الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ
الْمَوَاتُ: مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنَ الْأَرَاضِي، وَلَيْسَ مِلْكَ مُسْلِمٍ وَلَا ذِمِّيٍّ، وَهُوَ بَعِيدٌ مِنَ الْعُمْرَانِ. إِذَا وَقَفَ إِنْسَانٌ بِطَرَفِ الْعُمْرَانِ وَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ لَا يُسْمَعُ. مَنْ أَحْيَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ (سم) مَلَكَهُ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
يُؤَدِّي إِلَى حِفْظِهِ لَا فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى إِبْرَاءِ حُقُوقِهِ.
وَلَوْ حَلَّ دَابَّةَ رَجُلٍ، أَوْ قَيْدَ عَبْدِهِ، أَوْ فَتَحَ قَفَصَهُ وَفِيهِ طُيُورٌ - لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ بَيْنَ فِعْلِهِ، وَالتَّلَفُ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَهُوَ ذَهَابُ الدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ وَطَيَرَانُ الطَّيْرِ، وَاخْتِيَارُهُمْ صَحِيحٌ، وَتَرْكُهُ مِنْهُمْ مُتَصَوَّرٌ، وَالِاخْتِيَارُ لَا يَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِ الْعَقْلِ ; أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَجْنُونَ يَضْمَنُ مَا يُتْلِفُهُ وَإِنْ كَانَ مَعْدُومَ الْعَقْلِ، فَيُضَافُ التَّلَفُ إِلَى الْمُبَاشَرَةِ دُونَ السَّبَبِ كَالْحَافِرِ وَالدَّافِعِ.
وَلَوْ حَلَّ فَمَ زِقٍّ، وَفِيهِ دُهْنٌ، فَسَالَ - ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ لِتَلَفِهِ بِإِزَالَةِ الْمُمْسِكِ، فَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّلَفِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ. وَلَوْ كَانَ جَامِدًا، فَشَقَّهُ، فَذَابَ بِالشَّمْسِ، ثُمَّ سَالَ - لَمْ يُضَمَّنْ؛ لِأَنَّ الْجَامِدَ يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ لَا بِالزِّقِّ، فَلَمْ يَكُنِ الشَّقُّ إِتْلَافًا، وَإِنَّمَا صَارَ مَائِعًا بِالشَّمْسِ لَا بِفِعْلِهِ.
ذَهَبَتْ دَابَّةُ رَجُلٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا بِغَيْرِ إِرْسَالِ صَاحِبِهَا، فَأَفْسَدَتْ زَرْعَ رَجُلٍ - لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا ذَهَبَتْ بِاخْتِيَارِهَا، وَفِعْلُهَا هَدَرٌ. قَالَ عليه الصلاة والسلام:«الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» ، وَإِنْ أَرْسَلَهَا ضَمِنَ.
رَجُلٌ وَجَدَ فِي زَرْعِهِ أَوْ دَارِهِ دَابَّةً، فَأَخْرَجَهَا، فَهَلَكَتْ أَوْ أَكَلَهَا الذِّئْبُ - لَمْ يُضَمَّنْ، نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْمُنْتَقَى. قَالُوا: وَالصَّحِيحُ إِنْ أَخْرَجَهَا، وَلَمْ يَسْقِهَا - لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْإِخْرَاجِ، وَإِنْ سَاقَهَا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ ضَمِنَ.
رَجُلٌ أَدْخَلَ دَابَّةً فِي دَارِ رَجُلٍ، فَأَخْرَجَهَا صَاحِبُ الدَّارِ، فَهَلَكَتْ - لَا يَضْمَنُ. وَإِنْ وَضَعَ ثَوْبًا فِي دَارِهِ، فَرَمَى بِهِ، فَضَاعَ - ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يَضُرُّ الدَّارَ، وَكَانَ الْإِخْرَاجُ إِتْلَافًا، وَالدَّابَّةُ تَضُرُّ بِالدَّارِ فَلَمْ يَكُنْ إِتْلَافًا.
[كِتَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ]
ِ (الْمَوَاتُ: مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنَ الْأَرَاضِي) ؛ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهُ، أَوْ لِغَلَبَتِهِ عَلَيْهِ، أَوْ كَوْنِهَا حَجَرًا أَوْ سَبْخَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ الزِّرَاعَةَ. سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهَا كَالْمَيِّتِ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ. فَمَا كَانَ كَذَلِكَ (وَلَيْسَ مِلْكَ مُسْلِمٍ وَلَا ذِمِّيٍّ، وَهُوَ بَعِيدٌ عَنِ الْعُمْرَانِ، إِذَا وَقَفَ إِنْسَانٌ بِطَرَفِ الْعُمْرَانِ وَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ لَا يُسْمَعُ - مَنْ أَحْيَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ مَلَكَهُ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا) ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْعُمْرَانِ يَرْتَفِقُ النَّاسُ بِهِ عَادَةً، فَيَطْرَحُونَ بِهِ الْبَيَادِرَ، وَيَرْعُونَ فِيهِ الْمَوَاشِيَ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَرْتَفِقَ بِهِ أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا، وَالْمُخْتَارُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ حَقِيقَةً أَوْ دَلَالَةً، فَلَا يَكُونُ مَوَاتًا. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مُحْتَطَبًا لَهُمْ لَا يَجُوزُ
وَلَا يَجُوزُ إِحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنَ الْعَامِرِ. وَمَنْ حَجَّرَ أَرْضًا ثَلَاثَ سِنِينَ، فَلَمْ يَزْرَعْهَا - دَفَعَهَا الْإِمَامُ إِلَى غَيْرِهِ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
إِحْيَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ.
وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِحْيَاءِ إِذْنُ الْإِمَامِ، وَقَالَا: لَا يُشْتَرَطُ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» ، وَلِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إِلَيْهِ كَالصَّيْدِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «لَيْسَ لِلْمَرْءِ إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إِمَامِهِ» ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِي الْمُبَاحَاتِ، إِلَّا أَنَّ الْحَطَبَ وَالْحَشِيشَ وَالْمَاءَ خُصَّ عَنْهُ بِالْحَدِيثِ، فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى الْأَصْلِ. وَحَدِيثُهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى الْإِذْنِ لِقَوْمٍ مَخْصُوصِينَ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَلِأَنَّهُ وَصَلَ إِلَى يَدِ الْمُسْلِمِينَ بِالْقِتَالِ وَالْغَلَبَةِ فَيَكُونُ غَنِيمَةً، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ بِدُونِ إِذْنِ الْإِمَامِ كَسَائِرِ الْغَنَائِمِ.
وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ سَوَاءٌ ; لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ سَبَبُ الْمِلْكِ، فَيََسْتَوِيَانِ فِيهِ كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ.
وَيَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَالْخَرَاجُ عَلَى الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ وَضْعٍ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَلِيقُ بِهِ. وَإِنْ سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ يُعْتَبَرُ بِالْمَاءِ. وَالْإِحْيَاءُ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا بِنَاءً، أَوْ يَزْرَعَ فِيهَا زَرْعًا، أَوْ يَجْعَلَ لِلْأَرْضِ مُسَنَّاةً وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَيَكُونُ لَهُ مَوْضِعُ الْبِنَاءِ وَالزَّرْعُ دُونَ غَيْرِهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِنْ عَمَّرَ أَكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ كَانَ إِحْيَاءً لِجَمِيعِهَا، وَإِنْ عَمَّرَ نِصْفَهَا لَهُ مَا عَمَّرَ دُونَ الْبَاقِي. وَذَكَرَ ابْنُ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إِنْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا، أَوْ سَاقَ إِلَيْهَا مَاءً - فَقَدْ أَحْيَاهَا زَرَعَ، أَوْ لَمْ يَزْرَعْ. وَلَوْ شَقَّ فِيهَا أَنْهَارًا لَمْ يَكُنْ إِحْيَاءً إِلَّا أَنْ يَجْرِيَ فِيهَا مَاءٌ فَيَكُونَ إِحْيَاءً.
(وَلَا يَجُوزُ إِحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنَ الْعَامِرِ) ؛ لِمَا بَيَّنَّا. وَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا، ثُمَّ أَحَاطَ الْإِحْيَاءَ بِجَوَانِبِهِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى التَّعَاقُبِ - فَطَرِيقُ الْأَوَّلِ فِي الْأَرْضِ مِنَ الرَّابِعَةِ؛ لِتَعَيُّنِهَا. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ.
وَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا، ثُمَّ تَرَكَهَا، فَزَرَعَهَا آخَرُ - قِيلَ: هِيَ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَلَكَ اسْتِغْلَالَهَا لَا رَقَبَتَهَا، وَقِيلَ: هِيَ لِلْأَوَّلِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ بِلَامِ الْمِلْكِ فِي الْحَدِيثِ.
قَالَ: (وَمَنْ حَجَّرَ أَرْضًا ثَلَاثَ سِنِينَ، فَلَمْ يَزْرَعْهَا - دَفَعَهَا الْإِمَامُ إِلَى غَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّ التَّحْجِيرَ لَيْسَ بِإِحْيَاءٍ، وَالْإِمَامُ دَفَعَهَا؛ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ مِنَ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ دَفَعَهَا إِلَى غَيْرِهِ لِيَحْصُلَ.
وَسُمِّيَ تَحْجِيرًا؛ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مِنَ الْحَجْرِ، وَهُوَ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ غَيْرَهُ عَنْهَا.
الثَّانِي: أَنَّهُمْ يَضَعُونَ الْأَحْجَارَ حَوْلَهَا تَعْلِيمًا لِحُدُودِهَا؛ لِئَلَّا يَشْرَكَهُمْ فِيهَا أَحَدٌ. وَالتَّحْجِيرُ أَنْ يُعَلِّمَهَا بِعَلَامَةٍ، بِأَنْ وَضَعَ الْحِجَارَةَ أَوْ غَرَسَ حَوْلَهَا أَغْصَانًا يَابِسَةً، أَوْ قَلَعَ الْحَشِيشَ أَوْ أَحْرَقَ الشَّوْكَ وَنَحْوَهُ، فَإِنَّهُ تَحْجِيرٌ. وَهُوَ اسْتِيَامٌ وَلَيْسَ بِإِحْيَاءٍ، وَلِهَذَا لَوْ أَحْيَاهَا غَيْرُهُ قَبْلَ ثَلَاثِ سِنِينَ مَلَكَهَا؛ لِأَنَّهُ أَحْيَاهَا.
كَمَا يُكْرَهُ السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَلَوْ عَقَدَ جَازَ الْعَقْدُ. وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثِ سِنِينَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ
وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ فَحَرِيمُهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِلنَّاضِحِ (سم) وَالْعَطَنِ. فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ فِي حَرِيمِهَا مُنِعَ، وَحَرِيمُ الْعَيْنِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ. وَالْقَنَاةُ عِنْدَ خُرُوجِ الْمَاءِ كَالْعَيْنِ، وَلَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ الطَّاهِرِ (سم) إِذَا كَانَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَكَذَا لَوْ حَفَرَهُ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ لَا حَرِيمَ لَهُ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَلَيْسَ لِلْمُحْجِرِ بَعْدَ ثَلَاثٍ حَقٌّ.
قَالَ: (وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ فَحَرِيمُهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِلنَّاضِحِ وَالْعَطَنِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. (فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ فِي حَرِيمِهَا مُنِعَ) ؛ لِأَنَّ فِي الْأَرَاضِي الرَّخْوَةِ يَتَحَوَّلُ الْمَاءُ إِلَى مَا يُحْفَرُ دُونَهَا، فَيُؤَدِّي إِلَى اخْتِلَالِ حَقِّهِ. وَلِأَنَّهُ مَلَكَ الْحَرِيمَ؛ لِيَتَمَكَّنَ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إِنْ كَانَتْ لِلنَّاضِحِ فَسِتُّونَ؛ لِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَحَرِيمُ بِئْرِ الْعَطَنِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَحَرِيمُ بِئْرِ النَّاضِحِ سِتُّونَ ذِرَاعًا» ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهَا إِلَى سَيْرِ الدَّابَّةِ؛ لِلِاسْتِقَاءِ. وَقَدْ يَطُولُ الرِّشَا، وَبِئْرُ الْعَطَنِ يَسْتَقِي مِنْهَا بِيَدِهِ، فَكَانَتِ الْحَاجَةُ أَقَلَّ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مَا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْإِحْيَاءِ وَهُوَ الْحَفْرُ. وَإِنَّمَا تَرَكْنَاهُ فِي مَوْضِعٍ اتَّفَقَ الْحَدِيثَانِ فِيهِ، وَمَا اخْتَلَفَا فِيهِ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ. وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُدِيرَ الدَّابَّةَ حَوْلَ الْبِئْرِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى زِيَادَةِ مَسِيرٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: جَعَلَ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ سِتِّينَ ذِرَاعًا حَرِيمًا؛ لِمَدِّ الْحَبْلِ، لَا أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ. وَلَوِ احْتَاجَ إِلَى سَبْعِينَ يَمُدُّ الْحَبْلَ إِلَيْهِ، وَكَانَ لَهُ مَدُّ الْحَبْلِ لَا أَنَّهُ يَمْلِكُهُ. وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ حَرِيمَ بِئْرِ النَّاضِحِ بِقَدْرِ الْحَبْلِ سَبْعُونَ كَانَ أَوْ أَكْثَرَ.
وَالْعَطَنُ: مَبْرَكُ الْإِبِلِ حَوْلَ الْمَاءِ، يُقَالُ: عَطَنَتِ الْإِبِلُ فَهِيَ عَاطِنَةٌ وَعَوَاطِنُ إِذَا سُقِيَتْ، وَتُرِكَتْ عِنْدَ الْحِيَاضِ؛ لِتُعَادَ إِلَى الشُّرْبِ، وَالنَّوَاضِحُ: الْإِبِلُ الَّتِي تُسْقِي الْمَاءَ، وَالْوَاحِدُ نَاضِحٌ، وَفِي الْحَدِيثِ «كُلُّ مَا سُقِيَ مِنَ الزَّرْعِ نَضْحًا فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ» .
قَالَ: (وَحَرِيمُ الْعَيْنِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ) ؛ لِمَا سَبَقَ مِنَ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّ الْعَيْنَ تُسْتَخْرَجُ؛ لِلزِّرَاعَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَوْضِعِ حَوْضٍ يُجْمَعُ فِيهِ الْمَاءُ، وَسَاقِيَةٍ يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ إِلَى الْمَزَارِعِ، فَاحْتَاجَ إِلَى مَسَافَةٍ أَكْثَرَ مِنَ الْبِئْرِ.
قَالَ: (وَالْقَنَاةُ عِنْدَ خُرُوجِ الْمَاءِ كَالْعَيْنِ)، وَقَبْلَهُ قِيلَ: هُوَ مُفَوَّضٌ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْقَنَاةِ مِنَ الْحَرِيمِ؛ لِمُلْقَى طِينِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ، فَإِذَا ظَهَرَ فَهُوَ كَالْعَيْنِ الْفَوَّارَةِ. قِيلَ: هُوَ قَوْلُهُمَا. أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا حَرِيمَ لِلْقَنَاةِ مَا لَمْ يَظْهَرِ الْمَاءُ؛ لِأَنَّهُ نَهْرٌ مَطْوِيٌّ - فَيُعْتَبَرُ بِالنَّهْرِ الظَّاهِرِ. (وَلَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ الظَّاهِرِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (إِذَا كَانَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَكَذَا لَوْ حَفَرَهُ فِي أَرْضِ مَوَاتٍ لَا حَرِيمَ لَهُ) خِلَافًا لَهُمَا.
وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا: لِلنَّهْرِ حَرِيمٌ بِقَدْرِ