الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ لِمَوْلَى الْأَمَةِ (سم) . وَإِذَا تَزَوَّجَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَوْلَى، ثُمَّ أُعْتِقَا - نَفَذَ النِّكَاحُ، وَلَا خِيَارَ لِلْأَمَةِ.
فَصْلٌ [نِكَاحُ الذِّمِّيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ]
تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا أَوْ عَلَى مَيْتَةٍ، وَذَلِكَ عِنْدَهُمْ جَائِزٌ - جَازَ، وَلَا مَهْرَ لَهَا (سم) . وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ، أَوْ فِي عِدَّةِ (سم) كَافِرٍ آخَرَ - جَازَ إِنْ دَانُوهُ، وَلَوْ أَسْلَمَا أُقِرَّا عَلَيْهِ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضَي التَّكْرَارَ إِلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ: تَزَوَّجْ مَا شِئْتَ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ثِنْتَيْنِ.
قَالَ: (وَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ لِمَوْلَى الْأَمَةِ) وَقَالَا: إِلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقُّهَا، وَالْعَزْلَ تَنْقِيصٌ لَهُ؛ فَيُشْتَرَطُ رِضَاهَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَزْلَ يُخِلُّ بِحَقِّ الْمَوْلَى وَهُوَ حُصُولُ الْوَلَدِ الَّذِي هُوَ مِلْكُهُ، فَيُشْتَرَطُ رِضَاهُ، بِخِلَافِ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ وَالْوَطْءَ حَقُّهَا.
قَالَ: (وَإِذَا تَزَوَّجَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَوْلَى، ثُمَّ أُعْتِقَا - نَفَذَ النِّكَاحُ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ، وَالتَّوَقُّفُ لِحَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ. (وَلَا خِيَارَ لِلْأَمَةِ) ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا نَفَذَ بَعْدَ الْعِتْقِ، فَصَارَ كَأَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَلَوْ تَزَوَّجَتْ، وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى - جَازَ النِّكَاحُ؛ لِمَا بَيَّنَّا، وَالْمَهْرُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً مَمْلُوكَةً لِلْمَوْلَى. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ مَهْرٌ آخَرُ، إِلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا وَقُلْنَا: يَجِبُ مَهْرٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ اسْتَنَدَ إِلَى أَصْلِ الْعَقْدِ. وَلَوْ أَعْتَقَهَا، ثُمَّ دَخَلَ بِهَا - فَالْمَهْرُ لَهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً مَمْلُوكَةً لَهَا.
[فصل نِكَاحُ الذِّمِّيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ]
فَصْلٌ [زَوَاجُ الذِّمِّيِّ وَالْمَجُوسِيِّ](تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا، أَوْ عَلَى مَيْتَةٍ، وَذَلِكَ عِنْدَهُمْ جَائِزٌ - جَازَ، وَلَا مَهْرَ لَهَا) . وَقَالَا: لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إِنْ مَاتَ عَنْهَا، أَوْ دَخَلَ بِهَا. وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّهُمُ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ، فَصَارَ كَالرِّبَا. وَلَهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«اتْرُكُوهُمْ وَمَا يَدِينُونَ» ، وَمَا الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا فِيمَا يَعْتَقِدُونَ خِلَافَهُ، وَعَقْدُ الذِّمَّةِ مَنَعَ إِلْزَامَهُمْ بِالسَّيْفِ. وَالْحُجَّةُ بِخِلَافِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ عَقْدِهِمْ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«إِلَّا مَنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ» ، وَكَذَلِكَ الزِّنَا فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ.
(وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ، أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ آخَرَ - جَازَ إِنْ دَانُوهُ، وَلَوْ أَسْلَمَا أُقِرَّا عَلَيْهِ) . وَقَالَا: إِذَا تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ فَهُوَ فَاسِدٌ. فَإِنْ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ تَرَافَعَا إِلَيْنَا - فُرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمُعْتَدَّةِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَحُرْمَةُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَهُمُ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا، وَلَمْ يَلْتَزِمُوهَا بِجَمِيعِ الِاخْتِلَافَاتِ. وَلَهُ: أَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، فَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ حَقًّا لِلشَّرْعِ وَلَا لِلْمُطَلِّقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهَا،
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا - فَلَهَا ذَلِكَ (سم) إِنْ كَانَا عَيْنَيْنِ، وَإِلَّا فَقِيمَةُ الْخَمْرِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْخِنْزِيرِ. وَإِذَا أَسْلَمَ الْمَجُوسِيُّ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْ مَحَارِمِهِ.
وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ. وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا. وَالْكِتَابِيُّ خَيْرٌ مِنَ الْمَجُوسِيِّ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
بِخِلَافِ الْعِدَّةِ مِنَ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهَا. وَحَالَةُ الْمُرَافَعَةِ أَوِ الْإِسْلَامِ حَالَةُ الْبَقَاءِ، وَالْعِدَّةُ لَا تُنَافِيهَا كَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا حَالَةَ الْبَقَاءِ.
قَالَ: (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا - فَلَهَا ذَلِكَ إِنْ كَانَا عَيْنَيْنِ، وَإِلَّا فَقِيمَةُ الْخَمْرِ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْخِنْزِيرِ) . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْحَالَيْنِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْقِيمَةُ فِيهِمَا. لَهُمَا: أَنَّ الْمِلْكَ يَتَأَكَّدُ بِالْقَبْضِ، فَأَشْبَهَ الْعَقْدَ. وَالْإِسْلَامُ مَانِعٌ مِنْهُ، فَصَارَا كَمَا إِذَا كَانَا دِينَيْنِ.
وَإِذَا امْتَنَعَ الْقَبْضُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ عِنْدَ الْعَقْدِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَكَذَا عِنْدَ الْقَبْضِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: صَحَّتِ التَّسْمِيَةُ، وَعَجَزَ عَنِ التَّسْلِيمِ بِالْإِسْلَامِ، فَتَجِبُ الْقِيمَةُ كَمَا إِذَا كَانَ عَبْدًا فَهَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمِلْكَ تَمَّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فِي الْمُعَيَّنِ حَتَّى جَازَ لَهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَبِالْقَبْضِ يَنْتَقِلُ إِلَى ضَمَانِهَا مِنْ ضَمَانِهِ، وَالْإِسْلَامُ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ ذَلِكَ كَاسْتِرْدَادِ الْخَمْرِ الْمَغْصُوبِ، وَخَمْرِ الْمُكَاتَبِ الذِّمِّيِّ إِذَا عَجَزَ، وَالْمَأْذُونِ إِذَا حُجِرَ عَلَيْهِ. وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ إِنَّمَا يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ، وَالْإِسْلَامُ مَانِعٌ مِنْهُ. وَإِذَا امْتَنَعَ الْقَبْضُ فَالْخَمْرُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَالْخِنْزِيرُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ، فَتَكُونُ الْقِيمَةُ مَقَامَهُ فَلَا يَجِبُ، فَتَعَيَّنَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَتَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْخَمْرِ ; لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَهَا.
قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمَ الْمَجُوسِيُّ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْ مَحَارِمِهِ) ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ إِذَا طَرَأَتْ عَلَى النِّكَاحِ الصَّحِيحِ تُبْطِلُهُ، وَلِأَنَّهَا تُنَافِي بَقَاءَ النِّكَاحِ وَلَا كَذَلِكَ الْعِدَّةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يُفَرَّقُ بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} [المائدة: 42] ، وَلِأَنَّ مُرَافَعَةَ أَحَدِهِمَا لَا يُبْطِلُ حَقَّ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا اتَّفَقَا حَيْثُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ؛ لِمَا تَلَوْنَا، وَلِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِحُكْمِنَا فَيَلْزَمُهُمَا.
قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ) بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِ النِّكَاحِ مَصَالِحُهُ، وَلَا تُوجَدُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ، وَالْمُرْتَدَّةُ تُحْبَسُ. أَوْ نَقُولُ: لَا مِلَّةَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا خَرَجَا عَنِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يُقَرَّانِ عَلَى مَا انْتَقَلَا إِلَيْهِ.
وَيَجُوزُ نِكَاحُ النَّصْرَانِيِّ الْمَجُوسِيَّةَ وَالْيَهُودِيَّةَ، وَالْيَهُودِيِّ النَّصْرَانِيَّةَ وَالْمَجُوسِيَّةَ وَالْمَجُوسِيِّ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، كَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه، وَلَا كَفَاءَةَ بَيْنَ أَهْلِ الْكُفْرِ.
قَالَ: (وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا) نَظَرًا لَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا كَانَ مُسْلِمًا. وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا، وَلَهُمَا وَلَدٌ صَغِيرٌ - صَارَ مُسْلِمًا. (وَالْكِتَابِيُّ خَيْرٌ مِنَ الْمَجُوسِيِّ) حَتَّى يَجُوزَ أَكْلُ ذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ
وَإِذَا أَسْلَمَتِ امْرَأَةُ الْكَافِرِ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ؛ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَتَكُونُ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا (س) . وَإِنْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْمَجُوسِيَّةِ؛ فَإِنْ أَسْلَمَتْ، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ.
وَإِنْ كَانَ الْإِسْلَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ تَتَوَقَّفُ الْبَيْنُونَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ قَبْلَ إِسْلَامِ الْآخَرِ، وَإِذَا خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إِلَيْنَا مُسْلِمًا وَقَعَتِ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا إِنْ سُبِيَ أَحَدُهُمَا، وَلَوْ سُبِيَا مَعًا لَمْ تَقَعْ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَمُنَاكَحَتُهُ دُونَ الْمَجُوسِيِّ.
قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمَتِ امْرَأَةُ الْكَافِرِ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ) تَحْصِيلًا لِمَصَالِحِ النِّكَاحِ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ فَاتَتْ بِإِسْلَامِهَا. (فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ) كَمَا إِذَا أَسْلَمَا مَعًا، (وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ؛ لِمَا أَنَّهُ طَاعَةٌ وَعِبَادَةٌ، فَيُجْعَلُ إِبَاؤُهُ سَبَبًا لِفَوَاتِ مَصَالِحِ النِّكَاحِ عُقُوبَةً. (وَتَكُونُ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا)، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَكُونُ طَلَاقًا؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ يَشْتَرِكُ فِيهِ الزَّوْجَانِ، فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا كَمَا إِذَا مَلَكَهَا أَوْ مَلَكَتْهُ. وَلَهُمَا: أَنَّ الزَّوْجَ تَرَكَ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَيَنُوبُ عَنْهُ الْقَاضِي فِي التَّسْرِيحِ بِالْإِحْسَانِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ كَقَوْلِ الزَّوْجِ، فَيَكُونُ طَلَاقًا كَمَا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ.
قَالَ: (وَإِنْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْمَجُوسِيَّةِ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ) ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الطَّلَاقِ، فَلَا يَنْتَقِلُ قَوْلُ الْقَاضِي إِلَيْهَا. ثُمَّ إِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ تَأَكَّدَ بِالدُّخُولِ.
(وَإِنْ كَانَ الْإِسْلَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ تَتَوَقَّفُ الْبَيْنُونَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ قَبْلَ إِسْلَامِ الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا، وَلَا قُدْرَةَ عَلَى الْعَرْضِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَجَعَلْنَا ثَلَاثَ حِيَضٍ وَهُوَ شَرْطُ الْفُرْقَةِ مَقَامَ السَّبَبِ وَهُوَ الْعَرْضُ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ إِذَا بَانَتْ بِثَلَاثِ حِيَضٍ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ طَلَاقٌ عِنْدَهُمَا. وَرُوِيَ أَنَّهُ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ كَأَبِي يُوسُفَ.
وَلَوْ أَسْلَمَ الْآخَرُ قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثِ حِيَضٍ لَمْ تَبِنْ مِنْهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ فَلَا عَرْضَ وَلَا فُرْقَةَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا ابْتِدَاءً، فَلِأَنْ يَبْقَى أَوْلَى. وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، وَهُمَا صَبِيَّانِ عَاقِلَانِ - عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يُخَاطَبُ بِالْإِسْلَامِ حَقًّا لِلْعِبَادِ حَتَّى إِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ. فَإِنْ أَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا اسْتِحْسَانًا إِيفَاءً لِحَقِّ صَاحِبِهِ، وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ.
قَالَ: (وَإِذَا خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إِلَيْنَا مُسْلِمًا وَقَعَتِ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا إِنْ سُبِيَ أَحَدُهُمَا. وَلَوْ سُبِيَا مَعًا لَمْ تَقَعْ) ، فَسَبَبُ الْبَيْنُونَةِ هُوَ التَّبَايُنُ دُونَ السَّبْيِ؛ لِأَنَّ مَصَالِحَ النِّكَاحِ لَا تَحْصُلُ مَعَ التَّبَايُنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّ مَصَالِحَهُ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِالِاجْتِمَاعِ، وَالتَّبَايُنُ مَانِعٌ مِنْهُ. أَمَّا السَّبْيُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي مِلْكَ الرَّقَبَةِ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً.
وَأَمَّا الْمُسْتَأْمَنُ فَقَصْدُهُ الرُّجُوعُ
وَإِذَا خَرَجَتِ الْمَرْأَةُ إِلَيْنَا مُهَاجِرَةً لَا عِدَّةَ (سم) عَلَيْهَا. وَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ (م) ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ الزَّوْجَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمَهْرُ، وَقَبْلَهُ لَا شَيْءَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ. وَإِنْ كَانَ الزَّوْجَ فَالْكُلُّ بَعْدَهُ وَالنِّصْفُ قَبْلَهُ. وَإِنِ ارْتَدَّا مَعًا، ثُمَّ أَسْلَمَا مَعًا - فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَلَمْ يُوجِدْ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ حُكْمًا.
قَالَ: (وَإِذَا خَرَجَتِ الْمَرْأَةُ إِلَيْنَا مُهَاجِرَةً لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا)، وَقَالَا: عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، وَالْفُرْقَةُ حَصَلَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَلَهُ: قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] نَزَلَتْ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ، وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ إِظْهَارًا لِخَطَرِ النِّكَاحِ، وَلَا خَطَرَ لِنِكَاحِ الْحَرْبِيِّ. وَلِهَذَا قُلْنَا: لَا عِدَّةَ عَلَى الْمَسْبِيَّةِ.
قَالَ: (وَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ)، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ الزَّوْجَ فَهِيَ طَلَاقٌ؛ لِمَا مَرَّ فِي الْإِبَاءِ، وَأَبُو يُوسُفَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ أَيْضًا. وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرِّدَّةَ تُنَافِي الْمَحَلِّيَّةَ كَالْمَحْرَمِيَّةِ، وَالطَّلَاقُ رَافِعٌ، فَتَعَذَّرَ أَنْ تَكُونَ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا، وَلِهَذَا لَا يُحْتَاجُ فِي الْفُرْقَةِ هُنَا إِلَى الْقَضَاءِ. أَمَّا الْإِبَاءُ لَا يُنَافِي الْمَحَلِّيَّةَ وَالنِّكَاحَ، وَلِهَذَا تَتَوَقَّفُ الْفُرْقَةُ عَلَى الْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا بِالْإِبَاءِ امْتَنَعَ عَنِ التَّسْرِيحِ بِالْإِحْسَانِ، فَنَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
(ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ الزَّوْجَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمَهْرُ، وَقَبْلَهُ لَا شَيْءَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ) وَقَدْ مَرَّ. (وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ فَالْكُلُّ بَعْدَهُ وَالنِّصْفُ قَبْلَهُ)، وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى: لَوِ ارْتَدَّتِ الْمَرْأَةُ قِيلَ: لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ؛ زَجْرًا لَهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَفْسُدُ، وَتُجْبَرُ عَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ زَجْرًا لَهَا أَيْضًا.
(وَإِنِ ارْتَدَّا مَعًا، ثُمَّ أَسْلَمَا مَعًا - فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا) ؛ لِأَنَّ بَنِي حَنِيفَةَ ارْتَدُّوا فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه ثُمَّ أَسْلَمُوا، فَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَنْكِحَتِهِمْ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِتَجْدِيدِ الْأَنْكِحَةِ، وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدِهِمْ فَكَانَ إِجْمَاعًا. فَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الرِّدَّةِ فَسَدَ النِّكَاحُ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ.
وَلَوْ قَبَّلَهَا ابْنُ زَوْجِهَا أَوْ وَطِئَهَا حُرِّمَتْ عَلَى أَبِيهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَسَقَطَ مَهْرُهَا إِذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ إِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا، فَقَدِ امْتَنَعَتْ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ، فَتُمْنَعُ الْبَدَلَ كَمَا فِي الْبَيْعِ. وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً لَا يَسْقُطُ. وَفِي الصَّغِيرَةِ لَا يَسْقُطُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ يُجَامَعُ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِفِعْلِهَا حَتَّى لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَحْكَامِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا حَدٌّ وَلَا تَعْزِيرٌ وَلَا غُسْلٌ وَلَا مَأْثَمٌ؛ لِعَدَمِ الْخِطَابِ، فَكَذَا هَذَا.
وَإِنِ ارْتَدَّتِ الصَّغِيرَةُ سَقَطَ مَهْرُهَا؛ لِأَنَّهُ إِذَا حُكِمَ بِرِدَّتِهَا بَطَلَتْ مَحَلِّيَّةُ النِّكَاحِ، فَصَارَتْ كَالْكَبِيرَةِ؛ إِذِ الْكَلَامُ فِي الَّتِي تَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَالرِّدَّةَ عَلَى مَا يَأْتِيكَ.