المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فَصَالَحُوهُ عَلَى أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ - الاختيار لتعليل المختار - جـ ٣

[ابن مودود الموصلي]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌كِتَابُ الصُّلْحِ

- ‌كِتَابُ الشَّرِكَةِ

- ‌كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَدِيعَةِ

- ‌كِتَابُ اللَّقِيطِ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌كِتَابُ الْآبِقِ

- ‌كِتَابُ الْمَفْقُودِ

- ‌كِتَابُ الْخُنْثَى

- ‌[فصل أحكام الْخُنْثَى]

- ‌كِتَابُ الْوَقْفِ

- ‌كِتَابُ الْهِبَةِ

- ‌[فصل الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ]

- ‌[فصل الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى]

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَةِ

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌فَصْلٌزَوَائِدُ الْغَصْبِ

- ‌كِتَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ

- ‌كِتَابُ الشِّرْبِ

- ‌[فصل كرى الأنهار العظام على بيت المال]

- ‌كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ

- ‌كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌[ما يشترط في الشهود في النكاح]

- ‌[فَصْلُ مُحَرَّمَاتُ النِّكَاحِ]

- ‌[فصل نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ]

- ‌[فَصْلٌ: عِبَارَةُ النِّسَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي النِّكَاحِ]

- ‌[تَرْتِيبُ الْأَوْلِيَاءِ]

- ‌[فصل الكفاءة في النكاح]

- ‌[فصل أَقَلُّ الْمَهْرِ وَأَكْثَرُهُ]

- ‌[فصل مَهْرُ الْمِثْلِ]

- ‌فَصْلٌ [نِكَاحُ الْعَبْدِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى]

- ‌فَصْلٌ [نِكَاحُ الذِّمِّيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ]

- ‌[فصل عيوب الزوجية]

- ‌[فصل الْعَدْلُ فِي الْقَسْمِ]

- ‌كِتَابُ الرَّضَاعِ

- ‌كِتَابُ الطَّلَاقِ

- ‌[حكم طلاق المكره والسكران والأخرس والهازل]

- ‌[فصل صَرِيحُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فصل وصف الطَّلَاقِ]

- ‌[فصل الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ]

- ‌[فصل كِنَايَاتُ الطَّلَاقِ]

- ‌[تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فصل الطَّلَاقُ بِالْمَشِيئَةِ]

- ‌[فصل أبان امرأته في مرضه ثم مات]

- ‌بَابُ الرَّجْعَةِ

- ‌بَابُ الْإِيلَاءِ

- ‌[فصل الْفَيْءُ أَوْ سُقُوطُ الْإِيلَاءِ]

- ‌بَابُ الْخَلْعِ

- ‌بَابُ الظِّهَارِ

- ‌[فصل كفارة الظِّهَار]

- ‌بَابُ اللِّعَانِ

- ‌بَابُ الْعِدَّةِ

- ‌[فصل في الأقراء وهي الحيض]

- ‌[فصل في الحداد]

- ‌[فصل أَقَلُّ الْحَمْلِ وَأَكْثَرُهُ]

الفصل: فَصَالَحُوهُ عَلَى أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ

فَصَالَحُوهُ عَلَى أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَرَضًا جَازَ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ دُيُونٌ فَأَخْرَجُوهُ مِنْهَا عَلَى أَنْ تَكُونَ لَهُمْ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ شَرَطُوا بَرَاءَةَ الْغُرَمَاءِ جَازَ.

‌كِتَابُ الشَّرِكَةِ

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

فَصَالَحُوهُ عَلَى أَحَدِ النَّقْدَيْنِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ) لِيَكُونَ نَصِيبُهُ بِمِثْلِهِ وَالزِّيَادَةُ بِحَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ تَحَرُّزًا عَنِ الرِّبَا (وَلَوْ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَرَضًا جَازَ مُطْلَقًا) لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الرِّبَا، وَكُلُّ مَوْضِعٍ يُقَابِلُ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ بِالْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ صَرْفٌ.

قَالَ: (وَإِنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ دُيُونٌ فَأَخْرَجُوهُ مِنْهَا عَلَى أَنْ تَكُونَ لَهُمْ لَا يَجُوزُ) ; لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ (وَإِنْ شَرَطُوا بَرَاءَةَ الْغُرَمَاءِ جَازَ) ; لِأَنَّهُ إِسْقَاطٌ أَوْ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ لَا يُصَالِحُونَ وَلَا يُقَسِّمُونَ حَتَّى يَقْضُوا دَيْنَهُ لِتَقَدُّمِ حَاجَتِهِ، وَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى -:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] وَإِنْ قَسَّمُوهَا، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِلتَّرِكَةِ بَطَلَتْ ; لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُمْ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ جَازَ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[كِتَابُ الشَّرِكَةِ]

ِ الشِّرْكُ: النَّصِيبُ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ» أَيْ نَصِيبًا. قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:

وَشَارَكْنَا قُرَيْشًا فِي تُقَاهَا

وَفِي أَحْسَابِهَا شِرْكَ الْعِنَانِ

أَيْ أَخَذْنَا نَصِيبًا مِنَ التُّقَى وَالْحَسَبِ مِثْلَ نَصِيبِ قُرَيْشٍ مِنْهُمَا، كَشَرِكَةِ الْعِنَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ نَصِيبٌ مِنَ الْمَالِ وَالْكَسْبِ، وَسُمِّيَ الشَّرِيكَانِ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شِرْكًا فِي الْمَالِ: أَيْ نَصِيبًا.

وَهِيَ فِي الشَّرْعِ: الْخُلْطَةُ وَثُبُوتُ الْحِصَّةِ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِالنُّصُوصِ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«يَدُ اللَّهِ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبُهُ رَفَعَهَا عَنْهُمَا» وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «الشَّرِيكَانِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا مَا لَمْ يَخُونَا، فَإِذَا خَانَا مُحِيَتِ الْبَرَكَةُ بَيْنَهُمَا» وَكَانَ قَيْسُ بْنُ السَّائِبِ شَرِيكَ رَسُولِ اللَّهِ فِي تِجَارَةِ الْبَزِّ وَالْأَدَمِ. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أُسَامَةَ بْنَ شَرِيكٍ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام فِي صِفَتِهِ:«كَانَ شَرِيكِي وَكَانَ خَيْرَ شَرِيكٍ لَا يُشَارِي وَلَا يُمَارِي وَلَا يُدَارِي» أَيْ لَا يُلِحُّ وَلَا يُجَادِلُ وَيُدَافِعُ عَنِ الْحَقِّ، وَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ يَتَعَامَلُونَهَا

ص: 11

الشَّرِكَةُ نَوْعَانِ: شَرِكَةُ مِلْكٍ، وَشَرِكَةُ عَقْدٍ، فَشَرِكَةُ الْمِلْكِ نَوْعَانِ: جَبْرِيَّةٌ، وَاخْتِيَارِيَّةٌ، وَشَرِكَةُ الْعُقُودِ نَوْعَانِ: شَرِكَةٌ فِي الْمَالِ، وَشَرِكَةٌ فِي الْأَعْمَالِ، فَالشَّرِكَةُ فِي الْأَمْوَالِ أَنْوَاعٌ: مُفَاوَضَةٌ، وَعِنَانٌ، وَوُجُوهٌ، وَشَرِكَةٌ فِي الْعُرُوضِ، وَالشَّرِكَةُ فِي الْأَعْمَالِ نَوْعَانِ: جَائِزَةٌ وَهِيَ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ، وَفَاسِدَةٌ وَهِيَ الشَّرِكَةُ فِي الْمُبَاحَاتِ، أَمَّا الْمُفَاوَضَةُ فَهُوَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي التَّصَرُّفِ وَالدَّيْنِ (س) وَالْمَالِ الَذِي تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ وَتَعَامَلُوا بِهَا إِلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إِجْمَاعًا.

قَالَ: (الشَّرِكَةُ نَوْعَانِ: شَرِكَةُ مِلْكٍ، وَشَرِكَةُ عَقْدٍ. فَشَرِكَةُ الْمِلْكِ نَوْعَانِ: جَبْرِيَّةٌ، وَاخْتِيَارِيَّةٌ. وَشَرِكَةُ الْعُقُودِ نَوْعَانِ: شَرِكَةٌ فِي الْمَالِ، وَشَرِكَةٌ فِي الْأَعْمَالِ. فَالشَّرِكَةُ فِي الْأَمْوَالِ أَنْوَاعٌ: مُفَاوَضَةٌ، وَعِنَانٌ، وَوُجُوهٌ، وَشَرِكَةٌ فِي الْعُرُوضِ. وَالشَّرِكَةُ فِي الْأَعْمَالِ نَوْعَانِ: جَائِزَةٌ وَهِيَ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ، وَفَاسِدَةٌ وَهِيَ الشَّرِكَةُ فِي الْمُبَاحَاتِ) وَسَيَأْتِيكَ بَيَانُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -.

أَمَّا شَرِكَةُ الْأَمْلَاكِ، أَمَّا الْجَبْرِيَّةُ بِأَنْ يَخْتَلِطَ مَالَانِ لِرَجُلَيْنِ اخْتِلَاطًا لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا أَوْ يَرِثَانِ مَالًا.

وَالِاخْتِيَارِيَّةُ أَنْ يَشْتَرِيَا عَيْنًا أَوْ يَتَّهِبَا أَوْ يُوصَى لَهُمَا فَيَقْبَلَانِ أَوْ يَسْتَوْلِيَا عَلَى مَالٍ أَوْ يَخْلِطَا مَالَهُمَا، وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْنَبِيٌّ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ، لَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ لِعَدَمِ إِذْنِهِ لَهُ فِيهِ، وَيَجُوزُ بَيْعُ نَصِيبِهِ مِنْ شَرِيكِهِ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَأَمَّا مِنْ غَيْرِهِ فَمَا ثَبَتَتِ الشَّرِكَةُ فِيهِ بِالْخَلْطِ أَوِ الِاخْتِلَاطِ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ ; لِأَنَّ الْخَلْطَ اسْتِهْلَاكُ مَعْنًى فَأَوْرَثَ شُبْهَةَ زَوَالِ مِلْكِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ.

وَفِيمَا يَثْبُتُ بِالْمِيرَاثِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ ; لِأَنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ فِي نَصِيبِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

وَأَمَّا شَرِكَةُ الْعُقُودِ فَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: شَارَكْتُكَ فِي كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ الْآخَرُ: قَبِلْتُ.

وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَابِلًا لِلْوَكَالَةِ حَتَّى لَا يَجُوزَ عَلَى الِاحْتِطَابِ وَأَشْبَاهِهِ لِيَكُونَ الْحَاصِلُ بِالتَّصَرُّفِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا إِذْ هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ عَقْدِ الشَّرِكَةِ.

(أَمَّا الْمُفَاوَضَةُ فَهُوَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي التَّصَرُّفِ وَالدَّيْنِ وَالْمَالِ الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ) ; لِأَنَّهَا فِي اللُّغَةِ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ، يُقَالُ: فَاوَضَ يُفَاوِضُ: أَيْ سَاوَى يُسَاوِي، فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَذَلِكَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ.

أَمَّا الْمَالُ ; فَلِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الشَّرِكَةِ وَمِنْهُ يَكُونُ الرِّبْحُ. وَأَمَّا التَّصَرُّفُ ; فَلِأَنَّهُ مَتَى تَصَرَّفَ أَحَدُهُمَا تَصَرُّفًا لَا يَقْدِرُ الْآخَرُ عَلَيْهِ فَاتَتِ الْمُسَاوَاةُ، وَكَذَا فِي الدَّيْنِ ; لِأَنَّ الذِّمِّيَّ يَمْلِكُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَشِرَائِهِمَا مَا لَا يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ فَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا، فَلِهَذَا قُلْنَا: لَا يَصِحُّ بَيْنَهُمَا مُفَاوَضَةٌ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله: تَنْعَقِدُ الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ مَا يَمْلِكُهُ الذِّمِّيُّ مِنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ بِالتَّوْكِيلِ فَتَحَقَّقَتِ الْمُسَاوَاةُ، قُلْنَا: الذِّمِّيُّ يَمْلِكُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ

ص: 12

وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بَيْنَ الْحُرَّيْنِ الْبَالِغَيْنِ الْعَاقِلَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ أَوِ الذِّمِّيَّيْنِ، وَلَا تَنْعَقِدُ إِلَّا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ، أَوْ تَبْيِينِ جَمِيعِ مُقْتَضَاهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ الْمَالِ وَلَا خَلْطُهُمَا، وَتَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ، فَمَا يَشْتَرِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ إِلَّا طَعَامَ أَهْلِهِ وَإِدَامَهُمْ وَكِسْوَتَهُمْ وَكِسْوَتَهُ، وَلِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ أَيِّهِمَا شَاءَ بِالثَّمَنِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَبِنَائِبِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُسْلِمُ فَانْتَفَتِ الْمُسَاوَاةُ، فَإِذَا عَقَدَا الْمُفَاوَضَةَ صَارَتْ عِنَانًا عِنْدَهُمَا لِفَوَاتِ شَرْطِ الْمُفَاوَضَةِ وَوُجُودِ شَرْطِ الْعِنَانِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا فَاتَ شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ الْمُفَاوَضَةِ يُجْعَلُ عِنَانًا إِذَا أَمْكَنَ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.

قَالَ: (وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بَيْنَ الْحُرَّيْنِ الْبَالِغَيْنِ الْعَاقِلَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ أَوِ الذِّمِّيَّيْنِ) وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا لِتَسَاوِيهِمَا فِي التَّصَرُّفِ وَلَا تَصِحُّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ ; وَلَا بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْحُرَّ وَالْبَالِغَ يَمْلِكَانِ الْكَفَالَةَ وَالتَّبَرُّعَاتِ، وَلَا كَذَلِكَ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ، أَوْ يَمْلِكَانِهَا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَالْمَوْلَى، وَلَا تَصِحُّ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ وَلَا بَيْنَ الصَّبِيَّيْنِ وَلَا بَيْنَ الْمُكَاتَبَيْنِ ; لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ وَأَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْكَفَالَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -.

وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «فَاوِضُوا فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ» ; وَلِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا جَائِزٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ.

قَالَ: (وَلَا تَنْعَقِدُ إِلَّا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ) ; لِأَنَّ الْعَوَامَّ قَلَّمَا يَعْلَمُونَ شَرَائِطَهَا، وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ تَتَضَمَّنُ شَرَائِطَهَا وَمَعْنَاهَا (أَوْ تَبْيِينُ جَمِيعِ مُقْتَضَاهَا) ; لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي.

قَالَ: (وَلَا يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ الْمَالِ) ; لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعُقُودِ. قَالَ: (وَلَا خَلْطُهُمَا) ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْخَلْطُ فِي الْمُشْتَرَى، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَرِي بِمَا فِي يَدِهِ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّسْلِيمِ لِيَتَمَكَّنَ مِنَ الشِّرَاءِ، وَيُشْتَرَطُ حُضُورَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ عِنْدَ الْمُشْتَرَى ; لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَتِمُّ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الرِّبْحَ بِهِ يَحْصُلُ. قَالَ:(وَتَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ) ; لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ بِذَلِكَ تَتَحَقَّقُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبًا بِمَا طُولِبَ بِهِ صَاحِبُهُ بِالتِّجَارَةِ وَهُوَ الْكَفَالَةُ، وَأَنْ يَكُونَ الْحَاصِلُ فِي التِّجَارَةِ بِفِعْلِ أَيِّهِمَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَهِيَ الْوَكَالَةُ، فَكَانَ مَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ وَهُوَ الْمُسَاوَاةُ يَقْتَضِي الْكَفَالَةَ وَالْوَكَالَةَ، فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَوَّضَ إِلَى الْآخَرِ أَمْرَ الشَّرِكَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَرَضِيَ بِفِعْلِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْوَكَالَةَ وَالْكَفَالَةَ أَيْضًا.

قَالَ: (فَمَا يَشْتَرِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ) عَمَلًا بِعَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ (إِلَّا طَعَامَ أَهْلِهِ وَإِدَامَهُمْ وَكِسْوَتَهُمْ وَكِسْوَتَهُ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الشَّرِكَةِ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، إِلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ، فَإِنَّ الطَّعَامَ وَالْكِسْوَةَ مِنَ اللَّوَازِمِ، وَلَا يُمْكِنُ إِيجَادُهَا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ فَيَجِبُ فِي مَالِهِ ضَرُورَةً.

قَالَ: (وَلِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ أَيِّهِمَا شَاءَ بِالثَّمَنِ) بِمُقْتَضَى الْكَفَالَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِنِصْفِ

ص: 13

وَإِنْ تَكَفَّلَ بِمَالٍ عَنْ أَجْنَبِيٍّ لَزِمَ صَاحِبَهُ (سم) ، فَإِنْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا مَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ صَارَتْ عِنَانًا، وَكَذَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ فَسَدَتْ فِيهِ الْمُفَاوَضَةُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعِنَانِ، وَلَا تَنْعَقِدُ الْمُفَاوَضَةُ وَالْعِنَانُ إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَتِبْرَيْهِمَا إِنْ جَرَى التَّعَامُلُ بِهِ، وَبِالْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

مَا أَدَّى لِأَنَّهُ كَفِيلٌ أَدَّى عَنْهُ بِأَمْرِهِ.

قَالَ: (وَإِنْ تَكَفَّلَ بِمَالٍ عَنْ أَجْنَبِيٍّ لَزِمَ صَاحِبَهُ) وَقَالَا: لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ حَتَّى لَا يَصِحَّ مِنَ الصَّبِيِّ وَالْمَأْذُونِ وَصَارَ كَالْإِقْرَاضِ، وَلَهُ أَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً لِمَا ذُكِرَ مُعَاوَضَةً انْتِهَاءً لِأَنَّهُ يَجِبُ لَهُ الضَّمَانُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ حَتَّى لَوْ كَفَلَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَلْزَمُ شَرِيكَهُ، وَبِالنَّظَرِ إِلَى الْمُعَاوَضَةِ يَلْزَمُ شَرِيكَهُ، وَالْإِقْرَاضُ مَمْنُوعٌ أَوْ يَقُولُ هُوَ إِعَارَةٌ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ فِيهِ التَّأْجِيلُ، وَلِلْمَرْدُودِ فِي الْإِعَارَةِ حُكْمُ الْعَيْنِ لَا حُكْمُ الْبَدَلِ، فَلَمْ تُوجَدِ الْمُعَاوَضَةُ وَضَمَانُ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكُ كَالْكَفَالَةِ ; لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً، وَكَذَا مَا يَلْزَمُ أَحَدَهُمَا مِنَ الدُّيُونِ بِسَبَبٍ تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا يَلْزَمُ شَرِيكَهُ، وَمَا لَزِمَ بِسَبَبٍ لَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ لَا يَلْزَمُ كَالنِّكَاحِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَنَحْوِهِ.

قَالَ: (فَإِنْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا مَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ صَارَتْ عِنَانًا) لِزَوَالِ الْمُسَاوَاةِ، وَذَلِكَ مِثْلَ الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَالِاتِّهَابِ، وَالْمُسَاوَاةُ فِي الْعِنَانِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَتَصِيرُ عِنَانًا لِوُجُودِ شَرَائِطِهَا (وَكَذَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ فَسَدَتْ فِيهِ الْمُفَاوَضَةُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعِنَانِ) فَتَصِيرُ عِنَانًا وَإِنْ مَلَكَ شَيْئًا لَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ كَالْعَقَارِ وَالْعُرُوضِ، فَالْمُفَاوَضَةُ بِحَالِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُهَا فِي الِابْتِدَاءِ فَكَذَا حَالَةُ الْبَقَاءِ.

قَالَ: (وَلَا تَنْعَقِدُ الْمُفَاوَضَةُ وَالْعِنَانُ إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَتِبْرَيْهِمَا إِنْ جَرَى التَّعَامُلُ بِهِ وَبِالْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ)، أَمَّا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فَلِأَنَّهُمَا ثَمَنُ الْأَشْيَاءِ خِلْقَةً وَوَضْعًا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا التِّبْرُ فَقِيلَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا ; لِأَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ خُلِقَا ثَمَنَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إِلَّا بِالتَّعَامُلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ; لِأَنَّهُمَا وَإِنْ خُلِقَا لِلثَّمَنِيَّةِ لَكِنْ بِوَصْفِ الضَّرْبِ حَتَّى لَا يَنْصَرِفَ الِاسْمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إِلَى التِّبْرِ، وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ إِلَى الْمَضْرُوبِ، إِلَّا أَنَّا أَجْرَيْنَا التَّعَامُلَ مَجْرَى الضَّرْبِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ فَأَلْحَقْنَاهُ بِهِمَا عِنْدَ التَّعَامُلِ.

وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمُ وَلِلْآخَرِ دَنَانِيرُ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا سُودٌ وَلِلْآخَرِ بِيضٌ جَازَتِ الْمُفَاوَضَةُ إِنِ اسْتَوَتْ قِيمَتُهُمَا ; لِأَنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةِ، وَإِنْ تَفَاضَلَا فِي الْقِيمَةِ لَا تَصِحُّ مُفَاوَضَةً وَتَصِيرُ عِنَانًا لِمَا تَقَدَّمَ.

وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنِ اسْتَوَيَا فِي الْقِيمَةِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ; لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تُنْبِئُ عَنِ الْخُلْطَةِ، وَلَا اخْتِلَاطَ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ.

وَجَوَابُهُ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةِ نَظَرًا إِلَى الْمَقْصُودِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَأَمَّا الْفُلُوسُ فَلِأَنَّهَا إِذَا رَاجَتِ الْتَحَقَتْ بِالْأَثْمَانِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ ثَمَنِيَّتَهَا تَتَعَيَّنُ بِالِاصْطِلَاحِ وَمُحَمَّدٌ

ص: 14

وَلَا تَصِحُّ بِالْعُرُوضِ (ف) إِلَّا أَنْ يَبِيعَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ عُرُوضِهِ بِنِصْفِ عُرُوضِ الْآخَرِ إِذَا كَانَتْ قِيمَتَاهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، ثُمَّ يَعْقِدَانِ الشَّرِكَةَ، وَشَرِكَةُ الْعِنَانِ تَصِحُّ مَعَ التَّفَاضُلِ فِي الْمَالِ، وَتَصِحُّ مَعَ التَّفَاضُلِ فِي الْمَالِ وَالتَّسَاوِي فِي الرِّبْحِ إِذَا عَمِلَا أَوْ شَرَطَا زِيَادَةَ الرِّبْحِ لِلْعَامِلِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي ثَمَنِيَّتِهَا حَتَّى لَا تَتَعَيَّنَ بِالتَّعْيِينِ حَالَةَ النِّفَاقِ وَالرَّوَاجِ.

قَالَ: (وَلَا تَصِحُّ بِالْعُرُوضِ) ; لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيْعِهَا، فَإِذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا عُرُوضَهُ بِأَلْفٍ وَبَاعَ الْآخَرُ عُرُوضَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَمُقْتَضَى الْعَقْدِ الشَّرِكَةُ فِي الْكَيْلِ، فَمَا يَأْخُذُهُ صَاحِبُ الْأَلْفِ زِيَادَةً عَلَى الْأَلْفِ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» .

قَالَ: (إِلَّا أَنْ يَبِيعَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ عُرُوضِهِ بِنِصْفِ عُرُوضِ الْآخَرِ إِذَا كَانَتْ قِيمَتَاهُمَا عَلَى السَّوَاءِ) فَتَنْعَقِدُ شَرِكَةُ أَمْلَاكٍ (ثُمَّ يَعْقِدَانِ الشَّرِكَةَ) عَلَى قِيمَتِهَا وَهَذِهِ شَرِكَةُ الْعُرُوضِ.

وَإِنِ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُرُوضَهُ وَيَكُونُ ثَمَنُهُ بَيْنَهُمَا لَا يَجُوزُ لِمَا تَقَدَّمَ.

وَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ الْمُتَفَاوِتِ إِذَا خَلَطَا وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ، وَمَا رَبِحَا لَهُمَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِمَا. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله: هِيَ شَرِكَةُ أَمْلَاكٍ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَثْمَانٍ فَلَا يَصِحُّ التَّفَاضُلُ فِي الرِّبْحِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: تَصِحُّ شَرِكَةُ عَقْدٍ بِالْخَلْطِ ; لِأَنَّهَا تَصْلُحُ ثَمَنًا لِوُجُوبِهَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، إِلَّا أَنَّ قَبْلَ الْخَلْطِ لَا تَتَحَقَّقُ الْوَكَالَةُ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ بِحِنْطَتِكَ شَيْئًا عَلَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَنَا لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ تَوْكِيلَ الْغَيْرِ بِبَيْعِ مِلْكِ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ، وَبَعْدَ الْخَلْطِ تَتَحَقَّقُ الْوَكَالَةُ فَصَحَّتِ الشَّرِكَةُ.

قَالَ: (وَشَرِكَةُ الْعِنَانِ تَصِحُّ مَعَ التَّفَاضُلِ فِي الْمَالِ) إِلَّا أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي عُمُومِ التِّجَارَاتِ وَفِي خُصُوصِهَا وَبِبَعْضِ مَالِهِ ; لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنِ الْحَبْسِ، يُقَالُ: عَنَّ الرَّجُلُ إِذَا حُبِسَ، وَالْعِنِّينُ مَحْبُوسٌ عَنِ النِّسَاءِ، وَالْعِنَانِ يَحْبِسُ الدَّابَّةَ عَنْ بَعْضِ الْإِطْلَاقِ، فَكَأَنَّ شَرِيكَ الْعِنَانِ حَبَسَ بَعْضَ مَالِهِ عَنِ الشَّرِكَةِ، أَوْ حَبَسَ شَرِيكَهُ عَنْ بَعْضِ التِّجَارَاتِ فِي مَالِهِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ رَأْسِ الْمَالَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ يَوْمَ الشَّرِكَةِ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ زِيَادَةَ الرِّبْحِ بِالشَّرْطِ يَوْمَ الشَّرِكَةِ، وَيَعْتَبِرُ قِيمَتَهُمَا يَوْمَ الشِّرَاءِ لِيَعْرِفَ مِقْدَارَ مِلْكِهِمَا فِي الْمُشْتَرَى ; لِأَنَّ حَقَّهُمَا يَنْتَقِلُ إِلَى الْمُشْتَرَى بِالشِّرَاءِ، وَيَعْتَبِرُ قِيمَتَهُمَا يَوْمَ الْقِسْمَةِ أَيْضًا ; لِأَنَّ عِنْدَ الْقِسْمَةِ يَظْهَرُ الرِّبْحُ.

قَالَ: (وَتَصِحُّ مَعَ التَّفَاضُلِ فِي الْمَالِ وَالتَّسَاوِي فِي الرِّبْحِ إِذَا عَمِلَا أَوْ شَرَطَا زِيَادَةَ الرِّبْحِ لِلْعَامِلِ)، وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَصِحُّ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَالِ وَالتَّفَاوُتُ فِي الرِّبْحِ وَلَا عَلَى الْعَكْسِ، وَلَا يَجُوزُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ ; لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ كَالْمُفَاوَضَةِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْوَضِيعَةِ هَكَذَا فَكَذَا الرِّبْحُ. وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه: الرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَطَ الْمُتَعَاقِدَانِ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى الْمَالِ. وَلِأَنَّ الرِّبْحَ كَمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ يُسْتَحَقُّ بِالْعَمَلِ

ص: 15

وَإِذَا تَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَشَرَطَا التَّفَاوُتَ فِي الرِّبْحِ وَالْوَضِيعَةِ فَالرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ، وَتَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ، وَلَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْكَفَالَةِ وَلَا تَصِحُّ فِيمَا لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ بِهِ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ، وَمَا جَمَعَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ لَهُ، فَإِنْ أَعَانَهُ الْآخَرُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَإِنْ هَلَكَ الْمَالَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ قَبْلَ الشِّرَاءِ بَطَلَتِ الشَّرِكَةُ.

وَإِنِ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ ثُمَّ هَلَكَ مَالُ الْآخَرِ فَالْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، وَيَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِنْ هَلَكَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا فَالْمُشْتَرَى لِصَاحِبِ الْمَالِ خَاصَّةً،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

كَالْمُضَارِبِ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ أَعْرَفَ بِأُمُورِ التِّجَارَاتِ وَأَهْدَى إِلَى الْبَيَاعَاتِ فَلَا يَرْضَى بِالْمُسَاوَاةِ.

(وَإِذَا تَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَشَرَطَا التَّفَاوُتَ فِي الرِّبْحِ وَالْوَضِيعَةِ، فَالرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ) قَالَ صلى الله عليه وسلم: «الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَلِأَنَّا جَوَّزْنَا اشْتِرَاطَ زِيَادَةِ الرِّبْحِ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ تَقْدِيرًا. أَمَّا زِيَادَةُ الْوَضِيعَةِ فَلَا وَجْهَ لَهَا، وَصَارَ كَمَا إِذَا شَرَطَا الْوَضِيعَةَ عَلَى الضَّارِبِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَذَلِكَ هُنَا.

قَالَ: (وَتَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ) لِمَا مَرَّ (وَلَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْكَفَالَةِ) ; لِأَنَّهَا إِنَّمَا ثَبَتَتْ فِي الْمُفَاوَضَةِ قَضِيَّةً لِلْمُسَاوَاةِ وَلَا مُسَاوَاةَ هُنَا.

قَالَ: (وَلَا تَصِحُّ فِيمَا لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ بِهِ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ) ; لِأَنَّ الْوَكَالَةَ فِي ذَلِكَ بَاطِلَةٌ ; لِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ ; لِأَنَّ الْآخِذَ يَمْلِكُهُ بِدُونِ التَّوْكِيلِ فَيَكُونُ فَاعِلًا لِنَفْسِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ اجْتِنَاءُ الثِّمَارِ مِنَ الْجِبَالِ وَالِاصْطِيَادُ وَحَفْرُ الْمَعَادِنِ وَأَخْذُ الْمِلْحِ وَالْجِصِّ وَالْكُحْلِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُبَاحَاتِ (وَمَا جَمَعَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ لَهُ) دُونَ صَاحِبِهِ ; لِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ (فَإِنْ أَعَانَهُ الْآخَرُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ) بَالِغًا مَا بَلَغَ ; لِأَنَّ الشَّرِكَةَ مَتَى فَسَدَتْ صَارَتْ إِجَارَةً فَاسِدَةً، وَلَوِ اسْتَأْجَرَهُ فِي ذَلِكَ بِنِصْفِ الْمَجْمُوعِ كَانَ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ كَذَلِكَ هُنَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ الثَّمَنِ تَحْقِيقًا لِلْفَائِدَةِ، وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ.

قَالَ: (وَإِنْ هَلَكَ الْمَالَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ قَبْلَ الشِّرَاءِ بَطَلَتِ الشَّرِكَةُ) أَمَّا إِذَا هَلَكَا فَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَالُ وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِيهَا كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَقَدْ هَلَكَ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ كَالْبَيْعِ، وَأَمَّا إِذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا فَلِأَنَّ الْآخَرَ مَا رَضِيَ بِشَرِكَةٍ فِي مَالِهِ إِلَّا لِيُشْرِكَهُ فِي مَالِهِ أَيْضًا، وَقَدْ فَاتَتِ الشَّرِكَةُ فِي الْهَالِكِ فَيَفُوتُ الرِّضَى فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ.

قَالَ: (وَإِنِ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِمَالِهِ ثُمَّ هَلَكَ مَالُ الْآخَرِ فَالْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا) ; لِانْعِقَادِ الشَّرِكَةِ وَقْتَ الشِّرَاءِ (وَيَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ) ; لِأَنَّهُ اشْتَرَى لَهُ بِالْوَكَالَةِ وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ.

(وَإِنْ هَلَكَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا فَالْمُشْتَرَى لِصَاحِبِ الْمَالِ خَاصَّةً) ; لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بَطَلَتْ بِهَلَاكِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ

ص: 16

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَا لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً مِنَ الرِّبْحِ، وَلِشَرِيكِ الْعِنَانِ وَالْمُفَاوِضِ أَنْ يُوَكِّلَ وَيُبْضِعَ وَيُضَارِبَ وَيُودِعَ وَيَسْتَأْجِرَ عَلَى الْعَمَلِ، وَهُوَ أَمِينٌ فِي الْمَالِ، وَشَرِكَةُ الصَّنَائِعِ: أَنْ يَشْتَرِكَ صَانِعَانِ اتَّفَقَا فِي الصَّنْعَةِ أَوِ اخْتَلَفَا عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ وَيَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ، وَمَا يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُمَا، فَيُطَالَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَمَلِ وَيُطَالَبُ بِالْأَجْرِ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ خَاصَّةً، وَإِنْ كَانَا نَصَّا عَلَى الْوَكَالَةِ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ كَانَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا وَتَكُونُ شَرِكَةَ أَمْلَاكٍ ; لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بَطَلَتْ لِمَا بَيَّنَّا، وَالْمُشْتَرَى بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ الْمُصَرَّحِ بِهَا لَا بِحُكْمِ الشَّرِكَةِ الْمَعْقُودَةِ فَكَانَتْ شَرِكَةَ أَمْلَاكٍ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ لِمَا مَرَّ.

قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَا لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً مِنَ الرِّبْحِ) ; لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَرْبَحُ مَا سَمَّيَا أَوْ يَرْبَحُ ذَلِكَ لَا غَيْرُ فَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ فَكَانَ شَرْطًا مُبْطِلًا لِلشَّرِكَةِ فَلَا يَجُوزُ.

قَالَ: (وَلِشَرِيكِ الْعِنَانِ وَالْمُفَاوِضِ أَنْ يُوَكِّلَ وَيُبْضِعَ وَيُضَارِبَ وَيُودِعَ وَيَسْتَأْجِرَ عَلَى الْعَمَلِ) ; لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ التُّجَّارِ (وَهُوَ أَمِينٌ فِي الْمَالِ) ; لِأَنَّهُ قَبَضَهُ مِنَ الْمَالِكِ بِإِذْنِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ ; لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ، فَلَوْ شَارَكَ الْمُفَاوِضُ عِنَانًا جَازَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ دُونَ الْمُفَاوَضَةِ، وَلَوْ فَاوَضَهُ جَازَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ يَنْعَقِدُ عِنَانًا ; لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ، فَإِذَا أَجَازَ الْمُفَاوَضَةَ كَانَتْ شَرِكَةً مُبْتَدَأَةً، وَإِلَّا فَهِيَ عِنَانٌ ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا دُونَهُ فَيَجُوزُ كَالْمُضَارِبِ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَارِبَ.

قَالَ: (وَشَرِكَةُ الصَّنَائِعِ) وَتُسَمَّى شَرِكَةَ التَّقَبُّلِ، وَهِيَ (أَنْ يَشْتَرِكَ صَانِعَانِ اتَّفَقَا فِي الصَّنْعَةِ أَوِ اخْتَلَفَا عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ وَيَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ مَعَ اخْتِلَافِ الْعَمَلِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تُنْبِئُ عَنِ الْخُلْطَةِ وَلَا اخْتِلَاطَ مَعَ الِاخْتِلَافِ. وَلَنَا أَنَّهَا شَرِكَةٌ فِي ضَمَانِ الْعَمَلِ وَفِيمَا يُسْتَفَادُ بِهِ وَهُوَ الْأَجْرُ لَا فِي نَفْسِ الْعَمَلِ، وَالْوَكَالَةُ فِيهِ مُمْكِنَةٌ ; لِأَنَّ مَا يَتَقَبَّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْعَمَلِ فَهُوَ أَصِيلٌ فِي نِصْفِهِ وَكِيلٌ فِي نِصْفِهِ، وَبِذَلِكَ تَتَحَقَّقُ الشَّرِكَةُ، وَلَوِ اسْتَوَيَا فِي الْعَمَلِ وَتَفَاضَلَا فِي الْمَالِ جَازَ أَيْضًا ; لِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَدَلُ عَمَلِهِمَا، وَأَنَّهُمَا يَتَفَاوَتَانِ فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا أَجْوَدَ عَمَلًا وَأَحْسَنَ صِنَاعَةً فَيَجُوزُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ ; لِأَنَّ الضَّمَانَ بِقَدْرِ الْعَمَلِ فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ زِيَادَةُ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ. قُلْنَا: الْمَأْخُوذُ هُنَا لَيْسَ بِرِبْحٍ ; لِأَنَّ الرِّبْحَ يَقْتَضِي الْمُجَانَسَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا مُجَانَسَةَ ; لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ هُوَ الْعَمَلُ وَالرِّبْحُ مَالٌ، فَكَانَ بَدَلَ الْعَمَلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ: (وَمَا يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُمَا فَيُطَالَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَمَلِ وَيُطَالَبُ بِالْأَجْرِ) اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ شَرِيكَهُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ، وَالشَّرِكَةُ هُنَا مُطْلَقَةٌ ; وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الضَّمَانَ حَتَّى كَانَ

ص: 17

وَشَرِكَةُ الْوُجُوهِ جَائِزَةٌ، وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا، وَتَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ، وَإِنْ شَرَطَا أَنَّ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا فَالرِّبْحُ كَذَلِكَ، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ، وَإِنِ اشْتَرَكَا وَلِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ رَاوِيَةٌ يَسْتَقِي الْمَاءَ لَا يَصِحُّ، وَالْكَسْبُ لِلْعَامِلِ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ بَغْلِ الْآخَرِ أَوْ رَاوِيَتِهِ، وَالرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَيَبْطُلُ شَرْطُ الزِّيَادَةِ، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا بَطَلَتِ الشَّرِكَةُ، وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ مَالِ الْآخَرِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فَأَدَّيَا مَعًا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ، وَإِنْ أَدَّيَا مُتَعَاقِبًا ضَمِنَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ عَلِمَ بِأَدَائِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

مَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونًا عَلَى الْآخَرِ، وَيَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِمَا تَقَبَّلَهُ شَرِيكُهُ فَكَانَ كَالْمُفَاوَضَةِ فِي ضَمَانِ الْأَعْمَالِ وَالْمُطَالَبَةِ بِالْأَبْدَالِ.

قَالَ: (وَشَرِكَةُ الْوُجُوهِ جَائِزَةٌ) وَتُسَمَّى شَرِكَةَ الْمَفَالِيسِ (وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِالنَّسِيئَةِ إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ لَهُ وَجَاهَةٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَالتَّعَامُلُ بِذَلِكَ جَائِزٌ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.

قَالَ: (وَتَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ) ; لِأَنَّ التَّصَرُّفَ عَلَى الْغَيْرِ إِنَّمَا يَجُوزُ بِوَكَالَتِهِ إِذْ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَلَوْ شَرَطَ الْكَفَالَةَ أَيْضًا جَازَ وَتَكُونُ مُفَاوَضَةً لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَحْقِيقُ ذَلِكَ، لَكِنْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُصْرَفُ إِلَى الْعِنَانِ لِأَنَّهُ أَدْنَى.

قَالَ: (وَإِنْ شَرَطَا أَنَّ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا فَالرِّبْحُ كَذَلِكَ، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ) ; لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الرِّبْحِ بِالضَّمَانِ، وَالضَّمَانُ يَتْبَعُ الْمِلْكَ فِي الْمُشْتَرَى فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ.

قَالَ: (وَإِنِ اشْتَرَكَا وَلِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ رَاوِيَةٌ يَسْتَقِي الْمَاءَ لَا يَصِحُّ، وَالْكَسْبُ لِلْعَامِلِ) ; لِأَنَّ الْمَاءَ مُبَاحٌ وَأَخْذُهُ لَا يُسْتَفَادُ بِالْوَكَالَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ (وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ بَغْلِ الْآخَرِ أَوْ رَاوِيَتِهِ) ; لِأَنَّهُ قَدِ انْتَفَعَ بِمِلْكِ الْغَيْرِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ.

قَالَ: (وَالرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَيَبْطُلُ شَرْطُ الزِّيَادَةِ) ; لِأَنَّ الرِّبْحَ تَبَعٌ لِرَأْسِ الْمَالِ فَيَتْبَعُهُ فِي الْمِلْكِيَّةِ، وَالزِّيَادَةُ إِنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِالشَّرْطِ وَقَدْ بَطَلَ.

قَالَ: (وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا بَطَلَتِ الشَّرِكَةُ) لِتَضَمُّنِهَا الْوَكَالَةَ، وَهِيَ تَبْطُلُ بِذَلِكَ عَلَى مَا مَرَّ.

قَالَ: (وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ مَالِ الْآخَرِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي الشَّرِكَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ التِّجَارَةِ (فَإِنْ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فَأَدَّيَا مَعًا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ، وَإِنْ أَدَّيَا مُتَعَاقِبًا ضَمِنَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ عَلِمَ بِأَدَائِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَعَنْهُ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَا يَضْمَنْ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا ; لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالدَّفْعِ إِلَى الْفَقِيرِ وَقَدْ فَعَلَ. وَلَهُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالدَّفْعِ إِلَيْهِ زَكَاةً، وَالْمَدْفُوعُ لَمْ يَقَعْ زَكَاةً فَكَانَ مُخَالِفًا، وَلِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَدَاءٍ يُخْرِجُهُ عَنِ الْعُهْدَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فَكَانَ مُخَالِفًا فَيَضْمَنُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 18