المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(2) باب آداب السفر - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٨

[الطيبي]

الفصل: ‌(2) باب آداب السفر

(2) باب آداب السفر

الفصل الأول

3892 -

عن كعب بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الخميس في غزوة تبوك، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس. رواه البخاري.

3893 -

وعن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم؛ ما سار راكب بليل وحده)) رواه البخاري.

3894 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس)) رواه مسلم.

ــ

باب آداب السفر

الفصل الأول

الحديث الأول عن كعب رضي الله عنه: قوله: ((تبوك)) (((مخيم اليرموك))): التبوك تثوير الماء بعود ونحوه ليخرج من الأرض. وبه سميت غزوة تبوك. ((تو)): اختياره صلى الله عليه وسلم يوم الخميس للخروج محتمل لوجوه: أحدها: أنه يوم مبارك ترفع فيه أعمال العباد إلي الله تعالي، وقد كانت سفراته لله وفي الله والي الله، فأحب أن يرفع له فيه عمل صالح. وثإنيها: أنه أتم أيام الأسبوع عددا. وثالثها: أنه كان يتفاءل بالخميس في خروجه، وكان من سنته أن يتفاءل بالاسم الحسن. والخميس الجيش لأنهم خمس فرق: المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة. فيرى في ذلك من الفأل الحسن حفظ الله له وإحاطة جنوده به حفظا وحماية. وزاد القاضي: ولتفاؤله بالخميس عى أنه يظفر علي الخميس الذي هو جيش العدو ويتمكن عليهم. والأشرف: أو لأنه يخمس فيه الغنيمة.

الحديث الثاني عن عبد الله رضي الله عنه: قوله: ((ما في الوحدة)) ((ما)) الأولي استفهامية علق العلم علي العمل، والثانية موصولة والثالثة نافية. ((مظ)) *: فيه مضرة دينية إذ ليس من يصلي معه بالجماعة، وضرة دنيوية؛ إذ ليس معه من يعينه في الحوائج.

أقول: وكان من حق الظاهر أن يقال: ما سار أحد وحده. فقيد بالراكب والليل؛ لأن الخطر بالليل أكثر، وأن انبعاث الشر فيه أكثر والتحرز منه أصعب، ومنه قولهم: الليل أخفي للويل. وقولهم: أعذر الليل لأنه إذا أظلم كثر فيه العذر لا سيما إذا كان راكبا؛ فإنه له خوف جفلة المركوب ونفوره من أدنى شيء، والتهوي في الوهدة بخلاف الراجل.

الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((رفقة)) ((مح)): هي بكسر الراء

ص: 2678

3895 -

وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الجرس مزامير الشيطان)) رواه مسلم.

3896 -

وعن أبي بشير الأنصاري: أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا:((لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر – أو قلادة – إلا قطعت)) متفق عليه.

ــ

وضمها. والمراد بالملائكة ملائكة الرحمة لا الحفظة، وسبب الحكمة في عدم مصاحبة الملائكة مع الجرس أنه شبيه بالنواقيس، أو لأنه من المعاليق المنهي عنها لكراهة صوتها، ويؤيده قوله:((مزامير الشيطان)) وهو مذهبنا ومذهب مالك. وهي كراهة تنزيه. وقال جماعة من متقدمي علماء الشام: يكره الجرس الكبير دون الصغير.

((حس)): روى أن جارية دخلت علي عائشة رضي الله عنها وفي رجلها جلاجل، قالت عائشة رضي الله عنها: أخرجوا عني مفرقة الملائكة. وروى أن عمر رضي الله عنه قطع أجراسا في رجل الزبير، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن مع كل جرس شيطانا)). قوله: ((ولا جرس)) جاز عطفه علي قوله: ((فيها كلب)) وإن كان مثبتا لأنه في سياق النفي.

الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((مزامير الشيطان)) أخبر عن المفرد بالجمع إما إرادة للجنس أو أن صوتها لا ينقطع كلما تحرك المعلق به، لا سيما في السفر، بخلاف المزامير المتعارفة كقول الشاعر: معي جياعا. وصف المفرد بالجمع ليشعر بأن كل جزء من أجزاء المعي بمثابته لشدة الجوع. وأضاف إلي الشيطان لأن صوته لم يزل يشغل الإنسان عن الذكر والفكر. والله أعلم.

الحديث الخامس عن أبي بشير: قوله: ((لا تبقين)) إما صفة لـ ((رسولا)) أي أرسل رسولا آمرا له أن ينادي في الناس بهذا، أو حال من فاعل ((أرسل)) أي أرسل رسولا آمرا له أن ينادي بهذا، والأول أظهر. ومعنى الاستثناء إنما يستقيم إذا فسر ((لا يبقين)) بـ ((لا يتركن)). والاستثناء مفرغ، والمستثنى منه أعم عام الأحوال.

((حس)): تأويل مالك رضي الله عنه أمره صلى الله عليه وسلم بقطع القلائد علي أنه من أجل العين؛ وذلك أنهم كانوا يشدون بتلك الأوتار والقلائد التمائم، ويعلقون عليها العوذ يظنون أنها تعصم من الآفات، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عنها وأعلمهم أنها لا ترد من أمر الله شيئا. وقال غيره: إنما أمر بقطعها لأنهم كانوا يعلقون عليها الأجراس. وقد سبق هذا في باب أدب الخلاء. و ((أو)) من شك الراوي. ((مح)): قال محمد بن الحسن وغيره: معناه لا تقلدوها أوتار القسي لئلا تضيق علي عنقها فتخنقها.

ص: 2679

3897 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حقها من الأرض، وإذا سافرتم في السنة فأسرعوا عليها السير، وإذا عرستم بالليل فاجتنبوا لطريق فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل)). وفي رواية: ((إذا سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها)) رواه مسلم.

ــ

الحديث السادس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((حقها من الأرض)) ((قض)): أي حظها من نباتها، يعني دعوها ساعة فساعة ترعى؛ إذ حقها من الأرض رعيها فيها. وفيه ((وإذا سافرتم في السنة فأسرعوا عليها السير)) أي إذا كان الزمان زمان قحط فأسرعوا السير عليها، ولا تتوقفوا في الطريق ليبلغكم المنزل قبل أن يضعف. وقد صرح بهذا في الرواية الأخرى:((وهي إذا سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها)) أي أسرعوا عليها السير ما دامت قوته باقية. ((النقي)) هو المخ.

أقول: وإنما أثبت لها الحق وصرح بها في القرينة الأولي علي الأرض؛ لأن الله تعالي أنزل من السماء ماء فأخرج الكلأ والعشب لرعيها، فلا ينبغي أن يهضم حقها منها. وخص النقي وكنى في الثانية دلالة علي أن المخ أيضا من حقها، بخلاف اللحم فإن السير سواء كان في الخصب أو في القحط ينقص من اللحم، فإذا كان المخ الذي منه القوة وعليه قيامها باقيا، لا يتطرق إليها ما ينقص من حقها، وفي إذهابه الظلم.

((تو)): ومن الناس من يرويه ((نقبها)) بالباء الموحدة بعد القاف، ويرى الضمير فيه راجعا إلي الأرض، ويفسر النقب بالطريق وليس ذلك بشيء، ومن التصحيفات التي لم يزل فيها العالم فضلا عن الجاهل. ((شف)): قال في الصحاح: نقب البعير – بالكسر – إذا رقت أخفافه، وأنقب الرجل إذا نقب بعيره، ونقب الخف الملبوس إذا تخرقت. ويمكن أن يجعل هذا اللفظ بهذا المعنى فلا يكون تصحيفا.

أقول: قد ضبطه الشيخ محيي الدين في شرح صحيح مسلم، وقال: نقيها بكسر النون وإسكان القاف وهو المخ. ولم يبين إعرابه، ويحتمل الحركات الثرث أن يكون منصوبا مفعولا به.

قال في أساس البلاغة: بدر إلي الخير وبادره الغاية والي الغاية، قال: فبادروها ولجات الخمر أي مواضع الولوج، وفلان يبادر في أكل مال اليتيم بلوغه بدارا، وتبادروا الباع وابتدروها. وقيل: تبادر الباع من خصال الكرام، ومنه: إذا الكرام ابتدروا الباع. بدر عداه إلي المفعول الأول بالواسطة وبغيرها والي المفعول الثاني بالواسطة وبغيرها، وهذا من القسم الأخير. وجعل ذهاب النفي بمنزلة المبادر إلي الغاية وجاء بالمفاعلة. و ((بها)) حال منه، أي بادروا نقيها إلي المقصد ملتبسا بها، أو من الفاعل أي ملتبسين بها. ويجوز أن تكون الباء

ص: 2680

3898 -

وعن أبي سعيد الخدري، قال: بينما نحن في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه رجل علي راحلة فجعل يضرب يميناً وشمالاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من كان معه فضل ظهر فليعد به من لا ظهر له ومن كان له فضل زاد فليعد به علي من لا زاد له)) قال: فذكر من أصناف المال حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل. رواه مسلم.

ــ

سببية أي بادروا بسبب سيرها نقيها، وأن تكون للاستعانة، أي بادروا نقيها مستعينين بسيرها، ومنه الحديث:((بادروا بالأعمال ستاً الدخان والدجال)) الحديث. ويجوز أن يكون مرفوعاً فاعلا للظرف وهو حال، أي بادروا إلي المقصد ملتبسين بها نقيها، أو مبتدأ والجار والمجرور خبره والجملة حال كقولهم: فوه إلي في. وأن يكون مجروراً بدلاً من الضمير المجرور، المعنى: بادروا سارعوا بنقيها إلي المقصد باقية النفي، فالجار والمجرور حال. وليت شعري كيف يستقيم المعنى مع إرادة نقب الخف؟

قوله: ((وإذا عرستم)) ((مح)): التعريس النزول في آخر الليل للنوم والراحة، وقيل: هو النزول أي وقت كان من ليل أو نهار، والمراد في الحديث الأول أرشد إليه صلوات الله عليه وسلامه؛ لأن الحشرات ودواب الأرض وذوات السموم والسباع وغيرها تطرق في الليل علي الطرق لتلتقط ما سقط من المارة من مأكول ونحوه.

الحديث السابع عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((فجعل يضرب يميناً وشمالاً)) ((مظ)): أي طفق يمشي يميناً وشمالا، أي يسقط من التعب أن كان راحلته ضعيفة لم يقدر أن يركبها فمشى راجلا. ويحتمل أن تكون راحلته قوية إلا أنه قد حمل عليها زاده وأقمشته، ولم يقدر أن يركبها من ثقل حملها فطلب له صلوات الله عليه من الجيش فضل ظهر أي دابة زائذة علي حاجة صاحبها.

أقول: في توجيهه إشكال؛ لأن ((علي راحلة)) صفة ((رجل)) أي راكب عليها. وقوله: ((فجعل)) عطف علي جاء بحرف التعقيب، اللهم إلا أن يتمحل ويقال: إنه عطف علي محذوف، أي فنزل فجعل يمشي، والأوجه أن يقال: إن ((يضرب)) مجاز عن أن يلتفت لا عن يمشي أي فطفق يلتفت يميناً وشمالاً، وبهذا أيضاً يسقط الاحتمال الثاني الذي يأباه المقام، ويشهده ما روى في صحيح مسلم. قال الشيخ محيي الدين: جاء رجل علي راحلة فجعل يلتفت يصرف بصره يميناً وشمالاً، هكذا في بعض النسخ، وفي بعضها: يميناً وشمالاً وليس فيها ذكر بصره. وفي بعضها ((يضرب)) – بالضاد المعجمة – المعنى يصرف بصره متعرضاً بشيء يدفع به حاجته.

وفيه حث علي الصدقة والمواساة والإحسان إلي الرفقة والأصحاب، والاعتناء بمصالحهم والسعي في قضاء حاجة المحتاج يتعرض للعطاء وتعريضه من غير سؤال، وإن كان له راحلة

ص: 2681

3899 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى نهمته من وجهه فليجعل إلي أهله)). متفق عليه.

3900 -

وعن عبد الله بن جعفر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقي بصبيان أهل بيته، وإنه قدم من سفر فسبق بي إليه، فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة، فأردفه خلفه، قال: فأدخلنا المدينة ثلاثة علي دابة. رواه مسلم.

3901 -

وعن أنس، أنه أقبل هو وأبو طلحة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع النبي صلى الله عليه وسلم صفية مردفها علي راحلته. رواه البخاري.

ــ

وعليه ثياب أو كان موسراً في وطنه، يعطي من الزكاة في هذا الحال. والله أعلم. قوله:((فليعد به)) أي فليرفق به ويحمله علي ظهره. قال في أساس البلاغة: تقول: عاد إلينا فلان بمعروفه، وهذا الأمر أعود عليك أي أرفق بك من غيره.

الحديث الثامن عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((نهمته)) ((تو)): النهمة بلوغ الهمة في الشيء، وقد نهم بكذا فهو منهوم أي مولع به انتهي كلامه. و ((من وجهه)) متعلق بـ ((قضى)) أي إذا حصل مقصوده من جهته وجانبه الذي توجه إليه. ((خط)): فيه الترغيب في الإقامة لئلا تفوته الجمعات والجماعات والحقوق الواجبة للأهل والقرابات، وهذا في الأسفار غير الواجبة، ألا تراه يقول صلى الله عليه وسلم:((فإذا قضي نهمته فليعجل إلي أهله)) أشار إلي السفر الذي له نهمة وأرب من تجارة أو تقلب دون السفر الواجب كالحج والغزو. انتهي كلامه.

((حس)): فيه دليل علي تغريب الزإني؛ قال الله تعالي: {ولْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ المُؤْمِنِينَ} والتغريب عذاب كالجلد. ((مح)): سمي الفطر قطعة من العذاب؛ لما فيه من المشقة والتعب ومعاناة الحر والبرد والخوف والسري، ومفارقة الأهل والأصحاب وخشونة العيش.

الحديث التاسع عن عبد الله: قوله: ((ثلاثة علي دابة)) حال موطئة أي ثلاثة كائنة علي دابة كقوله تعالي: {لِّسَانًا عَرَبِيًا} .

الحديث العاشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((أقبل)) أكد المستتر ليعطف المظهر عليه، و ((مع النبي)) ظرف ((أقبل)) أو حال أي مصاحبين النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله:((مردفها)) حال من ((النبي)) والعامل متعلق الظرف كأنهم أقبلوا من سفر علي هذه الهيئة والحالة. وكذا صرح في شرح السنة عن أنس قال: أقلبنا من خيبر وبعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم رديفه.

ص: 2682

3902 -

وعنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله ليلاً، وكان لا يدخل إلا غدوة أو عشية. متفق عليه.

3903 -

وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلاً)). متفق عليه.

3904 -

وعنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إذا دخلت ليلاً فلا تدخل علي أهلك حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة)) متفق عليه.

3905 -

وعنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة نحر جزوراً أو بقرة. رواه البخاري.

3906 -

وعن كعب بن مالك، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقدم من سفر إلا نهاراً في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلي فيه ركعتين، ثم جلس فيه للناس. متفق عليه.

3907 -

وعن جابر، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما قدمنا المدينة قال لي:((ادخل المسجد فصل فيه ركعتين)) رواه البخاري.

ــ

الحديث الحادي عشر والثاني عشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((إلا غدوة أو عشية)) لم يرد بالعشية الليل كقوله: ((لا يطرق أهله ليلا)) وإنما المراد بعد العصر كقوله تعالي: {وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} الكشاف: {وَعَشِيًّا} صلاة العصر ((وتظهرون)) صلاة الظهر. ((نه)): الظروف من الطرق وهو الدق، وسمي الآتي بالليل طارقاً لحاجته إلي دق الباب. ((حس)): عن ابن عباس أنه قال: فطرق رجلان بعد نهي النبي صلى الله عليه وسلم فوجد كل واحد منهما مع امرأته رجلا.

الحديث الثالث عشر إلي السادس عشر عن جابر رضي الله عنها: قوله: ((تستحد المغيبة)). ((تو)): الاستحداد حلق شعر العانة، وأغابت المرأة إذا غاب عنها زوجها فهي مغيبة بالهاء وشذ بلا هاء وأراد بالاستحداد أن تعالج شعر عانتها بما منه المعتاد من أمر النساء، ولم بد به استعمال الحديد؛ فإن ذلك غير مستحسن في أمرهن. والشعثة المتفرقة الشعر.

((مح)): هذه كلها تكره لمن طال سفره، فأما من سفره قريب يتوقع إتيانه ليلا فلا بأس؛ لقوله:((إذا أطال الرجل الغيبة)) وكذا إذا كان في قفل عظيم أو عسكر ونحوهم، واشتهر قدومهم، وعلمت امرأته وأهله أنه قادم فلا بأس بقدومه ليلاً؛ لزوال المعنى الذي هو سببه، فإن المراد التهيؤ وقد حصل ذلك.

الحديث السابع عشر عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((جزوراً أو بقرة)) أي السنة لمن قدم من سفر أن يضيف بقدر وسعه. والله أعلم.

ص: 2683

الفصل الثاني

3908 -

عن صخر بن وداعة الغامدي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك لأمتي في بكورها)) وكان إذا بعث سرية أو جيشاً بعثهم من أول النهار، وكان صخر تاجراً. فكان يبعث تجارته أول النهار، فأثرى وكثر ماله. رواه الترمذي، وأبو داود، والدارمي. [3908]

3909 -

وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالدلجة، فإن الأرض تطوي بالليل)) رواه أبو داود. [3909]

3910 -

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب)) رواه مالك، والترمذي، وأبو داود، والنسائي. [3910]

ــ

الفصل الثاني

الحديث الأول عن صخر: قوله: ((في بكورها)) ((مظ)): المسافرة سنة في أول النهار، وكان صخر هذا يراعي هذه السنة وكان تاجراً يبعث ماله في أول النهار للتجارة، فكثر ماله ببركة مراعاة السنة؛ لأن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم مقبول لا محالة.

الحديث الثاني عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((بالدلجة)) ((مظ)): الدلجة بضم الدال وسكون اللام اسم من أدلج القوم – بسكون الدال – إذا سافروا أول الليل، والدلجة أيضاً اسم من ادلجوا – بفتح الدال وتشديدها – إذا ساروا آخر الليل. يعني لا تقنعوا بالسير نهاراً، بل سيروا بالليل أيضاً؛ فإنه يسهل بحيث يظن الماشي أنه سار قليلاً وقد سار كثيراً.

الحديث الثالث عن عمرو رضي الله عنه: قوله: ((الراكب شيطان)) ((مظ)): يعني مشي الواحد منفرداً منهي، وكذلك مشي الاثنين. ومن ارتكب منهياً فقد أطاع الشيطان، ومن أطاعه فكأنه هو؛ فلهذا أطلق صلى الله عليه وسلم اسمه عليه. ((حس)): معنى الحديث عندي ما روي عن سعيد بن المسيب مرسلاً: الشيطان يهم بالواحد وبالاثنين فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم. روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال في رجل سافر وحده: أرأيتم إن مات من أسأل عنه؟.

ص: 2684

3911 -

وعن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم)) رواه أبو داود. [3911]

3912 -

وعن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة)) رواه الترمذي، وأبو داود، والدارمي، وقال الترمذي: هذا حديث غريب. [3912]

ــ

((خط)): المنفرد في السفر إن مات لم يكن بحضرته من يقوم بغسله ودفنه وتجهيزه ولا عنده من يوصى إليه في ماله، ويحتمل تركته إلي أهله ويورد خبره عليهم، ولا معه في السفر من يعينه علي الحمولة، فإذا كانوا ثلاثة تعاونوا وتناوبوا المهنة والحراسة، وصلوا الجماعة وأحرزوا الحظ فيها.

الحديث الرابع عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((فليؤمروا أحدهم)) ((حس)): إنما أمر بذلك ليكون أمرهم جميعاً ولا يقع بينهم خلاف فيتبعوا فيه. وفيه دليل علي أن الرجلين إذا حكما رجلاً بينهما في قضية فقضى بالحق نفذ حكمه.

الحديث الخامس عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((خير الصحابة أربعة)) قال أبو حامد: المسافر لا يخلو عن رجل يحتاج إلي حفظه وعن حاجة يحتاج إلي التردد فيها، ولو كانوا ثلاثة لكان المتردد واحداً فيبقى بلا رفيق، فلا يخلو عن خطر وضيق قلب لفقد الإنيس. ولو تردد اثنان لكان الحافظ وحده. ((مظ)): يعني الرفقاء إذا كانوا أربعة خير من أن يكونوا ثلاثة لأنهم إذا كانوا ثلاثة ومرض أحدهم وأراد أن يجعل أحد رفيقيه وصى نفسه لم يكن هناك من يشهد بإمضائه إلا واحد فلا يكفي، ولو كانوا أربعة كفي شهادة اثنين؛ ولأن الجمع إذا كان أكثر تكون معاونة بعضهم بعضاً أتم، وفضل صلاة الجماعة أيضاً أكثر، فخمسة خير من أربعة، وكذا كل جماعة خير ممن أقل منهم لا من فوقهم.

أقول: جميع قرائن الحديث دائرة علي الأربع، واثنا عشر ضعفاً أربع، ولعل الإشارة بذلك إلي الشدة والقوة واشتداد ظهرإنيهم تشبيهاً بأركان البناء؛ ولذلك قال لوط عليه السلام: {أَوْ

ص: 2685

3913 -

وعن جابر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلف في المسر، فيرجي الضعيف، ويردف، ويدعو لهم. رواه أبو داود. [3913]

3914 -

وعن أبي ثعلبة الخشني، قال: كان الناس إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان)) فلم ينزلوا بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلي بعض، حتى يقال: لو بسط عليهم ثوب لعمهم. رواه أبو داود. [3914]

ــ

آوِي إلي رُكْنٍ شَدِيدٍ} فهو أبلغ من قوله تعالي: {كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} لأن البنيان إنما يشتد بالأركان وأركان العبادات جوانبها التي عليها مبناها وبتركها بطلانها.

وفي أساس البلاغة: ولقوة الحبل قيل حبل مربوع مفتول علي أربع قوى. ورجل ربعة مربوع ومرتبع وسيط القامة. ومر بقوم يربعون حجراً ويرتبعون وتبربعون وهذه ربيعة الأشداء وهي الحجر المرتبع. ورابعني فلان حاملني، وهو أن يأخذ بأيديهما حتى يرفع الحمل علي ظهر الجمل. وفلان مستربع للحمل وغيره مطيق. واستربع الأمر أطاقه. قال الأخطل:

لعمري لقد ناطت هوازن أمرها مستربعين الحرب ثم المناخر

وفلان علي رباعة قومه إذا كان سيدهم. وتربع في جلوسه. ومن المجاز: جاء فلان وعيناه تدمعان بأربعة، إذا جاء باكياً أشد البكاء. أي تسيلان بأربعة إماق.

وقوله: ((لن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة)) أي لو صاروا مغلوبين لم يكن للقلة بل لأمر آخر سواها، وإنما لم يكونوا قليلين والأعداء مما لا تعد ولا تحصى؛ لأن كل واحد من هذه الأثلاث جيش قوبل بالميمنة، أو بالميسرة، أو القلب فيكفيها؛ ولأن الجيش الكثير المقاتلة منهم بعضهم وهؤلاء كلهم مقاتلون. ومن ذلك قول بعض الصحابة يوم حنين وكانوا اثنا عشر ألفاً: لن نغلب اليوم من قلة، وإنما غلبوا من إعجاب منهم، قال تعالي:{ويَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا} .

الحديث السادس عن جابر: قوله: ((فيزجي)) ((نه)): أي يسوقه ليلحقه بالرفاق.

الحديث السابع عن أبي ثعلبة رضي الله عنه: قوله: ((إنما ذلكم)) وقع موقع خبر ((إن)) كقوله

ص: 2686

3915 -

وعن عبد الله بن مسعود [رضي الله عنه]، قال: كنا يوم بدر، كل ثلاثة علي بعير، فكان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فكانت إذا جاءت عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا: نحن نمشي عنك. قال: ((ما أنتما بأقوى مني، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما)) رواه في ((شرح السنة)). [3915]

3916 -

وعن أبي هريرة [رضي الله عنه]، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((لا تتخذوا ظهور دوابكم منابر، فإن الله تعالي إنما سخرها لكم لتبلغكم إلي بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجاتكم)) رواه أبو داود. [3916]

ــ

تعالي: {إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ إنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ} والتركيب من باب الترديد للتعليق، كقوله الشاعر:

لو مسها حجر مسته سراء

أي لو مسها حجر لسرته فإن ((إن)) زيدت للتوكيد وطول الكلام و ((ما)) لتكفها عن العمل، وأصل التركيب إن تفرقكم في هذه الشعاب ذلكم من الشيطان.

الحديث الثامن عن عبد الله رضي الله عنه: قوله: ((زميلي)) ((نه)): الزميل العديل الذي حمله مع حملك علي البعير، وقد زاملني عازلني والزميل أيضاً الرفيق. و ((العقبة)) النوبة، ومنه أن كل غازية غزت يعقب بعضها بعضاً. أي يكون الغزو بينهم نوناً. قوله:((نمشي عنك)) ضمن المشي معنى الاستغناء أي نستغنيك عن المشي يعني نمشي بدلك. وفيه إظهار غاية التواضع منه صلوات الله عليه، والمواساة مع الرفقاء والافتقار إلي الله تعالي.

الحديث التاسع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((منابر)) كناية عن القيام عليها لأنهم إذا خطبوا علي المنابر قاموا. ((خط)): قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب علي راحلته واقفاً عليها، فدل ذلك علي أن الوقوف علي ظهرها إذا كان لأرب أو بلوغ وطر لا يدرك مع النزول إلي الأرض مباح، وأن النهي إنما انصرف إلي الوقوف عليها لا لمعنى يوجبه، فيتعب الدابة من غير طائل. وكان مالك بن أنس يقول: الوقوف علي ظهور الدواب بعرفة سنة والقيام علي الأقدام رخصة.

ص: 2687

3917 -

وعن أنس، قال: كنا إذا نزلنا منزلاً لا نسبح حتى نحل الرحال. رواه أبو داود. [3917]

3918 -

وعن بريدة: قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي إذ جاءه رجل معه حمار، فقال: يا رسول الله اركب! وتأخر الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا، أنت أحق بصدر دابتك، إلا أن تجعله لي)) قال: جعلته لك، فركب. رواه الترمذي، وأبو داود. [3918]

3919 -

وعن سعيد بن أبي هند، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تكون إبل للشياطين وبيوت للشياطين)). فأما إبل الشياطين فقد رأيتها: يخرج أحدكم بنجيبات معه قد أسمنها فلا يعلوا بعيراً منها ويمر بأخيه قد انقطع به فلا يحمله. وأما بيوت الشياطين فلم أرها، كان سعيد يقول: لا أراها إلا هذه الأقفاص التي يستر الناس بالديباج. رواه أبو داود. [3919]

ــ

قوله: ((إلا بشق الأنفس)) ((نه)): الشق بالكسر من المشقة يقال: هم قوم بشق من العيش إذا كانوا في جهد. قوله: ((فعليها فاقضوا)) الفاء الأولي للسببية والثانية للتعقيب، أي إذا كان كذلك فعلي الأرض اقضوا حاجاتكم لا علي الدواب، ثم عقبه بقوله:((فاقضوا حاجاتكم)) تفسيراً للمقدر، ففيه توكيد مع التخصيص. وجمع الحاجات وأضافها إلي سائر المخاطبين؛ ليفيد العموم يعني خصوا الأرض بقضاء حاجاتكم المختلفة الأنواع، ويكفيكم من الدواب أن تبلغكم إلي بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس.

الحديث العاشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((لا نسبح)) قيل: أراد بالتسبيح صلاة الضحى. المعنى: أنهم كانوا مع اهتمامهم بأمر الصلاة لا يباشرونها، حتى يحطوا الرحال ويريحوا الجمال رفقاً بها وإحساناً إليها.

الحديث الحادي عشر عن بريدة رضي الله عنه: قوله: ((لا)) هنا حذف و ((أنت أحق)) تعليل له أي لا ركب وأنت تأخرت لأنك أحق بصدر دابتك. وفيه بيان إنصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواضعه وإظهار لحق المرء؛ حيث رضي أن يركب خلفه.

الحديث الثاني عشر عن سعيد رضي الله عنه: قوله ((بنجيبات)) ((نه)): النجيب من الإبل

ص: 2688

3920 -

وعن سهل بن معاذ، عن أبيه، قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فضيق الناس المنازل وقطعوا الطريق، فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي في الناس:((إن من ضيق منزلاً، أو قطع طريقاً، فلا جهاد له)) رواه أبو دواد. [3920]

3921 -

وعن جابر [رضي الله عنه]، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((إن أحسن ما دخل الرجل أهله إذا قدم من سفر أول الليل)) رواه أبو داود.

ــ

القوي منها الخفيف السريع. والنجيب الفاضل الكريم الخسي. ((قض)): يريد بها ما تكون معدة للتفاخر والتكاثر ولم يقصد بها أمر مشروع، ولم يستعمل فيما تكون فيه قربة، فعين الصحابي من أصناف هذا النوع من الإبل صنفاً، وهو نجيبات سمان يسوقها الرجل معه في سفره فلا يركبها ولا يحتاج إليها في حمل متاعه، ثم إنه يمر بأخيه المسلم قد انقطع به من الضعف والعجز فلا يحمله، وعين التابعي صنفاً من البيوت وهو الأقفاص المجللة بالديباج يريد بها المحامل التي يتخذها المترفون في الأسفار.

((شف)): وليس في الحديث ما يدل عليه بل نظم الحديث دليل علي أن جميعه إلي قوله: ((فلم أرها)) من متن الحديث، من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وعلي هذا فمعناه أنه صلى الله عليه وسلم قال:((فأما إبل الشياطين فقد رأيتها)) – إلي قوله – ((فلا يحمله، وأما بيوت الشياطين فلم أرها)) فإن النبي صلى الله عليه وسلم، لم ير من الهوادج المستورة بالديباج والمحامل التي يأخذها المترفون في الأسفار. ومما يدل علي ما ذكرنا قول الراوي بعد قوله ((فلم أرها)): كان سعيد يقول: إلي آخره. أقول: وهذا توجيه غير موجه يعرف بأدنى تأمل والتوجيه ما عليه كلام القاضي.

الحديث الثالث عشر عن سهل رضي الله عنه: قوله: ((فضيق الناس)) قيل: التضييق هنا بسبب أخذ منزل لا حاجة له إليه أو فوق حاجته. وقطع الطريق تضييقها علي المارة ((فلا جهاد له)) أي لا كمال ثواب الجهاد لإضراره الناس.

الحديث الرابع عشر عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((إن أحسن ما دخل)) ((قض)): ((ما)) موصولة والراجع إليه محذوف، والمراد به الوقت الذي يدخل فيه الرجل علي أهله.

و ((أهله)) منصوب بنزع الخافض وإيصال الفعل إليه علي سبيل الاتساع. ويحتمل أن تكون مصدرية علي تقدير مضاف، أي أن أحسن دخول الرجل علي أهله دخول أول الليل. أقول: والأحسن أن تكون موصوفة أي أحسن أوقات دخل الرجل فيها أهله أول الليل. و ((إذا)) هذا مرفوع محلاً خبر لـ ((إن)).

ص: 2689

الفصل الثالث

3922 -

عن أبي قتادة، قال: كان رسول الله، إذا كان في سفر فعرس بليل اضطجع علي يمينه، وإذا عرس قبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه علي كفه. رواه مسلم.

3923 -

وعن ابن عباس، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في سرية، فوافق ذلك يوم الجمعة، فغدا أصحابه، وقال: أتخلف وأصلي مع رسو الله صلى الله عليه وسلم، ثم ألحقهم، فلما صلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه، فقال:((ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟)) فقال: أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم. فقال: ((لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما أدركت فضل غدوتهم)). رواه الترمذي. [3923]

ــ

((تو)): و ((قض)): والتوفيق بينه وبين ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا طال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلاً)) أن يحمل الدخول علي الخلو بها وقضاء الوطر منها، لا القدوم عليها. وإنما اختار ذلك أول الليل؛ لأن المسافر لبعده عن أهله يغلب عليه الشبق ويكون ممتلئاً تواقاً، فإذا قضى شهوته أول الليل خف بدنه وسكن نفسه وطاب نومه.

أقول: قد سبق عن الشيخ محيي الدين أنه قال: يكره لمن طال سفره طروق الليل. فأما من كان سفره قريباً يتوقع إتيانه ليلاً، وكذا إذا طال واشتهر قدومه وعلمت امرأته قدومه. فلا بأس بقدومه ليلاً لزوال المعنى الذي هو سببه؛ فإن المراد التهيؤ وقد حصل ذلك. انتهي كلامه. والأحسن أن ينزل الحديث علي الثاني؛ لأن من طال سفره وبعد مدة الفراق طار قلبه اشتياقاً، وخصوصاً إذا قرب من الدار ورأي منها الآثار قال:

إذا دنت المنازل راد شوقي ولا سيما إذا بدت الخيام

ولأنه يكره للمسافر الذي طال سفره أن يقرب من الأهل إلا بعد أيام، لأنه يتضرر به.

الفصل الثالث

الحديث الأول والثاني عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((فوافق)) الفاء فيه كما في قولك: أنا نزيلكم هذا الشهر فإن أحمدتكم أقمت عندكم، وإلا لم أقم إلا ريثما أتحول، فهو للتعقيب؛ فإن التفصيل يعقب المجمل. وقوله:((لو أنفقت ما في الأرض)) الظاهر أن يقال: غدوتهم أفضل من صلاتك هذه. فعدل إلي المذكور مبالغة كأنه قيل: لا يوازيها شيء من الخيرات. وذلك أن تأخره ذاك ربما يفوت عليه مصالح كثيرة؛ ولذلك ورد: ((لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها)).

ص: 2690