المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(3) باب حد الخمر - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٨

[الطيبي]

الفصل: ‌(3) باب حد الخمر

صلى الله عليه وسلم: ((اللهم تب عليه)) ثلاثاً. رواه أبو دواد، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي هكذا وجدت في ((الأصول الأربعة)) و ((جامع الأصول)) و ((شعب الإيمان)) و ((معالم السنن)) عن أبي أمية.

3613 -

وفي نسخ ((المصابيح)): عن أبي رمثة، بالراء، والثاء المثلثة، بدل الهمزة والياء.

(3) باب حد الخمر

الفصل الأول

3614 -

عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر [رضي الله عنه] أربعين. متفق عليه.

ــ

وقوله: ((كل ذلك)) ظرف ((يعترف))، قدم للاهتمام، أي لم يعترف في كل من تلك المرات، وذكره ((ذلك)) باعتبار المذكور، والجملة صفة لقوله:((ثلاثاً)) و ((ثلاثا)) نصب علي المصدرية، وعامله ((فأعاد)) والأمر بالاستغفار بعد القطع، وتكرير رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستغفار له تأكيد وتقرير لتوبته. قوله:((وفي نسخ المصابيح: عن أبي رمثة)) يريد أن الناسخ لعله صحف وقصر الهمزة، وأمال آخرها فأثتبه علي الناسخين فكتبوه رمثة. وسيأتي ذكر أمية المخزومي في أسماء الرجال.

باب حد الخمر

((غب)): الخمر ستر الشيء، ويقال لما يتستر به: خمار، والخمر سمى به لكونه خامراً لمقر العقل، وهو عند بعض الناس اسم لكل مسكر، وعند بعضهم اسم للمتخذ من العنب والتمر.

الفصل الأول

الحديث الأول عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((بالجريد)) الجريدة السعفة وجمعها جرايد، وسميت بها لكونها مجردة عن الخوص. ((حس)): اختلفوا في حد شارب الخمر، فذهب قوم والشافعي إلي أن الحد أربعون جلدة، وقوم إلي أنه ثمانون، وروى أن عمر رضي الله عنه اتشار علياً رضي الله عنه، فقال: أرى أن يجلد ثمإنين؛ فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذي، وإذا هذي افترى، أو كما قال: فجلد عمر ثمإنين. قال: وما زاد علي الأربعين كان تعزيراً، وللإمام أن يزيد في العقوبة إذا أدى إليه اجتهاده.

وروى أن [عمر] قال لعلي رضي الله عنهما في رجل شرب الخمر: أقم عليه الحد، قال علي للحسن: أقم، فقال الحسن: ولي حارها من تولي قارها، فقال علي لعبد الله بن جعفر:

ص: 2539

3615 -

وفي رواية عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين.

3616 -

وعن السائب بن يزيد، قال: كان يؤتى بالشارب علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمرة أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر، فنقوم عليه بأيدينا، ونعالنا، وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر، فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمإنين. رواه البخاري.

الفصل الثاني

3617 -

عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد

ــ

أقم عليه الحد، قال: فأخذ السوط فجلده، وعلي رضي الله عنه يعد، فلما بلغ أربعين قال: حسبك؛ جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمإنين وكل سنة، وهذا أحب إلي. وفي قول علي عند الأربعين:((حسبك)) دليل علي أنه الأصل في الحد، وما وراء ذلك فهو تعزير، ولو كان حداً لما كان لأحد فيه الخيار. وقوله:((ولي حارها)) أي ولي العقوبة والضرب من تولي العمل والنفع، والقار البارد. وقال الأصمعي: ولي شديدها من ولي هنيها.

أقول: الضميران المؤنثان راجعان إلي الخلافة، وهو تعريض بعثمان رضي الله عنه، يعني ولي مشاق الخلافة من تولي ملاذها؛ فإن الحرارة والبرودة مثلان للمشقة واللذة.

((تو)): ((وكل سنة)) أي كل واحدة من القضيتين مبناها علي السنة، فسمي كلاهما سنة؛ لأنهما أخذتا من السنة، ويبين هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم:((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)). ((مح)): قول علي رضي الله عنه: ((وكل سنة)) يدل علي أن عليا كان معظما لآثار عمر، وأن حكمه وقوله سنة وأمره حق، وكذلك أبو بكر، بخلاف ما يفترى الشيعة عليه.

الحديث الثاني عن السائب: قوله: ((وإمرة أبي بكر)) الإمرة – بالكسر – الإمارة. وقوله: ((إذا عتوا وفسقوا)) أي أفسدوا وانهمكوا في الطغيان، وأصل العتو التجبر التكبر، وقد عتا يعتو عتوا فهو عات. وقوله:((بأيدينا)) حال والمعنى نقوم عليه ونتشمر له ونتجلد ضاربين بأيدينا.

((مح)): أجمعوا علي حصول حد الخمر بالجريد وأطراف الثياب، واختلفوا في جوازه بالسوط وفيه وجهان لأصحابنا، أصحهما الجواز وأما إذا ضرب بالسوط فينبغي أن يكون السوط سوطاً معتدلا في الحجم بين القضيب والعصا، وضرباً بين بين، فلا يرفع يده فوق رأسه، ولا يكتفي بالوضع، فيرفع رفعاً معتدلا.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن جابر: قوله: ((فضربه ولم يقتله)) هذه قرينة ناهضة علي أن قوله: ((فاقتلوه))

ص: 2540

في الرابعة فاقتلوه)) قال: ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك برجل قد شرب في الرابعة، فضربه ولم يقتله. رواه الترمذي.

3618 -

ورواه أبو داود، عن قبيصة بن ذؤيب.

3619 -

وفي أخرى لهما، وللنسائي، وابن ماجه، والدارمي، عن نفر من أصحاب رسول الله، منهم ابن عمر، ومعاوية، وأبو هريرة، والشريد، إلي قوله:((فاقتلوه)).

3620 -

وعن عبد الرحمن بن الأزهر، قال: كإني أنظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتى برجل قد شرب الخمر، فقال للناس:((اضربوه)) فمنهم من ضربه بالنعال، ومنهم من ضربه بالعصا، ومنهم من ضربه بالميتخة. قال ابن وهب: يعني الجردية الرطبة، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم تراباً من الأرض، فرمى به في وجهه. رواه أبو داود.

ــ

مجاز عن الضرب المبرح مبالغة لما عتا وتمرد، ولا يبعد أن عمر أخذ الجلد ثمإنين من هذا المعنى. ((خط)): قد يراد بالأمر الوعيد ولا يراد به وقوع الفعل، وإنما يقصد به الردع والتحذير، كقوله صلى الله عليه وسلم:((من قبل عبد قتلناه)) وهو لو قتل عبد نفسه لم يقتل به في قول عامة الفقهاء. وقال أبو عيسى: إنما كان هذا في أول الأمر ثم نسخ.

((مح)): أجمع المسلمون علي تحريم شرب الخمر وعلي وجوب الحد علي شاربها سواء شرب شرباً قليلاً أو كثيراً، وعلي أنه لا يقتل وإن تكرر ذلك منه. وحكى القاضي عياض عن طائفة شاذة أنهم قالوا: يقتل بعد جلده أربع مرات لهذا الحديث، وهو باطل مخالف للإجماع، والحديث منسوخ، قيل نسخه قوله:((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث)) الحديث. وحد العبد علي نصف حد الحر كما في الزنا والقذف. واختلفوا فيمن شرب النبيذ وهو ما سوى عصير العنب من الأنبذة المسكرة، فقال مالك والشافعي والجمهور: هو حرام يجلد [فيه كجلد شارب الخمر سواء كان يعتقد إباحته أو تحريمه، وقال أبو حنيفة والكوفيون: لا يحرم ولا يحد، وقال أبو ثور: هو حرام يجلد بحده] بشر به من يعتقد تحريمه دون من يعتقد إباحته.

الحديث الثاني عن عبد الرحمن: قوله: ((بالميتخة)) ((نه)): هذه اللفظة قد اختلف في ضبطها، فقيل: هي بكسر الميم وتشديد التاء، وبفتح الميم مع التشديد، وبكسر الميم وسكون الياء قبل التاء، وبكسر الميم وتقديم الياء الساكنة علي التاء. قال الأزهري: وهذه كلها أسماء لجرائد النخل، وأصل العرجون. وقيل: هو اسم للعصا، وقيل: القضيب الدقيق اللين. وقيل: كل ما ضرب به من جريد أو عصا أو درة وغير ذلك.

ص: 2541

3621 -

وعن أبي هريرة، قال: إن رسول الله أتى برجل قد شرب [الخمر]. فقال: ((اضربوه)) فمنا الضارب بيده، والضارب بثوبه. والضارب بنعله. ثم قال:((بكتوه)) فأقبلوا عليه يقولون: ما اتقيت الله، ما خشيت الله، وما استحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعض القوم: أخزاك الله. قال: ((لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان، ولكن قولوا: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه)). رواه أبو داود. [3621]

3622 -

وعن ابن عباس، قال: شرب رجل، فسكر، فلقي يميل في الفخ،

ــ

وأصلها فيما قيل من تيخ الله رقبته بالسهم إذا ضربه. وقيل: من تيخه العذاب وطيخه إذا ألح عليه، فأبدلت التاء من الطاء، ومنه الحديث: أنه خرج وفي يده ميتخة في طرفها خوص معتمدا علي ثابت بن قيس. قوله: ((تراباً من الأرض)) رمى به إرغاماً له واستهجاناً لما ارتكبه؛ فإنه أزال أشرف الأشياء ومقر تكاليف الله ومعرفته بأخس الأشياء وأخبثها.

الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((بكتوه)) ((فا)): التبكيت استقباله بما يكره من ذم وتقريع، وأن يقال له: يا فاسق! ما اتقيت الله، ما خشيت الله.

أقول: المناسب في هذا المقام أن يفسر التبكيت بما فسره به الزمخشري في أساس البلاغة، قال: يقال: بكته بالحجة وبكته عليه يقال بكته حتى أسكته، وبكته قرعه علي الأمر وألزمه بما عيي بالجواب عنه، وبكته بالعصا ضربه. فقوله صلى الله عليه وسلم:((ما اتقيت الله، ما خشيت الله، وما استحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم) كل ذلك إلزام له وإسكات بما يعيي عن الجواب؛ إذ ليس له أن يقول: ما أتقيه ولا أستحيي منه. ومعنى ((استغفر الله)) مطابق لهذا التفسير؛ لأن الاستغفار إنما يصدر عمن يتقي الله ويخشاه، فحينئذ لا يستقيم أن يقال له: يا فاسق ولا أخزاك الله.

قوله: ((لا تعينوا عليه الشيطان)) ((قض)): أي بنحو هذا الدعاء؛ فإنه تعالي إذا أخزاه استحوذ عليه الشيطان؛ أو لأنه إذا سمع منكم ذلك أيس من رحمة الله وانهمك في المعاصي، أو حمله اللجاج والغضب علي الإصرار، فيصير الدعاء وصلة ومعونة في إغوائه وتسويله.

الحديث الرابع عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((يميل في الفخ)) ((تو)): الفج الطريق الواسع بين الجبلين، وأرى أن ذلك بمكة؛ لأن دار العباس بها واقعة في أحد شعابها؛ إذ ليست الدار التي تنسب إلي العباس بالمدينة في فج من الفجاج ولا مقاربة منه. أقول: يمكن أن يستعار للزقاق الواسع الفج فيكون بالمدينة.

ص: 2542

فانطلق به إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما حاذى دار العباس، انفلت فدخل علي العباس، فالتزمه، فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فضحك وقال:((أفعلها؟)) ولم يأمر فيه بشيء. رواه أبو داود. [3622]

الفصل الثالث

3623 -

عن عمير بن سعيد النخعي، قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: ما كنت لأقيم علي أحد حداً فيموت، فأجد في نفسي منه شيئاً، إلا صاحب الخمر، فإنه لو مات وديته، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه. متفق عليه.

ــ

وقوله: ((أفعلها)) الضمير للمذكورات من الانفلات والدخول والالتزام. ويجوز أن يكون للمصدر أي أفعل الفعلة، كما في قوله:((واجعله الوارث منا)) فالفعل حينئذ بمنزلة اللازم كناية عن المذكورات، كما في قوله تعالي:{فَإن لَّمْ تَفْعَلُوا} بعد قوله: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} .

((خط)): هذا دليل علي أن حد الخمر أخف الحدود، وأن الخطر فيه أيسر منه في سائر الفواحش. وقد يحتمل أن يكون إنما لم يعرض له بعد دخوله دار العباس من أجل أنه لم يكن ثبت عليه الحد بإقرار منه أو شهادة عدول. وإنما لقي في الطريق يميل فظن به السكر فلم يكشف عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركه علي ذلك.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن عمير: قوله: ((لأقيم)) دخل اللام في خبر ((كان)) تأكيداً للنفي، كقوله تعالي:{ومَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمَانَكُمْ} وقوله: ((فيموت)) مسبب عن ((أقيم)) وقوله: ((فأجد)) مسبب عن مجموع السبب والمسبب. والاستثناء في قوله: ((إلا صاحب الخمر)) منقطع، أي لكن أجد من حد صاحب الخمر إذا مات شيئاً، ويجوز أن يقدر: ما أجد من موت أحد يقام عليه الحد شيئاً إلا من موت صاحب الخمر فيكون متصلا.

قوله: ((لم يسنه)) ((مح)): أي لم يقدر فيه حداً مضبوطاً، وقد أجمعوا علي أن من وجب عليه الحد فجلده الإمام أو جلاده الحد الشرعي فمات، فلا دية فيه ولا كفارة علي الإمام، ولا علي جلاده ولا في بيت المال. وأما من مات بالتعزير فمذهبنا وجوب ضمانه بالدية والكفارة. أقول: يمكن أن يراد بقوله: ((لم يسنه)) الحد الذي يؤدي إلي التعزير كما سيأتي بعد، وسبق بيانه في حديث أنس ومشاورة عمر علياً رضي الله عنهما، وحديث عثمان معه، وقوله:((حسبك)) وتلخيص

ص: 2543