المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1) باب إعداد آلة الجهاد - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٨

[الطيبي]

الفصل: ‌(1) باب إعداد آلة الجهاد

(1) باب إعداد آلة الجهاد

الفصل الأول

3861 -

عن عقبة بن عامر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقو علي المنبر يقول: (({وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} ألا إن القوة الرمي، إلا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي)). رواه مسلم.

3862 -

وعنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ستفتح عليكم الروم ويكفيكم الله؛ فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه)) رواه مسلم.

ــ

كما قال: ((اذكروا موتاك بالخير)) فوضع ((لا تسأل)) موضع لا تخبر لئلا يسأل أحد عن ذلك. ولا تخبر نفيا للسؤال بالكلية فينتفي الإخبار أيضا؛ ولذلك سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أعمال الخير، بقوله:((هل رآه أحد علي عمل الإسلام)) وشهد عليه بالجنة لحراسته، فاكتفي بالحراسة عن غيرها من الأعمال الصالحة؛ ترجيحا للفطرة علي الأعمال السيئة.

باب إعداد آلة الجهاد

الفصل الأول

الحديث الأول عن عقبة: قوله: ((من قوة)) ((الكشاف)): هي كل ما يتقوى به في الحرب من موصولة، والعائد محذوف و ((من قوة)) بيان له، فالمراد بها نفس القوة وفي هذا البيان والمبين إشارة إلي أن هذه العدة لا تستتب بدون المعالجة والإدمان الطويل، وليس شيء من عدة الحرب وأداتها أحوج إلي المعالجة والإدمان عليها مثل القوس والرمي بها؛ ولذلك كرر صلى الله عليه وسلم تفسير القوة بالرمي.

وقوله في الحديث الآتي: ((فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه)) إشارة إلي هذا. ((مح)): وفيه وفي الحديث بعده فضيلة الرمي والمناضلة والاعتناء بذلك بنية الجهاد في سبيل الله والمراد بهذا التمرن علي القتال والتدرب فيه ورياضة الأعضاء بذلك.

الحديث الثاني عن عقبة: قوله: ((فلا يعجز أحدكم)) ((مظ)): يعني أهل الروم غالب حربهم بالرمي، وأنتم تتعلمون الرمي ليمكنكم محاربة أهل الروم، وستفتح عليكم، ويدفع الله عنكم شر أهل الروم، فإذا فتح لكم الروم فلا تتركوا الرمي وتعلمه، بأن تقولوا: لم نكن نحتاج في

ص: 2665

3863 -

وعنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من علم الرمي ثم تركه؛ فليس منا، أو قد عصى)) رواه مسلم.

3864 -

وعن سلمة بن الأكوع، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم علي قوم من أسلم يتناضلون بالسوق. فقال: ((ارموا بني إسماعيل! فإن أباكم كان راميا، وأنا مع بني فلان)) لأحد الفريقين. فأمسكوا بأيهديهم، فقال:((ما لكم؟)) قالوا: وكيف نرمي وأنت مع بني فلان؟ قال: ((ارموا وأنا معك كلكم)). رواه البخاري.

3865 -

وعن أنس، قال: كان أبو طلحة يتترس مع النبي صلى الله عليه وسلم بترس واحد، وكان أبو طلحة حسن الرمي، فكان إذا رمى تشرف النبي صلى الله عليه وسلم، فينظر إلي موضع نبله. رواه البخاري.

ــ

قتالهم إلي الرمي بل تعلموا الرمي وداوموا عليه؛ فإن الرمي مما يحتاج إليه أبدا. ((شف)): أي لا ينبغي أن يعجز أحدكم عن تعلم الرمي، حتى إذا حان وقت فتح الروم أمكنه العون علي الفتح، وهذا حث وتحريض منه صلى الله عليه وسلم علي تعلم الرمي، والمعنى له أن يلعب بها وليس ممنوعا عنه.

أقول: لعل الأوجه التوجيه الثاني؛ فإن الفاء في قوله: ((فلا يعجز)) سببية كأنه قيل: إن الله سيفتح لكم عن قريب الروم وهم رماة ويكفيكم الله تعالي بواسطة الرمي شرهم، فإذن لا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه، أي عليكم أن تهتموا بشأن النضال وتمرنوا فيه، وعضوا عليه بالنواجذ حتى إذا زاولتم محاربة الروم تكونوا متمكنين منه وإنما أخرجه مخرج اللهو إمالة للرغبات إلي تعلم الرمي وإلي الترامي والسابقة؛ فإن النفوس مجبولة علي ميلها إلي اللهو.

الحديث الثالث عن عقبة: قوله: ((فليس منا)) أي فليس بمتصل بنا ومعدود في زمرتنا، وهو أشد مما لم يتعلم؛ لأنه لم يدخل في زمرتهم، وهذا دخل ثم خرج كأنه رأي النقص فيه أو استهزأ به. وكل ذلك كفران لتلك النعمة الخطيرة.

الحديث الرابع عن سلمة: قوله: ((بالسوق)) وهو معروف وقيل: هم اسم موضع. ((قض)): السوق جمع ساق استعمله للأسهم علي سبيل الاستعارة. – انتهي كلامه. ((ولأحد الفريقين)) متعلق بقوله: ((فقال)) أي قال: لأجل أحد الفريقين أنا معهم. وقوله: ((فأمسكوا بأيديهم)) الباء زائدة في المفعول أي امتنعوا من الرمي.

الحديث الخامس عن انس رضي الله عنه: قوله: ((تشرف)) ((نه)): أي تحقق نظره وتطلع عليه، وأصل الاستشراف أن تضع يدك علي حاجبك، وتنظر كالذي يستظل الشمس حتى

ص: 2666

2866 -

وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البركة في نواصي الخيل)) متفق عليه.

3867 -

وعن جرير بن عبد الله، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية فرس بأصبعه، ويقول:((الخيل معقود بنواصيها الخير إلي يوم القيامة: الأجر والغنيمة)) رواه مسلم.

3868 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده؛ فإن شبعه، وريه، وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة)). رواه البخاري.

ــ

يستبين الشيء. أقول: والفاء في ((فكان)) سببية أي لأجل أنه كان حسن الرمي يتبع النبي صلى الله عليه وسلم بصره لسهمه؛ لينظر المصاب من الأعداء من هو؟؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يتترس بترسه وقاية واستشرافا.

الحديث السادس والسابع عن جرير: قوله: ((ناصية فرس)) ((مح)): أراد بـ ((الناصية)) هنا الشعر المسترسل علي الجبهة. ((خط)): قالوا: وكنى بالناصية عن جميع ذات الفرس. يقال: فلان مبارك الناصية ومبارك الغرة أي الذات.

قوله: ((معقود)) ((نه)): أي ملازم لها كأنه معقود فيها. أقول: ويجوز أن يكون الخير المفسر بالأجر والغنيمة استعارة مكنية، شبهه لظهوره وملازمته بشيء محسوس معقود بخيل علي مكان رفيع ليكون منظورا للناس ملازما لنظره، فنسب الخير إلي لازم المشبه به، وذكر ((الناصية)) تجريدا للاستعارة. ((حس)): فيه الترغيب في اتخاذ الخيل للجهاد، وأن الجهاد لا ينقطع أبدا.

الحديث الثامن عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((من احتبس)) ((تو)): حبسته وأحبسته واحتبس أيضا بنفسه يتعدى ولا يتعدى. والمعنى أنه يحبسه علي نفسه لسد ما عسى أن يحدث في ثغر من الثغور من ثلمة، قوله:((إيمانا)) مفعول له أي ربطه خالصا لله تعالي امتثالا لأمره، وقوله:((تصديقا بوعده)) عبارة عن الثواب المرتب علي الاحتباس. تلخيصه أنه احتبس امتثالا واحتسابا، وذلك؛ أن الله تعالي وعد الثواب علي الاحتباس، فمن احتبس فكأنه قال: صدقت فيما وعدتني.

الحديث التاسع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((يكره الشكال)) ((نه)): الشكال في الخيل أن تكون ثلاث قوائم منه محجلة وواحدة مطلقة تشبيها بالشكال، أي الذي تشكل به الخيل؛ لأنه يكون في ثلاث قوائم غالبا. وقيل: هو أن تكون الواحدة محجلة والثلاث مطلقة. وقيل: هو أن تكون إحدى يديه وإحدى رجليه من خلاف محجلتين.

ص: 2667

3869 -

وعنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الشكال في الخيل. والشكال: أن يكون الفرس في رجله اليمنى بياض وفي يده اليسرى، أو في يده اليمنى ورجله اليسرى. رواه مسلم.

3870 -

وعن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي أضمرت من الحفياء، وأمدها ثنية الوداع، وبينهما ستة أميال، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلي مسجد بني زريق، وبينهما ميل. متفق عليه.

3871 -

وعن أنس، قال: كانت ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى العضباء، وكانت لا تسبق، فجاء أعرابي علي قعود له، فسبقها، فاشتد ذلك علي المسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن حقا علي الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه)). رواه البخاري.

ــ

وإنما كرهه لأنه كالمشكول صورة تفاؤلا. ويمكن أن يكون جرب ذلك الجنس فلم يكن فيه نجابة. وقيل: إذا كان مع ذلك أغر زالت الكراهة لزوال شبه الشكال.

الحديث العاشر عن عبد الله: قوله: ((أضمرت)) ((نه)): الضمير الهزال وخفة اللحم، وأراد بالإضمار التضمير، وهو أن يعلف الفرس حتى يسمن ثم يرده إلي القوت، وذلك في أربعين يوما وقد كانوا يشدون عليه السرج ويجللونه بالجل، حتى يعرق تحته فيذهب هزاله ويشتد لحمه. وهذه المدة تسمى المضمار، والموضع الذي يضمر فيه أيضا مضمار. والرواية علي ما ذكرنا؛ والمشهور من كلام العرب التضمير؛ فلعله من بعض الرواة أقام الإضمار موضع التضمير، أو كانوا يستعملون ذلك. و ((الحفياء)) – بفتح الحاء وسكون الفاء – بمد ويقصر. وأضيف (الثنية)) إلي ((الوداع))؛ لأنها موضع التوديع.

الحديث الحادي عشر عن أنس: قوله: ((العضباء)) ((نه)): هو علم لها منقول من قولهم: ناقة عضباء أي مشقوقة الأذن ولم تكن مشوقة الأذن. قال: بعضهم: إنها كانت مشقوقة الأذن، والأول أكثر. قال الزمخشري: هو منقول من قولهم: ناقة عضباء وهي القصيرة اليد، والقعود من الإبل ما أمكن أن يركب وأدناه أن يكون له سنتان، ثم هو قعود إلي السنة السادسة ثم هو جمل.

قوله: ((علي الله)) متعلق بـ ((حقا)) و ((أن لا يرتفع)) خبر ((إن)) و ((أن)) مصدرية فتكون معرفة والاسم نطرة، فيكون من باب القلب، أي أن عدم الارتفاع حق علي الله نحو قوله: كان مزاجها عسل وماء. ويمكن أن يتمحل بأن يقال: ((علي الله)) صفة ((حقا)) أي حقا ثابتا واجبا علي الله وفيه وفي الذي قبله جواز المسابقة بالخيل والإبل.

ص: 2668

الفصل الثاني

3872 -

عن عقبة بن عامر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله تعالي يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، ومنبله، فارموا واركبوا، وأن ترموا أحب الي من أن تركبوا، كل شيء يلهو به الرجل باطل، إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته امرأته؛ فإنهن من الحق)) رواه الترمذي، وابن ماجه، وزاد أبو داود، والدارمي:((ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنه نعمة تركها)). أو قال: ((كفرها)). [3872]

3873 -

وعن أبي نجيح السلمي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من بلغ بسهم في سبيل الله؛ فهو له درجة في الجنة، ومن رمى بسهم في سبيل الله؛

ــ

الفصل الثاني

الحديث الأول عن عقبة: قوله: ((ومنبله)) ((نه)): يقال: نبلت الرجل بالتشديد إذا ناولته النبل ليرمي به. وكذلك أنبلته. قال أبو عمرو الزاهد: نبلته وأنبلته ونبلته، ويجوز أن يراد بالمنبل الذي يرد النبل علي الرامي من الهدف. قوله:((واركبوا)) عطف و ((اركبوا)) يدل علي المغايرة وأن الرامي يكون راجلا والراكب رامحا، فيكون معنى قوله:((وأن ترموا)) أن الرمي بالسهم أحب إلي من الطعن بالرمح. قال ابن عباد:

ومكان ضنك علي الفارس والراجل ضيق علي الرامح والنابل

وفي هذا الكلام لف ونشر.

الحديث الثاني عن أبي نجيح: قوله: ((من بلغ بسهم)) ((مظ)): أي أوصل سهما إلي كافر فهو له درجة، ومن رمى سهما كان له من الثواب مثل عدل رقبة وإن لم يوصل إليه. أقول: فعلي هذا في الكلام تنزل من الأعلي إلي الأدنى. ويمكن أن يحمل علي الترقي فيقال: إن مفعول ((بلغ)) محذوف يقال: بلغت المكان إذا وصلت إليه، والباء حال أي من بلغ مكان الحرب مع سهمه ومصاحبا له يكون له درجة، وإن رمى به تكون له درجات. والرواية الثانية وهي ((من شاب شيبة في سبيل الله)) أنسب بهذا المقام. ومعناه من مارس المجاهدة حتى تشيب طاقة من شعره فله ما لا يوصف من الثواب. دل عليه تخصيص ذكر النور والتنكير فيه. ومن روى ((في الإسلام)) بدل ((في سبيل)) أرد بالعام الخاص، أو سمي الجهاد إسلاما؛ لأنه عموده وذروة سنامه.

ص: 2669

فهو له عدل محرر. ومن شاب شيبة في الإسلام؛ كانت له نورا يوم القيامة)). رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). وروى أبو داود الفصل الأول، والنسائي الأول والثاني، والترمذي الثاني والثالث، وفي روايتهما:((من شاب شيبة في سبيل الله)) بدل ((في الإسلام)).

3874 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر)) رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي. [3874]

3875 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أدخل فرسا بين فرسين، فإن كان يؤمن أن يسبق؛ فلا خير فيه، وإن كان لا يؤمن أن يسبق؛ فلا بأس به)). رواه في

ــ

الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لا سبق)) ((نه)): هو بفتح الباء. ما يجعل من المال رهنا علي المسابقة. وبالسكون مصدر سبقت أسبق. وقال الخطابي: الرواية الفصيحة بفتح الباء. المعنى: لا يحل أخذ المال في المسابقة إلا في هذه الثلاثة: وهي الإبل والخيل والسهام. ولا بد فيه من تقدير أي ذي خف وذي نصل وذي حافر.

((حس): ويدخل في معنى الخيل البغال والحمير وفي معنى الإبل الفيل. قيل: لأنه أغنى من الإبل في القتال، وألحق بعضهم الشد علي الإقدام والمسابقة عليها.، وفيه إباحة أخذ المال علي المناضلة لمن نضل، وعلي المسابقة علي الخيل والإبل لمن سبق. وإليه ذهب جماعة من أهل العلم؛ لأنها عدة لقتال العدو، وفي بذل الجعل عليها ترغيب في الجهاد. قال سعيد بن المسيب: ليس برهان الخيل بأس إذا أدخل فيها محلل، والسباق بالطير والرجل وبالحمام، وما يدخل في معناها مما ليس من عدة الحرب ولا من باب القوة علي الجهاد، فأخذ المال عليه قمار محظور وسئل ابن المسيب عن الدحو بالحجارة. فقال: لا بأس به. يقال: فلان يدحو بالحجارة أي يرمي بها.

الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((يؤمن أن يسبق)) أي يعلم ويعرف أن هذا الفرس سابق غير مسبوق، فلا خير فيه. بخلافه إذا لم يعلم ولم يعرف. ((مظ)): اعلم أن المحلل ينبغي أن يكون علي فرس مثل فرس المخرجين أو قريبا من فرسيهما في العدو، فإن كان فرس المحلل جوادا بحيث يعلم المحلل أن فرسي المخرجين لا يسبقان فرسه لم بجز. بل وجوده كعدمه وإن كان لا يعلم أنه يسبق فرسي المخرجين يقينا. أو أنه يكون مسبوقا جاز.

ص: 2670

((شرح السنة)). وفي رواية أبي داود، قال:((من أدخل فرسا بين فرسين، يعني وهو لا يأمن أن يسبق؛ فليس بقمار. ومن أدخل فرسا بين فرسين، وقد أمن أن يسبق؛ فهو قمار)). [3875]

3876 -

وعن عمران بن حصين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا جلب ولا جنب)). زاد يحيى في حديثه: ((في الرهان)) رواه أبو داود، والنسائي، ورواه الترمذي مع زيادة في باب ((الغضب)). [3876]

ــ

((حس)): ثم في المسابقة إن كان المال من جهة الإمام، أو من جهة واحد من عرض الناس شرط للسابق من الفارسين مالا معلوما فجائز، فإذا سبق استحقه، وإن كان من جهة الفارسين، فقال أحدهما لصاحبه: إن سبقتني فلك علي كذا، وإن سبقتك فلا شيء لي عليك فهو جائز أيضا، فإذا سبق استحق المشروط. وإن كان المال من جهة كل واحد منهما بأن قال لصاحبه: وإن سبقتك فلي عليك كذا وإن سبقتني فلك علي كذا، فهذا لا يجوز إلا بمحلل يدخل بينهما إن سبق المحلل أخذ السبقين، وإن سبق فلا شيء عليه. وسمي محللا؛ لأنه محلل للأسبق أخذ المال.

فبالمحلل يخرج العقد عن أن يكون قمارا؛ لأن القمار أن يكون الرجل مترددا بين الغنم والغرم، فإذا دخل بينهما لم يوجد فيه هذا المعنى. ثم إذا جاء المحلل أولا ثم جاء المتسابقان معا أو أحدهما بعد الآخر أخذ المحلل السبقين. وإن جاء المستبقان معا ثم المحلل فلا شيء لأحد، وإن جاء أحد المستبقين أولا، ثم المحلل، والمستبق الثاني. أما معا أو أحدهما بعد الآخر صور السابق سبقه وأخذ سبق الثاني وإن جاء المحلل وأحد المستبقين معا ثم جاء الثاني مصليا، أخذ السابقان سبق المصلي.

الحديث الخامس عن عمران رضي الله عنه: قوله: ((لا جلب)) مضى شرحه في باب الزكاة. قوله: ((زاد يحيي في حديثة)) هو قول أبي داود، وروى هذا الحديث بإسنادين إسناد ليس فيه يحيي بن خلف هذا ولا هذه الزيادة، وإسناد فه يحيي والزيادة. وأما ما في المصابيح من قوله:((يعني في الرهان)) فهو تفسير مؤلفه، كما قال الشيخ التوربشتي: لعله فسر الحديث الذي ليس فيه هذه الزيادة؛ لدلالة ما فيه عليه، وكان من حقه أن يذكر ما هي فيه.

الحديث السادس عن أبي قتادة رضي الله عنه: قوله: ((الأدهم)) ((تو)): الأدهم الذي يشتد سواده. و ((الأقرح)) الذي في وجهه القرحة بالضم، وهي ما دون الغرة. و ((الأرثم)) الذي في

-

ص: 2671

* وعن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم، ثم الأقرح المحجل طلق اليمين، فإن لم يكن أدهم؛ فكميت: علي هذه الشية)) رواه الترمذي، والدارمي. [3877]

3878 -

وعن أبي وهب الجشمين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بكل كميت أغر محجل، أو أشقر أغر محجل، أو أدهم أغر محجل)) رواه أبو داود، والنسائي. [3878]

3879 -

وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يمن الخيل في الشقر)) رواه الترمذي، وأبو داود. [3879]

3880 -

وعن (عتبة) * بن عبد السلمي، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

ــ

حجفلته العليا بياض. والتحجيل بياض في قوائم الفرس أو في ثلاث منها أو في رجليه، قل أو كثر بعد أن يجاوز الأرساغ، ولا يجاوز الركبتين والعرقوبين. ((طلق)) بضم الطاء واللام إذا لم يكن في إحدى قوائمه تحجيل. ((والكميت)) من الخيل يستوي فيه المذكر والمؤنث، والمصدر الكمية وهي حرة يدخلها قترة.

وقال الخليل: إنما صغر لأنه بين السواد والحمرة لم يخلص له واحد منهما، فأرادوا بالتصغير أنه قريب منهما. و ((الشية)) كل لون يخالف معظم لون الفرس وغيره، فالهاء فيه عوض من الواو الذاهبة من أوله، وهمزها خطأ.

الحديث السابع عن أبي وهب: قوله: ((أو أشقر)) الفرق بين الكميت والأشقر بقترة تعلو الحمرة وبسواد العرف والذنب في الكميت.

الحديث الثامن والتاسع عن عتبة رضي الله عنه قوله: ((ولا معارفها)) ((قض)): أي شعور عنقها جمع عرف علي غير قياس. وقيل: هي جمع معرفة وهي المحل الذي ينبت عليها العرف، فأطلقت علي الأعراف مجازا. ((ولا أذنابها فإن أذنابها مذابها)) أي مراوحها تذب بها الهوام عن أنفسها. و ((معارفها دفاؤها)) أي كساها الذي تدفأ به. قوله:((معقود فيها الخير)) قد

ص: 2672

((لا تقصوا نواصي الخيل، ولا معارفها، ولا أذنابها فإن أذنابها مذابها، ومعارفها دفاؤها، ونواصيها معقود فيها الخير)) رواه أبو داود. [3880]

3881 -

وعن أبي وهب الجشمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ارتبطو الخيل، وامسحوا بنواصيها وأعجازها – أو قال: كفالها – وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار)) رواه أبو داود، والنسائي. [3881]

3882 -

وعن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا مأمورا، ما اختصنا دون الناس بشيء إلا بثلاث: أمرنا أن نسبغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، وأن لا ننزي حمارا علي فرس. رواه الترمذي، والنسائي. [3882]

ــ

سبق أنه من الاستعارة المكنية؛ لأن الخير ليس بمحسوس حتى يعقد عليه الناصية، فكيف جعله محسوسا هاهنا ونهي عن قطعها؟ يقال: إنهم قد يدخلون المعقول في جنس المحسوس، ويحكمون عليه بما يحكم علي المحسوس مبالغة في اللزوم قال:

ويصعد حتى يظن الجهول بأن له حاجة في السماء

وقال الآخر:

هي الشمس مسكنها في السماء فعز الفؤاد عزاء جميلا

فلن تستطيع إليها الصعود ولن تستطيع إليك النزولا

الحديث العاشر عن أبي وهب رضي الله عنه: قوله: ((وقلدوها)) ((نه)): أي قلدوها طلب أعداء الدين والدفاع عن المسلمين، ولا تقلدوها طلب أوتار الجاهلية ودخولها التي كانت بينكم. والأوتار جمع وتر – بالكسر – وهو الدم وطلب الثأر. يريد اجعلوا ذلك لازما لها في أعناقها لزوم القلائد للأعناق. وقيل: أراد بالأوتار جمع وتر القوس، أي لا تجعلوا في أعناقها الأوتار فتختنق؛ لأن الخيل ربما رع الأشجار فتشبثت الأوتار ببعض شعبها فتخنقها. وقيل: إنما نهاهم عنها لأنهم كانوا يعتقدون أن تقليد الخليل بالأوتار يدفع عنها العين والأذى فيكون كالعوذة لها فنهاهم، أعلمهم أنها لا تدفع ضرا ولا تصرف حذرا.

الحديث الحادي عشر عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((عبدا مأمورا)) ((قض)): أي مطواعا غير مستبد في الحكم ولا حاكم بمقتضى ميله وتشهيه، حتى يخص من شاء بما شاء من الأحكام. ((ما اختصنا)) يريد به نفسه سائر أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ((دون الناس بشيء إلا

ص: 2673

بثلاث)) أي ما اختصنا بحكم لم يحكم به علي سائر أمته، ولم يأمرنا بشيء لم يأمرهم به إلا بثلاث خصال.

والظاهر أن قوله: ((أمرنا)) إلي آخره تفصيل لها. وعلي هذا ينبغي أن يكون الأمر أمر إيجاب، وإلا لم يكن فيه اختصاص؛ فإن إسباغ الوضوء مندوب علي غيرهم. وإنزاء الحمار علي الفرس مكروه مطلقا، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث علي رضي الله عنه:((إنما يفعل ذلك الذي لا يعلمون)). والسبب فيه قطع النسل واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير؛ فإن البغلة لا تصلح للكر والفر؛ ولذلك لا يسهم لها في الغنيمة ولا سبق فيها علي وجه؛ ولأنه علق بأن لا يأكل الصدقة هو واجب، فينبغي أن يكون قرينة أيضا لذلك، وإلا لزم استعمال اللفظ الواحد في معنيين مختلفين، اللهم إلا أن تفسر الصدقة بالتطور أو الأمر المشترك بين الإيجاب والندب.

ويحتمل أن المراد أنه صلى الله عليه وسلم ما اختصنا بشيء إلا بمزيد الحث والمبالغة في ذلك.

أقول: قد تقرر عند علماء البيان أنهم يقدمون علي ما سبق الكلام له تنبيهات ومقدمات، كقرع العصا بأن ما يتولها أمور عظام وخطوب جسام، ينبغي أن يتلقاها السامع بشراشره، فافتتاح ابن عباس رضي الله عنهما بقوله:((كان عبدا مأمورا)) يدل علي فخامة ما بعده من قوله: ((ما اختصنا)) إلي آخره.

ونظيره في تمهيد المقدمة والعرض والأسلوب ما سبق في تفسير قول علي رضي الله عنه، حين سئل هل عندكم شيء ليس في القرآن؟ فقال:((والذي فلق الحبة وبرأن النسمة ما عندنا إلا ما في القرآن، إلا فهما يعطى الرجل في كتابه وما في الحصيفة)) الحديث؛ فإن القسيمة في حديث علي رضي الله عنه وقعت موقع قوله: ((كان عبدا مأمورا)). فقول ابن عباس أيضا من ذلك الوادي، يعني ما اختصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم معاشر أهل البيت من بين سائر الناس إلا بهذه الخلاف المعلومة المشهورة، بعضها سنة مشتركة بين سائر الناس، كإسباغ الوضوء مثلا، وبعضها مكروهة كإنزاء الحمار مثلا، وبعضها مختصة بأهل البيت كحرمة الصدقة المغصوبة في الكتاب والسنة مثلا.

فإن عدت هذه الأمور وتلك الأوامر من العلوم المختصة بنا فهو ذاك. فلما لم يكن مختصا بنا علمها، فيلزم أن لم يكن استأثرنا بشيء من العلوم دون الناس. ردا للشيعة أبلغ رد؛ لأنه من باب إرخاء العنان وإجراء الكلام مع الخصم علي سنن يبعث للمنصف أن يتفكر فيه ويذعن للحق، كقوله تعالي:{وَإنَّا أَوْ إيَّاكُمْ لَعَلي هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} .

وتلخيص الكلام وتحريره أن سياق الكلام وارد لنفي التهمة عن أنفسهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم اختصهم بشيء من العلوم دون الناس، فتعداد تلك الخصال ليست لبيان الواجب أو الندب أو الكراهة، بل لمجرد خلال معدودة علي غير ترتيب والتئام، ولذلك حسن موقعها في النظام وإلا كان كالجمع بين الضب والنون، والأروى والنعام، عرف ذلك من رزق الذوق، وإلا فلا حيلة مع من حرمها.

ص: 2674

3883 -

وعن علي [رضي الله عنه]، قال: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة، فركبها، فقال علي: لو حملنا الحمير علي الخيل فكانت لنا مثل هذه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون)) رواه أبو داود، والنسائي. [3883]

3884 -

وعن أنس، قال: كانت فبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة. رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي، والدارمي. [3884]

ــ

وقريب من هذا قول الشيخ التوربشتي حيث قال: ومن تدبر هذا القول – يعني قول ابن عباس: أمرنا بإسباغ الوضوء – عرف من طريق الفهم أنه من أعلام النبوة، وذلك أن الآخرين ممن ينتمي إلي بيت النبوة نسبا، أو يدعي موالاة أهل البيت عصبية قد أحدثوا في الإسلام بدعة، وهي القول بمسح الأرجل دون الغسل اختلافا وافتراء علي الأولين من أهل بيت النبوة صدقا وعدلا – ومعاذ الله – أن يظن بألئك السادة مثل ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم إنا أمرهم بالإسباغ نفيا لهذه البدعة عنهم.

الحديث الثاني عشر عن علي رضي الله عنه: قوله: ((الذين لا يعلمون)) مطلق يحتمل أن يقدر مفعوله بدلالة الحديث السابق، أي لا يعلمون كراهيته وعلتها كما سبق. وأن لا يقدر ويجري مجرى اللازم للمبالغة، أي الذين ليسوا من أهل المعرفة في شيء وأنهم غير عارفين أنه بعيد من الحكمة، وتغيير لخلق الله تعالي. ومال المظهر إلي كراهة ذلك حيث قال: وإنزاء الحمار علي الفرس جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ركب البغل وجعله تعالي من النعم، ومن علي عباده بقوله:{والْخَيْلَ والْبِغَالَ والْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وزِينَةً} . أقول: لعل الإنزاء غير جائز والركوب والتزين به جائزان كالصور؛ فإن عملها حرام واستعمالها في الفرش والبسط مباح. وقوله: ((فكانت لنا)) عطف علي ((حملنا)) وجواب ((لو)) محذوف أي لكان صوابا.

الحديث الثالث عشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((قبيعة)) ((نه)): هي التي تكون علي رأس قائم السيف. وقيل: هي ما تحت شاربي السيف. والجوهري: قبيعة السيف ما علي طرف مقبضه من فضة أو حديدة. ((حس)): فيه دليل علي جواز تحلية السيف بالقليل من الفضة وكذلك المنطقة.

((حس)): اختلفوا في تحلية اللجام والسرج فأباحه بعضهم كالسيف، وحرم بعضهم لأنه من زينة الدابة. وكذلك اختلفوا في تحلية سكين الحرب والمقلمة بقليل من الفضة. فأما التحلية بالذهب فغير مباح في جميعها. ((تو)): حديث مزيدة لا تقوم به حجة إذ ليس له سند يعتد به؛ ذكر صاحب الاستيعاب حديثه، وقال: إسناده ليس بالقوي.

ص: 2675

3885 -

وعن هود بن عبد الله بن سعد، عن جده مزيدة، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعلي سيفه ذهب وفضة. رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريبز

3886 -

وعن السائب بن يزيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عليه يوم أحد درعان قد ظاهر بينهما. رواه أبو داود، وابن ماجه. [3886]

3887 -

وعن ابن عباس، قال: كانت راية نبي الله صلى الله عليه وسلم سوداء، ولواؤه أبيض. رواه الترمذي، وابن ماجه. [3887]

3888 -

وعن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة ولواؤه أبيض. رواه الترمذي وأبو داود، وابن ماجه. [3889]

ــ

الحديث الرابع والخامس عشر عن السائب: قوله: ((قد ظاهر بينهمما)) ((نه)): أي جمع بينهما، ولبس أحدهما فوق الأخرى كأنه من التظاهر، التعاون والتساعد.

الحديث السادس عشر عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((راية)) ((نه)): الراية العلم الضخم. وكان اسم راية النبي صلى الله عليه وسلم العقاب. ويقال: ربيت الراية أي ركزتها. المغرب: اللواء علم الجيش وهو دون الراية؛ لأنه شقة ثوب تلوى وتشد إلي عود الرمح. والراية علم الجيش ويكنى أم الحرب وهو فوق اللواء. قال الأزهري: والعرب لا تهمزها وأصلها الهمز، أنكر أبو عبيد والأصمعي الهمز. ((تو)): الراية هي التي يتولاها صاحب الحرب ويقاتل عليها، وإليها تميل المقاتلة، واللواء علامة كبكبة الأمير يدور معه جيشه حيث دارت.

الحديث السابع والثامن عشر عن موسي: قوله: ((كانت سوداء)) ((قض)): أراد بالسوداء ما غالب لونه سواد، بحيث يرى من البعد أسود، لا مما لونه سواد خالص؛ لأنه قال:((من نمرة)) وهي بردة من صوف من سواد يلبسها الأعراب، فيها تخطيط من سواد وبياض، ولذلك سميت نمرة تشبيها بالنمر، ويقال لها العباء أيضا.

ص: 2676

الفصل الثالث

3890 -

عن أنس، قال: لم يكن شيء أحب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل. رواه النسائي. [3890]

3891 -

وعن علي، قال: كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس عربية فرأي رجلا بيده قوس فارسية، قال:((ما هذه؟ ألقها، وعليكم بهذه وأشباهها ورماح القنا فإنها يؤيد الله لكم بها في الدين ويمكن لكم في البلاد)) رواه ابن ماجه.

ــ

الفصل الثالث

الحديث الأول عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((من الخيل)) ذكر الخيل هنا كناية عن الغزو والمجاهدة في سبيل الله. وقرانه مع النساء هنا لإرادة التكميل كما جاء في حديث آخر: ((حبب إلي الطيب والنساء، وجعل قرة عيني في الصلاة)) * فإنه لما أخبر أن النساء كانت أحب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم لمصلحة العباد علي ما مر في حديث الاستغفار، أحس في نفسه أن هذا الوصف يوهم أنه صلى الله عليه وسلم، كان مائلا إلي معاشرة أرباب الخدور ومشتغلا بهن معالي الأمور، فكمل بقوله:((من الخيل)) ليؤذن بأنه مع ذلك مقدام بطل في الكر والفر مجاهد مع أعداء الله، كما كمل في الحديث الآخر بقوله:((وجعل قرة عيني في الصلاة)) فأذن بأنه صلى الله عليه وسلم مجاهد مع نفسه واصل إلي مخدع القرب.

الحديث الثاني عن علي رضي الله عنه: قوله: ((فإنها)) اسم ((إن)) ضمير القصة كقوله تعالي: {فَإنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ} ولعل الصحابي رأي أن القوس الفارسية أقوى وأشد وابعد مرمى. فآثرها علي العربية زعما بأنها أعون في الحرب وفتح البلاد، فأرشده صلى الله عليه وسلم بأنه ليس كما زعمت، بل إن الله تعالي هو الذي ينصركم في الدين، ويمكنكم في البلاد بعونه لا بقوتكم وقوة إعدادكم. قوله:((ويمكن لكم)) يقال: مكنته في الأرض أثبته فيها.

ص: 2677