الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ النِّكَاحِ
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَقُومُوا مَقَامَهُ، وَإِنْ أَبَى رَبُّ الْأَرْضِ؛ لِمَا بَيَّنَّا. وَإِنْ أَرَادُوا قَلْعَهُ فَلِلْمَالِكِ الْخِيَارَاتُ الثَّلَاثُ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُسَاقَاةِ فَهُوَ كَالْمَوْتِ، وَلِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا حَتَّى تُدْرِكَ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الشَّجَرِ. وَالْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ، بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ حَيْثُ تَكُونُ عَلَيْهِمَا ; لِأَنَّهُ لَا أَجْرَ عَلَيْهِ هُنَا، فَيَكُونُ الْعَمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ.
أَمَّا فِي الْمُزَارَعَةِ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ الْأَرْضِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعَمَلَ، وَتُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ. وَمِمَّا يَخْتَصُّ بِهَا مِنَ الْأَعْذَارِ كَوْنُ الْعَامِلِ سَارِقًا يَسْرِقُ السَّعَفَ وَالْخَشَبَ وَالثَّمَرَةَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَالِكَ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ. وَمِنْهَا مَرَضُ الْعَامِلِ إِذَا أَعْجَزَهُ عَنِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْجَارُ بِزِيَادَةِ أَجْرٍ، وَأَنَّهُ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ الْفَسْخُ بِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمُزَارَعَةِ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَلْزَمُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ.
[كِتَابُ النِّكَاحِ]
وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ، وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ: أَنْكَحْنَا الْفَرَا فَسَنَرَى: أَيْ جَمَعْنَا بَيْنَ حِمَارِ الْوَحْشِ وَالْأَتَانِ؛ لِنَنْظُرَ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا، يُضْرَبُ مَثَلًا لِقَوْمٍ يَجْتَمِعُونَ عَلَى أَمْرٍ لَا يَدْرُونَ مَا يَصْدُرُونَ عَنْهُ. وَحَكَى الْمُبَرِّدُ عَنِ الْبَصْرِيِّينَ وَغُلَامُ ثَعْلَبٍ عَنِ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ النِّكَاحَ عِبَارَةٌ عَنِ الْجَمْعِ وَالضَّمِّ.
وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمٍّ وَجَمْعٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْوَطْءُ ; لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ حَالَةَ الْوَطْءِ يَجْتَمِعَانِ، وَيَنْضَمُّ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يَصِيرَا كَالشَّخْصِ الْوَاحِدِ. وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَقْدِ مَجَازًا؛ لِمَا أَنَّهُ يَئُولُ إِلَى الضَّمِّ، وَإِنَّمَا هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ.
فَمَتَى أُطْلِقَ النِّكَاحُ فِي الشَّرْعِ يُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «وُلِدْتُ مِنْ نِكَاحٍ» أَيْ مِنْ وَطْءٍ حَلَالٍ، وَقَوْلِهِ:«يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» ، وَقَدْ وَرَدَ فِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى الْوَطْءِ أَيْضًا. قَالَ الْأَعْشَى:
وَمَنْكُوحَةٍ غَيْرِ مَمْهُورَةٍ
…
وَأُخْرَى يُقَالُ لَهُ فَادِهَا
يَعْنِي مَسْبِيَّةً مَوْطُوءَةً بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا مَهْرٍ.
وَقَالَ آخَرُ:
وَمِنْ أَيِّمٍ قَدْ أَنْكَحَتْهَا رِمَاحُنَا
…
وَأُخْرَى عَلَى عَمٍّ وَخَالٍ تَلَهَّفُ
النِّكَاحُ حَالَةَ الِاعْتِدَالِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ مَرْغُوبَةٌ، وَحَالَةَ التَّوَقَانِ وَاجِبٌ، وَحَالَةَ الْخَوْفِ مِنَ الْجَوْرِ مَكْرُوهٌ. وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ. وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ مَاضِيَيْنِ، أَوْ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مَاضٍ وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلٌ. كَقَوْلِهِ: زَوِّجْنِي، فَيَقُولُ: زَوَّجْتُكَ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
يَعْنِي وَطْءَ الْمَسْبِيَّةِ بِالرِّمَاحِ. إِلَى غَيْرِهَا مِنَ الْأَشْعَارِ الْكَثِيرَةِ.
وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْعَقْدُ بِقَرِينَةِ قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25] ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إِذْنِ الْأَهْلِ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] الْآيَةَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ هُوَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالْعَدَدِ دُونَ الْوَطْءِ، وَكَذَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«لَا نِكَاحَ إِلَّا بِشُهُودٍ» ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَا يَكُونُونَ عَلَى الْوَطْءِ، وَلِأَنَّهُمَا حَالَةَ الْعَقْدِ مُفْتَرِقَانِ.
وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ النِّكَاحُ؛ لِإِفْضَائِهِ إِلَى الضَّمِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] . وَهُوَ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ مُسْتَحَبٌّ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، ثَبَتَتْ شَرْعِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:{وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32]، وَقَوْلُهُ:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] . وَبِالسُّنَّةِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:«تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا؛ فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وَقَالَ:«النِّكَاحُ سُنَّتِي، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» . وَالنُّصُوصُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَالْآثَارُ فِيهِ غَزِيرَةٌ، وَعَلَى شَرْعِيَّتِهِ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ.
قَالَ: (النِّكَاحُ حَالَةَ الِاعْتِدَالِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ مَرْغُوبَةٌ، وَحَالَةَ التَّوَقَانِ وَاجِبٌ، وَحَالَةَ الْخَوْفِ مِنَ الْجَوْرِ مَكْرُوهٌ) . أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنَ النُّصُوصِ، فَبَعْضُهَا أَمْرٌ، وَأَنَّهُ يَقْتَضِي التَّرْغِيبَ وَالتَّأْكِيدَ عَلَى فِعْلِهِ. وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الثَّانِي نَاطِقٌ بِكَوْنِهِ سُنَّةً، ثُمَّ أَكَّدَهُ حَيْثُ عَلَّقَ بِتَرْكِهِ أَمْرًا مَحْذُورًا، وَأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ التَّأْكِيدِ كَمَا فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ، وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَاظَبَ عَلَيْهِ مُدَّةَ عُمُرِهِ وَأَنَّهُ آيَةُ التَّأْكِيدِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ حَالَةَ التَّوَقَانِ يُخَافُ عَلَيْهِ، أَوْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُقُوعُهُ فِي مُحَرَّمِ الزِّنَا، وَالنِّكَاحُ يَمْنَعُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَكَانَ وَاجِبًا؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنِ الْحَرَامِ فَرْضٌ وَاجِبٌ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ النِّكَاحَ إِنَّمَا شُرِعَ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْصِينِ النَّفْسِ، وَمَنْعِهَا عَنِ الزِّنَا عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ، وَتَحْصِيلِ الثَّوَابِ الْمُحْتَمَلِ بِالْوَلَدِ الَّذِي يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُوَحِّدُهُ. وَالَّذِي يَخَافُ الْجَوْرَ وَالْمَيْلَ يَأْثَمُ بِالْجَوْرِ وَالْمَيْلِ، وَيَرْتَكِبُ الْمَنْهِيَّاتِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَيَنْعَدِمُ فِي حَقِّهِ الْمَصَالِحُ؛ لِرُجْحَانِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ عَلَيْهَا، وَقَضِيَّتُهُ الْحُرْمَةُ إِلَّا أَنَّ النُّصُوصَ لَا تُفَصِّلُ، فَقُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ فِي حَقِّهِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ.
(وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يُوجَدُ بِهِمَا، وَرُكْنُ الشَّيْءِ مَا يُوجَدُ بِهِ كَأَرْكَانِ الْبَيْتِ.
قَالَ: (وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ مَاضِيَيْنِ) كَقَوْلِهِ: زَوَّجْتُكَ، وَقَوْلِ الْآخَرِ: تَزَوَّجْتُ، أَوْ قَبِلْتُ ; لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُسْتَعْمَلُ لِلْإِنْشَاءِ شَرْعًا؛ لِلْحَاجَةِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ. (أَوْ بِلَفْظَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَاضٍ، وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلٌ، كَقَوْلِهِ: زَوِّجْنِي، فَيَقُولُ: زَوَّجْتُكَ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: زَوِّجْنِي - تَوْكِيلٌ، وَالْوَكِيلُ يَتَوَلَّى طَرَفَيِ النِّكَاحِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ.
وَرَوَى الْمُعَلَّى