ وَاسْتِيعَابُهُمْ. كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَصْنَافِ الزَّكَاةِ، أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ الِاقْتِصَارِ عَلَى وَاحِدٍ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

(وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يُجْزِيَهُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ) . وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا فِي الزَّكَاةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: فِي إجْزَاءِ الْوَاحِدِ رِوَايَتَانِ. فَائِدَتَانِ.

إحْدَاهُمَا: لَوْ وَقَفَ عَلَى أَصْنَافِ الزَّكَاةِ، أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ: جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى صِنْفٍ مِنْهُمْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ذَكَرَهُ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ. وَقَالَا فِي الثَّانِيَةِ: لَا بُدَّ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ جَوَازُ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ: يَجِبُ الْجَمْعُ. وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي. وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ الِاقْتِصَارُ عَلَى صِنْفٍ، بِنَاءً عَلَى الزَّكَاةِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَقِيلَ: لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ الثُّمُنُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ.

ص: 98

الثَّانِيَةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَقَطْ: جَازَ إعْطَاءُ الصِّنْفِ الْآخَرِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: لَا يَجُوزُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَابِ الْمُوصَى لَهُ. وَلَوْ افْتَقَرَ الْوَاقِفُ: اسْتَحَقَّ مِنْ الْوَقْفِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: شَمِلَهُ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ. وَقِيلَ: لَا يَشْمَلُهُ. فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْهُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ " الثَّالِثُ: أَنْ يَقِفَ عَلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُ ".

قَوْلُهُ (وَلَا يُدْفَعُ إلَى وَاحِدٍ أَكْثَرُ مِنْ الْقَدْرِ الَّذِي يُدْفَعُ إلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ، إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَابْنُ عَقِيلٍ: زِيَادَةَ الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ عَلَى خَمْسِينَ دِرْهَمًا. وَإِنْ مَنَعْنَاهُ مِنْهَا فِي الزَّكَاةِ.

قَوْلُهُ (وَالْوَصِيَّةُ كَالْوَقْفِ فِي هَذَا الْفَصْلِ) . هَذَا صَحِيحٌ، لَكِنَّ الْوَصِيَّةَ أَعَمُّ مِنْ الْوَقْفِ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى أَقْرَبِ قَرَابَتِهِ اسْتِوَاءَ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَالْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَذَكَرَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ رحمه الله اخْتَارَ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ دُخُولَ وَلَدِ الْوَلَدِ فِي الْوَقْفِ دُونَ الْوَصِيَّةِ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُمْ.

ص: 99

وَتَقَدَّمَ كَلَامُ نَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ: إذَا أَوْصَى لِقَرَابَتِهِ.

قَوْلُهُ (وَالْوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ. لَا يَجُوزُ فَسْخُهُ بِإِقَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: إذَا وَقَفَ فِي صِحَّتِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. فَهَلْ يُبَاعُ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ؟ . فِيهِ خِلَافٌ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله وَغَيْرِهِ، وَمَنْعُهُ قَوِيٌّ. قَالَ جَامِعُ اخْتِيَارَاتِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ: وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَادِثًا بَعْدَ الْمَوْتِ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَلَيْسَ هَذَا بِأَبْلَغَ مِنْ التَّدْبِيرِ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بَاعَهُ فِي الدَّيْنِ. وَتَقَدَّمَ " إذَا وَقَفَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَصَحَّحْنَاهُ: هَلْ يَقَعُ لَازِمًا. فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، أَوْ لَا يَقَعُ لَازِمًا. وَيَجُوزُ بَيْعُهُ؟ " فَلْيُعَاوَدْ.

فَائِدَةٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْوَقْفَ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَإِخْرَاجِ الْوَقْفِ عَنْ يَدِهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْحَارِثِيُّ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَلَا يُشْتَرَطُ إخْرَاجُ الْوَقْفِ عَنْ يَدِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ " فَلْيُعَاوَدْ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا أَنْ تَتَعَطَّلَ مَنَافِعُهُ. فَيُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ. وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ الْحَبِيسُ، إذَا لَمْ يَصْلُحْ لِلْغَزْوِ: بِيعَ وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهِ مَا يَصْلُحُ لِلْجِهَادِ وَكَذَلِكَ الْمَسْجِدُ إذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ

ص: 100

وَعَنْهُ: لَا يُبَاعُ الْمَسَاجِدُ. لَكِنْ تُنْقَلُ آلَتُهَا إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ. وَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ آلَتِهِ وَصَرْفُهَا فِي عِمَارَتِهِ) . اعْلَمْ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ تَتَعَطَّلَ مَنَافِعُهُ أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ تَتَعَطَّلْ مَنَافِعُهُ: لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، وَلَا الْمُنَاقَلَةُ بِهِ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ. قَالَ: لَا يَسْتَبْدِلُ بِهِ وَلَا يَبِيعُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يُغَيَّرُ عَنْ حَالِهِ. وَلَا يُبَاعُ، إلَّا أَنْ لَا يُنْتَفَعَ مِنْهُ بِشَيْءٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَوَّزَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ. وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ الْهَدْيِ. وَذَكَرَهُ وَجْهًا فِي الْمُنَاقَلَةِ. وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله. وَنَقَلَ صَالِحٌ: يَجُوزُ نَقْلُ الْمَسْجِدِ لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ. وَحَكَمَ بِهِ نَائِبًا عَنْ الْقَاضِي جَمَالِ الدِّينِ الْمُسْلَاتِيِّ. فَعَارَضَهُ الْقَاضِي جَمَالُ الْمِرْدَاوِيُّ صَاحِبُ الِانْتِصَارِ وَقَالَ: حُكْمُهُ بَاطِلٌ عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ. وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ مُصَنَّفًا رَدَّ فِيهِ عَلَى الْحَاكِمِ. سَمَّاهُ " الْوَاضِحُ الْجَلِيُّ فِي نَقْضِ حُكْمِ ابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ الْحَنْبَلِيِّ " وَوَافَقَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ عَلَى ذَلِكَ. وَصَنَّفَ صَاحِبُ الْفَائِقِ مُصَنَّفًا فِي جَوَازِ الْمُنَاقَلَةِ لِلْمَصْلَحَةِ. سَمَّاهُ " الْمُنَاقَلَةُ بِالْأَوْقَافِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ النِّزَاعِ وَالْخِلَافِ " وَأَجَادَ فِيهِ. وَوَافَقَهُ عَلَى جَوَازِهَا الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ بْنُ الْقَيِّمِ، وَالشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ حَمْزَةُ بْنُ شَيْخِ السَّلَامِيَّةِ. وَصَنَّفَ فِيهِ مُصَنَّفًا سَمَّاهُ (رَفْعُ الْمُثَاقَلَةِ فِي مَنْعِ الْمُنَاقَلَةِ) . وَوَافَقَهُ أَيْضًا جَمَاعَةٌ فِي عَصْرِهِ. وَكُلُّهُمْ تَبَعٌ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله فِي ذَلِكَ. وَأَطْلَقَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ فِي جَوَازِ إبْدَالِ الْوَقْفِ مَعَ عِمَارَتِهِ: رِوَايَتَيْنِ.

ص: 101

فَائِدَةٌ:

نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله عَلَى جَوَازِ تَجْدِيدِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ لِمَصْلَحَتِهِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ بِرِضَى جِيرَانِهِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ شِرَاءُ دُورِ مَكَّةَ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ هُنَا مِثْلُهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: جَوَّزَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ تَغْيِيرَ صُورَتِهِ لِمَصْلَحَةٍ، كَجَعْلِ الدُّورِ حَوَانِيتَ، وَالْحُكُورَةُ الْمَشْهُورَةُ. فَلَا فَرْقَ بَيْنَ بِنَاءٍ بِبِنَاءٍ وَعَرْصَةٍ بِعَرْصَةٍ. هَذَا صَرِيحُ لَفْظِهِ. وَقَالَ أَيْضًا فِيمَنْ وَقَفَ كُرُومًا عَلَى الْفُقَرَاءِ يَحْصُلُ عَلَى جِيرَانِهَا بِهِ ضَرَرٌ يُعَوَّضُ عَنْهُ بِمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْجِيرَانِ. وَيَعُودُ الْأَوَّلُ مِلْكًا، وَالثَّانِي وَقْفًا. انْتَهَى وَيَجُوزُ نَقْصُ مَنَارَتِهِ، وَجَعْلُهَا فِي حَائِطِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد وَقَدْ سُئِلَ عَنْ مَسْجِدٍ فِيهِ خَشَبَتَانِ، لَهُمَا ثَمَنٌ، تَشَعَّثَ، وَخَافُوا سُقُوطَهُ أَيُبَاعَانِ وَيُنْفَقَانِ عَلَى الْمَسْجِدِ، وَيُبْدَلُ مَكَانَهُمَا جِذْعَيْنِ؟ قَالَ: مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا. انْتَهَى. وَأَمَّا إذَا تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُبَاعُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ: لَا تُبَاعُ الْمَسَاجِدُ. لَكِنْ تُنْقَلُ آلَتُهَا إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ. اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَالْحَارِثِيُّ، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ مُوسَى. وَعَنْهُ: لَا تُبَاعُ الْمَسَاجِدُ وَلَا غَيْرُهَا. لَكِنْ تُنْقَلُ آلَتُهَا. نَقَلَ جَعْفَرٌ فِيمَنْ جَعَلَ خَانًا لِلسَّبِيلِ، وَبَنَى بِجَانِبِهِ مَسْجِدًا. فَضَاقَ الْمَسْجِدُ أَيُزَادُ مِنْهُ فِي الْمَسْجِدِ؟ قَالَ: لَا. قِيلَ: فَإِنَّهُ إنْ تُرِكَ لَيْسَ يَنْزِلُ فِيهِ أَحَدٌ، قَدْ عُطِّلَ؟ قَالَ: يُتْرَكُ عَلَى مَا صُيِّرَ لَهُ. وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 102

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَحَكَى فِي التَّلْخِيصِ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَقْفِ مُطْلَقًا. وَهُوَ غَرِيبٌ، لَا يُعْرَفُ فِي كُتُبِهِ، انْتَهَى.

ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. وَحَكَاهُ عَنْهُ قَبْلُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ تِلْمِيذُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَهُوَ الْحَلْوَانِيُّ فِي كِتَابِهِ. قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، فِي كِتَابِ الْبَيْعِ: عَدَمُ الْجَوَازِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَقْفِ، إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: إذَا خَرِبَ، أَوْ كَانَ فَرَسًا فَعَطِبَ: جَازَ بَيْعُهُ وَصَرْفُ ثَمَنِهِ فِي مِثْلِهِ. انْتَهَى. وَكَلَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ: صَرِيحٌ بِالصِّحَّةِ. وَاخْتَارَ أَيْضًا هَذِهِ الرِّوَايَةَ ابْنُ عَقِيلٍ وَصَنَّفَ فِيهَا جُزْءًا. حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي طَبَقَاتِهِ وَاخْتَارَ أَيْضًا هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَهِيَ عَدَمُ الْبَيْعِ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ.

تَنْبِيهٌ:

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: الْمُرَادُ بِتَعَطُّلِ مَنَافِعِهِ: الْمَنَافِعُ الْمَقْصُودَةُ، بِخَرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَوْ بِضِيقِ الْمَسْجِدِ عَنْ أَهْلِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. أَوْ بِخَرَابِ مَحَلَّتِهِ. نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ. وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ: لَا يُبَاعُ إلَّا أَنْ لَا يُنْتَفَعَ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَصْلًا، بِحَيْثُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي: كُلُّ وَقْفٍ خَرِبَ وَلَمْ يَرُدَّ شَيْئًا بِيعَ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَمَنْ تَابَعَهُ: لَا يُبَاعُ إلَّا أَنْ يَقِلَّ رِيعُهُ، فَلَا يُعَدُّ نَفْعًا. وَقِيلَ: أَوْ يَتَعَطَّلَ أَكْثَرُ نَفْعِهِ. نَقَلَهُ مُهَنَّا فِي فَرَسٍ كَبِرَ وَضَعُفَ، أَوْ ذَهَبَتْ عَيْنُهُ. فَقُلْت لَهُ: دَارٌ، أَوْ ضَيْعَةٌ ضَعُفَ أَهْلُهَا أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهَا؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا إذَا كَانَ أَنْفَعَ لِمَنْ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهَا.

ص: 103

وَقِيلَ: أَوْ خِيفَ تَعَطُّلُ نَفْعِهِ قَرِيبًا. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ جِدًّا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: أَوْ خِيفَ تَعَطُّلُ أَكْثَرِ نَفْعِهِ قَرِيبًا. سَأَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ: يُبَاعُ إذَا عَطِبَ أَوْ فَسَدَ؟ قَالَ: إي وَاَللَّهِ، يُبَاعُ. إذَا كَانَ يُخَافُ عَلَيْهِ التَّلَفُ وَالْفَسَادُ وَالنَّقْصُ، بَاعُوهُ وَرَدُّوهُ فِي مِثْلِهِ. وَسَأَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ: إنْ أَخَذَ مِنْ الْوَقْفِ شَيْئًا. فَعَتَقَ فِي يَدِهِ وَتَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ؟ قَالَ: يُحَوَّلُ إلَى مِثْلِهِ. وَكَذَا قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ: لَوْ أَشْرَفَ عَلَى كَسْرٍ أَوْ هَدْمٍ، وَعَلِمَ أَنَّهُ إنْ أُخِّرَ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ: بِيعَ. قُلْت: وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَوْلُهُمْ (بِيعَ) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُهُ. نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ. وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ إنَّمَا قَالُوهُ: الِاسْتِثْنَاءُ مِمَّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ. لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَلْزَمُهُ فِعْلُ الْمَصْلَحَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَغَيْرِهَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يَجِبُ بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ مَعَ الْحَاجَةِ، وَبِلَا حَاجَةٍ يَجُوزُ بِخَيْرٍ مِنْهُ. لِظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ. وَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِهِ. لِفَوَاتِ التَّعْيِينِ بِلَا حَاجَةٍ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَبَيْعُهُ حَالَةَ تَعَطُّلِهِ أَمْرٌ جَائِزٌ عِنْدَ الْبَعْضِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي: وُجُوبُهُ. وَكَذَلِكَ إطْلَاقُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ رِعَايَةً لِلْأَصْلَحِ انْتَهَى. فَوَائِدُ

الْأُولَى: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَمَنْ تَابَعَهُ: لَوْ أَمْكَنَ بَيْعُ بَعْضِهِ لِيُعَمَّرَ بِهِ بَقِيَّتُهُ: بِيعَ، وَإِلَّا بِيعَ جَمِيعُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْ مَا قَالَهُ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ.

ص: 104

قَالَ: وَالْمُرَادُ مَعَ اتِّحَادِ الْوَاقِفِ، كَالْجِهَةِ. ثُمَّ إنْ أَرَادَ عَيْنَيْنِ كَدَارَيْنِ فَظَاهِرٌ. وَكَذَا إنْ أَرَادَ عَيْنًا وَاحِدَةً، وَلَمْ تُنْتَقَصْ الْقِيمَةُ بِالتَّشْقِيصِ. فَإِنْ نَقَصَتْ تَوَجَّهَ الْبَيْعُ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ كَبَيْعِ وَصِيٍّ لِدَيْنٍ، أَوْ حَاجَةٍ صَغِيرٍ، بَلْ هَذَا أَسْهَلُ. لِجَوَازِ تَغْيِيرِ صِفَاتِهِ لِمَصْلَحَةٍ، وَبَيْعُهُ عَلَى قَوْلٍ. انْتَهَى. وَقَوْلُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ (وَالْمُرَادُ مَعَ اتِّحَادِ الْوَقْفِ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِمَارَةُ وَقْفٍ مِنْ رِيعِ وَقْفٍ آخَرَ، وَلَوْ اتَّحَدَتَا الْجِهَةُ. وَقَدْ أَفْتَى الشَّيْخُ عُبَادَةُ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا بِجَوَازِ عِمَارَةِ وَقْفٍ مِنْ وَقْفٍ آخَرَ عَلَى جِهَتِهِ وَذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي طَبَقَاتِهِ فِي تَرْجَمَتِهِ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ، بَلْ عَمَلُ النَّاسِ عَلَيْهِ. لَكِنْ قَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: إنَّ كَلَامَهُ فِي الْفُرُوعِ أَظْهَرُ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمَا عَدَا الْمَسْجِدَ مِنْ الْأَوْقَافِ: يُبَاعُ بَعْضُهُ لِإِصْلَاحِ مَا بَقِيَ. وَقَالَ: يَجُوزُ اخْتِصَارُ الْآنِيَةِ إلَى أَصْغَرَ مِنْهَا إذَا تَعَطَّلَتْ، وَإِنْفَاقُ الْفَضْلِ عَلَى الْإِصْلَاحِ. وَإِنْ تَعَذَّرَ الِاخْتِصَارُ احْتَمَلَ جَعْلَهَا نَوْعًا آخَرَ مِمَّا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْأَوَّلِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يُبَاعَ، وَيُصْرَفَ فِي آنِيَةٍ مِثْلِهَا. وَهُوَ الْأَقْرَبُ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

الثَّانِيَةُ: حَيْثُ جَوَّزْنَا بَيْعَ الْوَقْفِ، فَمَنْ يَلِي بَيْعَهُ؟ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ عَلَى سُبُلِ الْخَيْرَاتِ كَالْمَسَاجِدِ، وَالْقَنَاطِرِ، وَالْمَدَارِسِ، وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ عَلَى سُبُلِ الْخَيْرَاتِ وَنَحْوِهَا. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الَّذِي يَلِي الْبَيْعَ الْحَاكِمُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الرِّعَايَةِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ، وَالْحَارِثِيُّ، وَالزَّرْكَشِيُّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ.

ص: 105

وَقِيلَ: يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ، عَلَيْهِ إنْ كَانَ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَهَلْ يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ، أَوْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، أَوْ الْحَاكِمُ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ.

أَحَدُهَا: يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إذَا تَعَطَّلَ الْوَقْفُ. فَإِنَّ النَّاظِرَ فِيهِ يَبِيعُهُ وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ تُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْوَقْفِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَتَوَلَّى الْبَيْعَ نَاظِرُهُ الْخَاصُّ. وَحَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، فَقَالَ: يَبِيعُهُ النَّاظِرُ فِيهِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَيَكُونُ الْبَائِعُ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ نَاظِرٌ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. فَقَالَ: وَنَاظِرُهُ شَرْعًا يَلِي عَقْدَ بَيْعِهِ وَقِيلَ: إنْ يُعَيِّنْ مَالِكُ النَّفْعِ يُعْقَدْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فَقَالَ: فَلِنَاظِرِهِ الْخَاصِّ بَيْعُهُ. وَمَعَ عَدَمِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ. قُلْت: إنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: بَلْ يَفْعَلُهُ مُطْلَقًا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. كَالْوَقْفِ عَلَى سُبُلِ الْخَيْرَاتِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ، وَقَالَ: حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ. فَقَالَ: فَإِنْ تَعَطَّلَتْ مَنْفَعَتُهُ. فَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ بَيْعِهِ وَصَرْفِ ثَمَنِهِ فِي مِثْلِهِ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي عُقُودِهِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي

ص: 106

الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَأَبُو الْمَعَالِي بْنُ مُنَجَّا فِي الْخُلَاصَةِ، وَابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، فَقَالَ: وَمَا بَطَلَ نَفْعُهُ فَلِمَنْ وُقِفَ عَلَيْهِ بَيْعُهُ. قُلْت: إنْ مَلَكَهُ. وَقِيلَ: بَلْ لِنَاظِرِهِ بَيْعُهُ بِشَرْطِهِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: يَلِيهِ الْحَاكِمُ. جَزَمَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ فَقَالَ: وَإِذَا خَرِبَ الْوَقْفُ، وَلَمْ يَرُدَّ شَيْئًا، أَوْ خَرِبَ الْمَسْجِدُ وَمَا حَوْلَهُ، وَلَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ: فَلِلْإِمَامِ بَيْعُهُ وَصَرْفُ ثَمَنِهِ فِي مِثْلِهِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَ هَذَا فِي الْفُرُوعِ. وَنَصَرَهُ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ. وَقَوَّاهُ بِأَدِلَّةٍ وَأَقْيِسَةٍ. وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ الْمُصْطَلَحَ الْمُتَقَدِّمَ. فَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: لَوْ عُدِمَ النَّاظِرُ الْخَاصُّ، فَقِيلَ: يَلِيهِ الْحَاكِمُ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْحَارِثِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي كِتَابِ الْعِدَدِ وَذَكَرَهُ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا فِي كِتَابِ الْوَقْفِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَحَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ. وَكَذَا مَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ إنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ وَإِلَّا فَلَا. اخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ. قُلْت: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ.

ص: 107

تَنْبِيهٌ:

تَلَخَّصَ لَنَا مِمَّا تَقَدَّمَ فِيمَنْ يَلِي الْبَيْعَ طُرُقٌ. لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى سُبُلِ الْخَيْرَاتِ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ عَلَى سُبُلِ الْخَيْرَاتِ وَنَحْوِهِ: فَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ طَرِيقَانِ.

أَحَدُهُمَا: يَلِيهِ الْحَاكِمُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي كِتَابِ الْوَقْفِ.

وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: يَلِيهِ النَّاظِرُ إنْ كَانَ، ثُمَّ الْحَاكِمُ. وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ عَلَى سُبُلِ الْخَيْرَاتِ فَفِيهِ طُرُقٌ لِلْأَصْحَابِ.

أَحَدُهَا: يَلِيهِ النَّاظِرُ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمَجْدِ فِي مُحَرَّرِهِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَعَزَاهُ إلَى نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتِيَارِ الْأَصْحَابِ.

وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَمُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي الْمَجْدِ. كَمَا تَقَدَّمَ.

الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: يَلِيهِ الْحَاكِمُ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْحَلْوَانِيِّ فِي التَّبْصِرَةِ.

الطَّرِيقُ الرَّابِعُ: يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ، إنْ كَانَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ. فَيَلِيهِ الْحَاكِمُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ.

الطَّرِيقُ الْخَامِسُ: هَلْ يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ وَهُوَ الْمُقَدَّمُ أَوْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ النَّاظِمِ.

الطَّرِيقُ السَّادِسُ: طَرِيقَةُ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَهِيَ: هَلْ يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُقَدَّمُ أَوْ إنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ وَاخْتَارَهُ أَوْ النَّاظِرُ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. هِيَ:

ص: 108

الطَّرِيقُ السَّابِعُ: هَلْ يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُقَدَّمُ أَوْ النَّاظِرُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ.

الطَّرِيقُ الثَّامِنُ: طَرِيقَتُهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهِيَ: هَلْ يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ، إنْ كَانَ هُوَ الْمُقَدَّمَ، أَوْ الْحَاكِمُ؟ حَكَاهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ. فِيهِ قَوْلَانِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَاظِرٌ خَاصٌّ، فَهَلْ يَلِيهِ الْحَاكِمُ. وَهُوَ الْمُقَدَّمُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ؟ وَذَكَرَهُ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، أَوْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ؟ وَهُوَ الْمُقَدَّمُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ. وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ، وَاخْتَارَهُ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ.

الطَّرِيقُ التَّاسِعُ: هَلْ يَلِيهِ الْحَاكِمُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمُقَدَّمُ أَوْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ.

الطَّرِيقُ الْعَاشِرُ: يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ، إنْ كَانَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ. فَهَلْ يَلِيهِ الْحَاكِمُ، أَوْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، إنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مُطْلَقَيْنِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْفَائِقِ. فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ طَرِيقَةً. ثِنْتَانِ فِيمَا هُوَ عَلَى سُبُلِ الْخَيْرَاتِ وَنَحْوِهِ. وَعَشْرَةٌ فِي غَيْرِهِ. الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إذَا بِيعَ الْوَقْفُ وَاشْتُرِيَ بَدَلُهُ. فَهَلْ يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ، أَمْ لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ وَقْفِيَّةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ عَنْ بَعْضِهِمْ، فِيمَا إذَا أَتْلَفَ الْوَقْفَ مُتْلِفٌ وَأُخِذَتْ قِيمَتُهُ. فَاشْتُرِيَ بِهَا بَدَلُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا.

أَحَدُهُمَا: يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي وَطْءِ الْأَمَةِ الْمَوْقُوفَةِ " إذَا أَوْلَدَهَا، فَعَلَيْهِ. الْقِيمَةُ يُشْتَرَى بِهَا مِثْلُهَا: يَكُونُ وَقْفًا " ظَاهِرُهُ: أَنَّ الْبَدَلَ يَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الشِّرَاءِ. انْتَهَى.

ص: 109

قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ هُنَا. لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى بَيْعِهِ وَشِرَاءِ بَدَلِهِ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، فَقَالَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ: وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ. وَيَصِيرُ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ. وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا فِي الرِّعَايَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ، فَقَالَ: فَلِنَاظِرِهِ الْخَاصِّ بَيْعُهُ وَصَرْفُ ثَمَنِهِ فِي مِثْلِهِ، أَوْ بَعْضِ مِثْلِهِ. وَيَكُونُ مَا اشْتَرَاهُ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ. وَقَالَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْفِ فَإِنْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ، وَلَا مَهْرَ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي أُمِّ وَلَدِهِ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ. وَتُؤْخَذُ قِيمَتُهَا مِنْ تَرِكَتِهِ. يُصْرَفُ فِي مِثْلِهِ. يَكُونُ بِالشِّرَاءِ وَقْفًا مَكَانَهَا. وَهَذَا صَرِيحٌ بِلَا شَكَّ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِي كِفَايَةِ الْمُبْتَدِئِ: وَإِذَا تَخَرَّبَ الْوَقْفُ، وَانْعَدَمَتْ مَنْفَعَتُهُ: بِيعَ وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهِ مَا يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْوَقْفِ. كَانَ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ مَا يَكُونُ وَقْفًا. قَالَ شَيْخُنَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ قُنْدُسٍ الْبَعْلِيُّ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الشِّرَاءُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ، وَلَزِمَ الْعَقْدُ: أَنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا. لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فِي الشِّرَاءِ، وَالْوَكِيلُ يَقَعُ شِرَاؤُهُ لِلْمُوَكِّلِ. فَكَذَا هَذَا يَقَعُ شِرَاؤُهُ لِلْجِهَةِ الْمُشْتَرَى لَهَا. وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا وَقْفًا. انْتَهَى. وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الْوَقْفِيَّةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِذَا خَرِبَ الْوَقْفُ وَلَمْ يَرُدَّ شَيْئًا: بِيعَ وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهِ مَا يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْوَقْفِ وَجُعِلَ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُجَرَّدِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ قَالَ: بِيعَتْ وَصُرِفَ ثَمَنُهَا إلَى شِرَاءِ دَارٍ. وَتُجْعَلُ وَقْفًا مَكَانَهَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَبِهِ أَقُولُ. لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِإِفَادَةِ الْوَقْفِ. فَلَا بُدَّ لِلْوَقْفِ مِنْ سَبَبٍ يُفِيدُهُ. انْتَهَى.

ص: 110

وَأَمَّا الزَّرْكَشِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ. بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إيقَافِ النَّاظِرِ لَهُ. وَلَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ مُصَرَّحًا بِهَا. وَقِيلَ: إنَّ فِيهَا وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ جِنْسِ الْوَقْفِ الَّذِي بِيعَ، بَلْ أَيَّ شَيْءٍ اشْتَرَى بِثَمَنِهِ مِمَّا يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْوَقْفِ: جَازَ. وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي مِثْلِهِ، أَوْ بَعْضِ مِثْلِهِ. فَقَالَ: وَيَصْرِفُهُ فِي مِثْلِهِ، أَوْ بَعْضِ مِثْلِهِ. قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله. وَقَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ، كَجِهَتِهِ. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ، وَقَالَ: هُوَ الْمَذْهَبُ. كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ، وَمَنْ غَدَاهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد فِي الْحَبِيسِ: يُشْتَرَى مِثْلُهُ، أَوْ يُنْفَقُ ثَمَنُهُ عَلَى الدَّوَابِّ الْحَبِيسِ.

الْخَامِسَةُ: إذَا بِيعَ الْمَسْجِدُ وَاشْتُرِيَ بِهِ مَكَانًا يُجْعَلُ مَسْجِدًا. فَالْحُكْمُ لِلْمَسْجِدِ الثَّانِي. وَيَبْطُلُ حُكْمُ الْأَوَّلِ.

السَّادِسَةُ: لَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمَسْجِدِ مَعَ إمْكَانِ عِمَارَتِهِ دُونَ الْعِمَارَةِ الْأُولَى. قَالَهُ فِي الْفُنُونِ. وَقَالَ: أَفْتَى جَمَاعَةٌ بِخِلَافِهِ، وَغَلَّطَهُمْ.

السَّابِعَةُ: يَجُوزُ رَفْعُ الْمَسْجِدِ إذَا أَرَادَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ ذَلِكَ، وَجَعْلُ تَحْتَ أَسْفَلِهِ سِقَايَةً وَحَوَانِيتَ. فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَأَخَذَ بِهِ الْقَاضِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ أَرَادَ أَهْلُ مَسْجِدٍ رَفْعَهُ عَنْ الْأَرْضِ، وَجَعْلَ سُفْلِهِ سِقَايَةً وَحَوَانِيتَ: رُوعِيَ أَكْثَرُهُمْ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: هَذَا فِي مَسْجِدٍ أَرَادَ أَهْلُهُ إنْشَاءَهُ كَذَلِكَ. وَهُوَ أَوْلَى. انْتَهَى.

ص: 111

وَاخْتَارَ هَذَا ابْنُ حَامِدٍ. وَأَوَّلَ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَرَدَّ هَذَا التَّأْوِيلَ بَعْضُ مُحَقِّقِي الْأَصْحَابِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. قَوْلُهُ (وَمَا فَضَلَ مِنْ حُصْرِهِ وَزَيْتِهِ عَنْ حَاجَتِهِ: جَازَ صَرْفُهُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ، وَالصَّدَقَةُ بِهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ صَرْفُهُ فِي مِثْلِهِ دُونَ الصَّدَقَةِ بِهِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَقَالَ أَيْضًا: يَجُوزُ صَرْفُهُ فِي سَائِرِ الْمَصَالِحِ، وَبِنَاءِ مَسَاكِنَ لِمُسْتَحِقِّ رِيعِهِ الْقَائِمِ بِمَصْلَحَتِهِ. قَالَ: وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ رِيعَهُ يَفْضُلُ عَنْهُ دَائِمًا: وَجَبَ صَرْفُهُ. وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ النَّاظِرِ صَرْفُ الْفَاضِلِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَمَا فَضَلَ مِنْ حُصُرِ الْمَسْجِدِ أَوْ زَيْتِهِ: سَاغَ صَرْفُهُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ، وَالصَّدَقَةُ بِهِ عَلَى جِيرَانِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: عَلَى الْفُقَرَاءِ. وَحَكَى الْقَاضِي فِي صَرْفِهِ وَمَنْعِهِ رِوَايَتَيْنِ. وَكَذَا الْفَاضِلُ مِنْ جَمِيعِ رِيعِهِ وَيُصْرَفُ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ: وَهُوَ أَصَحُّ.

فَائِدَةٌ:

قَالَ الْحَارِثِيُّ: فَضْلَةُ غَلَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ: يَتَعَيَّنُ إرْصَادُهَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ.

ص: 112

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى فِيمَا إذَا كَانَ الصَّرْفُ مُقَدَّرًا. وَهُوَ وَاضِحٌ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ غَرْسُ شَجَرَةٍ فِي الْمَسْجِدِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرَ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْمُبْهِجِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: إنْ غُرِسَتْ بَعْدَ وَقْفِهِ: قُلِعَتْ إنْ ضَيَّقَتْ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَحْرُمُ غَرْسُهَا مُطْلَقًا. وَقِيلَ: إنْ ضَيَّقَتْ حَرُمَ وَإِلَّا كُرِهَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تُقْلَعُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ غُرِسَتْ بَعْدَ وَقْفِهِ قُلِعَتْ. وَقِيلَ: إنْ ضَيَّقَتْ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَلَا. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: يَكُونُ ثَمَرُهَا لِمَسَاكِينِ أَهْلِ الْمَسْجِدِ. قَالَ فِي الْإِرْشَادِ، قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ: وَالْأَقْرَبُ حِلُّهُ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْمَسَاكِينِ أَيْضًا. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: هِيَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ الْمَغْرُوسِ بِهَا غَصْبًا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ مَغْرُوسَةً فِيهِ: جَازَ الْأَكْلُ مِنْهَا) . يَعْنِي إذَا كَانَتْ مَغْرُوسَةً قَبْلَ بِنَائِهِ، أَوْ وَقْفُهَا مَعَهُ. فَإِذَا وَقَفَهَا مَعَهُ وَعَيَّنَ مَصْرِفَهَا: عُمِلَ بِهِ. وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَصْرِفَهَا: كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 113

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: جَازَ الْأَكْلُ مِنْهَا. وَهَذَا مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الْمَنْصُوصَ وَعِنْدِي: أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمَسْجِدِ حَاجَةٌ إلَى ثَمَنِ ذَلِكَ. لِأَنَّ الْجِيرَانَ يَعْمُرُونَهُ وَيَكْسُونَهُ. وَقَطَعَ بِمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفَائِقِ. وَاعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْأَصْحَابِ قَالُوا: يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهِ. وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا فَلِجَارِهِ أَكْلُ ثَمَرِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: إذَا اسْتَغْنَى عَنْهَا الْمَسْجِدُ فَلِجَارِهِ، وَلِغَيْرِهِ الْأَكْلُ مِنْهَا وَقِيلَ: يَجُوزُ الْأَكْلُ لِلْجَارِ الْفَقِيرِ. وَقِيلَ. يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ مُطْلَقًا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَقَالَ: وَثَمَرُهَا لِفُقَرَاءِ الدَّرْبِ. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الِاعْتِكَافِ: هَلْ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ يَحْرُمُ؟ وَهَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا؟ . فَائِدَةٌ:

يَحْرُمُ حَفْرُ بِئْرٍ فِي الْمَسْجِدِ. فَإِنْ فُعِلَ طُمَّ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ لَمْ يَكْرَهْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله حَفْرَهَا فِيهِ. ثُمَّ قَالَ قُلْت: بَلَى، إنْ كُرِهَ الْوُضُوءُ فِيهِ. انْتَهَى.

وَقَالَ الْحَارِثِيُّ فِي الْغَصْبِ: وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الْمَسْجِدِ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ: فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهَا. لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ. إذْ الْمَنْفَعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلصَّلَاةِ. فَتَعْطِيلُهَا عُدْوَانٌ.

ص: 114

وَنَصَّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَالْحَفْرِ فِي السَّابِلَةِ. لِاشْتِرَاكِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. فَالْحَفْرُ فِي إحْدَاهُمَا كَالْحَفْرِ فِي الْأُخْرَى. فَتَجْرِي فِيهِ رِوَايَةُ ابْنِ ثَوَابٍ بِعَدَمِ الضَّمَانِ. انْتَهَى.

فَائِدَةٌ:

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ بَنَى أَوْ غَرَسَ نَاظِرٌ فِي وَقْفٍ: تَوَجَّهَ أَنَّهُ لَهُ إنْ أَشْهَدَ وَإِلَّا لِلْوَقْفِ. وَيَتَوَجَّهُ فِي أَجْنَبِيٍّ بَنَى أَوْ غَرَسَ: أَنَّهُ لِلْوَقْفِ بِنِيَّتِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يَدُ الْوَاقِفِ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمُتَّصِلِ بِهِ، مَا لَمْ تَأْتِ حُجَّةٌ تَدْفَعُ مُوجِبَهَا، كَمَعْرِفَةِ كَوْنِ الْغَارِسِ غَرَسَهُ بِمَا لَهُ بِحُكْمِ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ. وَيَدُ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ. فَلَيْسَ لَهُ دَعْوَى الْبِنَاءِ بِلَا حُجَّةٍ. وَيَدُ أَهْلِ الْعَرْصَةِ الْمُشْتَرَكَةِ ثَابِتَةٌ عَلَى مَا فِيهَا بِحُكْمِ الِاشْتِرَاكِ، إلَّا مَعَ بَيِّنَةٍ بِاخْتِصَاصِهِ بِبِنَاءٍ وَنَحْوِهِ.

ص: 115