المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل الثالث 4158 - عن بريدة، قال: كنا في الجاهلية إذا - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٩

[الطيبي]

الفصل: الفصل الثالث 4158 - عن بريدة، قال: كنا في الجاهلية إذا

الفصل الثالث

4158 -

عن بريدة، قال: كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها، فلما جاء الإسلام كنا نذبح الشاة يوم السابع، ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران. رواه أبو داود، وزاد رزين: ونسميه. [4158]

‌كتاب الأطعمة

الفصل الأول

4159 -

عن عمر بن أبي سلمة، قال: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سم الله وكل بيمينك، وكل مما يليك)). متفق عليه.

ــ

في اليمنى ويقيم في اليسرى إذا ولد الصبي. ((مح)) في الروضة: ويستحب أن يقول في أذنه: {وإنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وإنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} . أقول: ولعل مناسبة الآية بالأذان أن الأذان أيضا طرد للشيطان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين)) الحديث. وذكر الأذان والتسمية في باب العقيقة وارد على سبيل الاستطراد والله أعلم.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن بريدة: قوله: ((كنا نذبح الشاة)) فإن قلت: كان يقتضي التقدم بالزمان الكثير فكيف يستقيم هنا ((كنا))؟ قلت: كما تجيء للتقديم بزمان كثير تجيء بزمان قليل وآن واحد، كقوله تعالى:{كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المَهْدِ صَبِيًا} والله أعلم بالصواب.

كتاب الأطعمة

الفصل الأول

الحديث الأول عن عمر: قوله: ((في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم) هو كناية عن كونه ربيبا له، وأنه في حضنه يربيه تربية الأولاد، وكان عمر هذا هو ابن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. قوله:((تطيش)) أي تتحرك وتمتد إلى نواحي الصحفة ولا تقتصر على موضع واحد. والصحفة دون القصعة وهي ما تشبع خمسة، والقصعة ما تشبع عشرة.

ص: 2837

4160 -

وعن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه)). رواه مسلم

4161 -

وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله، وعند طعامه؛ قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء. وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله؛ قال الشيطان: أدركتم المبيت. وإذا لم يذكر الله عند طعامه؛ قال: أدركتم المبيت والعشاء)). رواه مسلم.

ــ

((مح)): وفيه استحباب التسمية في ابتداء الطعام وحمد الله في آخره، وأن يجهر بها ليسمع غيره. ولو ترك التسمية في الأولى وتذكر في أثنائه، يقول: بسم الله أوله وآخره، والتسمية في شرب الماء واللبن والعسل والمرق والدواء وسائر المشروبات كالتسمية على الطعام.

وينبغي أن يسمي كل واحد من الآكلين. فإن سمى واحد منهم حصل أصل السنة نص عليه الشافعي، ويستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الشيطان إنما يتمكن من الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه، وهو قد ذكر اسم الله تعالى عليه، وأن المقصود يحصل بواحد. واستحباب الأكل والشرب باليمين وكراهيتهما بالشمال؛ لأن الشيطان يأكل بالشمال، وإن كان عذر يمنع من ذلك فلا كراهة. واستحباب الأكل مما يليه؛ لأن أكله من موضع يد صاحبه سوء عشرة وترك مروءة؛ لنفوره لا سيما في الأمراق وأشباهها. فإن كان تمرا فقد نقلوا إباحة اختلاف الأيدي في الطبق، والذي ينبغي تعميم النهي حملا على عمومه حتى يثبت دليل مخصص. أقول: كان الظاهر أن يقال: كنت أطيش بيدي، فأسند الطيش إلى اليد مبالغة، وأنه لم يكن يراعي آداب الأكل فأرشده لذلك إلى التسمية والأكل باليمين أيضا.

الحديث الثاني عن حذيفة: قوله: ((يستحل الطعام)) فيه وجهان: ((مح)): معناه أنه يتمكن من أكل الطعام، وهو محمول على ظاهره؛ فإن الشيطان يأكل حقيقة؛ إذ العقل لا يحيله والشرح لم ينكره بل أثبته، فوجب قبوله واعتقاده. ((تو)): المعنى أن يجد سبيلا إلى تطيير بركة الطعام بترك التسمية عليه في أول ما يتناوله المتناولون، وذلك حظه من ذلك الطعام.

ومعنى الاستحلال هو أن تسمية الله تمنعه عن الطعام، كما أن التحريم يمنع المؤمن عن تناول ما حرم عليه، والاستحلال استنزال الشيء المحرم محل الحلال وهو في الأصل مستعار من حل العقدة. أقول: كأنه أراد أن ترك التسمية في الطعام إذن للشيطان من الله تعالى في تناوله كما أن التسمية منع له منه، فيكون استعارة تبعية. و ((أن)) في أن لا يذكر)) مصدرية واللام مقدرة أو الوقت.

الحديث الثالث عن جابر: قوله: ((لا مبيت لكم ولا عشاء)) ((قض)): المخاطب به أعوانه أي

ص: 2838

4162 -

وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذ شرب فليشرب بيمينه)). رواه مسلم.

4163 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يأكلن أحدكم بشماله ولا يشربن بها؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها)). رواه مسلم.

4164 -

وعن كعب بن مالك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاثة أصابع، ويلعق يده قبل أن يمسحها. رواه مسلم.

4165 -

وعن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال: ((إنكم لا تدرون في أية البركة؟)). رواه مسلم.

ــ

لاحظ لكم ولا فرصة لكم الليلة من أهل هذا البيت؛ فإنهم قد أحرزوا عنكم طعامهم وأنفسهم. وتحقيق ذلك أن انتهاز الشيطان فرصة من الإنسان، إنما تكون حال الغفلة ونسيان الذكر، فإذا كان الرجل متبقظا محتاطا متذكرا لله في جملة حالاته، لم يتمكن الشيطان من إغوائه وتسويله وأيس عنه بالكلية.

((مظ)) ((وشف)): ويجوز أن يكون المخاطب به الرجل وأهل بيته على سبيل الدعاء عليهم من الشيطان. أقول: وهو بعيد لقوله: ((قال الشيطان: أدركتم المبيت)) والمخاطبون أعوانه، وأما تخصيص المبيت والعشاء، فلغالب الأحوال؛ لأن ذلك صادق في عموم الأحوال.

الحديث الرابع والخامس عن ابن عمر: قوله: ((فإن الشيطان يأكل بشماله)) ((تو)): المعنى أنه يحمل أولياءه من الإنس على ذلك الصنيع ليضاد به عباد الله الصالحين، ثم إن من حق نعمة الله والقيام بشكره أن تكرم ولا يستهان بها، ومن حق الكرامة أن تتناول باليمين ويميز بها بين ما كان من النعمة وبين ما كان من الأذى. أقول: تحريره أن يقال: لا يأكلن أحدكم بشماله ولا يشربن بها؛ فإنكم إن فعلتم ذلك كنتم أولياء الشيطان؛ فإن الشيطان يحمل أولياءه من الإنس على ذلك. ((مح)): فيه أنه ينبغي اجتناب الأفعال التي تشبه أفعال الشياطين وأن للشيطان يدين.

أقول: حمل الحديث على ظاهره كما سبق في الحديث السابق.

الحديث السادس عن كعب: قوله: ((ويلعق يده)): من سنن الأكل لعق اليد محافظة على بركة الطعام وتنظيفا لها. والأكل [بثلاثة] أصابع ولا يضم إليها الرابعة والخامسة إلا لعذر.

الحديث السابع عن جابر: قوله: ((في أية)) المضاف إليه محذوف أي أية أكلة أو طعمة.

ص: 2839

4166 -

وعن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إذا أكل أحدكم فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها)). متفق عليه.

4167 -

وعن جابر، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان، فإذا فرغ فليلعق أصابعه فإنه لا يدري: في أي طعامه يكون البركة؟)). رواه مسلم.

4168 -

وعن أبي جحيفة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا آكل متكئا)). رواه البخاري.

4169 -

وعن قتادة، عن أنس، قال: ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان، ولا في سكرجة ولا خبز له مرقق. قيل لقتادة: على ما يأكلون؟ قال: على السفر. رواه البخاري.

ــ

الحديث الثامن عن ابن عباس رضي الله عنه: قوله: ((يلعقها)) ((مح)): أي يلعقها غيره ممن لم يقذره كالزوجة والجارية والولد والخادم لأنهم يتلذذون بذلك. وفي معناهم التلميذ ومن يعتقد التبرك بلعقها.

الحديث التاسع عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((من شأنه)) ((صفة)) ((لشيئ)) أي شيء كائن من شأن الشيطان حضوره عنده، قوله:((لا يدعها للشيطان)) ((تو)): إنما صار تكركها للشيطان، لأن فيه إضاعة نعمة الله والاستحقار بها من غير ما بأس، ثم إنه من أخلاق المتكبرين والمانع عن تناول تلك اللقمة في الغالب هو الكبر وذلك من عمل الشيطان.

((مح)): إذا وقعت اللقمة على موضع نجس، يجتنب منها، ولا بد من غسلها إن أمكن فإن تقذر أطعمها حيوانا ولا يتركها للشيطان.

الحديث العاشر عن أبي جحيقة: قوله: ((لا آكل متكئا)) ((خط)): يحسب أكثر العامة أن المتكئ هو المائل المعتمد على أحد شقيه، وليس معنى الحديث ما ذهبوا إليه، وأن المتكئ ها هنا هو المعتمد على الوطاء الذي تحته. وكل من استوى قاعدا على وطاء فهو متكئ، والمعنى:[إني إذا] أكلت لم أقعد متمكنا على الأوطئة فعل من يريد أن يستكثر من الأطعمة، ولكنى آكل علقة من الطعام فيكون قعودي مستوفزا له.

الحديث الحادي عشر عن قتادة: قوله: ((على خوان)) ((تو)): الخوان الذي يؤكل عليه، معرب،

ص: 2840

4170 -

وعن أنس، قال: ما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم رأي رغيفا مرققا حتى لحق بالله، ولا رأي شاة سميطا بعينه قط. رواه البخاري.

4171 -

وعن سهل بن سعد، قال: ما رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله. وقال: ما رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم منخلا من حين ابتعثه الله

ــ

والأكل عليه لم يزل من دأب المترفين وصنيع الجبارين؛ لئلا يفتقروا إلى التطأطؤ عند الأكل. ((ولا في سكرجة)) الرواة يضمون الأحرف الثلاثة من أولها. وقيل: إن الصواب فتح الراء منها وهو الأشبه؛ لأنه فارسي معرب، والراء في الأصل منه مفتوحة، والعجم كانت تستعملها في الكوامخ وما أشبهها من الجواشيات على الموائد حول الأطعمة للتشهي والهضم، فأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل على هذه الصفة قط.

قوله: ((على السفر)) هو جمع السفرة. ((نه)): السفرة الطعام يتخذه المسافر أكثر ما يحمل في جلد مستدير، فنقل اسم الطعام إلى الجلد، وسمي به كما سميت المزادة رواية، وغير ذلك من الأسماء المنقولة.

أقول: قوله: ((ولا خبز له مرقق)) عبارة عن كونه صلى الله عليه وسلم لم يأكل خبزا مرققا بعد مبعثه قط.

قوله: ((ولا خبز له)) يحتمل معنيين أحدهما: أنه أكله إذا خبز لغيره وأنه لم يأكله قط سواء خبز له أو لغيره، يدل عليه حديث سهل بن سعد:((ما [رأي] رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل النقي من حين ابتعثه الله تعالى)). وقوله: ((على ما يأكلون)) الظاهر أن يسأل على ما يأكل وفيم يأكل وما يأكل، فلم عدل عن السؤال إلى الجماعة واقتصر على الأول منها؟. فيقال: علم السائل أن الصحابة رضوان الله عليهم يقتدون بسنته ويقتفون آثاره فاستغنى به عن ذلك.

الحديث الثاني عشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((ما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم رأي رغيفا)) نفي العلم وأراد نفي المعلوم على طريقة قوله تعالى: {أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ} وهو من باب نفي الشيء بنفي لازمه. وإنما صح هذا من أنس رضي الله عنه؛ لأنه لازم النبي صلى الله عليه وسلم ولزمه ولم يفارقه. و ((السميط)) المسموط وهو الذي أزيل شعره ثم شوى، من السمط وهو إزالة الشعر، وما شوي بعد السلخ فهم الخمط. وقوله:((بعينه)) تأكيد لنفي الرؤية ودفع احتمال التجوز، كما تقول: مشيت برجلي وقبضت بيدي ورأيت بعيني.

الحديث الثالث عشر عن سهل: قوله: ((النفي)) هو الخبز الحزاري، وهو ما نقى دقيقه من النخالة. ((وثريناه) أي بللناه بالماء، وأصله من الثرى وهو التراب الندي.

ص: 2841

حتى قبضه الله. قيل: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه، فيطير ما طار، وما بقي ثريناه، فأكلناه. رواه البخاري.

4172 -

وعن أبي هريرة، قال: ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاما قط، إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه. متفق عليه.

4173 -

وعنه، أن رجلا كان يأكل أكلا كثيرا، فأسلم، فكان يأكل قليلا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:((إن المؤمن يأكل في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء)) رواه البخاري.

ــ

الحديث الرابع عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ما عاب)) ((مح)): هو أن يقول هذا مالح، قليل الملح، حامض، رقيق، غليظ، غير ناضج ونحو ذلك. وأما قوله للضب قال ((لا، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه)) فبيان لكراهته لا إظهار عيبة.

الحديث الخامس عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((في سبعة أمعاء)) عداه بـ ((في)) على معنى أوقع الأكل فيها وجعلها أمكنة للمأكول؛ ليشعر بامتلائها كلها حى لم يبق للنفس فيه مجال، كقوله تعالى:{إنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} أي ملء بطونهم. وتخصيص السبعة للمبالغة والتكثير كما في قوله تعالى: {والْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} .

((قض)): أراد به أن المؤمن يقل حرصه وشرهه على الطعام ويبارك له في مأكله ومشربه فيشبع من قليل، والكافر يكون كثير الحرص شديد الشره لا مطمح لبصره إلا إلى المطاعم والمشارب كالأنعام، فمثل ما بينهما من التفاوت في الشره بما بين ما يأكل في معي واحد ومن يأكل في سبعة أمعاء وهذا باعتبار الأعم والأغلب.

((مح)): فيه وجوه: أحدها: قيل: إنه في رجل بعينه فقيل له على جهة التمثيل. وثانيها: أن المؤمن يسمي الله تعالى عند طعامه فلا يشركه فيه الشيطان، والكفر لا يسميه فيشاركه الشيطان. وثالثها: أن المؤمن يقصد في أكله فيشبعه امتلاء بعض أمعائه، والكافر لشرهه وحرصه على الطعام لا يكفيه إلا امتلاء كل الأمعاء. ورابعها: يحتمل أن يكون هذا في بعض المؤمنين وبعض الكفار. وخامسها: أن يراد بالسبعة صفات الحرص والشره، وطول الأمل والطمع، وسوء الطبع والحسد والسمن. وسادسها: أن يراد بالمؤمن تام الإيمان المعرض عن الشهوات المقتصر على سد خلته. وسابعها المختار: وهو أن بعض المؤمنين يأكل في معي واحد، وأن أكثر الكفار يأكلون في سبعة، ولا يلزم أن كل واحد من السبعة مثل معي المؤمن.

ص: 2842

4174 -

و 4175 * وروى مسلم عن أبي موسى، وابن عمر المسند منه فقط.

4176 -

وفي أخرى له عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف وهو كافر، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحلبت، فشرب حلابها، ثم أخرى فشربه، ثم أخرى فشربه، حتى شرب حلاب سبع شياه، ثم إنه أصبح فأسلم، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحلبت، فشرب حلابها، ثم أمر بأخرى، فلم يستتمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((المؤمن يشرب في معي واحد والكافر يشرب في سبعة أمعاء)).

4177 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة)) متفق عليه.

ــ

أقول: جماع القول أن من شأن المؤمن الكامل إيمانه أن يحرص في الزهادة وقلة الغذاء ويقنع بالبلغة، بخلاف الكافر فإذا وجد من المؤمن والكافر على خلاف هذا الوصف فلا يقدح في الحديث، كقوله تعالى:{الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَاّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً والزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إلَاّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ} .

((مح)): قالوا: مقصود الحديث التقلل من الدنيا والحث على الزهد فيها والقناعة، مع أن قلة الأكل من محاسن أخلاق الرجل وكثرة الأكل بضدها. وأما قول ابن عمر رضي الله [عنهما] في المسكين الذي أكل عنده كثيرا:((لا يدخلن هذا علي)) إنما قال هذا؛ لأنه أشبه الكفار ومن أشبه الكفار كرهت مخالطته لغير حاجة أو ضرورة.

قوله: ((المسند منه)) اللام فيه موصولة والضمير في ((منه)) راجع إليه، أي الذي أسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديث، وهو قوله:((إن المؤمن يأكل)) الحديث. و ((فقط)) ساكنة الطاء بمعنى فحسب. قوله: ((ضافه ضيف)) ((نه)): ضفت الرجل إذا نزلت به في ضيافته، وأضفته إذا أنزلته، وتضيفته إذا نزلت به، وتضيفني إذا أنزلني. قوله:((فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة)) أي بإحلاب شاة والحلاب اللبن الذي يحلبه، والحلاب أيضا المحلب الذي يحلب فيه.

الحديث السادس والسابع عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((يكفي الاثنين)).

((حس)): حكي عن إسحاق بن راهويه عن جرير قال: تأويله شبع الواحد قوت الاثنين، وشبع الاثنين قوت الآربعة. قال عبد الله بن عروة: تفسير هذا ما قال عمر رضي الله عنه عنه عام

ص: 2843

4178 -

وعن جابر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية)) رواه مسلم.

4179 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((التلبينة مجمة لفؤاد المريض، تذهب ببعض الحزن)) متفق عليه.

4180 -

وعن أنس، أن خياطا دعا النبي صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه، فذهب مع النبي صلى الله عليه وسلم فقرب خبز شعير ومرقا فيه دباء وقديد، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حوالي القصعة، فلم أزل أحب الدباء بعد يومئذ. متفق عليه.

4181 -

وعن عمرو بن أمية أنه رأي النبي صلى الله عليه وسلم يجتز من كتف شاة في يده، فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين التي يحتز بها، ثم قام فصلى، ولم يتوضأ. متفق عليه.

ــ

[الرمادة]: لقد هممت أن انزل على أهل كل بيت مثل عددهم؛ فإن الرجل لا يهلك على نصف بطنه. ((مح)):فيه الحث على المواساة في الطعام، فإن هوإن كان قليلا حصلت منه الكفاية المقصودة ووقعت فيه بركة تعم الحاضرين.

الحديث الثامن عشر عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((التلبينة)) ((نه)): التلبينة حسو رقيق يتخذ من الدقيق واللبن. وقيل: من الدقيق والنخالة، وقد يجعل فيه العسل، سميت بذلك تشبيها باللبن لبياضها ورقتها، وهو مرة من التلبين، مصدر لبن القوم إذا أسقاهم اللبن. وقوله:((مجمة)) أي مريحة من الجمام وهو الراحة ومنه فرس جمام أي ذو جمام.

الحديث التاسع عشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((يتتبع الدباء)) ((حس)): فيه دليل على أن الطعام إذا كان مختلفا يجوز أن يمد يده إلى ما لا يليه، إذا لم يعرف من صاحبه كراهة.

قوله: ((بعد يومئذ)) يحتمل أن يكون بعد مضافا إلى ما بعده، كما جاء في شرح السنة:((بعد ذلك اليوم)). وأن يكون مقطوعا عن الإضافة، وقوله:((يومئذ)) بيان للمضاف إليه المحذوف.

((مح)): وإنما نهى عن ذلك لئلا يتقذره جليسهن ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتقذره أحد بل يتبركون بآثاره. ألا ترى أن أنسا كيف قال: ((فلما رأيت ذلك جعلت ألقيه إليه ولا أطعمه)) في الرواية الأخرى؟. وقد كانوا يتركون ببصاقه ونخامته صلى الله عليه وسلم ويتلذذون بذلك وشرب بعضهم بوله وبعضهم دمه. والدباء وهو اليقطين وهو بالمد المشهور. وحطى فيه القصر أيضا الواحدة دباءة أو دباة.

الحديث العشرون عن عمرو: قوله: ((يحتز)) ((تو)): هو بالحاء المهملة والزاي بعدها، وهكذا أورده صاحب النهاية في باب الحاء المهملة والزاي.

ص: 2844

4182 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل. رواه البخاري.

4183 -

وعن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهله الأدم. فقالوا: ما عندنا إلا خل، فدعا به، فجعل يأكل به ويقوم:((نعم الإدام الخل، نعم الإدام الخل)) رواه مسلم.

4184 -

وعن سعيد بن زيد، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين)). متفق عليه. وفي رواية لمسلم: ((من المن الذي أنزل الله تعالى على موسى عليه السلام).

4185 -

وعن عبد الله بن جعفر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء. متفق عليه.

4186 -

وعن جابر، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران نجني الكباث، فقال:((عليكم بالأسود منه؛ فإنه أطيب)) فقيل: أكنت ترعى الغنم؟ قال: ((نعم، وهل من نبي إلا رعاها)) متفق عليه.

ــ

الحديث الحادي والعشرون والثاني والعشرون عن جابر: قوله: ((الأدم)) هو جمع الإدام ككتب وكتاب ((فا)): الإدام اسم لكل ما يؤتدم به ويصطبغ، وحقيقته ما يؤتدم به الطعام أي يصلح، وهذا يجيئ لما يفعل به كثيرا كالركاب لما يركب به، والحرام لما يحرم به. ((خط)): فيه مدح الاقتصاد في المأكل ومنع النفس عن ملاذ الأطعمة.

((مح)): وفي معناه ما يخف مؤنته ولا يعز وجوده، وفيه أن من حلف أن لا يأتدم، فأتدم بخل حنث.

الحديث الثالث والعشرون عن سعيد: قوله: ((الكمأة)) ((نه)): الكمأة معروفة واحدتها كموء على غير قياس، وهي من النوادر؛ فإن القياس هو العكس. قيل: هو نبت يكون بالبرية تنشق عنه الأرض، وسيجيء بحثه في الحديث الرابع في الفصل الثالث من كتاب الطب والرقي.

الحديث الرابع والعشرون عن عبد الله: قوله: ((بالقثاء)) ((مح)): فيه جواز أكل الطعامين معا والتوسع في الأطعمة، ولا خلاف بين العلماء في جواز هذا، وما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا، محمول على كراهية اعتياد التوسع والترفه والإكثار منه لغير مصلحة دينية.

الحديث الخامس والعشرون عن جابر: قوله: ((نجني الكباث)) ((مح)): الكباث بفتح الكاف وبعدها باء موحدة مخففة ثم ألف ثم تاء مثلثة، قيل: هو من ثمر الأراك.

ص: 2845

4187 -

وعن أنس، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مقعيا يأكل تمرا. وفي رواية يأكل منه أكلا ذريعا. رواه مسلم.

ــ

قوله: ((وهل من نبي إلا رعاها)) ((خط)): يريد أن الله تعالى لم يضع النبوة في أبناء الدنيا وملوكها، لكن في رعاء الشاء وأهل التواضع من أصحاب الحرف، كما روى أن أيوب كان خياطا وزكريا كان نجارا. وقد قص الله تعالى من نبأ موسى وكونه أجيرا لشعيب في رعي الغنم ما قص.

((مح)): فيه فضيلة رعي الغنم قالوا: والحكمة في رعاية الأنبياء لها؛ ليأخذوا أنفسهم بالتواضع وتصفي قلوبهم بالخلوة، ويترقوا من سياستها بالنصيحة إلى سياسة أممهم بالهداية والشفقة. روى الشيخ أبو القاسم في التخيير: أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام، فقال له: تدري لم رزقتك النبوة؟ فقال: يا رب أنت أعلم به، فقال: تذكر اليوم الذي كنت ترعى الغنم بالموضع الفلاني فهربت شاة، فعدوت خلفها فلما لحقتها لم تضربها وقلت: أتعبتني وأتعبت نفسك، فحين رأيت منك تلك الشفقة على ذلك الحيوان رزقتك النبوة.

((مظ)): يعني أكنت ترعى الغنم حتى عرفت أطيب الكباث؟ لأن راعي الغنم يكثر تردده تحت الأشجار.

الحديث السادس والعشرون عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((مقعيا)) أي جالسا على أليتيه ناصبا ساقيه، وهو في معنى الحديث الآخر في صحيح البخاري:((لا آكل متكئا)) على ما فسره الإمام الخطابي، يعني لا آكل أكل من يريد الاستكثار من الطعام ويقعد له متمكنا، بل أقعد مستوفزا وآكل قليلا. وقوله:((أكلا ذريعا)) مستعجلا وكان استعجاله لاستيفائه لأمر أهم من ذلك، فأسرع في الأكل ليقضي حاجته منه ويرد الجوعة ثم يذهب في ذلك الشغل.

الحديث السابع والعشرون عن ابن عمر: قوله: ((حتى يستأذن أصحابه)) ((حس)): فيه دليل على جواز المناهدة في الطعام وهي أن يخرجوا نفقاتهم على قدر عدد الرفقة، وكان المسلمون لا يرون بها بأسا، وإن تفاوتوا في الأكل عادة، إذا لم يقصد مغالبة صاحبه. ((مظ)): إنما جاء النهي عن القران لعلة معلومة، وهي ما كان القوم فيه من شدة العيش وضيق المقام. فأما اليوم مع اتساع الحال فلا حاجة إلى الإذن.

((مح)): وليس كما قال الخطابي، بل الصواب التفصيل كما سنذكره؛ لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لو ثبت، فكيف وهو غير ثابت؟، وذلك أن الطعام إذا كان مشتركا بينهم فالإقران حرام إلا برضاهم إما تصريحا منهم أو ظنا قويا منهم، وإن شك فيه فهو حرام، وإن كان الطعام لنفسه وقد ضيفهم به فلا يحرم عليه القران. ثم إن كان في الطعام قلة فلا يحسن القران بل يساويهم. وإن كان كثيرا بحيث يفضل عنهم فلا بأس به، لكن الأدب مطلقا التأدب في الأكل وترك الشره إلا أن يكون مستعجلا كما سبق.

ص: 2846

4188 -

وعن ابن عمر، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن الرجل بين التمرتين حتى يستأذن أصحابه. متفق عليه.

4189 -

وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا يجوع أهل بيت عندهم التمر)). وفي رواية: قال: ((يا عائشة! بيت لا تمر فيه، جياع أهله)) قالها مرتين أو ثلاثا. رواه مسلم.

4190 -

وعن سعد، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر)) متفق عليه.

4191 -

وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إن في عجوة العالية شفاء، وإنها ترياق أول البكرة)) رواه مسلم.

ــ

الحديث الثامن والعشرون عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((لا تمر فيه جياع أهله)) ((مح)):فيه فضيلة التمر وجواز الادخار للعيال والحث عليه. أقول: يمكن أن يحمل على الحث على القناعة في بلاد يكثر فيه التمر، يعني بيت فيه تمر وقنعوا به لا يجوع أهله. وإنما الجائع من ليس عنده تمر، وينصره الحديث الآتي قوله:((كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا، إنما هو التمر والماء)).

الحديث التاسع والعشرون عن سعد: قوله: ((من تصبح)) ((نه)): هو تفعل من ((صبحت القوم)) إذا سقيتهم الصبوح، وصبحت بالتشديد لغة فيه فاستعير للأكل. والعجوة نوع من تمر المدينة أكبر من الصيحاني، يضرب إلى السواد من غرس النبي صلى الله عليه وسلم.

((مظ)): يحتمل أن يكون في ذلك النوع من التمر خاصية تدفع السم والسحر، وأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا لذلك النوع من التمر بالبركة، وبما يكون فيه من الشفاء.

((مح)) فيه فضيلة تمر المدينة وعجوتها وفضيلة التصبح بسبع تمرات فيه، وتخصيص عجوة المدينة وعدد السبع من الأمور التي علمها الشارع، ولا نعلم نحن حكمتها فيجب الإيمان بها واعتقاد فضلها والحكمة فيها. وهذا كأعداد الصلوات ونصب الزكوات وغيرها.

الحديث الثلاثون عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((ترياق)) ((مح)): هو بكسر التاء وضمه لغتان. ويقال: درياق أيضا. والعالية ما كان من الحوائط والقرى والعمارات من جهة المدينة العليا مما يلي نجدا، والسافلة من الجهة الأخرى مما يلي تهامة. وأدنى العالية ثلاثة أميال، وأبعدها ثمانية من المدينة.

ص: 2847

4192 -

وعنها، قالت: كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا، إنما هو التمر والماء، إلا أن يؤتى باللحيم. متفق عليه.

4193 -

وعنها، قالت: ما شبع آل محمد يومين من خبز بر إلا وأحدهما تمر. متفق عليه.

ــ

قوله: ((أول البكرة)) ظرف للخبر على تأويل أنها نافعة للسم، كقوله تعالى:{وهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ} أي معبود فيها. وهذه الجملة معطوفة على الأولى إما على سبيل البيان، كما في قوله تعالى:{وإنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ} أو على أنه من عطف الخاص على العام اختصاصا ومزية، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:((ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها)).

الحديث الحادي والثلاثون عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((إلا أن يؤتى باللحيم)) ((مظ)): أي لا نطبخ شيئا إلا أن يؤتى باللحم فحينئذ نوقد النار، ولو قيل: أن يؤتى منصوب بنزع اللام على أنه مفعول له لكان وجها حسنا، لا غبار عليه من التكلف البعيد أي لا نوقد لشيء من الأشياء إلا أن يؤتى، ولا يحملنا على ذلك إلا إتيان اللحيم، وإنما لم نقل منصوب على المفعول له مطلقا، بل قيدنا بنزع الخافض. لفقدان الشرط وهو انتفاء كونه فعلا لفاعل الفعل المعلل.

أقول: ظاهره مشعر بأنه استثناء منقطع، والأظهر أن يكون متصلا؛ لأن ((أن يؤتى)) مصدر والوقت مقدر، فيكون المستثنى منه المجرور في ((فيه)) العائد إلى ((الشهر))، ويجوز أن يكون مستثنى مما يفهم من قوله:((إنما هو التمر والماس)). والمعنى: ما المأكول إلا تمر وماء، إلا أن يؤتى باللحيم، فحينئذ يكون المأكول لحما.

الحديث الثاني والثلاثون عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((إلا وأحدهما تمرا)) إما مستثنى من أعم عام الأحوال أو الأوصاف على مذهب صاحب الكشاف، يعني استقرئت من آل محمد يومين يومين، فلم أجد يومين موصوفين بصفة من الأوصاف إلا بأن أحد اليومين يوم تمر والآخر يوم خبز. وقد عرف عرفا أن ذلك ليس بشبع، فلا يكون ثمة شبع. وينصره قوله:((ما شبعنا من الأسودين)) وهو على لغة بني تميم.

قال المالكي في شرح التسيهل: لغة بني تميم إعطاء المنقطع المؤخر من مستثنيات إلا في

ص: 2848

4194 -

وعنها، قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبعنا من الأسودين. متفق عليه.

4195 -

وعن النعمان بن بشير، قال: ألستم في طعام وشراب ما شئتم؟ لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم وما يجد من الدقل ما يملأ بطنه. رواه مسلم.

4196 -

وعن أبي أيوب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أكل منه، وبعث بفضله إلي، وإنه بعث إلي يوما بقصعة لم يأكل منها لأن فيها ثوما، فسألته: أحرام هو؟ قال: ((لا، ولكن أكرهه من أجل ريحه)) قال: فإني أكره ما كرهت. رواه مسلم.

ــ

غير الإيجاب من الإتباع ما للمتصل، فيقولون: ما فيها أحد إلا زيد، كما يقول الجميع. وعلى لغتهم قول الآخر:

وبلدة ليس فيها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس

ويلحق بهذا إتباع أحد المتباينين الآخر نحو: ما أتاني زيد إلا عمرو، وما أعانه إخوانكم إلا إخوانه، فقوله في الحديث:((بخبز شعير)) واقع موقع زيد في هذا المثال للتأكيد.

الحديث الثالث والثلاثون عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((من الأسودين)) ((تو)): الأسودان التمر والماء، والسواد للتمر دون الماء فنعتا بنعت واحد. والعرب تفعل ذلك في الشيئين يصطحبان ويسميان معا باسم الأشهر منهما. هذا قول أصحاب الغريب، وقد بقي عليه بقية؛ وذلك أنهم لم يبينوا وجه التسوية بين الماء والتمر في العوز، ومن المعلوم أنهم كانوا في سعة من الماء.

وإنما قالت ذلك؛ لأن الري من الماء لم يكن ليحصل لهم من دون الشبع من الطعام؛ فإن أكثر الأمم لا سيما العرب، يرون شرب الماء على الريق بالغا في المضرة فقرنت بينهما لعوز التمتع بأحدهما بدون الإصابة من الآخر، وعبرت عن الأمرين – اعني الشبع والري – بفعل واحد كما عبرت عن التمر والماء بوصف واحد. ((مظ)): يعني ما شبعنا من التمر والماء من التقوى لا من العوز.

الحديث الرابع والثلاثون عن النعمان: قوله: ((ما شئتم)) صفة مصدر محذوف، أي ألستم منغمسين في طعام وشراب مقدار ما شئتم من التوسعة والإفراط فيه؟. فـ ((ما)) موصولة وبجوز أن تكون مصدرية، والكلام فيه تعيير وتوبيخ؛ ولذلك أتبعه بقوله:((لقد رأيت نبيكم)) و ((رأيت)) إذا كان بمعنى النظر يكون ((وما يجد)) حالا، وإن كان بمعنى العلم فيكون مفعولا ثانيا. وأدخل الواو تشبيها له بخبر ((كان)) وأخواتها على مذهب الأخفش والكوفي، ((والدقل)) رديء التمر ويابسه وما ليس له اسم خاص.

الحديث الخامس والثلاثون عن أبي أيوب: قوله: ((بعث إلي يوما بقصعة لم يأكل منها)) كذا

ص: 2849

4197 -

وعن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من أكل ثوما أو بصلا، فليعتزلنا)) أو قال: ((فليعتزل مسجدنا. أو ليقعد في بيته)). وإن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بقدر فيه خضرات من بقول، فوجد لها ريحا، فقال:((قربوها)) – إلى بعض أصحابه، وقال:(0كل، فإني أناجي من لا تناجي)) متفق عليه.

4198 -

وعن المقدام بن معدي كرب، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه)) رواه البخاري

ــ

في صحيح مسلم، وفي بعض نسخ المصابيح وفي سائرها لفظة ((قصعة)) و ((منها))، ساقطتان.

قوله: ((أحرام هو؟)) السؤال راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إنما بعثه إليه ليأكله فلا يكون عليه حراما، ولذلك قال:((لا ولكن أكرهه)). وقوله: ((أكرهه من أجل ريحه)) هذا ليس بعيب للطعام بل بيان للمانع من الحضور في المسجد ومخالطة الكبار.

((مح)): فيه تصريح بإباحة الثوم لكن يكره لمن أراد حضور الجماعة، ويلحق به كل ماله رائحة كريهة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يترك الثوم دائما؛ لأنه يتوقع مجيء الملائكة والوحي كل ساعة. واختلفوا في الثوم والبصل والكراث في حقه صلى الله عليه وسلم، فقال بعض أصحابنا: هي محرمة عليه، والأصح عندهم أنها مكروهة كراهة تنزيه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:((لا)) في جواب قوله: ((أحرام هو؟)). ومن قال بالأول يقول: معناه ليس بحرام في حقكم. وفيه أنه يستحب للآكل والشارب أن يفضل مما يأكل ويشرب.

الحديث السادس والثلاثون عن جابر: قوله: ((بقدر)) ((تو)): رواية البخاري في كتابه بالقاف. وقيل: إن الصواب فيه ((أتى ببدر)) بالباء أي بطبق وهو طبق يتخذ من الخوص. ولعله سمي بذلك باستدارته استدارة البدر. ((مح)): ((أتى بقدر)) هكذا هو في نسخ صحيح مسلم، ووقع في صحيح البخاري وسنن أبي داود وغيرها من الكتب المعتمدة ((أتى ببدر)) ببائين موحدتين. قال العلماء: هذا هو الصواب وفسر الرواة وأهل اللغة والغريب البدر بالطبق.

و ((خضرات)) بفتح الخاء وكسر الضاد، أي بقول خضرات، ورواه بعضهم بضم الخاء وفتح الضاد. قوله:((إلى بعض أصحابه)) لعل لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم قربوها إلى فلان بقرينة قوله: ((كل))، فأتى الراوي معنى ما تلفظ به صلى الله عليه وسلم؛ لكونه لم يتذكر التصريح باسمه فعبر عنه ببعض أصحابه.

الحديث السابع والثلاثون عن المقدام: قوله: ((كيلوا طعامكم)) ((مظ)): الغرض من كيل الطعام معرفة مقدار ما يستغرض الرجل ويبيع ويشتري؛ فإنه لو لم يكل لكان ما يبيعه ويشتريه

ص: 2850

4199 -

وعن أبي أمامة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال:((الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا)) رواه البخاري.

4200 -

وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها)) رواه مسلم.

وسنذكر حديثي عائشة وأبي هريرة: ما شبع آل محمد، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا في ((باب فضل الفقراء)) إن شاء الله تعالى.

ــ

مجهولا، ولا يجوز ذلك. وكذلك لو لم يكل ما ينفق على العيار ربما يكون ناقصا عن قدر كفايتهم، فيكون النقصان ضررا عليهم. وقد يكون زائدا على قدر كفايتهم، ولم يعرف ما يدخر لتمام السنة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكيل؛ ليكونوا على علم ويقين فيما يعملون. قمن راعى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد بركة عظيمة في الدنيا وأجرا عظيما في الآخرة. انتهى كلامه.

فإن قلت: كيف التوفيق بين هذا وما روى عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما لي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في زق. فكلته ففنى.

قلت: الكيل عند البيع والشراء مأمور به لإقامة القسط والعدل، وفيه البركة والخير، وعند الإنفاق إحصاء وضبط وهو منهي عنه؛ قال صلى الله عليه وسلم:((أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا)).

الحديث الثاني والثلاثون عن أبي أمامة: قوله: ((غير مكفي)) يروى بالرفع والنصب وكذا ربنا. وفيه وجوه:

أحدهما غير مردود ولا مقلوب، والضمير راجع إلى الطعام الذال عليه سياق الكلام.

وثانيهما: مكفي من الكفاية فيكون من المعتل، يعني أن الله تعالى هو المطعم والكافي وهو غير مطعم ولا مكفي، فيكون الضمير راجعا إلى الله تعالى. وقوله:((ولا مودع)) أي غير متروك الطلب إليه والرغبة فيما عنده.

وثالثها: أن يكون الكلام راجعا إلى الحمد كأنه قال: ((حمدا كثيرا مباركا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه)) أي الحمد. فالضمير راجع إلى الحمد. قوله: ((ربا)) على الأول والثالث منصور على الدعاء وحرف النداء محذوف. وعلى الثاني مرفوع على الابتداء، ((وغير مكفي)) خبره. وهذا من تلخيص كلام ابن السكيت والخطابي من جامع الأصول.

الحديث التاسع والثلاثون عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((الأكلة)) هو بالفتح للمرة.

ص: 2851

الفصل الثاني

4201 -

عن أبي أيوب، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقرب طعام، فلم أر طعاما كان أعظم بركة منه أول ما أكلنا، ولا أقل بركة في آخره، قلنا: يا رسول الله! كيف هذا؟ قال: ((إنا ذكرنا اسم الله عليه حين أكلنا، ثم قعد من أكل ولم يسم الله فأكل معه الشيطان)) رواه في ((شرح السنة)). [4201]

4202 -

وعن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أكل أحدكم فنسي أن يذكر الله على طعامه؛ فليقل: بسم الله أوله وآخره)). روان الترمذي، وأبو داود. [4202]

4203 -

وعن أمية بن مخشى، قال: كان رجل يأكل فلم يسم حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة، فلما رفعها إلى فيه قال: بسم الله أوله وآخره، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال:((ما زال الشيطان يأكل معه، فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه)). رواه أبو داود. [4203]

ــ

الفصل الثالث

الحديث الأول عن أبي أيوب: قوله: ((ثم قعد من أكل)) قد سبق عن الشافعي على ما رواه الشيخ محيي الدين: أن واحدا لو سمى في جماعة يأكلون لكفي ذلك وسقط عن الكل، فتنزيله على هذا الحديث أن يقال: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((ثم قعد)) أي قعد بعد فراغنا من الطعام ولم يسم، أو يقال: إن شيطان هذا الرجل جاء معه، فلا تكون تسميتهم مؤثرة فيه ولا هو سمى.

الحديث الثاني عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((أوله وآخره)) أي آكل أوله وآخره مستعينا باسم الله، فيكون الجار والمجرور حالا من فاعل الفعل المقدر.

الحديث الثالث عن أمية: قوله: ((استقاء ما في بطنه)) ((تو)) أي صار ما كان له وبالا عليه مستلبا عنه بالتسمية. وهذا تأويل على سبيل الاحتمال غير موثوق به؛ فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم يطلع من أمر الله في بريته على ما لا سبيل لأحد إلى معرفته إلا بالتوقيف من جهته.

أقول: وهذا التأويل على ما سبق في حديث حذيفة من الفصل الأول، محمول على ما له حظ من تطيير البركة من الطعام على تفسيره. وأما على تفسير الشيخ محيي الدين فهو ظاهر، والله أعلم.

ص: 2852

4204 -

وعن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من طعامه قال: ((الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين)). رواه الترمذي، وأبو داود وابن ماجه. [4204]

4205 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطاعم الشاكر كالصائم الصابر)) رواه الترمذي. [4205]

4206 -

وابن ماجه، والدارمي، عن سنان بن سنة، عن أبيه.

42007 -

وعن أبي أيوب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال: ((الحمد لله الذي أطعم وسقى، وسوغه، وجعل له مخرجا)) رواه أبو داود. [4207]

ــ

الحديث الرابع والخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((كالصائم الصابر)) قد تقرر في علم البيان أن التشبيه يستدعي الجهة الجامعة، والشكر نتيجة النعماء كما أن الصبر نتيجة البلاء. فكيف شبه الشاكر بالصابر؟ وأجاب المظهر بأن هذا تشبيه في أصل استحقاق كل واحد منهما الأجر لا في المقدار. وهذا كما يقال: زيد كعمرو، معناه: زيد يشبه عمرا في بعض الخصال. ولا يلزم المماثلة في جميعها فلا يلزم المماثلة في الأجر أيضا.

أقول: قد ورد ((الإيمان نصفان، نصف صبر ونصف شكر)). وربما يتوهم متوهم أن ثواب شكر الطاعم يقصر عن ثواب صبر الصائم، فأزيل توهمه به، يعني هما سيان في الثواب. ونظيره قولك فعمامة سوداء بحضرة السامع، وهو متردد في لون عمامتك فقلت: لون عمامتي كلون هذه.

وفيه وجه آخر وهو أن الشاكر لما رأي النعمة من الله تعالى وحبس نفسه على محبة المنعم بالقلب وأظهرها باللسان نال درجة الصابر. قال:

وقيدت نفسي في [ذراك] محبة ومن وجد الإحسان قيدا تقيدا

فيكون التشبيه واقعا في حبس النفس بالمحبة، والجهة الجامعة حبس النفس مطلقا، فأينما وجد الشكر وجد الصبر ولا ينعكس.

الحديث السادس عن أبي أيوب: قوله: ((الحمد لله الذي أطعم)) ذكر ها هنا نعما أربعا:

ص: 2853

4208 -

وعن سلمان، قال: قرأت في التوراة أن بركة الطعام الوضوء بعده، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده)). رواه الترمذي، وأبو داود. [4208]

4209 -

وعن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء، فقدم إليه طعام، فقالوا: ألا نأتيك بوضوء؟ قال: ((إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة)). رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي؟ [4209]

4210 -

ورواه ابن ماجه، عن أبي هريرة.

4211 -

وعن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أتى بقصعة من ثريد، فقال:((كلوا من جوانبها، ولا تأكلوا من وسطها؛ فإن البركة تنزل في وسطها)). رواه الترمذي، وابن ماجه، والدارمي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وفي

ــ

الإطعام والسقي والتسويغ وهو تسهيل الدخول في الحلق؛ فإنه خلق الأسنان للمضغ والريق للبلع، وجعل المعدة مقسما للطعام. ولها مخارج: فالصالح منه ينبعث إلى الكبد وغيره يندفع من طريق الأمعاء، وكل ذلك فضل من الله الكريم، ونعمة يجب القيام [بموجبها] * من الشكر بالجنان والثناء باللسان والعمل بالأركان.

الحديث السابع عن سلمان: قوله: ((الوضوء قبله)) أراد بالوضوء هنا غسل اليدين وتنظيفهما. وجوابه صلى الله عليه وسلم من الأسلوب الحكيم حيث قرر ما تلقاه به وزاد عليه.

ومعنى بركة الوضوء في أول الطعام: النمو والزيادة فيه، وفي آخره: عظم فائدة الطعام باستعمال النظافة. فإذا ترك ذلك ضربه الغم الذي حصل في يده من الطعام، وعاقه عن استمرائه، فالبركة في الأول بمعنى النمو، وفي الآخر بمعنى التعظيم واستدامتها.

الحديث الثامن عن ابن عباس: قوله: ((إنما أمرت بالوضوء)) هذا إنما ينطبق على السؤال إذا اعتقد السائل أن الوضوء قبل الطعام واجب، فنفي صلى الله عليه وسلم وجوبه حيث أتى بأداة الحصر وأسند الأمر إلى الله تعالى، فلا ينافي جوابه. والمأمور به هو قوله تعالى:{إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} فلا يتم استدلال الشارحين به على نفي الوضوء قبل الطعام في الحديث السابق.

ص: 2854

رواية أبي داود، قال:((إذا أكل أحدكم طعاما فلا يأكل من أعلى الصحفة، ولكن يأكل من أسفلها، فإن البركة تنزل من أعلاها)). [4211]

4212 -

وعن عبد الله بن عمرو، قال: ما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط، ولا يطأ عقبه رجلان. رواه أبو داود. [4212]

4213 -

وعن عبد الله بن الحارث بن جزء، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبز ولحم وهو في المسجد، فأكل وأكلنا معه، ثم قام فصلى، وصلينا معه، ولم نزد على أن مسحنا أيدينا بالحصباء. رواه ابن ماجه. [4213]

4214 -

وعن أبي هريرة، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم، فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه، فنهس منها. رواه الترمذي، وابن ماجه. [4214]

ــ

الحديث التاسع عن ابن عباس: قوله: ((من أعلى الصحفة)) شبه ما يزيد في الطعام بما ينزل من الأعالي من المائع وما يشبهه، فهو ينصب إلى الوسط ثم ينبث منه إلى الأطراف، فكل ما أخذ من الطرف يجيء من الأعلى بدله، فإذا أخذ من الأعلى انقطع.

الحديث العاشر عن عبد الله: قوله: ((ولا يطأ عقبه رجلان)) ((مظ)): يعني من غاية التواضع يمشي في وسط الجمع أو في آخرهم ولا يمشي قدامهم. أقول: لا يساعد هذا التا، يل التشبيه في رجلان، ولعله كناية عن تواضعه صلوات الله عليه، وأنه لم يكن يمشي مشي الجبابرة مع الأتباع والخدم. ويؤيده اقترانه بقوله:((ما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا)) فإنه كان من دأب المترفين. دعا عمر رضي الله عنه على رجل فقال: اللهم إن كان كذب فاجعله موطأ العقب، أي كثير الأتباع، دعا عليه بأن يكون سلطانا أو مقدما أو ذا مال، فيتبعه الناس ويمشون وراءه.

الحديث الحادي عشر والثاني عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((وكانت تعجبه)) ((مح)): [محبته] * صلى الله عليه وسلم للذراع لنضجها وسرعة استمرائها مع زيادة لذتها وحلاوة مذاقها وبعدها عن مواضع الأذى.

قوله: ((فنهس منها)) ((حس)): فيه استحباب نهس اللهم وهو أخذ ما على العظم من اللحم بأطراف الأسنان، والنهش – بالشين المعجمة – بالأضراس. وقد استحب ذلك تواضعا وطرحا للتكبر، والقطع بالسكين مباح للحديث الذب مر في هذا الباب. وهو قوله:((يحتز من كتف شاة)) الحديث.

ص: 2855

4215 -

وعن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقطعوا اللحم بالسكين؛ فإنه من صنع الأعاجم، وانهسوه فإنه أهنأ وأمرأ)). رواه أبو داود، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) وقالا: ليس هو بالقوي. [4215]

4216 -

وعن أم المنذر، قالت: دخل علي رسول الله ومعه علي، ولنا دوال معلقة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل وعلي معه يأكل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي:((مه يا علي! فإنك ناقه)) قالت: فجعلت لهم سلقا وشعيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((يا علي! من هذا فأصب؛ فإنه أوفق لك)). رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه. [4216]

ــ

الحديث الثالث عشر عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((من صنع الأعاجم)) أي من دأبهم وعاداتهم. الكشاف: في قوله تعالى: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} كل عامل لا يسمي صانعا حتى يتمكن فيه ويتدرب، يعني لا تجعلوا القطع بالسكين دأبكم وعادتكم كالأعاجم، بل إذا كان نضيجا فانهسوه وإذا لم يكن نضيجا فحزوه بالسكين. ويؤيده قول البيهقي: النهي عن قطع اللحم بالسكين في لحم قد تكامل نضجه، أو على أن ذلك يكون أطيب.

قوله: ((أهنأ)) الهني هو اللذيذ الموافق للغرض، وأمرأ، من الاستمراء: وهو ذهاب كظة الطعام وثقله.

الحديث الرابع عشر عن أم المنذر: قوله: ((دوال)) واحدتها دالية. ((نه)): الدالية هي العذق من البسر يعلق إذا أرطب أكل، قالوا: الواو فيه منقلبة عن ألف.

قوله: ((مه)) الجوهري: هي كلمة بنيت على السكون، وهو اسم سمي به الفعل، ومعناه اكفف. قوله:((ناقه)) ((قض)): نقه المريض ينقه فهو ناقه إذا برأ وكان قريب العهد بالمرض، ولم ترجع إليه كمال صحته وقوته.

قوله: ((فجعلت لهم)) هكذا هو في الأصول الثلاثة وكذا في شرح السنة. وأكثر نسخ المصابيح مغير، جعلوا الضمير في ((لهم)) مفردا ليرجع إلى علي – رضي الله عنه – وهو وهم منهم؛ لأن الضمير راجع إلى أهلها أو الضيفان.

وقوله: ((فجعلت)) عطف على ((فقال)) والفاء جواب شرط محذوف، أي إذا منعت عليا من أكل الرطب لكونه ناقها فأعلمكن أني جعلت لأهلي سلقا وشعيرا، فأمره ليصيب منه؛ ومن

ص: 2856

4217 -

وعن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الثفل. رواه الترمذي، والبيهقي في ((شعب الإيمان)). [4217]

4218 -

وعن نبيشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:((من أكل في قصعة فلحسها استغفرت له القصهة)). رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، والدارمي وقال الترمذي: هذا هديث غريب. [4218]

4219 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من بات وفي يده غمر لم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه)). رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه. [4219]

4220 -

(62) وعن ابن عباس، قال: كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الثريد من الخبز، والثريد من الحيس. رواه أبو داود. [4220]

ــ

ثم أمره صلوات الله عليه بقوله: ((من هذا فأصب)) والفاء فيه جواب شرط محذوف، يعني إذا حصل هذا فخصه بالإصابة، ولا تتجاوز إلى أكل البسر. يدل على الحصر تقديم الجار على عامله، ونظيره قاله تعالى:{ورَبَّكَ فَكَبِّرْ} ، وقوله:((أوفق)) هنا لمجرد الزيادة.

الحديث الخامس عشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((الثفل)) هو في الأصل ما يرسب من كل شيء. ((نه)): قال في الحديبية: ((من كان معه ثفل فليصطنع)) أراد بالثفل الدقيق والسويق ونحوهما. وقيل: الثفل هنا الثريد وأنشد:

يحلف بالله وإن لم يسأل ما ذاق ثفلا منذ عام أول

الحديث السادس عشر عن نبيشة: قوله: ((في قصعة)): جيء ((بفي)) بدل ((من)) مريدا للتمكن من الأكل وإيقاعه في القصهة، كما في قوله:{ولأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} ومن ثم أتبعه بقوله: ((فلحسها)). ((تو)): استغفار القصعة عبارة عما تعورف فيها من أمارة التواضع ممن أكل فيها، وبرائته من الكبر، وذلك مما يوجب له المغفرة. فأضاف إلى القصعة لأنها كالسبب لذلك.

الحديث السابع عشر عن أي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((غمر)) ((نه)): الغمر بالتحريك الدسم والزهومة من اللحم كالوضر من السمن. وقوله: ((فأصابه شيء)) أي إيذاء من الهوام وذلك؛ لأن الهوام وذوات السموم ربما تقصده في المنام لرائحة الطعام في يده فتؤذيه.

الحديث الثامن عشر عن ابن عباس: قوله: ((من الحيس)) هو طعام يتخذ من التمر والدقيق والسمن وأصلح الخلط.

ص: 2857

4221 -

وعن أبي أسيد الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلوا الزيت وادهنوا به؛ فإنه من شجرة مباركة)). رواه الترمذي، وابن ماجه، والدارمي. [4221]

4222 -

وعن أم هانئ، قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((أعندك شيء؟)) قلت: لا، إلا خبز يابس وخل. فقال:((هاتي، ما أقفر بيت من أدم فيه خل)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب. [4222]

4223 -

وعن يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة من خبز الشعير، فوضع عليها تمرة، فقال:((هذه إدام هذه)) وأكل. رواه أبو داود. [4223]

ــ

الحديث التاسع عشر والعشرون عن أم هانئ: قوله: ((قلت: لا إلا خبزا)) المستثنى منه محذوف، والمستثنى بدل منه، ونظيره في الصحاح قول عائشة رضي الله عنها:((لا إلا شيء بعثت به أم عطية)). قال المالكي: فيه شاهد على إبدال ما بعد إلا من محذوف؛ لأن الأصل: لا شيء عندنا إلا شيء بعثت به أم عطية. انتهى كلامه.

فإن قلت: من حق أم هانئ أن تجيب بـ ((بلى عندي خبز)) فلم عدلت عنه إلى تلك العبارة؟ قلت: كأنها [عظمت] * شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأت أن الخبز اليابس والخل لا يصلحان أن يقدما إلى مثل ذلك الضيف، فما عدتهما بشيء؛ ومن ثم حسنت المطابقة بقوله صلى الله عليه وسلم:((ما أقفر بيت فيه خل)).

قوله: ((من أدم)) متعلق بـ ((أقفر)). وقوله: ((فيه خل)) صفة بيت، وقد فصل بين الصفة والموصوف بالأجنبي، وهو لا يجوز. ويمكن أن يقال: إنه حال، وذو الحال على تقدير الموصوفية أي بيت من البيوت. ((نه)):((ما أقفر ليت فيه خل)) أي ما خلا من الإدام ولا عدم أهله الأدم. والقفار الطعام بلا ادم. وأقفر الرجل إذا كان الخبز وحده من القفر والقفار، وهي الأرض الخالية التي لا ماء فيها.

الحديث الحادي والعشرون عن يوسف: قوله: ((هذه إدام هذه)) لما كان التمر طعاما مستقلا ولم يكن متعارفا بالأدوية فأخبر أنه يصلح لها. ((حس)): من حلف أن لا يأكل خبزا بإدام فأكله بتمر يحنث. وكذلك إذا أكله بملح أو ثوم أو بصل.

ص: 2858

4224 -

وعن سعد، قال: مرضت مرضا أتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني، فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها على فؤادي، وقال:((إنك رجل مفؤود أئت الحارث بن كلدة أخا ثقيف فإنه رجل يتطبب، فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة، فليجأهن بنواهن، ثم ليلدك بهن)). رواه أبو داود. [4224]

4225 -

وعن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل البطيخ بالرطب. رواه الترمذي. وزاد أبو داود: ويقول: ((يكسر حر هذا ببرد هذا، ويرد هذا بحر هذا)). وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. [4225]

4226 -

وعن أنس، قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بتمر عتيق، فجعل يفتشه ويخرج السوس منه. رواه أبو داود. [4226]

4227 -

وعن ابن عمر، قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في تبوك، فدعا بالسكين، فسمى وقطع. رواه أبو داود. [4227]

ــ

الحديث الثاني والعشرون عن سعد: قوله: ((رجل مفؤود)) ((تو)): المفؤود الذي أصابه داء في فؤاده. وأهل اللغة يقولون: الفؤاد هو القلب. وقيل: هو غشاء القلب أو كان مصدرا فكنى به لكونه محله. وإنما نعت له العلاج بعدما أحال إلى الطبيب، لما رأي هذا النوع من العلاج أيسر وأنفع، أو ليثق على قول الطبيب إذا رآه موافقا لما نعته. وفيه جواز مشاورة أهل الكفر في الطب؛ لأن الحارث بن كلدة الثقفي مات في أول الإسلام ولم يصح إسلامه.

قوله: ((من عجوة المدينة)) ((قض)): هو ضرب من أجود التمر بالمدينة، ونخلها يسمى لينة. وتخصيص المدينة إما لما فيها من البركة التي جعلت فيها بدعائه؛ أو لأن ثمرها أوفق لمزاجه من أجل تعوده بها. وقوله:((فليجأهن)) أي فليكسرهن بالدق مع نواهن. ((ثم ليلدك)) أي ليسقيك، من لده الدواء إذا صبه في فمه. واللدود ما يصب من الأدوية في أحد شقي الفم. وإنما أمر الطبيب بذلك؛ لأنه يكون أعلم باتخاذ الدواء وكيفية استعماله.

الحديث الثالث والعشرون عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((يكسر حر هذا ببرد هذا)) لعل البطيخ كان نيا غير نضيج فهو حيثئذ بارد.

الحديث الرابع والعشرون عن أنس رضي الله عنه: قوله ((فجعل يفتشه)) ((مظ)): أي فطفق يشق التمر فيعزل عنه الدود. وفيه دليل على أن الطعام لا ينجس بدود يقع فيه.

الحديث الخامس والعشرون عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((بجبنة في تبوك)) ((مظ)):

ص: 2859

4228 -

وعن سلمان، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء، فقال:((الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه)). رواه ابن ماجه، والترمذي، وقال: هذا حديث غريب وموقوف على الأصح. [4228]

4229 -

وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وددت أن عندي خبزة بيضاء من برة سمراء ملبقة بسمن ولبن)) فقام رجل من القوم فاتخذه، فجاء به، فقال:((في أي شيء كان هذا؟)) قال: في عكة ضب. قال: ((ارفعه)). رواه أبو داود، وابن ماجه. وقال أبو داود: هذا حديث منكر. [4229]

4230 -

وعن علي رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الثوم إلا مطبوخا. رواه الترمذي، وأبو داود. [4230]

ــ

فيه دليل على طهارة الأنفحة لأنها لو كانت نجسه لكان الجبن نجسا؛ لأنه لا يحصل إلا بها.

الحديث السادس والعشرون عن سلمان: قوله: ((والفراء)) ((قض)): الفراء بالمد جمع الفراء: وهو حمار الوحش. وقيل: هو هنا جمع الفرو الذي يلبس، ويشهد له أن بعض المحدثين أورده في باب ما يلبس.

أقول: يعني بقوله: بعض المحدثين الترمذي؛ فإنه ذكره في باب لبس الفراء، وذكره ابن ماجه في باب السمن والجبن.

الحديث السابع والعشرون عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((وددت)) ((قض)): أي تمنيت والسمراء من الصفات الغالبة فلبت على الحنطة فاستعملها ها هنا على الأصل. وقيل: هي نوع من الحنطة فيها سواد خفي، ولعله أحمد الأنواع عندهم. والملبقة بالسمن المبلولة المخلوطة به خلطا شديدا، يقال: ثريدة ملبقة إذا بلت وخلطت خلطا شديدا، من التلبيق وهو التبليل. والعكة القربة الصغيرة.

وإنما أمر برفعه لتنفير طبعه عن الضب كما دل عليه حديث خالد، لا لنجاسة جلده وإلا لأمره بطرحه ونهاه عن تناوله. هذا الحديث مخالف لما كان عليه من شيمته صلى الله عليه وسلم وكيف وقد أخرج مخرج التمني، ومن ثم صرح أبو داود بكونه منكرا.

ص: 2860

4231 -

وعن أبي زياد، قال: سئلت عائشة عن البصل. فقالت: إن آخر طعام أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام فيه بصل. رواه أبو داود. [4231]

4232 -

وعن ابني بسر السلميين، قالا: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدمنا زبدا وتمرا، وكان يحب الزبد والتمر. رواه أبو داود. [4232]

4233 -

وعن عكراش بن ذؤيب، قال: أتينا بجفنة كثيرة الثريد والوذر، فخبطت بيدي في نواحيها، وأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين يديه، فقبض بيده اليسرى على يدي اليمنى. ثم قال:((يا عكراش! كل من موضع واحد؛ فإنه طعام واحد)) ثم أتينا بطبق فيه ألوان التمر، فجعلت آكل من بين يدي، وجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطبق، فقال:((يا عكراش! كل من حيث شئت؛ فإنه غير لون واحد)) ثم أتينا بماء فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ومسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه، وقال:((يا عكراش! هذا الوضوء مما غيرت النار)) رواه الترمذي. [4233]

4234 -

وعن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع، ثم أمرهم فحسوا منه، وكان يقول:((إنه ليرتو فؤاد الحزين، ويسرو عن فؤاد السقيم كما تسرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

ــ

الحديث الثامن والعشرون والتاسع والعشرون عن أبي زياد: قوله: ((طعام فيه بصل)) ((مظ)): إنما أكله صلوات الله عليه حينئذ؛ ليبين للناس أنه ليس بحرام، وأن نهيه عن الثوم والبصل نهي تنزيه لا نهي تحريم. أقول: قد بين في حديث أبي أيوب على ما سبق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكرهه لأجل ريحه، وما كان مطبوخا، لا سيما البصل لم تكن له رائحة.

الحديث الثلاثون عن عكراش: قوله: ((والوذر)) هي قطع اللحم التي لا عظم فيها وهي جمع وذرة. قوله: ((فخبطت)) أي ضربت فيها من غير استواء، من قولهم خبط خبط عشواء. وراعى الأدب حيث قال في رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجولان. وقوله: ((ما غيرت النار)) خبر المبتدأ و ((من)) ابتدائية أي هذا الوضوء لأجل طعام طبخ بالنار.

الحديث الحادي والثلاثون عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((بالحساء)) ((نه)): هو بالفتح والمد طبيخ يتخذ من دقيق وماء ودهن، وقد يحلى، ويكون رقيقا يحسى. وقوله:((ليرتو)) أي

ص: 2861

4235 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العجزة من الجنة، وفيها شفاء من السم، والكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين)). رواه الترمذي. [4235]

الفصل الثالث

4236 -

عن المغيرة بن شعبة، قال: ضفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأمر بجنب فشوى، ثم أخذ الشفرة فجعل يحز لي بها منه، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فألقى الشفرة، فقال:((ما له تربت يداه)). قال: وكان شاربه وفاء. فقال لي: ((أقصه على سواك؟ - أو - قصه على سواك)). رواه الترمذي. [4236]

4237 -

وعن حذيفة، قال: كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لم نضع أيدينا حتى

ــ

يشده ويقويه. قوله: ((ويسرو)) ((فا)): السرو الكشف. يقال: سروت عنه الثوب وسريته، ومنه سرى عن فلان أي كشف.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن المغيرة: قوله: ((ضفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي نزلت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل ضيفين له. قال صاحب المغرب: ضاف القوم ويضيفهم نزل عليهم ضيفا، وأضافوه وضيفوه أنزلوه. قوله:((يؤذنه)) ((نه)): يقال: آذن يؤذن إيذانا وأذن يؤذن تأذينا، والمشدد مختص في الاستعمال بإعلام وقت الصلاة.

قوله: ((تربت يداه)) هي كلمة تقولها العرب عند اللوم، ومعناه الدعاء بالفقر والعدم، وقد يطلقونها ولا يريدون وقوع الأمر، كأنه صلى الله عليه وسلم كره تأذينه وهو مشتغل بالطعام.

وقال - أي المغيرة - وكان شاربه وفاء)) أي تماما، فقال صلى الله عليه وسلم لي:((أقصه)) فوضع مكان ضمير المتكلم الغائب إما تجريدا أو التقاتا. ويحتمل أن يكون الضمير في ((شاربه)) لـ ((بلال)) فيكون التقدير: قال بلال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويحتم أن يكون الضمير في ((شاربه)) لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى قوله: ((أفصه لك)) أي لأجلك تتبرك به، وكل هذه تكلفات لا تشفي الغليل؛ ومن ثم تردد الإمام وقال في شرح السنة: قلت: قد رأيت أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي رجلا طويل الشارب فدعا بسواك وشفرة، فوضع السواك تحت شاربه ثم جزه.

وهذا الحديث ليس في بعض نسخ المصابيح، وفي بعضها مذكور في قسم الصحاح. وقد ذكر في شرح السنة بإسناد الترمذي، فالحديث ملحق به من غير المؤلف وموضوع في غير موضعه.

الحديث الثاني عن حذيفة: قوله: ((كأنها تدفع)) ((مح)): وفي رواية ((تطرد)) يعني لشدة

ص: 2862

يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده، وإنا حضرنا معه مرة طعاما، فجاءت جارية كأنها تدفع، فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها، ثم جاء أعرابي كأنما يدفع، فأخذه بيده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها، فأخذت بيدها، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به، فأخذت بيده، والذي نفسي بيده، إن يده في يدى مع يدها)). زاد في رواية: ثم ذكر اسم الله وأكل. رواه مسلم.

4238 -

وعن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يشتري غلاما، فألقى بين يديه تمرا فأكل الغلام فأكثر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن كثرة الأكل شؤم)) وأمر برده. رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). [4238]

4239 -

وعن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيد إدامكم الملح)). رواه ابن ماجه. [4239]

4240 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا وضع الطعام فاخلعوا نعالكم؛ فإنه أروح لأقدامكم)). [4240]

4241 -

وعن أسماء بنت أبي بكر: أنها كانت إذا أتيت بثريد أمرت به فغطى، حتى تذهب فورة دخانه، وتقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((هو أعظم للبركة)). رواهما الدارمي. [4241]

ــ

سرعتها كأنها مطرودة أو مدفوعة. قوله: ((إن يده في يدي مع يدها)) الظاهر يدهما كما جاء في رواية أخرى، أي يد الشيطان مع يد الرجل والجارية في يدي. ((مح)): أما عن رواية يدها بالإفراد فالضمير للجارية وهي أيضا مستقيمة؛ لأن إثبات يدها لا ينفي يد الأعرابي. وإذا صلحت الرواية بالإفراد وجب قبولها وتأويلها والله أعلم.

الحديث الثالث والرابع عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((سيد إدامكم الملح)) لأنه أقل مؤنة واقرب إلى القناعة؛ ومن ثم اقتنع به أكثر العارفين.

الحديث الخامس والسادس عن أسماء: قوله: ((فورة دخانه)) أي غليان بخاره و ((حتى)) ليست بمعنى ((كي)) بل لمطلق الغاية. وقوله: ((أعظم للبركة)) أي عظيم البركة.

ص: 2863