المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل: عبارة النساء معتبرة في النكاح] - الاختيار لتعليل المختار - جـ ٣

[ابن مودود الموصلي]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌كِتَابُ الصُّلْحِ

- ‌كِتَابُ الشَّرِكَةِ

- ‌كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَدِيعَةِ

- ‌كِتَابُ اللَّقِيطِ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌كِتَابُ الْآبِقِ

- ‌كِتَابُ الْمَفْقُودِ

- ‌كِتَابُ الْخُنْثَى

- ‌[فصل أحكام الْخُنْثَى]

- ‌كِتَابُ الْوَقْفِ

- ‌كِتَابُ الْهِبَةِ

- ‌[فصل الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ]

- ‌[فصل الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى]

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَةِ

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌فَصْلٌزَوَائِدُ الْغَصْبِ

- ‌كِتَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ

- ‌كِتَابُ الشِّرْبِ

- ‌[فصل كرى الأنهار العظام على بيت المال]

- ‌كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ

- ‌كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌[ما يشترط في الشهود في النكاح]

- ‌[فَصْلُ مُحَرَّمَاتُ النِّكَاحِ]

- ‌[فصل نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ]

- ‌[فَصْلٌ: عِبَارَةُ النِّسَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي النِّكَاحِ]

- ‌[تَرْتِيبُ الْأَوْلِيَاءِ]

- ‌[فصل الكفاءة في النكاح]

- ‌[فصل أَقَلُّ الْمَهْرِ وَأَكْثَرُهُ]

- ‌[فصل مَهْرُ الْمِثْلِ]

- ‌فَصْلٌ [نِكَاحُ الْعَبْدِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى]

- ‌فَصْلٌ [نِكَاحُ الذِّمِّيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ]

- ‌[فصل عيوب الزوجية]

- ‌[فصل الْعَدْلُ فِي الْقَسْمِ]

- ‌كِتَابُ الرَّضَاعِ

- ‌كِتَابُ الطَّلَاقِ

- ‌[حكم طلاق المكره والسكران والأخرس والهازل]

- ‌[فصل صَرِيحُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فصل وصف الطَّلَاقِ]

- ‌[فصل الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ]

- ‌[فصل كِنَايَاتُ الطَّلَاقِ]

- ‌[تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فصل الطَّلَاقُ بِالْمَشِيئَةِ]

- ‌[فصل أبان امرأته في مرضه ثم مات]

- ‌بَابُ الرَّجْعَةِ

- ‌بَابُ الْإِيلَاءِ

- ‌[فصل الْفَيْءُ أَوْ سُقُوطُ الْإِيلَاءِ]

- ‌بَابُ الْخَلْعِ

- ‌بَابُ الظِّهَارِ

- ‌[فصل كفارة الظِّهَار]

- ‌بَابُ اللِّعَانِ

- ‌بَابُ الْعِدَّةِ

- ‌[فصل في الأقراء وهي الحيض]

- ‌[فصل في الحداد]

- ‌[فصل أَقَلُّ الْحَمْلِ وَأَكْثَرُهُ]

الفصل: ‌[فصل: عبارة النساء معتبرة في النكاح]

وَعِبَارَةُ النِّسَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي النِّكَاحِ حَتَّى لَوْ زَوَّجَتِ الْحُرَّةُ الْعَاقِلَةُ الْبَالِغَةُ نَفْسَهَا جَازَ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَتْ غَيْرَهَا بِالْوِلَايَةِ أَوِ الْوَكَالَةِ، وَكَذَا إِذَا وَكَّلَتْ غَيْرَهَا فِي تَزْوِيجِهَا، أَوْ زَوَّجَهَا غَيْرُهَا فَأَجَازَتْ (م) .

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

[فَصْلٌ: عِبَارَةُ النِّسَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي النِّكَاحِ]

فَصْلٌ (وَعِبَارَةُ النِّسَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي النِّكَاحِ حَتَّى لَوْ زَوَّجَتِ الْحُرَّةُ الْعَاقِلَةُ الْبَالِغَةُ نَفْسَهَا جَازَ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَتْ غَيْرَهَا بِالْوِلَايَةِ أَوِ الْوِكَالَةِ، وَكَذَا إِذَا وَكَّلَتْ غَيْرَهَا فِي تَزْوِيجِهَا، أَوْ زَوَّجَهَا غَيْرُهَا فَأَجَازَتْ) . وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ إِلَّا بِإِجَازَةِ الْوَلِيِّ. فَإِنْ مَاتَا قَبْلَهَا لَا يَتَوَارَثَانِ، وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا ظِهَارُهُ، وَوَطْؤُهُ حَرَامٌ.

فَإِنِ امْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنَ الْإِجَازَةِ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ يُجَدِّدُ الْقَاضِي الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا. وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ الْوَلِيُّ أُجِيزُهُ أَنَا، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ قَاضِيًا، فَصَارَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ.

وَحَكَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى مُحَمَّدٍ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقَالَتْ: إِنَّ لِي وَلِيًّا وَهُوَ لَا يُزَوِّجُنِي إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَأْخُذَ مِنِّي مَالًا كَثِيرًا، فَقَالَ لَهَا مُحَمَّدٌ: اذْهَبِي، فَزَوِّجِي نَفْسَكِ. وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا رُوِيَ مِنْ رُجُوعِهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلِ. وَفِي رِوَايَةٍ: إِنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ لَا يَتَوَقَّفُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ.

وَجْهُ عَدَمِ الْجَوَازِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ عَنِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ» ، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» ، وَلِأَنَّهَا كَانَتْ مُوَلَّيًا عَلَيْهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ فِي حَقِّ الْعَقْدِ وَالنَّفَاذِ؛ لِعَدَمِ رَأْيِهَا. فَلَوْ زَالَ إِنَّمَا يَزُولُ بِمَا حَدَثَ لَهَا مِنَ الرَّأْيِ وَالْعَقْلِ بِالْبُلُوغِ، وَإِنَّمَا حَدَثَ لَهَا رَأْيٌ وَعَقْلٌ نَاقِصٌ.

وَمَنْ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ رَأْيٌ أَصْلًا كَمَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا لَا تَزُولُ عَنْهُ الْوِلَايَةُ أَصْلًا. وَمَنْ حَدَثَ لَهُ عَقْلٌ كَامِلٌ وَرَأْيٌ وَافِرٌ كَالرَّجُلِ تَزُولُ وِلَايَتُهُ أَصْلًا، فَإِذَا حَدَثَ النَّاقِصُ فَكَأَنَّهُ حَدَثَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَثَبَتَتْ بِهَا إِحْدَى الْوِلَايَتَيْنِ، وَهُوَ الِانْعِقَادُ دُونَ النَّفَاذِ؛ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ.

وَوَجْهُ الْفَسْخِ إِذَا لَمْ يُجِزِ الْوَلِيُّ أَنَّ النِّكَاحَ إِلَى الْأَوْلِيَاءِ بِالْحَدِيثِ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَتِهِ، وَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ كَمَا إِذَا عَقَدَ وَتَوَقَّفَ عَلَى إِجَازَتِهَا، فَإِذَا بَطَلَ يُجَدِّدُ الْقَاضِي النِّكَاحَ.

وَوَجْهُ رِوَايَةِ هِشَامٍ أَنَّهُ عَقْدٌ صَدَرَ مِنَ الْمَالِكِ، وَتَوَقَّفَ عَلَى إِجَازَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ - فَلَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّهِ كَالرَّاهِنِ إِذَا بَاعَ الرَّهْنَ وَرَدَّهُ الْمُرْتَهِنُ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ حَتَّى لَوْ صَبَرَ الْمُشْتَرِي إِلَى حِينِ انْفِكَاكِ الرَّهْنِ نَفَذَ. وَإِذَا بَقِيَ الْعَقْدُ أَجَازَهُ الْقَاضِي إِنِ امْتَنَعَ الْوَلِيُّ؛ لِظُلْمِهِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ الْمَالِكَةُ، فَتَبْطُلُ بِرَدِّهَا كَمَا إِذَا بَاعَ الْمُرْتَهِنُ

ص: 90

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَرَدَّ الرَّاهِنُ.

وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]، وَقَالَ تَعَالَى:{فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 234]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى {مِنْ مَعْرُوفٍ} [البقرة: 240] أَضَافَ النِّكَاحَ وَالْفِعْلَ إِلَيْهِنَّ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ عِبَارَتِهِنَّ وَنَفَاذِهَا؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَيْهِنَّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ؛ إِذْ لَمْ يَذْكُرْ مَعَهَا غَيْرَهَا. وَهِيَ إِذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَقَدْ فَعَلَتْ فِي نَفْسِهَا بِالْمَعْرُوفِ، فَلَا جُنَاحَ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ فِي ذَلِكَ.

وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ فَتَاةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي مِنِ ابْنِ أَخٍ لَهُ؛ لِيَرْفَعَ خَسِيسَتَهُ، وَأَنَا لَهُ كَارِهَةٌ! فَقَالَ لَهَا: أَجِيزِي مَا صَنَعَ أَبُوكِ، فَقَالَتْ: لَا رَغْبَةَ لِي فِيمَا صَنَعَ أَبِي! قَالَ: فَاذْهَبِي، فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ! فَقَالَتْ: لَا رَغْبَةَ لِي عَمَّا صَنَعَ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أُعْلِمَ النِّسَاءَ أَنْ لَيْسَ لِلْآبَاءِ مِنْ أُمُورِ بَنَاتِهِمْ شَيْءٌ» .

وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ» . الثَّانِي: قَوْلُهَا ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا، فَعُلِمَ أَنَّهُ ثَابِتٌ؛ إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَمَا سَكَتَ عَنْهُ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: «أَجِيزِي مَا صَنَعَ أَبُوكِ» - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَقْدَهُ غَيْرُ نَافِذٍ عَلَيْهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِأَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَتَوَقَّفُ أَيْضًا.

وَفِي الْبُخَارِيِّ: «أَنَّ خَنْسَاءَ بِنْتَ خِذََامٍ أَنْكَحَهَا أَبُوهَا، وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَرَدَّهُ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام» .

وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً زَوَّجَتْ بِنْتَهَا بِرِضَاهَا، فَجَاءَ الْأَوْلِيَاءُ وَخَاصَمُوهَا إِلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه، فَأَجَازَ النِّكَاحَ. وَهَذَا دَلِيلُ الِانْعِقَادِ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ، وَأَنَّهُ أَجَازَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا غَائِبِينَ ; لِأَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ لِغَيْرِهَا، فَيَنْفُذُ كَتَصَرُّفِهَا فِي مَالِهَا. وَالْوِلَايَةُ فِي النِّكَاحِ أَسْرَعُ ثُبُوتًا مِنْهَا فِي الْمَالِ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ فِي الْمَالِ. وَلِأَنَّ النِّكَاحَ خَالِصُ حَقِّهَا حَتَّى يُجْبَرَ الْوَلِيُّ عَلَيْهِ عِنْدَ طَلَبِهَا وَبَذْلِهِ لَهَا، وَهِيَ أَهْلٌ لِاسْتِيفَاءِ حُقُوقِهَا، إِلَّا أَنَّ الْكَفَاءَةَ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ، فَلَا تَقْدِرُ عَلَى إِسْقَاطِ حَقِّهِمْ.

وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فَمُعَارَضَةٌ بِمَا رَوَيْنَا؛ فَإِمَّا أَنْ يُرْجَعَ إِلَى الْقِيَاسِ - وَهُوَ لَنَا - عَلَى الْمَالِ وَالرَّجُلِ، أَوْ يُوَفَّقَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، فَيُحْمَلُ مَا رَوَيْنَاهُ عَلَى الْحُرَّةِ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ، وَمَا رَوَيْتُمُوهُ عَلَى الْأَمَةِ تَوْفِيقًا.

كَيْفَ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «أَيُّمَا أَمَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا» ؟ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، أَوْ يُرَجَّحُ، وَالتَّرْجِيحُ مَعَنَا؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ سَالِمٌ عَنِ الطَّعْنِ، وَمَا رَوَاهُ مَطْعُونٌ فِيهِ؛ فَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ لَمْ تَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» ، «وَمَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» ، «وَلَا نِكَاحَ إِلَّا بَوَلِيٍّ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» . وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ.

عَلَى أَنَّا نَقُولُ: الْمَرْأَةُ وَلِيَّةُ نَفْسِهَا، فَلَا يَكُونُ نِكَاحًا بِلَا وَلِيٍّ، فَلِمَ قُلْتُمْ: إِنَّهَا لَيْسَتْ وَلِيًّا؟ وَلَوْ قُلْتُمْ ذَلِكَ اسْتَغْنَيْتُمْ عَنِ الْحَدِيثِ. وَكَذَا الْحَدِيثُ الْآخَرُ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ

ص: 91

وَلَا إِجْبَارَ عَلَى الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ فِي النِّكَاحِ، وَالسُّنَّةُ: لِلْوَلِيِّ أَنْ يَسْتَأْمِرَ الْبِكْرَ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَيَذْكُرَ لَهَا الزَّوْجَ فَيَقُولُ: إِنَّ فُلَانًا يَخْطُبُكِ أَوْ يَذْكُرُكِ، فَإِذَا سَكَتَتْ فَقَدْ رَضِيَتْ، وَلَوْ ضَحِكَتْ فَهُوَ إِذْنٌ، وَلَوْ بَكَتْ إِنْ كَانَ بِغَيْرِ صَوْتٍ فَهُوَ رِضًا.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَسْقَطَ رِوَايَتَهُ.

وَرُوِيَ أَنَّ مَالِكًا وَابْنَ جُرَيْجٍ سَأَلَا الزُّهْرِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، وَالرَّاوِي إِذَا أَنْكَرَ الْخَبَرَ دَلَّ عَلَى بُطْلَانِهِ كَالْأُصُولِ مَعَ الْفُرُوعِ. وَلِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِ عَائِشَةَ رضي الله عنها جَوَازَ النِّكَاحِ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهَا زَوَّجَتْ بِنْتَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حِينَ غَابَ بِالشَّامِ. دَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَرِوَايَتِهَا لَهُ، أَوْ عَلَى نَسْخِهِ، أَوْ عَلَى رُجْحَانِ مَا ذَكَرْنَا.

وَقَوْلُهُ: الْحَادِثُ لَهَا رَأْيٌ نَاقِصٌ، قُلْنَا: الْمُعْتَبَرُ فِي بَابِ الْوِلَايَةِ مُطْلَقُ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الرَّأْيِ وَالْعَقْلِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا، وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي بَابِ الْوِلَايَةِ، فَإِنَّ كَامِلَ الْعَقْلِ وَالرَّأْيِ وِلَايَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ كَوِلَايَةِ نَاقِصِهِمَا. وَكَمْ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ يَكُونُ أَوْفَرَ عَقْلًا وَأَشَدَّ رَأْيًا مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الرِّجَالِ، وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ حَرَجًا عَظِيمًا، وَهُوَ حَرَجُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ النَّاسِ؛ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَصْلُ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ، وَقَدْ وُجِدَا فِي الْمَرْأَةِ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا فِي الرَّجُلِ قِيَاسًا عَلَى الْمَالِ.

قَالَ: (وَلَا إِجْبَارَ عَلَى الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ فِي النِّكَاحِ) ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ صَمَتَتْ فَهُوَ إِذْنُهَا. وَإِنْ أَبَتْ فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا» ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«شَاوِرُوا النِّسَاءَ فِي أَبْضَاعِهِنَّ "، قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْبِكْرَ لَتَسْتَحِي! قَالَ: " إِذْنُهَا صُمَاتُهَا» .

(وَالسُّنَّةُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَسْتَأْمِرَ الْبِكْرَ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَيَذْكُرَ لَهَا الزَّوْجَ فَيَقُولَ: إِنَّ فُلَانًا يَخْطُبُكِ أَوْ يَذْكُرُكِ، فَإِذَا سَكَتَتْ فَقَدْ رَضِيَتْ) ؛ لِمَا رَوَيْنَا. فَإِذَا زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْمَارٍ فَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ، فَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ رضي الله عنهما دَنَا إِلَى خِدْرِهَا، فَقَالَ: إِنَّ عَلِيًّا يَذْكُرُكِ، ثُمَّ خَرَجَ فَزَوَّجَهَا» .

(وَلَوْ ضَحِكَتْ فَهُوَ إِذْنٌ) ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الرِّضَا، إِلَّا إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِهْزَاءِ. (وَلَوْ بَكَتْ) فِيهِ رِوَايَتَانِ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ عَنْ سُرُورٍ وَعَنْ حُزْنٍ، وَالْمُخْتَارُ (إِنْ كَانَ بِغَيْرِ صَوْتٍ فَهُوَ رِضًا) ، وَيَكُونُ بُكَاءً عَلَى فِرَاقِ الْأَهْلِ. وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا ثُمَّ بَلَغَهَا - يُعْتَبَرُ السُّكُوتُ كَمَا ذَكَرْنَا.

وَالْبُلُوغُ إِلَيْهَا أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهَا وَلِيُّهَا رَسُولًا يُخْبِرُهَا بِذَلِكَ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، فَإِنْ أَخْبَرَهَا فُضُولِيٌّ فَلَا بُدَّ مِنَ الْعَدَدِ أَوِ الْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ يُشْبِهُ الشَّهَادَةَ مِنْ وَجْهٍ، فَيُشْتَرَطُ أَحَدُ وَصْفَيِ الشَّهَادَةِ. وَعِنْدَهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ كَسَائِرِ الْأَخْبَارِ.

وَإِنْ قَالَ الْوَلِيُّ: أُزَوِّجُكِ مِنْ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ، فَسَكَتَتْ - فَأَيَّهُمَا زَوَّجَهَا جَازَ. وَلَوْ سَمَّى جَمَاعَةً إِنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ فَهُوَ رِضًا، وَإِلَّا لَا يَكُونُ رِضًا. وَلَوِ اسْتَأْمَرَهَا، فَقَالَتْ: غَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ - لَا يَكُونُ إِذْنًا. وَلَوْ قَالَتْ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ يَكُونُ إِذْنًا

ص: 92

وَلَوِ اسْتَأْذَنَهَا غَيْرُ الْوَلِيِّ فَلَا بُدَّ مِنَ الْقَوْلِ.

وَإِذْنُ الثَّيِّبِ بِالْقَوْلِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ لَهَا الزَّوْجُ بِمَا تَعْرِفُهُ. فَإِنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ جِرَاحَةِ أَوْ تَعْنِيسٍ أَوْ حَيْضٍ فَهِيَ بِكْرٌ، وَكَذَلِكَ إِنْ زَالَتْ بِزِنًا (سم) . وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: بَلَغَكِ النِّكَاحُ فَسَكَتِّ، فَقَالَتْ: بَلْ رَدَدْتُ - فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا (سم) .

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ يَحْتَمِلُ الْإِذْنَ وَعَدَمَهُ، فَلَا نُثْبِتُ الْإِذْنَ قَبْلَ الْعَقْدِ بِالشَّكِّ، وَلَا نُبْطِلُ الْعَقْدَ بِالشَّكِّ.

(وَلَوِ اسْتَأْذَنَهَا غَيْرُ الْوَلِيِّ فَلَا بُدَّ مِنَ الْقَوْلِ) ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ إِنَّمَا جُعِلَ رِضًا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَهُوَ اسْتِئْمَارُ الْوَلِيِّ وَعَجْزُهَا عَنِ الْمُبَاشَرَةِ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ عَدَمُ الْحَاجَةِ، وَهُوَ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْعَقْدَ وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى كَلَامِهِ.

قَالَ: (وَإِذْنُ الثَّيِّبِ بِالْقَوْلِ)، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«الثَّيِّبُ تُسْتَأْمَرُ» ، أَيْ يُطْلَبُ أَمْرُهَا، وَالْأَمْرُ بِالْقَوْلِ. وَقَالَ فِي حَقِّ الْبِكْرِ:«تُسْتَأْذَنُ» أَيْ يَطْلُبُ الْإِذْنَ مِنْهَا، وَالْإِذْنُ وَالرِّضَا يَكُونُ بِالسُّكُوتِ. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«وَالثَّيِّبُ يُعْرِبُ عَنْهَا لِسَانُهَا» ، وَلِأَنَّ السُّكُوتَ إِنَّمَا جُعِلَ إِذْنًا لِمَكَانِ الْحَيَاءِ الْمَانِعِ مِنَ النُّطْقِ الْمُخْتَصِّ بِالْأَبْكَارِ، وَيَكُونُ فِيهِنَّ أَكْثَرَ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا الثَّيِّبُ.

قَالَ: (وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ لَهَا الزَّوْجَ بِمَا تَعْرِفُهُ) ؛ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الرِّضَا بِالْمَجْهُولِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ قَدْرِ الصَّدَاقِ أَيْضًا؛ لِاخْتِلَافِ الرَّغَبَاتِ بِاخْتِلَافِهِ.

قَالَ: (فَإِنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ تَعْنِيسٍ أَوْ حَيْضٍ فَهِيَ بِكْرٌ) ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَبْكَارِ حَتَّى تَدْخُلَ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ لَهُمْ بِالْإِجْمَاعِ، وَمُصِيبُهَا أَوَّلُ مُصِيبٍ. (وَكَذَلِكَ إِنَّ زَالَتْ بِزِنًا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: تُزَوَّجُ كَمَا تُزَوَّجُ الثَّيِّبُ؛ لِأَنَّ مُصِيبَهَا عَائِدٌ إِلَيْهَا؛ إِذْ هُوَ مِنَ التَّثْوِيبِ وَهُوَ الْعَوْدُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى.

وَلَهُ: أَنَّهُ لَوِ اشْتَرَطَ نُطْقَهَا، فَإِنْ لَمْ تَنْطِقْ تَفُوتُهَا مَصْلَحَةُ النِّكَاحِ، وَإِنْ نَطَقَتْ وَالنَّاسُ يَعْرِفُونَهَا بِكْرًا، فَتَتَضَرَّرُ بِاشْتِهَارِ الزِّنَا عَنْهَا، فَيَكُونُ حَيَاؤُهَا أَكْثَرَ، فَتَتَضَرَّرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُشْتَهِرَةً بِذَلِكَ، بِأَنْ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، أَوِ اعْتَادَتْهُ وَتَكَرَّرَ مِنْهَا. أَوْ قَضَى عَلَيْهَا بِالْعِدَّةِ تُسْتَنْطَقُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِزَوَالِ الْحَيَاءِ، وَعَدَمِ التَّضَرُّرِ بِالنُّطْقِ. وَلَوْ مَاتَ زَوْجُ الْبِكْرِ أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ تُزَوَّجُ كَالْأَبْكَارِ؛ لِبَقَاءِ الْبَكَارَةِ وَالْحَيَاءِ.

(وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: بَلَغَكِ النِّكَاحُ فَسَكَتِّ، فَقَالَتْ: بَلْ رَدَدْتُ - فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) ؛ لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ تَمْلِكُ بُضْعَهَا، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِيهِ. (وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَقَدْ مَرَّ فِي الدَّعْوَى. وَلَوِ ادَّعَتْ رَدَّ النِّكَاحِ حِينَ أَدْرَكَتْ، وَادَّعَى الزَّوْجُ السُّكُوتَ - فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ زَوَالَ مِلْكِهِ عَنْهَا.

وَإِنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا، وَزَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِرِضَاهَا؛ فَأَيُّهُمَا قَالَتْ: هُوَ الْأَوَّلُ - صَحَّ؛ لِصِحَّةِ إِقْرَارِهَا عَلَى نَفْسِهَا دُونَ إِقْرَارِ الْأَبِ. وَإِنْ قَالَتْ: لَا أَدْرِي - لَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِعَدَمِ إِمْكَانِ الْجَمْعِ، وَعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا.

وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ، فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا - يَجِبُ جَمِيعُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْبَكَارَةَ لَا تَصِيرُ مُسْتَحَقَّةً بِالنِّكَاحِ.

وَلَوْ زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا

ص: 93

وَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إِنْكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ. ثُمَ إِنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ أَبًا أَوْ جَدًّا فَلَا خِيَارَ لَهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَإِنْ زَوَّجَهُمَا غَيْرُهُمَا فَلَهُمَا الْخِيَارُ (س) .

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

فَبَلَغَهَا فَرَدَّتْ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: إِنَّ جَمَاعَةً يَخْطُبُونَكِ، فَقَالَتْ: أَنَا رَاضِيَةٌ بِمَا تَفْعَلُ، فَزَوَّجَهَا الْأَوَّلَ - لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا: أَنَا رَاضِيَةٌ بِمَا تَفْعَلُ - يَنْصَرِفُ إِلَى غَيْرِهِ دَلَالَةً، وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: كَرِهْتُ صُحْبَةَ فُلَانَةَ، فَطَلَّقْتُهَا، فَزَوِّجْنِي امْرَأَةً، فَزَوَّجَهُ تِلْكَ الْمَرْأَةَ - لَا يَجُوزُ. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ عَبْدَهُ، ثُمَّ أَمَرَ إِنْسَانًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا، فَاشْتَرَى ذَلِكَ الْعَبْدَ - لَا يَجُوزُ.

قَالَ: (وَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إِنْكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ) ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «أَلَا، لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إِلَّا الْأَوْلِيَاءُ، وَلَا يُزَوَّجْنَ إِلَّا مِنَ الْأَكْفَاءِ» . وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «النِّكَاحُ إِلَى الْعَصَبَاتِ» ، وَالْبَالِغَاتُ خَرَجْنَ بِمَا سَبَقَ مِنَ الْأَحَادِيثِ، فَبَقِيَ الصِّغَارُ ".

«وَالنَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام تَزَوَّجَ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ، وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ» ، وَعَلِيٌّ رضي الله عنه زَوَّجَ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ مِنْ عُمَرَ وَهِيَ صَغِيرَةٌ. وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَضَمَّنُ الْمَصَالِحَ، وَذَلِكَ يَكُونُ بَيْنَ الْمُتَكَافِئِينَ، وَالْكُفْءُ لَا يَتَّفِقُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَمَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَى إِثْبَاتِ الْوِلَايَةِ عَلَى الصِّغَارِ تَحْصِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ وَإِعْدَادًا لِلْكُفْءِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَالْقَرَابَةُ مُوجِبَةٌ لِلنَّظَرِ وَالشَّفَقَةِ، فَيَنْتَظِمُ الْجَمِيعُ، إِلَّا أَنَّ شَفَقَةَ الْأَبِ وَالْجَدِّ أَكْثَرُ، فَيَكُونُ عَقْدُهُمَا مِمَّا لَا خِيَارَ فِيهِ، وَشَفَقَةَ غَيْرِهِمَا لَمَّا قَصَّرَتْ عَنْهُمَا قُلْنَا بِالِانْعِقَادِ وَثُبُوتِ الْخِيَارِ عِنْدَ الْبُلُوغِ، فَإِنْ رَآهُ غَيْرَ مَصْلَحَةٍ فَسَخَهُ.

(ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ أَبًا أَوْ جَدًّا فَلَا خِيَارَ لَهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ) ؛ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا، وَشِدَّةِ حِرْصِهِمَا عَلَى نَفْعِهِمْ، فَكَأَنَّهُمْ بَاشَرُوهُ بِأَنْفُسِهِمْ. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا خَيَّرَ عَائِشَةَ رضي الله عنها حِينَ بَلَغَتْ.

(وَإِنْ زَوَّجَهُمَا غَيْرُهُمَا فَلَهُمَا الْخِيَارُ) ؛ إِنْ شَاءَا أَقَامَا عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ شَاءَا فَسَخَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا خِيَارَ لَهُمَا كَالْأَبِ وَالْجَدِّ. وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قُصُورِ شَفَقَتِهِمْ عَنْ شَفَقَةِ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَذَلِكَ مَظِنَّةُ وُقُوعِ الْخَلَلِ فِي الْمَقْصُودِ مِنَ النِّكَاحِ، فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ؛ لِدَفْعِ الْخَلَلِ لَوْ كَانَ. ثُمَّ سُكُوتُ الْبِكْرِ عِنْدَ بُلُوغِهَا رِضًا إِذَا عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ، وَلَا يَمْتَدُّ إِلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ.

وَلَوْ بَلَغَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا بُدَّ مِنَ الْقَوْلِ وَالتَّصْرِيحِ بِالرِّضَا أَوْ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّهَا ثَيِّبٌ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ، وَكَذَا الْغُلَامُ.

وَلَا بُدَّ فِي الْفَسْخِ مِنَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ تَمَّ، وَثَبَتَتْ أَحْكَامُهُ، فَلَا يَرْتَفِعُ إِلَّا بِرَفْعِ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ وَهُوَ الْقَاضِي أَوْ بِتَرَاضِيهِمَا. وَلِأَنَّهُ لِرَفْعِ ضَرَرٍ خَفِيٍّ، وَهُوَ وُقُوعُ الْخَلَلِ فِي الْعَقْدِ، فَيَكُونُ إِلْزَامًا، فَاحْتَاجَ إِلَى الْقَضَاءِ. وَيَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى؛ لِشُمُولِ الْمَعْنَى لَهُمَا.

وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُمَا بِالنِّكَاحِ دُونَ الْحَكَمِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَرِدُ بِهِ الْوَلِيُّ فَيُعْذَرَانِ فِي الْجَهْلِ. أَمَّا الْحَكَمُ فَالدَّارُ دَارُ الْإِسْلَامِ فَلَا عُذْرَ فِي الْجَهْلِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ حَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ دَفْعُ ضَرَرٍ ظَاهِرٍ، وَهُوَ زِيَادَةُ الْمِلْكِ. وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْأُنْثَى؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمِلْكِ فِي حَقِّهَا دُونَهُ، وَيَمْتَدُّ إِلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ جَوَابُ التَّمْلِيكِ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:

ص: 94