المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1) باب الديات - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٨

[الطيبي]

الفصل: ‌(1) باب الديات

(1) باب الديات

الفصل الأول

3486 -

عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((هذه وهذه سواء)) يعني الخنصر والإبهام. رواه البخاري.

3487 -

وعن أبي هريرة، قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتاً بغرة: عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها، والعقل علي عصبتها. متفق عليه.

3488 -

وعنه، قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر، فقتلتها وما في بطنها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غرة: عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة علي عاقلتها، وورثها ولدها ومن معهم. متفق عليه.

ــ

باب الديات

المغرب: الدية مصدر ودي القاتل المقتول إذا أعطى وليه المال الذي هو بدل النفس، ثم قيل لذلك المال: الدية تسمية بالمصدر ولذا جمعت، وهي مثل عدة في حذف الفاء.

الفصل الأول

الحديث الأول عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((يعني الخنصر والإبهام)) ((حس)): يجب في كل إصبع يقطعها عشر من الإبل، وإذا قطع أنملة من أنامله ففيها ثلث دية إصبع إلا أنملة الإبهام؛ فإن فيها نصف دية إصبع؛ لأنه ليس فيها إلا أنملتان. لا فرق فيه بين أنامل اليد والرجل.

الحديث الثاني والثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((الغرة)) ((نه)): الغرة العبد نفسه أو الأمة، وأصل الغرة البياض الذي يكون في وجه الفرس. وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: الغرة عبد أبيض أو أمة بيضاء يسمى غره لبياضه، فلا يقبل في الجنين عبد أسود ولا جارية سوداء، وليس ذلك شرطاً عند الفقهاء. ((مح)): الرواية فيها ((غرة)) بالتنوين وما بعده بدل منه. ورواه بعضهم بالإضافة والأول أوجه، و ((أو)) في قوله:((أو أمة)) للتقسيم لا للشك.

ص: 2474

3489 -

وعن المغيرة بن شعبة: أن امرأتين كانتا ضرتين، فرمت إحداهما الأخرى بحجر أو عمود فسطاط، فألقت جنينها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين

ــ

قوله: ((والعقل)) ((حس)): العقل هو الدية وسمى بذلك؛ لأنه من العقل وهو الشد، وذلك أن القاتل كان يأتي بالإبل فيعقلها في فناء المقتول، وبه سميت العصبة التي تحمل العقل عاقلة. وقيل: سميت به عاقلة؛ لأنه من المنع والعقل هو المنع، وبه سمى العقل المركب في الإنسان؛ لأنه يمنعه عما لا يحسن.

((مح)): واتفقوا علي أن دية الجنين هي الغرة سواء كان الجنين ذكراً أو أنثى، وسواء كان كامل الخلقة أو ناقصها إذا تصور فيها خلق آدمي. وإنما كان كذلك؛ لأن الجنين قد يخفي فيكثر فيه النزاع، وضبطه الشارع بما يقطع النزاع. ثم تكون الغرة لورثة الجنين جميعهم، وهذا شخص يورث ولا يرث، ولا يعرف له نظير إلا من بعضه حر وبعضه رقيق؛ فإنه لا يرث عندنا ولكن يورث علي الأصح، هذا إذا انفصل الجنين ميتاً أما إذا انفصل حياً ثم مات فتجب فيه كمال دية الكبير، فإن كان ذكراً وجب مائة بعير، وإن كان أنثى فخمسون. وسواء فيه العمد والخطأ. ومتى وجبت الغرة فهي علي العاقلة لا علي الجإني.

((ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت)). قال العلماء: هذا الكلام قد يوهم خلاف مراده، فالصواب أن المرأة التي ماتت هي المجني عليها أم الجنين لا الجإنية. وقد صرح به في حديث آخر بقوله:((فقتلها وما في بطنها)) فيكون المراد بقوله: ((التي قضى عليها بالغرة)) أي التي قضى لها بالغرة فعبر بـ ((عليها)) عن ((لها)) والحجر فيه محمول علي حجر صغير لا يقصد به القتل غالباً، فيكون شبه عمد تجب فيه الدية علي العاقلة، وليس علي الجإني قصاص ولادية. وهذا مذهب الشافعي والجماهير. و ((لحيان)) بفتح اللام وكسرها، والذي أشهر وهم بطن من هذيل. وفي قوله:((والعقل علي عصبتها)) دليل علي ما قاله الفقهاء: إن دية الخطأ علي العاقلة، وإنها تختص بعصبات القاتل، سوى آبائه وأبنائه.

أقول: ونظير التعبير بـ ((عليها)) عن ((لها)) قوله تعالي: {لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلي النَّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} أي لكم فضمن معنى الرقيب، فالمعنى فحفظ عليها حقها قاضياً لها بالغرة. فعلي هذا الضمير في قوله:((علي عاقلتها)) للجإنية ((وفي ورثتها)) للدية و ((في ولدها)) للمجني عليها. وجمع الضمير في ((معهم))؛ ليدل علي أن الولد في معنى الجمع. ((ومن معهم)) هو الزوج بدلالة قوله في الحديث السابق: ((بأن ميراثها لبنيها وزوجها)). هذا إذا كان الحديثان في قضية واحدة وهو الظاهر، وأما إذا كانا في قضيتين فالمعنى بقوله:((قضى عليها)) هي الجإنية، فيكون ميراثها لبنيها وزوجها، والدية علي عصبتها.

الحديث الرابع عن المغيرة: قوله: ((أو عمود فسطاط)) ((نه)): هو ضرب من الأبنية في السفر

ص: 2475

غرة: عبداً أو أمة، وجعله علي عصبة المرأة. هذه رواية الترمذي، وفي رواية مسلم: قال: ضربت امرأة ضرتها بعمود فسطاط وهي حبلي، فقتلتها. قال: وإحداهما لحيإنية. قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة علي عصبة القاتلة وغرة لما في بطنها.

الفصل الثاني

3490 -

عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا؛ مائة من الإبل: منها أربعون في بطونها أولادها)) رواه النسائي، وابن ماجه، والدارمي. [3490]

3491 -

ورواه أبو داود عنه، وعن ابن عمر.

وفي ((شرح السنة)) لفظ ((المصابيح)) عن ابن عمر. [3491]

ــ

دون السرادق. ((مح)): هذا محمول علي أنه عمود صغير لا يقصد به القتل غالباً كما مر في الحجر.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن عبد الله: قوله: ((الخطأ شبه العمد)) فيه وجوه من الإعراب أحدها: أن يكون ((شبه العمد)) صفة ((الخطأ)) وهو معرفة وجاز؛ لأن قوله: ((شبه العمد)) وقع بين الضدين. وثإنيها: أن يراد بالخطأ الجنس فهو بمنزلة النكرة. و ((ما)) علي التقديرين إما موصولة أو موصوفة بدلاً أو بياناً. وثالثها: أن يكون ((شبه العمد)) بدلاً من ((الخطأ)) و ((ما كان)) بدلاً من البدل، وعلي هذا يجوز أن يكون التابع والمتبوع معرفتين أو نكرتين أو مختلفتين. وقوله:((مائة)) خبر ((إن)).

((حس)): الحديث يدل علي إثبات العمد الخطأ في القتل، وزعم بعضهم أن القتل لا يكون إلا عمداً محضاً أو خطأ محضاً، فأما شبه العمد فلا نعرفه وهو قول مالك، واستدل أبو حنيفة بحديث عبد الله بن عمرو، وعلي أن القتل بالمثقل شبه عمد لا يوجب القصاص، ولا حجة له فيه؛ لأن الحديث في السوط والعصا الخفيفة التي لا يقصد بها القتل، وذلك لان الغالب من أمر السياط والعصي أنها تكون خفيفة، والقتل الحاصل بها يكون قتلا بطريق شبه العمد. فأما المثقل الكبير فملحق بالمحدد الذي هو معد للقتل. واتفقوا علي أن دية الحر المسلم مائة من

ص: 2476

3492 -

وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أهل اليمن، وكان في كتابه:((أن من اعتبط مؤمناً قتلاً؛ فإنه قود يده إلا أن يرضي أولياء المقتول))، وفيه:((أن الرجل يقتل بالمرأة)) وفيه: ((في النفس الدية مائة من الإبل، وعلي أهل الذهب ألف دينار، وفي الأنف إذا أوعب جدعه الدية مائة من الإبل، وفي الأسنان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي البيضتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي الصلب، وفي العينين الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية، وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل، وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل)) رواه النسائي، والدارمي. وفي رواية مالك:((وفي العين خمسون، وفي اليد خمسون، وفي الرجل خمسون، وفي الموضحة خمس)). [3492]

ــ

الإبل. ثم هي في العمد المحض مغلظة في مال الجإني حالة، وفي شبه العمد مغلظة علي العاقلة مؤجلة، وفي الخطأ مخففة علي العاقلة مؤجلة. والتغليظ والتخفيف يكون في أسنان الإبل إلي آخر ما قال.

الحديث الثاني عن أبي بكر رضي الله عنه: قوله: ((من اعتبط)) ((نه)): أي قتله من غير جناية من قولهم: عبطت الناقة واعتبطتها إذا قتلتها وليست بها علة، ويقال: مات فلان عبطة، أي شاباً من غير هرم ومرض مخوف. أقول قوله:((قتلاً)) مفعول مطلق لأنه نوع منه. وقوله: ((فإنه)) جواب الشرط، وكان الظاهر أن يقال: يقتص منه؛ لأنه سبب له فأقيم السبب مقام المسبب، والاستثناء من المسبب في الحقيقة، وإلي هذا لمح القاضي بقوله: أي أن يقتل قصاصاً بما جنته يده وكان مقتول يده قصاصاً، إذا لو لم يجن لما اقتص منه. وأصل القود الانقياد، ثم سمى به الاقتصاص؛ لما فيه من انقياد الجإني له بما جناه.

و ((أوعب)) أي استوعب جدعه واستوصل حيث لا يبقى منه شيء. و ((مائة من الإبل)) يدل علي أن الدية من الإبل. و ((المأمومة)) التي تصل إلي جلدة فوق الدماغ تسمى أم الدماغ، واشتقاق المأمومة منه. و ((الجائفة)) الطعنة التي تصل إلي جوف من الأجواف. و ((المنقلة)) بالكسر الشجة التي تنقل العظم، أي تكسره فتخرجه عن محله. و ((الموضحة)) الجراحة التي ترفع اللحم من العظم وتوضحه. وأمثال هذه التقديرات تعبد محض لا طريق إلي معرفته إلا التوقيف.

قوله: ((وعلي أهل الذهب أهل دينار)) ((حس)): اختلفوا في أصل الدية وفي قدر الواجب فيها من الدراهم والدنإنير، فذهب بعضهم إلي أن الأصل فيها الإبل، وإذا عدمت تجب قيمتها ما بلغت، وهو قول الشافعي في الجديد، ودليله ما روى عمرو بن شعيب قال:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم دية الخطأ علي أهل القرى أربعمائة دينار)) الحديث. ويؤول حديث عمر رضي الله عنه

ص: 2477

3493 -

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المواضح خمساً خمساً من الإبل، وفي الأسنان خمساً خمساً من الإبل. رواه أبو داود، والنسائي، والدارمي. وروى الترمذي، وابن ماجه، الفصل الأول. [3493]

3494 -

وعن ابن عباس، قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابع اليدين والرجلين سواء. رواه أبو داود، والترمذي. [3494]

3495 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الأصابع سواء، والأسنان سواء، الثنية والضرس سواء، هذه وهذه سواء)) رواه أبو داود. [3495]

3496 -

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح ثم قال: ((أيها الناس! إنه لا حلف في الإسلام، وما كان من حلف في

ــ

علي أن قيمة الإبل كانت قد بلغت في زمانه اثني عشر ألف درهم أو ألف دينار. ويدل عليه ما روى عمرو بن شعيب: ((كانت قيمة الدية علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار)) الحديث.

الحديث الثالث عن عمرو: قوله: وفي الأسنان خمساً خمساً)) فإن قلت: كيف يوافق هذا قوله: في الحديث السابق وفي الأسنان الدية))؟ قلت: اعتبر في الجمع هنا أفراده وهناك حقيقته، مثاله في التعريف حقيقة الجنس واستغراقه؛ ولذلك كرر ((خمساً)) ليستوعب الدية الكاملة باعتبار أجناسها. قال ابن الحاجب: العرب تكرر الشيء مرتين؛ ليستوعب تفصيل جميع جنسه باعتبار المعنى الذي دل عليه اللفظ المكرر.

الحديث الرابع والخامس عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((الثنية والضرس)) المغرب: الثنية واحدة الثنايا وهي الأسنان المقدمة اثنان فوق واثنان أسفل؛ لأن كلا منهما مضمومة إلي صاحبتها، والأضراس ما سوى الثنايا من الأسنان، والواحد ضرس يذكر ويؤنث ذكرهما تقريراً لمعنى قوله:((الأسنان سواء)) أي لا تفاوت فيما ظهر منها وما بطن، وما يفتقر إليها كل الافتقار وما ليس كذلك. والمراد بقوله:((هذه وهذه)) الخنصر والإبهام، يؤيده تفسيرهما في الحديث الأول من الباب بقوله:((يعني الخنصر والبنصر)).

الحديث السادس عن عمرو بن شعيب: قوله: ((لا حلف في الإسلام)) فيه وجهان، وأحدهما: ما ذكره في النهاية، أصل الحلف المعاقدة والمعاهدة علي التعاضد والتساعد

ص: 2478

الجاهلية فإن الإسلام لا يزيده إلا شدة، المؤمنون يد علي من سواهم، يجير عليهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم، يرد سراياهم علي قعيدتهم، لا يقتل مؤمن بكافر، دية الكافر نصف دية المسلم، لا جلب ولا جنب، لا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم)). وفي رواية قال:((دية المعاهد نصف دية الحر)) رواه أبو داود. [3496]

ــ

والاتفاق، فما كان منه في الجاهلية علي الفتن والقتال والغارات؛ فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله صلى الله عليه وسلم:((لا حلف في الإسلام)) وما كان منه في الجاهلية علي نصرة المظلوم وصلة الأرحام كحلف المطيبين وما جرى مجراه، فذلك الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:((وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة)).

و ((حلف المطيبين)) هو الذي اجتمع بنو هاشم وبنو زهرة وتيم في دار ابن جدعان في الجاهلية، وجعلوا طيباً في جفنة وغمسوا أيديهم فيه، وتحالفوا علي التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم، فسموا المطيبين. وأما الأحلاف فهم ست قبائل: عبد الدار وجمح ومخزوم وعدي وكعب وسهم، سموا بذلك؛ لأنه لما أرادت بنو عبد مناف أخذ ما في أيدي عبد الدار من الحجابة والرفادة واللواء والسقاية، وأثبت عبد الدار عقد كل قوم علي أمرهم حلفاً مؤكداً علي أن لا يتخاذلوا. فسموا الأحلاف لذلك. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من المطيبين، وعمر من الأحلاف.

وثإنيهما: ما ذكره التوربشتي ولخصه القاضي، كان أهل الجاهلية يتعاهدون فيعاقد الرجل الرجل، ويقول له: دمي دمك وهدمي هدمك وثأري ثأرك وحربي حربك وسلمي سلمك، ترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك، وتعقل عني وأعقل عنك. فيعدون الحليف من القوم الذين دخل في حلفهم ويقررون له وعليه مقتضى الحلف والمعاقدة غنماً وغرماً، فلما جاء الإسلام قررهم علي ذلك؛ لاشتماله علي مصالح من حقن الدماء والنصر علي الأعداء، وحفظ العهود والتألف بين الناس، حتى كان يوم الفتح فنفي ما أحدث في الإسلام لما في رابطة الدين من الحث علي التعاضد والتعاون ما نعتهم من المخالفة. وقرر ما صدر عنهم في أيام الجاهلية وفاء بالعهود وحفظاً للحقوق. لكن نسخ من أحكامه التوارث وتحمل الجنايات، بالنصوص الدالة علي اختصاص ذلك بأشخاص مخصوصة وارتباطه بأسباب معينة معدودة.

أقول: يلزم علي الوجه الأول التخصيص؛ لأنه لما نفي جنس الحلف علي الفتن والغارات، وعلي نصرة المظلوم وصلة الأرحام أتبعه قوله:((وما كان من حلف)) أي حلف صدق واتفاق علي نصرة المظلوم مخصصاً للعام، فلا يلزم النسخ علي مذهبنا، وعلي الوجه الثاني منسوخ. وقوله:((المؤمنون يد علي من سواهم)) يؤيد الوجه الثاني؛ لأنه جملة مبنية لنفي الحلف المخصوص في

ص: 2479

3497 -

وعن خشف بن مالك، عن ابن مسعود، قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الخطأ عشرين بيت مخاض، وعشرين ابن مخاض ذكور، وعشرين بنت لبون، وعشرين جذعة، وعشرين حقه)) رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي، والصحيح انه موقوف علي ابن مسعود، وخشف مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث، وروي في ((شرح السنة)) أن النبي صلى الله عليه وسلم ودى قتيل خيبر بمائة من إبل الصدقة وليس في أسنان إبل الصدقة ابن مخاض إنما فيها ابن لبون. [3497]

ــ

الإسلام؛ لأن أخوة الإسلام جمعتهم وجعلتهم كيد واحدة، لا يسعهم التخاذل بل يجب علي كل واحد منهم نصرة أخيه. قال تعالي:{إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ} . وقوله ((يجير عليهم أدناهم)) كالبيان السابق؛ ولذلك: لم يؤت بالعاطف، يعني إذا كانوا في حكم اليد الواحدة فهم سواء فالأدنى كالأعلي. وكذلك * ((يرد سراياهم علي قعيدتهم)) جيء بلا واو بيانا، وهو ينصر الوجه الثاني في قوله:((يرد عليهم أقصاهم)) في حديث علي رضي الله عنه. في الفصل الثاني من كتاب القصاص، وإن روي بالواو كما في بعض نسخ المصابيح فبالعكس؛ لاقتضاء العطف المغايرة. ((تو)): أراد بالعقيدة الجيوش النازية في دار الحرب يبعثون سراياهم إلي العدو، فما غنمت يرد منه علي القاعدين حصتهم؛ لأنهم كانوا ردء لهم.

قوله: ((دية الكافر)) ((مظ)): ذهب مالك وأحمد إلي أن ديته نصف دية المسلم، غير أن أحمد قال: إذا كان القتل خطأ وإن كان عمدا لم يقد به، ويضاعف عليه باثني عشر ألفا. وقال أصحاب أبي حنيفة: ديته مثل دية المسلم. وقال الشافعي: ديته ثلث دية المسلم. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ((دية اليهودي والنصرإني أربعة آلاف، ودية لمجوسي ثمانمائة)) من شرح السنة.

قوله: ((ولا تؤخذ صدقاتهم)) لو جعلت الواو كما في قولك: جاء زيد وذهب عمرو ينبغي أن يفسر ((لا جلب ولا جنب)) بما يغايره من السباق في الخيل؛ فإن الجلب حينئذ بمعنى الصوت والزجر ليزيد في شأنه، والجنب بمعنى جانب فرس آخر في جنب فرسه. ولو جعلت كما في قولك: أعجبني زيد وكرمه يجب أن يفسر بما يقع مبينا له، فالجلب هو أن ينزل الساعي موضعا ويبعث إلي أرباب المواشي ليجلبوا إليه مواشيهم، فيأخذ صدقاتهم، والجنب هو أن يبعد أرباب المواشي عن مواضيعهم فيشق علي المصدق طلبهم. ولو جعل الواو كما في قوله تعالي:{ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الحَمْدُ لِلَّهِ} لم يبعد، فيجعل قوله ((لا تؤخذ صدقاتهم)) مسببا عن قوله:((لا جلب ولا جنب)) بأن يخبر عن الأمرين، ويفوض الترتيب إلي الذهن. والله أعلم.

الحديث السابع عن خشف: قوله: ((بنت مخاض)) يحتمل وجهين: أحدهما: أن المراد منه

ص: 2480

3498 -

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: كانت قيمة الدية علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار، أو ثمإنية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين. قال: فكلن كذلك حتى استخلف عمر رضي الله عنه فقام خطيبا، فقال: إن الإبل قد غلت. قال: ففرضها عمر علي أهل الذهب ألف دينار، وعلي أهل الورق اثني عشر ألفا، وعلي أهل البقر مائتي بقرة، وعلي أهل الشاء ألفي شاة، وعلي أهل الحلل مائتي حلة. قال: وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية. رواه أبو داود. [3498]

ــ

الجنس فيشتمل علي الذكور والإناث. وثإنيهما: الأنثى منه وهو المراد في الحديث؛ لعطف قوله: ((وابن مخاض)) عليه، وتأكيده بقوله:((ذكور)) بالجر علي الجوار، كما في المثل: جحر ضب خرب، كذا في الترمذي وأبي داود وشرح السنة وبغض نسخ المصابيح، وفي بعضها ((ذكورا)) وهو ظاهر.

قوله: ((وخشف مجهول)) ((تو)): والعجب من مؤلف المصابيح كيف شهد بصحته موقوفا ثم طعن في الذي يرويه عنه. وقوله: ((وخشف مجهول)) قول لم يبتدعه هو بل سبقه به الأولون الذين خالفوا هذا الحديث. وأراه قد نقله الخطابي، وكان عليه أن لا يبادر فيه، وقد ذكره البخاري في تاريخه فقال: خشف بن مالك سمع عمرو بن مسعود. أقول: قوله: وأراه قد نقله الخطابي ليس بطعن، بل قلده وأبا داود والترمذي، وقال أبو داود: وهو قول عبد الله، وقال الترمذي: حديث ابن مسعود لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه. وقد روى عن عبد الله موقوفا.

وفي شرح السنة: خشف بن مالك مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث. وقوله عن البخاري: إن خشفا سمع عمرو بن مسعود لا يجعله من المشهورين، ولعل غرضه في الطعن تقرير مذهبه. قال في شرح السنة: دية الخطأ أخماس عند أكثر أهل العلم، غير أنهم اختلفوا في تقسيمها، فذهب قوم إلي شرح السنة: دية الخطأ أخماس عند أكثر أهل العلم، غير أنهم اختلفوا في تقسيمها، فذهب قوم إلي أنها عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون حقه، وعشرون جذعة، وبه قال الليث ومالك والشافعي. وأبدل قوم بني اللبون ببني المخاض واحتجبوا بحديث خشف.

الحديث الثامن والتاسع عن عمرو: قوله: ((وترك دية أهل الذمة لم يرفعها)) يعني كانت قيمة دية المسلم علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمإنية آلاف درهم مثلا، وقيمة دية أهل الكتاب نصفه أربعة آلاف درهم، فلما رفع عمر رضي الله عنه دية المسلم إلي اثني عشر ألفا، وقر دية الذمي علي ما كان عليه من أربعة آلاف درهم، صار دية الذمي كثلث دية المسلم مطلقا. ولعل من اوجب الثلث نظرا إلي هذا.

ص: 2481

3499 -

وعن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه جعل الدية اثني عشر ألفا. رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي، والدارمي. [3499]

3500 -

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم دية الخطأ علي أهل القرى أربعمائة دينار أو عدلها من الورق، ويقومها علي أثمان الإبل، فإذا غلت رفع في قيمتها، وإذا هاجت رخص نقص من قيمتها، وبلغت علي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ما بين أربعمائة دينار إلي ثمانمائة دينار، وعدلها من الورق ثمإنية آلاف درهم. قال: وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي أهل البقر مائتي بقرة، وعلي أهل الشاء ألفي شاة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن العقل ميراث بين ورثة القتيل)). وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عقل المرأة بين عصبتها، ولا يرث القاتل شيئا. رواه أبو داود، والنسائي. [3500]

ــ

الحديث العاشر والحادي عشر عن عمرو: قوله: ((وإذا هاجت رخص)) ((قض)): أي ظهرت، من هاج إذا ثار، والتإنيث باعتبار القيمة؛ لأن الرخص رخصها، وهو يدل علي أن الأصل في الدية هو الإبل، فإن أعوزت وجبت قيمتها بالغة ما بلغت، كما قاله الشافعي في الجديد، وأول ما روى من تقدير دراهم أو دنإنير، بأنه تقويم وتعديل باعتبار ما كان في ذلك الزمان لا مطلقا. قوله:((وعدلها)) مرفوع علي الابتداء، وخبره ((ثمإنية آلاف درهم)).

قوله: ((أن عقل المرأة بين عصبتها)) ((تو)): يعني أن العصبة يتحملون عقل المرأة الذي يجب عليهم بسبب جنايتها تحملهم عن الرجل، وأنها ليست كالعبد في جنايته، إذا العاقلة لا تحمل عنه بل تتعلق الجناية برقبته. ((شف)): يمكن أن يكون معناه أن المرأة المقتولة ديتها تركة بين ورثتها كسائر ما تركه لهم. وهذا يناسب باقي الحديث، وهو قوله:((لا يرث القاتل شيئا)) لأنه صلى الله عليه وسلم لما بين أن دية المرأة المقتولة بين ورثتها دخل القاتل في عمومهم، فخصهم بغير القاتل. ومما يؤيد هذا المعنى الحديث السابق علي هذا الحديث، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:((إن العقل ميراث بين ورثة القتيل))، فعلي هذا إنما يتم ويستتب إذا جعل كل واحد من قوله: قال رسول اله صلى الله عليه وسلم: ((إن العقل ميراث بين ورثة القتيل)) وقوله: ((وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عقل المرأة بين عصبتها ولا يرث القاتل شيئا)) حديثين مستقلين برأسهما، فيكون أحدهما مبينا بالآخر، وإما إذا كانا من حديث واحد عن عمرو بن شعيب، وأخرجه أبو داود والنسائي كما في متن المشكاة. فلا؛ لئلا يلزم التكرار، ويكون قوله:((ولا يرث القاتل)) متعلقا بقوله: ((إن العقل ميراث)) لا بالثاني؛ ولأن ميراث القتيل لا يختص بالعصبة، بل العصبة مختصة بالعقل. والله أعلم.

ص: 2482

3501 -

وعنه، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((عقل شبه العمد مغلط، مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه)) رواه أبو داود. [3501]

2502 -

وعنه، عن أبيه، عن جده، قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية. رواه أبو داود، والنسائي. [3502]

3503 -

وعن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة: عبد، أو امة، أو فرس، أو بغل. رواه أبو داود، وقال: روي هذا الحديث حماد بن سلمة وخالد الواسطي عن محمد بن عمرو ولم يذكر: أو فرس أو بغل. [3503]

3504 -

وعن عمر بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن)) رواه أبو داود، والنسائي. [3504]

3505 -

وعن عمران بن حصين: لن غلاما لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس

ــ

الحديث الثاني عشر عن عمرو: ((عقل شبه العمد مغلط)) مضى بحثه في الحديث الأول من الفصل الثاني.

الحديث لثالث عشر عن عمرو: قوله: ((القائمة السادة)) ((تو)): أراد بها العين التي لم تخرج من الحدقة ولم يخل موضوعها، فبقيت في رأي العين علي ما كانت ولم تشوه خلقتها، ولم يذهب منها جمال الوجه. والحديث لو صح فإنه يحمل علي أنه أوجب فيها ثلث الدية علي معنى الحكومة. ((حس)): معنى الحكومة أن يقال: لو كان هذا المجروح عبدا كم كان ينتقص بهذه الجراحة من قيمته؟ فيجب من ديته بذلك القدر. وحكومة كل عضو لا تبلغ دية المقدرة، حتى لو جرح رأسه جراحة دون الموضحة، لا تبلغ حكومتها أرش الموضحة وإن فحش شينها.

الحديث الرابع عن محمد: قوله: ((أو فرس أو بغل)) ((مح)): الغرة عند العرب أنفس شيء، وأطلقت هنا علي الإنسان؛ لأن الله تعالي خلقه في أحسن تقويم. وأما ما جاء في بعض الروايات في غير الصحيح:((أو فرس أو بغل)) فرواية باطلة، وقد أحدثها بعض السلف. ((حس)): قيل: ذكر الفرس والبغل وهم من عيسى بن يونس.

الحديث الخامس عشر عن عمرو: قوله: ((من تطيب)) ((مظ)) *: لا أعلم خلافا في أن المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامنا، والمتعاطي علما أو عملا لا يعرفه معتد، فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية وسقط عنه القود؛ لأنه لا يستبد بذلك دون إذن المريض وجناية الطبيب في قول عامة الفقهاء علي عاتقه. والله أعلم.

الحديث السادس عشر عن عمران: قوله: ((أن غلاما لأناس)) ((مظ)) *: هذا الغلام كان حرا

ص: 2483

أغنياء، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا أناس فقراء، فلم يجعل عليهم شيئا. رواه أبو داود، والنسائي. [3505]

الفصل الثالث

3506 -

عن علي [رضي الله عنه]، أنه قال: دية شبه العمد أثلاثا: ثلاث وثلاثون حقه، وثلاث وثلاثون جذعة، وأربع وثلاثون ثنية إلي بازل عامها كلها خلفات. وفي رواية: قال: في الخطأ أرباعا: خمس وعشرون حقه، وخمس وعشرون جذعة، وخمس وعشرون بنات لبون، وخمس وعشرون بنات مخاض. رواه أبو داود. [3506]

3507 -

وعن مجاهد، قال قضى عمر [رضي الله عنه] في شبه العمد ثلاثين حقه، وثلاثين جذعة، وأربعين خلقة ما بين ثنية إلي بازل عامها. رواه أبو داود. [3507]

ــ

وكان جنايته خطأ، وكانت عاقلته فقراء، فلم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا؛ لأن العاقلة إنما تواسي عن وجد سعة ولا شيء علي الفقير منهم. ولا يجوز أن يكون الغلام المجني عليه عبدا؛ إذ لو كان عبدا لم يكن لاعتذار أهله بالفقر معنى؛ لأن العاقلة لا تتحمل عبدا، فإن الغلام المملوك إذا جنى علي عبد أو حر، فجنايته في رقبته في قول عامة أهل العلم.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن علي رضي الله عنه: قوله: ((دية شبه العمد)) مبتئأ، وقوله:((ثلاث وثلاثون)) خبره، وقد وقع التمييز وهو قوله:((أثلاثا)) بينهما، كما يقال: التصريف لغة التغيير مثلا، أو نصب علي تقدير ((أعنى))، وعلي هذا قوله:((خمس وعشرون)) خبر مبتدأه محذوف، ((وأرباعا)) تمييز. وقوله:((في الخطأ)) من قول الراوي أي قال علي رضي الله عنه في شأن الخطأ: دية الخطأ خمس وعشرون. وقوله: ((إلي بازل عامها)) متصل بقوله: ((ثنية)) بدليل قوله في الحديث الآتي: ((ما بين ثنيته إلي بازل عامها)).

((نه)): الثني من الإبل والثنية، ما دخل في السنة السادسة، والبازل ما تم ثمإني سنين ودخل في التاسعة، وحينئذ يطلع نابه وتكمل قوته، ثم يقال له بعد ذلك بازل عام وبازل عامين. أقول: ومنه حديث علي رضي الله عنه ((بازل عامين حديث سني)) أي يقول البازل: أنا مستجمع الشباب مستكمل القوة، أو كل من رإني مستجمع الشباب مستكمل القوة يقول: هذا بازل عامين.

الحديث الثاني والثالث عن سعيد: قوله: ((يطل)) ((نه)) يقال: طل دمه إذا أهدر. وقوله: ((من

ص: 2484