الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
3425 -
عن أبي الأحوص عوف بن مالك، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله! أرأيت ابن عم لي آتيه أسأله فلا يعطيني ولا يصلني، ثم يحتاج إلي فيأتيني فيسألني، وقد حلفت أن لا أعطيه ولا أصله، فأمرني أن آتي الذي هو خير وأكفر عن يميني. رواه النسائي، وابن ماجه، وفي رواية قال: قلت: يا رسول الله! يأتيني ابن عمري فأحلف أن لا أعطيه ولا أصله قال: ((كفر عن يمينك)). [3425]
(1) باب في النذور
الفصل الأول
3426 -
عن أبي هريرة، وابن عمر [رضي الله عنهم] قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تنذروا؛ فإن النذر لا يغني من القدر شيئاً، وإنما يستخرج به من البخيل)). متفق عليه.
ــ
الفصل الثالث
الحديث الأول عن أبي الأحوص: قوله: ((هو خير)) ليس هو للتفضيل؛ لأن المعنى دائر بين قطع الصلة ومنع المعروف ووصلها وإعطائه، وقد حض عليه في قوله:((صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك)) ونهي عن الخلتين أبلغ نهي.
باب في النذور
الفصل الأول
الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لا تنذروا)) ((قض)): عادة الناس تعليق النذور علي حصول المنافع ودفع المضار فنهي عنه؛ فإن ذلك فعل البخلاء؛ إذ السخي إذا أراد أن يتقرب إلي الله تعالي استعجل فيه وأتى به في الحال، والبخيل لا تطاوعه نفسه بإخراج شيء من يده إلا في مقابلة عوض يستوفيه أولاً، فيلتزمه في مقابلة ما سيحصل له، ويعقله علي جلب نفع أو دفع ضرر، وذلك لا يغني عن القدر شيئاً، أي نذره لا يسوق إليه خيراً لم يقدر له ولا يرد عنه شراً قضى عليه، ولكن النذر قد يوافق القدر، فيخرج من البخيل ما لولاه لم يكن يريد أن يخرجه.
((خط)): معنى نهيه عن النذر إنما هو لتأكيد الأمر وتحذير التهاون به بعد إيحابه، ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل، لكان في ذلك إبطال حكمه وإسقاط لزوم الوفاء به؛ إذا صار معصية. وإنما وجه الحديث أنه أعلمهم أن ذلك أمر لا يجلب لهم في العاجل نفعاً، ولا يصرف عنهم ضراً، ولا يرد شيئاً قضاه الله تعالي، يقول: فلا تنذروا علي أنكم تدركون شيئاً
3427 -
وعن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه)) رواه البخاري.
3428 -
وعن عمران بن حصين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملك العبد)). رواه مسلم. وفي رواية: ((لا نذر في معصية الله)).
3429 -
وعن عقبة بن عامر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:((كفارة النذر كفارة اليمين)). رواه مسلم.
ــ
لم يقدره الله لكم أو تصرفون عن أنفسكم ما جرى القضاء به عليكم. وإذا فعلتم ذلك فاخرجوا منه بالوفاء؛ فإن الذي نذرتموه لازم لكم.
أقول: تحريره أنه علل النهي بقوله: ((فإن النذر لا يغني من القدر ونبه به علي أن النذر المنهي عنه هو النذر المقيد الذي يعتقد أنه يغني من القدر بنفسه، كما زعموا. وكم نرى في عهدنا جماعة يعتقدون ذلك؛ لما شاهدوا من غالب الأحوال حصول المطالب بالنذر. وأما إذا نذر واعتقد أن الله تعالي هو الذي يسهل الأمور، وهو الضار النافع، والنذور كالذرائع والوسائل، فيكون الوفاء بالنذر طاعة، ولا يكون منهياً عنه، كيف وقد مدح الله تعالي الخيرة من عباده بقوله جل ثناؤه: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ويَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} {نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا}؟ وأما معنى ((وإنما يستخرج به من البخيل)) فإن الله تعالي يحب البذل والإنفاق، فمن سمحت أريحته فذاك، وإلا فشرع النذور ليستخرج بها مال البخيل اضطراراً، فيتسمح ويفوز بما يحبه الله تعالي من البذل.
الحديث الثاني والثالث والرابع عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((فليطعه)) ((حس)): فيه دليل علي أن من نذر طاعة يلزمه الوفاء به، وإن لم يكن معلقاً بشيء، وأن من نذر معصية لا يجوز الوفاء به، ولا يلزمه الكفارة؛ إذ لو كانت فيه قيمة الكفارة، لأشبه أن يكون صلى الله عليه وسلم بينه، فعلي هذا لو نذر صوم يوم العيد لا يجب عليه شيء، ولو نذر نحر ولده باطل. وإليه ذهب جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول مالك والشافعي. فأما إذا نذر مطلقاً فقال: علي نذر ولم يسم شيئاً، فعليه كفارة اليمين؛ لما روى عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كفارة النذر إذا لم يسم كفارة اليمين)). وروى عن ابن عباس أنه قال: ((من نذر نذراً لم يسمه فكفارته كفارة اليمين، ومن نذر شيئاً لا يطيقه فكفارته كفارة اليمين))
3430 -
وعن ابن عباس [رضي الله عنهما] قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه)) رواه البخاري.
3431 -
وعن انس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي شيخاً يهادي بين ابنيه، فقال:((ما بال هذا؟)) قالوا: نذر أن يمشي إلي بيت الله قال: إن الله تعالي عن تعذيب هذا نفسه لغني)). وأمره أن يركب. متفق عليه.
ــ
الحديث الخامس عن ابن عباس: قوله: ((فسأل عنه)) ((قض)): الظاهر من اللفظ أن المسئول عنه هو اسمه؛ ولذلك أجيب بذكر اسمه، وأن ما بعده زيادة في الجواب. ويحتمل أن يكون المسئول عنه حاله فيكون الأمر بالعكس. ولعل السؤال لما كان محتملا لكل واحد من الأمرين، أجابوا بهما جميعاً. وأبو إسرائيل هذا رجل من بني عامر بن لؤي من بطون قريش. وأمره صلى الله عليه وسلم بالوفاء بالصوم والمخالفة لما سواه، يدل علي أن النذر لا يصح إلا فيما فيه قربة، وما لا قربة فيه فنذره لغو لا عبرة به. وبه قال ابن عمر وغيره من الصحابة، وهو مذهب مالك والشافعي. وقيل: إن كان المنذور مباحاً يجب الإتيان به؛ لما روى أن امرأة قالت: يا رسول الله! إني نذرت أن أضرب علي رأسك بالدف، قال:((أوفي بنذرك)). وإن كان محرماً تجب كفارة اليمين؛ لما روت عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((لا نذر في معصية وكفارته كفارة اليمين)) ولما روى عن عقبة أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((كفارة النذر كفارة اليمين)).
والجواب عن الأول أنها لما قصدت بذلك إظهار الفرح بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسرة بنصر صلى الله عليه وسلم للمؤمنين، وكانت فيه مساءة الكفار والمنافقين، التحق بالقربات، مع أن الغالب في أمثال هذا الأمر أن يراد به الإذن دون الوجود. وعن الثاني أنه حديث ضعيف لم يثبت عن الثقات. وعن الثالث أنه ليس من هذا الباب؛ إذ الرواية الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:((كفارة النذر إذا لم يسم كفارة اليمين)) وذلك مثل أن تقول: لله علي نذر، ولم يسم شيئاً.
وقال أصحاب أبي حنيفة: لو نذر صوم يوم العيد لزمه صوم يوم، ولو نذر نحر ولده لزمه ذبح شاة، ولو نذر ذبح والده اتفقوا علي أنه لا يلزمه ذلك. ولعل الفرق أن ذبح الولد كان قبل الإسلام ينذرونه ويعدونه قربة بخلاف ذبح الوالد.
الحديث السادس عن أنس رضي الله عنه: وقوله: ((يهادي)) ((تو)): يقال: جاء فلان يهادي بين اثنين، إذا كان يمشي بينها معتمداً عليهما من ضعف به ((مظ)): اختلفوا فيمن نذر أن يمشي إلي
3432 -
وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة قال: ((اركب أيها الشيخ! فإن الله غني عنك وعن نذرك)).
3433 -
وعن ابن عباس: أن سعد بن عبادة [رضي الله عنهم] استفتى النبي صلى الله عليه وسلم في نذر كان علي أمه فتوفيت قبل أن تقضيه فأفتاه أن يقضيه عنها. متفق عليه.
3434 -
وعن كعب بن مالك، قال: قلت يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلي الله وإلي رسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمسك بعض مالك فهو خير لك)). قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر. متفق عليه. وهذا طرف من حديث مطول.
ــ
بيت الله، فقال الشافعي: يمشي إن أطاق المشي، فإن عجز أراق دماً وركب. وقال أصحاب أبي حنيفة: يركب ويريق دماً سواء أطاق المشي أو لم يطقه.
الحديث السابع عن ابن عباس رضي الله عنه: قوله: ((فأفتاه أن يقضيه)) ((مح)): قال القاضي عياض: اختلفوا في نذر أم سعد هذا، فقيل: كان نذراً مطلقاً، وقيل: كان صوماً، وقيل: كان عتقاً، وقيل: صدقة. واستدل كل قائل بأحاديث جاءت في قصة أم سعد، والأظهر أنه كان نذراً في المال أو نذراً مبهما، ويعضده ما رواه الدارقطني من حديث مالك، فقال له يعني النبي صلى الله عليه وسلم:((استق عنها الماء)).
ومذهب الجمهور أن الوارث لا يلزمه قضاء النذر الواجب علي الميت إذا كان غير مالي. وإذا كان مالياً كفارة أو نذر أو زكاة ولم يخلف تركة لا يلزمه، لكن يستحب له ذلك. وقال أهل الظاهر: يلزمه بهذا الحديث؛ لقوله: ((فأفتاه أن يقضيه عنها)). ودليلنا أن الوارث لم يلزمه، وحديث سعد يحتمل أنه قضى من تركتها أو تبرع به، وليس في الحديث تصريح بالتزامه ذلك، وأما غير المال فقد سبق بيانه.
الحديث الثامن عن كعب: قوله: ((أن أنخلع)) ((نه)): أي أخرج مه جميعه وأتصدق به، فأعرى منه كما يعري الإنسان إذا خلع ثوبه. أقول: هذا الانخلاع ليس بظاهر في معنى كفارة النذر، وإنما هو إما كفارة كما ذهب إليه المظهر، كأنه قال: ما أنا فيه يقتضي خلع مالي صدقة مكفرة، وإما شكراً كما في شرح مسلم. قال: فيه استحباب الصدقة وشكر النعم المتجددة لاسيما بأعظم منها.
وذلك أن كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية هم الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خروجه إلي غزوة تبوك، ثم ندموا من سوء صنيعهم ذلك، فتابوا إلي الله تعالي، فقبل توبتهم بعد أيام، وأنزل الله تعالي فيهم {وعَلي الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ
الفصل الثاني
3435 -
عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين)). رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي. [3435]
3436 -
وعن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من نذر نذراً لم يسمه؛ فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً لا يطيقه؛ فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذراً أطاقه فليف به)) رواه أبو داود، وابن ماجه، ووقفه بعضهم علي ابن عباس. [3436]
ــ
الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} الآية، فأراد كعب أن يتصدق بجميع ماله شكراً لله تعالي لقبول توبته، فقال:((إن من توبتي – أي من تمامها – أن أنخلع من مالي)). ولعل ذكره في باب النذر؛ لأنه أشبه النذر في أن أوجب علي نفسه ما ليس بواجب لحدوث أمر. ((مح)): وإنما أمره صلى الله عليه وسلم بالاقتصار علي الصدقة ببعضه خوفاً من تضرره، وأن لا يتصبر علي إنفاقه. ولا يخالف هذا صدقة أبي بكر رضي الله عنه بجميع ماله؛ لأنه كان صابراً راضياً.
الفصل الثاني
الحديث الأول عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((لا نذر)) أي لا وفاء في نذر معصية، فإن نذر أحد فيها فعليه الكفارة، وكفارته كفارة يمين. وإنما قدر الوفاء؛ لأن ((لا)) لنفي الجنس فإنه يقتضي نفي الماهية، فإذا نقيت ينتفي ما يتعلق بها وهو غير صحيح؛ لقوله بعده:((وكفارته كفارة يمين)) فإذن يتعين تقدير الوفاء، ويؤيده قوله في الفصل الثالث في حديث عمران:((ومن كان نذر في معصية فذلك الشيطان، ولا وفاء به)).
الحديث الثاني عن ابن عباس: قوله: ((فكفارته كفارة يمين)) ((مح)): اختلف العلماء في قوله: ((كفارته كفارة اليمين))، فحمله جمهور أصحابنا علي نذر اللجاج، وهو أن يقول الرجل مريداً لامتناع من كلام زيد مثلا: إن كلمت زيداً فلله علي حجة أو غيرها فكلمه، فهو بالخيار بين كفارة يمين وبين ما التزمه. وحمله مالك وكثيرون علي النذر المطلق كقوله: علي نذر، وحمله أحمد وبعض أصحابنا علي نذر المعصية، كمن نذر أن يشرب الخمر. وحمله جماعة
3437 -
وعن ثابت بن الضحاك، قال: نذر رجل علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟)) قالوا: لا [قال]. ((فهل كان فيه عيد من أعيادهم؟)) قالوا: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم)). رواه أبو داود. [3437]
3438 -
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده [رضي الله عنه] أن امرأة قالت: يا رسول الله! إني نذرت أن أضرب علي رأسك بالدف. قال: ((أوفي بنذرك)). رواه أبو داود، وزاد رزين: قالت: ونذرت أن أذبح بمكان كذا وكذا، مكان يذبح فيه أهل الجاهلية، فقال:((هل كان بذلك المكان وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟)) قالت: لا. قال: ((هل كان فيه عيد من أعيادهم؟)) قالت: لا. قال: ((أوف بنذرك)). [3438]
ــ
من فقهاء أصحاب الحديث علي جميع أنواع النذر، وقالوا: هو مخير بين الوفاء بما التزمه وبين كفارة يمين. أقول: قوله: ((ومن نذر نذراً أطاقه فليف به)) يقوي مذهب الأصحاب.
الحديث الثالث عن ثابت بن الضحاك: قوله: ((ببوانة)) ((حس)): هي أسفل مكة دون يلملم. الجوهري: بوانة بالضم اسم موضع. وقال وضاح اليمين:
أيا نخلتي وادي بوانة حبذا إذا نام حراس النخيل جناكما
وربما تحذف الهاء، قال الشاعر:
ماذا تذكرت من الاطمان طوالعاً من نحو ذي بوان
وأما الذي ببلاد فارس فهو شعب بوان بالفتح والتشديد. وفيه أن من نذر أن يضحي في مكان أو يتصدق علي أهل بلد صح نذره ولزمه ذلك.
الحديث الرابع عن عمرو: قوله: ((أن أضرب علي رأسك الدف)) ((خط)): ضرب الدف ليس مما يعد في باب الطاعات التي يتعلق بها النذر، وأحسن حاله أن يكون من باب المباح، غير أنه لما اتصل بإظهار الفرح بسلامة مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قدم من بعض غزواته وكانت فيه مساءة الكفار وإرغام المنافقين، صار فعله كبعض القرب، لهذا استحب ضرب الدف في النكاح؛ لما فيه من إظهاره والخروج من معنى السفاح الذي لا يظهر. ومما يشبه هذا المعنى قوله النبي صلى الله عليه وسلم في هجاء الكفار:((اهجوا قريشاً فإنه أشد عليها من رشق النبل)).
3439 -
وعن أبي لبابة: أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن انخلع من مالي كله صدقة قال:((بجزيء عنك الثلث)). رواه رزين. [3439]
3440 -
وعن جابر بن عبد الله: أن رجلا قام يوم الفتح فقال: يا رسول الله! إني نذرت لله عز وجل إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين قال: ((صل ها هنا)) ثم أعاد عليه، فقال:((صل ها هنا)) ثم أعاد عليه فقال: ((شأنك إذن)). رواه أبو داود، والدارمي. [3440]
ــ
الحديث الخامس عن أبي لبابة. جامع الأصول: هو رفاعة بن عبد الله المنذر الأنصاري الأوسي غلبت عليه كنيته. وفي المعالم: هو أبو لبابة عبد المنذر أخو بني عمرو بن عوف، وكانوا حلفاء الأوس، فحاصر النبي صلى الله عليه وسلم بني قريظة خمساً وعشرين ليلة، حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب، فلما أيقنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم، قال كعب بن أسيد: يا معشر يهود! إني عارض عليكم خلالا ثلاثاً، فخذوا أيهم شئتم. نبايع هذا الرجل ونصدقه، فو الله لقد تبين لكم أنه نبي مرسل، وأنه الذي تجدونه في كتابكم، قالوا: لا نفارق حكم التوارة. قال: فهلم، فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إليهم مصلتين بالسيوف، حتى يحكم صلى الله عليه وسلم بيننا، قالوا: أنقتل هؤلاء المساكين؟ قال: فإن الليلة ليلة السبت فانزلوا لعلنا نصيب منهم، قالوا: أنفسد سنتنا في السبت؟ ثم إنهم بعثوا إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا أبا لبابة لنستشريه في أمرنا،
فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال والنساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم، فقالوا: يا أبا لبابة! أترى أن ننزل علي حكم محمد؟ قال: نعم وأشار بيده إلي حلقه إنه الذبح.
قال أبو لبابة: فو الله ما زالت قدماي حتى عرفت إني خنت الله ورسوله، ثم انطلق علي وجهه، وربط نفسه في المسجد إلي عمود من عمده، وقال: لا أبرح من مكإني حتى يتوب الله علي، ثم إن الله تعالي أنزل توبته علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فثار الناس إليه ليطلقوه، قال: لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني، فأطلقه. وقال في الكشاف: فقال: يا رسول الله! إن من تمام توبتي – الحديث.
الحديث السادس عن جابر: قوله: ((شأنك إذن)) ((شأنك)) نصب علي المفعول به، أي ألزم شأنك، و ((إذن)) جواب وجزاء، أي إذا أبيت أن تصل ها هنا، فافعل ما نذرت به من صلاتك في بيت المقدس. ((حس)): لو نذر أن يصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج عن نذره إذا صلي في المسجد الحرام، ولا يخرج إذ صلي في المسجد الأقصى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة في مسجدي هذا
3441 -
وعن ابن عباس: أن أخت عقبة بن عامر [رضي الله عنهم] نذرت أن تحج ماشية، وأنها لا تطيق ذلك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((إن الله لغني عن مشي أختك، فلتركب ولتهد بدنة)). رواه أبو داود، والدارمي، وفي رواية لأبي داود: فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تركب وتهدي هدياً. وفي رواية له: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئاً، فلتركب ولتحج وتكفر يمينها)). [3441]
3442 -
وعن عبد الله بن مالك، أن عقبة بن عامر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة. فقال:((مروها فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام)). رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي. [3442]
3443 -
وعن سعيد بن المسيب: أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث،
ــ
خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)) ولو نذر أن يصلي في المسجد الحرام فلا يخرج عن نذره بالصلاة في غيره. ولو نذر أن يصلي في المسجد الأقصى، فصلي في المسجد الحرام أو في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج عن النذر، لهذا الحديث.
الحديث السابع عن ابن عباس: قوله: ((نذرت أن تحج)) ((قض)): لما كان المشي في الحج من عداد القربات، وجب بالنذر، والتحق بسائر أعماله التي لا يجوز تركها إلا لمن عجز، ويتعلق بترك الفدية. واختلف في الواجب، فقال علي رضي الله عنه: يجب بدنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ولتهد بدنة)) وقال بعضهم: يجب دم شاة كما في مجاورة الميقات، وحملوا الأمر بالبدنة علي الاستحباب. وهو قول مالك وأظهر قولي الشافعي. وقيل: لا يجب فيه شيء، وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهدي علي وجه الاستحباب دون الوجوب.
الحديث الثامن عن عبد الله: قوله: ((فلتختمر)) ((خط)) إنما أمره إياها بالاختمار والاستتار فلأن النذر لم ينعقد فيه؛ لأن ذلك معصية، والنساء مأمورات بالاختمار والاستتار. وأما نذر المشي حافية، فالمشي قد يصح فيه النذر وعلي صاحبه أن يمشي ما قدر عليه، وإذا عجز ركب وأهدى هدياً. وقد يحتمل أن تكون أخت عقبة كانت عاجزة عن المشي، بل قد روى ذلك من رواية ابن عباس. فأما ((ولتصم ثلاثة أيام)) فإن الصيام بدل الهدى.
الحديث التاسع عن سعيد: قوله: ((في رتاج الكعبة)) ((نه)): الرتاج الباب، وفي هذا الحديث
فسأل أحدهما صاحبة القسمة، فقال: إن عدت تسألني القسمة فكل مالي في رتاج الكعبة. فقال له عمر: إن الكعبة غنية عن مالك، كفر عن يمينك، وكلم أخاك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب، ولا في قطيعة الرحم، ولا فيما لا يملك)). رواه أبو داود. [3443]
الفصل الثالث
3444 -
عن عمران بن حصين، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((النذر نذران: فمن كان نذر في طاعة فذلك لله فيه الوفاء، ومن كان نذر في معصية فذلك للشيطان ولا وفاء فيه. ويكفره ما يكفر اليمين)). رواه النسائي. [3444]
3445 -
وعن محمد بن المنتشر، قال: إن رجلاً نذر أن ينحر نفسه إن نجاه الله من عدوه. فسأل ابن عباس، فقال له: سل مسروقاً، فسأله، فقال له: لا تنحر نفسك، فإنك إن كنت مؤمناً قتلت نفسك نفساً مؤمنة، وإن كنت كافراً تعجلت إلي النار، واشتر كبشاً فاذبحه للمساكين، فإن إسحاق خير منك، وفدي بكبش، فأخبر ابن عباس، فقال: هكذا كنت أردت أن أفتيك. رواه رزين.
ــ
الكعبة؛ لأنه أراد أن ماله هدياً إلي الكعبة لا إلي بابها، فكنى بالباب؛ لأنه منه يدخل. وجمع الرتاج رتج. قوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يمين عليك)) أي سمعت ما يؤدي معناه إلي قولك: ((لا يمين عليك)) يعني لا يجب الوفاء بما نذرت، وسمى النذر يميناً، لما يلزم منه ما يلزم من اليمين.
((حس)): اختلفوا في النذر إذا خرج مخرج اليمين مثل أن قال: إن كلمت فلاناً فلله علي عتق رقبة، وإن دخلت الدار فلله علي صوم أو صلاة. فهذا نذر خرج مخرج اليمين لأنه قصد به منع نفسه عن الفعل كالحالف يقصد بيمينه منع نفسه عن الفعل. فذهب أكثر الصحابة ومن بعدهم إلي أنه إذا فعل ذلك الفعل تجب عليه كفارة اليمين، كما لو حنث في يمينه، وإليه ذهب الشافعي، ويدل عليه هذا الحديث وغيره. وقيل: عليه الوفاء بما التزمه، قياساً علي سائر النذور.
الفصل الثالث
الحديث الأول والثاني عن محمد بن المنتشر: قوله: ((هكذا كنت أردت أن أفتيك)) لعله إنما