الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ الْعُمْيَانِ. وَإِذَا تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ ذِمِّيَّةً بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ جَازَ (م) ، وَلَا يَظْهَرُ عِنْدَ جُحُودِهِ.
[مُحَرَّمَاتُ النِّكَاحِ] وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ نِكَاحُ أُمِّهِ، وَجَدَّاتِهِ، وَبِنْتِهِ، وَبَنَاتِ وَلَدِهِ، وَأُخْتِهِ وَبِنْتِهَا، وَبِنْتِ أَخِيهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ، وَأُمِّ امْرَأَتِهِ وَبِنْتِهَا إِنْ دَخَلَ بِهَا، وَامْرَأَةِ أَبِيهِ وَأَجْدَادِهِ وَبَنِيهِ وَبَنِي أَوْلَادِهِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا وَوَطْئًا بِمِلْكِ يَمِينٍ. وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنَ النَّسَبِ
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
يُؤَثِّرُ فِي الشَّهَادَةِ؛ لِلتُّهْمَةِ وَذَلِكَ عِنْدَ الْأَدَاءِ.
أَمَّا التَّحَمُّلُ فَأَمْرٌ مُشَاهَدٌ لَا تُهْمَةَ فِيهِ. وَانْعِقَادُ النِّكَاحِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَهَادَةِ مَنْ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ كَمَنْ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ وَلَا يُعْلَمُ بَاطِنُهُ، وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ ابْنَيْهِمَا وَابْنَيْهَا مِنْ غَيْرِهَا. وَلَا يَظْهَرُ بِشَهَادَتِهِمْ عِنْدَ دَعْوَى الْقَرِيبِ؛ لِمَا أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَوَقَّفُ إِلَّا عَلَى الْحُضُورِ لَا عَلَى مَنْ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ.
قَالَ: (وَيَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ الْعُمْيَانِ) ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ حَتَّى لَوْ حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ؛ فَإِنَّ مَالِكًا يُجَوِّزُ شَهَادَتَهُ، وَأَبَا يُوسُفَ يُجِيزُهَا إِذَا تَحَمَّلَهَا بَصِيرًا. وَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ صَارَ كَالْبَصِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْقَبُولَ بِنَفْسِهِ.
وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ إِنْ تَابَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، حَتَّى لَوْ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِ حَاكِمٌ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَهُوَ فَاسِقٌ، وَقَدْ مَرَّ.
قَالَ: (وَإِذَا تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ ذِمِّيَّةً بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ جَازَ، وَلَا يَظْهَرُ عِنْدَ جُحُودِهِ) . وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَالسَّمَاعُ فِي النِّكَاحِ شَهَادَةٌ، فَصَارَ كَأَنَّهُمْ سَمِعُوا كَلَامَ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا. وَلَهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا لَوْ جَحَدَتْ.
وَإِذَا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ بِشَهَادَتِهِمَا فَلَأَنْ يَنْعَقِدَ بِحَضْرَتِهِمَا أَوْلَى، وَلِأَنَّ الِانْعِقَادَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمَاعِ مَنْ يَثْبُتُ بِهِ الْعَقْدُ؛ لِمَا مَرَّ. وَلِأَنَّ سَمَاعَ الْكُفَّارِ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَا بَعْدَ مَا سَمِعَا ذِمِّيَّيْنِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ شُرِطَتْ فِي الِانْعِقَادِ؛ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ إِظْهَارًا لِخَطَرِ الْمَحَلِّ لَا لِوُجُوبِ الْمَهْرِ؛ لِمَا بَيَّنَّا، وَقَدْ وُجِدَتْ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِكَلَامِهِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْعَقْدِ شَرْطٌ.
[فَصْلُ مُحَرَّمَاتُ النِّكَاحِ]
فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ (وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ نِكَاحُ أُمِّهِ وَجَدَّاتِهِ، وَبِنْتِهِ، وَبَنَاتِ وَلَدِهِ، وَأُخْتِهِ وَبِنْتِهَا، وَبِنْتِ أَخِيهِ، وَعَمَّتِهِ، وَخَالَتِهِ، وَأُمِّ امْرَأَتِهِ وَبِنْتِهَا إِنْ دَخَلَ بِهَا، وَامْرَأَةِ أَبِيهِ وَأَجْدَادِهِ وَبَنِيهِ وَبَنِي أَوْلَادِهِ. وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا وَوَطْئًا بِمِلْكِ يَمِينٍ. وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَنْ ذَكَرْنَا) مَا يَحْرُمُ (مِنَ النَّسَبِ) .
اعْلَمْ أَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعَةُ أَقْسَامٍ: بِالْقَرَابَةِ، وَبِالصِّهْرِيَّةِ، وَبِالرَّضَاعِ، وَبِالْجَمْعِ، وَبِالتَّقْدِيمِ، وَبِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ، وَبِالْمِلْكِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَبِالْكُفْرِ، وَبِالطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ.
فَالْمُحَرَّمَاتُ بِالْقَرَابَةِ سَبْعَةُ أَنْوَاعٍ: الْأُمَّهَاتُ وَإِنْ عَلَوْنَ، وَالْبَنَاتُ وَإِنْ سَفُلْنَ، وَالْأَخَوَاتُ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كُنَّ، وَالْخَالَاتُ وَالْعَمَّاتُ جَمِيعُهُنَّ. وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَإِنْ سَفُلْنَ فَهُنَّ مُحَرَّمَاتٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ نِكَاحًا وَوَطْئًا.
وَدَوَاعِيهِ عَلَى التَّأْبِيدِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23] . نَصَّ عَلَى التَّحْرِيمِ مُطْلَقًا، فَيَقْتَضِي حُرْمَةَ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ فِي الْمَحَلِّ الْمُضَافِ إِلَيْهِ التَّحْرِيمُ إِلَّا فِعْلًا فِيهِ تَعْظِيمٌ وَتَكْرِيمٌ فَإِنَّهُ خَارِجٌ عَنِ الْإِرَادَةِ؛ إِمَّا لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ بِالنُّصُوصِ الْمُوجِبَةِ لِصِلَةِ الرَّحِمِ وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَالْإِحْسَانِ بِهِمَا. أَوْ لِوُجُوبِ ذَلِكَ عَقْلًا، أَوْ بِالْإِجْمَاعِ. وَمَا عَدَاهُنَّ مِنَ الْقَرَابَاتِ مُحَلَّلَاتٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] .
وَالْمُحَرَّمَاتُ بِالصِّهْرِيَّةِ أَرْبَعَةٌ: أُمُّ امْرَأَتِهِ وَبَنَاتُهَا، فَتَحْرُمُ أُمُّهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ عَلَى الْبِنْتِ، قَالَ تَعَالَى:{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] مُطْلَقًا. وَلَا تَحْرُمُ الْبِنْتُ حَتَّى يَدْخُلَ بِالْأُمِّ، قَالَ تَعَالَى:{وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] الْآيَةَ.
وَتَحْرُمُ الرَّبِيبَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِ الزَّوْجِ، وَذِكْرُ الْحِجْرِ فِي الْآيَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ لَا لِلشَّرْطِ. وَكَذَا بَنَاتُ بِنْتِ الْمَرْأَةِ وَبَنَاتُ ابْنِهَا؛ لِدُخُولِهِنَّ تَحْتَ اسْمِ الرَّبِيبَةِ. وَحَلِيلَةُ الِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ وَابْنِ الْبِنْتِ وَإِنْ سَفُلَ حَرَامٌ عَلَى الْأَبِ دَخَلَ الِابْنُ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ حَلِيلَةُ الِابْنِ الْمُتَبَنَّى.
وَحَلِيلَةُ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَإِنْ عَلَا حَرَامٌ عَلَى الِابْنِ، قَالَ تَعَالَى:{وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَحْرُمُ بِالْعَقْدِ إِنَّمَا يَحْرُمُ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ النِّكَاحِ وَالزَّوْجَةِ وَالْحَلِيلَةِ إِنَّمَا يَنْطَلِقُ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَاسْمُ الْحَلِيلَةِ يَتَنَاوَلُ الزَّوْجَةَ وَالْمَمْلُوكَةَ، غَيْرَ أَنَّ الزَّوْجَةَ تَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَالْأَمَةَ لَا تَحْرُمُ إِلَّا بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ مَقَامَ الْوَطْءِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي مِلْكِ النِّكَاحِ دُونَ مِلْكِ الْيَمِينِ. وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَإِنْ لَمْ يَطَأْ. وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ إِذَا لَمْ يَطَأْهُمَا.
وَلَوْ كَانَ لَهُ جَارِيَةٌ فَقَالَ: وَطِئْتُهَا - حُرِّمَتْ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ. وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي جَارِيَةِ الْغَيْرِ لَا تَحْرُمُ أَخْذًا بِالظَّاهِرِ فِيهِمَا. وَلَوِ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ وَسِعَهُ وَطْؤُهَا مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْأَبَ وَطِئَهَا. وَلَوْ قَصَدَ امْرَأَتَهُ لِيُجَامِعَهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ مَعَ بِنْتِهَا الْمُشْتَهَاةِ، فَوَقَعَتْ يَدُهُ عَلَى الْبِنْتِ، فَقَرَصَهَا بِشَهْوَةٍ يَظُنُّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ - حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ.
وَالْمُحَرَّمَاتُ بِالرَّضَاعِ كُلُّ مَنْ تَحْرُمُ بِالْقَرَابَةِ وَالصِّهْرِيَّةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23]، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» .
وَالْمُحَرَّمَاتُ بِالْجَمْعِ: لَا يُحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] . نَصَّ عَلَى الْأَرْبَعِ، فَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِنَّ.
وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَسَدَ نِكَاحُهُمَا. وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَتَيْنِ، وَلَا يَدْرِي أَيَّتُهُمَا أُولَى فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا. وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَلَا رَابِعَةً حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَرُوِيَ «أَنَّ غَيْلَانَ الدَّيْلَمِيَّ أَسْلَمَ، وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَأَمَرَهُ عليه الصلاة والسلام أَنْ يُمْسِكَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا، وَيُفَارِقَ الْبَاقِيَ» . وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْحَرَائِرُ وَالْإِمَاءُ الْمَنْكُوحَاتُ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَفْصِلْ.
وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْإِمَاءِ مِلْكًا وَوَطْئًا حَلَالٌ وَإِنْ كَثُرْنَ، قَالَ تَعَالَى:{إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ خَرَجَ عَنْهُ الزَّوْجَاتُ بِمَا ذَكَرْنَا، فَبَقِيَ الْإِمَاءُ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
وَلَا يَجْمَعُ الْعَبْدُ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنِ اثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنْصِفٌ، فَيَنْتَصِفُ مِلْكُ النِّكَاحِ أَيْضًا إِظْهَارًا لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ. وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا، وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ وَطْئًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] . وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعَنَّ مَاءَهَ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ» .
وَيَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْمِلْكِ دُونَ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّصِّ حُرْمَةُ الْوَطْءِ إِجْمَاعًا. فَإِنْ كَانَ لَهُ أَمَةٌ قَدْ وَطِئَهَا، فَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا - جَازَ النِّكَاحُ؛ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَإِضَافَتِهِ إِلَى مَحَلِّهِ. وَلَا يَطَأُ الْأَمَةَ؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا. وَلَا يَطَأُ الْمَنْكُوحَةَ حَتَّى يُحَرِّمَ الْأَمَةَ عَلَيْهِ، فَإِذَا حَرَّمَهَا وَطِئَ الْمَنْكُوحَةَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ الْمَمْلُوكَةَ وَطِئَ الْمَنْكُوحَةَ، وَحُرِّمَتِ الْمَمْلُوكَةُ حَتَّى يُفَارِقَ الْمَنْكُوحَةَ.
قَالَ: (وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَسَدَ نِكَاحُهُمَا) ؛ لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ جَوَازِ نِكَاحِ إِحْدَاهُمَا. (وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَتَيْنِ، وَلَا يَدْرِي أَيَّتُهُمَا أُولَى - فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ إِحْدَاهُمَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ، وَلَا وَجْهَ إِلَى التَّيَقُّنِ؛ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ. وَلَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ بَيْنَهُمَا؛ لِجَهَالَةِ الْمُسْتَحِقَّةِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ. فَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَسَدَ نِكَاحُ الْأَخِيرَةِ وَيُفَارِقُهَا، وَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
(وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَلَا رَابِعَةَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) ، وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا؛ لِبَقَاءِ نِكَاحِ الْأُولَى مِنْ وَجْهٍ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ وَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى، وَالْفِرَاشِ الْقَائِمِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَالْمَنْعِ مِنَ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ وَالتَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ، فَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْحُرْمَةِ. وَالْمُعْتَدَّةُ إِذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدَّةً يَحِلُّ لِلزَّوْجِ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا؛ لِسُقُوطِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَنْهَا.
وَعِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا تَمْنَعُ نِكَاحَ أُخْتِهَا دُونَ الْأَرْبَعِ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا قَائِمٌ، فَيَكُونُ جَامِعًا مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ، وَأَنَّهُ حَرَامٌ بِالْحَدِيثِ.
وَحُرْمَةُ الْأَرْبَعَةِ وَرَدَ فِي النِّكَاحِ، وَقَالَا: لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْعِتْقِ، فَكَذَا بَعْدَهُ. لَكِنْ إِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ. وَجَوَابُهُ أَنَّ فِرَاشَهَا قَبْلَ الْعِتْقِ ضَعِيفٌ يَقْبَلُ النَّقْلَ إِلَى غَيْرِهِ بِالنِّكَاحِ، وَبَعْدَهُ لَا، فَافْتَرَقَا. وَالْعَقْدُ قَائِمٌ
وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ، وَلَا مَعَهَا وَلَا فِي عِدَّتِهَا (سم) .
وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ عَلَى الْأَمَةِ وَمَعَهَا وَفِي عِدَّتِهَا، وَيَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنَ الْإِمَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ زَوْجَةَ الْغَيْرِ وَلَا مُعْتَدَّتَهُ. وَلَا يَتَزَوَّجُ حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ إِلَّا الزَّانِيَةَ (س ف) ، فَإِنْ فَعَلَ لَا يَطَؤُهَا حَتَى تَضَعَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ وَلَا الْمَرْأَةَ عَبْدَهَا.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
مَقَامَ الْوَطْءِ حَتَّى يَثْبُتَ النِّسَبُ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ.
قَالَ: (وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا) ؛ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا وَلَا عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا؛ فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَهُنَّ» . وَيَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَابْنَةِ زَوْجٍ كَانَ لَهَا مِنْ قَبْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا.
(وَ) الْمُحَرَّمَاتُ بِالتَّقْدِيمِ (لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَلَا مَعَهَا وَلَا فِي عِدَّتِهَا، وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ عَلَى الْأَمَةِ وَمَعَهَا فِي عِدَّتِهَا) ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ، وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَيْهَا» ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ عَلَيْهَا حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا لَا يَحْنَثُ بِهَذَا.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ نِكَاحَ الْحُرَّةِ قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالْيَمِينُ مَبْنَاهَا عَلَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ عَدَمُ الْمُزَاحَمَةِ فِي الْقَسْمِ وَقَدْ وُجِدَ.
وَلَوْ تَزَوَّجَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَرْبَعًا مِنَ الْإِمَاءِ، وَخَمْسًا مِنَ الْحَرَائِرِ - جَازَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحَرَائِرِ؛ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، فَيَبْطُلُ نِكَاحُهُنَّ، فَلَمْ تُوجَدِ الْمُزَاحَمَةُ.
(وَيَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنَ الْإِمَاءِ) ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَرُبَاعَ} [النساء: 3] لَا يُفَصِّلُ. (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ) ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ لَا تُفَصِّلُ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24]، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] ، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
(وَ) الْمُحَرَّمَاتُ بِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ فَـ (لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ زَوْجَةَ الْغَيْرِ وَلَا مُعْتَدَّتَهُ)، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«مَلْعُونٌ مَنْ سَقَى مَاءَهَ زَرْعَ غَيْرِهِ» ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى اشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ. وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعِ الْجَمْعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي دِينٍ مِنَ الْأَدْيَانِ.
قَالَ: (وَلَا يَتَزَوَّجُ حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ) ؛ لِمَا ذَكَرْنَا (إِلَّا الزَّانِيَةَ، فَإِنْ فَعَلَ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ) . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: النِّكَاحُ فَاسِدٌ؛ لِمَا سَبَقَ مِنَ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُ حَمْلٌ مُحْتَرَمٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ إِسْقَاطُهُ. وَلَهُمَا أَنَّ الِامْتِنَاعَ؛ لِئَلَّا يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ فِي ثَابِتِ النَّسَبِ؛ لِحَقِّ صَاحِبِ الْمَاءِ، وَلَا حُرْمَةَ لِلزَّانِي، فَدَخَلَتْ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] . فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ ثَابِتَ النَّسَبِ كَالْحَامِلِ مِنَ السَّبْيِ، وَحِمْلِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ مَوْلَاهَا وَنَحْوِهِ - فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ؛ لِمَا بَيَّنَّا.
(وَ) الْمُحَرَّمَاتُ بِالْمِلْكِ فَـ (لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ، وَلَا الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا) . وَمِلْكُ بَعْضِ الْعَبْدِ فِي هَذَا كَمِلْكِ كُلِّهِ، وَكَذَا حَقُّ الْمِلْكِ
وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّاتِ وَالْوَثَنِيَّاتِ وَلَا وَطْؤُهُنَّ بِمِلْكِ يَمِينٍ، وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْكِتَابِيَّاتِ وَالصَّابِئِيَّاتِ (سم) . وَالزِّنَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ، وَكَذَا الْمَسُّ بِشَهْوَةٍ مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَالنَّظَرُ إِلَى الْفَرْجِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ أَيْضًا.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
كَمَمْلُوكِ الْمُكَاتِبِ وَالْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي إِثْبَاتِ الْأَضْعَفِ مَعَ ثُبُوتِ الْأَقْوَى. وَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ يُوجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ حُقُوقًا، وَالرِّقُّ يُنَافِي ذَلِكَ.
(وَ) الْمُحَرَّمَاتُ بِالْكُفْرِ فَـ (لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّاتِ وَالْوَثَنِيَّاتِ، وَلَا وَطْؤُهُنَّ بِمِلْكِ يَمِينٍ)، قَالَ تَعَالَى:{وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» .
(وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْكِتَابِيَّاتِ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] ، وَالذِّمِّيَّةُ وَالْحَرْبِيَّةُ سَوَاءٌ؛ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَالْأَمَةُ وَالْحُرَّةُ سَوَاءٌ؛ لِإِطْلَاقِ الْمُقْتَضَى.
(وَ) يَجُوزُ نِكَاحُ (الصَّابِئِيَّاتِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَعَلَى هَذَا حَلَّ ذَبَائِحَهُمْ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى اشْتِبَاهِ مَذْهَبِهِمْ، فَعِنْدَهُ هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ يُعَظِّمُونَ الْكَوَاكِبَ، وَلَا يَعْبُدُونَهَا، فَصَارُوا كَالْكِتَابِيَّاتِ. وَعِنْدَهُمَا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَلَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ.
وَالْمُحَرَّمَاتُ بِالطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ.
قَالَ: (وَالزِّنَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) ، فَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ أَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُصُولُهَا وَفُرُوعُهَا، وَتَحْرُمُ الْمَوْطُوءَةُ عَلَى أُصُولِ الْوَاطِئِ وَفُرُوعِهِ. (وَكَذَا الْمَسُّ بِشَهْوَةٍ مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَالنَّظَرُ إِلَى الْفَرْجِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ أَيْضًا) ، وَالْمُعْتَبَرُ النَّظَرُ إِلَى فَرْجِهَا الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ إِجْمَاعَ السَّلَفِ فِي أَنَّ التَّقْبِيلَ وَاللَّمْسَ عَنْ شَهْوَةٍ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى:{وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] ، وَالْحَمْلُ عَلَى الْوَطْءِ أَوْلَى؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةً هُوَ الْوَطْءُ، أَوْ لِأَنَّهُ أَعَمُّ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى وَأَعَمَّ فَائِدَةً، فَيَصِيرُ مَعْنَى الْآيَةِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -: وَلَا تَطَئُوا مَا وَطِئَ آبَاؤُكُمْ مُطْلَقًا، فَيَدْخُلُ فِيهِ النِّكَاحُ وَالسِّفَاحُ، وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا» ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ نَظَرَ إِلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا وَحَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ وَأَبِيهِ» .
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْحُكْمُ فِي مَوْطُوءَةِ الْأَبِ ثَبَتَ فِي مَوْطُوءَةِ الِابْنِ، وَفِي وَطْءِ أُمِّ امْرَأَتِهِ، وَسَائِرِ مَا يَثْبُتُ بِحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا. وَلِأَنَّ الْوَطْءَ سَبَبٌ لِلْجُزْئِيَّةِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ، وَلِهَذَا يُضَافُ إِلَيْهَا كَمَا يُضَافُ إِلَيْهِ، وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالْجُزْءِ حَرَامٌ. وَالْمَسُّ وَالنَّظَرُ دَاعٍ إِلَى الْوَطْءِ، فَيُقَامُ مَقَامَهُ احْتِيَاطًا لِلْحُرْمَةِ.
وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ: إِنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] الْوَطْءُ دُونَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْعَقْدَ؛ لِاسْتِحَالَةِ