الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْعَارِيَةِ
وَهِيَ هِبَةُ الْمَنَافِعِ، وَلَا تَكُونُ إِلَّا فٍيمَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
[كِتَابُ الْعَارِيَةِ]
وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ التَّعَاوُرِ: وَهُوَ التَّدَاوُلُ وَالتَّنَاوُبُ، يُقَالُ: تَعَاوَرْنَا الْكَلَامَ بَيْنَنَا: أَيْ تَدَاوَلْنَاهُ. وَسَمَّى الْعَقْدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَدَاوَلُونَ الْعَيْنَ وَيَتَدَافَعُونَهَا مِنْ يَدٍ إِلَى يَدٍ. أَوْ مِنَ الْعَرِيَّةِ وَهِيَ الْعَطِيَّةُ، إِلَّا أَنَّ الْعَرِيَّةَ اخْتَصَّتْ بِالْأَعْيَانِ، وَالْعَارِيَةَ بِالْمَنَافِعِ. وَسُمِّيَتْ بِهِ؛ لِتَعَرِّيهِ عَنِ الْعِوَضِ.
وَهِيَ عَقْدٌ مُسْتَحَبٌّ شَرْعًا، مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ قَضَاءِ حَاجَةِ الْمُسْلِمِ، وَقَدْ نَدَبَ الشَّرْعُ إِلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] . وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «لَا يَزَالُ اللَّهُ فِي عَوْنِ الْمُسْلِمِ مَا دَامَ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» . وَذَمَّ تَعَالَى عَلَى مَنْعِهِ، فَقَالَ:{وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] ، أَيِ الْعَوَارِي مِنَ الْقِدْرِ وَالْفَأْسِ وَنَحْوِهِ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«الْعَارِيَةُ مَرْدُودَةٌ» . وَاسْتَعَارَ صلى الله عليه وسلم دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ، وَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ نَوْعَانِ: بِعِوَضٍ، وَغَيْرِ عِوَضٍ. وَالْأَعْيَانُ قَابِلَةٌ لِلنَّوْعَيْنِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، فَكَذَا الْمَنَافِعُ بِالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ.
قَالَ: (وَهِيَ هِبَةُ الْمَنَافِعِ)، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: إِبَاحَةُ الْمَنَافِعِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْمُسْتَعِيرُ إِجَارَةَ مَا اسْتَعَارَ، وَلَوْ مَلَكَ الْمَنَافِعَ لَمَلَكَ إِجَارَتَهَا، وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ. وَلَوْ كَانَتْ إِبَاحَةً لَمَا مَلَكَ ذَلِكَ، كَمَنْ أُبِيحَ لَهُ الطَّعَامُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبِيحَهُ لِغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الْعَارِيَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْعَرِيَّةِ وَهِيَ الْعَطِيَّةُ. وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزِ الْإِجَارَةُ ; لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُؤَقَّتٌ يَنْقَطِعُ حَقُّهُ عَنْهَا إِلَى انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ، وَالْعَارِيَةُ تَمْلِيكٌ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْقَطِعُ عَنْهَا مَتَى شَاءَ.
فَلَوْ جَازَتِ الْإِجَارَةُ يَلْزَمُ الْمُعِيرُ مِنَ الضَّرَرِ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَلَا رَضِيَ بِهِ - فَلَا يَجُوزُ. أَوْ نَقُولُ: الْإِجَارَةُ أَقْوَى وَأَلْزَمُ مِنَ الْإِعَارَةِ، وَالشَّيْءُ لَا يَسْتَتْبِعُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ.
قَالَ: (وَلَا تَكُونُ إِلَّا فِيمَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ) .
اعْلَمْ أَنَّ الْإِعَارَةَ نَوْعَانِ: حَقِيقَةٌ، وَمَجَازٌ. فَالْحَقِيقَةُ: إِعَارَةُ الْأَعْيَانِ الَّتِي يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ وَالدَّارِ وَالدَّابَّةِ. وَالْمَجَازُ: إِعَارَةُ مَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إِلَّا بِاسْتِهْلَاكِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ، فَيَكُونُ إِعَارَةً صُورَةً قَرْضًا مَعْنًى ; لِأَنَّهُ رَضِيَ بِاسْتِهْلَاكِهِ بِبَدَلٍ، فَكَانَ تَمْلِيكًا بِبَدَلٍ وَهُوَ الْقَرْضُ.
وَلَوِ اسْتَعَارَ دَرَاهِمَ؛ لِيُعَايِرَ بِهَا مِيزَانَهُ، أَوْ يُزَيِّنَ بِهَا حَانُوتَهُ - لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى مَا سَمَّى مِنَ الْمَنْفَعَةِ. وَلَا يَكُونُ
وَهِيَ أَمَانَةٌ، وَتَصِحُّ بِقَوْلِهِ: أَعَرْتُكَ وَأَطْعَمْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ، وَأَخْدَمْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ، وَمَنَحْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ، وَحَمَلْتُكَ عَلَى هَذِهِ الدَّابَةِ- إِذَا لَمْ يُرِدْ بِهِمَا الْهِبَةَ. وَدَارِي لَكَ سُكْنَى أَوْ سُكْنَى عُمْرَى، وَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَهَا إِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ، وَلَيْسَ لَهُ إِجَارَتُهَا؛ فَإِنْ آجَرَهَا، فَهَلَكَتْ - ضَمِنَ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَرْضًا كَاسْتِعَارَةِ الْحُلِيِّ.
قَالَ: (وَهِيَ أَمَانَةٌ) لَا يَضْمَنُهَا مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ. قَالَ عليه الصلاة والسلام: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» ، وَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ لَا عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ ; لِأَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ لُغَةً وَشَرْعًا؛ لِمَا بَيَّنَّا، فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا.
وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام اسْتَعَارَ دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ، فَقَالَ: أَغَصْبًا تَأْخُذُهَا يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ: لَا، بَلْ عَارِيَةٌ مُؤَدَّاةٌ مَضْمُونَةٌ» أَيْ وَاجِبَةُ الرَّدِّ مَضْمُونَةٌ بِمَئُونَةِ الرَّدِّ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ.
قَالَ: (وَتَصِحُّ بِقَوْلِهِ: أَعَرْتُكَ) ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ. (وَأَطْعَمْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ) ؛ لِلِاسْتِعْمَالِ فِيهِ، (وَأَخْدَمْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ) ; لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعَبْدِ خِدْمَتُهُ، وَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِي اسْتِخْدَامِهِ.
(وَمَنَحْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ، وَحَمْلَتُكَ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إِذَا لَمْ يُرِدْ بِهِمَا الْهِبَةَ) ؛ لِمَا مَرَّ فِي الْهِبَةِ. (وَدَارِي لَكَ سُكْنَى) ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ سُكْنَاهَا لَكَ، (أَوْ سُكْنَى عُمْرَى) ، أَيْ سُكْنَاهَا لَكَ عُمُرَكَ.
قَالَ: (وَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَهَا إِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ، وَلَيْسَ لَهُ إِجَارَتُهَا) ; لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنَافِعَ، فَيُمَلِّكُهَا غَيْرَهُ كَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ عَلَى مَا مَرَّ.
ثُمَّ الْعَارِيَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً فِي الْوَقْتِ وَالِانْتِفَاعِ، كَمَنِ اسْتَعَارَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَقْتًا مَعْلُومًا وَلَا عَيَّنَ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ - فَلَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ، فِي أَيِّ مَنْفَعَةٍ شَاءَ. وَيُرْكِبَ وَيُلْبِسَ غَيْرَهُ عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ، فَلَوْ رَكِبَ هُوَ، أَوْ لَبِسَ - لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ وَلَا يُلْبِسَهُ. وَكَذَا لَوْ رَكِبَ غَيْرُهُ لَا يَرْكَبُ هُوَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْإِجَارَةِ.
وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً فِيهِمَا بِأَنِ اسْتَعَارَهُ يَوْمًا؛ لِيَسْتَعْمِلَهُ بِنَفْسِهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ وَلَا يُلْبِسَهُ غَيْرَهُ؛ لِاخْتِلَافِ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ، وَلَهُ أَنْ يُعِيرَهَا لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ. وَكَذَا لَهُ أَنْ يُعِيرَ الْعَبْدَ وَالدَّارَ؛ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ.
وَالثَّالِثُ: إِذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً فِي الْوَقْتِ مُقَيَّدَةً فِي الِانْتِفَاعِ بِأَنِ اسْتَعَارَهَا؛ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً - فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ الْحِنْطَةَ مَتَى شَاءَ.
وَالرَّابِعُ: إِذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً فِي الْوَقْتِ مُطْلَقَةً فِي الِانْتِفَاعِ، بِأَنِ اسْتَعَارَ دَابَّةً يَوْمًا، وَلَمْ يُسَمِّ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا - فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا شَاءَ فِي الْيَوْمِ. فَإِنْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ ضَمِنَ إِنِ انْتَفَعَ بِهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَقِيلَ: يَضْمَنُ بِمُجَرَّدِ الْإِمْسَاكِ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ وَالْمَكَانِ، وَمَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا - فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعِيرِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مِنْهُ يُسْتَفَادُ، فَيَثْبُتُ بِقَدْرِ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَمَا زَادَ فَالْمُسْتَعِيرُ مُسْتَعْمِلٌ فِيمَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَيَضْمَنُ.
قَالَ: (فَإِنْ آجَرَهَا، فَهَلَكَتْ - ضَمِنَ) ؛
وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُسْتَعِيرَ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. فَإِنْ قَيَّدَهَا بِوَقْتٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ أَوْ مَكَانٍ ضَمِنَ بِالْمُخَالَفَةِ إِلَّا إِلَى خَيْرٍ، وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ مَنْفَعَتِهَا مَا شَاءَ مَا لَمْ يُطَالِبْهُ بِالرَّدِّ.
وَلَوْ أَعَارَ أَرْضَهُ لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَيُكَلِّفَهُ قَلْعَهُمَا، وَإِنْ وَقَّتَ وَأَخَذَهَا قَبْلَ الْوَقْتِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، وَيَضْمَنُ لِلْمُسْتَعِيرِ قِيمَتَهُ وَيَمْلِكُهُ. وَلِلْمُسْتَعِيرِ قَلْعُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ كَثِيرٌ بِالْأَرْضِ، فَإِنْ قَلَعَهُمَا فَلَا ضَمَانَ، فَإِنْ أَعَارَهَا لِلزِّرَاعَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا قَبْلَ حَصْدِهِ وَإِنْ لَمْ يُوَقِّتْ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ حَيْثُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَكَانَ غَاصِبًا. (وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُسْتَعِيرَ) ؛ لِمَا بَيَّنَّا. (وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ آجَرَهُ مِلْكَهُ. وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُسْتَأْجِرَ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، (وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَارِيَةٌ دَفْعًا لِضَرَرِ الْغَرَرِ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إِذَا عَلِمَ.
قَالَ: (فَإِنْ قَيَّدَهَا بِوَقْتٍ، أَوْ مَنْفَعَةٍ، أَوْ مَكَانٍ - ضَمِنَ بِالْمُخَالَفَةِ إِلَّا إِلَى خَيْرٍ) ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ بِتَمَامِهِ فِي الْإِجَارَةِ. (وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ مَنْفَعَتِهَا مَا شَاءَ مَا لَمْ يُطَالِبْهُ بِالرَّدِّ) عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ.
قَالَ: (وَلَوْ أَعَارَ أَرْضَهُ لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تُوجَدُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَتُمْلَكُ كَذَلِكَ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ لَمْ يُقْبَضْ، فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«الْعَارِيَةُ مَرْدُودَةٌ» .
قَالَ: (وَيُكَلِّفَهُ قَلْعَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ الرُّجُوعُ بَقِيَ الْمُسْتَعِيرُ شَاغِلًا مِلْكَ الْمُعِيرِ، فَعَلَيْهِ تَفْرِيغُهَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقَّتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا أَصَابَ الْمُسْتَعِيرَ إِنَّمَا أَصَابَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ. (وَإِنْ وَقَّتَ، وَأَخَذَهَا قَبْلَ الْوَقْتِ - كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ أَخْلَفَ وَعْدَهُ (وَيَضْمَنُ لِلْمُسْتَعِيرِ قِيمَتَهُ وَيَمْلِكُهُ) نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْأَخْذِ فَقَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ. وَلَنَا: أَنَّهُ غَرَّهُ بِالتَّأْقِيتِ؛ إِذِ الظَّاهِرُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ فَيَرْجِعُ إِلَيْهِ إِذَا أَخْلَفَ؛ لِأَنَّ مَا أَصَابَهُ إِنَّمَا أَصَابَهُ مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُؤَقَّتِ. (وَلِلْمُسْتَعِيرِ قَلْعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ كَثِيرٌ بِالْأَرْضِ) فَيُخَيَّرُ الْمُعِيرُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَهُ، وَهُوَ رَاجِعٌ عَلَى التَّبَعِ. (فَإِنْ قَلَعَهُمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ)، وَقِيلَ: إِذَا كَلَّفَهُ الْمُعِيرُ قَلْعَهُمَا قَلَعَهُمَا، وَيُضَمَّنُ الْمُعِيرُ مَا نَقَصَا بِالْقَلْعِ؛ لِأَنَّهُ خَدَعَهُ حَيْثُ ضَمِنَ لَهُ الْوَفَاءَ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ الَّذِي وَقَّتَهُ وَلَمْ يَفِ لَهُ.
قَالَ: (فَإِنْ أَعَارَهَا؛ لِلزِّرَاعَةِ - فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا قَبْلَ حَصْدِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوَقِّتْ) فَتَبْقَى بِالْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُرَاعَاةَ الْجَانِبَيْنِ وَدَفْعَ الضَّرَرِ عَنِ الْمُسْتَعِيرِ وَمُرَاعَاةَ حَقِّ الْمُعِيرِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ مُدَّةً قَلِيلَةً بِخِلَافِ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهُمَا فَيُقْلَعُ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُعِيرِ.
دَخَلَ الْحَمَّامَ، وَاسْتَعْمَلَ قِصَاعَ الْحَمَّامِيِّ، فَانْكَسَرَتْ. أَوْ أَخَذَ كُوزَ الْفُقَّاعِ؛ لِيَشْرَبَ، فَانْكَسَرَ. أَوْ دَخَلَ مَنْزِلَ رَجُلٍ بِإِذْنِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ إِنَاءً بِغَيْرِ إِذْنِهِ؛ لِيَنْظُرَ إِلَيْهِ أَوْ لِيَشْرَبَ