المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

4605 - وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٩

[الطيبي]

الفصل: 4605 - وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله

4605 -

وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أمسك الله القطر عن عباده خمس سنين، ثم أرسله، لأصبحت طائفة من الناس كافرين، يقولون: سقينا بنوء المجدح)) رواه النسائي. [4605]

‌كتاب الرؤيا

الفصل الأول

4606 -

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لم يبق من النبوة إلا المبشرات)) قالوا: وما المبشرات؟ قال: ((الرؤيا الصالحة)) رواه البخاري.

ــ

الحديث الرابع والخامس عن أبي سعيد: قوله: ((خمس سنين)) لعله صلى الله عليه وسلم لم يرد به التحديد بل طول الزمان وما يورث الإقناط من إنزال الغيث. والمجدح نجم من النجوم. قيل: هو الدبران: وقيل: هو ثلاثة كواكب كالأثافي تشبيها بالمجدح الذي له ثلاث شعب، وهو عند العرب من الأنواء الدالة على المطر والله أعلم.

كتاب الرؤيا

الكشاف: الرؤيا بمعنى الرؤية، إلا أنها مختصة بما كان منها في المنام دون اليقظة، فلا جرم فرق بينهما بحرف التأنيث، كما قيل: القربة والقربى، وجعل ألف التأنيث فيها مكان تاء التأنيث للفرق. وقال الواحدي: الرؤيا مصدر كالبشري والفتيا والشورى، إلا أنه لما صار اسما لهذا المتخيل في المنام جرى مجرى الأسماء.

((مح)): مقصورة ومهموزة ويجوز ترك همزها تخفيفا. قال المازري: مذهب أهل السنة أن حقيقة الرؤيا خلق الله تعالى في قلب النائم اعتقادات كخلقها في قلب اليقظان، وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء لا يمنعه نوم ولا يقظة، وخلق هذه الاعتقادات في النائم علم على أمور أخر يلحقها في ثاني الحال كالغيم علما على المطر.

الفصل الأول

الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((الرؤيا الصالحة)) معنى الصالحة الحسنة. وتحتمل أن تجري على ظاهرها، وأن تجري على الصادقة، والمراد بها صحتها. وتفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم المبشرات على الأول ظاهر؛ لأن البشارة كل خبر صدق يتغير به بشرة الوجه، واستعمالها في الخير أكثر. وعلى الثاني مؤول إما على التغليب أو يحمل على أصل اللغة.

ص: 2998

4607 * وزاد مالك برواية عطاء بن يسار: ((يراها الرجل المسلم أو ترى له)). [4607]

4608 -

وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة)) متفق عليه.

4609 -

وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي)) متفق عليه.

ــ

الحديث الثاني عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((الرؤيا الصالحة)) ((تو)): قيل: معناه أن الرؤيا جزء من أجزاء علم النبوة، والنبوة غير باقية وعلمها باق، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم:((ذهبت النبوة وبقيت المبشرات الرؤيا الصالحة)). ونظير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((السمت الحسن التؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة)) أي من أخلاق أهل النبوة. وقيل: معناه أنها تجيء على موافقة النبوة؛ لا أنها جزء باق من النبوة. وقيل: إنما قصر الأجزاء على ستة وأربعين؛ لأن زمان الوحي كان ثلاثا وعشرين سنة، وكان أول ما بدئ به من الوحي الرؤيا الصالحة، وذلك في ستة أشهر من سني الوحي، ونسبة ذلك إلى سائرها نسبة جزء إلى ستة وأربعين جزءا.

قال: أما حصر سني الوحي في ثلاث وعشرين، فإنه مما ورد به الروايات المعتد بها مع اختلاف في ذلك. وأما كون زمان الرؤيا فيها ستة أشهر، فشيء قدره هذا القائل في نفسه، لم يساعده فيه النقل، وأرى الذاهبين إلى التأويلات التي ذكرناها قد هالهم القول بأن الرؤيا جزء من النبوة. وقد قال صلى الله عليه وسلم:((ذهبت النبوة)) ولا حرج على أحد في الأخذ بظاهر هذا القول؛ فإن جزءا من النبوة لا يكون نبوة كما أن جزءا من الصلاة على الانفراد لا يكون صلاة. وكذلك عمل من أعمال الحج وشعبة من شعب الإيمان.

وأما وجه تحديد الأجزاء بستة وأربعين: فأرى ذلك مما يجتنب القول فيه ويتلقى بالتسليم؛ فإن ذلك من علوم النبوة التي لا تقابل بالاستنباط ولا يتعرض له بالقياس، وذلك مثل ما قال في حديث عبد الله بن سرجس في السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد:((أنها جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة)). وقلما يصيب مؤول في حصر هذه الأجزاء ولئن قيض له الإصابة في بعضها، لما يشهد له الأحاديث المستخرج منها لم يسلم له ذلك في البقية. انتهى كلامه. وقد وافقه الشيخ محيي الدين في شرح صحيح مسلم في قدحه في كون زمان الرؤيا فيها ستة أشهر، وقال: لم يثبت أن أصل رؤياه صلى الله عليه وسلم قبل النبوة سنة أشهر.

الحديث الثالث والرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((فقد رآني)) الشرط والجزاء

ص: 2999

متحد فدل على التناهي في المبالغة، كما يقال: من أدرك الضمان فقد أدرك المرعى، أي، أدرك مرعا متناهيا في بابه، أي من رآني فقد رأي حقيقتي على كمالها، لا شبهة ولا ارتياب فيما رأي، ويدل عليه قوله:((فقد رأي الحق)) والحق هنا مصدر مؤكد، أي من رآني فقد رآني رؤية الحق. وفي البخاري ومسلم والحميدي وجامع الأصول:((فقد رأي الحق)) على أن الحق هو مفعول به.

قوله: ((فإن الشيطان)) كالتتميم للمعنى والتعليل للحكم. ((مح)): اختلفوا فيه فقال ابن الباقلاني: معناه: رؤياه صحيحة ليست بأضغاث أحلام، ولا من تشبيهات الشيطان. قال: وقد يراه الرائي على خلاف صفته المعروفة، كمن يراه أبيض اللحية. وقد يراه شخصان في زمان واحد أحدهما في المشرق والآخر في المغرب، ويراه كل منهما في مكانه. حكاه المازري عنه ثم قال: وقال آخرون: بل الحديث على ظاهره، والمراد أن من يراه فقد أدركه، وليس لمانع أن يمنعه؛ فإن العقل لا يحيله حتى يضطر إلى التأويل. وأما قوله:((فإنه قد يرى على خلاف صفته أو في مكانين معا)). فإنه تغيير في صفاته لا في ذاته، فتكون ذاته صلى الله عليه وسلم مرئية، وصفاته متخيلة غير مرئية. فالإدراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار ولا قرب المسافة، ولا كون المرئي مدفونا في الأرض ولا ظاهرا عليها، وإنما يشترط كونه موجودا، ولو رآه بأمر بقتل من يحرم قتله كان هذا من صفاته المتخيلة لا المرئية.

قال القاضي عياض: ويحتمل أن يكون المراد بقوله: ((فقد رآني)) إذا رآه على صفته المعروفة له في حياته، فإن رأي على خلافها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة، وهو ضعيف بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها كما ذكره المازري انتهى كلام الشيخ محيي الدين. قال الشيخ أبو حامد الغزالي: ليس معناه أنه رأي جسمي وبدني بل رأي مثالا صار ذلك المثال إليه يتأدى بها المعنى الذي في نفسي إليه

، بل البدل الجسماني في اليقظة أيضا ليس إلا آلة النفس، والآلة تارة تكون حقيقية وتارة خيالية. والنفس غير المثالات المتخيلة إذ لا يتخيل إلا ذو لون أو ذو قدر بعيد من المتخيل أو قريب.

والحق أن ما يراه مثال حقيقة روحه المقدسة التي هي محل النبوة، فما رآه من الشكل ليس هو روح النبي صلى الله عليه وسلم ولا شخصه، بل هو مثال له على التحقيق. ومعنى ((فقد رآني)): ما رآه صار واسطة بيني وبينه في تعريف الحق إياه. وكذلك ذات الله تعالى منزهة عن الشكل والصورة، لكن تنتهي تعريفاته إلى العبد بواسطة مثال محسوس من نور أو غيره من الصور الجميلة التي تصلح أن تكون مثالا للجمال الحقيقي المعنوي الذي لا صورة فيه ولا لون، ويكون ذلك المثال صادقا وحقا وواسطة في التعريف، فيقول الرائي: رأيت الله تعالى في المنام لا بمعنى: إني رأيت ذاته كما تقول.

قال الشيخ أبو القاسم القشيري: من المعلوم أنه قد رآه صلوات الله عليه بعض الناس كأنه على صورة شيخ، ويراه بعضهم على صورة أمرد، وآخر كأنه مريض، وآخر كأنه ميت، وغير

ص: 3000

4610 -

وعن أبي قتادة: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من رآني فقد رأي الحق)) متفق عليه.

ــ

ذلك من الوجوه. ثم يكون معنى الخبر أن تلك الرؤيا جميعا تحتمل وجوها من التأويل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان موصوفاً بتلك الصفات جميعاً، فكذلك لو رأي أحد في المنام ربه تعالى على وصف يتعالى عنه، وهو يعلم أنه سبحانه منزه عن ذلك، لا يعتقد في صفته تعالى ذلك، لا تضره تلك الرؤيا، بل يكون لها وجه من التأويل. قال الواسطى: من رأي ربه تعالى في المنام على صورة شيخ عاد تأويله إلى الرائي، وهو إشارة إلى وقاره وقدر محله في حكمه. وكذلك إذا رآه كأنه شخص ساكن يتولى أمره ويكفي شأنه.

أقول: قول المازري وأبي حامد من باب واحد، ويمكن أن يرجح قول الباقلاني بأن يقال: إن أثبت الروايات هي ((فقد رأي الحق)) فلابد من تقدير ما يستقيم أن يقع الجزاء مسبباً من الشرط، ويترتب على المعلل العلة، فالمعنى من رآني في المنام بأي صفة كانت، فليستبشر وليعلم أنه قد رأي الرؤيا الحق التي هي من الله، وهي من المبشرات لا الباطل الذي هو [العلم] المنسوب إلى الباطل الذي هو الشطان؛ فإن الشيطان لم يتمثل بي، كيف لا تكون مبشرات؟ وهو البشير النذير، السراج المنير وهو الرحمة المهداة إلى كافة الخلق:{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} .

وعلى هذا أيضاً الرواية الأخرى: ((لإقد رآني الحق)) أي رؤية الحق لا الباطل، وكذا الرواية الأخرى:((فقد رآني))؛ فإن الشرط والجزاء إذا اتحدا دل على الكمال والغاية، أي فقد رآني رؤيا ليس بعدها، كقوله:((من كانت هجرته إلى الله فهجرته إلى الله)) ولا كمال أكمل من الحق، كما لا نقص أنقص من الباطل، والباطل هو الكذب. ويؤيده حديث أبي هريرة:((ريا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)) وما كان من النبوة فإنه لا يكذب، فحينئذ لا يفتقر إلى تلك التكلفات والتمحلات، ولا يكشف الأستار عن مثل تلك الأسرار إلا من تدرب في علم المعاني، واعتلى شامخ البيان، وعرف كيف يؤلف الكلام ويصنف ويرتب النظام ويرصف.

قوله: ((فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي)) ((مح)): قال القاضي: قال بعضهم: خص الله سبحانه وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم بأن رؤية الناس إياه صحيحة، وكلها صدق، ومنع الشيطان أن يتصور في خلقته؛ لئلا يكذب على لسانه في النوم، كما أجرى الله سبحانه وتعالى العادة للأنبياء بالمعجزة، فكما استحال أن يتصور الشيطان في صورته في اليقظة، ولو وقع لاشتبه الحق بالباطل، ولم يوثق بما جاء به مخافة من هذا التصوير، فحماها الله سبحان وتعالى من الشيطان ونزعه ووسوسته وإغوائه وكيده، كذا حمى رؤياهم عنه بالنوم.

ص: 3001

4611 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي)) متفق عليه.

4612 -

وعن أبي قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرؤية الصالحة من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأي أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب، وإذا رأي ما يكره فيتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وليتفل ثلاثاً، ولا يحدث بها أحداً، فإنها لن تضره)) متفق علي.

4613 -

وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأي أحدكم الرؤيا

ــ

الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله ((فسيراني في اليقظة)) ((مح)): فيه أقوال: أحدهما أن يراد به أهل عصره. ومعناه أن من رآه في النوم، ولم يكن هاجر، يوفقه الله للهجرة، ورؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة عيانا. وثانيها: أنه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة في الدار الآخرة؛ لأنه يراه في الآخرة جميع أمته. وثالثها: يراه في الآخرة رؤية خاصة في القرب منه، وحصول شفاعته ونحو ذلك.

الحديث السادس عن أبي قتادة رضي الله عنه: قوله: ((والحلم من الشيطان)) ((خط)): الحلم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن. وغلب الحلم على ما يراه من الشر والقبيح. ومنه قوله تعالى: {أضغاث أحلام} ويستعمل كل واحد منهما موضع الآخر، وتضم لام الحلم وتسكن.

((مح)): الله سبحانه وتعالى هو الخالق للرؤيا والحلم، لكن جعل الرؤيا والاعتقادات التي هي أعلام على ما يسر بغير حضرة الشيطان محبوبة، وجعل ما هو علامة على ما يضر بحضرة الشيطان مكروهة، فنسبت إلى الشيطان مجازاُ لحضوره عندها لا على أن الشيطان يفعل ما يشاء.

وقيل: إضافة الرؤيا المحبوبة إلى الله تعالى إضافة تشريف، وإضافة المكروهة إلى الشيطان، لأنه يرضاها ويسر بها. ومعنى ((لن تضره)) أنه تعالى جعل فعله من التعوذ والتفل وغيره سبباً لسلامته من مكروه يترتب عليها، كما جعل الصدقة وقاية للمال وسبباً لدفع البلاء.

وقوله: ((ولا يحدث بها أحداُ)) يشبه أنه ربما فسرها تفسيراً مكروهاً على ظاهر صورتها وكان ذلك محتملا، فوقعت كذلك بتقدير الله تعالى، وسيجيء تمام البحث فيه في الحديث الأول من الفصل الثاني.

الحديث السابع عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((عن يساره)) ((مح)): الأمر بالتفل والبصق

ص: 3002

يكرهها، فليبصق عن يساره ثلاثاً، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه)) رواه مسلم.

4614 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا اقترب الزمان لم يكد يكذب رؤيا المؤمن، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وما كان من النبوة فإنه لا يكذب)). قال محمد بن سيرين: وأنا أقول: الرؤيا ثلاث: حديث النفس، وتخويف الشيطان، وبشرى من الله، فمن رأي شيئاً يكرهه فلا يقصه على أحد، وليقم فليصل. قال: وكان يكره الغل في النوم، ويعجبهم القيد. ويقال: القيد ثبات في الدين. متفق عليه.

ــ

طرد للشيطان الذي حضر رؤياه المكروهة وتحقير له واستقذار لفعله. وخص به اليسار لأنها محل الأقذار والمكروهات ونحوهما.

الحديث الثامن عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((إذا اقترب الزمان)) ((فا)): فيه ثلاثة أقوال:

أحدهما: أراد آخر الزمان واقتراب الساعة؛ لأن الشيء إذا قل وتقاصر تقاربت أطرافه، ومنه قيل للقصير: متقارب. ويقولون: تقاربت إبل فلان إذا قلت، ويعضده قوله صلى الله عليه وسلم:((في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب)).

وثانيها: أراد استواء الليل والنهار؛ لزعم العابرين أن أصدق الأزمان لوقوع العبارة وقت انفتاق الأنوار. ووقت إدراك الثمار، وحينئذ يستوى الليل والنهار.

وثالثها: أنه من قوله صلى الله عليه وسلم: ((يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كالساعة)). قالوا: يريد به زمن خروج المهدي وبسطه العدل، وذلك زمان يستقصر لاستلذاذه، فيقارب أطرافه. انتهى كلامه. واختلف في خبر كاد المنفي، والأظهر أنه يكون أيضاً منفياً؛ لأن حرف النفي الداخل على كاد ينفي قرب حصوله، والنافي لقرب حصول الشيء أدل على نفيه نفسه، ويدل عليه قوله تعالى:{إذا أخرج يده لم يكد يراها} .

قوله: ((الرؤيا ثلاث)) كذا في البخاري وشرحه للخطابي. وفي رواية مسلم وجامع الأصول ونسخ المصابيح: ((ثلاثة)) بالتاء: ((حس)): فيه بيان أن ليس كل ما يراه المؤمن في منامه يكون

ص: 3003

4615 -

قال البخاري: رواه قتادة ويونس وهشام وأبو هلال عن ابن سيرين عن أبي هريرة. وقال يونس: لا أحسبه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم في القيد.

وقال مسلم: لا أدرى هو في الحديث أم قاله ابن سيرين؟

وفي رواية نحوه، وأدرج في الحديث قوله: ((وأكره الغل

)) إلى تمام الكلام.

ــ

صحيحاً ويجوز تعبيره، إنما الصحيح منها ما كان من الله تعالى تأتيك به تلك الرؤيا من نسخة أم الكتاب، وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها. وهي على أنواع: قد يكون ذلك من فعل الشيطان يلعب بالإنسان أو يريه ما يحزنه، وله مكائد يحزن بها بني آدم كما أخبر الله تعالى عنه بقوله:{إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا} . ومن لعب الشيطان به الاحتلام الذي يوجب الغسل، فلا يكون لاه تأويل. وقد يكون ذلك من حديث النفس كمن يكون في أمر أو حرفة، يرى نفسه في ذلك الأمر، والعاشق يرى معشوقه.

قوله: ((قال: وكان يكره الغل)) يحتمل أن يكون مقولا لراوي ابن سيرين، فيكون اسم ((كان)) ضمير ((ابن سيرين))، وأن يكون مقولا لابن سيرين فاسمه ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم أو أبي هريرة. فقول مسلم:((لا أدرى هو في الحديث أو قال ابن سيرين))، معناه لا أدرى أن ((قال)) مقول لراوي ابن سيرين فيكون قولا لابن سيرين، أو يكون مقولا لابن سيرين فيكون من الحديث إما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أبي هريرة واختار يونس أن يكون مقولا لابن سيرين، واسم ((كان)) رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله:((لا أحسبه)) أي قال يونس في شأن القيد: لا أحسبه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: ((وأنا أقول)) يشعر بالاختصاص ورفع التوهم، أن هذه الخلال الثلاث من متن الحديث الذي أدرج فيه هذه الخلال من غير فصل. قال في شرح السنة من رواية مسلم: ورواه قتادة أيضاً عن ابن سيرين، وأدرج الكل في الحديث، وقوله:((ويعجبهم)) كذا في البخاري بضمير الجميع، وهو ضمير المعبرين، كذا قوله: ويقال: القيد الخ من أقوال المعبرين.

((مح)): قال العلماء: إنما أحب القيد؛ لأنه في الرجلين، وهو كف من المعاصي والشرور، وأنواع الباطل. وأبغض الغل؛ لأن موضعه العنق وهو صفة أهل النار؛ قال تعالى:{إذا الأغلال في أعناقهم} . وأما أهل التعبير فقالوا: إذا رأي القيد في الرجلين وهو في مسجد أو مشهد خير أو على حالة حسنة، فهو دليل لثباته في ذلك. ولو رآه مريض أو مسجون أو مسافر

ص: 3004

4616 -

وعن جابر، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: رأيت في المنام كأن رأسي قطع. قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ((إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدث به الناس)) رواه مسلم.

4617 -

وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنا في دار عقبة بن رافع، فأوتينا برطب من رطب ابن طاب، فأولت أن الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة/ وأن ديننا قد طاب)) رواه مسلم.

4618 -

وعن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، ذهب وهلى إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة

ــ

أو مكروب كان دليلا على ثباته فيه. وإذا انضم معه الغل دل على زيادة ما هو فيه من المكروه. وأما إذا كانت اليدان مغلولتين في العنق فهو حسن، ودليل على فكهما من الشر، وقد يدل على البخل، وقد يدل على منع ما نواه من الأفعال.

الحديث التاسع عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((كأن رأسي قطع)) ((مح)): يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم علم أن منامه هذا من الأضغاث بوحي، أو بدلالة دلته على ذلك، أو على أنه من المكروه الذي من [تحزين] الشيطان. وأما المعبرون فإنهم يؤولون قطع الرأس بمفارقة ما هو فيه من النعم، أو مفارقة قومه وزوال سلطانه، وتغيير حاله في جميع أموره، إلا أن يكون عبداً، فيدل على عتقه، أو مريضاً فعلى شفائه، أو مديونا فعلى قضاء دينه. ومن لم يحج فعلى أنه يحج، أو مغموماً فعلى فرجه، أو خائفاً فعلى أمنه.

الحديث العاشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((فيما يرى النائم)) أي في جمله ما يراه النائم الصالح الرؤيا. قوله: ((ابن طاب)) ((مح)): هو رجل من أهل المدينة.

((مظ)): تأويله هكذا قانون في قياس التعبير على ما يرى في المنام بالأسماء الحسنة، كما أخذ العاقبة من لفظ عقبة، والرفعة من الرفع، وطيب الدين من طاب. ((مح)):((وأن ديننا قد طاب)) أي كمل واستقرت أحكامه وتمهدت قواعده. ((غب)): العقب والعقبي يختصان بالثواب نحو: {هو خير ثواباً وغير عقباً} . والعاقبة إطلاقها يختص بالثواب نحو: {والعاقبة للمتقين} . وبالإضافة قد تستعمل في العقوبة نحو {ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأي}

الحديث الحادي عشر عن أبي موسى: قوله: ((فذهب وهلى)) ((نه)): وهل إلى الشيء- بالفتح – يهل- بالكسر- وهلا بالسكون إذا ذهب وهمه إليه. ((مح)): يثرب اسمها في الجاهلية

ص: 3005

يثرب. ورأيت في رؤيأي هذه: أني هززت سيفاً فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد. ثم هزته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين)) متفق عليه.

4619 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله: ((بينا أنا نائم بخزائن الأرض، فوضع في كفي سواران من ذهب، فكبرا على، فأوحى إلى أن انفخهما، فنفختهما، فذهبا، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما: صاحب صنعاء وصاحب اليمامة)) متفق عليه. وفي رواية: ((يقال لأحدهما مسيلمة صاحب اليمامة، والعنسى صاحب صنعاء)) لم أجد هذه الرواية في ((الصحيحين))، وذكرها صاحب ((الجامع)) عن الترمذي. [4619]

ــ

فسماها الله المدينة ورسول الله طيبة وطابة. وقد جاء في الحديث النهي عن تسميتها بيثرب لكراهة لفظ التثريب. وسماها في هذا الحديث به؟. فقيل: يحتمل أن هذا قبل النهى.

وقيل: إنه لبيان الجواز وأن النهي للتنزيه. وقيل: خوطب به من يعرفها؛ ولهذا جمع بينه وبين اسمها الشرعي.

وأما تفسيره صلى الله عليه وسلم السيف بما فسره؛ فلأن سيف الرجل أنصاره الذين يصول بهم، كما يصول بسيفه. وقد يفسر في غير هذا بالولد والعم والأخ أو الزوجة. وقد يدل على الولاة والوديعة، وعلى لسان الرجل وصحته. وقد يدل على سلطان جائر وكل ذلك بحسب القرائن. قوله:((فإذا هو)) أصله: فإذا تأويله ما أصيب بعض المؤمنين. فحذف المضاف الذي هو التأويل، وأقيم المضاف إليه مقامه، فانقلب الضمير المجرور مرفوعاً.

الحديث الثاني عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((بخزائن الأرض)) ((مح)): أي ملكها وفتح بلادها وأخذ خزائن أموالها، وقد وقع ذلك كله ولله الحمد، قوله:((في كفي)) الظاهر على التثنية، يدل عليه الرواية الأخرى:((في يداي))، قال الشيخ محيى الدين:((يدي)) بتشديد الياء على التثنية.

قوله ((أن أنفخهما)) يجوز أن تكون ((أن)) مفسرة؛ لأن ((أوحى)) متضمن معنى القول. وعليه كلام القاضي، وأن تكون ناصبة والجار محذوف. و ((انفخهما)) بالخاء المعجمة. كذا صححه الشيخ محيى الدين. ((تو)): نبه بالنفخ على استحقار شأن الكذابين، وعلى أنهما يمحقان بأدني ما يصيبهما من بأس الله، حتى يصيرا كالشيء الذي ينفخ فيه فيطير في الهواء. قال:

ألم يجز التفرق آل كسرى ونفخوا في مدائنهم فطاروا

أراد وأنفخوا فخفف.

ص: 3006

4620 -

وعن أم العلاء الأنصارية، قالت رأيت لعثمان بن مظعون في النوم عيناً تجرى، فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:((ذلك عمله يجرى له)) رواه البخاري.

4621 -

وعن سمرة بن جندب، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى أقبل علينا بوجهه، فقال:((من رأي منكم الليلة رؤيا)) قال: فإن رأي أحد قصها، فيقول ما شاء الله.

فسألنا يوماً فقال: ((هل رأي منكم أحد رؤيا؟)) قلنا: لا. قال: ((لكني رأيت الليلة

ــ

((حس)): من رأي عليه سوارين من ذهب، أصابه ضيق في ذات يده، فإن كان من فضة فهو خير من الذهب. وليس يصلح للرجال في المنام من الحلي شيء، إلا القلادة والتاج والعقد والقرط والخاتم. أما النساء فالحلي كله زينه لهن. والدراهم في الجملة خير من الدنانير.

((قض)): وجه تأويل السوارين بالكذابين المذكورين- والعلم عند الله تعالى- أن السوار يشبه قيد اليد، والقيد فيها يمنعها من البطش، ويكفها عن الاعتمال والتصرف على ما ينبغي، فيشابه من يقوم بمعارضته ويأخذ بيده فيصده عن أمره.

وصنعاء بلدة باليمن، صاحبها الأسود العنسى تنبأ بها في آخر عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقتله فيروز الديلمى في مرض وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فبلغه الخبر، فقال صلى الله عليه وسلم:((فاز فيروز)). واليمامة بلاد العرب كان اسمها جوا، وكانت فيها امرأة يقال لها: اليمامة. وكانت مشهورة بأنها تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام بحيث ضرب بها المثل، فقيل: أبصر من اليمامة، فأضيف إليها.

وقيل: جوا اليمامة، فلما كثرت تلك الإضافة تركت وسميت باسمها. وصاحبها مسيلمة، قتله الوحشي قاتل حمزة رضي الله عنه في خلافة الصديق رضي الله عنه.

الحديث الثالث عشر عن أم العلاء: قوله: ((عمله يجرى له)) رأت هذه الرؤيا بعد وفاته؛ وذلك أنها روت أن المهاجرين قدموا المدينة، فنزل عثمان بن مظعون في سكنى لنا، فمرض وتوفي، فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي أن قد أكرمك الله. فقال صلى الله عليه وسلم:((ما يدريك بإكرامه؟ فإني والله ما أدرى وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم)). قالت: ((ثم رأيت لعثمان بعد في المنام عينا)) الحديث. وإنما كان الماء معبرا بالعمل وجريانه بجريانه؛ لأن العمل مسبب عن العلم. وإنما قلنا بعد الوفاة؛ لأن كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة الحديث.

الحديث الرابع عشر عن سمرة: قوله: ((لكني رأيت)) فإن قلت: ما معنى الاستدراك؟ قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم أن يرى أحدهم رؤيا يقصها، فلما سألهم ولم يحصل منهم، قال: أنتم ما رأيتم ما يهمني لكني رأيته. قوله: ((كلوب)) هو بالتشديد حديدة معوجة الرأس، تتعلق بالشيء مع شدة فتجذب به. والشدق جانب الفم.

ص: 3007

رجلين أتياني، فأخذا بيدي، فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فإذا رجل جالس ورجل قائم بيده كلوب من حديد، يدخله في شدقه، فيشقه حتى يبلغ قفاه، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك، ويلتئم شدقه هذا، فيعود فيصنع مثله. قلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا، حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه، ورجل قائم على رأسه بفهر أو صخرة يشدخ بها رأسه، فإذا ضربه تدهده الحجر، فانطلق إليه ليأخذه، فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه، وعاد رأسه كما كان، فعاد إليه فضربه، فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا، حتى أتينا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفه واسع، تتوقد تحته نار، فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا منها، وإذا خمدت

ــ

قوله: ((بفهر)) ((نه)): الفهر حجر ملء الكف. وقيل: هو الحجر مطلقاً. والشدخ كسر الشيء الأجوف، يقال: شدخت رأسه فانشدخ. والتدهده التدحرج، يقال: دهدهت الحجر ودهدهته أي دحرجه. و ((الربابة)) بالفتح السحابة التي ركب بعضها بعضا. قوله: ((تحته نار)) بالرفع، قال المالكي: روى بالنصب على التمييز، أسند ((يتوقد)) إلى ضمير عائد على الثقب كما يقال: مررت بامرأة تتضوع من أردانها طيباً؛ أي يتضوع طيبها من أردانها.

قوله: ((فإذا ارتقت)) كذا في الحميدى وجامع الأصول. وفي بعض نسخ المصابيح ((اقتربت))

وفي بعضها ((أوقدت)) والأول هو الصحيح رواية ودراية. وقوله: ((ارتفعوا)) جواب ((إذا)) والضمير ((للناس)) بدلالة سياق الكلام. وفي الحميدي والجامع: ((كاد أن يخرجوا)) أي كاد خروجهم، والخبر محذوف أي يكاد خروجهم يتحقق. وفي نسخ المصابيح:((يكادوا يخرجوا))، وحقه إثبات النون اللهم إلا أن يتمحل ويقدر ((أن يخرجوا)) تشبيهاً ((لكاد)) بـ ((عسى)) ثم حذف ((أن)) وترك على حاله.

قوله: ((فجعل كلما جاء ليخرج)) قال المالكي: تضمن هذا الكلام وقوع خبر ((جعل)) جملة

فعليه مصدرة بـ ((كلما)) وحقه أن يكون فعلا مضارعاً كغيرها من أفعال المقاربة. فما جاء هكذا فهو موافق للاستعمال المطرد، وما جاء بخلافه فهو منبه على أصل متروك؛ وذلك أن أفعال المقاربة مثل ((كاد)) في الدخول على مبتدأ وخبر، فالأصل أن يكون خبرها مثل خبر ((كان)) في وقوعه مفرداً أو جملة اسمية وفعلية وظرفاً. فترك الأصل والتزم كون الخبر فعلا مضارعاً، ثم نبه شذوذاً على الأصل المتروك بوقوعه مفرداً في ((عسيت صائماً وما كدت آيباً))، وبوقوعه جملة اسمية في قوله:

وقد جعلت قلوص ابني سهيل من الأكوار مرتعها قريب

ص: 3008

رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة. فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق. فانطلقنا، حتى أتينا على نهر من دم، فيه رجل قائم على وسط النهر، وعلى شط النهر بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمي الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمي في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق فانطلقنا، حتى انتهينا إلى روضة خضراء، فيها شجرة عظيمة، وفي أصلها شيخ وصبيان، وإذا رجل قريب من الشجرة، بين يديه نار يوقدها، فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني داراً وسط الشجرة، لم أر قط أحسن منها، فيها رجال شيوخ وشبابا ونساء وصبيان، ثم أخرجاني منها، فصعدا بي الشجرة،

ــ

وبوقوعه جملة من فعل ماض مقدم عليه كلما في جعل كلما جاء ليخرج)).

قوله: ((أما الذي رأيته يشق شدقه فكذاب)) قال المالكي: في هذا شاهد على أن الحكم قد يستحق بجزء العلة، وذلك أن المبتدأ لا يجوز دخول الفاء في خبرة إلا إذا كان شبيهاً ((بمن)) الشرطية في العموم لاستقبال ما يتم به المعنى، نحو: الذي يأتيني فمكرم، فلو كان المقصود (بالذي) معينا زالت مشابهته ((بمن))، وامتنع دخول الفاء على الخبر، كما يمتنع دخولها على أخبار المبتدآت المقصود بها التعيين، نحو: زيد مكرم فمكرم، لم يجز/ فكذا لا يجوز ((الذي يأتيني)) إذا قصدت به معيناً، لكن ((الذي يأتيني)) عند قصد التعيين شبيه في اللفظ بالذي يأتيني عند قصد العموم، فجاز دخول الفاء حملا للتشبيه على الشبيه. ونظيره قوله تعالى:{وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله} ؛ فإن مدلول ((ما)) معين ومدلول ((أصابكم)) ماض إلا أنه روعى فيه التشبيه اللفظي، فشبه هذه الآية بقوله:{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} فأجرى ما في مصاحبه الفاء مجرى [واحداً].

أقول: هذا كلام تين، لكن جواب الملكين تفصيل لتلك الرؤيا المتعددة المبهمة، فلابد من ذكر كلمة التفصيل كما في صحيح البخاري وكتاب الحميدي والمشكاة أو تقديرها، فالفاء جواب ((أما))، والفاء في قوله:((فأولاد الناس)) جاز دخوله على الخبر؛ لأن الجملة معطوفة على مدخول ((أما)) في قوله: ((أما الرجل الذي رأيته))، وحذف الفاء في بعض المعطوفات نظراً إلى أن ((أما)) لما حذفت حذف مقتضاها، وكلاهما جائزان.

وقوله: ((فنام عنه)) أي أعرض عنه. ((وعن)) ها هنا كما في قوله تعالى: {الذين هم عن

ص: 3009

فأدخلاني داراً هي أحسن وأفضل منها. فيها شيوخ وشباب، فقلت لهما: إنكما قد طوفتماني الليلة فأخبراني عما رأيت. قالا: نعم؛ أما الرجل الذي رأيته يشق شدقه فكذاب، يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلق الآفاق فيصنع به ما ترى إلى يوم القيامة. والذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل بما فيه بالنهار، يفعل به ما رأيت إلى يوم القيامة. والذي رأيته في الثقب فهم الزناة.

والذي رأيته في النهر آكل الربا. والشيخ الذي رأيته في أصل الشجرة إبراهيم.

والصبيان حوله فأولاد الناس. والذي يوقد النار مالك خازن النار. والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين. وأما هذه الدار فدار الشهداء. وأنا جبريل وهذا ميكائيل، فارفع راسك فرفعت رأسي، فإذا فوقي مثل السحاب- وفي رواية-: مثل الربابة البيضاء. قالا: ذلك منزلك. قالت: دعاني أدخل منزلي. قالا: إنه بقى لك عمر لم تستكمله فلو استكملته أتيت منزلك)). رواه البخاري

وذكر حديث عبد الله بن عمر في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة في ((باب حرم المدينة)).

ــ

صلاتهم ساهون} أي ساهون سهو ترك لها وقلة التفات إليها، وذلك فعل المنافقين والفسقة. فمعنى ((نام عنه بالليل)) أنه لم يتلوه بالليل ولم يتفكر فيما يجب أن يأتي به ويذر، من الأوامر والنواهي مثل المنافقين والفسقة، فإذا كان حاله بالليل هذا فلا يقوم به فيعمل بالنهار بما فيه. ويؤيد هذا التأويل ما جاء في رواية أخرى للبخاري: أما الرجل الذي يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل الذي يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة. وأما من نام من غير أن يتجافي عنه لتقصير أو عجز فهو خارج من هذا الوعيد.

((مح)): فيه تنبيه على استحباب استقبال الإمام بعد سلامه على أصحابه، وعلى استحباب السؤال عن الرؤيا، وعلى مبادرة المعبر إلى تأويلها أول النهار، قبل أن يتشعب ذهنه بأشغاله في معاشه في الدنيا؛ ولأن عهد الرائي قريب ولم يطرأ عليه ما يشوشها؛ ولأنه قد يكون فيها ما يستحب تعجيله، كالحث على خير والحذير عن معصية. وفيه إباحة الكلام في العلم أو تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، وأن استدبار القبلة في جلوسه للعلم أو عيره جائز.

ص: 3010

الفصل الثاني

4622 -

عن أبي رزين العقيلي. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وهي على رجل طائر مالم يحدث بها، فإذا حدث بها وقعت)). وأحسبه قال: ((لا تحدث إلا حبيبا أو لبيبا)). رواه الترمذي. وفي رواية أبي داود، قال:((الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت)). وأحسبه قال: ((ولا تقصها إلا على واد أو ذي رأي)). [4622]

4623 -

وعن عائشة رضي الله عنها، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ورقة.

فقالت له خديجة: إنه كان قد صدقك؛ ولكن مات قبل أن تظهر. فقال رسول الله

ــ

الفصل الثاني

الحديث الأول عن أبي رزين: قوله: ((على رجل طائر)) ((نه)): كل ذي حركة من كلمة أو جار [مجراها] فهو طائر مجازاً، أراد على رجل قدر جار وقضاء ماض من خير أو شر. ومعناه: لا يستقر تأويلها حتى تعبر، يريد أنها سريعة السقوط إذا عبرت، كما أن الطير لا يستقر في أكثر أحواله فكيف ما يكون على رجله.

أقول: التركيب من باب التشبيه التمثيلي، شبه الرؤيا بالطائر السريع طريانه، وقد علق على رجله شيء يسقط بأندى حركة، فينبغي أن يتوهم للمشبه حالات متعددة مناسبة لهذه الحالات.

وهي أن الرؤيا مستقرة على ما يسوقه التقدير إليه من التعبير. فإذا كانت في حكم الواقع قبض وألهم من يتكلم بتأويلها على ما قدره فيقع سريعاً. وإن لم يكن في حكمه، لم يقدر لها من يعبرها. قوله:((إلا على واد)) ((مح)): يشبه أن يراد به أنه إذا أخبر بها من لا يحبه، ربما حمله البغض والحسد على [تعبيرها] بمكروه، فيقع على تلك الصفة؛ فإن الرؤيا على رجل طائر.

ومعناه أنها إذا كانت محتملة وجهين [فعبرت] بأحدهما، وقعت على وفق تلك الصفة. وقد يكون ظاهر الرؤيا مكروهاً [ويعبر] بمحبوب وعكسه، وهذا أمر معروف لأهله.

قوله: ((أو ذي رأي)) قال الزجاج: معناه ذو العلم بعبارة الرؤيا، فإنه يخبرك بحقيقة [تفسيرها] أو بأقرب ما يعلم منه. ((تو)): فإن قيل: كيف له التخيير فيمن يعبر على ما ورد به الحديث: ((ولا يقصها إلى على واد أو ذي رأي))، والأقضية لا ترد بالتوقي عن الأسباب، ولا تختلف أحكامها باختلاف الدواعي؟ قلنا: هو مثل السعادة والشقاوة والسلامة والآفة المقضي بكل واحدة منها لصاحبها، ومع ذلك فقد أمر العبد بالتعرض للمحمود منها، والحذر عن المكروه منها.

الحديث الثاني عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((ولكن مات)) فإن قلت: ما معنى

ص: 3011

صلى الله عليه وسلم: ((أريته في المنام وعليه ثياب بيض، ولو كان من أهل النار لكان عليه لباس غير ذلك)). رواه أحمد، والترمذي. [4623]

4624 -

وعن ابن خزيمة بن ثابت، عن عمه أبي خزيمة رضي الله عنهم، أنه رأي فيما يرى النائم، أنه سجد على جبهة النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فاضطجع له وقال:((صدق رؤياك)) فسجد على جبهته. رواه في ((شرح السنة)). [4624]

وسنذكر حديث أبي بكرة: كأن ميزاناً نزل من السماء. في باب: ((مناقب أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما).

الفصل الثالث

4625 -

عن سمرة بن جندب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول

ــ

الاستدراك؟ قلت: أدخلت خديجة كلامها بين سؤال السائل وجوابه صلى الله عليه وسلم؛ استشعاراً منها بأنه صلى الله عليه وسلم يجيب بما تكرهه، واستذكاراً لما عرف صلى الله عليه وسلم من حالة ورقة؛ لأن ورقة كان ابن عمها، يعني إن لم يدرك زمان دعوتك ليصدقك ويأتي بالأعمال على موجب شريعتك، لكن صدقك قبل مبعثك.

الحديث الثالث عن ابن خزيمة: قوله: ((صدق رؤياك)) ((غب)): وقد يستعمل الصدق في كل ما يحقق ويحصل في الاعتقاد نحو صدق ظني. وفي أفعال الجوارح يقال: صدق في القتال، إذا أوفي حقه وفعل على ما يجب وكما يجب، وقوله تعالى:{لقد صدق الله رسول الرؤيا بالحق} ، هذا صدق بالفعل وهو التحقيق أي حقق رؤيته. ((مظ)): هذا تصريح بأن من رأي رؤيا يستحب أن يعمل بها في اليقظة إن كانت تلك الرؤيا شيئاً فيه طاعة، مثل أن يرى أحد أن يصلي أو يصوم أو يتصدق بشيء من ماله أو يزور صالحاً وما أشبه ذلك.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن سمرة: قوله: ((مما يكثر)) خبر ((كان))، و ((ما)) موصولة، و ((يكثر)) صلة، والضمير الراجع إلى ((ما)) فاعل ((يقول))، و ((أن يقول)) فاعل ((يكثر)) و ((هل رأي أحد منكم)) هو المقول، أي رسول الله صلى الله عليه وسلم كائناً من زمرة الذين كثر منهم هذا القول، فوضح ((ما)) موضع ((من)) تعظيما وتفخيما لجانبه صلى الله عليه وسلم؛ كقوله تعالى:{والسماء وما بناها} و ((سبحان ما سخركن

ص: 3012

لأصجابه: ((هل رأي أحد منكم من رؤيا)) فيقص عليه من شاء الله أن يقص، وإنه قال لنا ذات غداة:((إنه أتاني الليلة آتيان، وإنما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما)). وذكر مثل الحديث المذكور في الفصل الأول بطوله، وفيه زيادة ليست في الحديث المذكور، وهي قوله: ((فأتينا على روضة معتمة، فيها من كل نور الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل، لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط. قلت لهما: ما هذا، ما

ــ

لنا))، وتحريره: كان [رسول الله] صلى الله عليه وسلم ممن يجيد تعبير الرؤيا، وكان له مساهمة فيهم؛ لأن الإكثار من هذا القول لا يصدر إلا ممن يتدرب فيه ويثق بإصابته، كقولك: كان زيد من العلماء، ونحوه قول صاحبي يوسف عليه السلام في السجن:{نبئنا بتأويله إنا نراك من الحسنين} ، أي المجيدين في عبارة الرؤيا، وعلما ذلك لما [رأيا يقص] عليه بعض أهل السجن.

هذا من حيث البيان. وأما من طريق النحو فيحتمل أن يكون قوله: ((هل رأي أحد منكم من رؤيا؟)) مبتدأ، والخبر مقدم عليه على تأويل: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول مما يكثر أن يقوله، ولكن أين الثريا من الثرى؟ وقوله:((وإني انطلقت)) معطوف على قوله: ((وإنما قالا لى)) أي حصل منهم القول ومني الانطلاق. وذكر صلى الله عليه وسلم ((إن)) المؤكدة أربع مرات؛ تحقيقاً لما رآه وتقريراً لقوله: ((الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)). و ((معتمة)) أي طويلة النبات، يقال: أعتم النبت إذا طال، والنور- بفتح النون- الزهر.

وقوله: ((طولا)) تمييز. قوله: ((وإذا حول الرجل)) أصل التركيب: وإذا حلو الرجل ولدان ما رأيت ولدانا قط أكثر منهم؛ يشهد له قوله: ((لم أر روضة قط أعظم منها)) ولما كان التركيب متضمناً لمعنى النفي جاز زيادة ((من)) و ((قط)) التي تختص بالماضي المنفي، ونره حديث حارثة قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن أكثر ما كنا قط)). وقد سبق بيانه في باب صلاة [السفر].

الكشاف: في قوله تعالى: {فشربوا منه إلا قليل} على قراءة الرفع، هذا من حيلهم مع المعنى والإعراض عن اللفظ جانباً، وهو باب عظيم من علم العربية، فلما كان معنى ((فشربوا منه)) في معنى ((فلم يطيعوه)) حمل عليه، كأنه قيل: فلم يطيعوه إلا قليل منهم. وقال ابن جني في مثل هذا الكلام: وهذا من أشد مذاهب العربية. وذلك أنه موضع يملك فيه المعنى عنان الكلام فيأخذه ويصرفه بحسب ما يؤثره.

قوله: ((ما هذا؟ ما هؤلاء؟)) هذا إشارة إلى الرجل الطويل ((وهؤلاء)) إلى الولدان ومن حق

ص: 3013

هؤلاء؟)) قال: ((قالا لي: انطلق، فانطلقنا، فانتيهنا إلى روضة عظيمة، لم أر روضة قط أعظم منها، ولا أحسن)). قال: ((قالا لي: ارق فيها)). قال: ((فارتقينا فيها، فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب، ولبن فضة، فأتينا باب المدينة، فاستفتحنا، ففتح لنا، فدخلناها، فتلقانا فيها رجال، شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر منهم كأقبح ما أنت راء)). قال: ((قالا لهم: اذهبوا، فقعوا في ذلك النهر)). قال: ((وإذا نهر معترض يجرى كأن ماءه المحض في البياض، فذهبوا، فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة)). وذكر في تفسير هذه الزيادة: ((وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم. وأما الولدان الذين حوله فكل

ــ

الظاهر أن يقال: من هذا؟، فكأنه صلى الله عليه وسلم لما رأي حاله من الطول المفرط، كأنه خفي عليه أنه من أي جنس هو، أبشر أم ملك أم جنى أم غير ذلك؟ نظيره الحديث:((زوجي أبو زرع، وما أبو زرع، أناس من حلى أذني، وملأ من شحم عضدي)) جعلته لانقطاع قرينه، وعدد نظيره كأنه شيء خفي عنها.

وقوله: ((شطر)) مبتدأ ((وكأحسن)) خبره والكاف زائدة، والجملة صفة ((رجال)). يحتمل أن يكون بعضهم موصوفين بأن خلصتهم حسنة وبعضهم قبيحة. وأن يكون كل واحد منهم بعضه حسن وبعضه قبيح. والثاني هو المراد هاهنا بدليل قوله في التفصيل:((فإنهم قوم خلطوا عملا صالحاً وآخر سيئاً)) أي خلط كل واحد عملاً صالحاً بسيء؛ وسيئاً بصالح.

وقوله: ((فقعوا)) أمر من وقع يقع.

قوله: ((كأن [ماءه] المحض)) أي اللبن الخالص. والمحض من كل شيء الخالص منه وهو اللبن الخالص، كأنه سمى بالصفة ثم استعمل في الصفاء. ويمكن أن يراد بالماء عفو الله تعالى عنهم أو التوبة منهم، كما ورد:((اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد)).

وقوله: ((وأولاد المشركين)) أي أو منهم أولاد المشركين؟ يعنى أولاد المشركين الذين ماتوا على الفطرة داخلون في زمرة هؤلاء الولدان؟ فأجاب: وأولاد المشركين: وفيه أن حكم أولاد المشركين الذين غيرت فطرتهم بالتهود أو التمجس خلاف هذا. فالأحاديث الدالة على أن أولاد المشركين في النار، مؤول بمن غيرت فطرتهم جمعا بين الدليلين ورفعاً للتناقض.

((خط)): وقول القائل: يا رسول الله وأولاد المشركين. فإن ظاهر هذا الكلام أنه ألحقهم

ص: 3014

مولود مات على الفطرة)). قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله! وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وأولاد المشركين. وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن، وشطر منهم قبيح؛ فإنهم قوم قد خلطوا عملا صالحاً وآخر سيئاً، تجاوز الله عنهم)) رواه البخاري.

4626 -

وعن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من أفرى الفري أن يرى الرجل عينيه ما لم تريا)). رواه البخارى

ــ

بأولاد المسلمين في حكم الآخرة، وأن كان قد حكم لهم بحكم آبائهم في الدنيا؛ وذلك أنه سئل عن درارى المشركين فقال:((هم من آبائهم)) وللناس في أطفال المشركين اختلاف، وعامة أهل السنة على أن حكمهم حكم آبائهم في الكفر. وقد ذهب طائفة منهم إلى أنهم في الآخرة من أهل الجنة. وقد روى غيه آثار عن نفر من الصحابة. واحتجوا لهذه المقالة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم:((كل مولود يولد على الفطرة))، وبقول الله عز وجل:{وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت} وبقوله: {ويطوف عليهم ولدان مخلدون} ؛ لأن اسم الولدان مشتق من الولادة ولا ولادة في الجنة، وكانوا هم الذين نالتهم الولادة في الدنيا. وروى عن بعضهم أنهم كانوا سبيا وخدما للمسلمين في الدنيا، فهم خدم لهم في الجنة.

أقول: أما الدليل الأول فلا يدل على مطلوبهم لما ذكرنا. والثاني معارض بقوله تعالى: {لا يسئل عما يفعل وهم يسألون} . والثالث أنه استعارة أي هم كالولدان في الدنيا بيانا لشأنهم ووصفهم. نحوه قوله تعالى: {كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل} وقد استقصينا القول فيه في باب القدر، وأنه تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو أعلم بالصواب.

الحديث الثاني عن ابن عمر: قوله: ((من أفر الفرى)) ((نه)): الفرى جمع فرية وهي الكذب،

ص: 3015

4627 -

وعن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((أصدق الرؤيا بالأسحار)) رواه الترمذي، والدارمي. [4627]

ــ

وأفرى أفعل منه للتفضيل، أي أكذب الكذبات أن يقول: رأيت في النوم كذا ولم يكن رأي شيئاً؛ لأنه كذب على الله، فإنه هو الذي يرسل تلك الرؤيا ليريه النائم. انتهى كلامه. والمراد بإرادة الرجل عينيه وصفهما بما ليس فيهما. ومنه قول من قال لعدوه وقد رآه بالثناء عليه: أنا دون هذا وفوق ما في نفسك. ونسبة الكذبات إلى الكذب للمبالغة، نحو قولهم: ليل أليل، وجد جده.

الحديث الثالث عن أبي سعيد: قوله: ((بالأسحار)) أي ما رئى بالأسحار؛ وذلك لأن الغالب حينئذ أن تكون الخواطر مجتمعة والدواعي ساكنة؛ ولأن المعدة خالية فلا يتصاعد منه الأبخرة المشوشة؛ لأنها وقت نزول الملائكة للصلاة المشهودة.

ص: 3016