المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل كنايات الطلاق] - الاختيار لتعليل المختار - جـ ٣

[ابن مودود الموصلي]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌كِتَابُ الصُّلْحِ

- ‌كِتَابُ الشَّرِكَةِ

- ‌كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَدِيعَةِ

- ‌كِتَابُ اللَّقِيطِ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌كِتَابُ الْآبِقِ

- ‌كِتَابُ الْمَفْقُودِ

- ‌كِتَابُ الْخُنْثَى

- ‌[فصل أحكام الْخُنْثَى]

- ‌كِتَابُ الْوَقْفِ

- ‌كِتَابُ الْهِبَةِ

- ‌[فصل الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ]

- ‌[فصل الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى]

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَةِ

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌فَصْلٌزَوَائِدُ الْغَصْبِ

- ‌كِتَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ

- ‌كِتَابُ الشِّرْبِ

- ‌[فصل كرى الأنهار العظام على بيت المال]

- ‌كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ

- ‌كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌[ما يشترط في الشهود في النكاح]

- ‌[فَصْلُ مُحَرَّمَاتُ النِّكَاحِ]

- ‌[فصل نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ]

- ‌[فَصْلٌ: عِبَارَةُ النِّسَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي النِّكَاحِ]

- ‌[تَرْتِيبُ الْأَوْلِيَاءِ]

- ‌[فصل الكفاءة في النكاح]

- ‌[فصل أَقَلُّ الْمَهْرِ وَأَكْثَرُهُ]

- ‌[فصل مَهْرُ الْمِثْلِ]

- ‌فَصْلٌ [نِكَاحُ الْعَبْدِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى]

- ‌فَصْلٌ [نِكَاحُ الذِّمِّيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ]

- ‌[فصل عيوب الزوجية]

- ‌[فصل الْعَدْلُ فِي الْقَسْمِ]

- ‌كِتَابُ الرَّضَاعِ

- ‌كِتَابُ الطَّلَاقِ

- ‌[حكم طلاق المكره والسكران والأخرس والهازل]

- ‌[فصل صَرِيحُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فصل وصف الطَّلَاقِ]

- ‌[فصل الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ]

- ‌[فصل كِنَايَاتُ الطَّلَاقِ]

- ‌[تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فصل الطَّلَاقُ بِالْمَشِيئَةِ]

- ‌[فصل أبان امرأته في مرضه ثم مات]

- ‌بَابُ الرَّجْعَةِ

- ‌بَابُ الْإِيلَاءِ

- ‌[فصل الْفَيْءُ أَوْ سُقُوطُ الْإِيلَاءِ]

- ‌بَابُ الْخَلْعِ

- ‌بَابُ الظِّهَارِ

- ‌[فصل كفارة الظِّهَار]

- ‌بَابُ اللِّعَانِ

- ‌بَابُ الْعِدَّةِ

- ‌[فصل في الأقراء وهي الحيض]

- ‌[فصل في الحداد]

- ‌[فصل أَقَلُّ الْحَمْلِ وَأَكْثَرُهُ]

الفصل: ‌[فصل كنايات الطلاق]

وَكِنَايَاتُ الطَّلَاقِ لَا يَقَعُ بِهَا إِلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَيَقَعُ بَائِنًا إِلَّا اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ فَيَقَعُ بِهَا وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

أَوْ قَدَّمَهُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِحِرَفِ الْجَمْعِ. وَلَهُ أَنَّ الشَّرْطَ إِذَا تَأَخَّرَ بِغَيْرِ صَدْرِ الْكَلَامِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْكَلَامِ فَتَقَعُ جُمْلَةً، أَمَّا إِذَا تَقَدَّمَ لَا مُغَيِّرَ لَهُ فَلَا يَتَوَقَّفُ، وَالْجَمِيعُ يَحْتَمِلُ التَّرْتِيبَ وَيَحْتَمِلُ الْقِرَانَ، فَعَلَى تَقْدِيرِ احْتِمَالِ التَّرْتِيبِ لَا تَقَعُ إِلَّا وَاحِدَةٌ كَمَا إِذَا صَرَّحَ بِهِ فَلَا يَقَعُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ بِالشَّكِّ، وَلَوْ عَطَفَ بِحَرْفِ الْفَاءِ. قَالَ الْكَرْخِيُّ: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: تَقَعُ وَاحِدَةٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ، قَالُوا: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ بَانَتْ بِالْأُولَى وَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِالثَّانِيَةِ، وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِلْحَالِ وَتَتَعَلَّقُ الثَّانِيَةُ بِالدُّخُولِ.

[فصل كِنَايَاتُ الطَّلَاقِ]

فَصْلٌ (وَكِنَايَاتُ الطَّلَاقِ لَا يَقَعُ بِهَا إِلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ بِدَلَالَةِ الْحَالِ) لِاحْتِمَالِهَا الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لَهُ فَلَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا بِالتَّعْيِينِ، وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَهُ أَوْ تَدُلَّ عَلَيْهِ الْحَالُ فَتَتَرَجَّحُ إِرَادَتُهُ. قَالَ:(وَيَقَعُ بَائِنًا) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إِيقَاعَ الْبَائِنِ وَأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الْبَيْنُونَةِ فَيَمْلِكُهُ كَالثَّلَاثِ وَقَدْ أَوْقَعَهُ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَبَنْتُكِ بِطَلْقَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ بِصَرِيحِهَا وَمَعْنَاهَا، فَإِنَّ قَوْلَهُ بَائِنٌ صَرِيحٌ. وَبَتَّةٌ وَبَتْلَةٌ يُنْبِئَانِ عَنِ الْقَطْعِ وَذَلِكَ فِي الْبَائِنِ دُونَ الرَّجْعِيِّ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَلْفَاظِ إِذَا تَأَمَّلْتَ مَعْنَاهَا.

قَالَ: (إِلَّا اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ فَيَقَعُ بِهَا وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةُ) لِأَنَّ قَوْلَهُ: اعْتَدِّي يَحْتَمِلُ اعْتَدِّي نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَحْتَمِلُ اعْتَدِّي عِدَّةَ الطَّلَاقِ فَإِذَا نَوَاهَا يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: طَلَّقْتُكِ فَاعْتَدِّي، وَذَلِكَ يُوجِبُ الرَّجْعَةَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: اسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ فَلِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلْعِدَّةِ إِذْ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا، وَيَحْتَمِلُ اسْتَبْرِئِي لِأُطَلِّقَكِ، فَإِنْ نَوَى الْأَوَّلَ كَانَ فِي مَعْنَاهُ فَيَكُونُ رَجْعِيًّا لِمَا مَرَّ.

وَقَوْلُهُ: أَنْتِ وَاحِدَةٌ يَصْلُحُ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَيَصْلُحُ وَصْفًا لَهَا بِالتَّوْحِيدِ عِنْدَهُ، فَإِذَا نَوَى الطَّلَاقَ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ وَمِثْلُهُ جَائِزٌ كَقَوْلِهِ: أَعْطَيْتُكَ جَزِيلًا أَيْ عَطَاءً جَزِيلًا، وَإِذَا احْتَمَلَهُ فَإِذَا نَوَاهُ تَعَيَّنَ مُجْمَلًا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ كَانَ رَجْعِيًّا فَكَذَا هَذَا، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِذَا أَعْرَبَ الْوَاحِدَةَ بِالرَّفْعِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِشَخْصِهَا، وَإِنْ أَعْرَبَ بِالنَّصْبِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِأَنَّهُ نَعْتُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَإِنْ سَكَّنَ يُحْتَاجُ إِلَى نِيَّتِهِ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَالُوا: الْكُلُّ سَوَاءٌ، لِأَنَّ الْعَامَّةَ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ ذَلِكَ فَلَا يُبْنَى حُكْمٌ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ عَلَيْهِ.

وَلَا يَقَعُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ إِلَّا وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ مُضْمَرٌ فِيهَا أَوْ مُقْتَضًى، وَلَوْ أَظْهَرَ لَا يَقَعُ إِلَّا وَاحِدَةٌ لِمَا بَيَّنَّا، كَذَا هَذَا.

ص: 132

وَأَلْفَاظُ الْبَائِنِ قَوْلُهُ: أَنْتِ بَائِنٌ، بَتَّةٌ، بَتْلَةٌ، حَرَامٌ، حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، خَلِيَّةٌ، بَرِيَّةٌ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ، وَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ، سَرَّحْتُكِ، فَارَقْتُكِ، أَمْرُكِ بِيَدِكِ، تَقَنَّعِي، اسْتَتِرِي، أَنْتِ حُرَّةٌ، اغْرُبِي، اخْرُجِي، ابْتَغِي الْأَزْوَاجَ. وَيَصِحُّ فِيهَا نِيَّةُ الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِ، وَلَوْ نَوَى الثِّنْتَيْنِ فَوَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي يَنْوِي الطَّلَاقَ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا، وَيَبْطُلُ خِيَارُهَا بِالْقِيَامِ، وَبِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

قَالَ: (وَأَلْفَاظُ الْبَائِنِ قَوْلُهُ: أَنْتِ بَائِنٌ، بَتَّةٌ، بَتْلَةٌ، حَرَامٌ، حَبْلُكُ عَلَى غَارِبِكِ، خَلِيَّةٌ، بَرِيَّةٌ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ، وَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ، سَرَّحْتُكِ، فَارَقْتُكِ، أَمْرُكِ بِيَدِكِ، تَقَنَّعِي، اسْتَتِرِي، أَنْتِ حُرَّةٌ، اغْرُبِي، اخْرُجِي، ابْتَغِي الْأَزْوَاجَ. وَيَصِحُّ فِيهَا نِيَّةُ الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِ) لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ خَفِيفَةٌ وَغَلِيظَةٌ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّ، وَإِنْ نَوَى نَفْسَ الطَّلَاقِ فَوَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ الْأَدْنَى.

(وَلَوْ نَوَى الثِّنْتَيْنِ فَوَاحِدَةٌ) لِأَنَّهُمَا عَدَدٌ وَاللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَدَدِ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَلَا يَقَعُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ فَيَقَعُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يَقَعُ دِيَانَةً إِلَّا بِالنِّيَّةِ، وَتَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ أَدْنَى.

ثُمَّ هِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مِنْهَا مَا يَصْلُحُ جَوَابًا لَا غَيْرُ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: أَمْرُكِ بِيَدِكِ، اخْتَارِي، اعْتَدِّي.

وَمِنْهَا مَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَرَدًّا لَا غَيْرُ، وَهِيَ سَبْعَةٌ: اخْرُجِي، اذْهَبِي، اغْرُبِي، قُومِي، تَقَنَّعِي، اسْتَتِرِي، تَخَمَّرِي.

وَمِنْهَا مَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَرَدًّا وَشَتِيمَةً، وَهِيَ خَمْسَةٌ: خَلِيَّةٌ، بَرِيَّةٌ، بَتَّةٌ، بَائِنٌ، حَرَامٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَلْحَقَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ خَمْسَةً أُخْرَى: خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ، سَرَّحْتُكِ، لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكِ، لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ.

وَالْأَحْوَالُ ثَلَاثَةٌ: حَالَةٌ مُطْلَقَةٌ وَهِيَ حَالَةُ الرِّضَا، وَحَالَةُ مُذَاكَرَةِ طَلَاقِهَا، وَحَالَةُ غَضَبٍ.

أَمَّا حَالَةُ الرِّضَا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِالنِّيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي عَدَمِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يُطْلِعُ غَيْرَهُ عَلَيْهِ وَالْحَالُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.

وَفِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ يَقَعُ الطَّلَاقُ قَضَاءً وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى عَدَمِهِ إِلَّا فِيمَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَرَدًّا لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَهُوَ الْأَدْنَى فَيُصَدَّقُ فِيهِ.

وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ يُصَدَّقُ إِلَّا فِيمَا يَصْلُحُ جَوَابًا لَا غَيْرُ، لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلطَّلَاقِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْغَضَبُ فَيُجْعَلُ طَلَاقًا.

قَالَ: (وَلَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي. يَنْوِي الطَّلَاقَ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا) فَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً فَبِسَمَاعِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً فَبِالْإِخْبَارِ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا الْمَجْلِسُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَلِأَنَّهُ مَلَّكَهَا فِعْلَ الِاخْتِيَارِ، وَالتَّمْلِيكَاتُ تَقْتَضِي جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا.

(وَيَبْطُلُ خِيَارُهَا بِالْقِيَامِ) لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ (وَبِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ) حَقِيقَةً بِالِانْتِقَالِ إِلَى مَجْلِسٍ آخَرَ، وَمَعْنًى بِتَبَدُّلِ الْأَفْعَالِ، فَمَجْلِسُ الْأَكْلِ غَيْرُ مَجْلِسِ الْقِتَالِ، وَمَجْلِسُ الْقِتَالِ غَيْرُ مَجْلِسِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَيَبْطُلُ بِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ وَإِنْ كَانَتْ مَعْذُورَةً؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا

ص: 133

فَإِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَاهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ - النَّفْسِ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِ أَوْ كَلَامِهَا،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

رحمه الله قَالَ: إِذَا أَخَذَ الزَّوْجُ بِيَدِهَا وَأَقَامَهَا مِنَ الْمَجْلِسِ بَطَلَ خِيَارُهَا، وَلَوْ كَانَتْ فِي صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ أَوْ وِتْرٍ فَأَتَمَّتْهَا لَا يَبْطُلُ، وَكَذَا فِي التَّطَوُّعِ إِنْ تَمَّتْ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَنْ قَطْعِهَا، وَإِنْ تَمَّتْ أَرْبَعًا بَطَلَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فِي النَّفْلِ كَالدُّخُولِ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى. وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ لَا تُبْطِلُ وَإِنْ أَتَمَّتْهَا أَرْبَعًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فَقَعَدَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا لِأَنَّهُ دَلِيلُ التَّرَوِّي، فَإِنَّ الْقُعُودَ أَجْمَعُ لِلرَّأْيِ، وَكَذَا إِذَا كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ، أَوْ مُتَّكِئَةً فَقَعَدَتْ، لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ جِلْسَةٍ إِلَى جِلْسَةٍ وَلَيْسَ بِإِعْرَاضٍ، كَمَا إِذَا تَرَبَّعَتْ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُحْتَبِيَةً. وَقِيلَ إِذَا كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا لِأَنَّهُ إِظْهَارٌ لِلتَّهَاوُنِ بِالْأَمْرِ فَكَانَ إِعْرَاضًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَلَوْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاضْطَجَعَتْ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ تَسِيرُ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ فِي مَحْمَلٍ فَوَقَفَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا، وَإِنْ سَارَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا، إِلَّا أَنْ تَخْتَارَ مَعَ سُكُوتِ الزَّوْجِ، لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ وَوُقُوفَهَا مُضَافٌ إِلَيْهَا، فَإِذَا سَارَتْ كَانَ كَمَجْلِسٍ آخَرَ.

(فَإِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ) لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا يُوجِبُ اخْتِصَاصَهَا بِهَا دُونَ غَيْرِهَا وَذَلِكَ بِالْبَيْنُونَةِ.

(وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَاهَا) لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَتَنَوَّعُ.

(وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِ أَوْ كَلَامِهَا) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: اخْتَارِي نَفْسَكِ فَتَقُولُ: اخْتَرْتُ، أَوْ يَقُولُ لَهَا: اخْتَارِي فَتَقُولُ: اخْتَرْتُ نَفْسِي لِأَنَّ ذَلِكَ عُرِفَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَأَنَّهُ الْمُفَسَّرُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَلِأَنَّ الْمُبْهَمَ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْمُبْهَمِ، حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي، فَقَالَتِ اخْتَرْتُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَضْعًا، وَإِنَّمَا جُعِلَ بِالسُّنَّةِ فِيمَا إِذَا كَانَ مُفَسَّرًا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ اخْتَارِي، وَقَوْلَهَا اخْتَرْتُ، لَيْسَ لَهُ مُخَصِّصٌ بِهَا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، فَإِذَا ذُكِرَتِ النَّفْسُ تَخَصَّصَ الِاخْتِيَارُ لَهَا فَيَقَعُ.

وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ أَوِ التَّطْلِيقَةِ أَوِ الِاخْتِيَارَةِ فِي أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، أَمَّا ذِكْرُ النَّفْسِ فَلِمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا ذِكْرُ التَّطْلِيقَةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الِاخْتِيَارَةُ فَلِأَنَّ الْهَاءَ تُنْبِئُ عَنِ التَّفَرُّدِ، وَاخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا هُوَ الَّذِي يَتَّحِدُ مَرَّةً وَيَتَعَدَّدُ أُخْرَى، فَصَارَ مُفَسَّرًا مِنْ جَانِبِهِ.

وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ بِالتَّخْيِيرِ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَى، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِيقَاعَ الطَّلَاقِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَلَا يَمْلِكُ التَّفْوِيضَ إِلَى غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ قَوْلَهَا: أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي يَحْتَمِلُ الْوَعْدَ فَلَا يَكُونُ جَوَابًا مَعَ الِاحْتِمَالِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَلِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ هَذَا إِيجَابًا وَجَوَابًا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ «لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب: 28] الْآيَةَ، " بَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَائِشَةَ رضي الله عنها، فَقَالَ: إِنِّي أُخْبِرُكِ بِشَيْءٍ، فَمَا عَلَيْكِ أَلَّا تُجِيبِينِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ ثُمَّ أَخْبَرَهَا بِالْآيَةِ "، فَقَالَتْ: " أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ

ص: 134

وَلَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي، فَقَالَتِ: اخْتَرْتُ اخْتِيَارَةً، أَوْ قَالَتِ: اخْتَرْتُ الْأُولَى أَوِ الْوُسْطَى أَوِ الْأَخِيرَةَ فَهِيَ ثَلَاثٌ (سم)، وَلَوْ قَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِيَ أَوِ اخْتَرْتُ نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ فَهِيَ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي نَفْسَكِ أَوْ أَمْرُكِ بِيَدِكِ بِتَطْلِيقَةٍ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ خَيَّرَهَا فَقَالَتِ: اخْتَرْتُ نَفْسِي لَا بَلْ زَوْجِي لَا يَقَعُ، وَلَوْ قَالَتْ: نَفْسِي أَوْ زَوْجِي لَا يَقَعُ، وَلَوْ قَالَتْ: نَفْسِي وَزَوْجِي طَلُقَتْ، وَالْأَمْرُ بِالْيَدِ كَالتَّخْيِيرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجْلِسِ، إِلَّا أَنَّهُ إِذَا قَالَ: أَمْرُكِ بِيَدِكِ وَنَوَى الثَّلَاثَ صَحَّ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

أَبَوَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ لَا، بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وَأَرَادَتْ بِذَلِكَ الِاخْتِيَارَ لِلْحَالِ، وَعَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَوَابًا وَإِيجَابًا، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ النِّكَاحَ وَلَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا، فَلَهُ أَنْ يُقِيمَهَا مَقَامَ نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ.

(وَلَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي، فَقَالَتْ: اخْتَرْتُ اخْتِيَارَةً، أَوْ قَالَتْ: اخْتَرْتُ الْأُولَى أَوِ الْوُسْطَى أَوِ الْأَخِيرَةَ فَهِيَ ثَلَاثٌ) وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى نِيَّةِ الزَّوْجِ، لِأَنَّ تَكْرَارَ هَذَا الْكَلَامِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الطَّلَاقِ دُونَ غَيْرِهِ. أَمَّا قَوْلُهَا اخْتِيَارَةً فَلِأَنَّهَا لِلْمَرَّةِ، وَلَوْ صَرَّحَتْ بِالْمَرَّةِ كَانَتْ ثَلَاثًا فَكَذَا هَذَا، وَلِأَنَّهَا لِلتَّأْكِيدِ، وَالتَّأْكِيدُ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ. وَأَمَّا قَوْلُهَا الْأُولَى أَوِ الْوُسْطَى أَوِ الْأَخِيرَةَ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: تَقَعُ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ ذِكْرَ الْأُولَى أَوِ الْوُسْطَى أَوِ الْأَخِيرَةِ إِنْ كَانَ لَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ يُفِيدُ الْإِفْرَادَ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ. وَلَهُ أَنَّهَا إِنَّمَا تَتَصَرَّفُ فِيمَا مَلَكَتْهُ، إِذِ الْمُجْتَمِعُ فِي الْمِلْكِ كَالْمُجْتَمِعِ فِي الْمَكَانِ، وَذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ التَّرْتِيبَ، فَإِنَّ الْقَوْمَ الْمُجْتَمِعِينَ فِي مَكَانٍ لَا يُقَالُ: هَذَا أَوَّلٌ وَهَذَا آخِرُ، وَيُقَالُ: هَذَا جَاءَ أَوَّلًا وَهَذَا آخِرًا، فَيَكُونُ التَّرْتِيبُ فِي مَجِيئِهِمَا لَا فِي ذَاتِهِمَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَغَا قَوْلُهَا: الْأُولَى أَوِ الْوُسْطَى، فَبَقِيَ قَوْلُهَا: اخْتَرْتُ، وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْتُ وَسَكَتَتْ وَقَعَتِ الثَّلَاثُ كَذَا هَذَا.

(وَلَوْ قَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي أَوِ اخْتَرْتُ نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ فَهِيَ رَجْعِيَّةٌ) لِأَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، لِأَنَّ هَذَا يُوجِبُ الِانْطَلَاقَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.

(وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي نَفْسَكِ، أَوْ أَمْرُكِ بِيَدِكِ بِتَطْلِيقَةٍ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ) لِأَنَّ ذِكْرَ الطَّلَاقِ يُعَقِّبُ الرَّجْعَةَ، وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ.

(وَلَوْ خَيَّرَهَا فَقَالَتْ: اخْتَرْتُ نَفْسِي لَا بَلْ زَوْجِي لَا يَقَعُ) لِأَنَّهُ لِلْإِضْرَابِ عَنِ الْأَوَّلِ فَلَا يَقَعُ.

(وَلَوْ قَالَتْ: نَفْسِي أَوْ زَوْجِي لَا يَقَعُ) لِأَنَّ أَوْ لِلشَّكِّ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ، وَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِاشْتِغَالِهَا بِشَيْءٍ آخَرَ.

(وَلَوْ قَالَتْ: نَفْسِي وَزَوْجِي طَلُقَتْ) وَلَا يَصِحُّ الْعَطْفُ (وَالْأَمْرُ بِالْيَدِ كَالتَّخْيِيرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجْلِسِ) عَلَى مَا ذَكَرْنَا، (إِلَّا أَنَّهُ إِذَا قَالَ: أَمْرُكِ بِيَدِكِ وَنَوَى الثَّلَاثَ صَحَّ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ، وَالِاخْتِيَارُ لَا يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْيَدِ

ص: 135

وَلَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ: اخْتَرْتُ نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَمْرُكِ بِيَدِكِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا يَقَعُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ فِي الْمَجْلِسِ وَتَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ، وَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ أَرَادَهَا الزَّوْجُ وَقَعْنَ، وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ (ز) إِلَّا أَنْ تَكُونَ أَمَةً فَيَصِحُّ، وَلَوْ كَانَتْ حُرَّةً وَقَدْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَا يَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ وَلَوْ قَالَتْ: أَبَنْتُ نَفْسِي طَلُقَتْ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَمْرُكِ بِيَدِكِ، فَقَالَتْ: أَنْتَ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ أَنْتَ مِنِّي بَائِنٌ، أَوْ أَنَا عَلَيْكَ حَرَامٌ، أَوْ أَنَا مِنْكَ بَائِنٌ، فَهُوَ جَوَابٌ وَطَلُقَتْ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

يُنْبِئُ عَنِ التَّمْلِيكِ وَضْعًا، قَالَ تَعَالَى:{وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19] وَالِاخْتِيَارُ عُرْفٌ تَمْلِيكًا شَرْعًا لَا وَضْعًا، وَالْإِجْمَاعُ انْعَقَدَ فِي الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ لَا غَيْرُ، فَلِهَذَا صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ دُونَ التَّخْيِيرِ.

(وَلَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ: اخْتَرْتُ نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ فَهِيَ ثَلَاثٌ) لِأَنَّهَا صِفَةُ الِاخْتِيَارَةِ، لِأَنَّ الِاخْتِيَارَةَ تَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ لِكَوْنِهِ تَمْلِيكًا كَالتَّخْيِيرِ فَصَارَ كَمَا إِذَا قَالَتْ: اخْتَرْتُ نَفْسِي مَرَّةً وَاحِدَةً، وَبِذَلِكَ يَقَعُ الثَّلَاثُ.

(وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَمْرُكِ بِيَدِكِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا) قِيلَ: لَا يَقَعُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ (يَقَعُ) وَلَوْ قَالَ لَهَا: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَمْرُكِ بِيَدِكِ إِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا كَمَا وَقَعَتْ قَدَمُهَا فِيهَا طَلُقَتْ، وَإِنْ طَلُقَتْ بَعْدَمَا مَشَتْ خُطْوَتَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ.

(وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ فِي الْمَجْلِسِ) لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكُونُ وَكِيلَةً فِي حَقِّ نَفْسِهَا فَكَانَ تَمْلِيكًا، (وَتَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ) لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ، لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِتَطْلِيقِهَا، وَكَذَا قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ أَوْ أَحْبَبْتِ أَوْ هَوَيْتِ أَوْ أَرَدْتِ أَوْ رَضِيتِ، لِأَنَّ كُلَّهُ تَعْلِيقٌ بِفِعْلِ الْقَلْبِ فَهُوَ كَالْخِيَارِ.

(وَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ أَرَادَهَا الزَّوْجُ وَقَعْنَ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ افْعَلِي الطَّلَاقَ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى مَعَ الْجَمِيعِ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ فَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ وَيَنْصَرِفُ إِلَى الْأَدْنَى عِنْدَ عَدَمِهَا عَلَى مَا مَرَّ (وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ) لِأَنَّهُ عَدَدٌ؛ خِلَافًا لَزُفَرَ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، (إِلَّا أَنْ تَكُونَ أَمَةً فَيَصِحُّ) لِأَنَّهُ الْجِنْسُ فِي حَقِّهَا (وَلَوْ كَانَتْ حُرَّةً وَقَدْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجِنْسٍ فِي حَقِّهَا.

(وَلَوْ قَالَتْ: أَبَنْتُ نَفْسِي طَلُقَتْ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً) لِأَنَّ الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ، إِلَّا أَنَّهَا زَادَتْ فِيهَا وَصْفَ الْإِبَانَةِ فَيَلْغُو، كَمَا إِذَا قَالَتْ طَلَّقْتُ نَفْسِي بَائِنَةً. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فُوِّضَ إِلَيْهَا، وَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْمُخَيَّرَةِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ أَيْضًا.

(وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَمْرُكِ بِيَدِكِ، فَقَالَتْ: أَنْتَ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ أَنْتَ مِنِّي بَائِنٌ، أَوْ أَنَا عَلَيْكَ حَرَامٌ، أَوْ أَنَا مِنْكَ بَائِنٌ، فَهُوَ جَوَابٌ وَطَلُقَتْ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُفِيدُ الطَّلَاقَ كَمَا إِذَا قَالَتْ طَلَّقْتُ نَفْسِي، وَلَوْ قَالَتْ: أَنْتَ مِنِّي طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ

ص: 136

وَلَوْ قَالَتْ: أَنَا مِنْكَ طَالِقٌ، أَوْ أَنَا طَالِقٌ وَقَعَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ مَتَى شِئْتِ، أَوْ مَتَى مَا شِئْتِ، أَوْ إِذَا شِئْتِ، أَوْ إِذَا مَا شِئْتِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، وَلَوْ رَدَّتْهُ لَا يَرْتَدُّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: طَلِّقِ امْرَأَتِي، وَلَوْ قَالَ لَهُ: إِنْ شِئْتَ. اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ (ز)، وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ كُلَّمَا شِئْتِ فَلَهَا أَنْ تُفَرِّقَ الثَّلَاثَ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَجْمَعَهَا، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ: وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ (سم) ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

شَيْءٌ.

(وَلَوْ قَالَتْ: أَنَا مِنْكَ طَالِقٌ أَوْ أَنَا طَالِقٌ، وَقَعَ) لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُوصَفُ بِالطَّلَاقِ دُونَ الرِّجَالِ، (وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ مَتَى شِئْتِ، أَوْ مَتَى مَا شِئْتِ، أَوْ إِذَا شِئْتِ، أَوْ إِذَا مَا شِئْتِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ) لِأَنَّهَا لِعُمُومِ الْأَوْقَاتِ كَأَنَّهُ قَالَ: فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْتِ، وَهَذَا فِي " مَتَى " و" مَتَى مَا " ظَاهِرٌ، وَأَمَّا " إِذَا " و" إِذَا مَا " فَقَدَ سَبَقَ الْكَلَامُ فِيهِ وَالْعُذْرُ عَنْهُ، (وَلَوْ رَدَّتْهُ لَا يَرْتَدُّ) لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَتْ فَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا قَبْلَ الْمَشِيئَةِ فَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، (وَكَذَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: طَلِّقِ امْرَأَتِي) لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ.

(وَلَوْ قَالَ لَهُ: إِنْ شِئْتَ، اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ)، وَقَالَ زُفَرُ: هُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ كَمَا إِذَا سَكَتَ عَنِ الْمَشِيئَةِ. وَلَنَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ حَيْثُ عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ، وَالْمَالِكُ يَتَصَرَّفُ بِالْمَشِيئَةِ، وَالتَّمْلِيكُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِمَا عُرِفَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ أَحْبَبْتِ، فَقَالَتْ: شِئْتُ، وَقَعَ، وَلَوْ قَالَ: إِنْ شِئْتِ فَقَالَتْ أَحْبَبْتُ لَا يَقَعُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَشِيئَةَ إِرَادَةٌ وَإِيجَابٌ وَفِيهَا مَعْنَى الْمَحَبَّةِ وَزِيَادَةٌ، فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْأُولَى وَزِيَادَةٌ، وَالْمَحَبَّةُ لَيْسَ فِيهَا إِيجَابٌ فَلَمْ يُوجَدْ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ الْمَشِيئَةُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَلَمْ يُوجَدِ الشَّرْطُ.

(وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ كُلَّمَا شِئْتِ فَلَهَا أَنْ تُفَرِّقَ الثَّلَاثَ) لِأَنَّ (كُلَّمَا) تَقْتَضِي تَكْرَارَ الْفِعْلِ، وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَمْلُوكِ مِنَ الطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْقَائِمِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَعَادَتْ إِلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَا تَمْلِكُ التَّطْلِيقَ (وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَجْمَعَهَا) لِأَنَّهَا تُوجِبُ عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَمْلُوكِ فِي النِّكَاحِ حَتَّى كَانَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ كَلِمَةِ (كُلَّمَا) وَلَنَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَلَا يَصِحُّ إِلَّا فِيمَا هُوَ فِي مِلْكِهِ، وَلَا يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلَاثِ، وَعَلَى هَذَا، الْإِيلَاءُ إِذَا وَقَعَ بِهِ ثَلَاثُ طَلْقَاتٍ ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ لَا يَعُودُ الْإِيلَاءُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ يَعُودُ.

(وَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهَا أَوْقَعَتْ بَعْضَ مَا مَلَكَتْ، (وَلَوْ قَالَ: وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا مَلَكَتِ الْوَاحِدَةَ، وَقَدْ أَتَتْ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا فَتَلْغُو كَمَا إِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعًا، فَإِنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ وَيَلْغُو الزَّائِدُ. وَلَهُ أَنَّ الْوَاحِدَةَ غَيْرُ الثَّلَاثِ لَفْظًا وَمَعْنًى، فَقَدْ أَتَتْ بِغَيْرِ مَا مَلَّكَهَا فَكَانَ كَلَامًا مُبْتَدَأً فَلَا يَقَعُ، بِخِلَافِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الثَّلَاثَ

ص: 137

وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ، فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي وَاحِدَةً بَائِنَةً فَهِيَ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ قَالَ: وَاحِدَةً بَائِنَةً، فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ رَجْعِيَّةً فَهِيَ بَائِنَةٌ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْتِ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ لَمْ تَشَأْ، فَإِنْ شَاءَتْ بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَقَدْ أَرَادَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَقَعَ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مَشِيئَتُهَا وَإِرَادَتُهُ فَوَاحِدَةٌ (سم) رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا شِئْتِ أَوْ كَمْ شِئْتِ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَا شَاءَتْ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْتِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ ثَلَاثًا وَتُطَلِّقَ مَا دُونَهَا (سم) .

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

فَيَتَصَرَّفُ فِيهَا بِحُكْمِ الْمِلْكِ، وَالزَّائِدُ عَلَيْهَا لَغْوٌ فَبَطَلَ.

(وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ، فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي وَاحِدَةً بَائِنَةً فَهِيَ رَجْعِيَّةٌ) لِأَنَّهَا أَتَتْ بِالْأَصْلِ فَصَحَّ وَوَقَعَ مَا أَمَرَهَا بِهِ، ثُمَّ أَتَتْ بِزِيَادَةِ وَصْفٍ فَيَلْغُو إِذْ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ.

(وَلَوْ قَالَ: وَاحِدَةً بَائِنَةً، فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ رَجْعِيَّةً، فَهِيَ بَائِنَةٌ) لِمَا قُلْنَا.

(وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْتِ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ لَمْ تَشَأْ، فَإِنْ شَاءَتْ بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَقَدْ أَرَادَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَقَعَ) لِلِاتِّفَاقِ بَيْنَ إِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهَا، (وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مَشِيئَتُهَا وَإِرَادَتُهُ فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ) لِأَنَّهَا لَمَّا خَالَفَتْهُ لَغَا تَصَرُّفُهَا فَبَقِيَ أَصْلُ الْإِيقَاعِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ مَا لَمْ تُوقِعِ الْمَرْأَةُ فَتَشَاءُ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةً وَالْعِتْقُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. لَهُمَا أَنَّهُ فَوَّضَ إِلَيْهَا التَّطْلِيقَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ شَاءَتْ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَشِيئَتِهَا أَصْلُ الطَّلَاقِ حَتَّى تَمْلِكَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، وَلَوْ وَقَعَ بِمُجَرَّدِ إِيقَاعِهِ لَا يَمْلِكُ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَيْفَ لِلِاسْتِيصَافِ فَتَقْتَضِي ثُبُوتَ أَصْلِ الطَّلَاقِ، وَيَكُونُ التَّفْوِيضُ إِلَيْهَا فِي الصِّفَةِ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ كَلِمَةِ كَيْفَ.

(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا شِئْتِ أَوْ كَمْ شِئْتِ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَا شَاءَتْ) لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ لِلْعَدَدِ فَقَدْ فَوَّضَ إِلَيْهَا أَيَّ شَيْءٍ شَاءَتْ مِنَ الْعَدَدِ.

(وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْتِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ ثَلَاثًا وَتُطَلِّقَ مَا دُونَهَا) وَقَالَا: لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ ثَلَاثًا إِنْ شَاءَتْ، لِأَنَّ (مَا) لِلْعُمُومِ و (مَنْ) تُسْتَعْمَلُ لِلتَّمْيِيزِ فَيُحْمَلُ عَلَى تَمْيِيزِ الْجِنْسِ كَقَوْلِهِ: كُلْ مِنْ طَعَامِي مَا شِئْتَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ (مِنْ) حَقِيقَةٌ لِلتَّبْعِيضِ، و (مَا) لِلتَّعْمِيمِ فَيُعْمَلُ بِهِمَا، فَجَعَلْنَا الْمُفَوَّضَ إِلَيْهَا بَعْضَ الثَّلَاثِ، لَكِنَّ بَعْضًا لَهُ عُمُومٌ وَهُوَ ثِنْتَانِ، وَإِنَّمَا تُرِكَ التَّبْعِيضُ فِي النَّظِيرِ لِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَهُوَ إِظْهَارُ السَّمَاحَةِ وَالْكَرَمِ.

وَلَوْ قَالَ: إِنْ شِئْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ إِذَا شِئْتِ، فَهُمَا مَشِيئَتَانِ: إِحْدَاهُمَا عَلَى الْمَجْلِسِ، وَالثَّانِيَةُ مُطْلَقَةٌ مُعَلَّقَةٌ بِالْوَقْتِ، فَإِنْ قَامَتْ بَطَلَتَا، أَمَّا الْمُؤَقَّتَةُ فَلِتَوَقُّتِهَا بِالْمَجْلِسِ، وَأَمَّا الْمُطْلَقَةُ فَلِتَعَلُّقِهَا بِهَا، وَإِنْ شَاءَتْ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِذَا

ص: 138

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

شِئْتِ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ: أَلَكَ امْرَأَةٌ؟ فَقَالَ: لَا وَنَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَقَالَ: هُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ: لَسْتَ لِي بِزَوْجٍ، فَقَالَ الزَّوْجُ: صَدَقْتِ وَنَوَى الطَّلَاقَ.

وَكَذَا قَوْلُهُ: لَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ، أَوْ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ، أَوْ لَسْتُ لَكِ بِزَوْجٍ، أَوْ مَا أَنَا لَكِ بِزَوْجٍ وَنَوَى الطَّلَاقَ يَقَعُ، وَقَالَا: لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ كَذِبٌ فَلَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى. وَلَهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ بِالْإِضْمَارِ تَقْدِيرُهُ: لَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ لِأَنِّي طَلَّقْتُكِ، وَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ وَنَوَاهُ صَحَّتْ نِيَّتُهُ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ آخَرُ: هَلِ امْرَأَتُكَ إِلَّا طَالِقٌ؟ فَقَالَ الزَّوْجُ: لَا، طَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَ: نَعَمْ، لَا تَطْلُقُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: نَعَمْ مَعْنَاهُ نَعَمْ، امْرَأَتِي غَيْرُ طَالِقٍ، وَقَوْلُهُ: لَا، مَعْنَاهُ لَيْسَ امْرَأَتِي إِلَّا طَالِقٌ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: قُولِي أَنَا طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَقُولَ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْإِنْشَاءِ.

وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: قُلْ لِامْرَأَتِي إِنَّهَا طَالِقٌ طَلُقَتْ قَالَ أَوْ لَمْ يَقُلْ، لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْإِخْبَارِ وَأَنَّهُ يَسْتَدْعِي سَبْقَ الْمُخْبَرِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ آخَرُ: إِنْ لَمْ تَقْضِ حَقِّي الْيَوْمَ فَامْرَأَتُكَ طَالِقٌ، قَالَ: نَعَمْ. وَأَرَادَ جَوَابَهُ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ، لِأَنَّ الْجَوَابَ يَسْتَدْعِي إِعَادَةَ السُّؤَالِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: نَعَم، امْرَأَتِي طَالِقٌ إِنْ لَمْ أَقْضِ حَقَّكَ.

وَلَوْ قَالَ لَهَا: اعْتَدِّي اعْتَدِّي اعْتَدِّي، وَقَالَ: نَوَيْتُ وَاحِدَةً صُدِّقَ دِيَانَةً وَيَقَعُ ثَلَاثًا فِي الْقَضَاءِ، وَلَوْ قَالَ: عَنَيْتُ بِالثَّانِيَةِ الْعِدَّةَ صُدِّقَ قَضَاءً، وَلَوْ قَالَ: نَوَيْتُ بِالْأُولَى طَلَاقًا وَلَمْ أَنْوِ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ شَيْئًا فَهِيَ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُمَا فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَتَتَعَيَّنُ لَهُ.

وَمِنَ الْكِنَايَاتِ الْكِتَابَةُ، فَإِذَا كَتَبَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ فِي كِتَابٍ أَوْ لَوْحٍ أَوْ عَلَى حَائِطٍ أَوْ أَرْضٍ لَا يَقَعُ إِلَّا بِنِيَّةٍ. وَأَصْلُهُ أَنَّ الْكِتَابَةَ حُرُوفٌ مَنْظُومَةٌ تَدُلُّ عَلَى مَعَانٍ مَفْهُومَةٍ كَالْكَلَامِ، وَكُتُبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَتْ مَقَامَ قَوْلِهِ فِي الدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى وَجَبَ عَلَى كُلِّ ممنْ بَلَغَتْهُ، فَنَقُولُ: إِذَا كَتَبَ مَا لَا يَسْتَبِينُ أَوْ كَتَبَ فِي الْهَوَاءِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ مَا لَا يَسْتَبِينُ فِي الْكِتَابَةِ كَالْمَجْمَجَةِ وَالْكَلَامِ الْغَيْرِ الْمَفْهُومِ.

وَإِذَا كَتَبَ مَا يَسْتَبِينُ فَلَا يَخْلُو إِمَّا إِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُخَاطَبَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْمُخَاطَبَةِ مِثْلَ أَنْ يَكْتُبَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ. فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْكَلَامِ كَالْكِتَابَةِ مَعَ الصَّرِيحِ، وَإِنْ كَتَبَ عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ وَالرِّسَالَةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: يَا فُلَانَةُ أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ إِذَا وَصَلَ إِلَيْكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ مَا نَوَى لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِيهِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَعْلِيقٍ وَقَعَ لِلْحَالِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا بِأَنْ كَتَبَ: إِذَا جَاءَكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَقَعُ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا، لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْوُقُوعَ بِشَرْطٍ فَلَا يَقَعُ قَبْلَهُ، كَمَا إِذَا عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ، فَإِنْ وَصَلَ الْكِتَابُ إِلَى أَبِيهَا فَمَزَّقَهُ وَلَمْ يَدْفَعْهُ إِلَيْهَا إِنْ كَانَ هُوَ الْمُتَصَرِّفَ فِي أُمُورِهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ كَالْوُصُولِ إِلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُتَصَرِّفَ فِي أُمُورِهَا لَا يَقَعُ وَإِنْ أَخْبَرَهَا

ص: 139