الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الحدود
الفصل الأول
3555 -
عن أبي هريرة، وزيد بن خالد: أن رجلين اختصما إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله وقال الآخر: أجل يا رسول الله! فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي أن أتكلم. قال:((تكلم)) قال: إن ابني كان عسيفاً علي هذا،
ــ
ألا إن خير الناس حياً وميتاً أسير ثقيف عندها في السلاسل
و ((أديم السماء)) وجهها كما يسمى وجه الأرض أديماً
قوله: ثم قرأ: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وجُوهٌ} لمح به إلي التفصيل في قوله تعالي: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إيمَانِكُمْ} فيقال لهم: أكفرتم؟ والهمزة للتوبيخ والتعجب من حالهم، فقيل: هم المرتدون، وقيل: هم أهل البدع والأهواء، وعن أبي أمامة: هم الخوارج. والله أعلم بالصواب.
كتاب الحدود
((غب)): الحد الحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر، وحد الزنى والخمر سمى به لكونه مانعاً لمتعاطيه عن معادوة مثله، ومانعاً لغيره أن يسلك مسلكه.
الفصل الأول
الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((إن ابني كان عسيفاً علي هذا)) ((تو)): العسيف الأجير، وإنما قال:((علي هذا)) لما يتوجه للأجير علي المستأجر من الأجرة، بخلاف مالو قال: عسيفاً لهذا؛ لما يتوجه للمستأجر عليه من الخدمة والعمل. أقول: يريد أن قوله: ((علي هذا)) صفة مميزة لـ ((أجير)) أي أجير ثابت الأجرة عليه، وإنما يكون كذلك إذا لابس العمل وأتمه، ولو قيل: لهذا، لم يكن كذلك. قوله:((فاقض)) الفاء جزاء شرط محذوف، أي إذا اتفقت معه بما عرض علي جنابك فاقض، فوضع كلمة التصديق موضع الشرط.
قوله: ((بكتاب الله)) ((قض)): أي بحكمه، إذ ليس في القرآن الرجم، قال تعالي:{لَوْلا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ} أي الحكم بأن يؤاخذ علي جهالة، ويحتمل أن يراد به القرآن، وكان ذلك قبل أن تنسخ آية الرجم لفظاً، وإنما سأل المترافعان أن يحكم بينهما بحكم الله، وهما يعلمان أنه لا يحكم إلا بحكم الله، ليفصل بينهم بالحكم الصرف، لا بالنصائح والترغيب فيما هو الأرفق بهما؛ إذ للحاكم أن يفعل ذلك ولكن برضا الخصمين. والحديث يدل علي
فزنى بامرأته، فأخبروني أن علي ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة وجارية لي، ثم إني سألت أهل العلم، فأخبروني أن علي ابني جلد مائة وتغريب عام، وإنما الرجل علي امرأته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أما والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله، أما غنمك وجاريتك فرد عليك، وأما ابنك؛ فعليه جلد مائة، وتغريب عام، وأما أنت يا إنيس! فاغد إلي امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها)) فاعترفت، فرجمها. متفق عليه.
3556 -
وعن زيد بن خالد، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر فيمن زنى ولم يحصن، جلد مائة وتغريب عام، رواه البخاري.
ــ
جواز الإفتاء في زمانه، فإن أبا الزإني قال:((سألت أهل العلم فأخبروني أن علي ابني جلد مائة وتغريب عام))، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه، وأن حد البكر جلد مائة وتغريب عام، وأن حضور الإمام ليس بشرط في إقامتها؛ فإنه صلى الله عليه وسلم بعث إنيس بن ضحاك الأسلمي لها، وأن الاستبانة فيها جائزة.
((حس)): فيه جواز أن للحاكم أن يبدأ بسماع كلام أي الخصمين شاء. وفي قوله: ((فرد عليك)) دليل علي أن المأخوذ بحكم البيع الفاسد والصلح الفاسد مستحق الرد علي صاحبه غير مملوك للآخذ. وفيه أن من أقر بالزنا علي نفسه مرة يقام الحد عليه، ولا يشترط فيه التكرار كما لو أقر بالسرقة مرة واحدة يقطع، ولو أقر بالقتل مرة واحدة يقتص منه، وإليه ذهب الشافعي. وقال أصحاب أبي حنيفة: ينبغي أن يقر أربع مرات في أربعة مجالس، فإذا أقر أربع مرات في مجلس واحد فهو كإقرار واحد.
((مح)): قالوا: إن بعث إنيس إليها محمول علي إعلامها، بأن أبا العسيف قذفها بابنه فيعرفها بأن لها عنده حد القذف، هل هي طالبة به أم تعفو عنه أو تعترف بالزنا فإن اعترفت فلا يحد القاذف وعليها الرجم، لما كانت محصنة. ولابد من هذا التأويل؛ لأن ظاهره أنه بعث لطلب إقامة حد الزنا وتحسيسه، وهذا غير مراد؛ لأن حد الزنا لا يتحسس ولا ينقر عنه، بل لو أقر به الزإني استحب أن يلقن الرجوع. كما سيجيء. وفيه أنه يستحب للقاضي أن يصبر علي قول أحد الخصمين: اقض بالحق، ويجوز ذلك إذا تعدى عليه خصمه ونحو ذلك. والله أعلم.
الحديث الثاني عن زيد: قوله: ((ولم يحصن)) ((نه)): الإحصان المنع، والمرأة تكون محصنة بالإسلام والعفاف والحرية والتزويج، يقال: أحصنت المرأة فهي محصنة ومحصنة، وكذلك الرجل، والمحصن بالفتح يكون بمعنى الفاعل والمفعول وهو أحد الثلاثة التي جئن نوادراً، يقال: أحصن فهو محصن، وأسهب فهو مسهب، وألفح فهو ملفح. ((حس)): هو الذي اجتمع فيه أربع شرائط: العقل، والبلوغ، والحرية، والإصابة في النكاح الصحيح.
3557 -
وعن عمر [رضي الله عنه]، قال: إن الله بعث محمداً بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله تعالي آية الرجم، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده، والرجم في كتاب الله حق علي من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف. متفق عليه.
3558 -
وعن عبادة بن الصامت، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)). رواه مسلم.
ــ
الحديث الثالث عن عمر رضي الله عنه: قوله: ((آية الرجم)) اسم ((كان)) و ((من)) التبعيضية في ((مما أنزل)) خبره، وإنما جعل قوله:((إن الله بعث محمداً بالحق وأنزل عليه الكتاب)) مقدمة للكلام ورفعاً للريبة ودفعاً للتهمة، يدل عليه قوله في تمام هذا الحديث بعد قوله:((ورجمنا بعده)) ((فأخشى إن طال بالناس زمن أن يقولوا: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله؛ فإن الرجم في كتاب الله حق))، وفي آخره ((وايم الله لولا أن يقول الناس زاد في كتاب الله لكتبتها)) أخرجه الأئمة إلا النسائي، وفي رواية ابن ماجه: وقد قرأ بها ((الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة)).
الحديث الرابع عن عبادة: قوله: ((قد جعل الله لهن سبيلا)) ((تو)): كان هذا القول حين شرع الحد في الزإني والزإنية، والسبيل هاهنا الحد؛ لأنه لم يكن مشروعاً ذلك الوقت، وكان الحكم فيه ما ذكر في كتاب الله {واللَاّتِي يَأْتِينَ الفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ المَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} .
أقول: التكرير في قوله: ((خذوا عني)) يدل علي ظهور أمر قد خفي شأنه واهتم بيانه؛ فإن قوله: ((قد جعل الله لهن سبيلا)) مبهم في التنزيل، ولم يعلم ما تلك السبيل؟ أي الحد الثابت في حق المحصن وغيره، فقوله:((البكر بالبكر)) إلي آخره بيان لمبهم وتفصيل للمجمل وعلي طريقة الاستئناف مصداقاً لقوله تعالي: {وأَنزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ ولَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} والتقسيم حاصر من حيث المفهوم؛ لأن اللاتي يأتين الفاحشة لا يخلو إما أن تكون بكراً أو ثيباً، والأولي إما زنت بالبكر أو بالثيب، والثانية أيضاً كذلك، فبين في الحديث ما حد البكر بالبكر والثيب بالثيب، وترك ذكر الثيب مع البكر لظهوره، ولحديث عسيف علي ما سبق. ((مح)): اختلفوا في هذه الآية، فقيل: هي محكمة وهذا الحديث مفسر لها. وقيل: منسوخة بالآية التي في أول سورة النور. وقيل: إن آية النور في البكرين وهذه الآية في الثيبين.
3559 -
وعن عبد الله بن عمر: أن اليهود جاءوا إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟)) قالوا: نفضحهم ويجلدون. قال عبد الله بن سلام: فيها الرجم. فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهما يده علي آية الرجم، فقرأ الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفع، فإذا فيها آية الرجم. فقالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم. فأمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فرجما. وفي رواية: قال: ارفع يدك، فرفع فإذا فيها آية الرجم تلوح، فقال: يا محمد إن فيها آية الرجم، ولكنا نتكاتمه بيننا، فأمر بهما فرجما. متفق عليه.
ــ
قوله: ((البكر بالبكر)) مبتدأ و ((جلد مائة)) خبره، أي حد زنا البكر جلد مائة ((مح)): هو ليس علي سبيل الاشتراط، بل حد البكر الجلد والتغريب سواء زنى ببكر أو ثيب، وحد الثيب الرجم، سواء زنى بثيب أو ببكر، فهو شبيه بالتقييد الذي يخرج علي الغالب.
واعلم أن المراد بالبكر من الرجال والنساء من لم يجامع في نكاح صحيح، وهو حر بالغ عاقل سواء جامع بوطء شبهة، أو نكاح فاسد أو غيرهما. والمراد بالثيب عكس ذلك سواء في كل ذلك، المسلم والكافر والرشيد والمحجوز عليه بسفه. وأجمعوا علي وجوب جلد الزإني البكر مائة، ورجم المحصن وهو الثيب. واختلفوا في جلد الثيب مع الرجم، فقالت طائفة: يجلد ثم يرجم. وبه قال علي رضي الله عنه والحسن والحسين وإسحاق، وداود وأهل الظاهر، وبعض أصحاب الشافعي.
وقال الجمهور: الواجب الرجم وحده، واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر علي رجم الثيب في أحاديث كثيرة، منها قضية ماعز، وقضية المرأة الغامدية، وقضية المرأة مع العسيف، وحديث الجمع بين الجلد والرجم منسوخ، لأنه كان في بدء الأمر. وأما تغريب عام ففيه حجة للشافعي والجماهير، أنه يجب نفي سنة رجلاً كان أو امرأة. وقال الحسن: لا يجب النفي. وقال مالك والأوزاعي: لا نفي علي النساء، وروى مثله عن علي رضي الله عنه. قالوا: لأنها عورة، وفي نفيها تضييع لها وتعريض للفتنة، وأما العبد والأمة ففيهما أقوال للشافعي، وأصحها تغريب نصف سنة.
الحديث الخامس عن عبد الله: قوله: ((نفضحهم ويجلدون)) أي لا نجد في التوراة حكم الرجم بل نجد أنا نفضحهم ويجلدون. وإنما أتى أحد الفعلين مجهولا والآخر معروفاً؛ ليشعر بأن الفضيحة كانت موكولة إليهم وإلي اجتهادهم، أن شاءوا [سخموا] وجه الزإني بالفحم أو عزوره، والجلد لم يكن كذلك.
((مح)): فيه دليل لوجوب حد الزنى علي الكافر، وأنه يصح نكاحه، وإنما علي المحصن الرجم ولا يجلد مع الرجم، إذ لو لم يصح نكاحه لم يثبت إحصانه ولم يرجم. وفيه أن الكفار مخاطبون بفروع الشرائع، وأن الكفار إذا تحاكموا إلينا يحكم القاضي بينهم بحكم
3560 -
وعن أبي هريرة: قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل وهو في المسجد، فناداه: يا رسول الله! إني زنيت، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال: إني زنيت فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فلما شهد أربع شهادات دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((أبك جنون؟)) قال: لا. فقال: ((أحصنت)) قال: نعم يا رسول الله! قال: ((اذهبوا به فارجموه)) قال ابن شهاب: فأخبرني من سمع جابر بن عبد الله يقول: فرجمناه بالمدينة، فلما أذلقته الحجارة هرب حتى أدركناه بالحرة، فرجمناه حتى مات. متفق عليه.
ــ
شرعنا. قالوا: سؤاله صلى الله عليه وسلم ((ما تجدون في التوارة)): ليس لتقليدهم ولا لمعرفة الحكم منهم، وإنما هو لإلزامهم ما يعتقدونه في كتابهم، ولإظهار ما كتموه من حكم التوارة، وأرادوا تعطيل نصها ففضحهم بذلك، ولعله صلى الله عليه وسلم قد أوحى إليه أن الرجم في التوراة موجود في أيديهم، لم يغيروه كما غيروا أشياء، أو أخبر بذلك من أسلم منهم. فإن قيل: كيف رجمهما بما ذكرت اليهود من قولهم: إن رجلا منهم وامرأة زنيا، إذ لا اعتبار بشهادتهم؟ قلنا: الظاهر أنهما أقرا بذلك أو شهد عليهما أربعة من المسلمين؛ لاحتمال ما جاء في سنن أبي داود وغيره: ((أنه شهد عليهما أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها)).
الحديث السادس عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((فتنحى لشق وجهه)) ((حس)): أي قصد الجهة التي إليها وجهه ونحا نحوها من قولك: نحوت الشيء أنحوه. قوله: ((أربع شهادات)) ((شف)) أي أقر علي نفسه أربع مرات، كأنه شهد علي نفسه بإقراره بما يوجب الحد. قوله:((أذلقته الحجارة)) ((فا)): أذلقه فذلق إذا أجهده حتى تفلق، وأذلقت الضب إذا صببت الماء في حجره ليخرج، والسنان المزلق الذي نفذ حتى صار نافذاً ماضياً أي مسته الحجارة بحدة طرفها.
((حس)): يحتج بهذا الحديث من يشترط التكرار في الإقرار بالزنا حتى يقام عليه الحد، ويحتج أبو حنيفة بمجيئه من الجوانب الأربعة علي أنه يشترط أن يقر أربع مرات في أربع مجالس، ومن لم يشترط التكرار قال: إنما رده مرة بعد أخرى لشبهة داخلة في أمره، ولذلك سأل فقال:((أبك جنون؟)) فأخبر أن ليس به جنون، قال:((أشربت خمراً؟)) فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح الخمر، فقال:((أزنيت؟)) قال: نعم فأمر به فرجم. فرده مرة بعد أخرى للكشف عن حاله لا أن التكرار فيه شرط. وفيه دليل علي أن المرجوم لا يشد ولا يربط ولا يجعل في الحفرة، لأنه لو كان شيء من ذلك لم يمكنه الفرار والهرب. واختلفوا فيه، فقال قوم: لا يحفر مطلقاً. وقيل: يحفر للمرأة لا للرجل.
((مح)): إنما قال: ((أبك جنون؟)) لتحقق حاله؛ فإن الغالب أن الإنسان لا يصبر علي إقرار ما يقتضى إهلاكه، مع أن له طريقاً إلي سقوط الإثم بالتوبة، وهذا مبالغة في تحقيق حال المسلم
وفي رواية للبخاري: عن جابر بعد قوله: قال: نعم فأمر به فرجم بالمصلي، فلما أذلقته الحجارة فر فأدرك، فرجم حتى مات. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيراً وصلي عليه.
3561 -
وعن ابن عباس، قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ((لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟)) قال: لا يا رسول الله! قال: ((أنكتها؟)) لا يكنى، قال: نعم، فعند ذلك أمر برجمه. رواه البخاري.
3562 -
وعن بريدة، قال: جاء ماعز بن مالك إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله
ــ
وصيانة دمه. وفيه إشارة إلي أن إقرار المجنون باطل، وأن الحدود لا تجري عليه. وفي سؤاله ((أحصنت؟)) إشارة إلي أن علي الإمام أن يسأل عن شرط الرجم من الإحصان وغيره، سواء ثبت بالإقرار أم بالبينة. وفيه مؤاخذة الإنسان بإقراره. وفيه تعريض بالعفو عن حد الزنا إذا رجع عن الإقرار. وفيه دليل علي أن الرجم كاف ولا يجلد.
قوله: ((فرجم بالمصلي)) ((مح)): قالوا: المراد به مصلي الجنائز، ويشهد له الرواية الأخرى ((في بقيع الغرقد))، وهو موضع الجنائز بالمدينة. قال البخاري: فيه دليل علي أن مصلي الجنائز والأعياد إذا لم يجعل مسجداً لا يثبت له حكم المسجد؛ إذ لو كان له حكمه لاجتنب الرجم فيه لتلطخه بالدماء. وقال الدارمي من أصحابنا: إن مصلي العيد وغيره إذا لم يكن مسجداً هل يثبت له حكم المسجد؟ فيه وجهان: أصحهما ليس له حكم المسجد.
قوله: ((أدركناه بالحرة)) ((مح)): اختلفوا في المحصن إذا أقر بالزنا، وشرعوا في رجمه فهرب هل يترك أم يتبع ليقام عليه الحد؟ قال الشافعي وأحمد وغيرهما: يترك ولكن يستقال له، فإن رجع عن الإقرار ترك، وإن أعاده رجم، واحتجوا بما جاء في رواية أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((هلا تركتموه فلعله يتوب، فيتوب الله عليه))، وقال مالك وغيره: إنه يتبع ويرجم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزمهم ديته مع أنهم قتلوه بعد هربه، وأجيب عن هذا بأنه لم يصرح بالرجوع، وقد ثبت عليه الحد.
الحديث السابع عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((أنكتها)) مقول القول و ((لا يكنى)) حال، أي قال ذلك مصرحاً غير [مكنى] عنه، وهذا التصريح تصريح في استحباب التعريض بالعفو إذا كنى الجإني ولم يصرح. ((مح)): فيه استحباب تلقين المقر بالزنا والسرقة وغيرهما بالرجوع، وبما يعتذر به من شبهة فيقبل رجوعه؛ لأن الحدود مبنية علي المساهلة والدرء، بخلاف حقوق الآدميين وحقوق الله تعالي المالية كالزكاة والكفارة وغيرهما؛ فإنه لا يجوز التلقين فيها.
الحديث الثامن عن بريدة: قوله: ((فرجع غير بعيد)) أي غير زمان بعيد لقوله تعالي: {فَمَكَثَ
طهرني فقال: ((ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه)) قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله! طهرني. فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((فيم أطهرك؟)) قال: من الزنا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبه جنون؟)) فأخبر أنه ليس بمجنون. فقال: ((أشرب خمراً؟)) فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر. فقال: ((أزنيت؟)) قال: نعم فأمر به فرجم، فلبثوا يومين، أو ثلاثة، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((استغفروا لماعز بن مالك، لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم)) ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد، فقالت: يا رسول الله طهرني.
ــ
غَيْرَ بَعِيدٍ} أي غير زمان بعيد، كقولك: عن قريب. قوله: ((ويحك)) ((نه)): ويح كلمة ترحم وتوجع، يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها، وقد تقال بمعنى المدح والتعجب، وهي منصوبة علي المصدر، وقد ترفع وتضاف ولا تضاف، يقال: ويح زيد ويحاً له وويح له. قوله: ((فيم أطهرك)) وفي نسخ المصابيح ((مم أطهرك؟)) والرواية الأولي في صحيح مسلم وكتاب الحميدي. ((مح)): ((فيم)) بالفاء والياء التحتإنية بنقطتين في جميع النسخ وهو صحيح، وفيه معنى التسبب.
أقول: ((ما)) يسأل بها عن عموم الأحوال، و ((من)) الابتدائية في الجواب مضمن معنى السبب، لأنها لإنشاء الابتداء، فخصت ((ما)) به لتطابقها، كأنه قيل: في أي سبب أطهرك؟ فأجاب بسبب الزنا، ونظيره في المعنى قوله تعالي:{قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ ورَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} لأن في قوله: ((من رب السموات)) معنى المالكية، كأنه قيل: لمن السموات والأرض؟ قوله: ((فاستنكه)) الجوهري: استنكهت الرجل فنكه في وجهي ينكه نكهاً، أمرته بأن ينكه ليعلم أشارب هو أم غير شارب؟ والنكهة ريح الفم.
قوله: ((لو قسمت بين أمتي لوسعتهم)) أي لكفتهم سعة، يعني توبة تستوجب مغفرة ورحمة تستوعبان جماعة كثيرة من الخلق، يدل عليه قوله في الغامدية:((لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له)). فإن قلت: فإذن ما فائدة قوله صلى الله عليه وسلم: ((استغفروا لماعز؟)) قلت: فائدة قوله: {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ والْفَتْحُ - إلي قوله - واسْتَغْفِرْهُ} وقوله تعالي: {إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} فإن الثاني طلب مزيد الغفران وما يستدعيه من الترقي في المقامات والثبات عليها، ومنه قوله تعالي:{واسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ} وقوله: ((إنها حبلي)) جملة مستأنفة بيان لموجب قياسها علي حال ماعز، والعلة غير جامعة، فكأنها قالت: إني غير متمكنة من الإنكار بعد
فقال: ((ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه)) فقال: تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك: إنها حبلي من الزنا. فقال: ((أنت؟)) قالت: نعم. قال لها: ((حتى تضعي ما في بطنك)) قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: قد وضعت الغامدية فقال: ((إذن لا نرجمها وندع ولدها صغيراً، ليس له من يرضعه)) فقام رجل من الأنصار، فقال: إلي رضاعة با نبي الله! قال: فرجمها. وفي رواية: أنه قال لها: ((اذهبي حتى تلدي)) فلما ولدت قال: ((اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)). فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبر. فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلي رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلي صدرها، وأمر الناس فرجموها. فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها، فتنضح
ــ
الإقرار لظهور الحبل بخلافه، وقوله:((أنها حبلي)) علي الغيبة حكاية قولها: إني حبلي، يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:((أنت)) لأنه تقرير لما تكلمت به، وقوله ((حتى تضعي)) غاية لجواب قولها: طهرني أي لم أطهرك حتى تضعي.
قوله: ((فكفلها)) ((مح)): أي قام بمئونها ومصالحها، وليس هو من الكفالة التي بمعنى الضمان؛ لأنها غير جائزة في حدود الله تعالي. قوله:((إذن)) هو جواب وجزاء يعني إذا وضعت الغامدية فلا نرجمها ونترك ولدها. قوله: ((بالصبي)) حال من فاعل ((أتته)) وضمير المفعول راجع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
((مح)) الرواية الأخيرة مخالفة للأولي، فإن الثانية صريحة في أن رجمها كان بعد الفطام وأكل الخبز، والأولي ظاهرة في أن رجمها عقيب الولادة فوجب تأويل الأولي لصراحة الثانية، ليتفقا؛ لأنها قضية واحدة والروايتان صحيحتان، فقوله في الأول:((فقام رجل من الأنصار فقال: إلي رضاعه)) ، [إنما قاله بعد الفطام، والمراد بالرضاعة كفالته وتربيته. سماه رضاعاً مجازاً. أقول: ويحتمل أن يقال: إن معنى قوله: ((إلي رضاعه))] أي إني أتكفل مئونة المرضعة لترضع ولدها كما كفل الرجل مئونتها حين كانت حاملا، فإذن الفاء في قوله:((فرجمها)) فصيحة أي سلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه مع ولدها فرضعته حتى فطمته، وأتته به في يده كسرة خبز، فدفع الصبي إلي غيرها فأمر برجمها.
قوله: ((فيقبل)) ((تو)): يروى هذا اللفظ بالياء ذات النقطتين من تحت بين يدي القاف واللام علي زنة الماضي من التقبيل، وليس بشيء معنى ورواية، وإنما أتاهم الغلط من حيث إن الراوي أتى به علي بناء المضارع من الإقبال، كأنه يريد حكاية الحال الماضية، وروى أنه لو كان من الإقبال الماضي لأتى به علي زنة الماضي [لكونه أشبه بنسق الكلام وصحح القاضي هذه
الدم علي وجه خالد، فسبها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((مهلا يا خالد فو الذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له)) ثم أمر بها فصلي عليها ودفنت. رواه مسلم.
ــ
الرواية، وقال في بعض النسخ: فقبل بالباء علي صيغة الماضي] من التقبيل وهو التتبع، أي يتبعها بحجر.
أقول: قد تقرر في علم المعإني أن القصة إذا كانت عجيبة الشأن يعدل من الماضي إلي المضارع لتصوير تلك الحالة مشاهدة واستحضاراً لتعجب السامع منها، قال تأبط شراً:
بإني قد لقيت الغول يهوي بشهب كالحصيفة صحصحان
فأضربها بلا دهش فخرت صريعاً لليدين والجران
قال: فأضربها بعد قوله: لقيت، تصويراً لتلك الحالة التي شجع فيها، ولا ارتياب أن قصة خالد رضي الله عنه بعد الفراغ من شأن الغامدية، إنما أتى به الراوي استحضاراً لما فعل خالد، وما قال صلى الله عليه وسلم من قوله:((مهلا)) ومعناه تريث وأنصت ومن تمثيل توبتها بتوبة العشار.
((مح)): قوله: ((فتنضح)) روى بالحاء المهملة وبالمعجمة، والأكثرون علي المهملة، ومعناه ترشش وانصب. ((مح)): النضح قريب من النصح، وقيل: بالمعجمة الأثر يبقى في الثوب والجسد، وبالمهملة الفعل نفسه. وقيل: هو بالمعجمة ما فعل تعمداً، وبالمهملة من غير تعمد. والمكس الضريبة التي يأخذها الماكس وهو العشار. ((مح)): فيه أن المكس من أعظم الذنوب والمعاصي الموبقات، وذلك لكثرة مطالبات الناس له ومظلماتهم عنده لتكرر ذلك منه، وأخذ أموال الناس بغير حقها وصرفها في غير وجهها.
قوله: ((فصلي عليها)) ((مح)): قال القاضي عياض: هي بفتح اللام والصاد عند جماهير رواة صحيح مسلم وعند الطبري بضم الصاد، قال: وكذا هو رواية ابن أبي شيبة وأبي داود. واختلفوا في الصلاة علي المرجوم، وكرهها مالك وأحمد للإمام ولأهل الفضل دون باقي الناس، وقال الشافعي وآخرون: يصلي عليه الإمام وأهل الفضل وغيرهم. واتفقوا علي الصلاة علي الفساق والمقتولين في المحاربة والحدود وأولاد الزنا سوى قتادة، فإنه منع من أن يصلي علي أولاد الزنا. وفي الحديث دليل علي أن الحد يكفر ذنب المعصية التي حد لها. فإن قيل: ما بال ماعز والغامدية لم يقنعا بالتوبة، وهي محصلة غرضهما من سقوط الإثم، فأصر علي الإقرار فرجما؟ فالجواب أن تحصيل البراءة بالحد متيقن لاسيما بمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما التوبة فيخاف أن لا تكون نصوحاً، وأن يخل بشيء من شروطها.
وفيه احتجاج لأصحاب مالك وجمهور الحجازيين أنه يحد من وجه منه ريح الخمر. وإن لم تقم عليه بينة ولم يقر. ومذهب الشافعي وأبي حنيفة أنه لا يحد بمجرد الريح بل لابد من بينة أو إقرار. وفيه أنه لا ترجم الحبلي حتى تضع سواء كان حملها من زنا أو غيره، لئلا يقتل
3563 -
وعن أبي هريرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا زنت أمة أحدكم، فتبين زناها، فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر)). متفق عليه.
3564 -
وعن علي [رضي الله عنه]، قال: يأيها الناس أقيموا علي أرقائكم الحد من أحصن منهم ومن لم يحصن؛ فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:((أحسنت)). رواه مسلم. وفي رواية أبي داود: قال: ((دعها حتى ينقطع دمها، ثم أقم عليه الحد؛ وأقيموا الحدود علي ما ملكت أيمانكم)).
ــ
البريء من الذنب، وكذا لا تجلد، وأنه إن وجب عليها قصاص وهي حامل لا يقتص منها حتى تضع حملها وتضع ولدها.
الحديث التاسع عن أبي هريرة: قوله: ((الحد)) مفعول مطلق أي فليحدها حد المشروع. قوله: ((ولا يثرب عليها)) ((قض)): التثريب التإنيب والتعيير. كان تأديب الزناة قبل شرع الحد هو التثريب وحده، فأمرهم بالجلد ونهي عن الاقتصار بالتثريب. وقيل: المراد به النهي عن التثريب بعد الجلد؛ فإن كفارة لما ارتكبه، ولعله إنما سقط التغريب عن المماليك نظراً للسادة وصيانة لحقوقهم. ((مح)): فيه دليل علي وجوب حد الزنى علي الإماء أو العبيد، وأن السيد يقيم الحد عليهما، وله أن يتفحص عن جرمهما ويسمع البينة عليهما. وهذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم. وقال أبو حنيفة في طائفة: ليس له ذلك. وهذا الحديث صريح في الدلالة للجمهور.
وفيه دليل علي أن العبد والأمة لا يرجمان وإن كانا متزوجين. وفيه أنه لا يوبخ الزإني بل يقام عليه الحد فحسب، وفيه أن الزإني إذا تكرر منه الزنا تكرر عليه الحد فأما إذا زنى مرات ولم يحد فيكفي حد واحد للجميع. وفيه ترك مخالطة الفساق وأهل المعاصي. وهذا البيع مأمور به مستحب وليس بواجب. وقال أهل الظاهر: وفيه وجواز بيع الشيء الثمين بثمن حقير إذا كان البائع عالماً به، وإن كان جاهلا ففيه خلاف لأصحاب مالك، فإنهم لا يحوزونه خلافاً للجمهور، وعلي البائع بيان حال السلعة وعيبها للمشتري. فإن قيل: كيف يكره شيئاً لنفسه ويرتضيه لأخيه المسلم؟ فالجواب لعل الزإنية تستعفف عند المشتري بنفسها أو يصونها، أو بالإحسان إليها والتوسعة عليها أو يزوجها.
الحديث العاشر عن علي رضي الله عنه: قوله: ((أن أقتلها)) هو مفعول ((فخشيت)) و ((جلدتها)) مفسر لعامل ((أنا)) المقدم بعد ((إن)) الشرطية كقول الحماسي:
وإن هو لم يحمل علي النفس ضيمها فليس إلي حسن الثناء سبيل
الفصل الثاني
3565 -
عن أبي هريرة، قال: جاء ماعز الأسلمي إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد زنى، فأعرض عنه، ثم جاء من شقه الآخر، فقال: إنه قد زنى فأعرض عنه، ثم جاء من شقه الآخر فقال: يا رسول الله! إنه قد زنى، فأمر به في الرابعة، فأخرج إلي الحرة، فرجم بالحجارة. فلما وجد مس الحجارة، فر يشتد، حتى مر برجل معه لحى جمل فضربه به، وضربه الناس حتى مات. فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فر حين وجد مس الحجارة ومس الموت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((هلا تركتموه)) رواه الترمذي، وابن ماجه. وفي رواية:((هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه)). [3565]
ــ
وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام المفترض فيه من الفعل ومفعوله، وتقييد الأرقاء بالإحصان مع أن الحرية شرط للإحصان، يراد به كونهن مزوجات؛ لقوله تعالي:{فَإذَا أُحْصِنَّ فَإنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلي المُحْصَنَاتِ مِنَ العَذَابِ} حيث وصفهن بالإحصان، {فَإذَا أُحْصِنَّ} وحكم عليهن بنصف ما علي المحصنات من العقوبة. ((مح)): فيه دليل علي أن الجلد واجب علي الأمة الزإنية، وأن النفساء والمريضة ونحوهما يؤخر جلدهما إلي البرء.
الفصل الثاني
الحديث الأول عن أبي هريرة: قوله: ((يشتد)) حال، واللحى العظم الذي عليه الأسنان. وقوله:((ذلك)) إذا جعل الإشارة إلي المذكور السابق من فراره من الحجارة، كان قوله:((أنه فر حين وجد مس الحجارة)) تكراراً لأنه بيان لـ ((ذلك)) فيجب أن يكون ((ذلك)) مبهما، وقد فسر بما بعده كقوله تعالي:{وقَضَيْنَا إلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ} ولعله كرر لزيادة البيان.
وقوله: ((ومس الموت)) عطف علي ((مس الحجارة)) علي سبيل البيان، كقوله تعالي:{وإنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ} عطف علي قوله: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} بياناً. فإن قلت: إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخذهم بقتله حيث فر، فهل يلزمهم القود إذن؟
3566 -
وعن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك:((أحق ما بلغني عنك؟)) قال: وما بلغك عني؟)) قال: وما بلغك عني؟ قال: ((بلغني أنك قد وقعت علي جارية آل فلان)) قال: نعم، فشهد أربع شهادات، فأمر به فرجم. رواه مسلم.
ــ
قلت: لا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم آخذهم بشبهة عرضت تصلح أن يدفع بها الحد، فقد عرضت لهم شبهة أيضاً وهي إمضاء حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا جناح عليهم. ((حس)): فيه دليل علي أن من أقر علي نفسه بالزنا أو رجع في حال إقامة الحد، وقال: كذبت وما زنيت أو رجعت سقط ما بقي من الحد عنه، وكذلك السارق وشارب الخمر.
الحديث الثاني عن ابن عباس: قوله: ((أحق ما بلغني؟)) إلي قوله: ((رواه مسلم)) فيه تنبيه من المؤلف علي أن هذا الحديث غير مقر في مكانه، بل مكانه الفصل السابق. فإن قلت: كيف التوفيق بين هذا الحديث وبين حديث بريدة؟ فإن هذا يدل علي أنه صلى الله عليه وسلم كان عارفاً بزنا ماعز، فاستنطقه ليقر به ليقيم عليه الحد، وحديث بريدة وأبي هريرة ويزيد بن نعيم يدل علي أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن عارفاً به، فجاء ماعز فأقر فأعرض عنه مراراً، ثم جرت بعد ذلك أحوال جمة ثم رجم.
قلت: للبلغاء مقامات وأساليب، فمن مقام يقتضي الإيجاز فيقتصرون علي كلمات معدودة، ومن مقام يقتضي الإطناب فيطنبون فيه كل الإطناب، قال:
يرمون بالخطب الطوال وتارة وحي الملاحظ خيفة الرقباء
فابن عباس سلك طريق الاختصار، فأخذ من أول القصة وآخرها؛ إذا كان قصده بيان رجم الزإني المحصن بعد إقراره، وبريدة وأبو هريرة ويزيد سلكوا سبيل الإطناب في بيان مسائل مهمة للأمة. وذلك لا يبعد أنه صلى الله عليه وسلم بلغه حديث ماعز، فأحضره بين يديه فاستنطقه؛ لينكر ما نسب إليه لدرء الحد، فلما أقر أعرض عنه فجاءه من قبل اليمين بعد ما كان ماثلا بين يديه، فأعرض عنه فجاءه من قبل الشمال، يدل عليه حديث أبي هريرة ((ثم جاء من شقه الآخر)) وكل ذلك ليرجع عما أقر، فلما لم يجد فيه ذلك، قال:((أبه جنون؟)) إلي آخره، ونظير سلوك ابن عباس في أخذ القصة أولها وآخرها قوله تعالي:{كَمَا أَرْسَلْنَا إلي فِرْعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وبِيلاً} فالفاء في ((فأخذناه)) كالفاء في ((فأمر به فرجم)) فالفاء تستدعي حالات وتارات وشيءوناً لا تكاد تنضبط إلي أن يتصل إلي أول القصة من قوله: {أَرْسَلْنَا
…
فَعَصَى}. والله أعلم.
3567 -
وعن يزيد بن نعيم، عن أبيه أن ماعزاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر عنده أربع مرات، فأمر برجمه وقال لهزال:((لو سترته بثوبك كان خيراً لك)) قال ابن المنكدر: إن هزالاً أمر ماعزاً أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره. رواه أبو داود. [3567]
3568 -
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص [رضي الله عنهما] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب)). رواه أبو داود، والنسائي. [3568]
3569 -
وعن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود)). رواه أبو داود. [3569]
3570 -
وعنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج، فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من
ــ
الحديث الثالث عن يزيد: قوله: ((لو سترته بثوبك)) كناية عن إخفاء أمره وتعريض بصنيعه من هتك ستره. ((تو)): وذلك أن هزال بن نعيم كانت له مولاة اسمها فاطمة، فوقع عليها ماعز، فعلم به هزال فاستحمقه وأشار إليه بالمجيء إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم والاعتراف بالزنا علي نفسه، وحسن في ذلك شأنه وهو يريد به السوء والهوان. أقول: ولعل ذلك كان نصيحة له من هزال، وهو الظاهر لما سيرد في الفصل الثالث في الحديث الثاني.
الحديث الرابع عن عمرو بن شعيب: قوله: ((تعافوا)) ((مظ)): هو خطاب لغير الأئمة، يعني الحدود التي بينكم ينبغي أن يعفوها بعضكم عن بعض من قبل أن يبلغني ذلك، فإذا بلغني وجب علي إقامة الحدود عليكم.
الحديث الخامس عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((ذوي الهيئات)) [((مظ))]: قال الشافعي في تفسير ذوي الهيئات: هو من لم يظهر منه ذنبه. ((قض)): الهيئة في الأصل صورة أو حالة تعرض لأشياء متعددة، فتصير بسببها مقولا عليها أنها واحدة ثم تطلق علي الخصلة، فيقال: لفلان هيئات أي خصال. والمراد بـ ((ذوي الهيئات)) أصحاب المروءات والخصال الحميدة. وقيل: ذوو الوجوه بين الناس، (وبالعثرات) صغائر الذنوب، وما يندر عنهم من الخطايا، فيكون الاستثناء منقطعاً إذا كانت الهيئة بمعنى الخصلة أو الذنوب مطلقاً، وبالحدود ما يوجبها، فيكون متصلا، والخطاب مع الأئمة وغيرهم ممن يستحق المؤاخذة بها والتأديب عليها. والله أعلم.
أن يخطئ في العقوبة)). رواه الترمذي، وقال: قد روى عنها ولم يرفع وهو أصح. [3570]
3571 -
وعن وائل بن حجر، قال: استكرهت امرأة علي عهد النبي صلى الله عليه وسلم فدرأ عنها الحد، وأقامه علي الذي أصابها، ولم يذكر أنه جعل لها مهراً. رواه الترمذي.
3572 -
وعنه: أن امرأة خرجت علي عهد النبي صلى الله عليه وسلم تريد الصلاة، فتلقاها رجل فتجللها. فقضى حجته منها، فصاحت وانطلق، ومرت عصابة من المهاجرين فقالت: إن ذلك الرجل فعل بي كذا وكذا، فأخذوا الرجل، فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها:((اذهبي فقد غفر الله لك)) وقال للرجل الذي وقع عليها: ((ارجموه)) وقال: ((لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم)) رواه الترمذي، وأبو داود. [3572].
3575 -
وعن جابر: أن رجلاً زنى بامرأة فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فجلد الحد، ثم أخبر أنه محصن فأمر به فرجم. رواه أبو داود.
ــ
الحديث السادس عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((أن يخطئ)) ((مظ)): أي بأن يخطئ أو لأن يخطئ، يعني ادفعوا الحدود ما استطعتم قبل أن تصل إلي، فإن الإمام إذا سلك سبيل الخطأ في العفو الذي صدر منه خير من أن يسلك سبيل الخطأ في الحدود؛ فإن الحدود إذا وصلت إليه وجب عليه الإنفاذ. أقول: نزل معنى هذا الحديث علي معنى الحديث السابق، وهو ((تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب)) وجعل الخطاب في الحديث لعامة المسلمين، ويكن أن ينزل علي حديث أبي هريرة في قصة رجل ويريده في قصة ماعز فيكون الخطاب للأئمة لقوله صلى الله عليه وسلم للرجل:((أبك جنون؟))، ثم قوله:((أحصنت؟)) ولماعز ((أبه جنون؟)) ثم قوله: ((أشربت؟)) لأن كل هذا تنبيه علي أن للإمام أن يدرأ الحدود بالشبهات، فيكون قوله:((فإن الإمام)) مظهر أقيم مقام المضمر علي سبيل الالتفات من الغيبة حثاً له علي إظهار الرأفة والرحمة، يعني في حق إمام المسلمين وقائدهم أن يرجح سبيل العفو علي العقوبة، و ((أن)) في ((أن يخطئ)) مصدرية، وهو خبر ((إن)) أي إن الإمام خطؤه في العفو خير من خطئه في العقوبة.
الحديث السابع عن وائل: قوله: ((ولم يذكر أنه جعل لها مهراً)) ((مظ)): لا يدل هذا علي عدم وجوب المهر؛ لأنه ثبت وجوبه لها بإيجابه صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الأخر.
الحديث الثامن عن وائل: قوله: ((فتجللها)) ((قض)): أي غشيها وجامعها، من الجلال كنى به عن الوطء كما كنى عنه بالغشيان.
3574 – وعن سعيد بن سعد بن عبادة، أن سعد بن عبادة أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل – كان في الحي – مخدج سقيم، فوجد علي أمة من إمائهم يخبث بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((خذوا له عثكالاً فيه مائة شمراخ، فاضربوه ضربة)). رواه في ((شرح السنة)) وفي رواية ابن ماجه نحوه [3574]
3575 -
وعن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول)). رواه الترمذي وابن ماجه. [3575]
3576 -
وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أتى بهيمة فاقتلوه
ــ
الحديث التاسع عن جابر: قوله: ((فأمر)) ليس خبر لـ ((أن)) وإن كان اسمها نكرة موصوفة لعدم شيوعه وإبهامه، بل هو معطوف علي محذوف، هو خبر ((أن)) أي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقرينة قوله:((ثم أخبر أنه محصن)). [((قض))]: فيه دليل علي أن أحد الأمرين لا يقوم مقام الآخر، وعلي أن الإمام إذا أمر بشيء من الحدود، ثم بان له أن الواجب غيره، عليه المصير إلي الواجب الشرعي.
الحديث العاشر عن سعيد: قوله: ((مخدع سقيم)) المخدع الناقص الخلق والعثكال الغصن الذي يكون عليه أغصان صغار، وكل واحد من تلك الأغصان يسمى شمراخاً، و ((يخبث)) أي يزنى بها، فإن الزنا من [أخبث] الفعل. ((قض)): فيه دليل علي أن الإمام ينبغي أن يراقب المجلود ويحافظ علي حياته، وأن حد المريض لا يؤخر إلا إذا كان له أمد مؤخر كالحبل، لحديث علي رضي الله عنه. وقال: مالك وأصحاب أبي حنيفة: يؤخر الحد إلي أن يبرأ، وقد عد الحديث من المراسيل؛ فإن سعيداً لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر أنه سمعه من أبيه أو غيره، وهو وإن كان كذلك فهم محجوجون به؛ إذ المراسيل مقبولة عندهم.
الحديث الحادي عشر عن عكرمة: قوله: ((فاقتلوا الفاعل)) ((حس)): اختلفوا في حد اللوطي، فذهب الشافعي في أظهر قوليه، وأبو يوسف ومحمد إلي أن حد الفاعل حد الزنا: إن كان محصنا يرجم، وإن لم يكن محصناً يجلد مائة جلدة، وعلي المفعول به عند الشافعي علي هذا القول جلد مائة وتغريب عام رجلا كان أو امرأة، محصناً كان أو غير محصن؛ لأن التمكين في الدبر لا يحصنها فلا يلزمها حد المحصنات. وذهب قوم إلي أن الواطئ يرجم محصناً كان أو غير محصن، وبه قال مالك وأحمد، والقول الآخر للشافعي أنه يقتل الفاعل والمفعول به، كما هو ظاهر الحديث. وقد قيل في كيفية قتلهما: هدم بناء عليهما، وقيل: رميهما من شاهق كما فعل بقوم لوط، وعند أبي حنيفة يعزر ولا يحد.
الحديث الثاني عشر عن ابن عباس: قوله: ((وقد فعل بها)) تحقيق ذلك أن كل ما أوجده الله
واقتلوها معه)). قيل لابن عباس: ما شأن البهيمة؟ قال: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئاً، ولكن أراه كره أن يؤكل لحمها أو ينتفع بها وقد فعل بها ذلك. رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه. [3576]
3577 -
وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أخوف ما أخاف علي أمتي عمل قوم لوط)). رواه الترمذي، وابن ماجه. [3577]
3578 -
وعن ابن عباس: أن رجلا من بني بكر بن ليث أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات، فجلده مائة، وكان بكراً، ثم سأله البينة علي المرأة فقالت: كذب والله يا رسول الله! فجلد حد الفرية. رواه أبو داود. [3578]
3579 -
وعن عائشة، قالت: لما نزل عذري، قام النبي صلى الله عليه وسلم علي المنبر، فذكر ذلك، فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدهم. رواه أبو داود. [3579]
ــ
تعالي في هذا العالم جعله صالحاً لفعل خاص، فلا يصلح لذلك العمل سواه؛ فإن المأكول من الحيوان خلق لأكل الإنسان إياه لا لقضاء شهوته منه، والذكر من الإنسان خلق للفاعلية والأنثى للمفعولية ووضع فيهما الشهوة لتكثير النسل بقاء لنوع الإنسان، فإذا عكس كان إبطالاً لتلك الحكمة، وإليه أشار قوله تعالي:{إنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} أي لا حامل لكم عليه إلا مجرد الشهوة من غير داع آخر، ولا ذم أعظم منه؛ لأنه وصف لهم بالبهيمية، وأنه لا داعي لهم من جهة العقل ألبتة كطلب النسل والتخلي إلي العبادة ونحوه. والله أعلم بالصواب.
((مظ)): قال مالك والشافعي في أظهر قوليه وأحمد وأبو حنيفة: إنه يعزر، وقال إسحاق: يقتل إن عمل ذلك مع العلم بالنهي. والبهيمة قيل: إن كانت مأكولة تقتل، وإلا فوجهان: القتل لظاهر الحديث، وعدم القتل للنهي عن ذبح الحيوان إلا لأكله.
الحديث الثالث عشر عن جابر: قوله: ((إن أخوف ما أخاف)) أضاف أفعل إلي ((ما)) وهي نكرة موصوفة؛ ليدل علي أنه إذا استقصى الأشياء المخوف منها شيئاً بعد شيء لم يوجد شيء أخوف من فعل قوم لوط.
الحديث الرابع عشر عن ابن عباس: قوله: ((حد الفرية)) الفرية الكذب، والمراد به هاهنا القذف.
الفصل الثالث
3580 -
عن نافع: أن صفية بنت أبي عبيد أخبرته أن عبداً من رقيق الإمارة وقع علي وليدة من الحمس فاستكرهها، حتى افتضها فجلده عمر ولم يجلدها، من أجل أنه استكرهها. رواه البخاري.
3581 -
وعن يزيد بن نعيم بن هزال، عن أبيه، قال: كان ماعز بن مالك يتيماً في حجر أبي فأصاب جارية من الحي، فقال له أبي: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك وإنما يريد بذلك رجاء أن يكون له مخرجاً، فأتاه، فقال: يا رسول الله! إني زنيت، فأقم علي كتاب الله، فأعرض عنه، فعاد فقال: يا رسول الله! إني زنيت، فأقم علي كتاب الله، حتى قالها أربع مرات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إنك قد قلتها أربع مرات، فبمن؟)) قال: بفلانة. قال: ((هل ضاجعها؟)) قال: نعم. قال: ((هل باشرتها؟)) قال: نعم قال: ((هل جامعتها؟)) قال: نعم. قال: فأمر به أن يرجم، فأخرج به إلي الحرة، فلما رجم، فوجد مس الحجارة فجزع فخرج يشتد، فلقيه عبد الله بن إنيس، وقد عجز أصحابه، فنزع له بوظيف بعير، فرماه به فقتله، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال:((هلا تركتموه، لعله أن يتوب، فيتوب الله عليه)). رواه أبو داود. [3581]
ــ
الحديث الخامس عشر عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((لما نزل عذري)) ((قض)): المراد بالعذر الآية الدالة علي براءتها، شبهتها بالعذر الذي هو يبرئ المعذور من الجرم، وبـ ((الرجلين)) حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وبـ ((المرأة)) حمنة بنت جحش، فضربوا حدهم حد المفترين انتهي كلامه. وقوله:((أمر بالرجلين)) أي بحد الرجلين والمرأة علي حذف المضاف، بدلالة قوله:((فضربوا حدهم)) و ((حدهم)) مفعول مطلق أي فحدوا حدهم.
الفصل الثالث
الحديث الأول والثاني عن يزيد: قوله: ((أن يكون له مخرجاً)) اسم ((كان)) ضمير يرجع إلي المذكور، وخبره ((مخرجاً)) و ((له)) ظرف لغو، كما في قوله تعالي:{ولَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} المعنى يكون إتيانك وإخبارك رسول الله صلى الله عليه وسلم مخرجاً لك، وينصره ما أتبعه من قوله:((فأتاه فقال)). والفاء في قوله: ((فبمن)) جزاء شرط محذوف، أي إذا كان كما قلت فبمن زينت؟ و ((أن
3582 -
وعن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من قوم يظهر فيهم الزنا إلا أخذوا بالسنة، وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب)). رواه أحمد. [3582]
3583 -
وعن ابن عباس، وأبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ملعون من عمل عمل قوم لوط)). رواه رزين. [3583]
3584 -
وفي رواية له عن ابن عباس: أن عليا [رضي الله عنه] أحرقهما، وأبا بكر هدم عليهما حائطاً.
3585 -
وعنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا ينظر الله عز وجل إلي رجل أتى رجلاً أو امرأة في دبرها)). رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب. [3585]
3586 -
وعنه، أنه قال:((من أتى بهيمة فلا حد عليه)). رواه الترمذي،
ــ
يرجم)) بدل اشتمال من الضمير المجرور في ((به)) وعدى ((أخرج)) بالهمزة وبالباء توكيداً، كما في قوله تعالي:{تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} .
قال الحريري في درة الغواص: قيل: في جواز الجمع بين حرفي التعدية في قراءة ضم التاء عدة أقوال: والأحسن أنما زيدت التاء؛ لأن إنباتها الدهن بعد إنبات الثمر الذي يخرج الدهن منه، فلما كان الفعل في المعنى قد تعلق بمفعولين يكونان في حال بعد حال، وهما الثمرة والدهن، احتيج إلي تقويته في التعدي بالباء. و ((الوظيف)) مستدق الذراع والساق من الإبل والخيل ونحوهما، والجمع الأوظفة، والفاءات المذكورة بعد ((لما)) في قوله:((فلما رجم – إلي قوله – فقتله)) كل واحدة تصلح للعطف، إما علي الشرط أو علي الجزاء إلا قوله:((فوجد)) فإنه لا تصلح لأن تكون عطفاً علي الجزاء، وقوله:((فقال: هلا تركتموه)) يصلح للجزاء. وهذا فيه إشكال؛ لأن جواب ((لما)) لا تدخله الفاء علي اللغة الفصيحة وقد يجوز أن يقدر الجزاء، ويقال: تقديره لما رجم وكان كيت وكيت، علمنا حكم الرجم وما يترتب عليه حينئذ لا تكون الفاء إلا للعطف.
الحديث الثالث عن عمرو: قوله: ((بالسنة)) ((نه)): هي الجدب، يقال: أخذتهم السنة إذا أجدبوا وأقحطوا، وهي من الأسماء الغالبة نحو الدابة في الفرس، والمال في الإبل. أقول: لعل الحكمة في استجلاب الزنا القحط أن الزنا يؤدي إلي إبطال النسل، والسنة لازمة لإهلاك الحرث وليس الفساد إلا كذلك، كما قال تعالي:{ويُهْلِكَ الحَرْثَ والنَّسْلَ} والحاكم إنما