المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1) باب ما علي الولاة من التيسير - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٨

[الطيبي]

الفصل: ‌(1) باب ما علي الولاة من التيسير

(1) باب ما علي الولاة من التيسير

الفصل الأول

3722 -

عن أبي موسى، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره. قال: ((بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا)) متفق عليه.

3723 -

وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا)) متفق عليه.

3724 -

وعن ابن أبي بردة، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم جده أبا موسى ومعاذا إلي اليمن. فقال: ((يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا)) متفق عليه.

ــ

باب ما علي الولاة من التيسير

الفصل الأول

الحديث الأول عن أبي موسى: قوله: ((بشروا ولا تنفروا)) من باب المقابلة المعنوية إذا الحقيقة أن يقال: بشروا ولا تنذروا، واستأنسوا ولا تنفروا، فجمع بينهما ليعم البشارة والنذارة الاستئناس والتنفير.

الحديث الثاني والثالث عن أبي بردة: قوله: ((وتطاوعا)) يعني كونا متفقين في الحكم ولا تختلفا؛ فإن اختلافكما يؤدي إلي اختلاف أتباعكما، وحينئذ تقع العداوة والمحاربة بينهم. أقول: والأحاديث الثلاثة متعاضدة علي معنى عدم الحرج والتضييق في أمور الملة الحنيفة السمحة، كما قال تعالي:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} من حرج مفعول أول ((وفي الدين)) ثان، و ((من)) زيدت للاستغراق والتنكير في ((حرج)) للشيوع، و ((عليكم)) متعلق به، قدم للاختصاص، كأنه قيل: وسع الله عليكم دينكم يا أمة نبي الرحمة خاصة، ورفع عنكم الحرج ايا كان، فظهر من هذا ترجيح فعل الأولين من السلف الصالح علي رأي المتكلمين، فيما نقله الشيخ محي الدين النواوي في الروضة من الشرح الكبير، من أنه لا يشترط أن يكون للمجتهد مذهب مدون، وإذا دونت المذاهب فهل يجوز للمقلد أن ينتقل من مذهب إلي مذهب؟ ، إن قلنا يلزمه الاجتهاد في طلب الأعم وغلب علي ظنه أن الثاني أعلم، ينبغي أن يجوز بل يجب، وإن خيرناه فينبغي أن يجوز أيضا، كما لو قلد في القبلة هذا أياما وهذا أياما. ولو قلد مجتهدا

ص: 2590

3725 -

وعن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان)) متفق عليه.

3726 -

وعن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به)) متفق عليه.

3727 -

وعن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة)). وفي رواية: ((لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة)) رواه مسلم.

ــ

في مسائل وآخر في مسائل أخرى واستوي المجتهدان عنده خيرناه. فالذي يقتضيه فعل الأولين الجواز، وكما أن الأعمى إذا قلنا: لا يجتهد في الأوإني والثياب، له أن يقلد في الثياب واحدا وفي الأوإني آخر.

لكن الأصوليون منعوا منه للمصلحة، وحكى الحناطي وغيره عن أبي إسحاق فيما إذا اختار من كل مذهب ما هو أهون عليه أنه يفسق به، وعن أبي هريرة أنه لا يفسق، ويعض هذا الترجيح قول الإمام مالك رضي الله عنه حين أراد الرشيد الشخوص من المدينة إلي العراق، قال له: ينبغي أن تخرج معي؛ فإني عزمت أن أحمل الناس علي الموطأ كما حمل عثمان الناس علي القرآن، فقال: إما حمل الناس علي الموطأ فليس إلي ذلك سبيل؛ لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم افترقوا بعده في الأمصار فحدثوا، فعند كل أهل مصر علم، وقد قال صلى الله عليه وسلم:((اختلاف أمتي رحمة)).

الحديث الرابع إلي آخر الفصل عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((هذه غدرة فلان)) أي هذه علامة غدرة فلان فيشتهر بين الناس ويفتضح علي رءوس الأشهاد، وينصره قوله:((يرفع له بقدر غدرة)) قوله: ((لكل غادر لواء)) ((قض)): الغدر في الأصل ترك الوفاء وهو شائع في أن يغتال الرجل من في عهده وأمنه، والمعنى أن الغادر ينصب وراءه لواء غدره يوم القيامة تشهيرا بالغدر وإخزاء وتفضيحا علي رءوس الأشهاد.

وإنما قال: ((عند استه)) استخفافا بذكره واستهانة لأمره، أو لأنه لما كان أمارة الوفاء وحسن العهد رواء الوجه وبهاؤه، ناسب أن تكون علامة الغدر ولواءه فيما هو كالمقابل له وعنده. يريد ب ((أمير العامة)) من قدمه العوام وسفلات الناس، ولم يكن له استحقاق ولا لأهل الحل والعقد، من خواص الناس عليه اتفاق، وإنما عظم غدره وفضله علي سائر أنواع الغدر؛ لأن نقض عهد

ص: 2591

الفصل الثاني

3728 -

عن عمرو بن مرة انه قال لمعاوية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من ولاه الله شيئا من أمر المسلمين، فاحتجب دون حاجتهم، وحلتهم، وفقرهم؛ احتجب الله دون حاجته، وخلته، وفقره)). فجعل معاوية رجلا علي حوائج الناس. رواه أبو داود، والترمذي. وفي رواية له ولأحمد:((أغلق الله له أبواب السماء دون خلته، وحاجته، ومسكنته)). [3728]

ــ

الله ورسوله بتولي ما لا يستعده ومنعه عمن يستحقه، وعهود المسلمين، بالخروج علي إمامهم والتغلب علي نفوسهم وأموالهم.

((مح)): وفيه بيان غلظ تحريم الغدر لا سيما من صاحب الولاية العامة؛ لأن غدره يتعدى ضرره إلي خلق كثير، والمشهور أن هذا الحديث وارد في ذم الإمام الغادر، وغدره للأمانة التي قلدها لرعيته والتزام القيام بها والمحافظة عليها، فمتى خانهم أو ترك الشفقة عليهم والرفق بهم فقد غدر بعهده، ويحتمل أن يكون المراد نهي الرعية عن الغدر بالإمام، فلا يشق عليهم العصا، ولا يتعرض لما يخاف حصول فتنة بسببه، والصحيح الأول.

أقول: إذا جعل سياق الكلام للأمير وغدره، ويجعل الكلام السابق كالمقدمة والتمهيد لذكر غدر الإمام، كما يقتضيه هذا الباب كان ما قاله، والصحيح الأول مستقيما، وإذا جعل ذكر غدر الإمام كالاستطراد لا الأصالة لذكر الغدر العام كلن الاحتمال الثاني أرجح وهو الظاهر لعمومه فيدخل غدر الإمام فيه دخولا أوليا، ويؤيده الحديثان السابقان عليه وعلي هذا التفسير الإضافة في أمير عامة إضافة محضة، وعلي التفسير الثاني إضافة إلي الفاعل وهي غير محضة.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن عمرو: قوله: ((فاحتجب)) ((قض)): والمراد باحتجاب الوالي أن يمنع أرباب الحوائج والمهمات، أن يلجوا عليه فيعرضوها ويعسر عليهم إنهاؤها، واحتجاب الله تعالي أن لا يجيب دعوته ويخيب آماله. والفرق بين الحاجة والخلة والفقر، أن الحاجة ما يهتم به الإنسان وإن لم يبلغ حد الضرورة بحيث لو لم يحصل لاختل به أمره. والخلة ما كان كذلك، مأخوذ من الخلل، ولكن ربما لم يبلغ حد الاضطرار بحيث لو لم يوجد لامتنع التعيش، والفقر هو الاضطرار إلي ما لا يمكن التعيش دونه، مأخوذ من الفقار كأنه كسر فقاره؛ ولذلك فسر الفقير بالذي لا شيء له أصلا، واستعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفقر. ((مظ)): يعني من احتجب دون حاجة الناس وخلتهم فعل الله به يوم القيامة ما فعل بالمسلمين

ص: 2592

الفصل الثالث

3729 -

عن أبي الشماخ الأزدي، عن ابن عم له من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أنه أتى معاوية، فدخل عليه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ولي من أمر الناس شيئا، ثم أغلق بابه دون المسلمين، أو المظلوم، أو ذي الحاجة؛ أغلق الله دونه أبواب رحمته عند حاجته وفقره أفقر ما يكون إليه)). [3729]

3730 -

وعن عمر بن الخطاب [رضي الله عنه]، أنه كان إذا بعث عماله شرط عليهم: أن لا تركبوا برذونا، ولا تأكلوا نقيا، ولا تلبسوا رقيقا، ولا تغلقوا أبوابكم دون حوائج الناس، فإن فعلتم شيئا من ذلك؛ فقد حلت بكم العقوبة، ثم يشيعهم. رواهما البيهقي في ((شعب الإيمان)). [3730]

ــ

أقول: ولعل هذا الوجه أعنى التقييد بيوم القيامة أرجح؛ لأن الترقي في قوله: ((حاجته وخلته وفقره)) في شأن الملوك والسلاطين يؤدون بسد باب فوزهم بمطالبهم ونجاح حوائجهم بالكلية، وليس ذلك إلا في العقبى ، ونحوه قوله تعالي:{كَلَاّ إنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} تغليظا عليهم وتشديدا، ولما كان جزاء المقسطين يوم القيامة أن يكونوا علي منابر من نور علي يمين الرحمن كان جزاء القاسطين البعد، والاحتجاب عنهم والإقناط عن مباغيهم، ويؤيده قوله في الحديث الذي يليه:((أفقر ما يكون)).

الفصل الثالث

الحديث الأول عن أبي الشماخ: قوله: ((من أمر الناس)) التعريف فيه لاستغراق الجنس، فيدخل فيه المسلم والذمي والمعاهد. وقوله:((دون المسلمين أو المظلوم أو ذي الحاجة)) تفصيل لهم، فيفهم أن المسلم لا يمنع مطلقا، سواء كان مظلوما أو ذا حاجة، وغيرهم لا يدخل إلا للتظلم أو لحاجة ماسة. وقوله:((أفقر ما يكون)) قد مر أن ((ما)) مصدرية والوقت مقدر، و ((أفقر)) حال في المضاف إليه في ((فقرة)) وجاز لأنه أضاف المصدر إلي الفاعل، وليس هذا الافتقار الكلي في وقت من الأوقات إلا وقت القيامة كما سبق في الحديث السابق.

الحديث الثاني عن عمر رضي الله عنه: قوله: ((برذونا)) المغرب: البرذون التركي من الخيل والجمع البراذين، وخلافها العراب والأنثى برذونة. أقول: إذا جعل علة النهي عن ركوب البراذين الخيلاء والتكبر كان النهي عن ركوب العراب أحرى وأولي.

ص: 2593