الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَجِبُ إِلَّا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَا يَجِبُ إِلَّا بِالدُّخُولِ حَقِيقَةً، وَلَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى، وَيَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ.
وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنَ الْخَلِّ (سم) فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ، أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا حُرٌّ، أَوْ عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً (س) ، أَوْ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ - جَازَ النِّكَاحُ (م) ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَلِمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الدَّمِ، وَفِي الصَّوْمِ؛ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ، بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إِفْطَارُهُ بِعُذْرٍ يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ الْآدَمِيِّ كَالضِّيَافَةِ. وَلَا كَذَلِكَ رَمَضَانُ وَالْمَنْذُورُ وَالْقَضَاءُ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَقِيلَ: فِي صَوْمِ يَوْمِ التَّطَوُّعِ رِوَايَتَانِ. وَكَذَلِكَ السُّنَنُ إِلَّا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَالْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ؛ لِشِدَّةِ تَأْكِيدِهِمَا بِالْوَعِيدِ عَلَى تَرْكِهِمَا.
وَالْمَكَانُ الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ الْخَلْوَةُ أَنْ يَأْمَنَا فِيهِ اطِّلَاعَ غَيْرِهِمَا عَلَيْهِمَا حَتَّى لَوْ خَلَا بِهَا فِي مَسْجِدٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ طَرِيقٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ لَا حِجَابَ لَهُ فَلَيْسَتْ صَحِيحَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعَهُمَا أَعْمَى أَوْ صَبِيٌّ يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ كَلْبٌ عَقُورٌ أَوْ مَنْكُوحَةٌ لَهُ أُخْرَى أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ. وَفِي الْأَمَةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهَا حَقُّ الشَّرْعِ.
قَالَ: (وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَجِبُ إِلَّا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَا يَجِبُ إِلَّا بِالدُّخُولِ حَقِيقَةً) ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَائِمَةٌ، وَأَنَّهَا مَانِعَةٌ شَرْعًا، فَلَا يَجِبُ إِلَّا بِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَسَدَ الْمُسَمَّى صِرْنَا إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ؛ إِذْ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ؛ لِمَا مَرَّ.
(وَلَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى لَيْسَ بِمَالٍ، وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالتَّسْمِيَةِ، فَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا؛ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ، وَإِنْ زَادَتْ لَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ؛ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ حَيْثُ تَجِبُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، فَيَتَقَدَّرُ بَدَلُهُ بِقِيمَتِهِ.
(وَيَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ) ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إِثْبَاتِهِ، وَأَوَّلُ مُدَّتِهِ وَقْتُ الدُّخُولِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ دَاعٍ إِلَى الْوَطْءِ، فَأُقِيمَ الْعَقْدُ مَقَامَهُ. وَالْفَاسِدُ لَيْسَ بِدَاعٍ؛ لِمَا بَيَّنَّا مِنَ الْحُرْمَةِ، فَلَا يُقَامُ الْعَقْدُ مَقَامَهُ. وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ احْتِيَاطًا وَتَحَرُّزًا عَنِ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ، وَأَوَّلُهَا يَوْمُ التَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ؛ لِشُبْهَةِ النِّكَاحِ، وَالشُّبْهَةُ إِنَّمَا تَرْتَفِعُ بِالتَّفْرِيقِ.
[فصل مَهْرُ الْمِثْلِ]
فَصْلٌ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنَ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ، أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ، أَوْ عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً، أَوْ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ - جَازَ النِّكَاحُ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ) . أَمَّا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ فَلِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَلْغُو، وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَإِذَا بَطَلَتِ التَّسْمِيَةُ صَارَتْ كَالْعَدَمِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا الدَّنُّ فَكَذَلِكَ
وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً جَازَ وَلَهَا الْخِدْمَةُ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، فَإِنْ وَفَّى فَلَهَا الْمُسَمَّى،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنَ التَّسْمِيَةِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْخَمْرِ، وَقَالَا: لَهَا مِثْلُ وَزْنِهِ خَلًّا. وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِمَا مَرَّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجِبُ فِيهِ مِثْلُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ عَبْدًا؛ لِأَنَّهُ أَطْمَعَهَا فِي مَالٍ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ، فَيَجِبُ قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهُ كَمَا إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمُسَمَّى إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِي الْمُشَارِ إِلَيْهِ ذَاتًا؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوِ اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ أَحْمَرُ، فَإِذَا هُوَ أَخْضَرُ انْعَقَدَ الْعَقْدُ؛ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ. وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِيهِ لَا ذَاتًا وَلَا صِفَةً؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنِ اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ لَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ؛ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ.
وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ الْعَبْدُ وَالْحُرُّ جِنْسٌ وَاحِدٌ، فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إِلَيْهِ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى حُرٍّ فَيَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ. أَمَّا الْخَلُّ وَالْخَمْرُ جِنْسَانِ؛ لِتَفَاحُشِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا، فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى، وَهُوَ الْخَلُّ فَيَلْزَمُهُ. وَأَمَّا إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً، أَوْ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ - فَمَذْهَبُهُمَا وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهَا قِيمَةُ خِدْمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ، إِلَّا أَنَّهُ عَجَزَ عَنِ التَّسْلِيمِ؛ لِلْمُنَاقَضَةِ، فَصَارَ كَمَا إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ، فَإِنَّهُ تَجِبُ الْقِيمَةُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْخِدْمَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ ; لِأَنَّهَا لَا تُسْتَحَقُّ بِحَالٍ، فَصَارَ كَتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ. وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَ الْمَنَافِعِ بِالْعَقْدِ. فَإِذَا لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهَا فِيهِ لَمْ يَظْهَرْ تَقَوُّمُهَا، فَيُصَارُ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِمَا بَيَّنَّا. أَوْ نَقُولُ: الْمَشْرُوعُ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ، وَالتَّعْلِيمُ لَيْسَ بِمَالٍ وَكَذَا الْمَنَافِعُ؛ لِمَا بَيَّنَّا. أَوْ نَقُولُ: تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَاجِبٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا كَتَعْلِيمِ الشَّهَادَتَيْنِ، بِخِلَافِ خِدْمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ فَإِنَّهَا تَتَضَمَّنُ تَسْلِيمَ رَقَبَتِهِ، وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الزَّوْجَةِ خِدْمَةَ الزَّوْجِ قَلْبُ الْمَوْضُوعِ ; لِأَنَّ تَوْقِيرَ الزَّوْجِ وَاجِبٌ عَلَيْهَا، وَفِي اسْتِخْدَامِهِ إِهَانَتُهُ.
قَالَ: (وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً جَازَ، وَلَهَا الْخِدْمَةُ) ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَا مُنَاقَضَةَ؛ فَإِنَّهُ يَخْدِمُ الْمَوْلَى مَعْنًى حَيْثُ كَانَ بِأَمْرِهِ. وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ، الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِحُّ؛ إِذْ لَا مُنَاقَضَةَ. وَتَرْجِعُ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهِ عَلَى الزَّوْجِ.
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَرْعَى غَنَمَهَا، أَوْ يَزْرَعَ أَرْضَهَا فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَالْفَرْقُ عَلَى إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا مُنَاقَضَةَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الزَّوْجِيَّةِ. وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَا هُوَ مَالٌ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ، فَإِنْ وَفَى الْمَالُ بِالْعَشَرَةِ فَهُوَ لَهَا لَا غَيْرُ. وَإِنْ لَمْ يَفِ فَلَهَا تَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ - فَلَهَا الْعَشَرَةُ، وَلَا يُكْمِلُ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ. وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَيْبِ عَبْدٍ اشْتَرَاهُ مِنْهَا جَازَ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَيْبِ عَشَرَةً فَهُوَ لَهَا، وَإِلَّا يُكْمِلُ عَشَرَةً.
قَالَ: (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، فَإِنْ وَفَى فَلَهَا الْمُسَمَّى) ؛ لِأَنَّهُ
وَإِلَّا فَمَهْرُ مِثْلِهَا، وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَلْفٍ إِنْ أَقَامَ بِهَا، وَأَلْفَيْنِ إِنْ أَخْرَجَهَا؛ فَإِنْ أَقَامَ فَلَهَا الْأَلْفُ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا فَمَهْرُ مِثْلِهَا (سم ز) . وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ، أَوْ هَذَا فَلَهَا أَشْبَهُهُمَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ (سم) . وَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ بَيْنَهُمَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ (سم) .
وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ، فَإِنْ سَمَّى نَوْعَهُ كَالْفَرَسِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَصِفْهُ وَلَهَا الْوَسَطُ؛ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهَا ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ قِيمَتَهُ. وَالثَّوْبُ مِثْلُ الْحَيَوَانِ، إِلَّا أَنَّهُ إِنْ ذَكَرَ وَصْفَهُ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
يَصْلُحُ مَهْرًا وَقَدْ تَرَاضَيَا بِهِ.
(وَإِلَّا فَمَهْرُ مِثْلِهَا) ؛ لِأَنَّهَا مَا رَضِيَتْ بِالْأَلْفِ إِلَّا مَعَ مَا ذَكَرَ لَهَا مِنَ الْمَنْفَعَةِ، فَيُكْمِلُ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِهِ، فَكَأَنَّهُ مَا سَمَّى. وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَكَرَامَتِهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ ; لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مِنَ الْمُتْعَةِ.
(وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَلْفٍ إِنْ أَقَامَ بِهَا، وَأَلْفَيْنِ إِنْ أَخْرَجَهَا - فَإِنْ أَقَامَ فَلَهَا الْأَلْفُ) ؛ لِمَا بَيَّنَّا، (وَإِنْ أَخْرَجَهَا فَمَهْرُ مِثْلِهَا) لَا يُزَادُ عَلَى أَلْفَيْنِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ أَلْفٍ. وَقَالَا: الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ، وَعِنْدَ زُفَرَ فَاسِدَانِ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَعَلَى هَذَا عَلَى أَلْفٍ إِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا، وَأَلْفَيْنِ إِنْ تَزَوَّجَ. لِزُفَرَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ، فَكَانَ الْمَهْرُ مَجْهُولًا. وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ سَمَّى فِيهِ بَدَلًا مَعْلُومًا، فَصَارَ كَالْخِيَاطَةِ الْفَارِسِيَّةِ وَالرُّومِيَّةِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ صَحَّ وَمُوجِبُهُ الْمُسَمَّى؛ لِمَا بَيَّنَّا. وَالشَّرْطُ الثَّانِي يَنْفِي مُوجِبَ الْأَوَّلِ، وَالتَّسْمِيَةُ مَتَى صَحَّتْ لَا يَجُوزُ نَفْيُ مُوجِبِهَا، فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ الثَّانِي.
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إِنْ كَانَتْ قَبِيحَةً، وَأَلْفَيْنِ إِنْ كَانَتْ جَمِيلَةً - صَحَّ الشَّرْطَانِ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا مُخَاطَرَةَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا أَنَّ الزَّوْجَ يَجْهَلُهَا. وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْمُخَاطَرَةُ مَوْجُودَةٌ فِي التَّسْمِيَةِ الثَّانِيَةِ ; لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَنَّ الزَّوْجَ هَلْ يَفِي بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ أَمْ لَا؟
(وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ هَذَا فَلَهَا أَشْبَهُهُمَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ بَيْنَهُمَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ) . وَقَالَا: لَهَا الْأَوْكَسُ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْأَوْكَسِ بِالْإِجْمَاعِ.
لَهُمَا أَنَّ الْأَوْكَسَ مُسَمًّى بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ، وَلَا يُصَارُ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ مَعَ الْمُسَمَّى. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَصْلَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنَّمَا يُتْرَكُ عِنْدَ صِحَّةِ الْمُسَمَّى، وَأَنَّهُ مَجْهُولٌ لِدُخُولِ كَلِمَةِ أَوْ فَيَكُونُ فَاسِدًا، إِلَّا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الْأَرْفَعِ فَقَدْ رَضِيَتْ بِالْحَطِّ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَقَدْ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ. وَمَتَى جَهِلَ الْمُسَمَّى تَجِبُ الْمُتْعَةُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، إِلَّا أَنَّ نَصِفَ الْأَوْكَسِ يَزِيدُ عَلَيْهَا عَادَةً فَيَجِبُ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِهِ.
قَالَ: (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ؛ فَإِنْ سَمَّى نَوْعَهُ كَالْفَرَسِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَصِفْهُ وَلَهَا الْوَسَطُ؛ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهَا ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ قِيمَتَهُ. وَالثَّوْبُ مِثْلُ الْحَيَوَانِ، إِلَّا أَنَّهُ إِنْ ذَكَرَ وَصْفَهُ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ.
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ) .
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَا تَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَتَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَحْتَمِلُ ضَرْبًا مِنَ الْجَهَالَةِ ; لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَالْمُسَامَحَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مَعَ جَهَالَتِهِ؛ لِمَا أَنَّهَا لَا تُوجِبُ الْمُنَازَعَةَ كَذَلِكَ جَهَالَةُ الْوَصْفِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُضَايَقَةِ.
ثُمَّ الْجَهَالَةُ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا جَهَالَةُ النَّوْعِ وَالْوَصْفِ كَقَوْلِهِ: ثَوْبٌ أَوْ دَابَّةٌ أَوْ دَارٌ - فَلَا تَصِحُّ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ؛ لِتَفَاوُتِهَا تَفَاوُتًا فَاحِشًا فِي الصُّوَرِ وَالْمَعَانِي، فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَكَذَا التَّسْمِيَةُ مَعَ الْخَطَرِ كَقَوْلِهِ عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ أَوْ غَنَمِهِ أَوْ مَا يَحْمِلُهُ نَخْلُهُ هَذِهِ السَّنَةَ.
وَمِنْهَا مَا هُوَ مَعْلُومُ النَّوْعِ مَجْهُولُ الصِّفَةِ مِثْلَ قَوْلِهِ: عَبْدٌ أَوْ فَرَسٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ ثَوْبٌ هَرَوِيٌّ؛ فَإِنَّهُ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ، وَيَجِبُ الْوَسَطُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعْلُومَ النَّوْعِ كَانَ لَهُ جَيِّدٌ وَرَدِيءٌ وَوَسَطٌ وَالْوَسَطُ أَعْدَلُ؛ لِأَنَّهُ ذُو حَظٍّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ.
وَعِنْدَ جَهَالَةِ النَّوْعِ لَا وَسَطَ؛ لِاخْتِلَافِ مَعَانِي الْأَنْوَاعِ؛ فَإِنَّ مَعْنَى الْفَرَسِ غَيْرُ مَعْنَى الْجَمَلِ، وَمَعْنَى الشَّاةِ غَيْرُ مَعْنَى الْجَامُوسِ. وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ أَنْوَاعِ الثِّيَابِ كَالْأَطْلَسِ وَالْقُطْنِ وَغَيْرِهِمَا. وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ إِنَّمَا يُعْرَفُ بِالْقِيمَةِ، فَكَانَتْ أَصْلًا فِي حَقِّ الْإِيفَاءِ، وَالْعَيْنُ أَصْلٌ مِنْ حَيْثُ التَّسْمِيَةِ، فَيَتَخَيَّرُ وَتُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى الْقَبُولِ.
وَقَالَ زُفَرُ: إِذَا كَانَ الْمَهْرُ ثَوْبًا مَوْصُوفًا لَا تُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتِ الثَّوْبَ بِالتَّسْمِيَةِ، فَلَا تُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ غَيْرِهِ كَمَا فِي السَّلَمِ. وَجَوَابُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَهُوَ وَقِيمَتُهُ سَوَاءٌ فِي الْجَهَالَةِ، فَتُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا فِي الْحَيَوَانِ. وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ زُفَرَ، وَقَالَ: هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ وُجُوبًا مُسْتَقِرًّا كَالسَّلَمِ، وَلَا كَذَلِكَ الْحَيَوَانُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وُجُوبًا مُسْتَقِرًّا فِي السَّلَمِ، فَكَذَا هُنَا.
ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْوَسَطِ أَرْبَعُونَ دِينَارًا، وَإِنْ سَمَّى أَبْيَضَ فَخَمْسُونَ وَهُوَ قِيمَةُ الْغُرَّةِ، وَالْمَهْرُ بِمَعْنَى الْغُرَّةِ. وَعِنْدَهُمَا عَلَى قَدْرِ الرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ، وَقِيلَ: هَذَا اخْتِلَافُ زَمَانٍ لَا بُرْهَانٍ.
وَمِنْهَا مَا هُوَ مَعْلُومُ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ كَمَا إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ، وَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا، فَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ كَالنُّقُودِ.
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى كُرِّ حِنْطَةٍ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَصِفْهُ - يُخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ الْوَسَطِ وَبَيْنَ قِيمَتِهِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْكُرِّ. وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ عَلَى أَلْفٍ قُسِّمَتِ الْأَلْفُ عَلَى قَدْرِ مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا رُجُوعًا إِلَى الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ إِلَيْهِمَا فَقَدْ أَضَافَ إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مَا تَسْتَحِقُّهُ.
وَاسْتِحْقَاقُهُمَا فِي الْأَصْلِ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَنْ دَفَعَ إِلَى رَبَّيْ دَيْنٍ أَلْفًا بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِهَا عَلَى قَدْرِ دَيْنَيْهِمَا كَذَلِكَ هَذَا. فَإِنْ طَلَّقَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَنِصْفُ الْأَلْفِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا. فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ إِحْدَاهُمَا
وَمَهْرُ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ بِنِسَاءِ عَشِيرَةِ أَبِيهَا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ مِثْلُ حَالِهَا فَمِنَ الْأَجَانِبِ، وَيُعْتَبَرُ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِثْلُهَا فِي السِّنِّ وَالْحُسْنِ وَالْبَكَارَةِ وَالْبَلَدِ وَالْعَصْرِ وَالْمَالِ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ كُلُّهُ فَالَّذِي يُوجَدُ مِنْهُ، وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا، وَأَنْ يُسَافِرَ بِهَا حَتَى يُعْطِيَهَا مَهْرَهَا،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
صَحَّ نِكَاحُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ اخْتَصَّ بِهَا فَلَا يَتَعَدَّاهَا، وَالْأَلْفُ كُلُّهَا لِلَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا.
وَقَالَا: يُقَسَّمُ عَلَى مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَيْهِمَا كَهِيَ، فَمَا أَصَابَ الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا فَهُوَ لَهَا، وَيَسْقُطُ الْبَاقِي. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إِضَافَةَ النِّكَاحِ إِلَى مَنْ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا لَغْوٌ، فَصَارَ كَمَا إِذَا ضَمَّ إِلَيْهَا أُسْطُوَانَةً أَوْ دَابَّةً.
وَالْبَدَلُ إِنَّمَا يَنْقَسِمُ بِحُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ وَالْمُسَاوَاةِ وَالدُّخُولِ فِي الْعَقْدِ، وَلَا مُعَاوَضَةَ فِي الْمُحَرَّمَةِ، وَلَا مُسَاوَاةَ وَلَا دُخُولَ فِي الْعَقْدِ - فَصَارَتْ عَدَمًا. وَإِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى اثْنَيْنِ وَاخْتِصَاصُهُ بِأَحَدِهِمَا جَائِزٌ، قَالَ تَعَالَى:{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: 130] أَضَافَ الرُّسُلَ إِلَيْهِمَا، وَالرُّسُلُ مُخْتَصَّةٌ بِالْإِنْسِ دُونَ الْجِنِّ. فَإِنْ دَخَلَ بِالَّتِي لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ حَرَامٌ سَقَطَ فِيهِ الْحَدُّ؛ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَعِنْدَهُمَا الْأَقَلُّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمِمَّا يَخُصُّهَا.
قَالَ: (وَمَهْرُ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ بِنِسَاءِ عَشِيرَةِ أَبِيهَا) كَأَخَوَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا وَبَنَاتِ عَمِّهَا دُونَ أُمِّهَا وَخَالَتِهَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ قَبِيلَةِ أَبِيهَا. هَكَذَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَرْوَعَ حِينَ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ مَهْرٍ، فَقَالَ:«لَهَا مَهْرٌ مِثْلُ نِسَائِهَا» ، وَنِسَاؤُهَا أَقَارِبُ الْأَبِ. وَلِأَنَّ قِيمَةَ الشَّيْءِ تُعْرَفُ بِقِيمَةِ جِنْسِهِ، وَجِنْسُهُ قَوْمُ أَبِيهِ. (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ مِثْلُ حَالِهَا فَمِنَ الْأَجَانِبِ) تَحْصِيلًا؛ لِلْمَقْصُودِ بِقَدْرِ الْوُسْعِ.
قَالَ: (وَيُعْتَبَرُ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِثْلُهَا فِي السِّنِّ وَالْحُسْنِ وَالْبَكَارَةِ وَالْبَلَدِ وَالْعَصْرِ وَالْمَالِ) ؛ فَإِنَّ الْمَهْرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ؛ لِأَنَّ الرَّغَبَاتِ تَخْتَلِفُ بِهَا. (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ كُلُّهُ فَالَّذِي يُوجَدُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ اجْتِمَاعُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فِي امْرَأَتَيْنِ فَيُعْتَبَرُ بِالْمَوْجُودِ مِنْهَا ; لِأَنَّهَا مِثْلُهَا. وَعَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْجَمَالَ لَا يُعْتَبَرُ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ حَسَبٍ وَشَرَفٍ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَوْسَطِ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ حِينَئِذٍ فِي الْجَمَالِ.
قَالَ: (وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا، وَأَنْ يُسَافِرَ بِهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا مَهْرَهَا) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ فِي الْمُبْدَلِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا. وَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِتَأْخِيرِ حَقِّهَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا سَلَّمَتْ إِلَيْهِ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ بَعْدَهُ كَالْبَائِعِ إِذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَلَهُ أَنَّ الْمَهْرَ مُقَابَلٌ بِجَمِيعِ الْوَطَآتِ؛ لِئَلَّا يَخْلُوَ الْوَطْءُ عَنِ الْعِوَضِ إِظْهَارًا لِخَطَرِ الْبُضْعِ، إِلَّا أَنَّهُ تَأَكَّدَ بِوَطْأَةِ الْأُولَى لِجَهَالَةِ مَا وَرَاءَهَا. وَالْمَجْهُولُ لَا يُزَاحِمُ الْمَعْلُومَ، فَإِذَا وُجِدَ بَعْدَهُ وَطْءٌ آخَرُ صَارَ مَعْلُومًا، فَتَحَقَّقَتِ الْمُزَاحَمَةُ، فَصَارَ الْمَهْرُ مُقَابَلًا بِالْكُلِّ.