المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[كِتَابُ الْوَصَايَا] قَوْلُهُ (وَهِيَ الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ: هِيَ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٧

[المرداوي]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الْوَقْفِ]

- ‌[فَوَائِدُ مَصْرِفُ الْوَقْفِ إلَى الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَهُ]

- ‌[فَوَائِدُ احْتَاجَ الْخَانُ الْمُسَبَّلُ أَوْ الدَّارُ الْمَوْقُوفَةُ لِسُكْنَى الْحَاجِّ]

- ‌[بَابُ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ وَهَبَ الْغَائِبُ هِبَةً وَأَنْفَذَهَا مَعَ رَسُولِ الْمَوْهُوبِ لَهُ]

- ‌[فَوَائِدُ صُوَرِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ]

- ‌[فَوَائِدُ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ]

- ‌[فَوَائِدُ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تُبَرِّئِينِي]

- ‌[فَائِدَةٌ وَتُفَارِقُ الْعَطِيَّةُ الْوَصِيَّةَ فِي أَرْبَعَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[فَوَائِدُ أَوْجَبَهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ فَلَمْ يَقْبَلْ فِيهِمَا]

- ‌[بَابُ الْمُوصَى لَهُ]

- ‌[بَابُ الْمُوصَى بِهِ]

- ‌[بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْأَنْصِبَاءِ وَالْأَجْزَاءِ]

- ‌[بَابُ الْمُوصَى إلَيْهِ]

- ‌[كِتَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ ذَوِي الْفُرُوضِ]

- ‌[بَابُ الْعَصَبَاتِ]

- ‌[بَابُ أُصُولِ الْمَسَائِلِ]

- ‌[بَابُ تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ]

- ‌[بَابُ الْمُنَاسَخَاتِ]

- ‌[بَابُ قَسْمِ التَّرِكَاتِ]

- ‌[بَابُ ذَوِي الْأَرْحَامِ]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ الْحَمْلِ]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ الْخُنْثَى]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ الْغَرْقَى وَمَنْ عُمِّيَ مَوْتُهُمْ]

- ‌[بَابُ الْإِقْرَارِ بِمُشَارِكٍ فِي الْمِيرَاثِ]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ]

- ‌[بَابُ الْوَلَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الْعِتْقِ]

- ‌[فَوَائِدُ خِيفَ عَلَى الرَّقِيقِ الزِّنَا وَالْفَسَادُ فِي الْعِتْق]

- ‌[بَابُ التَّدْبِيرِ]

- ‌[بَابُ الْكِتَابَةِ]

- ‌[بَابُ أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ]

الفصل: ‌ ‌[كِتَابُ الْوَصَايَا] قَوْلُهُ (وَهِيَ الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ: هِيَ

[كِتَابُ الْوَصَايَا]

قَوْلُهُ (وَهِيَ الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ: هِيَ التَّبَرُّعُ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ) . هَذَا الْحَدُّ هُوَ الصَّحِيحُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هِيَ التَّبَرُّعُ بِمَا يَقِفُ نُفُوذُهُ عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ الثُّلُثِ. فَعَلَى قَوْلِهِ تَكُونُ الْعَطِيَّةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةً. وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَفِي حَدِّهِ اخْتِلَافٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ تَبَرُّعُهُ بِهِبَاتِهِ وَعَطَايَاهُ الْمُنْجَزَةِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ. وَذَلِكَ لَا يُسَمَّى وَصِيَّةً. وَيَخْرُجُ مِنْهُ: وَصِيَّةٌ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. فَإِنَّهَا وَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ. وَيَخْرُجُ مِنْهُ أَيْضًا: وَصِيَّةٌ بِفِعْلِ الْعِبَادَاتِ، وَقَضَاءِ الْوَاجِبَاتِ، وَالنَّظَرِ فِي أَمْرِ الْأَصَاغِرِ مِنْ أَوْلَادِهِ، وَتَزْوِيجِ بَنَاتِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ مِنْ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ، عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا، رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا) . هَذَا صَحِيحٌ بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَقَدْ شَمِلَ الْعَبْدَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. فَإِنْ كَانَ فِيمَا عَدَا الْمَالِ: فَصَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ. فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْعِتْقِ: فَلَا وَصِيَّةَ عَلَى الْمَذْهَبِ. لِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ.

ص: 183

وَإِنْ قِيلَ يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ: صَحَّتْ. ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ. وَشَمِلَ كَلَامُهُ أَيْضًا: الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ. فَتَصِحُّ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ. لِأَنَّهُ قَدْ يَتَحَوَّلُ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ. فَلَا يَتَعَيَّنُ الْمَالُ الْأَوَّلُ إذَنْ لِلْغُرَمَاءِ. وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَغَتْ الْوَصِيَّةُ. قَالَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ: هَذَا إذَا لَمْ يُعَايِنْ الْمَوْتَ.

فَأَمَّا إذَا عَايَنَ الْمَوْتَ: لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ. لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ قَوْلٌ. وَلَا قَوْلَ لَهُ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ.

وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ " الْحَامِلُ عِنْدَ الْمَخَاضِ " مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ " مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا " تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْكَافِرِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ مِنْ مُرْتَدٍّ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ صِحَّةَ وَصِيَّةِ الْعَبْدِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. فَيَنْفُذُ فِيمَا عَدَا الْمَالِ. وَأَمَّا الْمَالُ: فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْعِتْقِ، فَلَا وَصِيَّةَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَإِنْ قِيلَ: يَمْلِكُ صَحَّتْ. ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْعِتْقِ: نَفَذَتْ بِلَا خِلَافٍ. وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ. فَلَوْ قَالَ: مَتَى عَتَقْت ثُمَّ مِتّ. فَثُلُثِي لِفُلَانٍ: نَفَذَ. نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ.

ص: 184

قَوْلُهُ (وَمِنْ السَّفِيهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالْحَارِثِيُّ. وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَصِحُّ مِنْهُ. حَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَذَكَرَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: فِيمَا إذَا أَوْصَى بِمَالٍ. أَمَّا وَصِيَّتُهُ عَلَى أَوْلَادِهِ: فَلَا تَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا. لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِنَفْسِهِ. فَوَصِيَّتُهُ أَحَقُّ وَأَوْلَى. قَالَهُ فِي الْمَطْلَعِ.

قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي بَابِ الْمُوصَى إلَيْهِ صِحَّةُ وَصِيَّتِهِ بِذَلِكَ. وَهُوَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الَّذِي حَدَاهُ إلَى ذَلِكَ: تَعْلِيلُ الْأَصْحَابِ بِكَوْنِهِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ مُحْتَاجًا إلَى الثَّوَابِ، وَتَصَرُّفُهُ فِي هَذِهِ مَحْضُ مَصْلَحَةٍ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ. لِأَنَّهُ إنْ عَاشَ لَمْ يَذْهَبْ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ عَلَى أَوْلَادِهِ لَا تَصِحُّ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلٌ خَاصٌّ.

قَوْلُهُ (وَمِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ إذَا جَاوَزَ الْعَشْرَ) . إذَا جَاوَزَ الصَّبِيُّ الْعَشْرَ: صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

ص: 185

حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ: أَنَّ مَنْ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: تَصِحُّ إذَا بَلَغَ اثْنَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. نَقَلَهَا ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا تَصِحُّ مِنْ ابْنِ اثْنَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. فَلَمْ يَطَّلِعْ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ حَتَّى يَبْلُغَ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي

قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَهُ دُونَ السَّبْعِ) . يَعْنِي: مِمَّنْ لَمْ يُمَيِّزْ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. (وَفِيمَا بَيْنَهُمَا رِوَايَتَانِ) يَعْنِي: فِيمَا بَيْنَ السَّبْعِ وَالْعَشْرِ. وَأَطْلَقَهُمَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.

إحْدَاهُمَا: لَا تَصِحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ.

قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْغُلَامِ لِدُونِ عَشْرٍ، وَلَا إجَازَتُهُ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْأَشْهَرُ عَنْهُ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ: تَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ إذَا عَقَلَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ: وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ الصَّبِيِّ إذَا عَقَلَ.

ص: 186

وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُذْهَبِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَمْ أَجِدْ هَذِهِ مَنْصُوصَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَقِيلَ: تَصِحُّ وَصِيَّةُ بِنْتِ تِسْعٍ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقِيلَ: تَصِحُّ لِسَبْعٍ مِنْهُمَا.

قَوْلُهُ (وَفِي السَّكْرَانِ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ

أَحَدُهُمَا: لَا تَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَارِثِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ. وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ: أَنَّ فِي أَقْوَالِ السَّكْرَانِ وَأَفْعَالِهِ خَمْسَ رِوَايَاتٍ، أَوْ سِتًّا.

قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ مَنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ بِهَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: التَّوَقُّفُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَصِحَّ. يَعْنِي. إذَا اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ، وَفُهِمَتْ إشَارَتُهُ.

ص: 187

ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَوْلَى. وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ " رَضِّ الْيَهُودِيِّ رَأْسَ الْجَارِيَةِ وَإِيمَائِهَا إلَيْهِ ".

قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَتْ وَصِيَّةٌ بِخَطِّهِ: صَحَّتْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله. وَاعْتَمَدَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ: ثُبُوتُ الْخَطِّ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْحَاكِمِ لِفِعْلِ الْكِتَابَةِ. لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَمَلٌ. وَالشَّهَادَةَ عَلَى الْعَمَلِ طَرِيقُهَا الرِّوَايَةُ. نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَصِحَّ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهَا. وَقَدْ خَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَمَنْ بَعْدَهُ: رِوَايَةً بِعَدَمِ الصِّحَّةِ. أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. فِيمَنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ وَخَتَمَهَا. وَقَالَ " اشْهَدُوا بِمَا فِيهَا " أَنَّهُ لَا تَصِحُّ. أَيْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ. فَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْأُولَى: بِالصِّحَّةِ. وَفِي الثَّانِيَةِ: بِعَدَمِهَا، حَتَّى يَسْمَعُوا مَا فِيهِ، أَوْ يُقْرَأَ عَلَيْهِ. فَيُقِرَّ بِمَا فِيهِ. فَخَرَّجَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: الْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ، وَغَيْرُهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا رِوَايَةً مِنْ الْأُخْرَى، وَقَدْ خَرَّجَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي مِنْ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ وَقَالَ هُنَا " يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ حَتَّى يُشْهِدَ عَلَيْهَا " فَهُوَ كَالتَّخْرِيجِ مِنْ الثَّانِيَةِ فِي الْأُولَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. التَّفْرِقَةُ.

ص: 188

فَتَصِحُّ فِي الْأُولَى، وَلَا تَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ أَيْضًا. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَيَأْتِي النَّصَّانِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فِي بَابِ حُكْمِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي.

تَنْبِيهٌ: مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِيمَنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ وَخَتَمَهَا وَقَالَ " اشْهَدُوا بِمَا فِيهَا " أَنَّهَا لَا تَصِحُّ. أَيْ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ. قُلْنَا: الْعَمَلُ بِخَطِّهِ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ، فَحَيْثُ عُلِمَ خَطُّهُ إمَّا بِإِقْرَارٍ، أَوْ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهَا كَالْأُولَى. بَلْ هِيَ مِنْ أَفْرَادِ الْعَمَلِ بِالْخَطِّ فِي الْوَصِيَّةِ. نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. قُلْت: فِي كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ إيمَاءٌ إلَى ذَلِكَ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ شَرْطَ الشَّهَادَةِ: الْعِلْمُ. وَمَا فِي الْوَصِيَّةِ وَالْحَالُ هَذِهِ غَيْرُ مَعْلُومٍ. أَمَّا لَوْ وَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَصَّى: فَلَيْسَ فِي نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا يَمْنَعُهُ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُعْمَلُ بِالْخَطِّ بِشَرْطِهِ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَالْوَصِيَّةُ مُسْتَحَبَّةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ فِي الْجُمْلَةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ: تَجِبُ لِقَرِيبٍ غَيْرِ وَارِثٍ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَنَقَلَ فِي التَّبْصِرَةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ: وُجُوبَهَا لِلْمَسَاكِينِ، وَوُجُوهِ الْبِرِّ. قَوْلُهُ (لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا. وَهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ) . يَعْنِي: فِي عُرْفِ النَّاسِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.

ص: 189

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَاَلَّذِي يَقْوَى عِنْدِي: أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْمَتْرُوكُ لَا يَفْضُلُ عَنْ غِنَى الْوَرَثَةِ: لَا تُسْتَحَبُّ الْوَصِيَّةُ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقِيلَ: هُوَ مَنْ كَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: تُسَنُّ لِمَنْ تَرَكَ وَرَثَةً وَأَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا، لَا دُونَهَا. وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ.

فَائِدَةٌ: الْمُتَوَسِّطُ فِي الْمَالِ: هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي عُرْفِ النَّاسِ بِذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: الْمُتَوَسِّطُ: مَنْ لَهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ. وَالْفَقِيرُ: مَنْ لَهُ دُونَهَا. وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْمُتَوَسِّطَ مَنْ مَلَكَ مِنْ أَلْفٍ إلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ. وَمِنْهُمْ: صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقِيلَ: الْفَقِيرُ مَنْ لَهُ دُونَ أَلْفٍ. وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ فَقِيرٌ. قَوْلُهُ (بِخُمُسِ مَالِهِ) يَعْنِي: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا: الْوَصِيَّةُ بِخُمُسِ مَالِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ النَّاظِمُ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ، وَوَارِثُهُ غَنِيٌّ: الْوَصِيَّةُ بِخُمُسِ مَالِهِ. وَقِيلَ: بِثُلُثِ مَالِهِ عِنْدَ كَثْرَتِهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. وَقَالَ فِي الْإِفْصَاحِ: تُسَنُّ الْوَصِيَّةُ بِدُونِ الثُّلُثِ.

ص: 190

وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ: يُسْتَحَبُّ لِلْغَنِيِّ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ مَالِهِ. وَالْمُتَوَسِّطِ بِالْخُمُسِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ أَلْفَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْصَى بِالْخُمُسِ. وَلَمْ يُضَيِّقْ عَلَى وَرَثَتِهِ. وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ: فَالرُّبُعُ، أَوْ الثُّلُثُ. وَأَطْلَقَ فِي الْغُنْيَةِ: اسْتِحْبَابَ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ لِقَرِيبٍ فَقِيرٍ. فَإِنْ كَانَ الْقَرِيبُ غَنِيًّا: فَلِلْمَسَاكِينِ، وَعَالِمٍ وَدَيْنٍ قَطَعَهُ عَنْ السَّبَبِ الْقَدَرُ، وَضَيَّقَ عَلَيْهِمْ الْوَرَعُ الْحَرَكَةَ فِيهِ. وَانْقَلَبَ السَّبَبُ عِنْدَهُمْ فَتَرَكُوهُ، وَوَقَفُوا بِالْحَقِّ. انْتَهَى. وَكَذَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: اسْتِحْبَابَ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ لِقَرِيبٍ فَقِيرٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: مَعَ أَنَّ دَلِيلَهُ عَامٌّ. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ إنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ) . أَيْ: تُكْرَهُ الْوَصِيَّةُ لِغَيْرِ مَنْ تَرَكَ خَيْرًا. فَتُكْرَهُ لِلْفَقِيرِ الْوَصِيَّةُ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا يُوصِي بِشَيْءٍ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: لَا يُسَنُّ لِمَنْ تَرَكَ أَقَلَّ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: تُكْرَهُ إذَا كَانَ وَرَثَتُهُ مُحْتَاجِينَ. وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: رَوَاهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَقَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَتَقَدَّمَ إطْلَاقُهُ فِي الْغُنْيَةِ اسْتِحْبَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ. وَتَقَدَّمَ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ.

ص: 191

قَوْلُهُ (فَأَمَّا مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ: فَتَجُوزُ وَصِيَّتُهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا تَجُوزُ إلَّا بِالثُّلُثِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ فِي مَنْعِ الرَّدِّ، وَتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقِيلَ: تَجُوزُ بِمَالِهِ كُلِّهِ إذَا كَانَ وَارِثُهُ ذَا رَحِمٍ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَ فِي الْفَائِقِ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ وَجْهَيْنِ.

قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: بَنَاهُمَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ. وَبَنَاهُمَا الْقَاضِي عَلَى أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ: هَلْ هُوَ جِهَةٌ وَمَصْلَحَةٌ. أَوْ وَارِثٌ؟ فَإِنْ قِيلَ: هُوَ جِهَةٌ وَمَصْلَحَةٌ: جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِ مَالِهِ. وَإِنْ قِيلَ: هُوَ وَارِثٌ: فَلَا تَجُوزُ إلَّا بِالثُّلُثِ. وَتَابَعَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي آخِرِ بَابِ أُصُولِ الْمَسَائِلِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ زَوْجًا، أَوْ زَوْجَةً لَا غَيْرُ، وَأَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ وَرُدَّ: بَطَلَتْ فِي قَدْرِ فَرْضِهِ مِنْ الثُّلُثَيْنِ. فَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ الثُّلُثَ. ثُمَّ يَأْخُذُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَرْضَهُ مِنْ الْبَاقِي. وَهُوَ الثُّلُثَانِ. فَيَأْخُذُ الرُّبُعَ، إنْ كَانَ زَوْجَةً. وَيَأْخُذُ النِّصْفَ، إنْ كَانَ زَوْجًا. ثُمَّ يَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ الْبَاقِيَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ.

ص: 192

اخْتَارَهُ الشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: لَا يَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ سِوَى الثُّلُثِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. قُلْت: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا. حَيْثُ قَالُوا: وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ وَارِثٌ الْوَصِيَّةُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ.

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الْفُرُوضِ وَقُلْنَا: بِعَدَمِ الرَّدِّ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا.

الثَّانِيَةُ: لَوْ أَوْصَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ. فَلَهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى: الْمَالُ كُلُّهُ إرْثًا وَوَصِيَّةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ. وَلَهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: الثُّلُثُ بِالْوَصِيَّةِ. ثُمَّ فَرْضُهُ مِنْ الْبَاقِي وَالْبَقِيَّةُ لِبَيْتِ الْمَالِ

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ وَارِثٌ الْوَصِيَّةُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَلَا لِوَارِثِهِ بِشَيْءٍ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ) . يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يُكْرَهُ.

ص: 193

قُلْت: وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الثَّانِيَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْأُولَى. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ فِي صِحَّتِهِ مِنْ كُلِّ مَالِهِ. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. قُلْت: الْأَوْلَى الْكَرَاهَةُ. وَلَوْ قِيلَ بِالْإِبَاحَةِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ.

قَوْلُهُ (إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ) . يَعْنِي: أَنَّهَا تَصِحُّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ. فَتَكُونُ مَوْقُوفَةً عَلَيْهَا. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. صَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْمَنْصُوصُ فِي الْمَذْهَبِ. حَتَّى إنَّ الْقَاضِيَ فِي التَّعْلِيقِ وَأَبَا الْخَطَّابَ فِي خِلَافِهِ وَالْمَجْدَ، وَجَمَاعَةً: لَمْ يَحْكُوا فِيهِ خِلَافًا. وَعَنْهُ: الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ، إلَّا أَنْ يُعْطُوهُ عَطِيَّةً مُبْتَدَأَةً. وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْفَائِقِ فِي الْأَجْنَبِيِّ، وَرِوَايَةٌ فِي الْوَارِثِ.

تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: إذَا أَوْصَى بِثُلُثِهِ يَكُونُ وَقْفًا عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ. فَإِنَّهُ يَصِحُّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ. وَفِيهِ قَوْلٌ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ. فَيَكُونُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُوَافِقًا لَمَا اخْتَارَهُ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُوصِيَ لِكُلِّ وَارِثٍ بِمُعَيَّنٍ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ. فَهَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) .

ص: 194

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفَائِقِ.

أَحَدُهُمَا: تَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَصِحُّ مُعَاوَضَةُ مَرِيضٍ بِثَمَنِ مِثْلِهِ. وَعَنْهُ: مَعَ وَارِثٍ بِإِجَازَةٍ. اخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ. لِفَوَاتِ حَقِّهِ مِنْ الْمُعَيَّنِ. ثُمَّ قَالَ: وَمِثْلُهَا وَصِيَّةٌ لِكُلِّ وَارِثٍ بِمُعَيَّنٍ بِقَدْرِ حَقِّهِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْحَارِثِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَصِحُّ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ. صَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالنَّظْمِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْوَصَايَا: تَحَاصُّوا فِيهِ. وَأُدْخِلَ النَّقْصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الْعِتْقُ وَلَوْ اسْتَوْعَبَ الثُّلُثَ. فَعَلَيْهِمَا: هَلْ يَبْدَأُ بِالْكِتَابَةِ، لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِهَا، أَوْ لِأَنَّ الْعِتْقَ تَغْلِيبًا لَيْسَ لِلْكِتَابَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.

قَوْلُهُ (وَإِجَازَتُهُمْ تَنْفِيذٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ كَمَا قَالَ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّهَا تَنْفِيذٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمَنْصُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ: وَالْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ وَالْأَجْنَبِيِّ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ: صَحِيحَةٌ، مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ.

ص: 195

فَعَلَى هَذَا: تَكُونُ إجَازَتُهُمْ تَنْفِيذًا، وَإِجَازَةً مَحْضَةً. يَكْفِي فِيهَا قَوْلُ الْوَارِثِ " أَجَزْت " أَوْ " أَمْضَيْت " أَوْ " نَفَّذْت " انْتَهَى. وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَخَصَّهَا فِي الِانْتِصَارِ بِالْوَارِثِ. قَالَ الشَّارِحُ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ. فَعَلَى هَذَا: تَكُونُ هِبَةً. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا أَبُو الْفَرَجِ.

تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: قِيلَ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ: هَلْ هِيَ بَاطِلَةٌ، أَوْ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْإِجَازَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ؟ . وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّارِحِ قَرِيبًا عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوَقْفِ أَمَّا عَلَى الْبُطْلَانِ: فَلَا وَجْهَ لِلتَّنْفِيذِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهَذَا أَشْبَهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

الثَّانِي: لِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ. ذَكَرَهَا ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ.

فَمِنْهَا: عَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَفْتَقِرُ إلَى شُرُوطِ الْهِبَةِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَالْقَبْضِ وَنَحْوِهِ بَلْ يَصِحُّ بِقَوْلِهِ " أَجَزْت " وَ " أَنْفَذْتُ " وَ " أَمْضَيْت " وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: تَفْتَقِرُ إلَى الْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَكَلَامُ الْقَاضِي يَقْتَضِي: أَنَّ فِي صِحَّتِهَا بِلَفْظِ " الْإِجَازَةِ " وَجْهَيْنِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَالصِّحَّةُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ.

ص: 196

وَمِنْهَا: لَا تَثْبُتُ أَحْكَامُ الْهِبَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ. فَلَوْ كَانَ الْمُجِيزُ أَبًا لِلْمُجَازِ لَهُ: لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَهُ الرُّجُوعُ.

وَمِنْهَا: هَلْ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الْمُجَازُ مَعْلُومًا لِلْمُجِيزِ؟ . فَفِي الْخِلَافِ لِلْقَاضِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ. وَطَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي: أَنَّ الْإِجَازَةَ لَا تَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ. وَلَكِنْ هَلْ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْجَهَالَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ، إنْ قُلْنَا: الْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ: صَحَّتْ بِالْمَجْهُولِ، وَلَا رُجُوعَ وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ هِبَةٌ: فَوَجْهَانِ.

وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ لِلْمُجَازِ عُتَقَاءُ: كَانَ الْوَلَاءُ لِلْمُوصِي تَخْتَصُّ بِهِ عَصَبَتُهُ. عَلَى الْمَذْهَبِ.

وَعَلَى الثَّانِيَةِ: الْوَلَاءُ لِمَنْ أَجَازَ. وَلَوْ كَانَ أُنْثَى.

فَائِدَةٌ: لَوْ كَسَبَ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَبْلَ الْإِعْتَاقِ: فَهُوَ لَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي آخِرِ بَابِ الْعِتْقُ كَسْبُهُ لِلْوَرَثَةِ كَأُمِّ الْوَلَدِ. انْتَهَى. وَلَوْ كَانَ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ أَمَةً، فَوَلَدَتْ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ: تَبِعَهَا الْوَلَدُ كَأُمِّ الْوَلَدِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ: لَا تَعْتِقُ.

وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ وَقْفًا عَلَى الْمُجِيزِينَ، فَإِنْ قُلْنَا الْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ. صَحَّ الْوَقْفُ وَلَزِمَ وَإِنْ قُلْنَا هِبَةٌ: فَهُوَ كَوَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ.

ص: 197

وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ، فَأَجَازَ: لَمْ يَحْنَثْ. عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَحْنَثُ.

وَمِنْهَا: لَوْ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ الْمُفْتَقِرَةَ إلَى الْإِجَازَةِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ، ثُمَّ أُجِيزَتْ. فَإِنْ قُلْنَا الْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ: فَالْمِلْكُ ثَابِتٌ لَهُ مِنْ حِينِ قَبُولِهِ. وَإِنْ قُلْنَا هِيَ هِبَةٌ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ إلَّا بَعْدَ الْإِجَازَةِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ.

وَمِنْهَا: أَنَّ مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ مِنْ الْوَصَايَا إذَا أُجِيزَ، هَلْ يُزَاحَمُ بِالزَّائِدِ الَّذِي لَمْ يُجَاوِزْ، أَوْ لَا؟ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمَنْ تَابَعَهُ.

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَاسْتُشْكِلَ تَوْجِيهُهُ عَلَى الْأَصْحَابِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مَعَنَا وَصِيَّتَانِ. إحْدَاهُمَا: مُجَاوِزَةٌ لِلثُّلُثِ، وَالْأُخْرَى: لَا تُجَاوِزُهُ كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَأَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ الْمُجَاوِزَةَ لِلثُّلُثِ خَاصَّةً. فَإِنْ قُلْنَا الْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ: زَاحَمَ صَاحِبُ النِّصْفِ صَاحِبَ الثُّلُثِ بِنِصْفٍ كَامِلٍ. فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ. لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ، وَلِلْآخَرِ خُمُسَاهُ. ثُمَّ يُكْمَلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ نِصْفُهُ بِالْإِجَازَةِ. وَإِنْ قُلْنَا الْإِجَازَةُ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ: فَإِنَّمَا يُزَاحَمُ بِثُلُثٍ خَاصٍّ. إذْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ عَطِيَّةٌ مَحْضَةٌ مِنْ الْوَرَثَةِ. لَمْ تُتَلَقَّ مِنْ الْمَيِّتِ، فَلَا يُزَاحِمُ بِهَا الْوَصَايَا فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. ثُمَّ يُكْمَلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثُلُثُهُ بِالْإِجَازَةِ، أَيْ يُعْطَى ثُلُثًا زَائِدًا عَلَى السُّدُسِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ. قَالَ: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِجَازَةَ عَطِيَّةٌ أَوْ تَنْفِيذٌ. فَيُفَرَّعُ عَلَى هَذَا: الْقَوْلُ بِإِبْطَالِ الْوَصِيَّةِ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ وَصِحَّتِهَا، كَمَا سَبَقَ. انْتَهَى.

ص: 198

وَقَدْ تَكَلَّمَ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كُرَّاسَةٍ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ. وَمَا قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ: صَحِيحٌ وَاضِحٌ.

وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ عَدَمَ الْمُزَاحَمَةِ: إنَّمَا هُوَ فِي الثُّلُثَيْنِ. وَلِأَنَّ الْهِبَةَ تَخْتَصُّ بِهِمَا، وَالْمُجِيزُ يُشْرِكُ بَيْنَهُمَا فِيهِمَا.

أَمَّا الثُّلُثُ: فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمَا. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ [أَنَّ هَذَا أَقْوَى وَأَوْلَى. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ، فِي أَنَّ الثُّلُثَ يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ مُطْلَقًا. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسَائِلَ مِنْ ذَلِكَ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ بِالْأَنْصِبَاءِ وَالْأَجْزَاءِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لِوَاحِدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِرُبُعِهِ، أَوْ لَهُ بِكُلِّ مَالِهِ. وَلِآخَرَ بِنِصْفِهِ. فَقَدْ قَطَعَ هُوَ وَغَيْرُهُ أَنَّهُمْ إذَا رَدُّوا الزَّائِدَ عَلَى الثُّلُثِ يَكُونُ الثُّلُثُ عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ. الثُّلُثَ وَيَأْخُذُ مِنْ الثُّلُثِ بِمِقْدَارِ مَا يَأْخُذُهُ لَوْ رَدُّوا. فَعَلَى هَذَا: الْمُزَاحَمَةُ فِي الثُّلُثِ بِالزَّائِدِ عَلَى الْبِنَاءِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ طَرِيقَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ إنَّمَا. لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُحَرَّرِ الْبِنَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ مَسْكُوتٌ عَنْهُ أَوْ يُقَالُ: بِنَاؤُهُ عَلَى أَنَّهُ تَنْفِيذٌ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِهِ يَنْبَنِي عَلَيْهِ. وَلِذَلِكَ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ كَلَامُهُ يَقْتَضِي انْعِكَاسَ.]

وَمِنْهَا: لَوْ أَجَازَ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَصِيَّةَ مَوْرُوثِهِ.

ص: 199

فَإِنْ قُلْنَا: إجَازَتُهُ عَطِيَّةً: فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ ثُلُثِهِ. وَإِنْ قُلْنَا هِيَ تَنْفِيذٌ: فَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ.

أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِأَنَّهَا مِنْ الثُّلُثِ أَيْضًا. قَالَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَالْمَجْدُ.

وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ، وَهُمَا مُنَزَّلَانِ عَلَى أَصْلِ الْخِلَافِ فِي حُكْمِ الْإِجَازَةِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَقَدْ يُنَزَّلَانِ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ هَلْ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ فِي الْمُوصَى بِهِ أَمْ تَمْنَعُ الْوَصِيَّةُ الِانْتِقَالَ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ. فَإِنْ قُلْنَا: تَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ. فَالْإِجَازَةُ مِنْ الثُّلُثِ. وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ

وَمِنْهَا إجَازَةُ الْمُفْلِسِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: هِيَ نَافِذَةٌ. وَهُوَ مُنَزَّلٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّنْفِيذِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ.

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَلَا يَبْعُدُ عَلَى الْقَاضِي فِي الَّتِي قَبْلَهَا أَنْ لَا يَنْفُذَ. وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي الشُّفْعَةِ.

وَمِنْهَا: إجَازَةُ السَّفِيهِ نَافِذَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. لَا عَلَى الثَّانِيَةِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَا تَصِحُّ إجَازَتُهُ مُطْلَقًا. وَكَذَا صَاحِبُ الْفَائِقِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ أُوصِيَ لَهُ وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ وَارِثٌ فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ: صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ. وَإِنْ أُوصِيَ لَهُ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَارِثًا: بَطَلَتْ. لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَأَكْثَرُهُمْ لَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا: أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْوَصِيَّةِ بِحَالِ الْمَوْتِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَحَكَى بَعْضُهُمْ خِلَافًا ضَعِيفًا: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الْوَصِيَّةِ، كَمَا حَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، رِوَايَةً: أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي حَالِ

ص: 200

الصِّحَّةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَلَا تَصِحُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَإِنَّمَا أَرَادَ الْعَطِيَّةَ الْمُنْجَزَةَ كَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ فِيهِمَا.

قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ إجَازَتُهُمْ وَرَدُّهُمْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ لَا عِبْرَةَ بِهِ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: تَصِحُّ إجَازَتُهُمْ قَبْلَ الْمَوْتِ فِي مَرَضِهِ. خَرَّجَهَا الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ مِنْ إذْنِ الشَّفِيعِ فِي الشِّرَاءِ.

قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله شَبَّهَهُ فِي مَوْضِعٍ بِالْعَفْوِ عَنْ الشُّفْعَةِ. فَخَرَّجَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهَا صَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله.

قَوْلُهُ (وَمَنْ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ) يَعْنِي: إذَا كَانَتْ جُزْءًا مُشَاعًا. (ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا أَجَزْت لِأَنَّنِي ظَنَنْت الْمَالَ قَلِيلًا: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا زَادَ عَلَى ظَنِّهِ. فِي أَظْهَرْ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ. وَتَقَدَّمَ فِي الْفَوَائِدِ: هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُجَازُ مَعْلُومًا؟

ص: 201

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ) . يَعْنِي تَشْهَدَ بِأَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِزِيَادَتِهِ. فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَالُ ظَاهِرًا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ، لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ. وَهَذَا إذَا قُلْنَا: الْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ. فَأَمَّا إذَا قُلْنَا هِيَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ: فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي مِثْلِهِ فِي الْهِبَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي الْفَوَائِدِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْمُجَازُ عَيْنًا) وَكَذَا لَوْ كَانَ مَبْلَغًا مُقَدَّرًا. (فَقَالَ: ظَنَنْت بَاقِيَ الْمَالِ كَثِيرًا: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ. فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقْبَلُ قَوْلُهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، لَوْ قَالَ: ظَنَنْت قِيمَتَهُ أَلْفًا. فَبَانَ أَكْثَرَ: قُبِلَ قَوْلُهُ. وَلَيْسَ نَقْضًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ. قَالَ: وَإِنْ أَجَازَ، وَقَالَ: أَرَدْت أَصْلَ الْوَصِيَّةِ: قُبِلَ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ. فَأَمَّا قَبُولُهُ وَرَدُّهُ قَبْلَ الْمَوْتِ: فَلَا عِبْرَةَ بِهِ) . اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ كَقَبُولِ الْهِبَةِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَاحِدٌ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا.

ص: 202

وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِي مَوَاضِعَ: عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِلْوَصِيَّةِ قَبُولٌ. فَيَمْلِكُهُ قَهْرًا كَالْمِيرَاثِ. وَهُوَ وَجْهٌ لِلْأَصْحَابِ. حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. انْتَهَى. وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ يَمْلِكُ الْوَصِيَّةَ بِلَا قَبُولِهِ كَالْمِيرَاثِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَمَنْ تَابَعَهُ: وَطْؤُهُ الْأَمَةَ الْمُوصَى بِهَا: قَبُولٌ، كَرَجْعَةٍ، وَبَيْعِ خِيَارٍ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يَكْفِي الْفِعْلُ قَبُولًا.

وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: وَاخْتَارَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ فِي الْمُبْهَمِ بِدُونِ قَبْضٍ. وَخَرَّجَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَجْهًا ثَالِثًا: أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِدُونِ الْقَبْضِ، سَوَاءٌ كَانَ مُبْهَمًا، أَوْ لَا. كَالْهِبَةِ.

وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُوصَى لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ: يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ. لِأَنَّ سَبَبَ الْمَلِكِ قَدْ اسْتَقَرَّ لَهُ اسْتِقْرَارًا لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ.

فَائِدَةٌ: لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُوصَى بِهِ قَبْلَ قَبُولِهِ مِنْ وَارِثِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ. وَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْمُوصَى بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ، بِاتِّفَاقٍ مِنْ الْأَصْحَاب فِيمَا نَعْلَمُهُ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْخَمْسِينَ. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ.

تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ وَاحِدًا، أَوْ جَمْعًا مَحْصُورًا. فَأَمَّا إذَا كَانُوا غَيْرَ مَحْصُورِينَ كَالْفُقَرَاءِ، أَوْ الْمَسَاكِينِ مَثَلًا أَوْ لِغَيْرِ آدَمِيٍّ كَالْمَسَاجِدِ، وَالْقَنَاطِرِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ. قَوْلًا وَاحِدًا.

ص: 203

وَسَيَأْتِي قَرِيبًا مَتَى يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ إذَا قَبِلَ؟ .

فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ مَوْرُوثِهِمْ، إذَا كَانَ الْمَالُ عَيْنًا حَاضِرَةً يُتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: فِي رَجُلٍ تَرَكَ مِائَتَيْ دِينَارٍ وَعَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ. وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِالْعَبْدِ. فَسُرِقَتْ الدَّنَانِيرُ بَعْدَ مَوْتِ الرَّجُلِ: وَجَبَ الْعَبْدُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَذَهَبَتْ دَنَانِيرُ الْوَرَثَةِ. وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ: لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِمْ بِدُونِ الْقَبْضِ. لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي أَيْدِيهِمْ، وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ. أَشْبَهَ الدَّيْنَ وَالْغَائِبَ وَنَحْوَهُمَا، مِمَّا لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ قَبْضِهِ. فَعَلَى هَذَا: إنْ زَادَتْ التَّرِكَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ: فَالزِّيَادَةُ لِلْوَرَثَةِ. وَإِنْ نَقَصَتْ: لَمْ يُحْسَبْ النَّقْصُ عَلَيْهِمْ. وَكَانَتْ التَّرِكَةُ مَا بَقِيَ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالْخَمْسِينَ، وَعَلَّلَهُ.

الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي: بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي: لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ، بِلَا نِزَاعٍ. لِأَنَّ تَفْرِيغَ ذِمَّةِ الْمَدِينِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَتَفْرِيغِهَا قَبْلَهُ، لِوُجُودِ الشَّغْلِ فِي الْحَالَيْنِ، كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا. ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ

الثَّالِثَةُ: لَا تَنْعَقِدُ الْوَصِيَّةُ إلَّا بِقَوْلِهِ " فَوَّضْت " أَوْ " وَصَّيْت " إلَيْك، أَوْ " إلَى زَيْدٍ بِكَذَا " أَوْ " أَنْتَ " أَوْ " هُوَ " أَوْ " جَعَلْته " أَوْ " جَعَلْتُك وَصِيِّي " أَوْ " أَعْطُوهُ

ص: 204

مِنْ مَالِي بَعْدَ مَوْتِي كَذَا " أَوْ " ادْفَعُوهُ إلَيْهِ " أَوْ " جَعَلْته لَهُ " أَوْ " هُوَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِي " أَوْ " هُوَ لَهُ مِنْ مَالِي بَعْدَ مَوْتِي " وَنَحْوَ ذَلِكَ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ رَدَّهَا بَعْدَ مَوْتِهِ: بَطَلَتْ أَيْضًا) بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لَوْ رَدَّهَا بَعْدَ قَبُولِهِ، وَقَبْلَ الْقَبْضِ: لَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ. قَالَ فِي الْمَجْدِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: يَصِحُّ رَدُّهُ مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقِيلَ: يَصِحُّ رَدُّهُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، بَعْدَ قَبُولِهِ وَقَبْلَ قَبْضِهِ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنْ كَانَ الرَّدُّ بَعْدَ الْقَبُولِ وَالْقَبْضِ: لَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ. وَكَذَا لَوْ كَانَ بَعْدَ الْقَبُولِ، وَقَبْلَ الْقَبْضِ، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. وَأَوْرَدَهُ الْمَجْدُ: مَذْهَبًا.

فَائِدَةٌ: إذَا لَمْ يَقْبَلْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا رَدَّ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ مُتَحَجِّرِ الْمَوَاتِ، عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْعَاشِرَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْقَبُولِ، أَوْ الرَّدِّ: حُكِمَ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ، وَسَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ. وَقَالَهُ فِي الْكَافِي. وَجَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ، وَقَبْلَ الرَّدِّ وَالْقَبُولِ: قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ. قَالَهُ الْمَجْدُ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا.

ص: 205

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. (وَقَالَ الْقَاضِي: تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ) . يَعْنِي: فِي خِيَارِ الشُّفْعَةِ، وَخِيَارِ الشَّرْطِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. نَقَلَهَا عَبْدُ اللَّهِ، وَابْنُ مَنْصُورٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ. وَحَكَى الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَجْهًا: أَنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ بِلَا قَبُولٍ كَالْخِيَارِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَبِلَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ: ثَبَتَ الْمِلْكُ حِينَ الْقَبُولِ. فِي الصَّحِيحِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَنَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَصَرَهُ الشَّارِحُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ حِينَ الْمَوْتِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَلَوْ وَصَّى بِشَيْءٍ، فَلَمْ يَأْخُذْهُ الْمُوصَى لَهُ زَمَانًا: قُوِّمَ وَقْتَ الْمَوْتِ. لَا وَقْتَ الْأَخْذِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْقَبُولِ عَقِبَ الْمَوْتِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَقِيلَ: الْخِلَافُ رِوَايَتَانِ.

ص: 206

وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي: أَنَّ الْمِلْكَ مُرَاعًى. فَإِذَا قَبِلَ: تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ لَهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَحَكَى الشَّرِيفُ عَنْ شَيْخِهِ، أَنَّهُ قَالَ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قُلْت: وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْوَجِيزِ الْمُتَقَدِّمُ، بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي قَبْلَهُ بِعَيْنِهِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَحُكِيَ وَجْهٌ: بِأَنَّهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ بِمُجَرَّدِهِ. نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَكُونُ (قَبْلَ الْقَبُولِ لِلْوَرَثَةِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَاخْتَارَهُ هُوَ وَابْنُ الْبَنَّا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَكُونُ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ. وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، فِي خِلَافَيْهِمَا.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْقَوْلُ بِالْبَقَاءِ لِلْمَيِّتِ: قَالَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ فِيهَا. وَقَالَ: وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالُوا: يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَالْخِرَقِيِّ، وَمَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. انْتَهَى.

تَنْبِيهٌ: لِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بَعْضَهَا: مِنْهَا: حُكْمُ نَمَائِهِ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ. فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ عَلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ: فَهُوَ لَهُ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ مِنْ الثُّلُثِ. إنْ قُلْنَا: هُوَ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ: فَتَتَوَفَّرُ بِهِ التَّرِكَةُ فَيَزْدَادُ بِهِ الثُّلُثُ.

ص: 207

فَعَلَى هَذَا: لَوْ وَصَّى بِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، وَثَمَنُهُ عَشْرَةٌ. فَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ. فَكَسَبَ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ خَمْسَةً: دَخَلَهُ الدَّوْرُ. فَتُجْعَلُ الْوَصِيَّةُ شَيْئًا. فَتَصِيرُ التَّرِكَةُ عَشْرَةً وَنِصْفَ شَيْءٍ، تَعْدِلُ الْوَصِيَّةَ وَالْمِيرَاثَ، وَهُمَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ. فَيَخْرُجُ الشَّيْءُ أَرْبَعَةً بِقَدْرِ خُمُسِ الْعَبْدِ. وَهُوَ الْوَصِيَّةُ. وَتَزْدَادُ التَّرِكَةُ مِنْ الْعَبْدِ دِرْهَمَيْنِ. فَأَمَّا بَقِيَّتُهُ: فَزَادَتْ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ. وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ: فَهُوَ لَهُمْ خَاصَّةً. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: أَنَّ مِلْكَ الْمُوصَى لَهُ لَا يَتَقَدَّمُ الْقَبُولَ، وَأَنَّ النَّمَاءَ قَبْلَهُ لِلْوَرَثَةِ، مَعَ أَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ. فَلَا يَتَوَفَّرُ الثُّلُثُ. وَذَكَرَ أَيْضًا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ مُرَاعًى، وَأَنَّا نَتَبَيَّنُ بِقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ مِلْكَهُ لَهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ. فَإِنَّ النَّمَاءَ يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ. فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ مَعَ الْأَصْلِ فَهُمَا لَهُ. وَإِلَّا كَانَ لَهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ. فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثِ كَانَ لَهُ مِنْ النَّمَاءِ.

وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ: إذَا نَمَا الْمُوصَى وَقْفُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَبْلَ إيقَافِهِ: فَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: أَنَّهُ يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْوَقْفِ. لِأَنَّ نَمَاءَهُ قَبْلَ الْوَقْفِ كَنَمَائِهِ بَعْدَهُ. وَأَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ السُّكَّرِيُّ الشَّافِعِيُّ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لِلْوَرَثَةِ. قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ عِنْدَ السَّائِمَةِ الْمَوْقُوفَةِ مَا يُشَابِهُ ذَلِكَ. وَهُوَ إذَا أَوْصَى بِدَرَاهِمَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ، أَوْ لِيَشْتَرِيَ بِهَا مَا يُوقَفُ. فَاتَّجَرَ بِهَا الْوَصِيُّ. فَقَالُوا: رِبْحُهُ مَعَ أَصْلِ الْمَالِ فِيمَا وَصَّى بِهِ. وَإِنْ خَسِرَ ضَمِنَ النَّقْصَ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وَقِيلَ: رِبْحُهُ إرْثٌ.

ص: 208

وَمِنْهَا: لَوْ نَقَصَ الْمُوصَى بِهِ فِي سِعْرٍ أَوْ صِفَةٍ. فَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: إنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ بِالْمَوْتِ: اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ مِنْ التَّرِكَةِ بِسِعْرِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ عَلَى أَدْنَى صِفَاتِهِ مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ إلَى الْقَبُولِ. وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ مِنْ حِينِ الْقَبُولِ. اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبُولِ سِعْرًا وَصِفَةً. انْتَهَى.

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ: أَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ. وَلَمْ يَحْكِ فِي الْمُغْنِي فِيهِ خِلَافًا. فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِيَوْمِ الْمَوْتِ عَلَى الْوُجُوهِ كُلِّهَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: هَذَا قَوْلُ الْخِرَقِيِّ، وَقُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ. قَالَ: وَهُوَ أَوْجَهُ مِنْ كَلَامِ الْمَجْدِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُقَوَّمُ بِسُعْرِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. ثُمَّ ذَكَرَ مَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: وَقْتَ الْمَوْتِ خَاصَّةً. انْتَهَى. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْمُوصَى بِهِ فِي قَوْلِهِ " وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ زَمَانًا قُوِّمَ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْأَخْذِ ".

وَمِنْهَا: لَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِأَمَةٍ. فَوَطِئَهَا الْوَارِثُ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَأَوْلَدَهَا: صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ. وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ. وَوَلَدُهُ حُرٌّ. لَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ. وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْمُوصَى لَهُ. هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ إلَّا مِنْ حِينِ الْقَبُولِ. وَيَمْلِكُهَا الْوَرَثَةُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهَا الْوَارِثُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ.

وَمِنْهَا لَوْ وَطِئَهَا الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ.

ص: 209

فَإِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لَهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ، وَإِلَّا فَلَا.

وَمِنْهَا: لَوْ وَصَّى لَهُ بِزَوْجَتِهِ. فَأَوْلَدَهَا قَبْلَ الْقَبُولِ: لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ. وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ لِلْوَارِثِ. وَنِكَاحُهُ بَاقٍ إنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُهَا. وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهَا بِالْمَوْتِ، فَوَلَدُهُ حُرٌّ. وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ، وَيَبْطُلُ نِكَاحُهُ بِالْمَوْتِ.

وَمِنْهَا. لَوْ وَصَّى لَهُ بِأَبِيهِ. فَمَاتَ قَبْلَ الْقَبُولِ. فَقَبِلَ ابْنُهُ، وَقُلْنَا: يَقُومُ الْوَارِثُ مَقَامَهُ فِي الْقَبُولِ: عَتَقَ الْمُوصَى بِهِ حِينَئِذٍ. وَلَمْ يَرِثْ شَيْئًا. إذَا قُلْنَا: إنَّمَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْقَبُولِ. وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ بِالْمَوْتِ: فَقَدْ عَتَقَ بِهِ فَيَكُونُ حُرًّا عِنْدَ مَوْتِ أَبِيهِ. فَيَرِثُ مِنْهُ.

وَمِنْهَا: لَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَالٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْمَوْتِ، فَهُوَ مِلْكٌ لِلْمَيِّتِ. فَتُوَفَّى مِنْهُ دُيُونُهُ وَوَصَايَاهُ. وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ: هُوَ مِلْكٌ لِلْوَارِثِ الَّذِي قَبِلَ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ.

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُوصَى لَهُ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ. لِأَنَّ التَّمْلِيكَ حَصَلَ لَهُ. فَكَيْفَ يَصِحُّ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً لِغَيْرِهِ؟ .

وَمِنْهَا: لَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِأَرْضٍ. فَبَنَى الْوَارِثُ فِيهَا وَغَرَسَ قَبْلَ الْقَبُولِ، ثُمَّ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ. فَفِي الْإِرْشَادِ: إنْ كَانَ الْوَارِثُ عَالِمًا بِالْوَصِيَّةِ: قُلِعَ بِنَاؤُهُ وَغَرْسُهُ مَجَّانًا. وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا: فَعَلَى وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ بِالْمَوْتِ. أَمَّا إنْ قِيلَ هِيَ قَبْلَ الْقَبُولِ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ: فَهُوَ كَبِنَاءِ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ وَغَرْسِهِ. فَيَكُونُ مُحْتَرَمًا، يُتَمَلَّكُ بِقِيمَتِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَمِنْهَا: لَوْ بِيعَ شِقْصٌ فِي شَرِكَةِ الْوَرَثَةِ، وَالْمُوصَى لَهُ قَبْلَ قَبُولِهِ.

ص: 210

فَإِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لَهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ: فَهُوَ شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ فِي الشُّفْعَةِ، وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا.

وَمِنْهَا: جَرَيَانُهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ الْمُوصَى لَهُ: جَرَى فِي حَوْلِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: لِلْوَرَثَةِ، فَهَلْ يَجْرِي فِي حَوْلِهِمْ، حَتَّى لَوْ تَأَخَّرَ الْقَبُولُ سَنَةً كَانَتْ زَكَاتُهُ عَلَيْهِمْ أَمْ لَا؟ لِضَعْفِ مِلْكِهِمْ فِيهِ، وَتَزَلْزُلِهِ، وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِهِ. فَهُوَ كَمَالِ الْمُكَاتَبِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: فِيهِ تَرَدُّدٌ. قُلْت: الثَّانِي أَوْلَى.

قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ فِي الْمُوصَى بِهِ: هَذَا لِوَرَثَتِي، أَوْ مَا أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ فَهُوَ لِفُلَانٍ: كَانَ رُجُوعًا) بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. (وَإِنْ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ. فَهُوَ بَيْنَهُمَا) هَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْعُمْدَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالنَّظْمِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَارِثِيُّ. وَقِيلَ: هُوَ لِلثَّانِي خَاصَّةً. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: يُؤْخَذُ بِآخِرِ الْوَصِيَّةِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: هُوَ لِلْأَوَّلِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: أَيُّهُمَا مَاتَ، أَوْ رَدَّ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي: كَانَ لِلْآخَرِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَهُوَ اشْتِرَاكُ تَزَاحُمٍ. .

ص: 211