الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3924 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر)) رواه أبو داود. [3924]
3925 -
وعن سهل بن سعد [رضي الله عنه]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((سيد القوم في السفر خادمهم، فمن سبقهم بخدمة لم يسبقوه بعمل إلا الشهادة)) رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). [3925]
(3) باب الكتاب إلى الكفار ودعائهم إلي الإسلام
الفصل الأول
3926 -
عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلي قيصر يدعوه إلي الإسلام، وبعث بكتابه إليه دحية الكلبي، وأمره أن يدفعه إلي عظيم بصرى ليدفعه إلي قيصر،
ــ
الحديث الثالث والرابع عن سهل رضي الله عنه: قوله: ((سيد القوم في السفر خادمهم)) فيه وجهان: أحدهما: أنه ينبغي أن يكون السيد كذلك لما وجب عليه من الإقامة بمصالحهم ورعاية أحوالهم ظاهراً وباطناً. نقل عن عبد الله المروزي: أنه صحبه أبو علي الرباطاي فقال أبو علي: أتكون أنت الأمير أم أنا؟ فقال: بل أنت. فلم يزل يحمل الزاد لنفسه ولأبي علي علي ظهره، وأمطرت السماء ليلة، فقام عبد الله طوال الليل علي رأس رفيقه وفي يده كساء يمنع المطر منه، فكلما قال له: الله الله لا تفعل. فيقول: ألم تقل إن الإمارة مسلمة لك فلا تحكم علي. حتى قال أبو علي: وددت إني مت ولم أؤمره. كذا في الإحياء.
وثإنيهما: أخبر أن من يخدمهم وإن كان أدناهم ظاهراً فهو في الحقيقة سيدهم؛ لأنه يثاب بعمله لله تعالي، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم:((فمن سبقهم بخدمة لم يسبقوه بعمل إلا الشهادة)) وذلك لأنه شريكهم فيما يزاولونه من الأعمال بوساطة خدمته.
باب الكتاب إلي الكفار ودعائهم إلي الإسلام
الفصل الأول
الحديث الأول عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((إلي قيصر)) هو لقب ملك الروم. وبصرى بضم الباء مدينة خوران ذات قلعة وأعمال قريبة من طرف البرية بين الشام والحجاز،
فإذا فيه: ((بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلي هرقل عظيم الروم. سلام علي من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بداعية الإسلام. أسلم تسلم. وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فعليك إثم الأريسيين و {يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إلي كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ أَلَاّ نَعْبُدَ إلَاّ اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ولا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ})) متفق عليه. وفي رواية لمسلم، قال:((من محمد رسول الله)) وقال: ((إثم اليريسيين)) وقال: ((بدعاية الإسلام)).
ــ
وعظيم بصرى أميرها. والداعية مصدر بمعنى الدعوة كالعافية والعاقبة، ويروى ((بدعاية الإسلام)) أي بدعوته. وهي كلمة الشهادة التي يدعى إليها أهل الملل الكافرة.
قوله: ((الأريسيين)) ((مح)): اختلفوا في ضبطة علي أوجه: أحدها: بيائين بعد السين. والثاني: بياء واحدة بعدها، وعلي الوجهين الهمزة مفتوحة والراء مكسورة مخففة. والثالث: بكسر الهمزة وتشديد الراء وياء واحدة بعد السين. ووقع في الرواية الثانية في مسلم، في أول صحيح البخاري ((إثم اليريسيين)) بياء مفتوحة في أوله ويائين بعد السين. ثم اختلفوا في المراد بهم علي أقوال: أصحها وأشهرها: أنهم الأكارون أي الفلاحون والزراعون، ومعناه أن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون بانقيادك. ونبه بهؤلاء علي جميع الرعايا لأنهم الأغلب؛ ولأنهم أسرع انقياداً فإذا أسلم أسلموا وإذا امتنع امتنعوا.
وقد جاء مصرحاً به في رواية ((دلائل النبوة)) للبيهقي قال: ((عليك إثم الأكارين)). والثاني: أنهم النصارى وهم الذي اتبعوا أريس الذي ينسب إليه الأروسية من النصارى.
وفي هذا الكتاب جمل من القواعد وأنواع من الفوائد.
منها: أن قوله: ((سلام علي من اتبع الهدى)) فيه دليل لمذهب الشافعي وجمهور أصحابه أن الكافر لا يبدأ بالسلام.
ومنها: دعاء الكفار إلي الإسلام قبل قتالهم، وهو واجب والقتال قبله حرام، وإن لم يكن بلغتهم دعوة الإسلام.
ومنها: وجوب العمل بخير الواحد؛ لأنه بعثه مع دحية الكلبي وحده.
ومنها: استحباب تصدير الكلام بالبسملة وإن كان المبعوث إليه كافراً.
ومنها: جواز المسافرة إلي أرض العدو بآية أو آيتين أو نحوهما، والنهي عن المسافرة بالقرآن محمول علي ما إذا خيف وقوعه في أيدي الكفار. وجواز مس المحدث والكافر آية أو آيات يسيرة مع غير القرآن.
3927 -
وعنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلي كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي، فأمره أن يدفعه إلي عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلي كسرى
ــ
ومنها: أن السنة في المكاتبة بين الناس أن يبدأ بنفسه، فيقول: من زيد إلي عمرو. سواء فيه تصدير الكتاب به أو العنوان، قال تعالي:{إنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإنِّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
وقيل: الصواب أن يكتب في العنوان إلي فلان ولا يكتب لفلان؛ لأنه إليه لا له.
ومنها: أن لا يفرط ولا يفرط في المدح والعظيم؛ ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((إلي هرقل عظيم الروم)) ولم يقل: ملك الروم؛ لأنه لا ملك له ولا لغيره بحكم دين الإسلام، ولا سلطان لأحد إلا لمن ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من أذن له، وإنما ينفذ من تصرفات الكفار ما فيها الضرورة. ولم يقل:((إلي هرقل)) فحسب بل أتى بنوع من الملاطفة فقال: ((عظيم الروم)) أي الذي يعظمونه ويقدمونه، وقد أمر الله تعالي بالإنة القول لمن يدعى إلي الإسلام، فقال:{فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا} .
ومنها: استحباب استعمال البلاغة والإيجاز وتحري الألفاظ الجزلة؛ فإن قوله صلى الله عليه وسلم في غاية الإيجاز والبلاغة وجمع المعإني، مع ما فيه من بديع التجنيس فإن ((تسلم)) شامل لسلامته من خزي الدنيا بالحرب والسبي والقتل وأخذ الديار والأموال ومن عذاب الآخرة.
ومنها: أن من أدرك من أهل الكتاب النبي صلى الله عليه وسلم، فآمن به له من أجران.
ومنها: أن من كان سبب ضلال ومنع هداية كان أكثر إثماً، قال الله تعالي:{ولَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} .
ومنها: استحباب ((أما بعد)) في الخطب والمكاتبات.
((شف)): تقديم لفظ العبد علي لفظ الرسول دال علي أن العبودية لله تعالي أقرب طرق العباد إليه، وكرر لفظ أسلم إيذاناً منه صلى الله عليه وسلم إياه علي شفقته بإيمانه. أقول: وفي هذا التقديم تعريض بالنصارى وقولهم في عيسى بالإلهية، مع أنه صلى الله عليه وسلم قال:{إني عَبْدُ اللَّهِ آتَإني الكِتَابَ وجَعَلَنِي نَبِيًا} وصدر هذا الحديث سيذكر في باب علامات النبوة في الفصل الثالث.
الحديث الثاني عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((أن يمزقوا)) ((تو)): أي يفرقوا كل نوع
فلما قرأ مزقه. قال ابن المسيب: فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق. رواه البخاري.
3928 -
وعن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلي كسرى وإلي قيصر وإلي النجاشي وإلي كل جبار يدعوهم إلي الله، وليس بالنجاشي الذي صلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
3929 -
وعن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً علي جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: ((اغزوا بسم الله، في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا فلا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلي
ــ
من التفريق، وأن يبددوا من كل وجه. والممزق مصدر كالتمزيق، والذي مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو إبرويز بن هرمز بن نوشروان قتله ابنه شيرويه، ثم لم يلبث بعد قتله إلا ستة أشهر يقال: إن إبرويز لما أيقن بالهلاك – وكان مأخوذاً عليه – فتح خزانة الأدوية وكتب علي حقة السم ((الدواء النافع للجماع))، وكان ابنه مولعاً بذلك فاحتال في هلاكه. فلما قتل أباه فتح الخزانة فرأي الحقة فتناول منها فمات من ذلك السم. ويزعم الفرس أنه مات أسفاً علي قتله أباه ولم يقم لهم بعد الدعاء عليهم بالتمزيق أمر نافذ بل أدبر عنهم الإقبال، ومالت عنهم الدولة وأقبلت عليهم النحوسة حتى انقرضوا عن آخرهم. والفاء في ((فدفعه)) معطوف علي مقدرات معدودة، أي فذهب إلي عظيم البحرين فدفعه إليه، ثم بعثه العظيم إلي كسرى فدفعه إليه.
الحديث الثالث عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((وإلي كل جبار)) أتى به اختصاراً أي كسرى وأمثاله. ((مح)): كسرى لقب كل ملك من الفرس، وقيصر من ملك الروم، والنجاشي الحبشة، وخاقان الترك، وفرعون القبط، والعزيز مصر، وتبع حمير.
الحديث الرابع عن سليمان رضي الله عنه: قوله: ((في خاصته)) متعلق ((بتقوى الله)) وهو ((بأوصي)) و ((خيراًً)) نصب علي نزع الخافض، [و ((من)) في محل الجر] وهو من باب العطف علي عاملين مختلفين، كأنه قيل: أوصى بتقوى الله في خاصة نفسه وأوصى بخير فيمن معه من المسلمين. وفي اختصاص التقوى بخاصة نفسه، والخير بمن معه من المسلمين إشارة إلي أن عليه أن يشدد علي نفسه فيما يأتي ويذر. وأن يسهل علي من معه من المسلمين، ويرفق بهم كما ورد:((يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا)).
ثلاث خصال – أو خلال – فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلي الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلي الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلي التحول من دارهم إلي دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما علي المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري علي المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم
ــ
وقيل: ((ومن معه)) مجرور عطف علي الضمير المجرور في ((خاصته)). وقوله: ((بسم الله في سبيل الله)) متعلقان بـ ((اغزوا))، ويجوز أن يكون الثاني ظرفاً له والأول حالاً، ويجوز أن يتعلق الثاني بالحال. أي: اغزوا مستعينين بالله في سبيل الله. وقوله: ((قاتلوا)) جملة معترضة موضحة لـ ((اغزوا)) أعاد ((اغزوا)) ليعقبه بالمذكورات بعده.
وقوله: ((وإذا لقيت عدوك)) إلي آخره، كان من الظاهر أن يجاء به بعد قوله:((اغزوا بسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله)). وقوله: ((اغزوا فلا تغلوا)) إلي آخره كالاستطراد وقع بين الكلامين اهتماماً به. والخطاب في قوله: ((وإذا لقيت)) من باب تلوين الخطاب، خاطب أولا عاماً يدخل فيه الأمير دخولاً أوليا، ثم خص الخطاب به فدخلوا فيه علي سبيل التبعية، كقوله تعالي:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} خص النبي صلى الله عليه وسلم بالنداء، وعم بالخطاب. و ((ما)) في ((ما أجابوك)) زائدة والفاء في ((فاقبل)) جزاء الشرط.
((مح)): قوله: ((ثم ادعهم إلي الإسلام)) هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم ((ثم ادعهم)). قال القاضي عياض: الصواب الرواية ((ادعهم)) بإسقاط ((ثم)) وقد جاء بإسقاطها علي الصواب في كتاب أبي عبيد. وفي سنن أبي داود وغيرهما؛ لأنه تفسير للخصال الثلاث، وليست غيرها. وقال المازري: ثم هاهنا زائدة، وردت لاستفتاح الكلام والأخذ فيه.
أقول في تحرير قول المازري: إن الخصال الثلاث هي الإسلام وإعطاء الجزية والمقاتلة، كما في حديث أبي وائل في الفصل الثالث من هذا الباب. فقوله:((ثم ادعهم إلي الإسلام)) إشارة إلي الخصلة الأولي. وقوله: ((ثم ادعهم إلي التحول)) إلي قوله: ((إلا أن يجاهدوا مع المسلمين)) متفرع علي هذه الخصلة. وقوله: ((فإن هم أبوا فسلهم الجزية)) بيان للخصلة الثانية.
وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعين بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإن حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم علي حكم الله فلا تنزلهم علي حكم الله، ولكن أنزلهم علي حكمك فإنك لا تدري: أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟)) رواه مسلم.
ــ
وقوله: ((فإن هم أبوا فاستعن)) إشارة إلي الخصلة الثالثة، فعلي هذا قوله:((ثم ادعهم)) مكرر زيد لمزيد التقرير، ولينبه علي أن الدعوة إلي الإسلام هي المطلوبة الأولية وأشرف الخصال، ونظيره في التكرير قوله تعالي حكاية عن نوح عليه السلام:{رَبِّ إني دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً ونَهَارًا} - إلي قوله – {ثُمَّ إني دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إني أَعْلَنتُ لَهُمْ وأَسْرَرْتُ لَهُمْ إسْرَارًا} . قصد بقوله: {لَيْلاً ونَهَارًا} اشتمال دعوته علي الأزمنة كلها، وبقوله:((جهازاً وإسراراً)) كيفية دعوته في الأزمنة، وبتكرار ((ثم)) والدعاء التلويح إلي التفاوت بين الأحوال.
((خط)): في قوله: ((فأخبرهم)) أي أخبرهم أن حكمهم حكم المهاجرين مع حصول الثواب والأجر، وأنه كان ينفق علي المهاجرين مما آتاه الله من الفيء، ولم يعطوا شيئاً لأعراب المسلمين. وقوله:((وعليهم ما علي المهاجرين)) يعني يجب عليهم الخروج إلي الجهاد إذا أمرهم الإمام سواء كان بإزاء العدو من به الكفاية [أو لم يكن، بخلاف غير المهاجرين، فإنه لم يجب عليهم الخروج إلي الجهاد، إذا كان بإزاء العدو من به كفاية]. ((حس)): تقديم الدعوة ليس بشرط إذا كانت الدعوة قد بلغتهم قبل ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أغار علي بني المصطلق وهم غارون.
((مح)): في الحديث فوائد: وهي تحريم الغدر والغلول وقتل الصبيان إذا لم يقاتلوا وكراهة المثلة، واستحباب رصية الإمام أمراءه وجيوشه بتقوى الله والرفق بمتابعتهم، وتعريفهم بما يحتاجون في غزوهم وما يجب عليهم وما يحل لهم وما يحرم وما يكره وما يستحب، وأنه لا يعطي الفيء والغنيمة لأهل الصدقات نحو هؤلاء الأعراب الذين لم يتحولوا وكانوا فقراء مساكين، ولا تعطي الصدقات أهل الفيء والغنيمة. وقال مالك وأبو حنيفة: المالان سواء يجوز صرف كل منهما إلي النوعين.
والحديث مما يستدل به مالك والأوزاعي ومن وافقهما علي جواز أخذ الجزية من [كل كافر عربياً أو عجمياً كتابياً أو غير كتابي. وقال أبو حنيفة: تؤخذ الجزية من] جميع الكفار
3930 -
وعن عبد الله بن أبي أوفي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى مالت الشمس، ثم قام في الناس فقال: يأيها الناس! لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف)) ثم قال:((اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم)) متفق عليه.
ــ
إلا مشركي العرب ومجوسهم. وقال الشافعي: لا تؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب والمجوس أعراباً كانوا أو أعاجم. ويحتج بمفهوم آية الجزية وبحديث: ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب)). وتأول هذا الحديث علي أن المراد بهؤلاء أهل الكتاب؛ لأن اسم المشرك يطلق علي أهل الكتاب وغيرهم، وكان تخصيصه معلوماً عند الصحابة. وقوله:((أن تخفروا ذممكم)) والذمة العهد، ويقال: أخفرت الرجل إذا نقضت عهده وخفرته أمنته وحميته.
قالوا: وهذا النهي تنزيه، أي لا تجعل لهم ذمة الله فإن قد ينقضها من لا يعرف حقها، ويهتك حرمتها بعض الأعراب وسواد الجيش. وكذا قوله:((فلا تنزلهم علي حكم الله)) نهي تنزيه. وفيه حجة لمن يقول: ليس كل مجتهد مصيباً بل المصيب واحد. وهو الموافق لحكم الله تعالي في نفس الأمر، ومن يقول: إن كل مجتهد مصيب يقول معنى قوله: ((فإنك لا تدري أتصيب حكم الله تعالي فيهم؟)) إنك لا تأمن أن ينزل علي وحي بخلاف ما حكمت، كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد وتحكيم سعد بن معاذ في بني قريظة:((لقد حكمت فيهم بحكم الله)) وهذا المعنى منتف بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيكون كل مجتهد مصيباً.
قوله: ((فإنكم)) إلي آخره علي الخطاب كذا في صحيح مسلم وكتاب الحميدي وجامع الأصول، وفي نسخ المصابيح ((فإنهم)) علي الغيبة والأول أصح دراية أيضاً كما سبق في قول الشيخ محيي الدين:((لا تجعل لهم ذمة الله فإنه قد ينقضها من لا يعرف حقها)) إلي آخره.
قوله: ((أن تخفروا)) الظاهر بفتح الهمزة كما في بعض نسخ المصابيح ((أن)) مع صلتها في تأويل المفرد بدل من ضمير المخاطب، وخبر ((أن)) قوله:((أهون)) وقد وقع في نسخة ((إن)) بالكسر علي الشرطية، وهو مشكل.
الحديث الخامس عن عبد الله رضي الله عنه: قوله: ((تحت ظلال السيوف)) ((نه)): هو كناية عن الدنو من الضراب في الجهاد حتى يعلوه السيف، ويصير ظله عليه. والظل الفيء الحاصل الحاجز بينك وبين الشمس أي شيء كان. وقيل: هو مخصوص بما كان منه إلي زوال الشمس وما كان بعده فهو الفيء.
((مح)): معناه ثواب الله والسبب الموصل إلي الجنة عند الضرب بالسيوف، ومشي المجاهدين في سبيل الله فاحضروا فيه بصدق النية واثبتوا، وإنما نهي عن تمني لقاء العدو لما
3931 -
وعن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا بنا قوماً لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر إليهم، فإن سمع أذاناً كف عنهم، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم، قال: فخرجنا إلي خيبر، فانتهينا إليهم ليلاً، فلما أصبح ولم يسمع أذاناً ركب وركبت خلف أبي طلحة وإن قدامي لتمس قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم، قال: فخرجوا إلينا بمكاتلهم ومساحيهم، فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: محمد، والله محمد والخميس، فلجئوا إلي الحصن، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((الله أكبر الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين)) متفق عليه.
ــ
فيه من صورة الإعجاب والاتكال علي النفس والوثوق بالقوة، وأيضاً هو يخالف الحزم والاحتياط. وأول بعضهم [التمني] في صورة خاصة وهي إذا شك في المصلحة والقتال، فيمكن حصول ضرر وإلا فالقتال كله فضيلة وطاعة والصحيح الأول.
أقول: وفي قوله: ((انتظر حتى مالت الشمس)) إشارة إلي الفتح والنصرة؛ لأنه وقت هبوب الرياح ونشاط النفوس، وقالوا: سببه فضيلة أوقات الصلوات والدعاء عندها، والوجه الجمع بينهما لما نص عليه في الحديث الآخر من هذا الفصل والأول من الفصل الثاني.
((تو)): ومصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((نصرت بالصبا)) وفيه استحباب الدعاء والاستغفار عند القتال.
الحديث السادس عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((إذا غزا بنا قوماًً)) الباء بمعنى المصاحبة أي إذا غزونا وهو معنا. ((تو)): ((لم يكن يغز بنا)) هكذا هو في المصابيح، وأرى الواو قد سقط من قلم الكاتب، وصوابه إثباتها، ولو جعل من الإغزاء علي أنه يلهينا لم يستقم؛ لأن معناه يجهزنا للغزو. ((قض)): وهو يستقيم لأن معناه لم يرسلنا إليه ولم يحملنا عليه علي سبيل المجاز.
أقول: لابد أن يجعل الثاني عين الأول؛ لأن المعنى إذا أراد الغزو بنا قوماً لم يغز بنا حتى يصبح.
قوله: ((وينظر)) ((قض)): أي كان يتثبت فيه ويحتاط في الإغارة؛ حذراً من أن يكون فيهم مؤمن فيغير عليه غافلاً عنه جاهلا بحاله. ((خط)) فيه بيان أن الأذان شعار لدين الإسلام لا يجوز تركه، فلو أن أهل بلد اجتمعوا علي تركه كان للسلطان قتالهم عليه.
قوله: ((قال: فخرجوا)) الفاء عطف علي محذوف أي ركب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يشعروا به فخرجوا بمكاتلهم، والمكاتل جمع مكتل بكسر الميم وهو الزنبيل الكبير، والمساحي جمع مسحاة وهي المجرفة من الحديد والميم زائدة؛ لأنه من السحو أي الكشف لما يكشف به الطين عن وجه
3932 -
وعن النعمان بن مقرن، قال: شهدت القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا لم يقاتل أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلاة. رواه البخاري.
الفصل الثاني
3933 -
وعن النعمان بن مقرن، قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا لم يقاتل أول النهار انتظر حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر. رواه أبو داود. [3933]
3934 -
وعن قتادة، عن النعمان بن مقرن، قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا طلع الفجر أمسك حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قاتل، فإذا انتصف النهار أمسك حتى تزول الشمس، فإذا زالت الشمس قاتل حتى العصر، ثم أمسك حتى يصلي العصر، ثم يقاتل. قال: قتادة: كان يقال: عند ذلك تهيج رياح النصر، ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم. رواه الترمذي.
ــ
الأرض. ((تو)): وقوله: ((محمد والله)) أي هذا محمد والله ومعه الجيش أو أتانا محمد.
((مح)): و ((الخميس)) معطوف علي قوله: ((محمد)) وروى منصوباً علي أنه مفعول معه. أقول علي الأول: ((والخميس)) حال والخبر مقدر، والعامل معنى اسم الإشارة. وقوله:((إنا إذا نزلنا)) جملة مستأنفة بيان لموجب خراب خيبر. وقوله: ((الله أكبر الله أكبر)) فيه معنى التعجب من أنه تعالي يقدر نزوله بساحتهم بعد ما أنذروا ثم أصبحهم وهم غافلون عن ذلك. ((مح)): فيه استحباب التكبير عند لقاء العدو، وفيه جواز الاستشهاد في مثل هذا الشأن بالقرآن في الأمور المحققة، وقد جاء له نظائر منها عند فتح مكة وطعن الأصنام قال:{جَاءَ الحَقُّ وزَهَقَ البَاطِلُ} . قال العلماء: ويكره من ذلك ما كان علي سبيل ضرب المثل في المحاورات ولغو الحديث تعظيماً لكتاب الله تعالي.
الحديث السابع عن النعمان رضي الله عنه: قوله: ((الأرواح)) ((نه)): الأرواح جمع ريح لأن أصلها الواو وتجمع علي أرياح قليلا وعلي رياح كثيراً.
الفصل الثاني
الحديث الأول والثاني والثالث عن قتادة رضي الله عنه: قوله: ((فكان)) ما أظهره من دليل علي وجود الفاء التفصيليلة؛ لأن قوله: ((غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) مشتمل مجملاً علي جيمع ما
3935 -
وعن عصام المزني، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فقال:((إذا رأيتم مسجداً أو سمعتم مؤذناً فلا تقتلوا أحداً)) رواه الترمذي، وأبو داود. [3935]
الفصل الثالث
3936 -
عن أبي وائل، قال: كتب خالد بن الوليد إلي أهل فارس: بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد إلي رستم ومهران في ملاء فارس. سلام علي من اتبع الهدى. أما بعد فإنا ندعوكم إلي الإسلام، فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، فإن أبيتم فإن معي قوماً يحبون القتل في سبيل الله كما يحب فارس الخمر، والسلام علي من اتبع الهدى. رواه في ((شرح السنة)).
ــ
ذكر بعد مفصلاً. قوله: ((تهيج رياح النصر)) وينصره قوله صلى الله عليه وسلم: ((نصرت بالصبا)). وقوله: ((في صلاتهم)) إشارة إلي أن تركه صلى الله عليه وسلم القتال حتى في الأوقات المذكورة، كان لاشتغالهم بها فيها. اللهم إلا بعد العصر؛ فإن هذا الوقت يستثنى منها لحصول النصر فيه لبعض الأنبياء. وعن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال:((غزا نبي من الأنبياء فدنا من القرية صلاة العصر أو قريباً من ذلك، فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا فحبست حتى فتح الله عليه)) رواه البخاري عن أبي هريرة. ولعل لهذا السر خص في الحديث هذا الوقت بالفعل المضارع حيث قال: ((ثم يقاتل)) وفي سائر الأوقات ((قاتل)) علي لفظ الماضي استحضاراً لتلك الحالة في ذهن السامع؛ تنبيهاً علي أن قتاله في هذا الوقت كان أشد، وتحريه فيه أكمل.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن أبي وائل: قوله: ((في ملاء)) حال من المجرورين أي كائنين في زمرة أكابر فارس، والملاء أشراف الناس ورؤساؤهم ومقدموهم، وهم الذين يرجع إلي قولهم، وجمعه أملاء. وقوله:((فإن معي قوماً)) وضع موضع فهيئواً للقتال، وشبه محبتهم الموت ولقاء العدو بمحبتهم الخمر إيذاناً بشجاعتهم وأنهم من رجال الحرب. قال:
فوارس لا يملون المنايا إذا دارت رحى الحرب الزبون
وأنهم ليسوا منها في شيء بل هم قوم مشتغلون باللهو والطرب كالمخدرات.
فخرت بأن لك مأكولاً ولبساً وذلك فخر ربات الحجول