المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَلَوْ غَرَسَ شَجَرَةً فِي أَرْضِ مَوَاتٍ فَحَرِيمُهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ - الاختيار لتعليل المختار - جـ ٣

[ابن مودود الموصلي]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌كِتَابُ الصُّلْحِ

- ‌كِتَابُ الشَّرِكَةِ

- ‌كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَدِيعَةِ

- ‌كِتَابُ اللَّقِيطِ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌كِتَابُ الْآبِقِ

- ‌كِتَابُ الْمَفْقُودِ

- ‌كِتَابُ الْخُنْثَى

- ‌[فصل أحكام الْخُنْثَى]

- ‌كِتَابُ الْوَقْفِ

- ‌كِتَابُ الْهِبَةِ

- ‌[فصل الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ]

- ‌[فصل الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى]

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَةِ

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌فَصْلٌزَوَائِدُ الْغَصْبِ

- ‌كِتَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ

- ‌كِتَابُ الشِّرْبِ

- ‌[فصل كرى الأنهار العظام على بيت المال]

- ‌كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ

- ‌كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌[ما يشترط في الشهود في النكاح]

- ‌[فَصْلُ مُحَرَّمَاتُ النِّكَاحِ]

- ‌[فصل نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ]

- ‌[فَصْلٌ: عِبَارَةُ النِّسَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي النِّكَاحِ]

- ‌[تَرْتِيبُ الْأَوْلِيَاءِ]

- ‌[فصل الكفاءة في النكاح]

- ‌[فصل أَقَلُّ الْمَهْرِ وَأَكْثَرُهُ]

- ‌[فصل مَهْرُ الْمِثْلِ]

- ‌فَصْلٌ [نِكَاحُ الْعَبْدِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى]

- ‌فَصْلٌ [نِكَاحُ الذِّمِّيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ]

- ‌[فصل عيوب الزوجية]

- ‌[فصل الْعَدْلُ فِي الْقَسْمِ]

- ‌كِتَابُ الرَّضَاعِ

- ‌كِتَابُ الطَّلَاقِ

- ‌[حكم طلاق المكره والسكران والأخرس والهازل]

- ‌[فصل صَرِيحُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فصل وصف الطَّلَاقِ]

- ‌[فصل الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ]

- ‌[فصل كِنَايَاتُ الطَّلَاقِ]

- ‌[تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فصل الطَّلَاقُ بِالْمَشِيئَةِ]

- ‌[فصل أبان امرأته في مرضه ثم مات]

- ‌بَابُ الرَّجْعَةِ

- ‌بَابُ الْإِيلَاءِ

- ‌[فصل الْفَيْءُ أَوْ سُقُوطُ الْإِيلَاءِ]

- ‌بَابُ الْخَلْعِ

- ‌بَابُ الظِّهَارِ

- ‌[فصل كفارة الظِّهَار]

- ‌بَابُ اللِّعَانِ

- ‌بَابُ الْعِدَّةِ

- ‌[فصل في الأقراء وهي الحيض]

- ‌[فصل في الحداد]

- ‌[فصل أَقَلُّ الْحَمْلِ وَأَكْثَرُهُ]

الفصل: وَلَوْ غَرَسَ شَجَرَةً فِي أَرْضِ مَوَاتٍ فَحَرِيمُهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ

وَلَوْ غَرَسَ شَجَرَةً فِي أَرْضِ مَوَاتٍ فَحَرِيمُهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ، وَمَا عَدَلَ عَنْهُ الْفُرَاتُ وَدَجْلَةُ يَجُوزُ إِحْيَاؤُهُ إِنْ لَمْ يُحْتَمَلْ عَوْدُهُ إِلَيْهِ، وَإِنِ احْتُمِلَ عَوْدُهُ لَا يَجُوزُ.

‌كِتَابُ الشِّرْبِ

وَهُوَ النَّصِيبُ مِنَ الْمَاءَ، وَقِسْمَةُ الْمَاءِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ؛ لِإِلْقَاءِ الطِّينِ وَنَحْوِهِ بِالِاتِّفَاقِ.

ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: حَرِيمُهُ مِقْدَارُ عَرْضِ نِصْفِ النَّهْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْحَاجَةُ الْغَالِبَةُ، وَذَلِكَ بِنَقْلِ تُرَابِهِ إِلَى حَافَّتَيْهِ فَيَكْفِي مَا ذَكَرْنَا.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَرْضُ جَمِيعِ النَّهْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ; لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُمْكِنُهُ إِلْقَاءُ التُّرَابِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى إِلْقَائِهِ فِي أَحَدِهِمَا، فَيُقَدِّرُ فِي كُلِّ طَرَفٍ بِبَطْنِ النَّهْرِ وَالْحَوْضِ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ.

لَهُمَا أَنَّهُ لَا انْتِفَاعَ بِالنَّهْرِ وَالْحَوْضِ إِلَّا بِالْحَرِيمِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى الْمَشْيِ فِيهِ؛ لِتَسْيِيلِ الْمَاءِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَادَةً فِي بَطْنِهِ وَإِلَى إِلْقَاءِ الطِّينِ، وَأَنَّهُ يُحَرَّجُ بِنَقْلِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَرِيمٌ كَالْبِئْرِ.

وَلَهُ أَنَّ الْحَرِيمَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِمَا مَرَّ، تَرَكْنَاهُ فِي الْبِئْرِ بِالْحَدِيثِ. وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ فِي الْبِئْرِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِمَاءِ الْبِئْرِ بِدُونِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَلَا اسْتِسْقَاءَ إِلَّا بِالْحَرِيمِ. أَمَّا النَّهْرُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِمَائِهِ بِدُونِ الْحَرِيمِ.

ثُمَّ قَالَ: (وَلَوْ غَرَسَ شَجَرَةً فِي أَرْضِ مَوَاتٍ فَحَرِيمُهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ) ، لَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَغْرِسَ فِيهِ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا غَرَسَ شَجَرَةً فِي أَرْضٍ فَلَاةٍ، فَجَاءَ آخَرُ وَأَرَادَ أَنْ يَغْرِسَ شَجَرَةً إِلَى جَانِبِ شَجَرَتِهِ، فَشَكَا الْأَوَّلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ شَجَرَتِهِ جَرِيدَةً فَتُذْرَعَ، فَبَلَغَ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ، فَجَعَلَ لَهُ صلى الله عليه وسلم الْحَرِيمَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ، وَأَطْلَقَ لِلْآخَرِ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ ". هَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، وَذَكَرَ فِي رِوَايَةٍ " سَبْعَةَ أَذْرُعٍ» . قَالَ فِي الْمُحِيطِ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ.

قَالَ: (وَمَا عَدَلَ عَنْهُ الْفُرَاتُ وَدِجْلَةُ يَجُوزُ إِحْيَاؤُهُ إِنْ لَمْ يُحْتَمَلْ عَوْدُهُ إِلَيْهِ) ; لِأَنَّهُ كَالْمَوَاتِ، وَهُوَ فِي يَدِ الْإِمَامِ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَرِيمًا لِعَامِرٍ. (وَإِنِ احْتَمَلَ عَوْدُهُ لَا يَجُوزُ) ؛ لِحَاجَةِ الْعَامَّةِ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[كِتَابُ الشِّرْبِ]

(وَهُوَ النَّصِيبُ مِنَ الْمَاءِ) لِلْأَرَاضِي وَغَيْرِهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] .

قَالَ: (وَقِسْمَةُ الْمَاءِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ جَائِزَةٌ) . وَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ يَفْعَلُونَهُ، فَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ. وَتَعَامَلَهُ النَّاسُ إِلَى يَوْمِنَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَهُوَ قِسْمَةٌ بِاعْتِبَارِ الْحَقِّ دُونَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ فِي النَّهْرِ. وَالْقِسْمَةُ تَارَةً تَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ،

ص: 69

وَيَجُوزُ دَعْوَى الشِّرْبِ بِغَيْرِ أَرْضٍ، وَيُورَثُ، وَيُوصِي بِمَنْفَعَتِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ. وَلَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُتَصَدَّقُ بِهِ، وَلَا يَصْلُحُ مَهْرًا وَلَا بَدَلًا فِي الْخُلْعِ، وَلَا بَدَلًا فِي الصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ، وَلَا فِي الْقِصَاصِ.

وَالْمِيَاهُ أَنْوَاعٌ:

مَاءُ الْبَحْرِ، وَهُوَ عَامٌّ، لِجَمِيعِ الْخَلْقِ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِالشَّفَةِ وَسَقْيِ الْأَرَاضِي، وَشَقِّ الْأَنْهَارِ. وَالْأَوْدِيَةُ وَالْأَنْهَارُ الْعِظَامُ كَجَيْحُونَ وَسَيْحُونَ، وَالنِّيلِ، وَالْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ - فَالنَّاسُ مُشْتَرِكُونَ فِيهِ فِي الشَّفَةِ، وَسَقْيِ الْأَرَاضِي، وَنَصْبِ الْأَرْحِيَةِ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَتَارَةً بِاعْتِبَارِ الْحَقِّ كَقِسْمَةِ الْغَنَائِمِ.

قَالَ: (وَيَجُوزُ دَعْوَى الشِّرْبِ بِغَيْرِ أَرْضٍ) اسْتِحْسَانًا؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الشِّرْبُ حَقًّا لَهُ بِدُونِ الْأَرْضِ، بِأَنِ اشْتَرَى الْأَرْضَ وَالشِّرْبَ، ثُمَّ بَاعَ الْأَرْضَ، وَبَقِيَ الشِّرْبُ أَوْ وَرِثَهُ. وَقَدْ يُمْلَكُ بِالْإِرْثِ مَا لَا يُمْلَكُ بِالْبَيْعِ كَالْقِصَاصِ وَالْخَمْرِ.

وَإِذَا شَهِدُوا بِشِرْبِ يَوْمٍ مِنَ النَّهْرِ لَا تُقْبَلُ إِذَا لَمْ يَقُولُوا مِنْ كَمْ يَوْمٍ. وَلَوِ ادَّعَى أَرْضًا عَلَى نَهْرٍ شِرْبُهَا مِنْهُ، فَشَهِدُوا لَهُ بِالْأَرْضِ - قَضَى بِهَا وَبِحِصَّتِهَا مِنَ الشِّرْبِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تَنْفَكُّ عَنِ الشِّرْبِ. وَلَوِ ادَّعَى الشِّرْبَ وَحْدَهُ، فَشَهِدُوا لَهُ - لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ مِنَ الْأَرْضِ.

قَالَ: (وَيُورَثُ، وَيُوَصِي بِمَنْفَعَتِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ، فَيَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ. وَجَهَالَةُ الْمُوصَى بِهِ لَا تَمْنَعُ الْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ أَوْسَعِ الْعُقُودِ حَتَّى جَازَتْ لِلْمَعْدُومِ وَبِالْمَعْدُومِ.

قَالَ: (وَلَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُتَصَدَّقُ بِهِ) ؛ لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ، وَعَدَمِ تَصَوُّرِ الْقَبْضِ. وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ حَتَّى لَوْ سَقَى بِهِ غَيْرَهُ لَا يَضْمَنُ. (وَلَا يَصْلُحُ مَهْرًا) ؛ لِمَا بَيَّنَّا، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. (وَلَا بَدَلًا فِي الْخُلْعِ) حَتَّى تَرُدَّ مَا قَبَضَتْ مِنَ الْمَهْرِ، (وَلَا بَدَلًا فِي الصُّلْحِ) عَنْ دَعْوَى الْمَالِ، (وَلَا فِي الْقِصَاصِ) ، وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ.

(وَالْمِيَاهُ أَنْوَاعٌ) :

الْأَوَّلُ: (مَاءُ الْبَحْرِ، وَهُوَ عَامٌّ، لِجَمِيعِ الْخَلْقِ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِالشَّفَةِ، وَسَقْيِ الْأَرَاضِي وَشَقِّ الْأَنْهَارِ) . لَا يَمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَالِانْتِفَاعِ بِالشَّمْسِ وَالْهَوَاءِ.

(وَ) الثَّانِي: (الْأَوْدِيَةُ وَالْأَنْهَارُ الْعِظَامُ كَجَيْحُونَ وَسَيْحُونَ وَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ، فَالنَّاسُ مُشْتَرِكُونَ فِيهِ فِي الشَّفَةِ، وَسَقْيِ الْأَرَاضِي، وَنَصْبِ الْأَرْحِيَةِ) وَالدَّوَالِي إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ. وَذَلِكَ بِأَنْ يُحْيِيَ مَوَاتًا وَيَشُقَّ نَهْرًا؛ لِسَقْيِهَا، لَيْسَ فِي مِلْكِ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فِي الْأَصْلِ. وَغَلَبَةُ الْمَاءِ تَمْنَعُ قَهْرَ غَيْرِهِ وَاسْتِيلَاءَهُ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُمْ وَاجِبٌ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكْسِرَ ضَفَّتَهُ فَيَمِيلَ الْمَاءُ إِلَى جَانِبِهَا فَيُغْرِقَ الْأَرَاضِيَ وَالْقُرَى، وَكَذَا شَقُّ السَّاقِيَةِ لِلرَّحَى وَالدَّالِيَةِ.

ص: 70

وَمَا يَجْرِي فِي نَهْرٍ خَاصٍّ لِقَرْيَةٍ فَلِغَيْرِهِمْ فِيهِ شَرِكَةٌ فِي الشَّفَةِ، وَمَا أُحْرِزَ فِي جُبٍّ وَنَحْوِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا بِدُونِ إِذْنِ صَاحِبِهِ، وَلَهُ بَيْعُهُ.

وَلَوْ كَانَتِ الْبِئْرُ أَوِ الْعَيْنُ أَوِ النَّهْرُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ لَهُ مَنْعُ مَنْ يُرِيدُ الشَّفَةَ مِنَ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ إِنْ كَانَ يَجِدُ غَيْرَهُ بِقُرْبِهِ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؛ فَإِمَّا أَنْ يَتْرُكَهُ يَأْخُذُ بِنَفْسِهِ، أَوْ يُخْرِجَ الْمَاءَ إِلَيْهِ. فَإِنْ مَنَعَهُ وَهُوَ يَخَافُ الْعَطَشَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَطِيَّتِهِ قَاتَلَهُ بِالسِّلَاحِ، وَفِي الْمُحْرَزِ بِالْإِنَاءِ يُقَاتِلُهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ. وَالطَّعَامُ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ كَالْمَاءِ الْمُحْرَزِ بِالْإِنَاءِ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

(وَ) الثَّالِثُ: (مَا يَجْرِي فِي نَهْرٍ خَاصٍّ لِقَرْيَةٍ، فَلِغَيْرِهِمْ فِيهِ شَرِكَةٌ فِي الشَّفَةِ) ، وَهُوَ الشِّرْبُ وَالسَّقْيُ لِلدَّوَابِّ. وَلَهُمْ أَخْذُ الْمَاءِ؛ لِلْوُضُوءِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَالْخُبْزِ وَالطَّبْخِ لَا غَيْرُ، وَإِنْ أَتَى عَلَى الْمَاءِ كُلِّهِ.

رُوِيَ أَنَّهُ وَرَدَتْ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ مَسَائِلُ مِنْ خُرَاسَانَ، فَدَفَعَهَا إِلَى زُفَرَ؛ لِيَكْتُبَ فِيهَا. مِنْهَا: رَجُلٌ لَهُ مَاءٌ يَجْرِي إِلَى مَزَارِعِهِ، فَيَجِيءُ رَجُلٌ، فَيَسْقِي إِبِلَهُ وَدَوَابَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُنْفِذَهُ كُلَّهُ - هَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ فَكَتَبَ زُفَرُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. فَعَرَضَهَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، فَغَلَّطَهُ، وَقَالَ: لِصَاحِبِ الْإِبِلِ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ» الْحَدِيثَ. وَالْحَدِيثُ يَشْمَلُ الشِّرْبَ وَالشُّرْبَ، إِلَّا أَنَّ الشِّرْبَ خُصَّ فِي النَّهْرِ الْخَاصِّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ أَهْلِهِ، وَبَقِيَ حَقُّ الشَّفَةِ لِلضَّرُورَةِ إِمَّا لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُقْدَرُ عَلَى اسْتِصْحَابِ الْمَاءِ فِي كُلِّ مَكَانٍ. وَالْبِئْرُ وَالْحَوْضُ حُكْمُهُمَا حُكْمُ النَّهْرِ الْخَاصِّ.

(وَ) الرَّابِعُ: (مَا أُحْرِزَ فِي جُبٍّ وَنَحْوِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا بِدُونِ إِذْنِ صَاحِبِهِ، وَلَهُ بَيْعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِحْرَازِ، وَصَارَ كَالصَّيْدِ وَالْحَشِيشِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي سَرِقَتِهِ؛ لِقِيَامِ شُبْهَةِ الشَّرِكَةِ فِيهِ بِالْحَدِيثِ.

قَالَ: (وَلَوْ كَانَتِ الْبِئْرُ أَوِ الْعَيْنُ أَوِ النَّهْرُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ لَهُ مَنْعُ مَنْ يُرِيدُ الشَّفَةَ مِنَ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ إِنْ كَانَ يَجِدُ غَيْرَهُ بِقُرْبِهِ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِإِمَّا أَنْ يَتْرُكَهُ يَأْخُذُ بِنَفْسِهِ) ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكْسِرَ ضَفَّتَهُ، (أَوْ يُخْرِجَ الْمَاءَ إِلَيْهِ. فَإِنْ مَنَعَهُ، وَهُوَ يَخَافُ الْعَطَشَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَطِيَّتِهِ - قَاتَلَهُ بِالسِّلَاحِ) ؛ لِمَا رُوِيَ أَنْ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً، فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ، فَأَبَوْا. فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ دَلْوًا، فَأَبَوْا، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ تَنْقَطِعُ، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ. فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ رضي الله عنه فَقَالَ: هَلَّا وَضَعْتُمْ فِيهِمُ السِّلَاحَ؟ وَلِأَنَّهُ مَنْعُ الْمُضْطَرِّ عَنْ حَقِّهِ ; لِأَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِي الشَّفَةِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ.

(وَفِي الْمُحْرَزِ بِالْإِنَاءِ يُقَاتِلُهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِحْرَازِ حَتَّى كَانَ لَهُ تَضْمِينُهُ، إِلَّا أَنَّهُ مَأْمُورٌ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ قَدْرَ حَاجَتِهِ، فَبِالْمَنْعِ خَالَفَ الْأَمْرَ فَيُؤَدِّبُهُ. (وَالطَّعَامُ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ كَالْمَاءِ الْمُحْرَزِ بِالْإِنَاءِ) فِي الْإِبَاحَةِ وَالْمُقَاتَلَةِ وَالضَّمَانِ؛ لِمَا بَيَّنَّا.

ص: 71