الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِذَا خَتَنَتْهُ بَاعَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يَسْتَبِنْ حَالُهُ يُمِّمَ، ثُمَّ يُكَفَّنُ وَيُدْفَنُ كَالْجَارِيَةِ.
كِتَابُ الْوَقْفِ
وَهُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ وَلَا يَلْزَمُ إِلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ (سم ف)، أَوْ يَقُولَ: إِذَا مِتُّ فَقَدْ وَقَفْتُهُ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ لِمَا بَيَّنَّا، وَيَجُوزُ لِجَارِيَتِهِ النَّظَرُ إِلَى فَرْجِهِ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً (فَإِذَا خَتَنَتْهُ بَاعَهَا) لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ) ; لِأَنَّهُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا كَانَ صَغِيرًا لَا يَشْتَهِي جَازَ خِتَانُهُ لِلرَّجُلِ وَلِلْمَرْأَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُزَوَّجُ امْرَأَةً، فَإِنْ كَانَ رَجُلًا صَحَّ النِّكَاحُ وَحَلَّ لَهَا النَّظَرُ إِلَى فَرْجِ زَوْجِهَا، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَلَا نِكَاحَ، لَكِنْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ النَّظَرُ إِلَى فَرْجِ الْمَرْأَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا يَرِثُ الْخُنْثَى مِنْ مَوْلَى أَبِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَلَوْ أَوْصَى لِحَمْلِ فُلَانَةَ بِأَلْفٍ إِنْ كَانَ ذَكَرًا وَبِخَمْسِمِائَةٍ إِنْ كَانَ أُنْثَى فَوَلَدَتْ خُنْثَى فَلَهُ خَمْسُمِائَةٍ احْتِيَاطًا إِلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَإِنْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ خَطَأً وَقَالَ إِنَّهُ أُنْثَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ وَلَا قِصَاصَ فِي أَطْرَافِهِ أَصْلًا، وَلَوِ ارْتَدَّ لَا يُقْتَلُ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقَسَامَةِ وَلَا تُقَرَّرُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ لَوْ كَانَ كَافِرًا، وَلَوْ أُسِرَ لَا يُقْتَلُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى، وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ رَجُلًا فَهُوَ كَالْمَجْبُوبِ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَهِيَ كَالرَّتْقَاءِ، وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُمَا لِأَنَّ الْحَدَّ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ عَنْهُمَا، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إِنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَوْ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَوَلَدَتْ خُنْثَى لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَسْتَبِنْ أَمْرُهُ. وَلَوْ قَالَ: كُلُّ عَبْدٍ لَهُ حُرٌّ، أَوْ كُلُّ أَمَةٍ لَهُ حُرَّةٌ لَا يَعْتِقُ الْخُنْثَى حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ، وَلَوْ بَانَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ عَتَقَ لِلتَّيَقُّنِ.
(وَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يَسْتَبِنْ حَالُهُ يُمِّمَ ثُمَّ يُكَفَّنُ) ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ غُسْلُهُ لِلرِّجَالِ وَلَا لِلنِّسَاءِ احْتِيَاطًا فَقَدْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ فَيُمِّمَ، وَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْجَنَائِزُ جُعِلَتْ جِنَازَتُهُ بَيْنَ جِنَازَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِمَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ فِي حَيَاتِهِ (وَيُدْفَنُ كَالْجَارِيَةِ) احْتِيَاطًا.
[كِتَابُ الْوَقْفِ]
الْوَقْفُ فِي اللُّغَةِ: الْحَبْسُ، يُقَالُ: وَقَفْتَ الدَّابَّةَ إِذَا حَبَسْتَهَا عَلَى مَكَانِهَا، وَمِنْهُ الْمَوْقِفُ لِأَنَّ النَّاسَ يُوقَفُونَ فِيهِ: أَيْ يُحْبَسُونَ لِلْحِسَابِ.
وَفِي الشَّرْعِ: حَبْسُ شَيْءٍ مَعْلُومٍ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَهُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقِ بِالْمَنْفَعَةِ، وَلَا يَلْزَمُ إِلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ، أَوْ يَقُولَ: إِذَا مِتُّ فَقَدْ وَقَفْتُهُ) . وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ أَصْلِ الْوَقْفِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «تَصَدَّقَ بِسَبْعِ حَوَائِطَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فِي الْمَدِينَةِ» ، وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ وَقَفُوا، وَالْخَلِيلُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه - وَقَفَ وُقُوفًا هِيَ بَاقِيَةٌ جَارِيَةٌ إِلَى يَوْمِنَا. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ جَوَازِهِ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ: شَرْطُ جَوَازِهِ أَنْ يَكُونَ مُوصًى بِهِ، أَوْ يَقُولَ: إِذَا مِتُّ فَقَدْ وَقَفْتُهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ لَا يَصِحُّ وَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَيُوَرَّثُ عَنْهُ إِلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ فَيَصِيرَ جَائِزًا وَيَتَأَبَّدَ، وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِلُزُومِهِ لَزِمَ وَنَفَذَ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي مُجْتَهِدٍ وَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ إِبْطَالُهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يُشْتَرَطُ لِجَوَازِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَهُ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِهِ عَمَلًا بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ وَقَفْتُ وَالتَّصَدُّقِ بِثَمَرَتِهِ وَغَلَّتِهِ الْمَعْدُومَةِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَلَا يَصِحُّ التَّصَدُّقُ بِالْمَعْدُومِ إِلَّا بِالْوَصِيَّةِ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ إِزَالَةُ الْعَيْنِ عَنْ مِلْكِهِ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَجَعْلُهُ مَحْبُوسًا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى وَجْهٍ يَصِلُ نَفْعُهُ إِلَى عِبَادِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مِلْكِهِ وَيَخْلُصَ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَيَصِيرَ مُحَرَّرًا عَنِ التَّمْلِيكِ لِيَسْتَدِيمَ نَفْعُهُ وَيَسْتَمِرَّ وَقْفُهُ لِلْعِبَادِ. لَهُمَا أَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إِلَى لُزُومِ الْوَقْفِ لِيَصِلَ ثَوَابُهُ إِلَيْهِ عَلَى الدَّوَامِ، وَأَنَّهُ مُمْكِنٌ بِإِسْقَاطِ مِلْكِهِ وَجَعْلِهِ لِلَّهِ - تَعَالَى - كَالْمَسْجِدِ فَيُجْعَلُ كَذَلِكَ.
قَالَ النَّسَفِيُّ: وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى دَخَلَ بَغْدَادَ فَسَمِعَ حَدِيثَ عُمَرَ فَرَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ: لَوْ بَلَغَ هَذَا أَبَا حَنِيفَةَ لَرَجَعَ إِلَيْهِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ لَهُ أَرْضٌ تُدْعَى ثَمْغًا وَكَانَتْ نَخْلًا نَفِيسًا، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي اسْتَفَدْتُ مَالًا نَفِيسًا أَفَأَتَصَدَّقُ بِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُوَرَّثُ، وَلَكِنْ تُنْفَقُ ثَمَرَتُهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ» ، فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ رضي الله عنه فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي الرِّقَابِ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَذَوِي الْقُرْبَى، وَلَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُؤَكِّلَ صَدِيقًا لَهُ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ» ، وَعَنْ شُرَيْحٍ جَاءَ مُحَمَّدٌ بِبَيْعِ الْحَبِيسِ. «وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِضَيْعَةٍ لَهُ، فَشَكَاهُ أَبُوهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ: " ارْجِعْ فِي صَدَقَتِكَ» ، وَلِأَنَّ شَرَائِطَ الْوَاقِفِ تُرَاعَى فِيهِ، وَلَوْ زَالَ عَنْ مِلْكِهِ لَمْ تُرَاعَ كَالْمَسْجِدِ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى التَّصَدُّقِ بِالْغَلَّةِ دَائِمًا، وَلَا ذَلِكَ إِلَّا بِبَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِهِ، ثُمَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ أَرْبَعَةُ شَرَائِطَ: التَّسْلِيمُ إِلَى الْمُتَوَلِّي، وَأَنْ يَكُونَ مُفْرَزًا، وَأَلَّا يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ، وَأَنْ يَكُونَ مُؤَبَّدًا بِأَنْ يَجْعَلَ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ. لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاذٍ رضي الله عنهم أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ إِلَّا مَحُوزَةً مَقْبُوضَةً، وَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ حَقِيقَةٌ مِنَ اللَّهِ لَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْأَشْيَاءِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ذَلِكَ ضِمْنًا لِلتَّسْلِيمِ إِلَى الْعَبْدِ كَالزَّكَاةِ، وَلِأَنَّهُ مَتَى كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ لَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ - تَعَالَى -.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّهُ إِسْقَاطٌ وَصَارَ كَالْإِعْتَاقِ، وَأَخَذَ مَشَايِخُ خُرَاسَانَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَرْغِيبًا
وَلَا يَجُوزُ وَقْفُ الْمُشَاعِ (س) ، وَإِنْ حُكِمَ بِهِ جَازَ، وَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَجْعَلَ آخِرَهُ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ (س) أَبَدًا، وَيَجُوزُ وَقْفُ الْعَقَارِ، وَلَا يَجُوزُ وَقْفُ الْمَنْقُولِ (س) ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ جَوَازُ وَقْفِ مَا جَرَى فِيهِ التَّعَامُلُ كَالْفَأْسِ وَالْقَدُومِ وَالْمِنْشَارِ وَالْقُدُورِ وَالْجِنَازَةِ وَالْمَصَاحِفِ وَالْكُتُبِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِلنَّاسِ فِي الْوَقْفِ. قَالَ الْخَصَّافُ: ذِكْرُ الْوَقْفِ ذِكْرُ التَّأْبِيدِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو عَاصِمٍ: قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَقْوَى لِمُقَارَبَةٍ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْمِلْكِ إِذْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَقْرَبُ إِلَى مُوَافَقَةِ الْآثَارِ، وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ بُخَارَى.
قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ وَقْفُ الْمُشَاعِ) عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَثَرِ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ عِنْدَهُ شَرْطٌ، وَيَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ (وَإِنْ حُكِمَ بِهِ جَازَ) بِالْإِجْمَاعِ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ طَلَبَ الشَّرِيكُ الْقِسْمَةَ يُقَسَّمُ ; لِأَنَّهَا إِفْرَازٌ وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، إِلَّا أَنَّا غَلَّبْنَا جِهَةَ الْإِفْرَازِ نَظَرًا لِلْوَقْفِ، فَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ غَيْرَ الْوَاقِفِ يُقَاسِمُهُ ; لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ يُقَاسِمُهُ الْقَاضِي لِئَلَّا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الدَّرَاهِمِ لِلْوَقْفِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعًا لِلْوَقْفِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ دَرَاهِمَ مِنَ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْوَقْفِ وَمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ يَجُوزُ مَعَ الشُّيُوعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا بِالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ، وَلَا يَجُوزُ الشُّيُوعُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ بِالْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تُنَافِي الْخُلُوصَ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَالتَّهَايُؤُ فِيهَا قَبِيحٌ بِأَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ يَوْمًا وَيَسْكُنَ يَوْمًا وَيَدْفِنَ فِيهِ شَهْرًا وَيَزْرَعَ شَهْرًا، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنَ الْوُقُوفِ لِأَنَّ الِاسْتِغْلَالَ مُمْكِنٌ غَيْرُ مُسْتَبْشَعٍ.
قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَجْعَلَ آخِرَهُ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ أَبَدًا)، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَأَنَّهُ يَحْصُلُ بِجِهَةٍ تَنْقَطِعُ. وَلَهُمَا أَنَّ مُوجِبَهُ زَوَالُ الْمِلْكِ بِدُونِ التَّمْلِيكِ وَذَلِكَ بِالتَّأْبِيدِ كَالْعِتْقِ، فَإِذَا لَمْ يَتَأَبَّدْ لَمْ يَتَوَفَّرْ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ وَلِهَذَا يُبْطِلُهُ التَّوْقِيتُ كَمَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ. ثُمَّ قِيلَ: التَّأْبِيدُ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ إِلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا اشْتَرَطَ ذِكْرَهُ ; لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ بِالْمَنْفَعَةِ أَوْ بِالْغَلَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ مُؤَقَّتًا وَيَكُونُ مُؤَبَّدًا كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ التَّأْبِيدُ إِلَّا بِالتَّنْصِيصِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِهِ ; لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَقْفِ يُنْبِئُ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ وَقْفُ الْعَقَارِ) لِمَا مَرَّ مِنَ النُّصُوصِ وَالْآثَارِ (وَلَا يَجُوزُ وَقْفُ الْمَنْقُولِ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِذَا وَقَفَ ضَيْعَةً بِبَقَرِهَا وَأَكَرَتِهَا وَهُمْ عَبِيدُهُ جَازَ لِلتَّبَعِيَّةِ وَكَذَلِكَ وَقْفُ الدُّولَابِ وَمَعَهُ سَانِيَتُهُ وَعَلَيْهَا حَبْلٌ وَدَلْوٌ. وَلَوْ وَقَفَ بَيْتًا فِيهِ كُوَّارَةُ عَسَلٍ جَازَ وَصَارَ النَّحْلُ تَابِعًا لِلْعَسَلِ. وَلَوْ وَقَفَ دَارًا فِيهَا حَمَّامٌ صَارَ الْحَمَّامُ تَبَعًا لَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا يَثْبُتُ تَبَعًا وَلَا يَثْبُتُ مَقْصُودًا كَالشِّرْبِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ فِي الشُّفْعَةِ.
(وَعَنْ مُحَمَّدٍ جَوَازُ وَقْفِ مَا جَرَى فِيهِ التَّعَامُلُ كَالْفَأْسِ وَالْقَدُومِ وَالْمِنْشَارِ وَالْقُدُورِ وَالْجِنَازَةِ وَالْمَصَاحِفِ وَالْكُتُبِ)
بِخِلَافِ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَيَجُوزُ حَبْسُ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَقْفِ وَلَا تَمْلِيكُهُ، وَيَبْدَأُ مِنِ ارْتِفَاعِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهَا الْوَاقِفُ، فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَنِيٍّ عَمَّرَهُ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى فُقَرَاءَ فَلَا تُقَدَّرُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ أَبَى أَوْ كَانَ فَقِيرًا آجَرَهَا الْقَاضِي وَعَمَّرَهَا بِأُجْرَتِهَا ثُمَّ رَدَّهَا إِلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى، وَمَا انْهَدَمَ مِنْ بِنَاءِ الْوَقْفِ وَآلَتِهِ صُرِفَ فِي عِمَارَتِهِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِوُجُودِ التَّعَامُلِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَبِالتَّعَامُلِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» ، (بِخِلَافِ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ) كَالثِّيَابِ وَالْأَمْتِعَةِ ; لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْوَقْفِ التَّأْبِيدَ كَمَا بَيَّنَّا تَرَكْنَاهُ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ بِالنَّصِّ، وَفِيمَا جَرَى فِيهِ التَّعَامُلُ بِالتَّعَامُلِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ (وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ) لِحَاجَةِ النَّاسِ وَتَعَامُلِهِمْ بِذَلِكَ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ حَبْسُ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ) أَيْ وَقْفُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ; لِأَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَقَفَ دُرُوعًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، «وَجَعَلَ رَجُلٌ نَاقَتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَرَادَ آخَرُ أَنْ يَحُجَّ عَلَيْهَا فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: " الْحَجُّ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ» ، وَطَلْحَةُ حَبَسَ سِلَاحَهُ وَكُرَاعَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: أَيْ خَيْلَهُ، وَالْإِبِلُ كَالْخَيْلِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُقَاتِلُ عَلَيْهَا وَتَحْمِلُ عَلَيْهَا السِّلَاحَ.
قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَقْفِ وَلَا تَمْلِيكُهُ) لِمَا مَرَّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رضي الله عنه، وَلِأَنَّهُ يُبْطِلُ التَّأْبِيدَ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْوَقْفِ التَّأْبِيدُ.
قَالَ: (وَيَبْدَأُ مِنِ ارْتِفَاعِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهَا الْوَاقِفُ) تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِهِ، فَإِنَّهُ قَصْدُهُ وُصُولُ الثَّوَابِ إِلَيْهِ بِوُصُولِ الْمَنْفَعَةِ أَوِ الْغَلَّةِ إِلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عَلَى الدَّوَامِ وَذَلِكَ بِبَقَاءِ أَصْلِهِ وَإِنَّهُ بِالْعِمَارَةِ فَكَانَتِ الْعِمَارَةُ شَرْطًا لِمُقْتَضَى الْوَقْفِ (فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَنِيٍّ عَمَّرَهُ مِنْ مَالِهِ) لِيَكُونَ الْغُنْمُ بِالْغُرْمِ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ يُمْكِنُ مُطَالَبَتُهُ (وَإِنْ كَانَ عَلَى فُقَرَاءَ فَلَا تُقَدَّرُ عَلَيْهِمْ) وَغَلَّةُ الْوَقْفِ أَقْرَبُ أَمْوَالِهِمْ فَيَجِبُ فِيهَا، وَإِنْ وَقَفَ دَارَهُ عَلَى سُكْنَى وَلَدِهِ فَالْعِمَارَةُ عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى ; لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ (فَإِنْ أَبَى أَوْ كَانَ فَقِيرًا آجَرَهَا الْقَاضِي وَعَمَّرَهَا بِأُجْرَتِهَا ثُمَّ رَدَّهَا إِلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) رِعَايَةً لِلْحَقَّيْنِ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَمِّرْهَا تَفُوتُ السُّكْنَى أَصْلًا فَيَفُوتُ حَقُّهُمْ فِي السُّكْنَى وَحَقُّ الْوَاقِفِ فِي الثَّوَابِ، وَلَا يُكْرَهُ الْمُمْتَنِعُ عَنِ الْعِمَارَةِ لِأَنَّهُ يُتْلِفُ مَالَ نَفْسِهِ، وَلَا يَكُونُ بِامْتِنَاعِهِ رَاضِيًا بِبُطْلَانِ حَقِّهِ ; لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ التَّعَارُضِ، ثُمَّ الْمُسْتَحَقُّ مِنَ الْعِمَارَةِ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى الْمَوْقُوفُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَرِبَ يُبْنَى كَمَا كَانَ ; لَأَنَّ بِتِلْكَ الصِّفَةِ كَانَتْ غَلَّتُهُ مَصْرُوفَةً إِلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إِلَى الزِّيَادَةِ، وَمَنْ لَهُ السُّكْنَى لَا يَجُوزُ إِجَارَتُهُ لَعَدَمُ مَالِكِيَّتِهِ.
قَالَ: (وَمَا انْهَدَمَ مِنْ بِنَاءِ الْوَقْفِ وَآلَتِهِ صُرِفَ فِي عِمَارَتِهِ) مِثْلَ الْآجُرِّ وَالْخَشَبِ وَالْقَارِ وَالْأَحْجَارِ لِيَبْقَى
فَإِنِ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ حُبِسَ لِوَقْتِ حَاجَتِهِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ إِعَادَةُ عَيْنِهِ بِيعَ، وَيُصْرَفُ الثَّمَنُ إِلَى عِمَارَتِهِ، وَلَا يَقْسِمُهُ بَيْنَ مُسْتَحِقِّي الْوَقْفِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْوَاقِفُ غَلَّةَ الْوَقْفِ أَوْ بَعْضَهَا لَهُ وَالْوِلَايَةَ إِلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ نَزَعَهُ الْقَاضِي مِنْهُ وَوَلَّى غَيْرَهُ، وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يُفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِطَرِيقِهِ وَيَأْذَنَ بِالصَّلَاةِ فِيهِ (س) .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
عَلَى التَّأْبِيدِ (فَإِنِ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ حُبِسَ لِوَقْتِ حَاجَتِهِ) فَيُصْرَفُ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْعِمَارَةِ فَيَحْبِسُهُ كَيْلَا يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ وَقْتَ الْحَاجَّةِ (وَإِنْ تَعَذَّرَ إِعَادَةُ عَيْنِهِ بِيعَ وَيُصْرَفُ الثَّمَنُ إِلَى عِمَارَتِهِ) صَرْفًا لَهُ إِلَى مَصْرِفِ الْأَصْلِ (وَلَا يَقْسِمُهُ بَيْنَ مُسْتَحِقِّي الْوَقْفِ) لِأَنَّ الْعَيْنَ حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - وَهَذَا مِنْهَا فَلَا يُصْرَفُ إِلَيْهِمْ غَيْرُ حَقِّهِمْ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْوَاقِفُ غَلَّةَ الْوَقْفِ أَوْ بَعْضَهَا لَهُ وَالْوِلَايَةَ إِلَيْهِ) وَقَدْ مَرَّ وَجْهُهُ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ (فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ نَزَعَهُ الْقَاضِي مِنْهُ وَوَلَّى غَيْرَهُ) نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ كَإِخْرَاجِ الْوَصِيِّ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ، وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُهُ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ حُكْمَ الشَّرْعِ، وَإِنْ مَاتَ الْقَيِّمُ فِي حَيَاةِ الْوَاقِفِ نَصَّبَ غَيْرَهُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ وَوَصِيُّهُ بِمَنْزِلَتِهِ ; لِأَنَّ وِلَايَتَهُ لِلْوَقْفِ نَظَرِيَّةٌ وَهِيَ فِيمَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ كَانَ لَمْ يُوصِ إِلَى أَحَدٍ فَالرَّأْيُ لِلْقَاضِي، وَلَا يَجْعَلُ الْقَيِّمَ مِنَ الْأَجَانِبِ مَا دَامَ يَجِدُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْوَاقِفِ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ؛ إِمَّا لِأَنَّهُ أَشْفَقَ أَوْ لِأَنَّ مِنْ قَصْدِ الْوَاقِفِ نِسْبَةَ الْوَقْفِ إِلَيْهِ وَذَلِكَ فِيمَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَمِنَ الْأَجَانِبِ مَنْ يَصْلُحُ، فَإِنْ أَقَامَ أَجْنَبِيًّا ثُمَّ صَارَ مِنْ وَلَدِهِ مَنْ يَصْلُحُ صَرَفَهُ إِلَيْهِ كَمَا فِي حَقِيقَةِ الْمِلْكِ. أَرْبَابُ الْوَقْفِ الْمَعْدُودُونَ إِذَا نَصَّبُوا مُتَوَلِّيًا بِدُونِ رَأْيِ الْقَاضِي صَحَّ إِذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ كَمَا إِذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ مَسْجِدٍ عَلَى نَصْبِ مُتَوَلٍّ جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ.
قَالَ: (وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يُفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِطَرِيقِهِ) ; لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ - تَعَالَى - إِلَّا بِهِ.
قَالَ: (وَيَأْذَنُ بِالصَّلَاةِ فِيهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ; لِأَنَّهُ تَسْلِيمٌ وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ مَسْجِدًا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ جَعَلْتُهُ مَسْجِدًا ; لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَالْإِعْتَاقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَسْجِدُ، وَالتَّسْلِيمُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ جَمَاعَةً فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ ; لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ بُنِيَتْ لِلْجَمَاعَةِ، وَلَوْ صَلَّى فِيهِ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ وُحْدَانًا فِي رِوَايَةٍ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِمَا بَيَّنَّا، وَفِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ الْمَسَاجِدِ وَبِهَا يَتَحَرَّرُ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] أَضَافَهَا إِلَى نَفْسِهِ إِضَافَةَ اخْتِصَاصٍ كَالْكَعْبَةِ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ فِيهِ شَرْطُ الْخِيَارِ وَلَا تَعْيِينُهُ الْإِمَامَ وَلَا مَنْ يُصَلِّي فِيهِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ حَيْثُ بَقِيَ مَمْلُوكًا يَنْتَفِعُ بِهِ كَسَائِرِ الْمَمْلُوكَاتِ سُكْنَى وَزِرَاعَةً حَتَّى لَوْ لَمْ يَخْلُصِ الْمَسْجِدُ لِلَّهِ - تَعَالَى - بِأَنْ كَانَ تَحْتَهُ سِرْدَابٌ أَوْ فَوْقَهُ بَيْتٌ، أَوْ جَعَلَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا وَيُورَثُ عَنْهُ، إِلَّا إِذَا كَانَ السِّرْدَابُ أَوِ الْعُلُوُّ لِمَصَالِحِ
وَمَنْ بَنَى سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ خَانًا لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ أَوْ رِبَاطًا أَوْ حَوْضًا أَوْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبُرَةً أَوْ طَرِيقًا لِلنَّاسِ لَا يَلْزَمُ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ أَوْ يُعَلِّقْهُ بِمَوْتِهِ، وَالْوَقْفُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ. رِبَاطٌ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ يُصْرَفُ وَقْفُهُ إِلَى أَقْرَبِ رِبَاطٍ إِلَيْهِ، وَلَوْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ وَبِجَنْبِهِ طَرِيقُ الْعَامَّةِ يُوَسَّعُ مِنْهُ الْمَسْجِدُ، وَلَوْ ضَاقَ الطَّرِيقُ وُسِّعَ مِنَ الْمَسْجِدِ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَا وَقْفًا عَلَيْهِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الرَّيَّ أَجَازَ ذَلِكَ بِكُلِّ حَالٍ لِضِيقِ الْمَنَازِلِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلَهُ لَمَّا دَخَلَ بَغْدَادَ، وَلَوْ خُرِّبَ مَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ يَعُودُ مِلْكًا، وَيُورَثُ عَنْهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَبَعْضُهُمْ مَعَ مُحَمَّدٍ.
قَالَ: (وَمَنْ بَنَى سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ خَانًا لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ أَوْ رِبَاطًا أَوْ حَوْضًا أَوْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً أَوْ طَرِيقًا لِلنَّاسِ) فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ أَوْ يُعَلِّقْهُ بِمَوْتِهِ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَصْلِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّهُ عَنْهُ حَتَّى جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَقِيَ وَيَسْكُنَ وَيَدْفِنَ وَيَشْرَبَ مِنَ الْحَوْضِ، بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَلْزَمُ بِالْقَوْلِ لِمَا تَقَدَّمَ إِذِ التَّسْلِيمُ لَيْسَ بِمَشْرُوطٍ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُشْتَرَطُ التَّسْلِيمُ، وَهُوَ الِاسْتِقَاءُ مِنَ السِّقَايَةِ وَالْبِئْرِ وَالدَّفْنِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَالنُّزُولِ فِي الْخَانِ وَالرِّبَاطِ وَالشُّرْبِ مِنَ الْحَوْضِ وَيُكْتَفَى فِيهِ بِفِعْلِ الْوَاحِدِ لِتَعَذُّرِ الْجِنْسِ، وَلَوْ نَصَّبَ لَهُ مُتَوَلٍّ وَسَلَّمَهُ إِلَيْهِ جَازَ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ إِنْ سَلَّمَ الْمَسْجِدَ إِلَى مُتَوَلٍّ يَقُومُ بِمَصَالِحِهِ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَصُلِّ فِيهِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَا إِنْ سَلَّمَهُ إِلَى الْقَاضِي أَوْ نَائِبِهِ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْفُقَرَاءُ وَالْأَغْنِيَاءُ عُرْفًا لِحَاجَةِ الْكُلِّ إِلَى ذَلِكَ.
قَالَ: (وَالْوَقْفُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ) ; لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فَصَارَ كَسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ.
قَالَ: (رِبَاطٌ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ يُصْرَفُ وَقْفُهُ إِلَى أَقْرَبِ رِبَاطٍ إِلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَصْلَحُ. رِبَاطٌ عَلَى بَابِهِ قَنْطَرَةٌ وَلَا يُنْتَفَعُ بِالرِّبَاطِ إِلَّا بِالْعُبُورِ عَلَيْهَا وَلَيْسَ لَهَا وَقْفٌ يَجُوزُ أَنْ تُعَمَّرَ بِمَا فَضَلَ مِنْ وَقْفِ الرِّبَاطِ ; لِأَنَّهَا مَصْلَحَةُ الْعَامَّةِ (وَلَوْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ وَبِجَنْبِهِ طَرِيقُ الْعَامَّةِ يُوَسَّعُ مِنْهُ الْمَسْجِدُ) ; لِأَنَّ كِلَيْهِمَا لِلْمُسْلِمِينَ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ (وَلَوْ ضَاقَ الطَّرِيقُ وُسِّعَ مِنَ الْمَسْجِدِ) عَمَلًا بِالْأَصْلَحِ، وَيَجُوزُ الْقَضَاءُ بِالشَّهَادَةِ الْقَائِمَةِ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَلَا تَحْتَاجُ إِلَى مُدَّعٍ وَهُوَ مُجْتَهِدٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ بِالْإِجْمَاعِ.
1 -
فَصْلٌ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَهُ بِنْتٌ فَقِيرَةٌ صَغِيرَةٌ إِنْ وَقَفَ فِي صِحَّتِهِ يَجُوزُ الصَّرْفُ إِلَيْهَا وَفِي مَرَضِهِ لَا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ.
اشْتَرَى الْقَيِّمُ ثَوْبًا وَأَعْطَى الْمَسَاكِينَ لَا يَجُوزُ ; لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الدَّرَاهِمِ.
إِذَا غَرَسَ الْقَيِّمُ فِي الْمَسْجِدِ فَهُوَ لِلْمَسْجِدِ كَالْبِنَاءِ، وَإِنْ غَرَسَ عَلَى نَهْرِ الْعَامَّةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَهُوَ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يَرْفَعَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْعَامَّةِ، وَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَحْدَهُمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَلَا يَسْتَجْلِبُ الثَّوَابَ وَصَارَ كَالصَّدَقَةِ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَهُمْ يُحْصَوْنَ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى الْفُقَرَاءِ جَازَ، وَيَكُونُ كَمَا شَرَطَ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنِ انْقَرَضَ الْأَغْنِيَاءُ.
وَلَوْ قَالَ: أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ يَدْخُلُ فُقَرَاءُ قَرَابَتِهِ وَأَوْلَادُهُ، وَصَرْفُ الْغَلَّةِ إِلَيْهِمْ أَوْلَى مِنْ صَرْفِهَا إِلَى الْأَجَانِبِ لِأَنَّهُ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ، ثُمَّ الصَّرْفُ إِلَى وَلَدِهِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الصِّلَةَ فِي حَقِّهِ أَوْجَبُ وَأَجْزَلُ، ثُمَّ إِلَى قَرَابَتِهِ، ثُمَّ إِلَى مَوَالِيهِ، ثُمَّ إِلَى جِيرَانِهِ ثُمَّ إِلَى أَهْلِ مِصْرِهِ أَقْرَبِهِمْ مَنْزِلًا إِلَى الْوَاقِفِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ هِلَالُ بْنُ يَحْيَى الرَّازِيُّ ; وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى الْكُلُّ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ; لِأَنَّهُ إِذَا صَرَفَ الْكُلَّ إِلَيْهِمْ دَائِمًا وَقَدُمَ الْعَهْدُ رُبَّمَا اتَّخَذُوهُ مِلْكًا لِأَنْفُسِهِمْ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُعْطَى كُلُّ فَقِيرٍ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ; لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ فَأَشْبَهَتِ الزَّكَاةَ، وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ إِذَا قَالَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ لِأَنَّهُ كَالْوَصِيَّةِ.
وَإِذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ صُلْبِهِ وَوَلَدُ وَلَدِهِ الْمَوْجُودِينَ يَوْمَ الْوَقْفِ وَبَعْدَهُ، وَيَشْتَرِكُ الْبَطْنَانِ فِي الْغَلَّةِ، وَلَا يَدْخُلُ مَنْ كَانَ أَسْفَلَ مِنْ هَذَيْنِ الْبَطْنَيْنِ لِأَنَّهُ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ ; وَفِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ رِوَايَتَانِ تُذْكَرُ فِي الْوَصَايَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. وَلَوْ قَالَ: عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي وَأَوْلَادِهِمْ تَدْخُلُ الْبُطُونُ كُلُّهَا وَإِنْ سَفُلُوا، الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ فِيهِ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَوْلَادَهُمْ عَلَى الْعُمُومِ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِي يَدْخُلُ فِيهِ الْبُطُونُ كُلُّهَا لِعُمُومِ اسْمِ الْأَوْلَادِ، وَلَكِنْ يُقَدَّمُ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ فَإِذَا انْقَرَضَ فَالثَّانِي، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ يَشْتَرِكُ جَمِيعُ الْبُطُونِ فِيهِ عَلَى السَّوَاءِ قَرِيبُهُمْ وَبَعِيدُهُمْ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ صِلَةُ أَوْلَادِهِ وَبِرُّهُمْ، وَالْإِنْسَانُ يَقْصِدُ صِلَةَ وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ لِأَنَّ خِدْمَتَهُ إِيَّاهُ أَكْثَرُ وَهُمْ إِلَيْهِ أَقْرَبُ فَكَانَ عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقُهُ أَرْجَحَ، ثُمَّ النَّافِلَةُ قَدْ يَخْدُمُونَ الْجَدَّ فَكَانَ قَصْدُ صِلَتِهِمْ أَكْثَرَ، وَمَنْ عَدَا هَذَيْنِ قَلَّ مَا يُدْرِكُ الرَّجُلُ خِدْمَتَهُمْ فَيَكُونُ قَصْدُهُ بِرَّهُمْ وَصِلَتَهُمْ لِنِسْبَتِهِمْ إِلَيْهِ لَا لِخِدْمَتِهِمْ لَهُ، وَهُمْ فِي النِّسْبَةِ إِلَيْهِ سَوَاءٌ فَاسْتَوَوْا فِي غَلَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ.
وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ فَمَنْ أَثْبَتَ الْقَرَابَةَ وَالْفَقْرَ بِالْبَيِّنَةِ يَسْتَحِقُّ وَإِلَّا فَلَا، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْقَرَابَةِ إِنْ لَمْ يُفَسِّرُوهَا لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ لِتَنَوُّعِ الْقَرَابَةِ وَاخْتِلَافِهَا، كَمَا إِذَا شَهِدُوا أَنَّهُ وَارِثٌ لَا تُقْبَلُ مَا لَمْ يُفَسِّرُوا جِهَةَ الْإِرْثِ، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْفَقْرِ لَا تُسْمَعُ مَا لَمْ يَقُلِ الشُّهُودُ: إِنَّهُ فَقِيرٌ مُعْدَمٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ مَالًا وَلَا أَحَدًا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ; لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ نَفَقَةٌ عَلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَا حَظَّ لَهُ فِي هَذَا الْوَقْفِ كَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ النَّفَقَةَ فَيَصِيرُونَ بِهَا أَغْنِيَاءَ، وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ إِلَّا بِقَضَاءٍ كَالْإِخْوَةِ وَنَحْوِهِمْ لَهُ حَظٌّ فِي هَذَا الْوَقْفِ، وَالْقَضَاءُ بِفَقْرِهِ فِي الْوَقْفِ لَا يَكُونُ قَضَاءً بِفَقْرِهِ فِي حَقِّ الدَّيْنِ، وَالْقَضَاءُ لِفَقْرِهِ فِي حَقِّ الدَّيْنِ قَضَاءٌ بِفَقْرِهِ فِي حَقِّ الْوَقْفِ ; لِأَنَّ مَنْ لَهُ مَسْكَنٌ وَخَادِمٌ وَعُرُوضُ الْكِفَايَةِ فَقِيرٌ فِي حَقِّ الْوَقْفِ دُونَ الدَّيْنِ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَقْرَبِ قَرَابَتِي فَبِنْتُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
بِنْتِ الْبِنْتِ أَوْلَى مِنَ الْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ ; لِأَنَّهَا مِنْ صُلْبِهِ وَالْأُخْتُ مِنْ صُلْبِ أَبِيهِ وَلَا يُعْتَبَرُ الْإِرْثُ.
1 -
فَصْلٌ
لَا تَجُوزُ إِجَارَةُ الْوَقْفِ أَكْثَرَ مِنَ الْمُدَّةِ الَّتِي شَرَطَهَا الْوَاقِفُ ; لِأَنَّهُ يَجِبُ اعْتِبَارُ شَرْطِ الْوَاقِفِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ أَخْرَجَهُ بِشَرْطٍ مَعْلُومٍ وَلَا يَخْرُجُ إِلَّا بِشَرْطِهِ، فَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ مُدَّةً فَالْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا: يَجُوزُ إِجَارَتُهُ أَيَّ مُدَّةٍ كَانَتْ، وَالْمُتَأَخِّرُونَ قَالُوا: لَا يَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ لِئَلَّا يُتَّخَذَ مِلْكًا بِطُولِ الْمُدَّةِ فَتَنْدَرِسَ سِمَةُ الْوَقْفِيَّةِ وَيَتَّسِمَ بِسِمَةِ الْمِلْكِيَّةِ لِكَثْرَةِ الظَّلَمَةِ فِي زَمَانِنَا وَتَغَلُّبِهِمْ وَاسْتِحْلَالِهِمْ، وَقِيلَ: يَجُوزُ فِي الضِّيَاعِ ثَلَاثَ سِنِينَ وَفِي غَيْرِ الضِّيَاعِ سَنَةً وَهُوَ الْمُخْتَارُ ; لِأَنَّهُ لَا يُرْغَبُ فِي الضِّيَاعِ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا تَجُوزُ إِجَارَتُهُ إِلَّا بِأَجْرِ الْمِثْلِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْفُقَرَاءِ، فَلَوْ آجَرَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ ثُمَّ ازْدَادَتْ لِكَثْرَةِ الرَّغَبَاتِ لَا تَنْقُضُ الْإِجَارَةُ ; لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَجْرُ الْمِثْلِ يَوْمَ الْعَقْدِ، وَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إِجَارَةُ الْوَقْفِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ أَوْ نَائِبًا عَنِ الْقَاضِي، وَإِذَا آجَرَهُ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ أَوِ الْوَلِيُّ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ ; لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ عَنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَالْعُقُودُ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ.
وَلَوْ سَكَنَهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ إِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ السُّكْنَى لَهُ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ شَرَطَ الْغَلَّةَ لَهُ، قِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَهُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا غَيْرَهُ بِالْإِجَارَةِ فَهُوَ أَوْلَى، وَالْأَحْوَطُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا الْقَيِّمُ مِنْ غَيْرِهِ وَيُعْطِيَهُ الْأُجْرَةَ، وَلَا يَجُوزُ إِعَارَةُ الْوَقْفِ وَإِسْكَانُهُ لِأَنَّ فِيهِ إِبْطَالَ حَقِّ الْفُقَرَاءِ، وَلَا يَصِحُّ رَهْنُهُ فَإِنْ سَكَنَهُ الْمُرْتَهِنُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْمُتَوَلِّي مَنْزِلًا مَوْقُوفًا فَسَكَنَهُ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ فَسَخَ الْبَيْعَ فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَجْرُ مِثْلِهِ وَالْفَتْوَى فِي غَصْبِ عَقَارِ الْوَقْفِ وَإِتْلَافِ مَنَافِعِهِ وُجُوبُ الضَّمَانِ نَظَرًا لِلْوَقْفِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَلَوِ اسْتَدَانَ الْقَيِّمُ لِلْخَرَاجِ وَالْجِنَايَاتِ إِنْ أَمَرَهُ الْوَاقِفُ بِذَلِكَ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ ذَلِكَ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إِلَى الْقَاضِي حَتَّى يَأْمُرَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ ثُمَّ يَرْجِعَ فِي الْغَلَّةِ.
قَيِّمٌ اشْتَرَى مِنْ غَلَّةِ الْمَسْجِدِ حَانُوتًا لِلْمَسْجِدِ يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ وَلَيْسَ بِوَقْفٍ ; لِأَنَّ صِحَّةَ الْوَقْفِ تَعْتَمِدُ الشَّرَائِطَ وَلَمْ تُوجَدْ فِيهِ. رَجُلٌ وَقَفَ عَلَى سَاكِنِي مَدْرَسَةٍ كَذَا مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فَسَكَنَهَا مُتَعَلِّمٌ لَا يَبِيتُ فِيهَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ إِنْ كَانَ يَأْوِي فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهَا، وَلَهُ فِيهِ آلَةُ السُّكْنَى لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاكِنًا فِيهِ، وَلَوِ اشْتَغَلَ بِاللَّيْلِ بِالْحِرَاسَةِ وَبِالنَّهَارِ يُقَصِّرُ فِي التَّعْلِيمِ، فَإِنْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِعَمَلٍ آخَرَ لَا يُعَدُّ بِهِ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَغِلْ وَهُوَ يُعَدُّ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ حَلَّ.
وَلَوْ وَقَفَ عَلَى سَاكِنِي مَدْرَسَةٍ كَذَا وَلَمْ يَقُلْ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فَهُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِأَنَّ التَّعَارُفَ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ طَلَبَةُ الْعِلْمِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَمَنْ كَانَ يَكْتُبُ الْفِقْهَ لِنَفْسِهِ وَلَا يَتَعَلَّمُ فَلَهُ الْوَظِيفَةُ