الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَشُقَّ مِنْهُ نَهْرًا، أَوْ يَنْصِبَ عَلَيْهِ رَحًى، أَوْ يَتَّخِذَ عَلَيْهِ جِسْرًا، أَوْ يُوَسِّعَ فَمَهُ. أَوْ يَسُوقَ شِرْبَهُ إِلَى أَرْضٍ لَيْسَ لَهَا شِرْبٌ - إِلَّا بِتَرَاضِيهِمْ.
وَلَوْ كَانَتِ الْقِسْمَةُ بِالْكُوَى فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَقْسِمَ بِالْأَيَّامِ، وَلَا مُنَاصَفَةً، وَلَا يَزِيدُ كَوَّةً، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِالْبَاقِينَ.
كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ
وَهِيَ عَقْدٌ عَلَى الزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لَمْ يَسْكُرْ بِاللَّوْحِ فَبِالتُّرَابِ.
قَالَ: (وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَشُقَّ مِنْهُ نَهْرًا، أَوْ يَنْصِبَ عَلَيْهِ رَحًى، أَوْ يَتَّخِذَ عَلَيْهِ جِسْرًا أَوْ يُوَسِّعَ فَمَهُ، أَوْ يَسُوقَ شِرْبَهُ إِلَى أَرْضٍ لَيْسَ لَهَا شِرْبٌ إِلَّا بِتَرَاضِيهِمْ) . أَمَّا شَقُّ النَّهْرِ وَنَصْبُ الرَّحَى فَلِأَنَّ فِيهِ كَسْرَ ضَفَّةِ النَّهْرِ وَشَغْلَ مِلْكِ الْغَيْرِ بِبُنْيَانِهِ، إِلَّا أَنْ لَا تَضُرَّ الرَّحَى بِالنَّهْرِ وَلَا بِالْمَاءِ. وَيَكُونَ مَكَانُهَا لَهُ خَاصٌّ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ بِالْغَيْرِ.
وَأَمَّا اتِّخَاذُ الْجِسْرِ فَهُوَ كَطَرِيقٍ خَاصٍّ بَيْنَ قَوْمٍ، وَالْقَنْطَرَةُ كَالْجِسْرِ. وَأَمَّا تَوْسِعَةُ فَمِهِ؛ لِأَنَّهُ يَكْسِرُ ضَفَّةَ النَّهْرِ، وَيَزِيدُ عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِ. وَأَمَّا سَوْقُ شِرْبِهِ إِلَى أَرْضٍ أُخْرَى فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ، فَيَدَّعِيهِ، وَيَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَهُ، فَإِذَا رَضُوا بِذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ.
قَالَ: (وَلَوْ كَانَتِ الْقِسْمَةُ بِالْكُوَى فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَقْسِمَ بِالْأَيَّامِ، وَلَا مُنَاصَفَةً) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ظَهَرَ بِذَلِكَ، فَيُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ، إِلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا.
قَالَ: (وَلَا يَزِيدُ كُوَّةً وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِالْبَاقِينَ) ؛ لِمَا بَيَّنَّا، بِخِلَافِ النَّهْرِ الْأَعْظَمِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَشُقَّ فِيهِ نَهْرًا مُبْتَدَأً، فَزِيَادَةُ الْكُوَّةِ أَوْلَى.
[كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ]
(وَهِيَ) مُفَاعَلَةٌ مِنَ الزِّرَاعَةِ، وَهِيَ الْحَرْثُ وَالْفِلَاحَةُ. وَتُسَمَّى مُخَابَرَةً، مُشْتَقَّةٌ مِنْ خَيْبَرَ «فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم دَفَعَ خَيْبَرَ مُزَارَعَةً» ، فَسُمِّيَتِ الْمُزَارَعَةُ مُخَابَرَةً؛ لِذَلِكَ. أَوْ مِنَ الْخَيْبَرِ وَهُوَ الْإِكَّارُ، أَوْ مِنَ الْخُبْرَةِ بِالضَّمِّ: النَّصِيبُ، أَوْ مِنَ الْخَبَارِ: الْأَرْضُ اللَّيِّنَةُ.
وَتُسَمَّى الْمُحَاقَلَةَ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْحَقْلِ، وَهُوَ الزَّرْعُ إِذَا تَشَعَّبَ قَبْلَ أَنْ يَغْلُظَ سُوقُهُ، وَقِيلَ: الْحَقْلُ: الْأَرْضُ الطَّيِّبَةُ الْخَالِصَةُ مِنْ شَائِبَةِ السَّبْخِ، الصَّالِحَةُ لِلزِّرَاعَةِ، وَتُسَمِّيهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ الْقِرَاحُ.
وَفِي الشَّرْعِ (عَقْدٌ عَلَى الزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ» ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَجِدُ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ. وَالْقَادِرُ عَلَى الْعَمَلِ
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ فَاسِدَةٌ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا.
وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنَ التَّأْقِيتِ، وَمِنْ صَلَاحِيَةِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ، وَمِنْ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الْبَذْرِ، وَمَعْرِفَةِ جِنْسِهِ، وَنَصِيبِ الْآخَرِ، وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ. وَأَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا حَتَّى لَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مَعْلُومَةً، أَوْ مَا عَلَى السَّوَاقِي. أَوْ أَنْ يَأْخُذَ رَبُّ الْبَذْرِ بَذْرَهُ أَوِ الْخَرَاجَ فَسَدَتْ. وَإِنْ شَرَطَ رَفْعَ الْعُشْرِ جَازَ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لَا يَجِدُ أَرْضًا، وَلَا مَا يَعْمَلُ بِهِ. فَدَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى جَوَازِهَا دَفْعًا لِلْحَاجَةِ كَالْمُضَارَبَةِ.
(وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ فَاسِدَةٌ) ؛ لِمَا رَوَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ قَالَ: «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَمْرٍ كَانَ لَنَا نَافِعًا، نَهَانَا إِذَا كَانَ لِأَحَدِنَا أَرْضٌ أَنْ نُعْطِيَهَا بِبَعْضِ الْخَارِجِ ثُلُثِهِ أَوْ نِصْفِهِ. وَقَالَ: " مَنْ كَانَتِ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، أَوْ يَمْنَحْهَا أَخَاهُ» . وَهَذَا مُتَأَخِّرٌ عَمَّا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ مِنَ الْإِبَاحَةِ، وَيَعْمَلُونَهُ - فَاقْتَضَى نَسْخَهُ.
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُخَابَرَةِ. قَالَ: قُلْتُ: وَمَا الْمُخَابَرَةُ؟ قَالَ: أَنْ تَأْخُذَ أَرْضًا بِثُلُثٍ، أَوْ نِصْفٍ، أَوْ رُبْعٍ» . وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كُنَّا نُخَابِرُ، وَلَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا حَتَّى ذَكَرَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ "، فَتَرَكْنَاهُ مِنْ أَجْلِ قَوْلِهِ» . وَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ مَعْدُومَةٍ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ. وَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ مَا يَحْصُلُ مِنْ عَمَلِهِ فَلَا يَجُوزُ كَقَفِيزِ الطِّحَانِ.
وَحَدِيثُ خَيْبَرَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ، فَإِنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمَّا فَتَحَ خَيْبَرَ عَنْوَةً تَرَكَ خَيْبَرَ عَلَى أَهْلِهَا بِوَظِيفَةٍ وَظَّفَهَا عَلَيْهِمْ، وَهِيَ نِصْفُ مَا يَخْرُجُ مِنْ نَخِيلِهِمْ وَأَرَاضِيهِمْ. (وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا) ؛ لِحَاجَةِ النَّاسِ. وَقَدْ تَعَامَلَ بِهَا السَّلَفُ، فَصَارَتْ شَرِيعَةً مُتَوَارَثَةً، وَقَضِيَّةً مُتَعَارَفَةً. قَالَ الْحَصِيرِيُّ: وَأَبُو حَنِيفَةَ هُوَ الَّذِي فَرَّعَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ عَلَى أُصُولِهِ؛ لِعِلْمِهِ أَنَّ النَّاسَ لَا يَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ.
قَالَ: (وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنَ التَّأْقِيتِ) ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ إِجَارَةً ابْتِدَاءً، وَشَرِكَةً انْتِهَاءً. وَلِأَنَّهَا تُرَدُّ عَلَى مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمُدَّةِ كَالْإِجَارَةِ. قَالَ:(وَمِنْ صَلَاحِيَةِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ) ؛ لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ؛ إِذْ هِيَ الْمَحَلُّ.
قَالَ: (وَمِنْ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الْبَذْرِ) قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ، (وَمَعْرِفَةِ جِنْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْأُجْرَةُ، (وَنَصِيبِ الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ عِوَضًا بِالشَّرْطِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا.
قَالَ: (وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ) ؛ لِمَا مَرَّ فِي الْمُضَارَبَةِ. (وَأَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا) ؛ لِمَا مَرَّ فِي الْمُضَارَبَةِ. فَكُلُّ شَرْطٍ يُؤَدِّي إِلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ يُفْسِدُهَا، (حَتَّى لَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مَعْلُومَةً، أَوْ مَا عَلَى السَّوَاقِي، أَوْ أَنْ يَأْخُذَ رَبُّ الْبَذْرِ بَذْرَهُ، أَوِ الْخَرَاجَ - فَسَدَتْ) ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْمُضَارَبَةِ.
قَالَ: (وَإِنْ شَرَطَ رَفْعَ الْعُشْرِ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إِلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى بَعْدَهُ تِسْعَةُ أَعْشَارٍ، فَتَبْقَى الشَّرِكَةُ فِيهِ، بِخِلَافِ الْخَرَاجِ وَالْبَذْرِ ; لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَخْرُجُ
وَإِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ، وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ لِآخَرَ. أَوْ كَانَتِ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ، أَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ - فَهِيَ صَحِيحَةٌ. وَإِذَا صَحَّتِ الْمُزَارَعَةُ فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ، وَمَا عَدَا هَذِهِ الْوُجُوهَ فَاسِدَةٌ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
إِلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ أَوْ أَقَلُّ مِنْهُ، فَيُؤَدِّي إِلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فَيَبْطُلُ.
قَالَ: (وَإِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ، وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ لِآخَرَ. أَوْ كَانَتِ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ، وَالْبَاقِي لِآخَرَ. أَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْ وَاحِدٍ، وَالْبَاقِي لِآخَرَ - فَهِيَ صَحِيحَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ لِلْأَرْضِ أَوْ لِلْعَامِلِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ لِلْعَامِلِ، وَالْبَقَرُ آلَةُ الْعَمَلِ، فَكَانَتْ تَابِعَةً لَهُ لَا يُقَابِلُهَا أُجْرَةٌ كَإِبْرَةِ الْخَيَّاطِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِبَعْضٍ مَعْلُومٍ، فَصَارَ كَالدَّرَاهِمِ الْمَعْلُومَةِ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَهُوَ اسْتِئْجَارٌ لِلْعَامِلِ؛ لِيَعْمَلَ بِآلَةِ الْمُسْتَعْمِلِ، كَمَا إِذَا شَرَطَ عَلَى الْخَيَّاطِ أَنْ يَخِيطَ بِإِبْرَةِ صَاحِبِ الثَّوْبِ.
(وَإِذَا صَحَّتِ الْمُزَارَعَةُ فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ) عَمَلًا بِالْتِزَامِهِمَا، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» .
(فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ) ؛ لِأَنَّهَا شَرِكَةٌ فِي الْخَارِجِ، وَلَا خَارِجَ، وَصَارَ كَالْمُضَارِبِ إِذَا لَمْ يَرْبَحْ. وَإِنْ كَانَتْ إِجَارَةً فَقَدْ عَيَّنَ الْأُجْرَةَ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهَا، بِخِلَافِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ، فَلَا يَفُوتُ بِفَوَاتِ الْخَارِجِ.
قَالَ: (وَمَا عَدَا هَذِهِ الْوُجُوهَ فَاسِدَةٌ)، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ أَيْضًا: وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ وَالْآلَاتُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، وَالْبَذْرُ مِنَ الْعَامِلِ. أَوْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَالْبَاقِي مِنَ الْآخَرِ. أَوْ تَكُونَ الْأَرْضُ مِنْ وَاحِدٍ، وَالْبَقَرُ مِنْ آخَرَ وَالْبَذْرُ مِنْ آخَرَ وَالْعَمَلُ مِنْ آخَرَ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَذْكُورُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله جَوَازُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ، فَيَجُوزُ، وَيُجْعَلُ الْبَقَرُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ كَمَا تُجْعَلُ تَبَعًا لِلْعَامِلِ.
وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَقَرِ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ عَمَلٌ، فَأَمْكَنَ جَعْلُهَا تَبَعًا لِلْعَامِلِ، وَلَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ ; لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ قُوَّةٌ فِي طَبْعِهَا بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى يَحْصُلُ بِهَا النَّمَاءُ، فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا تَبَعًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ شَرِكَةٌ بَيْنَ الْبَذْرِ وَالْعَمَلِ، وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِمَا رُوِيَ أَنَّ أَرْبَعَةً اشْتَرَكُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مِنْ قِبَلِ أَحَدِهِمُ الْأَرْضُ، وَمِنْ قِبَلِ الْآخَرِ الْبَذْرُ، وَمِنْ قِبَلِ الْآخَرِ الْبَقَرُ، وَمِنْ قِبَلِ الْآخَرِ الْعَمَلُ - فَأَبْطَلَهَا عليه الصلاة والسلام. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ رحمه الله فِي شَرْحِ الْآثَارِ: فَزَرَعُوا، ثُمَّ حَصَدُوا، ثُمَّ أَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «فَجَعَلَ الزَّرْعَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَجَعَلَ لِصَاحِبِ الْعَمَلِ أَجْرًا مَعْلُومًا، وَجَعَلَ لِصَاحِبِ الْفَدَّانِ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا، وَأَلْغَى الْأَرْضَ فِي ذَلِكَ» .
وَوَجْهٌ آخَرُ فَاسِدٌ أَيْضًا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ وَالْبَقَرُ مِنْ جَانِبٍ، وَالْعَمَلُ وَالْأَرْضُ مِنْ جَانِبٍ؛ لِمَا مَرَّ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي.
وَإِذَا فَسَدَتْ فَالْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَلِلْآخَرِ أَجْرُ عَمَلِهِ أَوْ أَجْرُ أَرْضِهِ لَا يُزَادُ عَلَى قَدْرِ الْمُسَمَّى (م) . وَلَوْ شَرَطَا التِّبْنَ لِرَبِّ الْبَذْرِ صَحَّ، وَإِنْ شَرَطَاهُ لِلْآخَرِ لَا يَصِحُّ. وَإِنْ عَقَدَاهَا، فَامْتَنَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ - لَمْ يُجْبَرْ. وَإِنِ امْتَنَعَ الْآخَرُ أُجْبِرَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عُذْرٌ تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ، فَتُفْسَخُ بِهِ الْمُزَارَعَةُ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَالَ: (وَإِذَا فَسَدَتْ فَالْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ) ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَالْآخَرُ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِالتَّسْمِيَةِ، وَقَدْ فَسَدَتْ. (وَلِلْآخَرِ أَجْرُ عَمَلِهِ) إِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، (أَوْ أَجْرُ أَرْضِهِ) إِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ. (لَا يُزَادُ عَلَى قَدْرِ الْمُسَمَّى) ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِقَدْرِ الْمُسَمَّى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله: تَجِبُ بَالِغَةً مَا بَلَغَ، وَقَدْ سَبَقَ فِي الْإِجَارَةِ.
وَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ لِرَبِّ الْأَرْضِ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ طَابَ لَهُ جَمِيعُهُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ فِي أَرْضِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعَامِلِ طَابَ لَهُ قَدْرُ بَذْرِهِ وَقَدْرُ أَجْرِ الْأَرْضِ، وَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ مِنْ بَذْرِهِ لَكِنْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْغَيْرِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْجَبَ خُبْثًا، فَمَا كَانَ عِوَضَ مَالِهِ طَابَ لَهُ وَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ.
وَإِنْ شَرَطَا عَمَلَهُمَا جَمِيعًا فَهِيَ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ إِنْ كَانَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ، وَقَدْ شَرَطَ عَمَلَهُ، لَمْ تُوجَدِ التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا شَرْطٌ. وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعَامِلِ فَالْعَامِلُ قَدِ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ، فَإِذَا شَرَطَ عَمَلَ صَاحِبِهَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ مَا اسْتَأْجَرَ فَيَبْطُلُ. وَلَوْ شَرَطَا الْخَارِجَ كُلَّهُ لِأَحَدِهِمَا، وَالْبَذْرَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ - جَازَ، فَإِنْ شَرَطَاهُ لَهُ يَكُونُ مُسْتَعِينًا بِالْعَامِلِ؛ لِيَزْرَعَ أَرْضَهُ، وَإِنْ شَرَطَاهُ لِلْعَامِلِ يَكُونُ إِجَارَةً لِلْأَرْضِ وَإِقْرَاضًا لِلْبَذْرِ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنَ الْعَامِلِ، فَإِنْ شَرَطَاهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَسَدَتْ. وَالْخَارِجُ لِرَبِّ الْبَذْرِ، وَعَلَيْهِ مِثْلُ أَجْرِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ بِجَمِيعِ الْخَارِجِ، وَأَنَّهُ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ. وَإِنْ شَرَطَاهُ لِلْعَامِلِ جَازَ، وَيَكُونُ مُعِيرًا أَرْضَهُ مِنْهُ.
قَالَ: (وَلَوْ شَرَطَا التِّبْنَ لِرَبِّ الْبَذْرِ صَحَّ) ، مَعْنَاهُ بَعْدَ شَرْطِ الْحَبِّ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ التِّبْنَ مِنَ الْبَذْرِ. (وَإِنْ شَرَطَاهُ لِلْآخَرِ لَا يَصِحُّ) ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَخْرُجُ إِلَّا التِّبْنُ، وَهُوَ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِالشَّرْطِ. وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِلتِّبْنِ - صَحَّتِ الشَّرِكَةُ فِي الْمَقْصُودِ، وَالتِّبْنُ لِرَبِّ الْبَذْرِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ، وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا تَبَعًا لِلْحَبِّ. وَلَوْ شَرَطَا التِّبْنَ لِأَحَدِهِمَا، وَالْحَبَّ لِلْآخَرِ - فَهِيَ فَاسِدَةٌ ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُصِيبُهُ آفَةٌ، فَلَا يَنْعَقِدُ الْحَبُّ.
قَالَ: (وَإِنْ عَقَدَاهَا، فَامْتَنَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ - لَمْ يُجْبَرْ) ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلِ الْكِرَابِ فِي الْقَضَاءِ. وَيَلْزَمُهُ دِيَانَةً أَنْ يُرْضِيَهُ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْبَذْرِ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوَفَاءُ بِالْعَقْدِ إِلَّا بِإِتْلَافِ مَالِهِ وَهُوَ الْبَذْرُ، وَهِيَ لَازِمَةٌ فِي حَقِّ الْآخَرِ ; لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعَامِلِ أَوْ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لِلْآخَرِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا.
قَالَ: (وَإِنِ امْتَنَعَ الْآخَرُ أُجْبِرَ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ كَالْإِجَارَةِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الْوَفَاءِ بِهِ، (إِلَّا أَنْ يَكُونَ عُذْرٌ تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ، فَتُفْسَخُ بِهِ الْمُزَارَعَةُ) ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ. وَإِذَا لَزِمَ رَبُّ الْأَرْضِ دَيْنٌ، وَاحْتَاجَ
وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأُجْرَةِ الْكِرَابِ وَحَفْرِ الْأَنْهَارِ، وَأُجْرَةُ الْحَصَادِ وَالرِّفَاعِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ عَلَيْهِمَا بِالْحِصَصِ. وَلَوْ شَرَطَا ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ لَا يَجُوزُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ جَوَازُهُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَطَلَتْ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
إِلَى بَيْعِهَا فِيهِ بَاعَهَا الْحَاكِمُ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ.
(وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأُجْرَةِ الْكِرَابِ وَحَفْرِ الْأَنْهَارِ) ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ إِنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا قُوِّمَتْ بِالْخَارِجِ وَقَدِ انْعَدَمَ. وَلَوْ نَبَتَ الزَّرْعُ، وَلَمْ يُحْصَدْ؛ لِاتِّبَاعِ الْأَرْضِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّ الْمُزَارِعِ، وَتَأْخِيرُ حَقِّ رَبِّ الدَّيْنِ أَهْوَنُ. وَلَا يَحْبِسُهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِظَالِمٍ، وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ.
قَالَ: (وَأُجْرَةُ الْحَصَادِ وَالرِّفَاعِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ عَلَيْهِمَا بِالْحِصَصِ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْتَهَى بِانْتِهَاءِ الزَّرْعِ؛ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، فَبَقِيَ مَالًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ عَقْدٍ، فَتَكُونُ مَئُونَتُهُ عَلَيْهِمَا. فَإِنْ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إِذْنِ الْآخَرِ وَلَا أَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ؛ إِذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ.
(وَلَوْ شَرَطَا ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ لَا يَجُوزُ) ، وَأَصْلُهُ أَنَّهُ مَتَى شُرِطَ فِي الْمُزَارَعَةِ مَا لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِهَا فَسَدَتْ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِهِمَا، فَصَارَ كَاشْتِرَاطِ الْحَمْلِ عَلَيْهِ.
(وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ جَوَازُهُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) ؛ لِلتَّعَامُلِ كَالِاسْتِصْنَاعِ. وَلَوْ شَرَطَا ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ. وَإِنْ شَرَطَا مَا هُوَ مِنْ أَعْمَالِ الزِّرَاعَةِ لَا يُفْسِدُهَا، وَهُوَ كُلُّ عَمَلٍ يُنْبِتُ وَيَزِيدُ فِي الْخَارِجِ، وَمَا لَا يُنْبِتُ وَلَا يَزِيدُ لَيْسَ مِنْ عَمَلِهَا. وَكُلُّ شَرْطٍ يَنْتَفِعُ بِهِ رَبُّ الْأَرْضِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يُفْسِدُهَا، كَكَرْيِ الْأَنْهَارِ، وَطَرْحِ السِّرْقِينَ فِي الْأَرْضِ، وَبِنَاءِ الْحَائِطِ، وَتَثْنِيَةِ الْكِرَابِ.
وَقِيلَ: إِنْ كَانَتِ الْمُزَارَعَةُ سَنَتَيْنِ لَا تَفْسُدُ فِي التَّثْنِيَةِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لَا تَبْقَى، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ فِي الْخُضْرَةِ لَا تَفْسُدُ أَيْضًا ; لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لَا تَبْقَى بَعْدَهَا، فَإِنَّهُ لَوْ كَرَبَ مِرَارًا لَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ بِسَقْيٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ بَقِيَتْ فَسَدَتْ.
وَاخْتَلَفُوا فِي التَّثْنِيَةِ، قِيلَ: هُوَ أَنْ يَكْرِبَهَا مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَفِيهِ الْكَلَامُ. وَقِيلَ: أَنْ يَكْرِبَهَا بَعْدَ الْحَصَادِ، وَيُسَلِّمَ الْأَرْضَ مَكْرُوبَةً، وَهَذَا فَاسِدٌ بِكُلِّ حَالٍ. فَكُلُّ عَمَلٍ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْخَارِجُ كَالْحِفْظِ وَالسَّقْيِ عَلَى الْعَامِلِ ; لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ الْعَمَلُ، وَمَا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا كَالْحَصَادِ وَإِخْوَتِهِ، وَمَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَالْحَمْلِ وَالطِّحْنِ عَلَيْهِمَا بِالْإِجْمَاعِ.
وَلَوْ أَرَادَ فَصْلَ الزَّرْعِ قَصِيلًا، أَوْ جِذَاذَ الثَّمَرَةِ بُسْرًا، أَوِ الْتِقَاطَ الرُّطَبِ - فَهُوَ عَلَيْهِمَا ; لِأَنَّهُمَا أَنْهَيَا الْعَقْدَ بِعَزْمِهِمَا، فَصَارَ كَمَا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ.
قَالَ: (وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدِينَ بَطَلَتْ) ؛ لِمَا مَرَّ فِي الْإِجَارَةِ. وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالزَّرْعُ لَمْ يُسْتَحْصَدْ تُرِكَ حَتَّى يُحْصَدَ مُرَاعَاةً لِلْحَقَّيْنِ، وَيَنْتَقِضُ فِيمَا بَقِيَ إِنْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ؛ لِأَنَّ