الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ أَرَادَ الْكَرَامَةَ صُدِّقَ، وَإِنْ أَرَادَ الظِّهَارَ فَظِهَارٌ، وَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ: أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ، وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْهَا مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجَالِسَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ.
وَالْكَفَّارَةُ عِتْقُ رَقَبَةٍ يُجْزِئُ فِيهَا مُطْلَقُ الرَّقَبَةِ السَّلِيمَةِ، وَلَا يُجْزِئُ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَهُوَ كِنَايَةٌ يَرْجِعُ إِلَى نِيَّتِهِ (فَإِنْ أَرَادَ الْكَرَامَةَ صُدِّقَ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ وَهُوَ مَشْهُورٌ بَيْنَ النَّاسِ (وَإِنْ أَرَادَ الظِّهَارَ فَظِهَارٌ) لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِجَمِيعِهَا، وَفِي ذَلِكَ تَشْبِيهٌ بِالْعُضْوِ الْمُحَرَّمِ فَيَصِحُّ عِنْدَ نِيَّتِهِ، (وَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ) وَيَصِيرُ تَشْبِيهًا لَهَا فِي الْحُرْمَةِ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا فَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهَا إِلَّا بِمُرَجِّحٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ ظِهَارٌ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ حَقِيقَةً وَالتَّشْبِيهُ بِالْعُضْوِ ظِهَارٌ، فَالتَّشْبِيهُ بِالْكُلِّ أَوْلَى. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إِنْ كَانَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ فَهُوَ ظِهَارٌ، وَإِنْ عَنَى بِهِ التَّحْرِيمَ فَهُوَ إِيلَاءٌ إِثْبَاتًا لِأَدْنَى الْحُرْمَتَيْنِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ظِهَارٌ، وَقِيلَ ظِهَارٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَإِنْ نَوَى الْكَذِبَ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ: يَدِينُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ فَهُوَ يَمِينٌ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي وَنَوَى ظِهَارًا فَظِهَارٌ لِلتَّشْبِيهِ، وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا فَطَلَاقٌ لِلتَّحْرِيمِ، وَإِنْ نَوَى التَّحْرِيمَ فَظِهَارٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِيلَاءٌ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ظِهَارٌ، وَقَدْ مَرَّ وَجْهُهَا.
(وَلَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ: أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُظَاهِرًا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِإِضَافَةِ الظِّهَارِ إِلَيْهِنَّ، كَمَا إِذَا قَالَ: أَنْتُنَّ طَوَالِقُ تَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَإِذَا كَانَ مُظَاهِرًا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ وَالْكَفَّارَةُ لِإِنْهَاءِ الْحُرْمَةِ فَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْحُرْمَةِ.
(وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْهَا مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجَالِسَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ) كَمَا فِي تَكْرَارِ الْيَمِينِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي مِائَةَ مَرَّةٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مِائَةُ كَفَّارَةٍ وَهُوَ حَالِفٌ مِائَةَ مَرَّةٍ.
[فصل كفارة الظِّهَار]
فَصْلٌ (وَالْكَفَّارَةُ عِتْقُ رَقَبَةٍ) قَبْلَ الْمَسِيسِ لِلنَّصِّ (يُجْزِئُ فِيهَا مُطْلَقُ الرَّقَبَةِ السَّلِيمَةِ) فَيَنْطَلِقُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] ، وَالرَّقَبَةُ عِبَارَةٌ عَنِ الذَّاتِ الْمَرْقُوقَةُ الْمَمْلُوكَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إِلَى السَّلِيمَةِ، فَمَنْ قَيَّدَهَا بِوَصْفٍ زَائِدٍ فَقَدْ زَادَ عَلَى النَّصِّ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ.
قَالَ: (وَلَا يُجْزِئُ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ) لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهِمْ نَاقِصٌ لِاسْتِحْقَاقِهِمُ الْعِتْقَ بِجِهَةٍ أُخْرَى
وَالْمُكَاتَبُ الَذِي أَدَّى بَعْضَ كِتَابَتِهِ، وَلَا مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ أَوْ إِبْهَامَيْهِمَا أَوِ الرِّجْلَيْنِ، وَلَا الْأَعْمَى وَلَا الْأَصَمُّ وَلَا الْأَخْرَسُ وَلَا الْمَجْنُونُ الْمُطْبَقُ وَلَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ، وَإِنِ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوِ ابْنَهُ يَنْوِي الْكَفَّارَةَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ جَامَعَهَا ثُمَّ أَعْتَقَ بَاقِيَهُ لَمْ يُجْزِهِ (سم) وَإِنْ لَمْ يُجَامِعْ بَيْنَ الْإِعْتَاقَيْنِ أَجْزَأَهُ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
(و) لَا (الْمُكَاتَبُ الَّذِي أَدَّى بَعْضَ كِتَابَتِهِ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْعِتْقَ بِبَدَلٍ، وَيَجُوزُ الْمُكَاتَبُ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا، لِأَنَّ الرِّقَّ قَائِمٌ بِهِ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْمَعْنَى فِيمَنْ أَدَّى الْبَعْضَ مُنْتَفٍ، عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ مَنْ أَدَّى الْبَعْضَ أَيْضًا لِأَنَّهُ عَبْدٌ بِالْحَدِيثِ حَتَّى لَوْ فُسِخَتِ الْكِتَابَةُ عَادَ رَقِيقًا، بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُفْسَخُ أَصْلًا.
قَالَ: (وَلَا مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ أَوْ إِبْهَامَيْهِمًا أَوِ الرِّجْلَيْنِ، وَلَا الْأَعْمَى وَلَا الْأَصَمُّ وَلَا الْأَخْرَسُ وَلَا الْمَجْنُونُ الْمُطْبِقُ) لِأَنَّ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ تَفُوتُ فِي هَؤُلَاءِ، وَهُوَ الْبَطْشُ وَالسَّعْيُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالِانْتِفَاعُ بِالْجَوَارِحِ بِالْعَقْلِ، وَالْمَجْنُونُ فَائِتُ الْمَنْفَعَةِ، وَبَطْشُ الْيَدَيْنِ بِالْإِبْهَامَيْنِ فَبِفَوْتِهِمَا تَفُوتُ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَأَنَّهُ مَانِعٌ، لِأَنَّ قِيَامَ الرَّقَبَةِ بِقِيَامِ الْمَنْفَعَةِ وَإِذَا فَاتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ صَارَتِ الرَّقَبَةُ هَالِكَةً مِنْ وَجْهٍ فَكَانَتْ نَاقِصَةً فَلَا يَتَنَاوَلُهَا الِاسْمُ، أَمَّا إِذَا اخْتَلَّتِ الْمَنْفَعَةُ فَلَيْسَ بِمَانِعٍ، لِأَنَّ الْعَيْبَ الْقَلِيلَ لَيْسَ بِمَانِعٍ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَذَلِكَ كَالْأَعْوَرِ وَمَقْطُوعِ إِحْدَى الْيَدَيْنِ أَوْ إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ مِنْ خِلَافٍ، وَلَا يَجُوزُ إِذَا قُطِعَا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ لِفَوَاتِ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الشَّيْءِ، وَلَا يَجُوزُ الْمَعْتُوهُ وَالْمَفْلُوجُ الْيَابِسُ الشِّقِّ لِمَا بَيَّنَّا، وَثَلَاثَةُ أَصَابِعَ مِنَ الْيَدِ لَهَا حُكْمُ الْكُلِّ، وَيَجُوزُ عِتْقُ الْخَصِيِّ وَالْمَجُبُوبِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ الْقِيمَةَ لَا يُنْقِصُهَا، وَيَجُوزُ مَقْطُوعُ الْأُذُنَيْنِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ، وَيَجُوزُ مَقْطُوعُ الشَّفَتَيْنِ إِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْأَكْلِ وَإِلَّا فَلَا.
(وَلَا) يَجُوزُ (مُعَتَقُ الْبَعْضِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَقَبَةٍ كَامِلَةٍ.
قَالَ: (وَإِنِ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوِ ابْنَهُ يَنْوِي الْكَفَّارَةَ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إِعْتَاقٌ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«لَنْ يجْزِئ وَلَدٌ وَالِدَهُ إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» ، أَخْبَرَ عليه الصلاة والسلام أَنَّ الِابْنَ قَادِرٌ عَلَى إِعْتَاقِ الْأَبِ فَيَكُونُ قَادِرًا تَصْدِيقًا لَهُ فِيمَا أَخْبَرَ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إِعْتَاقِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلَا بَعْدَ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ، فَيَكُونُ نَفْسُ الشِّرَاءِ إِعْتَاقًا، فَإِذَا نَوَى بِالشِّرَاءِ الْكَفَّارَةَ يَصِيرُ إِعْتَاقًا عَنِ الْكَفَّارَةِ فَيَصِحُّ وَيُجْزِئُهُ.
(وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ جَامَعَهَا ثُمَّ أَعْتَقَ بَاقِيَهُ لَمْ يُجْزِهِ) عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا يُجْزِئُهُ بِنَاءً عَلَى تَجْزِيءِ الْإِعْتَاقِ، فَعِنْدَهُمَا لَمَّا أَعْتَقَ نِصْفَهُ كَانَ إِعْتَاقًا لِلْجَمِيعِ، وَعِنْدَهُ لَا، فَقَدْ أَعْتَقَ النِّصْفَ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالنِّصْفَ بَعْدَهُ، وَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ الْإِعْتَاقُ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَا يُجْزِئُهُ فَيَسْتَأْنِفُ عِتْقَ رَقَبَةٍ أُخْرَى.
(وَإِنْ لَمْ يُجَامِعْ بَيْنَ الْإِعْتَاقَيْنِ أَجْزَأَهُ) بِالْإِجْمَاعِ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ،
وَالْعَبْدُ لَا يُجْزِئُهُ فِي الظِّهَارِ إِلَّا الصَّوْمُ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَعْتِقُ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا رَمَضَانُ وَيَوْمَا الْعِيدِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، فَإِنْ جَامَعَهَا فِي الشَّهْرَيْنِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَقْبَلَ (س) ، فَإِنَّ لَمْ يَسْتَطِعِ الصِّيَامَ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَيُطْعِمُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَوْ قِيمَةَ ذَلِكَ، فَإِنْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ جَازَ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِكَلَامَيْنِ، وَمَا حَصَلَ فِيهِ مِنَ النَّقْصِ حَصَلَ بِسَبَبِ الْإِعْتَاقِ لِلْكَفَّارَةِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ، كَمَا إِذَا أَصَابَتِ السِّكِّينُ عَيْنَ شَاةِ الْأُضْحِيَّةِ وَقَدْ أَضْجَعَهَا لِلذَّبْحِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ لَا يُجْزِئُهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ، وَعِنْدَهُمَا إِنْ كَانَ مُوسِرًا أَجْزَأَهُ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِالضَّمَانِ وَكَانَ مُعْتِقًا لِلْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا يُجْزِئُهُ، لِأَنَّ السِّعَايَةَ وَجَبَتْ لِلشَّرِيكِ فِي نَصِيبِهِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ عِتْقُ الْجَمِيعِ.
قَالَ: (وَالْعَبْدُ لَا يُجْزِئُهُ فِي الظِّهَارِ إِلَّا الصَّوْمُ) لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنِ الْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ إِلَّا الطَّلَاقَ» .
قَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْمُظَاهِرُ (مَا يَعْتِقُ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] .
قَالَ: (لَيْسَ فِيهِمَا رَمَضَانُ وَيَوْمَا الْعِيدِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ) ، أَمَّا رَمَضَانُ فَلِأَنَّهُ يَقَعُ عَنِ الْفَرْضِ لِتَعَيُّنِهِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ فَلَا يَقَعُ عَنْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا الْبَاقِي فَلِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهَا حَرَامٌ فَكَانَ نَاقِصًا فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ.
قَالَ: (فَإِنْ جَامَعَهَا فِي الشَّهْرَيْنِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَقْبَلَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِنْ جَامَعَ لَيْلًا عَامِدًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا لَمْ يَسْتَأْنِفْ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ التَّتَابُعَ حَتَّى لَا يَفْسَدَ بِهِ الصَّوْمُ. وَجَوَابُهُ أَنَّ النَّصَّ شَرَطَ كَوْنَهُ قَبْلَ الْمَسِيسِ، وَأَنَّهُ يَنْعَدِمُ بِالْمَسِيسِ فَيَسْتَأْنِفُ.
وَلَوْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِي كَفَّارَةِ الصَّوْمِ لَا تَسْتَقْبِلُ، وَإِنْ أَفْطَرَتْ لِمَرَضٍ اسْتَقْبَلَتْ، وَلَوْ حَاضَتْ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ اسْتَقْبَلَتْ، لِأَنَّ الْحَيْضَ يَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَلَا كَذَلِكَ الْمَرَضُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ صَامَتْ شَهْرًا ثُمَّ حَاضَتْ ثُمَّ أَيِسَتِ اسْتَقْبَلَتْ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ حَبِلَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي بَنَتْ، وَمَنْ لَهُ دَيْنٌ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِخْلَاصِهِ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ، وَلَوْ حَنِثَ مُوسِرًا ثُمَّ أَعْسَرَ أَوْ بِالْعَكْسِ فَالْمُعْتَبَرُ حَالَةُ التَّكْفِيرِ، وَلَوْ أَيْسَرَ فِي خِلَالِ الصَّوْمِ أَعْتَقَ كَالْمُتَيَمِّمِ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ.
قَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الصِّيَامَ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] .
(وَيُطْعِمُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ صَخْرٍ أَوْ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ: «لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ» وَلِأَنَّهُ لِحَاجَةِ الْمِسْكِينِ فِي الْيَوْمِ فَاعْتُبِرَتْ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ. قَالَ: (أَوْ قِيمَةُ ذَلِكَ) لِمَا مَرَّ فِي دَفْعِ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ. قَالَ: (فَإِنْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ جَازَ) قَالَ تَعَالَى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] وَهُوَ التَّمْكِينُ
وَلَا بُدَّ مِنْ شِبَعِهِمْ فِي الْأَكْلَتَيْنِ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْإِدَامِ فِي خُبْزِ الشَّعِيرِ دُونَ الْحِنْطَةِ، وَلَوْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ، وَإِنْ أَعْطَاهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عَنِ الْكُلِّ أَجْزَأَهُ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ جَامَعَهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ لَمْ يَسْتَأْنِفْ، وَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ أَوْ صَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا عَنْ كَفَارَتَيْ ظِهَارٍ أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ، وَإِنْ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ بُرٍّ عَنْ كَفَارَتَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ إِلَّا عَنْ وَاحِدَةٍ (م) ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
مِنَ الطَّعْمِ (وَلَا بُدَّ مِنْ شِبَعِهِمْ فِي الْأَكْلَتَيْنِ) اعْتِبِارًا لِلْعَادَةِ (وَلَا بُدَّ مِنَ الْإِدَامِ فِي خُبْزِ الشَّعِيرِ دُونَ الْحِنْطَةِ) لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الشِّبَعِ فِي خُبْزِ الشَّعِيرِ دُونَ الْإِدَامِ فَإِنَّهُ قَلَّمَا يَنْسَاغُ دُونَهُ، وَلَا كَذَلِكَ خُبْزُ الْحِنْطَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله: لَوْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ خُبْزًا وَإِدَامًا أَوْ خُبْزًا بِغَيْرِ إِدَامٍ أَوْ خُبْزَ الشَّعِيرِ أَوْ سَوِيقًا أَوْ تَمْرًا - جَازَ، وَلَوْ غَدَّى سِتِّينَ وَعَشَّى سِتِّينَ غَيْرَهُمْ لَمْ يُجْزِهِ إِلَّا أَنْ يُعِيدَ عَلَى سِتِّينَ مِنْهُمْ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً، وَيَجُوزُ غَدَاءَانِ أَوْ عَشَاءَانِ أَوْ عَشَاءٌ وَسَحُورٌ، وَكَذَا لَوْ غَدَّاهُمْ يَوْمًا وَعَشَّاهُمْ يَوْمًا آخَرَ لِوُجُودِ أَكْلَتَيْنِ مُشْبِعَتَيْنِ، وَلَوْ عَشَّاهُمْ فِي رَمَضَانَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ لَيْلَتَيْنِ أَجْزَأَهُ، وَالْمُسْتَحَبُّ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ، وَلَوْ أَطْعَمَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ مُدًّا آخَرَ، وَلَا يَجُوزَ أَنْ يُعْطِيَهُ غَيْرَهُمْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَيْئَانِ: مُرَاعَاةُ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ، وَالْمِقْدَارُ فِي الْوَظِيفَةِ لِكُلِّ الْمَسَاكِينِ.
قَالَ: (وَلَوْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا) وَاحِدًا (سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ دَفْعُ حَاجَةِ الْمِسْكِينِ وَأَنَّهَا تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْيَوْمِ، (وَإِنْ أَعْطَاهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عَنِ الْكُلِّ أَجْزَأَهُ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ) لِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ فِي الْإِبَاحَةِ، فَأَمَّا التَّمْلِيكُ مِنْهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِي دُفْعَاتٍ، قِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى التَّمْلِيكِ تَتَجَدَّدُ فِي الْيَوْمِ مَرَّاتٍ، وَلَوْ دَفَعَ الْكُلَّ إِلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا يَجُوزُ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ.
قَالَ: (فَإِنْ جَامَعَهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ لَمْ يَسْتَأْنِفْ) لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَشْرُطْ فِي الْإِطْعَامِ قَبْلَ الْمَسِيسِ، إِلَّا أَنَّا أَوْجَبْنَاهُ قَبْلَ الْمَسِيسِ لِاحْتِمَالِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِعْتَاقِ أَوِ الصَّوْمِ فَيَقَعَانِ بَعْدَ الْمَسِيسِ، وَالْمَنْعُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ لَا يُنَافِي الْمَشْرُوعِيَّةَ.
قَالَ: (وَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ، أَوْ صَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، أَوْ أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا عَنْ كَفَارَتَيْ ظِهَارٍ أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ) لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ فَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّعْيِينِ. وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله: لَا يَجُوزُ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَعْتِقْ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَمَّا أَعْتَقَ عَنْهُمَا انْقَسَمَ كُلُّ إِعْتَاقٍ عَلَيْهِمَا فَيَقَعُ الْعِتْقُ أَشْقَاصًا عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ، فَلَا يَجُوزُ كَمَا إِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ. وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ تَكْمِيلُ الْعَدَدِ دُونَ التَّعْيِينِ، إِذِ التَّعْيِينُ لَا يُفِيدُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ عَلَى مَا عُرِفَ، بِخِلَافِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، لِأَنَّ التَّعْيِينَ مُفِيدٌ فِيهِ فَيُشْتَرَطُ.
(وَإِنْ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ بُرٍّ عَنْ كَفَّارَتَيْنِ لَمْ يُجْزهِ إِلَّا عَنْ وَاحِدَةٍ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله: عَنْهُمَا، وَإِنْ أَطْعَمَ