الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(4) باب التصاوير
الفصل الأول
4489 -
وعن أبي طلحة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب، ولا تصاوير)). متفق عليه.
ــ
باب التصوير
الفصل الأول
الحديث الأول عن أبي طلحة: قوله: ((فيه كلب ولا تصاوير)) ((خط)): إنما لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو صورة مما يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور. وأما ما ليس بحرام من كلب الصيد والزرع والماشية، والصورة التي تمتهن في البساط والوسادة ونحوها، فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه.
((مح)): الأظهر أنه عام في كل كلب وكل صورة، وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث، ولأن الجرو الذي كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم تحت السرير، كان له فيه عذر ظاهر؛ لأنه لم يعلم به ومع هذا امتنع جبريل عليه السلام من دخول البيت وعلله بالجرو.
وقال العلماء: سبب امتناعهم من الدخول في بيت فيه صورة، كونها معصية فاحشة. وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى. وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى، ومن الدخول في بيت في كلب؛ كونه يأكل النجاسة؛ ولأن بعضه يسمى شيطاناً، كما ورد في الحديث، والملائكة ضد الشياطين؛ ولقبح رائحته، ومن اقتناه عوقب بحرمان دخول الملائكة بيته، وصلاتها عليه، واستغفارها له، وهؤلاء الملائكة غير الحفظة؛ لأنهم لا يفارقون المكلفين.
قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: تصوير صور الحيوان حرام شديد التحريم، وهو من الكبائر؛ لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث، وسواء صنعه في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار وغير ذلك.
وأما تصوير صورة الشجر [والرحال] وغير ذلك فليس بحرام. هذا حكم نفس التصوير، وأما اتخاذ المصور بحيوان فإن كان معلقاً على حائط، سواء كان له ظل أو لا أو ثوباً ملبوساً أو عمامة أو نحو ذلك فهو حرام. وأما الوسادة ونحوها مما يمتهن فليس بحرام، ولكن هل يمنع دخول الملائكة فيه أم لا؟ فقد سبق. قال القاضي عياض: وما ورد في تصوير الشباب للعب البنات فمرخص، لكن كره مالك شراءها للرجل. وادعى بعضهم أن إباحة اللعب لهن بالثياب منسوخ بهذه الأحاديث.
قوله: ((ولا تصاوير)) معطوف على قوله: ((كلب))، ومن حق الظاهر أن تكرر ((لا)) ويقال: ((لا
4490 -
وعن ابن عباس، عن ميمونة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح يوماً واجماً، وقال:((إن جبريل كان وعدني أن يلقاني الليلة، فلم يلقني، أم والله، ما أخلفني)). ثم وقع في نفسه جرو كلب تحت فسطاط له، فأمر به، فأخرج، ثم أخذ بيده ماء، فنضح مكانه، فلما أمسى لقيه جبريل. فقال:((لقد كنت وعدتني أن تلقاني البارحة)). قال: أجل، ولكنا لا ندخل بيتاً فيه كلب، ولا صورة، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، فأمر بقتل الكلاب، حتى إنه يأمر بقتل كلاب الحائط الصغير، ويترك كلب الحائط الكبير. رواه مسلم.
4491 -
وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب، إلا نقضه. رواه البخاري.
ــ
كلب وال تصاوير))، ولكن لما وقع في سياق النفي جاز كقوله تعالى:{مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ} ، وفيه من التأكيد أنه لو لم يذكر لاحتمل أن المنفي الجمع بينهما، نحو قولك: ما كلمت زيداً ولا عمراً، ولو حذفت ((لا)) جاز أن تكلم أحدهما؛ لأن الواو للجمع وإعادة ((لا)) كإعادة الفعل.
الحديث الثاني عن ابن عباس: قوله: ((واجما)) ((نه)): أي مهتما، والواجم الذي أسكنه الهم وغلبته الكآبة. وقد وجم يجم وجوما. قوله:((أم والله)) أي أما والله ما أخلفني جبريل في الوعد قبل ذلك قط، فحذف ألف ((أما)) للتخفيف.
((مح)): فيه أن من تكدر وقته وتنكدت وظيفته، ينبغي أن يتفكر في سببه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هنا؛ حتى استخرج الكلب، وإليه أشار التنزيل بقوله:{إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا} . قوله: ((يأمر)) حكاية الحال الماضية. وقوله: ((يترك)) معطوف على معنى لم يأمر بقتل كلب الحائط الكبير، وهو مستفاد من وصف الحائط بالكبير. وفيه دليل لمن عمل بالمفهوم نحو ((في الغنم السائمة زكاة)).
الحديث الثالث عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((تصاليب)) ((تو)): أخرج الراوي تصاليب مخرج تماثيل، وقد اختلفنا في الأصل؛ فإن الأصل في التصاليب هو التصليب، وكأنهم سموا ما كان فيه صورة الصليب تصليباً بالمصدر، ثم جمعوه كما فعلوا في تصاوير.
وهذا الحديث مخرج في كتاب أبي داود، ولفظه: كان لا يترك في بيته شيئاً فيه تصليب إلا قضبه. ومعنى قضبه قطعه، فيحتمل أن يكون اختلاف اللفظين من بعض الرواة، والحديث على ما في كتاب أبي داود أفصح وأقيس. انتهى كلامه.
4492 -
وعنها، أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب، فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهية. قالت: فقلت: يا رسول الله! أتوب إلى الله وإلى رسوله، ما أذنبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ما بدل هذه النمرقة؟)) قلت: اشتريتها لك لتقعد عليها، وتوسدها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم)).
وقال: ((إن البيت الذي فيه الصورة لا تدخله الملائكة)). متفق عليه.
4493 -
وعنها، أنها كانت اتخذت على سهوة لها ستراً فيه تماثيل، فهتكه النبي صلى الله عليه وسلم، فاتخذت منه نمرقتين، فكانتا في البيت، يجلس عليهما. متفق عليه.
ــ
وفيه نظر؛ فإن رواه البخاري أوثق وأضبط، والاعتماد على ما رووه أولى وأحرى. ((خط)): ذكر في إعلام السنن وهو شرح البخاري أوثق، وفي سائر الروايات الأقضية. وقوله:((في سائر الروايات)) يؤذن أنها في كتاب البخاري؛ لأن معنى السائر البقية من الشيء كذا صرح به صاحب النهاية؛ لأنه أخذ من السور.
الحديث الرابع عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((نمرقة)) ((مح)): بضم النون وفتح الراء وهي وسادة صغيرة. وقيل: هي مرقعة. قوله: ((ما أذنبت؟)) فيه أدب حسن من الصديقة رضي الله عنها حيث قدمت التوبة على إطلاعها على الذنب، ونحوه قوله تعالى:{عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} ، قدم العفو تلطفاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، بدأ بالعفو قبل إبداء الذنب، كما قدمت التوبة على عرفان الذنب؛ ومن ثمة قالت:((ما أذنبت؟)) أي ما اطلعت على ذنب؛ ومن ثم حسن قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما بال هذه النمرقة)).
وفي الحديث دليل على أن امتناع دخول الملائكة في بيت فيه صورة، إنما هو لأجلها، سواء كانت مباحة أو حراماً، كما ذهب إليه الشيخ محيي الدين في الحديث السابق. و ((ما خلقتم)) أي ما صورتم فعدل إليه تهكماً بهم، وبمضاهاتهم الخالق في إنشاء الصور. والأمر ((بأحيوا)) تعجيز لهم. ((مح)): نحو قوله تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} .
الحديث الخامس عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((على سهوة)) ((حس)): السهوة الكوة بين الدارين. ((فا)): هي كالصفة تكون بين يدي البيت. وقيل: هي بيت صغير منحدر في الأرض وسمكه مرتفع منها، شبيه بالخزانة يكون في المتاع. وقيل: شبيه بالرف أو الطاق يوضع فيها الشيء، كأنها سميت بذلك؛ لأنها يسهى عنها لصغرها وخفائها.
4494 -
وعنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في غزاة، فأخذت نمطاً فسترته على الباب، فلما قدم، فرأي النمط، فجذبه حتى هتكه، ثم قال:((إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين)). متفق عليه.
4495 -
وعنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله)). متفق عليه.
4496 -
وعن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو شعيرة)). متفق عليه.
4497 -
وعن عبد الله بن مسعود، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أشد الناس عذاباً عند الله المصورون)). متفق عليه.
ــ
فإن قلت: كيف التوفيق بين هذا الحديث والحديث السابق؟. قلت: التماثيل إذا حملت على غير الصور المحرمة يكون علة الهتك ما يجئ في الحديث الذي يتلوه: إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين)). وإذا حملت على التصوير يكون استعمالها في النمارق بقطع الرءوس. ((مح)): معنى ((هتكه)) قطعه وأتلف الصور التي فيه.
الحديث السادس عن عائشة رضي الله عنها: ((فرأي النمط)) عطف على محذوف، هو جواب ((لما)) أي دخل فرأي. والنمط ضرب من البسط، له خمل رقيق، والجمع أنماط، ((مح)): وكان فيه صور الخيل ذوات الأجنحة، فأتلف صورها. واستدل به على جواز اتخاذ الوسائد، وعلى أنه يمنع من ستر الحيطان، وهو كراهة تنزيه لا تحريم. قوله صلى الله عليه وسلم:((لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين)) لا يدل على النهي عنه ولا على الواجب والندب. وفيه تغيير المنكر باليد، والغضب عند رؤية المنكر.
الحديث السابع عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((يضاهون)) ((قض)): أي يشابهون فيفعلون ما يضاهي خلق الله، أي مخلوقة أو يشبهون فعلهم لفعله، أي في التصوير والتخليق.
الحديث الثامن والتاسع عن عبد الله بن مسعود: قوله: ((أشد الناس عذاباً)) ((شف)): الرواية المشهورة في هذا الحديث ((إن من أشد الناس عذاباً المصورون)) بالرفع، هكذا أورد ابن مالك في شرحه واعتذر عن الرفع فقال: قال الكسائي: ((من)) زائدة. وقال بعضهم: هاهنا ضمير الشأن مقدر، أي: إنه من أشد الناس عذاباً المصورون.
4498 -
وعن ابن عباس، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفساً، فيعذبه في جهنم)). قال ابن عباس: فإن كنت لابد فاعلاً: فاصنع الشجر وما لا روح فيه. متفق عليه.
4499 -
وعنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من تحلم بحلم لم يره؟ كلف أن يعقد بين شعرتين، ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، أو يفرون منه، صب في أذنيه الآنك يوم القيامة. ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها، وليس بنافخ)). رواه البخاري.
ــ
أقول: ذكر الشيخ محيي الدين في شرح صحيح مسلم روايات كثيرة، وليس فيها لفظة ((إن)). نعم في رواية البخاري:((إن أشد الناس)) بغير (من). ((مح)): ((أشد عذاباً)) هذا محمول على من صور الأصنام لتعبد، فله أشد عذاب؛ لأنه كافر. وقيل: هذا فيمن قصد المضاهاة بخلق الله، واعتقد ذلك وهو أيضاً كافر، وعذابه أشد. ومن لم يقصدهما فهو فاسق لا يكفر كسائر المعاصي. وأما الشجر ونحوه مما لا روح فيه فلا يحرم صنعته ولا التكسب به.
وهذا مذهب العلماء إلا مجاهداً؛ فإنه جعل الشجرة المثمرة من المكروه. واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم ((ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي)) فذكر الذرة وهي ذات روح، وذكر الحنطة والشعير وهما جمادان. ووعد عليه وعيداً شديداً؛ حيث أخرج الجملة على سبيل الاستفهام الإنكاري. وذكر الظلم على صيغة التفضيل.
واحتج الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم: ((أحيوا ما خلقتم)) وبالمضاهاة بخلق الله. ويؤيده حديث ابن عباس: ((إن كنت لابد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له)).
((خط)): المصور هو الذي يصور أشكال الحيوان فيحكيها بتخطيط لها وتشكيل، فأما النقاش الذي ينقش أشكال الشجر ويعمل التداوير والخواتيم ونحوها، فإني أرجو أن لا يدخل في هذا الوعيد، وإن كان جملة هذا الباب مكروها وداخلا فيما يلهى ويشغل بما لا يعني. وإنما عظمت العقوبة في الصورة؛ لأنها تعبد من دون الله فالنظر إليها يفتن، وبعض النفوس نحوها تنزع.
الحديث العاشر عن ابن عباس: قوله: ((نفساًً)) كذا في جامع الأصول وأكثر نسخ المصابيح، وهو مشكل لاستناد الفعل إلى الجار مع مجروره مع وجود المفعول به. وفي بعضها ((نفس)) بالرفع وهو الظاهر.
الحديث الحادي عشر عن ابن عباس: قوله: ((من تحلم بحلم)) ((قض)): الحلم بضمتين الرؤيا، وحلم يحلم – بالضم – حلما رأي الرؤيا، وتحلم إذا ادعى أنه رأي ولم ير. ((كلف أن
4500 -
وعن بريدة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه)). رواه مسلم.
الفصل الثاني
4501 -
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتاني جبريل عليه السلام قال: أتيتك البارحة، فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام ستر، فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال
ــ
يعقد بين شعيرتين)) أي عذب حتى يفعل ذلك، فيجمع بين ما لم يمكن أن يعقد كما عقد بين ما سرده، واختلق من الرؤيا، ولم يكن يقدر أن يعقد بينهما. ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم:((من صور صورة، كلف أن ينفخ فيها، وليس بنافخ)). وقيل: معناه: ليس أن ذلك عذابه وجزاؤه، بل أنه يجعل ذلك شعاره ليعلم به أنه كان يزور الأحلام. ولفظة ((كلف)) يشعر بالمعنى الأول.
((نه)): إن قيل: إن كذب الكاذب في منامه، لا يزيد على كذبه في يقظته، فلم زادت عقوبته ووعيده؟. قيل: قد صح الخبر أن الرؤيا الصادقة جزء من النبوة، والنبوة لا تكون إلا وحياً، والكاذب في رؤياه يدعي أن الله تعالى أراه ما لم يره، وأعطاه جزءاً من النبوة لم يعطه إياه. والكاذب على الله تعالى أعظم فرية ممن كذب على الخلق أو على نفسه.
أقول: فيه أن هذه الرؤيا مخصوصة فيما يتعلق بالإخبار على الغيوب وأمور الدين.
[((مظ))]: إن هذا التغليظ في شأن من يقول: إن الله تعالى جعلني نبياً، وأخبرني بأن فلاناً مغفور أو ملعون أو بكذا وكذا، أو أمرني النبي صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا، ولم يكن قد رأي ذلك. وأما من يقول: أمرني الله بالطاعة واجتناب المعصية أو بوعظ الناس والبر إليهم، فإنه وإن كان كاذباً في رؤياه إلا أن عذابه لم يكن مثل عذاب الآخر.
الحديث الثاني عشر عن بريدة: قوله: ((بالنردشير)) ((نه ومح)): هو النرد وهو عجمي معرب. وشير معناه حلو. وهذا الحديث حجة للشافعي والجمهور في تحريم اللعب به. ومعنى ((صبغ يده في لحم الخنزير ودمه)) أنه في لعبه ذلك كأنه صبغ يده في لحم الخنزير ودمه وأكلها. تم كلامه. وفيه تصوير قبح ذلك الفعل تنفيراً عنه، كما إذا شبهت وجها مجدوراً بسلخة جامدة نقرتها الديكة.
الفصل الثاني
الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((قرام ستر)) ((نه)): ((القرام)) الستر الرقيق. وقيل: الصفيق من صوف ذي ألوان. والإضافة فيه كقولك: ثوب قميص.
الذي على باب البيت فيقطع، فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فليقطع، فليجعل وسادتين منبوذتين توطآن، ومر بالكلب فليخرج)). ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه الترمذي، وأبو داود. [4501]
4502 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يخرج عنق من النار يوم القيامة لها عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق يقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وكل من دعا مع الله آلهاً آخر، وبالمصورين)). رواه الترمذي. [4502]
4503 -
وعن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إن الله تعالى حرم الخمر، والميسر، والكوبة، وقال: كل مسكر حرام)). قيل: الكوبة الطبل رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). [4503]
4504 -
وعن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخمر، والميسر، والكوبة، والغبيراء، والغبيراء: شراب يعمله الحبشة من الذرة، يقال له: السكركة. رواه أبو داود. [4504]
ــ
وقيل: القوم الستر الرقيق وراء الستر الغليظ؛ ولذلك أضاف.
((حس)): فيه دليل على أن الصور إذا غيرت هيئاتها بأن قطعت رءوسها، أو حلت أوصالها، حتى لم يبق منها إلا أثر لا على شبه الصورة فلا بأس به، وعلى أن موضع التصوير إذا نقض، حتى تنقطع أوصاله جاز استعماله. قوله:((فيقطع)) في جامع الأصول وأكثر نسخ المصابيح بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وفي بعضها بالنصب على أنه جواب الأمر؛ فإن أمر الشارع سبب للامتثال والأول ألطف معنى.
الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((عنق من النار)) أي طائفة منها. و ((من)) بيانية والضمير في ((لها)) راجع إلى معنى ((عنق))، ((نه)): الجبار هو المتمرد العاتي، والعنيد الجائر عن القصد، الباغي، الذي يرد الحق مع العلم به.
الحديث الثالث والرابع عن ابن عمر: قوله: ((السكركة)) ((نه)): بضم السين والكاف الأولى وسكون الراء، نوع من الخمور يتخذ من الذرة. ((فا)): سميت بالغبيراء؛ لما فيها من غبرة.
4505 -
وعن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله)) رواه أحمد، وأبو داود. [4505]
4506 -
وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي رجلاً يتبع حمامة فقال: شيطان يتبع شيطانة)). رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والبيهقي في ((شعب الإيمان)). [4506]
الفصل الثالث
4507 -
عن سعيد بن أبي الحسن، قال: كنت عند ابن عباس، إذ جاءه رجل، فقال: يا بن عباس! إني رجل، إنما معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير. فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول:((من صور صورة؛ فإن الله معذبه حتى ينفخ فيه الروح، وليس بنافخ فيها أبداً)). فربا الرجل ربوة شديدة، واصفر وجهه، فقال: ويحك إن أبيت إلا أن تصنع، فعليك بهذا الشجر وكل شيء ليس فيه روح. رواه البخاري.
ــ
قوله: ((الذرة)) بالتخفيف، الجوهري: الذرة حب معروف وأصله ذرو والهاء عوض. والله أعلم.
الحديث الخامس والسادس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((شيطان يتبع شيطانه)) ((تو)): أي يقفو أثرها لا عبا بها. وإنما سماه شيطاناً؛ لمباعدته عن الحق، واشتغاله بما لا يعنيه. وسماها شيطانة؛ لأنها أورثته الغفلة عن ذكر الله، والشغل عن الأمر الذي كان بصدده في دينه ودنياه.
((مح)): اتخاذ الحمام للفرج والبيض أو الأنس، أو حمل الكتب جائز بلا كراهة. وأما اللعب بها بالتطيير فالصحيح أنه مكروه، فإن انضم إليه قمار ونحوه ردت الشهادة.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن سعيد: قوله: ((فربا الرجل)) الجوهري: الربو النفس العالي، يقال ربا يربو ربواً إذا أخذه الربو. قوله:((كل شيء)) يجوز فيه الجر على أنه بيان للشجر؛ لأنه لما منعه عن التصوير وأرشده إلى جنس الشجر، رأي ذلك غير واف بالقصد، فأوضحه به وهو قريب من البدل ويجوز النصب على التفسير.
4508 -
وعن عائشة، قالت: لما اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر بعض نسائه كنيسة يقال لها: مارية، وكانت أم سلمة وأم حبيبة أتتا أرض الحبشة، فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها، فرفع رأسه فقال:((أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، ثم صوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار خلق الله)). متفق عليه.
4509 -
وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة من قتل نبياً، أو قتله نبي أو قتل أحد والديه، والمصورون، وعالم لم ينتفع بعلمه)). [4509]
4510 -
وعن علي رضي الله عنه أنه كان يقول: الشطرنج هو ميسر الأعاجم. [4510]
4511 -
وعن ابن شهاب، أن أبا موسى الأشعري قال: لا يلعب بالشطرنج إلا خاطئ. [4511]
4512 -
وعنه، أنه سئل عن لعب الشطرنج، فقال: هي من الباطل، ولا يحب الله الباطل. روى البيهقي الأحاديث الأربعة في ((شعب الإيمان)). [4512]
ــ
الحديث الثاني عن عائشة: قوله: ((كنيسة)) المغرب: يقال لمعبد اليهود والنصارى كنيسة وهي تعريب كنست. تم كلامه. وباعتبار التعبد فيها قال صلى الله عليه وسلم: ((بنوا على قبره مسجداً)).
الحديث الثالث عن ابن عباس: قوله: ((أو قتله نبي)) يعني في سبيل الله، يؤيده التقييد في الرواية الأخرى:((اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله)).
((مح)): ((في سبيل الله)) احتراز ممن يقتل في حد أو قصاص؛ لأن من قتله النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل الله كان قاصداً قتل النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: ((والمصورون، وعالم لم ينتفع)) عدل عن صريح الفعل في القرينتين، ولم يقل: من صور من علم، كما في الأوليين؛ إشارة بأن أدنى ملابسة بقتل نبي أو أحد واليه أعظم منهما، نظيره قوله تعالى:{ولا تَرْكَنُوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} حيث لم يقل: ((إلى الظالم)) إشارة بأن أدنى ميل إلى من صدر منه أدنى ظلم موجب لمس النار، فكيف لمن ينهمك في الظلم ويتمرن فيه؟.
الحديث الرابع إلى السادس عن ابن شهاب: قوله: ((هي من الباطل)) أنث الراجع إلى الشطرنج باعتبار التماثيل. ((حس)): اختلفوا في إباحة اللعب بالشطرنج، فرخص فيه بعضهم؛ لأنه قد يتبصر به في أمر الحرب ومكيدة العدو، ولكن بثلاث شرائط: أن لا يقامر، ولا يؤخر