الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَارِيَةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ عَلَى الْآجِرِ. وَإِذَا رَدَّ الدَّابَّةَ إِلَى اصْطَبْلِ مَالِكِهَا بَرِئَ، وَكَذَا رَدُّ الثَّوْبِ إِلَى دَارِهِ، وَمَعَ مَنْ فِي عِيَالِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ الْخَاصِّ بَرِئَ.
كِتَابُ الْغَصْبِ
وَهُوَ أَخْذُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ مَمْلُوكٍ لِلْغَيْرِ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَوَقَعَ مِنْ يَدِهِ، فَانْكَسَرَ - فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي ذَلِكَ دَلَالَةً.
اسْتَعَارَ كِتَابًا؛ لِيَقْرَأَ فِيهِ، فَوَجَدَ فِيهِ خَطَأً، إِنْ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَكْرَهُ إِصْلَاحَهُ أَصْلَحَهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، فَلَا بَأْسَ بِهِ.
قَالَ: (وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَارِيَةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ؛ لِمَنْفَعَتِهِ، فَوَجَبَ الرَّدُّ عَلَيْهِ. وَالْأُجْرَةُ مَئُونَةُ الرَّدِّ (وَ) أُجْرَةُ رَدِّ (الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى الْآجِرِ) ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْقَبْضِ حَصَلَتْ لَهُ وَهِيَ الْأُجْرَةُ، فَلَا يَكُونُ الرَّدُّ وَاجِبًا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، فَلَا يَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ.
قَالَ: (وَإِذَا رَدَّ الدَّابَّةَ إِلَى اصْطَبْلِ مَالِكِهَا بَرِئَ) اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ؛ لِعَدَمِ الرَّدِّ إِلَى الْمَالِكِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالرَّدِّ إِلَى الِاصْطَبْلِ، فَإِنَّهُ لَوْ سَلَّمَهَا إِلَيْهِ رَدَّهَا إِلَى الِاصْطَبْلِ، وَالْمُعْتَادُ كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ.
وَلَوْ كَانَ عَبْدًا، وَرَدَّهُ إِلَى دَارِ مَالِكِهِ - فَكَذَلِكَ. (وَكَذَا رَدُّ الثَّوْبِ إِلَى دَارِهِ) ؛ لِمَا بَيَّنَّا. (وَ) لَوْ رَدَّ الْعَارِيَةَ (مَعَ مَنْ فِي عِيَالِهِ، أَوْ عَبْدِهِ، أَوْ أَجِيرِهِ الْخَاصِّ - بَرِئَ) ; لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ، فَصَارَتْ كَالْوَدِيعَةِ. وَكَذَا لَوْ رَدَّهَا إِلَى عَبْدِ الْمُعِيرِ، أَوْ مَنْ فِي عِيَالِهِ - بَرِئَ ; لَأَنَّ الْمَالِكَ يَحْفَظُهَا بِهَؤُلَاءِ عَادَةً. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْعَبْدِ: الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهَا.
وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى: لَوْ كَانَتِ الْعَارِيَةُ شَيْئًا نَفِيسًا كَالْجَوْهَرِ وَنَحْوِهِ لَا يَبْرَأُ بِالرَّدِّ إِلَى هَؤُلَاءِ ; لِأَنَّهُ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِطَرْحِهِ فِي الدَّارِ وَتَسْلِيمِهِ إِلَى غِلْمَانِهِ، وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي رَدِّ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ كَالْمُسْتَعِيرِ، وَفِي الْغَصْبِ لَا يَبْرَأُ فِي الْجَمِيعِ إِلَّا بِالرَّدِّ إِلَى مَالِكِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ وَاجِبٌ فَلَا يَسْقُطُ إِلَّا بِالرَّدِّ إِلَى الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ حَقِيقَةً، بِخِلَافِ الْعَارِيَةِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ.
[كِتَابُ الْغَصْبِ]
ِ (وَهُوَ) فِي اللُّغَةِ: أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا، يُقَالُ: غَصَبْتُهُ مِنْهُ، وَغَصَبْتُهُ عَلَيْهِ بِمَعْنًى، قَالَ تَعَالَى:{يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79] أَيْ ظُلْمًا. وَيُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، يُقَالُ: غَصَبْتُ وَلَدَهُ وَزَوْجَتَهُ.
وَفِي الشَّرْعِ: (أَخْذُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرِمٍ مَمْلُوكٍ لِلْغَيْرِ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي) ، وَاشْتَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ كَوْنَ الْمَغْصُوبِ قَابِلًا لِلنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ تَفْوِيتَ يَدِ الْمَالِكِ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ. وَيَظْهَرُ فِي غَصْبِ الْعَقَارِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَلَوِ اسْتَخْدَمَ مَمْلُوكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، أَوْ أَرْسَلَهُ فِي حَاجَتِهِ، أَوْ رَكِبَ دَابَّتَهُ، أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا،
وَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا فَعَلَيْهِ رَدُّهُ فِي مَكَانِ غَصْبِهِ. فَإِنْ هَلَكَ وَهُوَ مِثْلِيٌّ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ. وَإِنْ نَقَصَ ضَمِنَ النُّقْصَانَ، وَإِذَا انْقَطَعَ تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَضَاءَ (سم) .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
أَوْ سَاقَهَا، فَهَلَكَتْ - كَانَ غَاصِبًا؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْيَدَ الْمُبْطِلَةَ الْمُفَوِّتَةَ.
وَلَوْ جَلَسَ عَلَى بِسَاطِ الْغَيْرِ، أَوْ هَبَّتِ الرِّيحُ بِثَوْبِ إِنْسَانٍ، فَأَلْقَتْهُ فِي حِجْرِهِ - لَا يَكُونُ غَاصِبًا مَا لَمْ يَنْقُلْهُ أَوْ يُمْسِكْهُ، وَهُوَ تَصَرُّفٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ حَرَامٌ؛ لِكَوْنِهِ تَصَرُّفًا فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، وَلِأَنَّ حُرْمَةَ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ. قَالَ عليه الصلاة والسلام:«كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَعِرْضُهُ، وَمَالُهُ» . وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» ، وَعَلَى حُرْمَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ عَقْلًا؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ حَرَامٌ عَقْلًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ.
وَالْغَصْبُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إِثْمٌ، وَهُوَ مَا وَقَعَ عَنْ جَهْلٍ كَمَنْ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِلْكُهُ. أَوْ مَلَكُهُ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ، وَتَصَرَّفَ فِيهِ، وَاسْتَهْلَكَهُ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ - فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ. قَالَ عليه الصلاة والسلام:«رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» ، الْحَدِيثَ. مَعْنَاهُ الْإِثْمُ.
وَالثَّانِي: يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِثْمُ، وَهُوَ مَا يَأْخُذُهُ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي، فَإِنَّهُ يَأْثَمُ بِأَخْذِهِ وَإِمْسَاكِهِ.
قَالَ: (وَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا فَعَلَيْهِ رَدُّهُ فِي مَكَانِ غَصْبِهِ) ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذْتَ حَتَّى تَرُدَّ» ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«لَا يَأْخُذْ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَا جَادًّا وَلَا لَاعِبًا، فَإِذَا أَخَذَ أَحَدُكُمْ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا عَلَيْهِ» ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَفْعُ الظُّلْمِ، وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا. وَيَرُدُّهُ فِي مَكَانِ غَصْبِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْأَمَاكِنِ، وَالْأَعْدَلُ مَا ذَكَرْنَا.
قَالَ: (فَإِنْ هَلَكَ، وَهُوَ مِثْلِيٌّ - فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ)، قَالَ تَعَالَى:{فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] . وَلِأَنَّ الْمِثْلَ أَعْدَلُ؛ لِوُجُودِ الْمَالِيَّةِ وَالْجِنْسِ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا) كَالْحَيَوَانِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَفَاوِتِ وَالْمَزْرُوعِ (فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ) ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ دَفْعًا لِلظُّلْمِ وَإِيصَالًا لِلْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. وَسَوَاءٌ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ بِفِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ، أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ بِالْغَصْبِ صَارَ مُتَعَدِّيًا، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَقَدِ امْتَنَعَ فَيَجِبُ الضَّمَانُ، وَتَجِبُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ، وَبِهِ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ. (وَإِنْ نَقَصَ ضَمِنَ النُّقْصَانَ) اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ.
(و) أَمَّا الْمِثْلِيُّ (إِذَا انْقَطَعَ تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَضَاءِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَوْمَ الْغَصْبِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَوْمَ الِانْقِطَاعِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمِثْلُ، وَيَنْتَقِلُ إِلَى الْقِيمَةِ بِالِانْقِطَاعِ فَيُعْتَبَرُ يَوْمَئَذٍ. وَلِأَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ الْتَحَقَ بِذَوَاتِ الْقِيَمِ، فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ؛ إِذْ هُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِانْتِقَالَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا بِالِانْقِطَاعِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَخَاصَمَا حَتَّى عَادَ الْمِثْلُ وَجَبَ.
فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ عِنْدَهُ بِخِلَافِ ذَوَاتِ
وَإِنِ ادَّعَى الْهَلَاكَ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ مُدَّةً يَعْلَمُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً أَظْهَرَهَا، ثُمَّ يَقْضِي عَلَيْهِ بِبَدَلِهَا. وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِذَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إِلَى وَقْتِ الْغَصْبِ، وَتَسْلَمُ لَهُ الْأَكْسَابُ وَلَا تَسْلَمُ لَهُ الْأَوْلَادُ. فَإِذَا ظَهَرَتِ الْعَيْنُ وَقِيمَتُهَا أَكْثَرُ وَقَدْ ضَمِنَهَا بِنُكُولِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ بِقَوْلِ الْمَالِكِ - سَلِمَتْ لِلْغَاصِبِ. وَإِنْ ضَمِنَهَا بِيَمِينِهِ فَالْمَالِكُ إِنْ شَاءَ أَمْضَى الضَّمَانَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَيْنَ وَرَدَّ الْعِوَضَ، وَيَضْمَنُ مَا نَقَصَ الْعَقَارُ بِفِعْلِهِ وَلَا يَضْمَنُهُ لَوْ هَلَكَ (م) .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
الْقِيَمِ؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِهَا مِنْ وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ الْغَصْبُ، فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ عِنْدَ السَّبَبِ.
قَالَ: (وَإِنِ ادَّعَى الْهَلَاكَ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ مُدَّةً يَعْلَمُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً أَظْهَرَهَا، ثُمَّ يَقْضِي عَلَيْهِ بِبَدَلِهَا) ; لَأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاؤُهَا، وَقَدِ ادَّعَى خِلَافَهُ. وَنَظِيرُهُ إِذَا طُولِبَ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ، فَادَّعَى الْإِفْلَاسَ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْحَجْرِ، فَإِذَا حُبِسَ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ قَضَى عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ؛ لِمَا مَرَّ.
قَالَ: (وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ أَقَامَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الزِّيَادَةِ قَضَى بِهَا؛ لِأَنَّهَا حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ.
قَالَ: (فَإِذَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إِلَى وَقْتِ الْغَصْبِ) ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إِلَى مِلْكٍ، وَقَدْ مَلَكَ الْمَالِكُ بَدَلَهُ فَيَمْلِكُ الْغَاصِبُ الْمُبْدَلَ؛ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ. (وَتَسْلَمُ لَهُ الْأَكْسَابُ) ؛ لِلتَّبَعِيَّةِ، (وَلَا تَسْلَمُ لَهُ الْأَوْلَادُ) ؛ لِأَنَّ تَبَعِيَّتَهُمْ فَوْقَ تَبَعِيَّةِ الْأَكْسَابِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتِبِ مُدَبَّرٌ وَمَكَاتِبٌ، وَلَا تَكُونُ أَكْسَابُهُمَا مُدَبَّرًا وَمُكَاتِبًا؟
قَالَ: (فَإِذَا ظَهَرَتِ الْعَيْنُ، وَقِيمَتُهَا أَكْثَرُ، وَقَدْ ضَمِنَهَا بِنُكُولِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِقَوْلِ الْمَالِكِ - سَلِمَتْ لِلْغَاصِبِ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِرِضَى الْمَالِكِ حَيْثُ ادَّعَى هَذَا الْقَدْرَ. (وَإِنْ ضَمِنَهَا بِيَمِينِهِ فَالْمَالِكُ إِنْ شَاءَ أَمْضَى الضَّمَانَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَيْنَ وَرَدَّ الْعِوَضَ) ; لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِهِ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ؛ لِعَجْزِهِ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى كَمَالِ حَقِّهِ كَالْمُكْرَهِ. وَكَذَا لَوْ ظَهَرَ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ مَا ضَمِنَ أَوْ أَقَلُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ حَيْثُ لَمْ يُعْطِهِ مَا ادَّعَاهُ، فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ.
قَالَ: (وَيَضْمَنُ مَا نَقَصَ الْعَقَارُ بِفِعْلِهِ، وَلَا يَضْمَنُهُ لَوْ هَلَكَ) . وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَضْمَنُ الْعَقَارَ بِالْغَصْبِ. وَصُورَتُهُ: أَنَّ مَنْ سَكَنَ دَارَ غَيْرِهِ، أَوْ زَرَعَ أَرْضَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، ثُمَّ خَرِبَتِ الدَّارُ أَوْ غَرِقَ الْعَقَارُ - لِمُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَحَقَّقَتِ الْيَدُ الْعَادِيَةُ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ زَوَالُ يَدِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْيَدَيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ مُحَالٌ، فَتَحَقَّقَ الْغَصْبُ. وَلِأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ يَتَعَلَّقُ بِالنَّقْلِ فِيمَا يُنْقَلُ يَتَعَلَّقُ بِالتَّخْلِيَةِ فِيمَا لَا يُنْقَلُ كَدُخُولِ الْمَبِيعِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي.
وَلَهُمَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الْجَزَاءَ فِي غَصْبِ الْعَقَارِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الضَّمَانَ، وَلَوْ وَجَبَ لَذَكَرَهُ. وَلِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ لَمْ يَزُلْ عَنْ مَكَانِهِ الَّذِي كَانَتْ يَدُ الْمَالِكِ ثَابِتَةً عَلَيْهِ، وَالتَّصَرُّفُ
فَإِنْ نَقَصَ بِالزِّرَاعَةِ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَيَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ، وَكَذَا الْمُودَعُ وَالْمُسْتَعِيرُ إِذَا تَصَرَّفَا وَرَبِحَا تَصَدَّقَا بِالْفَضْلِ (س) .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فِي الْمَالِكِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا لَوْ مَنَعَهُ عَنْ حِفْظِ مَالِهِ حَتَّى هَلَكَ، وَلِأَنَّ مَا لَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانُ الْغَصْبِ كَالْحُرِّ. وَأَمَّا إِذَا هَدَمَ الْبِنَاءَ، وَحَفَرَ الْأَرْضَ - فَيَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ النَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ، وَأَنَّهُ إِتْلَافٌ. وَيَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ مَا لَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ كَالْحُرِّ. وَمَا انْهَدَمَ بِسُكْنَاهُ فَقَدْ تَلِفَ بِفِعْلِهِ، وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَإِنْ لَمْ يُضْمَنْ بِالْغَصْبِ، وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْعَيْنِ.
(فَإِنْ نَقَصَ بِالزِّرَاعَةِ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ) ؛ لِمَا مَرَّ، (وَيَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ) . مَعْنَاهُ: يَأْخُذُ مِنَ الزَّرْعِ مَا أَخْرَجَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَذْرِ وَغَيْرِهِ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ.
(وَكَذَا الْمُودَعُ وَالْمُسْتَعِيرُ إِذَا تَصَرَّفَا، وَرَبِحَا - تَصَدَّقَا بِالْفَضْلِ)، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي ضَمَانِهِ؛ لِمِلْكِهِ الْأَصْلَ ظَاهِرًا؛ فَإِنَّ الْمَضْمُونَاتِ تُمَلَّكُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَلَهُمَا أَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَالْفَرْعُ يَحْصُلُ عَلَى صِفَةِ الْأَصْلِ، وَالْمِلْكُ الْخَبِيثُ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ، وَلَوْ صَرَفَهُ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ جَازَ. ثُمَّ إِنْ كَانَ غَنِيًّا تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا لَا يَتَصَدَّقُ.
وَلَوْ لَقِيَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ، فَطَالَبَهُ بِالْمَغْصُوبِ - فَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ دَفَعَهَا إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا ثَمَنٌ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ أُمِرَ بِتَسْلِيمِهَا إِلَيْهِ إِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ سَوَاءً؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمَالِكِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ بَلَدِ الْغَصْبِ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ طَالَبَهُ بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ؛ لِيَأْخُذَهُ فِي بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ بِنَقْلِهِ فَيُخَيَّرُ الْمَالِكُ، بِخِلَافِ تَغَيُّرِ السِّعْرِ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا بِصُنْعِهِ بَلْ بِقِلَّةِ الرَّغَبَاتِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ وَقِيمَتِهِ أَقَلَّ فَالْمَالِكُ إِنْ شَاءَ أَخَذَ مِثْلَهُ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيمَتَهُ بِبَلَدِ الْغَصْبِ، أَوْ يَصْبِرُ؛ لِيَأْخُذَ مِثْلَهُ فِي بَلَدِهِ. وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ هُنَا أَكْثَرَ فَالْغَاصِبُ إِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِالدَّفْعِ. وَإِنْ كَانَتِ الْقِيمَةُ سَوَاءً فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى أَحَدٍ.
وَلَوْ تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ رَدَّهُ مَعَ قِيمَةِ النُّقْصَانِ، فَيُقَوَّمُ صَحِيحًا، وَيُقَوَّمُ وَبِهِ عَيْبٌ - فَيَضْمَنُ ذَلِكَ، هَذَا فِي غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ؛ لِأَنَّ لِلْجَوْدَةِ قِيمَةً فِيهَا. فَأَمَّا الرِّبَوِيَّاتُ إِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِعَيْبِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ صَحِيحًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَتَرَكَهُ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ عَلَى مَا عُرِفَ. وَآنِيَةُ الصُّفْرِ وَالرَّصَاصِ إِنْ بِيعَتْ وَزْنًا مِنَ الرِّبَوِيَّاتِ وَعَدَدًا لَا.
وَلَوْ غَصَبَ عِنَبًا فَصَارَ زَبِيبًا، أَوْ عَصِيرًا فَصَارَ خَلًّا، أَوْ رُطَبًا فَصَارَ تَمْرًا - فَالْمَالِكُ إِنْ شَاءَ أَخَذَ عَيْنَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مِثْلَهُ. وَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً صَغِيرَةً، فَكَبِرَ - أَخَذَهُ، وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ مِنَ النَّفَقَةِ. قَالَ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» . وَلَوْ كَانَ شَابًّا فَصَارَ شَيْخًا، أَوْ شَابَّةً فَصَارَتْ عَجُوزًا - ضَمِنَ النُّقْصَانَ. وَالشَّلَلُ وَالْعَرَجُ وَذَهَابُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَنِسْيَانُ الْحِرْفَةِ وَالْقُرْآنِ وَالسَّرِقَةُ وَالْإِبَاقُ وَالْجُنُونُ وَالزِّنَا عَيْبٌ يُوجِبُ النُّقْصَانَ
وَإِذَا تَغَيَّرَ الْمَغْصُوبُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ حَتَّى زَالَ اسْمُهُ وَأَكْثَرُ مَنَافِعِهِ مَلَكَهُ وَضَمِنَهُ، وَذَلِكَ كَذَبْحِ الشَّاةِ وَطَبْخِهَا أَوْ شَيِّهَا أَوْ تَقْطِيعِهَا، وَطَحْنِ الْحِنْطَةِ أَوْ زَرْعِهَا، وَخَبْزِ الدَّقِيقِ، وَجَعْلِ الْحَدِيدِ سَيْفًا وَالصُّفْرِ آنِيَةً، وَالْبِنَاءِ عَلَى السَّاجَةِ، وَاللَّبِنِ حَائِطًا. وَعَصْرِ الزَّيْتُونِ وَالْعِنَبِ وَغَزْلِ الْقُطْنِ وَنَسْجِ الْغَزْلِ، وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَهُ (ز) . وَلَوْ غَصَبَ تِبْرًا، فَضَرَبَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ آنِيَةً - لَمْ يَمْلِكْهُ (سم) .
وَمَنْ خَرَقَ ثَوْبَ غَيْرِهِ، فَأَبْطَلَ عَامَّةَ مَنْفَعَتِهِ - ضَمِنَهُ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
إِنْ حَدَثَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ ضَمِنَهَا.
قَالَ: (وَإِذَا تَغَيَّرَ الْمَغْصُوبُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ حَتَّى زَالَ اسْمُهُ وَأَكْثَرُ مَنَافِعِهِ مَلَكَهُ وَضَمِنَهُ. وَذَلِكَ كَذَبْحِ الشَّاةِ وَطَبْخِهَا أَوْ شَيِّهَا أَوْ تَقْطِيعِهَا، وَطَحْنِ الْحِنْطَةِ أَوْ زَرْعِهَا، وَخَبْزِ الدَّقِيقِ، وَجَعْلِ الْحَدِيدِ سَيْفًا وَالصُّفْرِ آنِيَةً، وَالْبِنَاءِ عَلَى السَّاجَةِ، وَاللَّبِنِ حَائِطًا، وَعَصْرِ الزَّيْتُونِ وَالْعِنَبِ، وَغَزْلِ الْقُطْنِ وَنَسْجِ الْغَزْلِ) .
وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا مِنْ وَجْهٍ؛ لِفَوَاتِ مُعْظَمِ الْمَقَاصِدِ وَتَبَدُّلِ الِاسْمِ، وَحَقُّهُ فِي الصَّنْعَةِ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَرَجَّحَ عَلَى مَا فَاتَ مِنْ وَجْهٍ، بِخِلَافِ مَا إِذَا ذَبَحَ شَاةً وَسَلَخَهَا ; لِأَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ. (وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَهُ) «لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ الْمَصْلِيَّةِ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهَا: " أَطْعِمُوهَا الْأُسَارَى» ، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى زَوَالِ مِلْكِ الْمَالِكِ، وَحُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ قَبْلَ الْإِرْضَاءِ، وَلِأَنَّ إِبَاحَةَ الِانْتِفَاعِ قَبْلَ الْإِرْضَاءِ فَتَحَ بَابَ الْغَصْبِ.
وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ مَعَ الْحُرْمَةِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ. فَإِذَا أَدَّى بَدَلَهُ، أَوْ أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ - جَازَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ رَاضِيًا بِالْإِبْرَاءِ وَأَخْذِ الْبَدَلِ. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجُوزَ لَهُ الِانْتِفَاعُ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ، فَيَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ، وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُ الْمَالِكِ عَنْهُ، لَكِنَّهُ يُبَاعُ فِي دَيْنِهِ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ بَاقِي الْغُرَمَاءِ. وَوَجْهٌ آخَرَ فِي السَّاجَةِ وَاللَّبِنِ أَنَّ ضَرَرَ الْمَالِكِ صَارَ مُنْجَبِرًا بِالْقِيمَةِ، وَضَرَرَ الْغَاصِبِ بِالْهَدْمِ لَا يَنْجَبِرُ فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ، فَكَانَ أَوْلَى.
وَلَوْ غَصَبَ خَيْطًا، فَخَاطَ بِهِ بَطْنَ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ، أَوْ لَوْحًا فَأَدْخَلَهُ فِي سَفِينَةٍ - انْقَطَعَ مِلْكُ الْمَالِكِ إِلَى الضَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ.
(وَلَوْ غَصَبَ تِبْرًا، فَضَرَبَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ آنِيَةً - لَمْ يَمْلِكْهُ) ، فَيَأْخُذُهَا الْمَالِكُ، وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ. وَقَالَا: يَمْلِكُهَا الْغَاصِبُ، وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا؛ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ بِصُنْعِهِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ بِالْكَسْرِ فَاتَ بَعْضُ الْمَقَاصِدِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ نَظَرًا إِلَى بَقَاءِ الِاسْمِ وَالثَّمَنِيَّةِ وَالْوَزْنِ، وَجَرَيَانِ الرِّبَا فِيهِ، وَالصُّنْعِ فِيهَا غَيْرَ مُتَقَوِّمَةٍ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهَا لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ.
قَالَ: (وَمَنْ خَرَقَ ثَوْبَ غَيْرِهِ، فَأَبْطَلَ عَامَّةَ مَنْفَعَتِهِ - ضَمِنَهُ) ; لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ مَعْنًى كَمَا إِذَا أَحْرَقَهُ. فَإِذَا ضَمَّنَهُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ تَرَكَ الثَّوْبَ لِلْغَاصِبِ؛ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ. وَإِنْ أَمْسَكَ الثَّوْبَ
وَمَنْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ، أَوْ قَطَعَ يَدَهَا - فَإِنْ شَاءَ الْمَالِكُ ضَمَّنَهُ نُقْصَانَهَا وَأَخَذَهَا، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهَا وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا. وَفِي غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا بِقَطْعِ الطَّرَفِ.
وَمَنْ بَنَى فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ غَرَسَ لَزِمَهُ قَلْعُهُمَا وَرَدُّهَا، وَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ، أَوْ سَوِيقًا، فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ - فَالْمَالِكُ إِنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا، وَرَدَّ زِيَادَةَ الصَّبْغِ وَالسَّوِيقِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ الثَّوْبِ أَبْيَضَ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
ضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ؛ لِبَقَاءِ الْعَيْنِ وَبَعْضِ الْمَنَافِعِ. وَإِنْ كَانَ خَرْقًا قَلِيلًا يُضَمَّنُ نُقْصَانَهُ؛ لِمَا أَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ شَيْئًا، بَلْ عَيَّبَهُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَيْبِ الْفَاحِشِ، قِيلَ: هُوَ أَنْ يُوجِبَ نُقْصَانَ رُبْعِ الْقِيمَةِ فَمَا زَادَ، وَقِيلَ: مَا يُنْتَقَصُ بِهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَالصَّحِيحُ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْمَنَافِعِ. وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَنْفَعَةِ، بَلْ يَدْخُلُهُ نُقْصَانُ الْعَيْبِ.
قَالَ: (وَمَنْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ، أَوْ قَطَعَ يَدَهَا - فَإِنْ شَاءَ الْمَالِكُ ضَمَّنَهُ نُقْصَانَهَا وَأَخَذَهَا، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهُ وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا) ؛ لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِتَفْوِيتِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ مِنَ اللَّبَنِ وَالنَّسْلِ وَغَيْرِهِمَا، وَبَقَاءُ الْبَعْضِ وَهُوَ الْأَكْلُ، فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا فِي الثَّوْبِ فِي الْخَرْقِ الْفَاحِشِ.
قَالَ: (وَفِي غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ يُضَمَّنُ قِيمَتَهَا بِقَطْعِ الطَّرَفِ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَلَوْ غَصَبَ دَابَّةً، فَقَطَعَ رِجْلَهَا - ضَمِنَ قِيمَتَهَا. وَرَوَى هِشَامٌ: إِنْ أَخَذَهَا الْمَالِكُ لَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا، وَأَخَذَ الْقِيمَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ خِلَافًا لَهُمَا. وَإِنْ قَلَعَ عَيْنَ الدَّابَّةِ فَعَلَيْهِ رُبْعُ الْقِيمَةِ اسْتِحْسَانًا، وَقِيمَةُ النُّقْصَانِ قِيَاسًا.
وَفِي جِنَايَاتِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَوْ فَقَأَ عَيْنَ بِرْذَوْنٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ عَلَيْهِ رُبْعُ قِيمَتِهِ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُعْمَلُ عَلَيْهِ مِنَ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ، وَمَا لَا يُعْمَلُ عَلَيْهِ مَا نَقَصَ. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَفِي عَيْنِ بَقَرِ الْجَزَّارِ وَجَزُورِهِ رُبْعُ الْقِيمَةِ، وَفِي عَيْنِ شَاةِ الْقَصَّابِ مَا نَقَصَهَا، وَالْحَمَلُ وَالطَّيْرُ وَالدَّجَاجَةُ وَالْكَلْبُ مَا نَقَصَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ فِي جَمِيعِ الْبَهَائِمِ اعْتِبَارًا بِالشَّاةِ.
وَلَنَا: مَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ» ، وَكَذَا قَضَى عُمَرُ رضي الله عنه. وَلِأَنَّهَا تَصْلُحُ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ وَالْعَمَلِ، وَلَا تَقُومُ هَذِهِ الْمَصَالِحُ إِلَّا بِأَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ: عَيْنَيْهَا، وَعَيْنَيِ الْمُسْتَعْمِلِ، فَصَارَتْ كَذَاتِ أَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ، فَيَجِبُ فِي أَحَدِهَا رُبْعُ الْقِيمَةِ كَمَا قُلْنَا فِي أَحَدِ الْأَهْدَابِ رُبْعُ الدِّيَةِ لَمَّا كَانَتْ أَرْبَعَةً.
قَالَ: (وَمَنْ بَنَى فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، أَوْ غَرَسَ - لَزِمَهُ قَلْعُهُمَا وَرَدُّهَا) عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْإِجَارَاتِ.
قَالَ عليه الصلاة والسلام: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» ، وَلِأَنَّهُ أَشْغَلَ مِلْكَ الْغَيْرِ، فَيُؤْمَرُ بِتَفْرِيغِهِ دَفْعًا لِلظُّلْمِ وَرَدًّا لِلْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ.
قَالَ: (وَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ، أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ - فَالْمَالِكُ إِنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا، وَرَدَّ زِيَادَةَ الصَّبْغِ وَالسَّوِيقِ. وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ الثَّوْبِ أَبْيَضَ