الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ اللُّقَطَةِ
وَأَخْذُهَا أَفْضَلُ، وَإِنْ خَافَ ضَيَاعَهَا فَوَاجِبٌ، وَهِيَ أَمَانَةٌ إِذَا أَشْهَدَ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ ضَمِنَهَا وَيُعَرِّفُهَا مُدَّةً يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
[كِتَابُ اللُّقَطَةِ]
وَهِيَ كَاللَّقِيطِ فِي الِاشْتِقَاقِ وَالْمَعْنَى، وَهِيَ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ: اسْمٌ لِلْمَالِ الْمَلْقُوطِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ اسْمُ الْمُلْتَقِطِ كَالضُّحَكَةِ وَاللُّمَزَةِ وَالْهُمَزَةِ. فَأَمَّا الْمَالُ الْمَلْقُوطُ فَهُوَ بِسُكُونِ الْقَافِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
قَالَ: (وَأَخْذُهَا أَفْضَلُ) لِئَلَّا تَصِلَ إِلَيْهَا يَدٌ خَائِنَةٌ (وَإِنْ خَافَ ضَيَاعَهَا فَوَاجِبٌ) صِيَانَةً لِحَقِّ النَّاسِ عَنِ الضَّيَاعِ، وَإِنْ كَانَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الطَّمَعَ فِيهَا وَتَرْكَ التَّعْرِيفِ وَالرَّدِّ فَالتَّرْكُ أَوْلَى صِيَانَةً لَهُ عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ.
وَاللُّقَطَةُ: مَا يُوجَدُ مَطْرُوحًا عَلَى الْأَرْضِ مَا سِوَى الْحَيَوَانِ مِنَ الْأَمْوَالِ لَا حَافِظَ لَهُ. وَالضَّالَّةُ: الدَّابَّةُ تَضِلُّ الطَّرِيقَ إِلَى مَرْبِطِهَا وَأَخْذُهَا أَفْضَلُ ; لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي زَمَانِنَا الضَّيَاعُ، فَإِنْ أَخَذَهَا وَأَشْهَدَ وَعَرَّفَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إِلَى مَوْضِعِهَا لَمْ يَضْمَنْ. وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِهِ، أَوْ رَدَّهَا بَعْدَ مَا حَوَّلَهَا ضَمِنَ ; لِأَنَّ بِالتَّحْوِيلِ الْتَزَمَ الْحِفْظَ، فَبِالرَّدِّ صَارَ مُضَيِّعًا وَلَا كَذَلِكَ قَبْلَ التَّحْوِيلِ.
قَالَ: (وَهِيَ أَمَانَةٌ إِذَا أَشْهَدَ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا) وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ الْأَخْذِ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا لِلرَّدِّ أَوْ يَقُولَ: مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَنْشُدُ لُقَطَةً فَدُلُّوهُ عَلَيَّ (فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ ضَمِنَهَا) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ إِذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَهَا لِلرَّدِّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ الْحِسْبَةُ لَا الْمَعْصِيَةُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ مُتَصَرِّفٍ عَاقِلٍ إِنَّمَا يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ، وَقَدِ اعْتَرَفَ بِالْأَخْذِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ فَلَا يُصَدَّقُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ قَالَ أَخَذْتُهُ لِنَفْسِي ضَمِنَ بِالْإِجْمَاعِ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ تَصَادَقَا أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا لَمْ يَضْمَنْ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا كَالْبَيِّنَةِ.
قَالَ: (وَيُعَرِّفُهَا مُدَّةً يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ) هُوَ الْمُخْتَارُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَتِهِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَرَّفَهَا أَيَّامًا، وَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةً فَصَاعِدًا عَرَّفَهَا حَوْلًا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: التَّقْدِيرُ بِالْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «مَنِ الْتَقَطَ شَيْئًا فَلْيُعَرِّفْهُ حَوْلًا» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ. وَجْهُ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: «وَجَدْتُ مِائَةَ دِينَارٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا» ، وَالْعَشَرَةُ وَمَا فَوْقَهَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ حَيْثُ وُجُوبِ الْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ وَاسْتِبَاحَةِ الْفَرْجِ بِهَا وَلَا كَذَلِكَ مَا دُونَهَا.
فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهَا إِنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، فَإِنْ جَاءَ وَأَمْضَى الصَّدَقَةَ فَلَهُ ثَوَابُهُ، وَإِلَّا لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ، أَوْ يُضَمِّنَ الْمِسْكِينَ، أَوْ يَأْخُذَهَا إِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، وَأَيُّهُمَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى غَنِيٍّ، وَيَنْتَفِعُ بِهَا إِنْ كَانَ فَقِيرًا، وَإِنْ كَانَتْ شَيْئًا لَا يَبْقَى عَرَّفَهُ إِلَى أَنْ يَخَافَ فَسَادَهُ، وَيُعَرِّفُهَا فِي مَكَانِ الِالْتِقَاطِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ. وَإِنْ كَانَتْ حَقِيرَةً كَالنَّوَى وَقُشُورِ الرُّمَّانِ يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ، وَلِلْمَالِكِ أَخْذُهُ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِنْ كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَمَا فَوْقَهَا يُعَرِّفُهَا حَوْلًا، وَفَوْقَ الْعَشَرَةِ إِلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ شَهْرًا، وَفِي الْعَشَرَةِ جُمُعَةً، وَفِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَفِي دِرْهَمٍ يَوْمًا، وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً وَنَحْوَهَا تَصَدَّقَ بِهَا مَكَانَهَا، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا أَكَلَهَا مَكَانَهَا قُدِّرَ لِكُلِّ لُقَطَةٍ عَلَى قَدْرِهَا فَكَأَنَّهُ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ. وَالتَّعْرِيفُ أَنْ يُنَادِيَ فِي الْأَسْوَاقِ وَالشَّوَارِعِ وَالْمَسَاجِدِ: مَنْ ضَاعَ لَهُ شَيْءٌ فَلْيَطْلُبْ عِنْدِي.
قَالَ: (فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهَا إِنْ شَاءَ) إِيصَالًا لِلْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ إِيصَالُهُ إِلَى مَالِكِهِ صُورَةً وَمَعْنًى، فَإِذَا تَعَذَّرَتِ الصُّورَةُ يُوَصِّلُهُ إِلَيْهِ مَعْنًى وَهُوَ الثَّوَابُ.
(وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا) لِاحْتِمَالِ مَجِيءِ صَاحِبِهَا (فَإِنْ جَاءَ وَأَمْضَى الصَّدَقَةَ فَلَهُ ثَوَابُهُ) لِأَنَّهُ مَالُهُ (وَإِلَّا لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ أَوْ يَضْمَنَ الْمِسْكِينَ أَوْ يَأْخُذَهَا إِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً) ، أَمَّا تَضْمِينُهُ فَلِأَنَّهُ سَلَّمَ مَالَهُ إِلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَإِذْنُ الشَّرْعِ فِي ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الضَّمَانَ كَأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَ الْمَخْمَصَةِ. وَأَمَّا تَضْمِينُ الْمِسْكِينِ فَلِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ. وَأَمَّا أَخْذُهَا فَلِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ.
قَالَ: (وَأَيُّهُمَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ) أَمَّا الْمُلْتَقِطُ فَلِأَنَّهُ مَلَكَهَا مِنْ وَقْتِ التَّصَدُّقِ بِالضَّمَانِ فَظَهَرَ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ، وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَلِأَنَّهُ عِوَضُ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ. قَالَ:(وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى غَنِيٍّ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «فَإِنْ لَمْ يَأْتِ صَاحِبُهَا فَلْيَتَصَدَّقْ بِهَا» ، وَالصَّدَقَةُ لَا تَكُونُ عَلَى الْغَنِيِّ كَالْوَاجِبَاتِ.
قَالَ: (وَيَنْتَفِعُ بِهَا إِنْ كَانَ فَقِيرًا) كَغَيْرِهِ مِنَ الْفُقَرَاءِ، وَيُعْطِيهَا أَهْلَهُ إِنْ كَانُوا فَقُرَاءَ لِمَا مَرَّ.
قَالَ: (وَإِنْ كَانَتْ شَيْئًا لَا يَبْقَى) كَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ وَنَحْوِهَا (عَرَّفَهُ إِلَى أَنْ يَخَافَ فَسَادَهُ) ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهِ خَوْفًا مِنَ الْفَسَادِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِصَاحِبِهَا بِالثَّوَابِ دُنْيَا وَأُخْرَى.
(وَيُعَرِّفُهَا فِي مَكَانِ الِالْتِقَاطِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ) فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ يَصِلَ صَاحِبُهَا. وَسَأَلَ رَجُلٌ عَلِيًّا رضي الله عنه فَقَالَ: اذْهَبْ حَيْثُ وَجَدْتَهَا فَإِنْ وَجَدْتَ صَاحِبَهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ وَإِلَّا فَتَصَدَّقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَخَيَّرَهُ بَيْنَ الْأَجْرِ وَالْقِيمَةِ.
قَالَ: (وَإِنْ كَانَتْ حَقِيرَةً كَالنَّوَى وَقُشُورِ الرُّمَّانِ يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ) ; لِأَنَّ رَمْيَهَا إِبَاحَةٌ لِلْأَخْذِ دَلَالَةً. قَالَ: (وَلِلْمَالِكِ أَخْذُهُ) ; لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تُسْقِطُ الْمِلْكَ عَنِ الْعَيْنِ خُصُوصًا لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يَجُزْ لِلْمُلْتَقِطِ
وَالسُّنْبُلُ بَعْدَ الْحَصَادِ إِذَا جَمَعَهُ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً، وَيَجُوزُ الْتِقَاطُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِيمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ لَهَا مَنْفَعَةٌ آجَرَهَا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْفَعَةٌ بَاعَهَا إِنْ كَانَ أَصْلَحَ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَلَهُ حَبْسُهَا حَتَّى يُعْطِيَهُ النَّفَقَةَ، فَإِنِ امْتَنَعَ بِيعَتْ فِي النَّفَقَةِ، فَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ الْحَبْسِ سَقَطَتِ النَّفَقَةُ وَقَبْلَ الْحَبْسِ لَا، وَلَيْسَ فِي رَدِّ اللُّقَطَةِ وَالضَّالَّةِ وَالصَّبِيِّ الْحُرِّ شَيْءٌ وَاجِبٌ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
الِانْتِفَاعُ بِهِ.
قَالَ: (وَالسُّنْبُلُ بَعْدَ الْحَصَادِ إِذَا جَمَعَهُ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً) بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَعَلَيْهِ جَمِيعُ النَّاسِ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَنْ أَلْقَى شَاةً مَيْتَةً فَجَاءَ آخَرُ فَأَخَذَ صُوفَهَا وَجِلْدَهَا وَدَبَغَهُ فَهُوَ لَهُ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَلَهُ أَخْذُ الصُّوفِ وَالْجِلْدِ وَعَلَيْهِ مَا زَادَ الدَّبَّاغُ كَالْغَاصِبِ.
غَرِيبٌ مَاتَ فِي دَارِ رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ وَخَلَّفَ مَالًا وَصَاحِبُ الْمَنْزِلِ فَقِيرٌ فَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ الْتِقَاطُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ) ; لِأَنَّهُ مَالٌ يُتَوَهَّمُ ضَيَاعُهُ فَيُسْتَحَبُّ أَخْذُهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ، وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ فَقَالَ:" مَا لَكَ وَلَهَا عَلَيْهَا حِذَاؤُهَا وَمَعَهَا سِقَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ» . «وَسُئِلَ عليه الصلاة والسلام عَنْ ضَالَّةِ الْغَنَمِ فَقَالَ: " هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» فَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ كَانَ الْخَوْفُ مِنَ الِافْتِرَاسِ لَا مِنْ أَخْذِ النَّاسِ ; أَمَّا الْيَوْمُ كَثُرَ الْفَسَادُ وَالْخِيَانَةُ وَقِلَّةُ الْأَدْيَانِ وَالْأَمَانَةِ فَكَانَ أَخْذُهُ أَوْلَى.
قَالَ: (وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِيمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا) لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى مَالِكِهَا إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْقَاضِي فَيَكُونُ دَيْنًا عَلَى صَاحِبِهَا لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ لِلْمَالِكِ. قَالَ: (فَإِنْ كَانَ لَهَا مَنْفَعَةٌ آجَرَهَا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا) ; لِأَنَّ فِيهِ بَقَاءَ الْمِلْكِ عَلَى مَالِكِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ دَيْنٌ فَكَذَلِكَ حُكْمُ الْآبِقِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْفَعَةٌ بَاعَهَا إِنْ كَانَ أَصْلَحَ) ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلَحُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا أَمَرَ بِذَلِكَ وَجَعَلَهَا دَيْنًا عَلَى مَالِكِهَا ; لِأَنَّ وِلَايَتَهُ نَظَرِيَّةٌ. وَلِلْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهَا يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةً رَجَاءَ مَجِيءِ صَاحِبِهَا، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَبِيعُهَا لِئَلَّا تَسْتَأْصِلَهَا النَّفَقَةُ فَلَا نَظَرَ حِينَئِذٍ فِي حَقِّهِ.
قَالَ: (فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَلَهُ حَبْسُهَا حَتَّى يُعْطِيَهُ النَّفَقَةَ) ; لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّهُ صَارَ هَالِكًا مَعْنًى وَقَدْ أَحْيَاهُ بِنَفَقَتِهِ فَصَارَ كَالْبَائِعِ (فَإِنِ امْتَنَعَ بِيعَتْ فِي النَّفَقَةِ) كَالرَّهْنِ ; لِأَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي كَأَمْرِهِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَحَبَسَهَا بِأَمْرِهِ (فَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ الْحَبْسِ سَقَطَتِ النَّفَقَةُ) كَالرَّهْنِ (وَقَبْلَ الْحَبْسِ لَا) ; لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ.
قَالَ: (وَلَيْسَ فِي رَدِّ اللُّقَطَةِ وَالضَّالَّةِ وَالصَّبِيِّ الْحُرِّ شَيْءٌ وَاجِبٌ) ; لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِي الرَّدِّ فَإِنْ أَعْطَاهُ الْمَالِكُ شَيْئًا فَحَسَنٌ، بِخِلَافِ الْآبِقِ لِأَنَّ جَعْلَهُ وَاجِبٌ نَصًّا لَا قِيَاسًا. وَعَنِ الْكَرْخِيِّ فِي اللُّقَطَةِ: إِذَا قَالَ مَنْ وَجَدَهَا فَلَهُ كَذَا فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ ; لِأَنَّهَا إِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: