المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(6) باب الأمان - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٩

[الطيبي]

الفصل: ‌(6) باب الأمان

خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره. فقلت: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، حتى قدما علي النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه، فرفع يديه، فقال:((اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد)) مرتين. رواه البخاري.

(6) باب الأمان

الفصل الأول

3997 -

عن أم هانئ بنت أبي طالب، قالت: ذهبت إلي رسول الله عام الفتح، فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب، فسلمت، فقال:((من هذه؟)) فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب. فقال: ((مرحبا بأم هانئ)). فلما فرغ من غسله، قام فصلي ثمإني ركعات ملتحفا في ثوب، ثم انصرف، فقلت: يا رسول الله زعم ابن أمي علي أنه قاتل رجلا أجرته فلان بن هبيرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ!)) قالت أم هانئ: وذلك صحى. متفق عليه. وفي رواية للترمذي، قالت: أجرت رجلين من أحمائي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قد أمنا من أمنت))

ــ

يكن في ذم، وكان مراد القوم هذا، وإذا نظر إلي استعمالهم كان ذما، ولذلك سموا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصابئ، وثمامة لما قيل له:((أصبوت))، استنكف وقال:((لا ولكني أسلمت)) ولما كان هذا الوجه أظهر وأشهر حمل خالد عليه فبدا منه ما بدا. ومنه قوله تعالي: {لا تَقُولُوا رَاعِنَا وقُولُوا انظُرْنَا} فإن معنى ((راعنا)) راقبنا، وهي كلمة سريإنية أو عبرإنية، كانت اليهود يتسابون بها، فلما سمعوا من المسلمين اقترضوها وخاطبوا وقالوا: راعنا وعنوا به تلك المسبة. والله أعلم.

باب الأمان

الفصل الأول

الحديث الأول عن أم هانئ: قوله: ((أجرت رجلين)) ((غب)): تصور من الجار معنى القرب، فقيل لمن يقرب من غيره جاره، ولما استعظم حق الجابر عقلا وشرعاً عبر عن كل من يعظم حقه، [ويستعظم] حق غيره بالجار، ويقال: استجرت فلاناً فأجارني.

ص: 2751

الفصل الثاني

3978 -

عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن المرأة تأخذ للقوم)) يعني تجير علي المسلمين. رواه الترمذي. [3978]

3979 -

وعن عمرو بن الحمق، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أمن رجلاً علي نفسه فقتله؛ أعطى لواء الغدر يوم القيامة)). رواه في ((شرح السنة)). [3979]

3980 -

وعن سليم بن عامر، قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد، أغار عليهم، فجاء رجل علي فرس أو برذون، وهو يقول: الله أكبر الله أكبر، وفاء لا غدر. فنظر فإذا هو عمرو بن عبسة،

ــ

الفصل الثاني

الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((يعني تجير علي المسلمين)) يقال: أجرت فلاناً علي فلان إذا [أغشته] منه ومنعته. وإنما فسره به لإبهامه؛ فإن مفعول قوله: ((لتأخذ)) محذوف، أي الأمان، والدال عليه قرائن الأحوال.

الحديث الثاني عن عمرو: قوله: ((لواء الغدر)) استعارة ومجموع الكلام كناية عن فضيحته علي رءوس الأشهاد.

الحديث الثالث عن سليم: قوله: ((علي فرس أو برذون)) المراد بالفرس هنا العربي، وبالبرذون التركي من الخيل. وقوله:((وفاء لا غدر)) فيه اختصار وحذف لضيق المقام. أي ليكن منكم وفاء لا غدر، يعني بعيد من أهل الله وأمة محمد صلى الله عليه وسلم ارتكاب الغدر؛ وللاستبعاد صدر الجملة بقوله:((الله أكبر)) وكرره.

((حس)): وإنما كره عمرو بن عبسة ذلك؛ لأنه إذا هادنهم إلي مدة وهو مقيم في وطنه، فقد صارت مدة ميسرة بعد انقضاء المدة المضروبة، كالمشروط مع المدة في أن لا يغزوهم فيها. فإذا صار إليهم في أيام الهدنة كان إيقاعه قبل الوقت الذي يتوقعونه، فعد ذلك عمرو غدراً. وأما إن نقض أهل الهدنة، بأن ظهرت منهم خيانة، له أن يسير إليهم علي غفلة منهم.

ص: 2752

عهد، فلا يحلن عهداً ولا يشدنه، حتى يمضي أمده أو ينبذ إليهم علي سواء)) قال: فرجع معاوية بالناس. رواه الترمذي، وأبو داود. [3980]

3981 -

وعن أبي رافع، قال: بعثني قريش إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقي في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله! إني والله لا أرجع إليهم أبداً. قال: ((إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع فإن كان في نفسك

ــ

قوله: ((فلا يحلن عهداً ولا يشدنه)) هكذا بجملته عبارة عن عدم التغيير في العهد فلا يذهب إلي اعتبار معإني مفرداتها. قوله: ((علي سواء)) هو حال. ((خط)): أي يعلمهم أنه يريد أن يغزوهم وأن الصلح الذي كان بينهم قد ارتفع، فيكون الفريقان في علم ذلك علي السواء.

الحديث الرابع عن أبي رافع: قوله: ((ألقي في قلبي الإسلام)) فيه أن إلقاء الإسلام لم يتخلف عن الرؤية، وأنشد في معناه:

لو لم تكن فيه آيات مبينة كانت بداهته تنبئك عن خبره

فدل علي فراسته ودهائه ونظره الصائب. وأن في رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى المعجزات ما لو نظر إليه الناظر الثابت النظر الفطن لآمن. وقوله: ((والله لا أرجع إليهم أبداً)) كناية عن تمكن الإسلام من قلبه؛ ولذلك أكده بالقسم وذيله بقوله: ((أبداً)) وإليه الإشارة بقوله: ((فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع)) كأنه أراد أن يظهر الإسلام بعد أخذه بمجامع قلبه، قيل له: لا تظهر لأنه متضمن لنقض العهد أو لضررك برجوعك إليهم.

قوله: ((لا أخيس)) ((نه)): أي لا أنقضه. يقال: خاس بعهده إذا نقضه. وخاس بوعده إذا أخلفه.

قوله: ((ولا أحبس البرد)) أي الرسل وهو جمع بريد. ((فا)): البريد في الأصل البغل وهي كلمة فارسية أي بريدة دم. وهو المحذوف الذنب لأن بغال البريد كانت محذوفة الأذناب، فعربت وخففت. ثم سمى الرسول الذي يركب البريد باسمه، والمسافة التي بين السكتين بريداً. والسكة الموضع الذي كان يسكنه الفيوج المرتبون من رباط أو قبة أو بيت أو نحو ذلك. وبعد ما بين السكتين فرسخان، وكان يرتب في كل سكة بغال.

أقول: المراد بالعهد هنا العادة الجارية المتعارفة بين الناس، من أن الرسل لا يتعرض لهم بمكروه، ويدل عليه قوله في الحديث الآتي بعده:((أما والله لولا أن الرسل لا تقتل)) الحديث. ألا ترى كيف صدر الجملة بلفظة ((أما)) التي هي من طلائع القسم ثم عقبها به دلالة علي أن

ص: 2753

الذي في نفسك الآن فارجع)) قال: فذهبت ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت. رواه أبو داود. [3981]

3982 -

وعن نعيم بن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجلين جاءا من عند مسيلمة:((أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما)) رواه أحمد، وأبو داود. [3982]

3983 -

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة: أوفوا بحلف الجاهلية، فإنه لا يزيده – يعني الإسلام – إلا شدة، ولا تحدثوا حلفاً في الإسلام)) رواه الترمذي من طريق ابن ذكوان عن عمرو وقال: حسن. [3983]

وذكر حديث علي: ((المسلمون تتكافأ)) في ((كتاب القصاص)).

ــ

ارتكاب هذا الأمر من عظائم الأمور. فلا ينبغي أن يرتكب. وقوله: ((ولكن ارجع)) استدراك عن مقدر أي لا تقم هاهنا ولا تظهر الإسلام ((ولكن ارجع)) إلي آخره.

الحديث الخامس عن نعيم: قوله: ((لولا أن الرسل لا تقتل)) ((تو)): وذلك لأنهم كما حملوا تبليغ الرسالة حملوا بتبليغ الجواب، فلزمهم القيام بكلا الأمرين فيصيرون برفض بعض ما لزمهم موسومين بسمة الغدر، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عن ذلك، ثم إن في تردد الرسل المصلحة الكلية، ومهما جوز حبسهم أو التعرض لهم بمكروه، صار ذلك سبباً لانقطاع السبيل بين الفئتين المختلفتين. وفي ذلك من الفتنة والفساد ما لا يخفي علي ذي اللب موقعه. وقوله:((لضربت أعناقكما)) إنما قال لهما ذلك؛ لأنهما قالا بحضرته: نشهد أن مسيلمة رسول الله.

الحديث السادس عن عمرو: قوله: ((فإنه لا يزيده)) اسم ((إن)) ضمير الشأن وفاعل ((يزيده)) مضمر فسره بالإسلام. ((نه)): أصل الحلف المعاقدة علي التعاضد والتساعد والإنفاق. فما كان منه في الجاهلية علي الفتن والقتال بن القبائل، فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله صلى الله عليه وسلم:((لا حلف في الإسلام)) وما كان منه في الجاهلية علي نصرة المظلوم وصلة الأرحام كحلف المطيبين وما يجري مجراه، فذلك قال فيه صلى الله عليه وسلم:((أيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة)).

قوله: ((ولا تحدثوا حلفاً في الإسلام)) والتنكير فيه يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون للجنس أي لا تحدثوا حلفاً ما. والآخر أن يكون للنوع.

ص: 2754