الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْهِبَةِ
وَتَصِحُّ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ، فَإِنْ قَبَضَهَا فِي الْمَجْلِسِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ جَازَ، وَبَعْدَ الِافْتِرَاقِ يَفْتَقِرُ إِلَى إِذْنِهِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِأَنَّهُ مُتَعَلِّمٌ، وَإِنْ كَتَبَ لِغَيْرِهِ بِأُجْرَةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ، وَإِنْ خَرَجَ مِنَ الْمِصْرِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا لَا وَظِيفَةَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ سَاكِنًا، وَإِنْ خَرَجَ مَا دُونَ ذَلِكَ إِلَى بَعْضِ الْقُرَى وَأَقَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَلَا وَظِيفَةَ لَهُ، فَإِنْ أَقَامَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَطَلَبِ الْقُوتِ وَنَحْوِهِ فَلَهُ الْوَظِيفَةُ، وَإِنْ خَرَجَ لِلتَّنَزُّهِ لَا يَحِلُّ لَهُ.
[كِتَابُ الْهِبَةِ]
وَهِيَ الْعَطِيَّةُ الْخَالِيَةُ عَنْ تَقَدُّمِ الِاسْتِحْقَاقِ، يُقَالُ: وَهَبْتُهُ وَوَهَبْتُ مِنْهُ، قَالَ - تَعَالَى -:{يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: 49] ) وَالِاتِّهَابُ: قَبُولُ الْهِبَةِ، وَلِهَذَا شُرِطَ فِيهَا الْقَبْضُ ; لِأَنَّ تَمَامَ الْإِعْطَاءِ بِالدَّفْعِ وَالتَّسْلِيمِ.
وَهُوَ أَمْرٌ مَنْدُوبٌ وَصَنِيعٌ مَحْمُودٌ مَحْبُوبٌ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«تَهَادُوا تَحَابُّوا " وَفِي رِوَايَةٍ: " تَهَابَوْا» وَقَبُولُهَا سُنَّةٌ، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم:" قَبِلَ هَدِيَّةَ الْعَبْدِ "، وَقَالَ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ:«هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ طَعَامٌ لَقَبِلْتُ، وَلَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ» ، وَإِلَيْهَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -:{فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} [النساء: 4] أَيْ طَابَتْ نُفُوسُهُنَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَوَهَبْنَهُ مِنْكُمْ {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] وَهِيَ نَوْعَانِ: تَمْلِيكٌ، وَإِسْقَاطٌ، وَعَلَيْهَا الْإِجْمَاعُ.
قَالَ: (وَتَصِحُّ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ) أَمَّا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَمْلِيكٍ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْهُمَا. وَأَمَّا الْقَبْضُ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ لَوْ ثَبَتَ بِدُونِهِ لَلَزِمَ الْمُتَبَرِّعَ شَيْءٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَهُوَ التَّسَلُّمُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ ; لِأَنَّهُ لَا إِلْزَامَ لِلْمَيِّتِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَلَا لِلْوَارِثِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ بِالتَّبَرُّعِ ضَعِيفٌ لَا يَلْزَمُ، وَمِلْكُ الْوَاهِبِ كَانَ قَوِيًّا فَلَا يَلْزَمُ بِالسَّبَبِ الضَّعِيفِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا «لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ إِلَّا مَقْبُوضَةً مَحُوزَةً» ، وَالْمُرَادُ الْمِلْكُ لِأَنَّ الْجَوَازَ ثَابِتٌ بِدُونِهِ إِجْمَاعًا.
قَالَ: (فَإِنْ قَبَضَهَا فِي الْمَجْلِسِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ جَازَ، وَبَعْدَ الِافْتِرَاقِ يَفْتَقِرُ إِلَى إِذْنِهِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ فِي الْوَجْهَيْنِ إِلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْوَاهِبِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّمْلِيكَ بِالْهِبَةِ تَسْلِيطٌ عَلَى الْقَبْضِ وَإِذْنٌ لَهُ فَصَارَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَأْذُونًا فِي الْقَبْضِ ضِمْنًا لِلْإِيجَابِ وَاقْتِضَاءً، وَالْإِيجَابُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَكَذَا مَا ثَبَتَ ضِمْنًا لَهُ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا نَهَاهُ عَنِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ ; لِأَنَّ الثَّابِتَ ضِمْنًا لَا يُعَارِضُ الصَّرِيحَ. أَوْ نَقُولُ: النَّهْيُ رُجُوعٌ وَالْقَبْضُ كَالْقَبُولِ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ
وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ مَلَكَهَا بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ، وَهِبَةُ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ تَتِمُّ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَيَمْلِكُ الصَّغِيرُ الْهِبَةَ بِقَبْضِ وَلِيِّهِ وَأُمِّهِ وَبِقَبْضِهِ بِنَفْسِهِ وَتَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِقَوْلِهِ: وَهَبْتُ وَنَحَلْتُ وَأَعْطَيْتُ وَأَطْعَمْتُكَ هَذَا الطَّعَامَ وَأَعْمَرْتُكَ، وَحَمَلْتُكَ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إِذَا نَوَى الْهِبَةَ، وَكَسَوْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ، وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يُقْسَمُ جَائِزَةٌ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَبْلَ الْقَبْضِ.
قَالَ: (وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ) كَالْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْغَاصِبِ (مَلَكَهَا بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ) ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ قَبَضَهَا أَمَانَةً فَيَنُوبُ عَنِ الْهِبَةِ، وَإِنْ كَانَ ضَمَانًا فَهُوَ أَقْوَى مِنْ قَبْضِ الْهِبَةِ، وَالْأَقْوَى يَنُوبُ عَنِ الْأَدْنَى، وَلَوْ وَهَبَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا فَقَالَ: قَبَضْتُهُ صَارَ قَابِضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَجَعَلَ تَمَكُّنَهُ مِنَ الْقَبْضِ كَالتَّخْلِيَةِ فِي الْبَيْعِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا بُدَّ مِنَ الْقَبْضِ بِيَدِهِ، وَلَوْ قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْهِبَةَ وَلَمْ يَقُلْ: قَبِلْتُ صَحَّتِ الْهِبَةُ.
قَالَ: (وَهِبَةُ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ تَتِمُّ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ) ; لِأَنَّهَا فِي يَدِ الْأَبِ وَهُوَ الَّذِي يَقْبِضُ لَهُ فَكَانَ قَبْضُهُ كَقَبْضِهِ، وَكُلُّ مَنْ يَعُولُهُ فِي هَذَا كَالْأَبِ، وَلَوْ وَهَبَ لِابْنِهِ الْكَبِيرِ وَهُوَ فِي عِيَالِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِهِ ; لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا يَقْبِضُ لَهُ.
قَالَ: (وَيَمْلِكُ الصَّغِيرُ الْهِبَةَ بِقَبْضِ وَلَيِّهِ وَأُمِّهِ وَبِقَبْضِهِ بِنَفْسِهِ) مَعْنَاهُ: إِذَا وَهَبَهُ أَجْنَبِيٌّ فَالْوَلِيُّ كَالْأَبِ وَوَصِّيهِ وَالْجَدِّ وَوَصِّيهِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَ الْأَبِ، وَكَذَا إِذَا كَانَ فِي حِجْرِ أَجْنَبِيٍّ يُرَبِّيهِ كَاللَّقِيطِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَالْأُمُّ لَهَا وِلَايَةُ حِفْظِهِ، وَهَذَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا بَقَاءَ لَهُ بِدُونِ الْمَالِ فَاحْتَاجَتْ إِلَى وِلَايَةِ التَّحْصِيلِ وَهَذَا مِنْهُ. وَأَمَّا قَبْضُهُ بِنَفْسِهِ فَمَعْنَاهُ إِذَا كَانَ عَاقِلًا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ نَافِعٌ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ، وَيَجُوزُ قَبْضُ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ الصَّغِيرَةِ بَعْدَ مَا زُفَّتْ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْأَبَ فَوَّضَ أَمْرَهَا إِلَيْهِ وَذَلِكَ بَعْدَ الزِّفَافِ لَا قَبْلَهُ حَتَّى يَمْلِكَهُ بِحَضْرَةِ الْأَبِ.
قَالَ: (وَتَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِقَوْلِهِ: وَهَبْتُ) ; لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ (وَنَحَلْتُ) لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِيهِ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«أَكُلُّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ هَكَذَا» (وَأَعْطَيْتُ) صَرِيحٌ أَيْضًا (وَأَطْعَمْتُكَ هَذَا الطَّعَامَ) ؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ صَرِيحٌ فِي الْهِبَةِ إِذَا أُضِيفَ إِلَى الْمَطْعُومِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطْعِمُهُ إِلَّا بِالْأَكْلِ وَلَا أَكْلَ إِلَّا بِالْمِلْكِ، وَلَوْ قَالَ: أَطْعَمْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ. فَهُوَ عَارِيَّةٌ ; لِأَنَّهَا لَا تُطْعَمُ (وَأَعْمَرْتُكَ) هَذَا الشَّيْءَ وَجَعَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ لَكَ عُمْرَى، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلْمُعْمَرِ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ» (وَحَمَلْتُكَ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إِذَا نَوَى الْهِبَةَ) ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِرْكَابُ حَقِيقَةً وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْهِبَةِ، يُقَالُ: حَمَلَ الْأَمِيرُ فُلَانًا عَلَى فَرَسٍ: أَيْ وَهَبَهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عَقْدُ الْهِبَةِ (وَكَسَوْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ) قَالَ - تَعَالَى -: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] أَرَادَ تَمْلِيكَهُمُ الْكِسْوَةَ، وَيُقَالُ: كَسَاهُ ثَوْبًا إِذَا وَهَبَهُ، وَلَوْ قَالَ: مَنَحْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَهِيَ عَارِيَةٌ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْهِبَةَ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ فَهُوَ هِبَةٌ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَطْعُومِ وَالْمَشْرُوبِ. قَالَ: (وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يُقَسَّمُ جَائِزَةٌ،
وَفِيمَا يُقْسَمُ لَا تَجُوزُ (ف) ، فَإِنْ قَسَمَ وَسَلَّمَ جَازَ كَسَهْمٍ فِي دَارٍ، وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَالصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ، وَالتَّمْرِ عَلَى النَّخْلِ، وَالزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ، وَلَوْ وَهَبَهُ دَقِيقًا فِي حِنْطَةٍ، أَوْ سَمْنًا فِي لَبَنٍ، أَوْ دُهْنًا فِي سِمْسِمٍ فَاسْتَخْرَجَهُ وَسَلَّمَهُ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ وَهَبَ اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ جَازَ، وَبِالْعَكْسِ لَا يَجُوزُ (سم) وَلَوْ تَصَدَّقَ عَلَى فَقِيرَيْنِ جَازَ، وَعَلَى غَنِيَّيْنِ لَا يَجُوزُ، وَمَنْ وَهَبَ جَارِيَةً إِلَّا حَمْلَهَا صَحَّتِ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَفِيمَا يُقَسَّمُ لَا تَجُوزُ) ; لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي الْهِبَةِ لِمَا رَوَيْنَا وَأَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي الْمُشَاعِ، وَلَوْ جَوَّزْنَاهُ لَكَانَ لَهُ إِجْبَارُ الْوَاهِبِ عَلَى الْقِسْمَةِ وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ فَيَكُونُ إِضْرَارًا بِهِ، وَمَا لَا يُقَسَّمُ الْمُمْكِنُ فِيهِ الْقَبْضُ النَّاقِصُ فَيُكْتَفَى بِهِ ضَرُورَةً، وَلَا يَلْزَمُ ضَرَرُ الْإِجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ بِبَقَاءِ الْإِجْبَارِ عَلَى الْمُهَايَأَةِ. قُلْنَا: الْمُهَايَأَةُ فِي الْمَنَافِعِ وَلَمْ يَتَبَرَّعْ بِهَا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ صَادَفَتِ الْعَيْنَ لَا الْمَنَافِعَ. قَالَ: (فَإِنْ قَسَمَ وَسَلَّمَ جَازَ) ; لِأَنَّ بِالْقَبْضِ لَمْ يَبْقَ شُيُوعٌ وَذَلِكَ (كَسَهْمٍ فِي دَارٍ وَ) مِثْلُهُ (اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ وَالتَّمْرِ عَلَى النَّخْلِ وَالزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ) ; لِأَنَّ اتِّصَالَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَالشُّيُوعِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَمْنَعُ الْقَبْضَ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ إِمْكَانِ الْقَبْضِ.
قَالَ: (وَلَوْ وَهَبَهُ دَقِيقًا فِي حِنْطَةٍ، أَوْ سَمْنًا فِي لَبَنٍ، أَوْ دُهْنًا فِي سِمْسِمٍ فَاسْتَخْرَجَهُ وَسَلَّمَهُ لَا يَجُوزُ) ; لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مَعْدُومٌ فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ فَبَطَلَ الْعَقْدُ فَيَحْتَاجُ إِلَى عَقْدٍ جَدِيدٍ أَمَّا الْمُشَاعُ فَمَحَلُّ التَّمْلِيكِ حَتَّى جَازَ بَيْعُهُ دُونَ ذَلِكَ.
قَالَ: (وَلَوْ وَهَبَ اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ جَازَ، وَبِالْعَكْسِ لَا يَجُوزُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُمَا سَلَّمَاهَا وَالْمَوْهُوبَ لَهُ قَبَضَهَا جُمْلَةً وَلَا شُيُوعَ وَلَا ضَرَرَ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَصِحُّ أَيْضًا ; لِأَنَّهَا هِبَةٌ وَاحِدَةٌ وَالتَّمْلِيكُ وَاحِدٌ فَلَا شُيُوعَ، وَصَارَ كَالرَّهْنِ مِنِ اثْنَيْنِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ وَهَبَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمِلْكُ فِي النِّصْفِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيمَا لَا يُقَسَّمُ، فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا صَحَّ فِي النِّصْفِ فَكَانَ تَمْلِيكًا لِلنِّصْفِ وَأَنَّهُ شَائِعٌ، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَالْمُسْتَحَقُّ فِيهِ الْحَبْسُ، وَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَامِلًا وَتَمَامُهُ مَرَّ فِي الرَّهْنِ.
قَالَ: (وَلَوْ تَصَدَّقَ عَلَى فَقِيرَيْنِ جَازَ) وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ لَهُمَا (وَعَلَى غَنِيَّيْنِ لَا يَجُوزُ) وَقَالَا: تَجُوزُ فِي الْغَنِيَّيْنِ أَيْضًا لِمَا مَرَّ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إِعْطَاءَ الْفَقِيرِ يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ - تَعَالَى - فَهُوَ وَاحِدٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ أَوْ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ فَقِيرًا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ، وَالْإِعْطَاءُ لِلْغَنِيِّ يُرَادُ بِهِ وَجْهُ الْغَنِيِّ وَهُمَا اثْنَانِ فَكَانَ مُشَاعًا، وَالصَّدَقَةُ عَلَى الْغَنِيِّ هِبَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ.
قَالَ: (وَمَنْ وَهَبَ جَارِيَةً إِلَّا حَمْلَهَا صَحَّتِ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِنَّمَا يَعْمَلُ فِيمَا يَعْمَلُ فِيهِ الْعَقْدُ، وَالْهِبَةُ لَا تَصِحُّ فِي الْحَمْلِ فَكَذَا الِاسْتِثْنَاءُ فَكَانَ شَرْطًا فَاسِدًا ; وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ; لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَجَازَ الْعُمْرَى وَأَبْطَلَ شَرْطَ الْمُعَمِّرِ