المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب الطب والرقى - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٩

[الطيبي]

الفصل: ‌كتاب الطب والرقى

4513 -

وعن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي دار قوم من الأنصار، ودونهم دار، فشق ذلك عليهم، فقالوا: يا رسول الله! تأتي دار فلان، ولا تأتي دارنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((لأن في داركم كلباً)). قالوا: إن في دارهم سنوراً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((السنور سبع)). رواه الدارقطني. [4513]

‌كتاب الطب والرقى

الفصل الأول

4514 -

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء)). رواه البخاري.

ــ

الصلاة عن وقتها، وأن يحفظ لسانه عن الخنا والفحش، فإذا فعل شيئاً منها فهو ساقط المروءة مردود الشهادة. وكره الشافعي اللعب بالشطرنج والحمام كراهة تنزيه، وحرمه جماعة كالنرد. قال مجاهد: القمار كله حتى الجوز يلعب به.

الحديث السابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((السنور سبع)) [يجوز أن يحمل على الاستفهام على سبيل الإنكار، وعلى الإخبار وهو الوجه. أي السنور سبع] وليس بشيطان كالكلب النجس. وقد سبق في صدر الباب أن سبب امتناع الملائكة من بيت فيه كلب، كونه يأكل النجاسة؛ ولأن بعضه يسمى شيطاناً والملائكة ضد الشياطين.

كتاب الطب والرقى

في أساس البلاغة هو طبيب بين الطب وطب ومتطبب، وجاء فلان يستطب لوجعه أي يستوصف الطبيب. قال:

لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها

وهذا طباب هذه العلة. أي ما تطب به. ومن المجاز: أنا طب بهذا الأمر أي عالم به. وفلان مطبوب، مسحور وطب الرجل وهو يشكو الطب. والرقى جمع رقية وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع وغير ذلك.

الفصل الأول

الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ما أنزل الله داء)) أي ما أصاب أحداً بداء إلا قدر له دواء.

ص: 2953

4515 -

وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء؛ برأ بإذن الله)). رواه مسلم.

4516 -

وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الشفاء في ثلاث: في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار، وأنا أنهي أمتي عن الكي)). رواه البخاري.

4517 -

وعن جابر، قال: رمى أبي يوم الأحزاب على أكحله، فكواه رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.

ــ

الحديث الثاني عن جابر: قوله: ((برأ بإذن الله)) ((نه)): يقال: برأت من المرض إبراء براء بالفتح، وأبرأني الله من المرض. وغير أهل الحجاز يقولون: برئت بالكسر براء بالضم. انتهى كلامه. وإنما قيد البرء بإذن الله أي بتسهيله؛ لئلا يتوهم أن الدواء مستقل بالشفاء.

((مح)): فيه إشارة إلى استحباب الدواء، وهو مذهب جمهور السلف وعامة الخلف، وإلى رد من أنكر التداوي، وقال: كل شيء بقضاء وقدر فلا حاجة إلى التداوي. وحجة الجمهور هذه الأحاديث. اعتقدوا أن الله تعالى هو الفاعل وأن التداوي أيضاً من قدر الله وهذا الأمر بالدعاء ويقتال الكفار، وبالتحصين ومجانبة الإلقاء باليد إلى التهلكة، مع أن الأجل لا يتأخر، والمقادير لا تتغير.

الحديث الثالث عن ابن عباس: قوله: ((شرطة محجم)) المحجم بكسر الميم وهي الآلة التي يجتمع فيها دم الحجامة عند المص، ويراد به ها هنا الحديدة التي يشرط بها موضع الحجامة، والشرطة فعلة من شرط الحاجم يشرط إذا نزه وهو الضرب على موضع الحجامة ليخرج الدم منه.

((خط)): الكي داخل في جملة العلاج والتداوي المأذون فيه، والنهي عن الكي يحتمل أن يكون من اجل أنهم يعظمون أمره، ويرون أنه يحسم الداء ويبرئه، وإذا لم يفعل هلك صاحبه، ويقولون: آخر الدواء الكي، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك على هذا الوجه، وأباح استعماله على معنى طلب الشفاء والترجي للبرء، مما يحدث الله من صنعه فيه، فيكون الكي والدواء سبباً لا علة. أقول: ويؤيده تخصيص ذكر الأمة أي أنا أنهاهم لئلا يعدوا الكي علة مستقلة.

الحديث الرابع عن جابر: قوله: ((أبي)) ((مح)): هو بضم الهمزة وفتح الباء وتشديد الياء، هكذا صوابه، وهو أبي بن كعب وصحفه بعضهم، فقال: هو بفتح الهمزة وكسر الباء، وتخفيف الياء وهو غلط؛ لأن أبا جابر استشهد يوم أحد قبل الأحزاب بأكثر من سنة.

ص: 2954

4518 -

وعنه، قال: رمى سعد بن معاذ في أكحله، فحسمه النبي بيده بمشقص، ثم ورمت، فحسمه الثانية. رواه مسلم.

4519 -

وعنه، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيباً، فقطع منه عرقاً، ثم كواه عليه. رواه مسلم.

4520 -

وعن أبي هريرة، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((في الحبة السوداء شفاء من كل داء، إلا السام)). قال ابن شهاب: السام: الموت. والحبة السوداء: الشونيز. متفق عليه.

4521 -

وعن أبي سعيد الخدري، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أخي استطلق بطنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اسقه عسلاً)). فسقاه، ثم جاء، فقال: سقيته

ــ

قال الخليل: الأكحل عرق الحياة. وقيل: نهر الحياة، وفي كل عضو شعبة منه، وله فيها اسم مفرد، يقال له في اليد: الأكحل، وفي الفخذ النسا وفي الظهر الأبهر. فإذا قطع في اليد لم يرقأ الدم، وحسمه ليقطع الدم.

الحديث السادس والسابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((الحبة السوداء)) الشونيز. ((مح)): هذا هو الصواب المشهور الذي ذكره الجمهور قال القاضي: وروى عن الحسن أنها الخردل، وقيل: هي الحبة الخضراء، وهي البطم. والعرب تسمى الأخضر الأسود.

((خط)) في إعلام السنن: وهذا من عموم اللفظ الذي يراد به الخصوص وليس يجمع في طبع شيء من البنات والشجر جميع القوى التي تقابل الطبائع كلها في معالجة الأدواء، على اختلافها وتباين طبائعها.

وإنما أراد أنه شفاء من كل داء يحدث من آكل الرطوبة والبرودة والبلغم، وذلك أنه حار يابس، فهو شفاء بإذن الله تعالى للداء المقابل له في الرطوبة والبرودة. وذلك أن الدواء أبدا بالمضاد، والغذاء بالمشاكل.

أقول: ونظيره قوله تعالى في حق بلقيس: {وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} وقوله: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} في إطلاق العموم وإرادة الخصوص.

الحديث الثامن عن أبي سعيد: قوله: ((استطلق بطنه)) استطلاق البطن مشيه وهو تواتر

ص: 2955

فلم يزده إلا استطلاقاً. فقال له: ثلاث مرات. ثم جاء الرابعة. فقال: ((اسقه عسلاً)). فقال: لقد سقيته، فلم يزده إلا استطلاقاً)). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((صدق الله، وكذب بطن أخيك))، فسقاه. فبرأ. متفق عليه.

ــ

الإسهال. ((خط)): هذا مما يحسب كثير من الناس أنه مخالف لمذهب الطب والعلاج؛ وذلك أن الرجل إنما جاء يشكو إليه استطلاق البطن، فكيف يصف له العسل وهو يطلق؟، ومن عرف شيئاً من أصول الطب ومعانيه علم صواب هذا التدبير؛ وذلك أن استطلاق بطن هذا الرجل إنما كان هيضة حدثت من الامتلاء وسوء الهضم، والأطباء كلهم يأمرون صاحب الهيضة بأن يترك الطبيعة وسوقها لا يمسكها [بشيء] وربما أمدت بقوة مسهلة، حتى تستفرغ تلك الفضول، فإذا فرغت تلك الأوعية من تلك الفضول، فربما أمسكت من ذاتها، وربما عولجت بالأشياء القابضة والمقوية، إذا خافوا سقوط القوة، فخرج الأمر في هذا على مذهب الطب مستقيما؛ حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يمد الطبيعة بالعسل؛ ليزداد استفراغاً حتى إذا فزعت تلك الفضول وتنقت منها وقفت وأمسكت، وقد يكون ذلك أيضاً من ناحية التبرك تصديقاً لقوله تعالى {فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ} ، وما يصفه النبي صلى الله عليه وسلم من الدواء لشخص بعينه، فقد يكون ذلك بدعائه وبركته وحسن أثره، ولا يكون ذلك حكما في الأعيان كلها، فعلى هذا المذهب يجب حمل ما لا يخرج على مذهب الطب القياسي، وإليه يجب توجيهه، وكذا في معالم السنن.

وقال في قوله: ((وكذب بطن أخيك)): العرب تضع الكذب موضع الخطأ في كلامها، يقول: كذب سمعي وكذب بصري، أي زل ولم يدرك ما رأي، وما سمع ولم يحط به.

قال الأخطل:

كذبتك عينك أم رأيت بواسط ليس الظلام من الرباب خيالا

ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كذب بطن أخيك)) يعني صدق الله في قوله بأن العسل شفاء للناس، وكذب بطن أخيك حيث لم يحصل له الشفاء بالعسل.

((مح)): هذا تصريح بأن الضمير في قوله تعالى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ} يعود إلى ((الشراب)) الذي هو العسل. وهو قول ابن مسعود وابن عباس والحسن وغيرهم. قال مجاهد: الضمير راجع إلى القرآن، وهو ضعيف مخالف لظاهر القرآن. وتصريح هذا الحديث والآية على الخصوص، أي شفاء من بعض الداء أو لبعض الناس، وفي التنكير دلالة عليه.

ص: 2956

4522 -

وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أمثل ما تداويتم به الحجامة، والقسط البحري)). متفق عليه.

4523 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة، عليكم بالقسط)). متفق عليه.

4524 -

وعن أم قيس، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((علام تدغرن أولادكن بهذا العلاق؟ عليكن بهذا العود الهندي؛ فإن فيه سبعة أشفية، منها ذات الجنب يسعط من العذرة، ويلد من ذات الجنب)). متفق عليه.

ــ

الحديث التاسع عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((إن أمثل ما تداويتم)) ((نه)): يقال: هذا أمثل من هذا أي أفضل وأدنى إلى الخير، وأماثل الناس خيارهم. والقسط بالضم من العقاقير المعروفة في الأدوية، طيب الريح تتبخر به النفساء والأطفال.

الحديث العاشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((بالغمز)) ((نه)): هو أن تسقط اللهاة فتغمز باليد. والعذرة بضم المهملة وسكون الذال المعجمة وجع في الحلق يهيج الدم عن الدم.

وقيل: هي قرحة في الجرم الذي بين الأنف والحلق، تعرض للصبيان عند طلوع العذرة فتعمد المرأة إلى إصبعها فتفتلها فتلا شديداً، وتدخلها في أنفه، فتطعن ذلك، فيفجر منه دم أسود، وربما أقرحه. وذلك الطعن سمى الدغر، يقال: دغرت المرأة الصبي، إذا غمزت حلقه من العذرة أو فعلت به ذلك. وكانوا بعد ذلك يعلقون عليه علاقاً كالعوذة. وقوله:((عند طلوع العذرة)) هي خمسة كواكب تحت الشعري العبور، وتسمى العذاري وتطلع في وسط الحر. وقوله:((من العذرة)) أي من أجلها.

الحديث الحادي عشر عن أم قيس: قوله: ((علام تدغرن)) والاستعمال الكثير على حذف الألف تخفيفاً، والأصل قليل، وفيه معنى الإنكار. والدغر أن ترفع المرأة العذرة بإصبعها والإعلاق معالجة عذرة الصبي بإصبع أو غيرها.

((تو)): ((بهذا العلاق)) كذلك رواه البخاري ومسلم، وفي كتاب مسلم أيضاً ((بهذا الإعلاق)) وهو أولى الروايتين وأصوبهما. ومن الدليل على صحة هذه الرواية قول أم قيس في بعض طرق هذا الحديث:((وقد أعلقت عليه))، وفسره يونس بن يزيد، وهو الراوي عن ابن شهاب:((أعلقت: غمزت)) هذا لفظ كتاب مسلم.

((مح)): العلاق بفتح العين وفي الرواية الأخرى الإعلاق، وهو الأشهر عند أهل اللغة حتى

ص: 2957

4525 -

وعن عائشة، ورافع بن خديج، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((الحمى من

ــ

زعموا أنه الصواب، وأن العلاق لا يجوز. قالوا: الإعلاق مصدر أعلقت عنه، ومعناه أزلت عنه العلوق وهي الآفة والداهية. قال ابن الأثير: يجوز أن يكون العلاق هو الاسم منه.

أقول: وتوجيهه أن في الكلام معنى الإنكار أي على أي شيء تعالجن هذا الداء، بهذا الداهية والمداواة الشنيعة.

وقوله: ((منها ذات الجنب)) أي من الأشفية شفاء ذات الجنب، أو التقدير فيه سبعة أشفية من سبعة أدواء منها ذات الجنب، وخصه بالذكر؛ لأنه أصعب الأدواء، وقلما يسلم منه من ابتلى به، و ((يسعط)) ابتداء كلام مبين لكيفية التداوي به في الدائين المذكورين.

((مح)): قد اعترض عليه من في قلبه مرض فقال: الأطباء مجمعون على أن مداوة ذات الجنب بالقسط مع ما فيه من الحرارة الشديد خطر. قال المازري: هذا القول جهالة بينة، وهو كما قال تعالى {} وقد ذكر جالينوس وغيره أن القسط ينفع من وجع الصدر. وقال بعض القدماء من الأطباء: يستعمل حيث يحتاج إلى أن يجذب الخلط من باطن البدن إلى ظاهره، وهذا يبطل ما زعم المعترض الملحد.

وأما قوله: ((ففيه سبعة أشفية)) فقد أطلق الأطباء في كتبهم على أنه يدر الطمث والبول، وينفع من السموم، ويحرك شهوة الجماع، ويقتل الدود، وحب القرع في الأمعاء إذا شرب بعسل، ويذهب الكلف إذا طلى عليه، وينفع من برد المعدة والكبد، ومن حمى الورد والربع وغير ذلك. وهو صنفان: بحري وهندي، والبحري هو القسط الأبيض، والبحري أفضل من الهندي وأقل حرارة منه، وإنما عددنا منافعه من كتب الأطباء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر منها عدداً مجملاً، تم كلامه. وذلك لأن السبعة تطلق ويراد بها الكثرة.

الحديث الثاني عشر عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((من فيح جهنم)) الفيح سطوع الحر وفورانه. وفيه وجهان:

أحدهما: أنه تشبيه. قال المظهر: شبه اشتعال حرارة الطبيعة في كونها مذيبة للبدن ومعذبة له بنار جهنم، فكما أن النار تزال بالماء كذلك حرارة الحمى تزال بالماء البارد.

وثانيهما: قال بعضهم: إن الحمى مأخوذة من حرارة جهنم حقيقة: أرسلت إلى الدنيا نذيراً للجاحدين وبشيراً للمقربين؛ لأنها كفارة لذنوبهم وجابرة عن تقصيرهم.

أقول: ((من)) ليست بيانية حتى يكون تشبيهاً كقوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ

ص: 2958

فيح جهنم، فابردوها بالماء)). متفق عليه.

ــ

مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ} هي إما ابتدائية، أي الحمى نشأت وحصلت من فيح جهنم، أو تبعيضية، أي بعض منها. ويدل على هذا التأويل ما ورد في الصحيح:((اشتكت النار إلى ربها، فقالت: رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف)) الحديث. فكما أن حرارة الصيف أثر من فيحها كذلك الحمى.

قوله: ((فابردوها)) ((مح)): هو بهمزة وصل وبضم الراء كما جاء في الرواية الأخرى: ((فاطفئوها بالماء)) وهو الصحيح المشهور في الروايات. وحكى القاضي عياض أنه يقال بهمزة قطع وكسر الراء في لغة. قال الجوهري: هي لغة رديئة.

[((مظ))]: هذا مما قد غلط فيه بعض من ينسب إلى العلم فانغمس في الماء لما أصابته الحمى، فاحتقنت الحرارة في باطن بدنه، فأصابته علة صعبة كاد يهلك فيها، فلما خرج من علته قال قولا فاحشاً لا يحسن ذكره. وذلك لجهله بمعنى الحديث وذهابه عنه. وتبريد الحمى الصفراوية بسقي الماء الصادق البرد، ووضع أطراف المحموم فيه من أنفع العلاج، وأسرعه إلى إطفاء نارها وكسر لهيبها، فإنما أمرنا بإطفاء الحمى وتبريدها بالماء على هذا الوجه، دون الانغماس في الماء وغط الرأس فيه.

((مح)): ((أبردوها بالماء)) ليس فيه ما يبين صفته وحالته، والأطباء يسلمون أن الحمى الصفراوية يدبر صاحبها بسقي الماء البارد الشديد بالبرودة، ويسقونه الثلج، ويغسلون أطرافه بالماء البارد، فلا يبعد أنه صلى الله عليه وسلم أراد هذا النوع من الحمى والغسل، نحو ما قالوه.

وقد ذكر مسلم هنا في صحيحه عن أسماء: أنها تؤتى بالمرأة الموعوكة فيصب الماء في جيبها، وتقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أبردوها بالماء))، فهذه أسماء راوية الحديث، وقربها من النبي صلى الله عليه وسلم معلوم، تؤول الحديث على نحو ما قلناه، فلم يبق للملحد المعترض إلا اختراعه الكذب.

أقول: أما ما رويناه عن الترمذي عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أصاب أحدكم الحمى فإن الحمى قطعة من النار، فليطفئها عنه بالماء، فلستنقع في نهر جار، وليستقبل جريته فيقول: ((بسم الله اللهم اشف عبدك وصدق رسولك)) إلى قوله: ((فإنها لا تكاد تجاوز تسعاً بإذن الله عز وجل). والحديث بتمامه مذكور في باب صلاة الجنائز، فشيء خارج عن قواعد الطبيعة، داخل في قسم المعجزات الخارقة للعادة. ألا ترى كيف قال في صدر الحديث ((صدق رسولك)) وفي آخره ((بإذن الله))، وقد شوهد وجرب ووجد، كما نطق به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وعلى من اقتفي أثره.

ص: 2959

4526 -

وعن أنس، قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من العين، والحمة، والنملة. رواه مسلم.

4527 -

وعن عائشة، قالت: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نسترقي من العين. متفق عليه.

4538 -

وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي في بيتها جارية في وجهها سفعة يعني صفرة، فقال:((استرقوا لها؛ فإن بها النظرة)). متفق عليه.

4529 -

وعن جابر، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى، فجاء آل عمران بن حزم، فقالوا: يا رسول الله! إنه كان عندنا رقية نرقي بها من العقرب، وأنت نهيت عن الرقى، فعرضوها عليه، فقال:((ما أرى بها بأساً، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه)). رواه مسلم.

4530 -

وعن عوف بن مالك الأشجعي، قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله! كيف ترى في ذلك؟ فقال: ((اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك)). رواه مسلم.

4531 -

وعن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((العين حق، فلو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا)). رواه مسلم.

ــ

الحديث الثالث عشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم)((تو)): الرخصة إنما تكون بعد النهي، وكان صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الرقى؛ لما عسى أن يكون فيها من الألفاظ الجاهلية، فانتهى الناس عن الرقى، فرخص لهم فيها إذا عريت عن الألفاظ الجاهلية.

((نه)): الحمة بالتخفيف السم وقد يشدد، وأنكره الأصمعي، ويطلق على إبرة العقرب للمجاورة؛ لأن السم منها يخرج وأصلها حمى أو حمو بوزن صرد، والهاء فيه عوض من الواو والياء المحذوفة. ((والنملة)) هي قروح تخرج بالجنب وغيره، وكأنها سميت نملة؛ لتفشيها وانتشارها، شبه ذلك بالنملة ودبيبها.

الحديث الرابع والخامس عشر عن أم سلمة: قوله: ((سفعة)) أي علامة من الشيطان، وقيل: ضربة واحدة منه وهي المرة من السفع وهو الأخذ، يقال: سفع بناصية الفرس ليركبه. المعنى: أن السفعة أدركتها من قبل النظرة، فاطلبوا لها الرقية. وقيل. السفعة العين، والنظرة الإصابة بالعين. أقول: ويؤيد الأول تفسير الراوي يعني صفرة.

الحديث السادس عشر إلى الثامن عشر عن ابن عباس: قوله: ((العين حق)) ((تو)): أي

ص: 2960

ــ

الإصابة العين من جملة ما تحقق كونه، وقوله:((فلو كان شيء سابق القدر)). كالمؤكد للقول الأول. وفيه تنبيه على سرعة نفوذها وتأثيرها في الدواب.

وقوله: ((إذا استغسلتم فاغسلوا)) كانوا يرون أن يؤمر العائن فيغسل أطرافه وما تحت الإزار، فتصب غسالته على المعيون يستشفعون بذلك، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يمتنعوا من الاغتسال إذا أريد منهم ذلك. وأدنى ما في ذلك دفع الوهم الحاصل من ذلك. وليس لأحد أن ينكر الخواص المودعة في أمثال ذلك، ويستدعها من قدرة الله وحكمته، لا سيما وقد شهد بها الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر بها، وذلك مذكور في الحسان من هذا الباب في حديث أبي أمامة.

((حس)): روى أن عثمان رضي الله عنه رأي صبياً مليحاً فقال: دسموا نونته؛ كيلا تصيبه العين، ومعنى ((دسموا)) سودوا. و ((النونة)) النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير. وروى عن هشام بن عروة أنه كان إذا رأي من ماله شيئاً يعجبه، أو دخل حائطاً من حيطانه، قال:{مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إلَاّ بِاللَّهِ} إلى قوله: {فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ} الآية.

((مح)): قال المازوي: العين حق لظاهر الحديث وأنكره طوائف من المبتدعة، والدليل على فساد قولهم أن كل معنى لا يؤدي إلى قلب حقيقة، ولا فساد دليل، فإنه من مجوزات العقول، فإذا أخبر الشرع بوقوعه وجب اعتقاده، ولا يجوز تكذيبه. وقد زعم الطبيعيون المثبتون للعين أن العائن ينبعث من عينه قوة سمية، تتصل بالعين فيهلك أو يفسد. قالوا: ولا يمتنع هذا كما لا يمتنع انبعاث قوة سمية من الأفعى والعقرب، تتصل باللديغ فيهلك وإن كان غير محسوس لنا.

قال المازري: هذا غير مسلم؛ لأنا بينا في الكتب الكلامية أن لا فاعل إلا الله تعالى، وبينا فساد القول بالطبائع. وأقرب الطرق ما قاله بعض من ينتحل الإسلام منهم: لا يبعد أن ينبعث من العائن جواهر لطيفة، غير مرئية من العين فتتصل بالمعين، وتتخلل مسام جسمه، فيخلق الله سبحانه وتعالى الهلاك عندها كما يخلق الله الهلاك عند شرب السموم عادة أجراها الله تعالى.

والمازري أحد جماهير العلماء وشارح الترمذي، وقد أطنب في أبحاثه الإمام فخر الدين الرازي، في سورة يوسف عند قوله تعالى:{يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ واحِدٍ} فلينظر هناك من أراد زيادة الإطلاع عليه.

((مح)): فيه إثبات القدر وأن الأشياء كلها بقدر الله، ولا تقع إلا على حسب ما قدرها الله تعالى وسبق بها علمه، فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدرة الله تعالى. أقول: المعنى: إن فرض شيء له قوة وتأثير عظيم يسبق القدر، لكان عيناً. والعين لا تسبق فكيف بغيرها؟.

ص: 2961

الفصل الثاني

4532 -

عن أسامة بن شريك قال: قالوا: يا رسول الله! أفنتداوى؟ قال: ((نعم، يا عباد الله! تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، غير داء واحد، الهرم)). رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود. [4532]

4533 -

وعن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تكرهوا مرضاكم على الطعام؛ فإن الله يطعمهم ويسقيهم)). رواه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث غريب. [4533]

4534 -

وعن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة. رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب. [4534]

4535 -

وعن زيد بن أرقم، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتداوى من ذات الجنب بالقسط البحري، والزيت. رواه الترمذي.

ــ

الفصل الثاني

الحديث الأول عن أسامة: قوله: ((أفنتداوى؟)) الفاء عطف على مقدر يستدعيه الهمزة. يعني: أنعتبر الطب فنتداوى، أو نتوكل على الله تعالى ونترك التداوي؟. والجواب بقوله:((يا عباد الله)) مشعر بأن التداوي لا يخرجهم عن التوكل، يعني داووا، ولا [تعتقدوا] الشفاء علي التداوي، بل كونوا عباد الله متوكلين علية. قوله:((الهرم)) ((نه)): الهرم الكبر وقد هرم يهرم فهو هرم، جعل الهرم داء تشبيها به؛ لأن الموت [يعقبه] كالأدواء.

الحديث الثاني عن عقبة: قوله: ((يطعمهم ويسقيهم)) ((قض)): أي يحفظ قواهم ويمدهم بما يفيد فائدة الطعام والشراب، في حفظ الروح وتقويم البدن. ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم:((أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني)) وإن كان ما بين الإطعامين والطعامين بوناً بعيداً.

الحديث الثالث عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((من الشوكة)) ((نه)): الشوكة حمرة تعلو الوجه والجسد، يقال منه: يشك الرجل وهو مشكوك، وكذلك إذا دخل في جسده شوكة.

الحديث الرابع والخامس عن زيد: قوله: ((من ذات الجنب)) ((من)) الابتدائية متعلقة بقوله:

ص: 2962

4536 -

وعنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينعت الزيت والورس من ذات الجنب. رواه الترمذي.

4537 -

وعن أسماء بنت عميس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سألها: ((بم تستمشين؟)) قالت: بالشبرم. قال: ((حار حار)). قالت: ثم استمشيت بالسنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو أن شيئاً كان فيه الشفاء من الموت؛ لكان في السنا)). رواه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. [4537]

4538 -

وعن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تداووا بحرام)). رواه أبو داود. [4538]

4539 -

وعن أبي هريرة، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث. رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. [4539]

ــ

((ينعت)) أي يصف ويمدح التداوي بالزيت والورس لأجل ذات الجنب. ((نه)): الورس نبت أصفر يصبغ به. وقال: وقد ورس المكان فهو وارس والقياس موروس.

الحديث السادس عن أسماء: قوله: ((بم تستمشين)) ((نه)) أي تسهلين بطنك. ويجوز أن يراد به المشي الذي يعرض عند شرب الدواء. و ((الشبرم)) قيل: هو حب يشبه الحمص، يطبخ ويشرب ماؤه للتداوي.

قوله: ((جار)) بالجيم اتباعاً بالحار، وكذلك ((يار)) بالياء تحتها نقطتان والراء مشددة، و ((حران يران)). وفي جامع الترمذي وسنن ابن ماجه وجامع الأصول وبعض نسخ المصابيح ((حار حار)).

قوله: ((بالسنا)) ((نه)): السنا بالقصر نبات معروف من الأدوية، له خمل إذا يبس فإذا حركته الريح سمعت له زجل، والواحدة سناه. ((فا)) قال الراعي:

[كأن دوى] الحلى تحت ثيابها دوى السنا لاقى الرياح الزعازعا

وبعضهم يرويه بالمد.

الحديث السابع عن أبي الدرداء: قوله: ((دواء)) مطلق له شيوع؛ فلذلك قال: ((ولا تداووا بحرام)) يعني: إن الله تعالى خلق لكل داء دواء، حراماً كان أو حلالا، فلا تداووا بالحرام.

ص: 2963

4540 -

وعن سلمى خادمة النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً في رأسه إلا قال: ((احتجم)) ولا وجعاً في رجليه إلا قال: ((اختضبهما)). رواه أبو داود. [4540]

4541 -

وعنها، قالت: ما كان يكون برسول الله صلى الله عليه وسلم قرحة ولا نكبة إلا أمرني أن أضع عليها الحناء. رواه الترمذي. [4541]

4542 -

وعن أبي كبشة الأنماري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحتجم على هامته، وبين كتفيه، وهو يقول:((من أهراق من هذه الدماء، فلا يضره أن لا يتداوى لشيء)). رواه أبو داود، وابن ماجه. [4542]

4543 -

وعن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم على وركه من وثء كان به. رواه أبو داود. [4543]

ــ

الحديث الثامن عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((عن الدواء الخبيث)) ((حس)): اختلفوا في تأويله، فقيل: أراد به خبث النجاسة، بأن يكون فيه محرم من خمر أو لحم ما لا يؤكل لحمه من الحيوان. ولا يجوز التداوي به، إلا ما خصته السنة من أبوال الإبل. وقيل: أراد به الخبث من جهة المطعم والمذاق، ولا ينكر أن يكون كره ذلك؛ لما فيه من المشقة على الطبع. والغالب أن طعوم الأدوية كريهة، ولكن بعضها أيسر احتمالا وأقل كراهة.

الحديث التاسع والعاشر عن سلمى: قوله: ((ما كان يكون برسول الله)) يحتمل أن يكون الثاني زائداً. وقرينته الحديث الأول ((ما كان أحد يشتكي))، وأن يكون غير زائد بالتأويل، أي ما كان قرحة تكون برسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله:((ولا نكبة)) ((نه)): وفي الحديث ((انه نكبت أصابعه)) أي نالتها الحجارة.

الحديث الحادي عشر عن أبي كبشة: قوله: ((أن لا يتداوى بشيء لشيء)) كذا هو بزيادة ((لشيء)) في أبي داود وابن ماجه وجامع الأصول.

الحديث الثاني عشر عن جابر: قوله: ((من وثء)) بهمز بلا ياء كذا هو في سنن أبي داود وجامع الأصول. ((تو)): الوثؤ وجع يصيب العضو من غير كسر وهو من باب الهمزة. ومن الرواة من يترك همزة ويتركه بالياء. وكذلك هو في المصابيح، والعامة تقول ذلك وليس بشيء.

ص: 2964

4544 -

وعن ابن مسعود، قال: حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسري به: أنه لم يمر على ملأ من الملائكة إلا أمروه: ((مر أمتك بالحجامة)). رواه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. [4544]

4545 -

وعن عبد الرحمن بن عثمان: أن طبيباً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها. رواه أبو داود. [4545]

4546 -

وعن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل. رواه أبو داود. وزاد الترمذي، وابن ماجه: وكان يحتجم سبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين. [4546]

4547 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب الحجامة لسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين. رواه في ((شرح الألسنة)). [4547]

ــ

الحديث الثالث عشر والرابع عشر عن عبد الرحمن: قوله: ((عن ضفدع)) ((قض)): هو بكسر الدال على مثال الخنصر والعامة تفتحها. وعن الجوهري: قال الخليل: ليس في كلام العرب فعلل إلا أربعة حروف: درهم، وهجرع للطويل، وهيلع للأكول، وقلعم اسم رجل.

ولعله نهى عن قتله؛ لأنه لم ير التداوي بها، إما لنجاستها وحرمتها إذ لم يجوز التداوي بالمحرمات أو لاستقذار الطبع وتنفره عنها، أو لأنه رأي فيها من المضرة أكثر مما رأي الطبيب فيها من المنفعة.

أقول: فإن قلت: كيف يطابق النهي عن القتل جواباً عن السؤال بالتداوي؟. قلت: القتل مأمور به إما لكونه من الفواسق، وليس بها، أو لإباحة الأكل وليس بذلك؛ لنجاسته وتنفره عنه. وإذا لم يجز القتل لم يجز الانتفاع به.

الحديث الخامس عشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((في الأخدعين)) ((نه)): هما عرقان في جانبي العنق. والكاهل بين الكتفين.

ص: 2965

4548 -

وعن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:((من احتجم لسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى عشرين؛ كان شفاء له من كل داء)). رواه أبو داود. [4548]

4549 -

وعن كبشة بنت أبي بكرة: أن أباها كان ينهي أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء، ويزعم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أن يوم الثلاثاء يوم الدم، وفيه ساعة لا يرقأ)). رواه أبو داود. [4549]

4550 -

وعن الزهري، مرسلاً، عن النبي صلى الله عليه وسلم:((من احتجم يوم الأربعاء، أو يوم السبت، فأصابه وضح؛ فلا يلومن إلا نفسه)). رواه أحمد، وأبو داود، وقال: وقد أسند ولا يصح. [4550]

4551 -

وعنه، مرسلاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من احتجم أو اطلى يوم السبت أو الأربعاء؛ فلا يلومن إلا نفسه في الوضح)). رواه في ((شرح السنة)). [4551]

4552 -

وعن زينب امرأة عبد الله بن مسعود، أن عبد الله رأي في عنقي خيطاً،

ــ

الحديث السادس عشر إلى الثامن عشر عن كبشة: قوله: ويزعم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) ((نه)): وإنما يقال: ((زعم)) في حديث لا سند له ولا ثبت فيه. وإنما يحكى عن الألسن على سبيل البلاغ، والزعم بالضم والفتح قريب من الظن.

أقول: ولعله في الحديث محمول على الظن والاعتقاد، وعداه بـ ((عن)) لتضمين معنى الرواية. وذلك أن قولها:((كان ينهى)) يوم أن الحديث موقوف عليه، فأتبعه بقولها ((ويزعم)) ليشعر بأنه مرفوع. ((ولا يرقأ)) أي لا يسكن، من رقأ الدم والدمع والعرق يرقأ بالفتح إذا سكن وانقطع؛ والاسم الرقوءة بالفتح.

الحديث التاسع عشر عن الزهري: قوله: ((وضح)) أي برص، والوضح البياض من كل شيء.

ص: 2966

فقال: ما هذا؟ فقلت: خيط رقي لي فيه. قالت: فأخذه فقطعه، ثم قال: أنتم آل عبد الله لأغنياء عن الشرك، سمعت رسلو الله صلى الله عليه وسلم يقول:((إن الرقي والتمائم والتولة شرك)) فقلت: لم تقول هكذا؟ لقد كانت عيني تقذف، وكنت أختلف إلى فلان اليهودي فإذا رقاها سكنت. فقال عبد الله: إنما ذلك عمل الشيطان، كان ينخسها بيده، فإذا رقي كف عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((اذهب البأس، رب الناس! واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً)). رواه أبو داود. [4552]

ــ

الحديث العشرون والحادي والعشرون عن زينب: قوله: ((أنتم آل عبد الله)) ((أنتم)) مبتدأ، خبره ((لأغنياء)((وآل عبد الله)) معترض نصب على الاختصاص. واللام في ((لأغنياء)) للتأكيد دخل على الخبر، كما في حديث آخر ((أغبط أوليائي عندي المؤمن خفيف الحاذ)).

وقال الزجاج: قال النحاة: أصل هذه اللام أن تقع في الابتداء، ووقوعها في الخبر جائز. ويجوز أن يقدر المبتدأ أي ((لأنتم أغنياء)) كما قدر الزجاج في قوله تعالى:{إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} أي هما ساحران.

قوله: ((والتمائم)) هي جمع تميمة وهي التعويذة التي تعلق على الصبي. والتولة بكسر التاء وضمها نوع من السحر. قال الأصمعي: هي ما تحبب به المرأة إلى زوجها.

((قض)): وإنما أطلق الشرك عليهما؛ إما لأن المتعارف منها في عهده ما كان معهوداً في الجاهلية، وكان مشتملا على ما يتضمن الشرك؛ أو لأن اتخاذها يدل على اعتقاد تأثيرها وهو يفضي إلى الشرك.

أقول: ويحتمل أن يراد بالشرك اعتقاد أن ذلك سبب قوي وله تأثير، وكان ينافي التوكل والانخراط في زمرة الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون؛ ومن ثمة حسن منه قوله:((أنتم آل عبد الله لأغنياء)) أي: أعني وأخص آل عبد الله من بين سائر الأنام. ومنها قولها: لم تقول هكذا، وتأمرني بالتوكل وعدم الاسترقاء؛ فإني وجدت في الاسترقاء فائدة. فأجاب بأنه ليس بفائدة. بل هو من فعل الشيطان وتسويله. ومن النصب على المدح والاختصاص قول الشاعر:

إنا بني نهشل لا ندعي لأب عنه ولا هو بالأبناء [يشرينا]

ص: 2967

4553 -

وعن جابر، قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة، فقال:((هو من عمل الشيطان)). رواه أبو داود. [4553]

4554 -

وعن عبد الله بن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما أبالي ما أتيت إن أنا شربت ترياقاً أو تعلقت تميمة أو قلت الشعر من قبل نفسي)). رواه أبو داود. [4554]

ــ

أي أنا أذكر من لا يخفي شأنه بين الناس قاطبة لا يفعل كذا، فلو جعل بنو نهشل خبراً، لزم إما خمول المتكلم أو الجهل بارتفاع شأن القوم.

قوله: ((تقذف)) ((تو)) هو على بناء المجهول أي ترمي بما يهيج الوجع. ويدل على هذا المعنى قولها: فإذا رقاها سكنت. ويحتمل أن يكون على بناء الفاعل، أن ترمي بالرمض والماء من الوجع. ولا أحقق اللفظين من طريق الرواية، إلا أن الأول هو أكثر ظني.

قوله: ((كان ينخسها)) أصل النخس الدفع والحركة. والبأس الشدة. ((وشفاء)) يجوز أن يكون مصدراً لقوله: ((اشف)) والجملتان معترضتان. وأن يكون مصدرا لفعل مضمر أي اشف شفاء، وهذا أنسب للنظم. ((وأنت الشافي)) جملة مستأنفة على سبيل الحصر لتعريف الخبر، والجملة الثانية مؤكدة للأولى، وهما ممهدتان للثالثة. وفيه رد لاعتقادها أن رقية اليهود شافية، وإرشاد إلى أن الشفاء الذي لا يغادر سقما هو شفاء الله تعالى، وأن شفاء اليهودي ليس فيه إلا تسكين ماء.

الحديث الثاني والعشرون عن جابر: قوله: ((عن النشرة)) ((تو)): النشرة ضرب من الرقية والعلاج يعالج بها من كان يظن به مس الجن. وسميت نشرة؛ لأنهم كانوا يرون أنه ينشر بها الجن عن الممسوس ما خامره من الداء قال [جرير]:

أدعوك دعوة ملهوف كأن به مسا من الجن أو ريحاً من النشر

وفي الحديث: ((فلعل طبا أصابه)) يعني سحراً ثم نشره بـ {} أي رقاه، ونشره أيضاً إذا كتب له النشرة وهي كالتعويذ والرقية، فعلمنا بذلك أن النشرة التي قال فيها:((إنها من عمل الشيطان)) إنما أراد به النوع الذي كان أهل الجاهلية يعالجون به ويعتقدون فيه.

الحديث الثالث والعشرون عن عبد الله: قوله: ((ما أبالي ما أتيت)) ما الأولى نافية والثانية

ص: 2968

4555 -

وعن المغيرة بن شعبة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من اكتوى أو استرقي، فقد برئ من التوكل)). رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه. [4555]

ــ

موصولة، والراجع محذوف، والموصول مع الصلة مفعول ((أبالي)) و ((إن شربت)) جزاؤه محذوف، يدل عليه ما تقدم. والمعنى إن صدر مني أحد الأشياء الثلاثة كنت ممن لا يبالي بما يفعل ولا ينزجر عما لا يجوز فعله شرعاً.

((شف)): الترياق ما يستعمل لدفع السم من الأدوية والمعاجين، وهو معرب ويقال بالدال أيضاً. وروى به في هذا الحديث. وكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؛ من أجل ما يقع فيه من لحوم الأفاعي والخمر، وهي حرام نجسة. والترياق أنواع، فإذ لم يكن فيه شيء من ذلك فلا بأس به. وقيل: الحديث مطلق والأولى اجتنابه.

((تو)): المراد من التميمة ما كان من تمائم الجاهلية ورقاها؛ فإن القسم الذي يختص بأسماء الله تعالى وكلماته غير داخل في جملته، بل هو مستحب مرجو البركة عرف ذلك من أصل السنة.

أقول: لعل القصد في إيراد الحديث اختصاصه صلى الله عليه وسلم ومن يتبعه من الخواص بالاجتناب عما يقدح في التوكل كما يشهد له حديث المغيرة؛ فإن قوله: ((وإن أنا شربت)) وإن كل بحسب النحو فاعل فعل مضمر، لكن في عرف أهل المعاني صورته صورة التقديم للفاعل على عامله المفيد للاختصاص. الشكاف في قوله تعالى {قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي}: تقديره لو تملكون، أضمر تملك إضمارا على شريطة التفسير، وهذا هو الوجه الذي يقتضه علم الإعراب، فأما ما يقتضيه علم البيان فهو ((إن أنتم تملكون)) فيه دلالة على الاختصاص، وأن الناس هم المختصون بالشح المتبالغ.

وفائدة التنكير في (تميمة وترياق) الشيوع، والتعريف في الشعر حقيقته، وما هو قاصد في تقوله؛ ولذلك أتبعه بقوله:((من قبل نفسي)) كقوله تعالى: {ومَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ ومَا يَنْبَغِي لَهُ} مع قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنا النبي لا كذب)) ونحوه؛ فإن ذلك ليس عن قصد منه ولا التفاوت منه إليه إن جاء موزوناً، بل كان كلاماً من جنس كلامه الذي كان يرمي به على السليقة من غير صنعة فيه ولا تكلف.

الحديث الرابع والعشرون عن المغيرة: قوله: ((من اكتوى)) ((نه)): قد جاء في أحاديث كثيرة

ص: 2969

4556 -

وعن عيسى بن حمزة، قال: دخلت على عبد الله بن عكيم وبه حمرة، فقلت: ألا تعلق تميمة؟ فقال: نعوذ بالله من ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من تعلق شيئاً وكل إليه)). رواه أبو داود. [4556]

4557 -

وعن عمران بن حصين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا رقية إلا من عين أو حمة)). رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود. [4557]

4558 -

ورواه ابن ماجه، عن بريدة. [4558]

4559 -

وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم)). رواه أبو داود. [4559]

ــ

النهي عن الكي. فقيل: إنما نهى عنه من أجل أنهم كانوا يعظمون أمره، ويرون أنه يحسم الداء، وإذا لم يكو العضو عطب وبطل. فنهاهم إذا كان على هذا الوجه، وأباحه إذا جعل سبباً للشفاء لا علة له؛ فإن الله هو الذي يبرئه ويشفيه لا الكي والدواء. وهذا أمر يكثر فيه سلوك الناس، يقولون: لو شرب الدواء لم يمت، ولو أقام ببلده لم يقتل. وقيل: يحتمل أن يكون نهيه عن الكي إذا استعمل على سبيل الاحتراز من حدوث المرض وقبل: الحاجة إليه، وذلك مكروه، وإنما أبيح التداوي والعلاج عند الحاجة. ويجوز أن يكون النهي من قبيل التوكل كقوله:((هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون على ربهم يتوكلون))، والتوكل درجة أخرى غير الجواز.

الحديث الخامس والعشرون عن عيسى: قوله: ((من تعلق شيئاً)) ((مظ)): من تمسك بشيء من المداواة، واعتقد أن الشفاء منه لا من الله تعالى لم يشفه الله، بل وكل شفاءه إلى ذلك الشيء وحينئذ لا يحصل شفاؤه؛ لأن الأشياء لا تنفع ولا تضر إلا بإذن الله تعالى. أقول: ولعله إنما عاذ بالله من تعليق العوذة؛ لأنه كان من المتوكلين، وإن جاز لغيره.

الحديث السادس والعشرون عن عمران بن حصين: قوله: ((لا رقية إلا من عين)) ((حس)): لم يرد به نفي جواز الرقية في غيرهما، بل تجوز الرقية بذكر الله تعالى في جميع الأوجاع. ومعنى الحديث: لا رقية أولى وأنفع منهما كما تقول: لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار. وقد مر القول في الحمة.

ص: 2970

4560 -

وعن أسماء بنت عميس، قالت: يا رسول الله! إن ولد جعفر تسرع إليهم العين، أفأسترقي لهم؟ قال:((نعم، فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين)). رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه. [4560]

4561 -

وعن الشفاء بنت عبد الله، قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة، فقال:((ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة؟)). رواه أبو داود. [4561]

ــ

الحديث السابع والثامن والعشرون عن أسماء: قوله: ((فإنه لو كان شيء)) تعليل للجواب، ومعناه: نعم استرقي من العين؛ فإنها أولى وأحرى بأن تسترقي؛ لأنه لو كان شيء سابق القدر إلى آخره.

الحديث التاسع والعشرون عن الشفاء: قوله: ((هذه رقية النملة)) هذه إشارة إلى حفصة. والنملة قروح ترقى وتبرأ بإذن الله تعالى. ((خط)): فيه دليل على أن تعلم النساء الكتابة غير مكروه.

((تو)): يرى أكثر الناس أن المراد من النملة ها هنا، هي التي يسميها المطببون الذباب. وقد خالفهم فيه المقلب بالذكي المغربي النحوي فقال: إن الذي ذهبوا إليه في معنى هذا القول شيء كانت نساء العرب تزعم أنه رقية النملة، وهو من الخرافات التي كان ينهى عنها. فكيف يأمر بتعليمها إياها؟.

وإنما عنى برقية النملة قولا كن يسمينها رقية النملة، وهو قولهن: العروس تنتعل وتختضب وتكتحل، وكل شيء تفعل غير أنها لا تعصي الرجل.

فأراد صلى الله عليه وسلم بهذا المقال تأنيب حفصة، والتعريض بتأديبها حيث أشاعت السر الذي استودعه إياها، على ما شهد به التنزيل. وذلك قوله سبحانه:{وإذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} الآية. وعلى هذا المعنى نقله الحافظ أبو موسى عنه في كتابه. قال: فإن يكن الرجل متحققاً بهذا عارفاً به من طريق النقل، فالتأويل ما ذهب إليه.

((شف)): يمكن أنه صلى الله عليه وسلم أراد برقية النملة آخرها وهو قوله: ((غير أن لا تعصي الرجل)) إطلاقاً للكل وإرادة الجزء أي ألا تعلمين حفصة أن العروس لا تعصي الرجل، فإنها قد عصتني بإفشاء السر، ولو كانت تعلم رقية النملة لما عصتني.

ص: 2971

4562 -

وعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: رأي عامر بين ربيعة سهل بن حنيف يغتسل، فقال: والله ما رأيت كاليوم، ولا جلد مخبأة. قال: فلبط سهل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له: يا رسول الله! هل لك في سهل بن حنيف؟ والله ما يرفع رأسه. فقال: ((هل تتهمون له أحداً)). فقالوا: نتهم عامر بن ربيعة. قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامراً، فتغلظ عليه، وقال:((علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت؟ اغتسل له)). فغسل له عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب عليه، فراح من الناس ليس له بأس. رواه في ((شرح السنة))، ورواه مالك. وفي روايته قالت:((إن العين حق. توضأ له)). [4562]

ــ

أقول: ويحتمل الحديث وجهين آخرين: أحدهما: التحضيض على تعليم الرقية وإنكار الكتابة، أي هلا علمتها ما ينفعها من الاجتناب عن عصيان الزوج، كما علمتها ما يضرها من الكتابة. وثانيهما: أن يتوجه الإنكار إلى الجملتين جميعاً. والمراد بالنملة المتعارف بينهم لأنها منافية لحال المتوكلين.

الحديث الثلاثون عن أبي أمامة: قوله: ((ولا جلد مخبأة)) المخبأة الجارية التي في خدرها لم تتزوج بعد؛ لأن صيانتها أبلغ ممن قد تزوجت. وهو معطوف على مقدر هو مفعول ((رأيت))، أي ما رأيت جلداً غير مخبأة كجلد رأيت اليوم ولا جلد مخبأة. فعلى هذا ((كاليوم)) صفة، وإذا قدر المعطوف عليه هو مؤخرا كان حالا.

((حس)): قوله: ((فلبط سهل)) أي صرع وسقط إلى الأرض، يقال: لبط بالأرض فهو ملبوط به. قوله: ((ألا بركت)) هو للتحضيض، أي هلا دعوت له بالبركة. وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب؛ لأن الأصل أن يقال: علام تقتل؟، كأنه ما التفت إليه وعم الخطاب أولا، ثم رجع إليه تأنيباً وتوبيخاً.

قوله: ((فراح من الناس)) هو كناية عن سرعة برئه. ((حس)): اختلفوا في غسل داخلة الإزار، فذهب بعضهم إلى المذاكير، وبعضهم إلى الأفخاذ والورك. قال أبو عبيدة: إنما أراد داخلة إزاره طرف إزاره الذي يلي جسده مما يلي جانب الأيمن فهو الذي يغسل. قال: ولا أعلمه إلا جاء مفسراً في بعض الحديث هكذا.

((مح)): وصف وضوء العائن عند العلماء أن يؤتى بقدح ماء، ولا يوضع القدح على الأرض

ص: 2972

4563 -

وعن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان وعين الإنسان، حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلت أخذ بهما وترك ما سواهما. رواه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. [4563]

4564 -

وعن عائشة، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هل رئي فيكم المغربون؟)) قلت: وما المغربون؟ قال: ((الذين يشترك فيهم الجن)). رواه أبو داود. [4564]

4565 -

وذكر حديث ابن عباس: ((خير ما تداويتم)) في ((باب الترجل)).

ــ

فيأخذ غرفة فيتمضمض، ثم يمجها في القدح ثم يأخذ منه ما يغسل وجهه، ثم يأخذ بشماله ما يغسل به كفه اليمنى، ثم بيمينه ما يغسل به كفه اليسرى، ثم بشماله ما يغسل به مرفقه الأيمن، ثم بيمينه ما يغسل به مرفقه الأيسر، ولا يغسل ما بين المرفقين والكفين، ثم يغسل قدمه اليمنى ثم اليسرى، ثم ركبته اليمنى، ثم اليسرى على الصفة المتقدمة. وكل ذلك في القدح، ثم داخلة إزاره. وإذا استكمل هذا صبه من خلفه على رأسه، وهذا المعنى لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه؛ إذ ليس في قوة العقل الإطلاع على أسرار جميع المعلومات والله أعلم.

قال القاضي عياض: قال بعضهم: إنه ينبغي إذا عرف أحد بالإصابة بالعين أن يجتنب عنه، وينبغي للإمام منعه من مداخلة الناس ويأمره بلزوم بيته، فإن كان فقيراً رزقه ما يكفيه، وكيف أذاه عن الناس، فضرره أشد من ضرر آكل الثوم والبصل ومن ضرر المجذوم أيضاً.

الحديث الحادي والثلاثون والثاني والثلاثون عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((فيكم)) أي في جنس الإنسان، فغلب الذكور على الإناث، والخطاب على الغيبة، كقوله تعالى:{يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} . غلب العقلاء المخاطبين على الأنعام الغيب، والسؤال سؤال توقيف وتنبيه. ((وهل)) بمعنى ((قد)) في الاستفهام خاصة. والأصل ((أهل)) قال تعالى:{هَلْ أَتَى عَلَى الإنسَانِ} الكشاف: المعنى أقد أتى؟ على التقدير والتقريب جميعاً.

و ((المغربون)) بتشديد الراء وكسرها المبعدون عن ذكر الله تعالى عند الوقاع، حتى شارك فيهم الشيطان. وقيل: سموا مغربين؛ لأنه دخل فيهم عرق غريب أو جاء من نسب بعيد. وقيل: أراد بمشاركة الجن فيهم، أمرهم إياهم بالزنا وتحسينه لهم، فجاء أولادهم من غير

ص: 2973

الفصل الثالث

4566 -

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المعدة حوض البدن، والعروق إليها واردة، فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة، وإذا فسدت المعدة صدرت العروق بالسقم)). [4566]

4567 -

وعن علي، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة يصلي، فوضع يده على الأرض، فلدغته عقرب، فناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنعله فقتلها. فلما انصرف قال:

ــ

رشدة. ومنه قوله تعالى: {وشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ والأَوْلادِ} . قيل: ويحتمل أن يراد به من كان له قرين من الجن يلقي إليه الأخبار وأصناف الكهانة.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((المعدة حوض البدن)) الحديث أورده ابن الجوزي أيضاً في كتاب لقط النافع. شبه صلى الله عليه وسلم المعدة بالحوض، والبدن بالشجر، والعروق الواردة إليها بعروق الشجر الضاربة إلى الحوض، الجاذبة ماءه إلى الأغصان والأوراق، فمتى كان الماء صافياً ولم يكن ملحاً أجاجاً، كان سبباً لنضارة الأشجار وخصارتها، وإلا كان سبباً لذبولها وجفافها. فكذا حكم البدن مع المعدة، وذلك أن الله تعالى بلطيف حكمته وبديع فطرته جعل الحرارة الغريزية في بدن الإنسان مسلطة عليه، تحلل الرطوبات تسليط السراج على السليط. وخلق فيه أيضاً قوة جاذبة سارية في مجاري عروق واردة إلى الكبد، طالبة منه ما صفي منه من الأخلاط، التي حصلت فيه بسبب عروق واردة منه إلى المعدة، جاذبة منها ما انهضم فيها من المشروب والمطعوم؛ ليطبخ في الكبد مرة أخرى فيصير بدلا لما تحلل منه. هذا معنى الصدور بعد الورود؛ لأن العروق مجار لما يرد فيها ويصدر منها كعروق الشجر. فالأسلوب من باب سال الوادي، وجرى الميزاب. فإذا كان ما في المعدة غذاء صالحا، وانحدر من تلك العروق إلى الكبد، يحصل منه الغذاء المحمود للأعضاء خلفا لما تحلل منها وإذا كان فاسداً إما لكثرة أكل وشرب أو إدخال طعام أو غير ذلك، كان سبباً لتوليد الأخلاط الرديئة الموجبة للأمراض الرديئة، وذلك بتقدير العزيز العليم.

الحديث الثاني عن علي رضي الله عنه: قوله: ((فوضع يده على الأرض)) هو جواب ((بينا)) وهذا يؤيد قول من قال: إن ((بينا)) و ((بينما)) ظرفان متضمنان لمعنى الشرط؛ فلذلك اقتضيا

ص: 2974

((لعن الله العقرب، ما تدع مصلياً ولا غيره – أو نبياً وغيره)) – ثم دعا بملح وماء، فجعله في إناء، ثم جعل يصبه على أصبعه حيث لدغته ويمسحها ويعوذها بالمعوذتين. رواهما البيهقي في ((شعب الإيمان)). [4567]

4568 -

وعن عثمان بن عبد الله بن موهب، قال: أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء، وكان إذا أصاب الإنسان عين أو شيء بعث إليها مخضبه، فأخرجت من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تمسكه في جلجل من فضة فخضخضته له، فشرب منه، قال: فاطلعت في الجلجل فرأيت شعرات حمراء. رواه البخاري.

4569 -

وعن أبي هريرة، أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: الكمأة جدري الأرض؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الكمأة من المن، وماؤها

ــ

جواباً. وقد سبق تمام تقريره في أول كتاب الإيمان. وقوله: ((ما تدع مصلياً)) إلى آخره، على لاستحقاقه اللعن.

الحديث الثالث عن عثمان رضي الله عنه: قوله: ((المخضب)) هو بالكسر شبه المركن وهي إجانة يغسل فيها الثياب. والخضخضة تحريك الماء ونحوه. وقوله: ((فاطلعت)) عطف على مقدر يدل عليه قوله: ((وكان إذا أصاب الإنسان)) إلى آخره. واستعمال الفضة هنا كاكتساء الكعبة بالحرير تعظيما وتبجيلا.

الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((الكمأة جدرى الأرض)) ((نه)): ((شبه الكمأة بالجدري الذي يظهر في جسد الصبي لظهورها من بطن الأرض، كما يظهر الجدري من باطن الجلد، وأراد به ذمها. وقوله: ((من المن)) أي: هي مما من الله تعالى به على عباده. وقيل شبهها بالمن، وهو العسل الحلو الذي ينزل من السماء صفواً بلا علاج، وكذلك الكمأة لا مؤونة فيها ببذر وسقي.

أقول: كأنهم لما ذموها وجعلوها من الفضلات، التي تتضمن المضرة تدفعها الأرض إلى ظاهرها، كما تدفع الطبيعة الفضلات بالجدري، قابله صلى الله عليه وسلم بالمدح، أي ليست من الفضلات بل هي من فضل الله ومنه أنزله على عباده، أو ليست مما تضمن المضرة، بل هي ثناء للناس كالمن النازل، وماؤها شفاء العين.

((مح)): قيل: هو نفس الماء مجرداً. وقيل: مخلوطاً بدواء. وقيل: إن كان لتبريد ما في العين من حرارة، فماؤها مجرد الشفاء. وإن كان من غير ذلك فمركبا مع غيره. والصحيح بل

ص: 2975

شفاء للعين. والعجوة من الجنة، وهي شفاء من السم)). قال أبو هريرة: فأخذت ثلاثة أكمؤ أو خمساً أو سبعاً فعصرتهن، وجعلت ماءهن في قارورة، وكحلت به جارية لي عمشاء، فبرأت. رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن. [4569]

4570 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لعق العسل ثلاث غدوات في كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء)). [4570]

4571 -

وعن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن)). رواهما ابن ماجه، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) وقال: والصحيح أن الأخير موقوف على ابن مسعود. [4571]

ــ

الصواب أن [ماؤها] مجرداً شفاء للعين مطلقاً. أقول: والحديث أيضاً يصوبه؛ لقوله: ((وجعلت ماءهن في قارورة وكحلت به جارية)).

قال الشيخ محيي الدين: وقد رأيت أنا وغيري في زماننا من ذهب بصره فكحل عينيه بماء الكمأة مجرداً فشفي وعاد إليه بصره. وهو الشيخ العدل الأمين الكمال الدمشقي صاحب رواية في الحديث. وكان استعماله لماء الكمأة اعتقاداً بالحديث وتبركاً به. انتهى كلامه. وأما قوله: ((والعجوة من الجنة)) فواقع على سبيل الاستطراد.

الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((في كل شهر)) هو صفة غدوات، أي غدوات كائنة في كل شهر.

الحديث السادس عن عبد الله: قوله: ((العسل والقرآن)) تقسيم للجمع، فجعل جنس الشفاء نوعين حقيقيا وغير حقيقي، ثم قسمه، نحوه قولك: القلم أحد اللسانين، والخال أحد الأبوين. قال الفرزدق:

أبي أحد الغيثين، صعصعة الذي متى تخلف الجوزاء والدلو يمطر

فإنه نسى التشبيه وبني على أن أباه أحد الغيثين الذين إن أمسك أحدهما أمطر.

((غب)): شفاء البئر والنهر طرفه. والشفاء من المرض موافاة شفاء السلامة، وصار اسما للبئر، قال الله تعالى في صفة العسل:{فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ} . وقال في صفة القرآن: {هُدًى وشِفَاءٌ} وقال: {وشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ} .

ص: 2976

4572 -

وعن أبي كبشة الأنماري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم على هامته من الشاة المسمومة. قال معمر: فاحتجمت أنا من غير سم كذلك في يافوخي، فذهب حسن الحفظ عني، حتى كنت ألقن فاتحة الكتاب في الصلاة. رواه رزين.

4573 -

وعن نافع قال: قال ابن عمر: يا نافع! ينبع بي الدم، فأتني بحجام واجعله شاباً، ولا تجعله شيخاً ولا صبياً. قال: وقال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الحجامة على الريق أمثل، وهي تزيد في العقل، وتزيد في الحفظ، وتزيد الحافظ حفظاً، فمن كان محتجماً فيوم الخميس على اسم الله تعالى، واجتنبوا الحجامة يوم الجمعة ويوم السبت ويوم الأحد، فاحتجموا يوم الاثنين ويوم الثلاثاء، واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء؛ فإنه اليوم الذي أصيب به أيوب في البلاء. وما يبدو جذام ولا برص إلا في يوم الأربعاء أو ليلة الأربعاء)) رواه ابن ماجه. [4573]

4574 -

وعن معقل بن يسار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحجامة يوم الثلاثاء لسبع عشرة من الشهر دواء لداء السنة)). رواه حرب بن إسماعيل الكرماني صاحب أحمد وليس إسناده بذاك، هكذا في ((المنتقى)). [4574]

4575 -

وروى رزين نحوه عن أبي هريرة.

ــ

الحديث السابع إلى الثامن عن نافع: قوله: ((ينبع بي الدم)) فيه تشبيه أي يغلي الدم في جسدي نبوع الماء من العين. و ((اجعله شابا)) أي اختره. و ((شابا)) حال، ويمكن أن يكون الضمير للمصدر كما في قوله:((واجعله الوارث منا)). ويريد ((الحافظ حفظاً)) أي كمال الحفظ. قوله: ((ويوم الثلاثاء)) ظاهره يخالف قوله في حديث كبشة: ((إن يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا ترقأ)). ولعله أراد يوما مخصوصاً وهو السابع عشر من الشهر، كما يأتي في الحديث الثاني.

الحديث التاسع عن معقل: قوله: ((الحجامة يوم الثلاثاء)) هذا الحديث ملحق في أكثر نسخ المصابيح. وقوله: ((بذاك)) أي بذاك القوة.

ص: 2977