المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(2) باب ما يحل أكله وما يحرم - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٩

[الطيبي]

الفصل: ‌(2) باب ما يحل أكله وما يحرم

الفصل الثاني

4102 -

عن عبد الله بن مغفل، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((لولا أن الكلاب أمة من الأمم، لأمرت بقتلها كلها، فاقتلوا منها كل أسود بهيم)). رواه أبو داود، والدارمي. وزاد الترمذي، النسائي:((وما من أهل بيت يرتبطون كلبا إلا نقص من عملهم كل يوم قيراط إلا كلب صيد أو كلب حرث أو كلب غنم)). [4102]

4103 -

وعن ابن عباس، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم)). رواه الترمذي. [4103]

(2) باب ما يحل أكله وما يحرم

الفصل الأول

4104 -

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل ذي ناب من السباع فأكله حرام)). رواه مسلم.

ــ

الفصل الثاني

الحديث الأول عن عبد الله: قوله: ((أمة من الأمم)) ((مظ)): معنى هذا الكلام أنه صلى الله عليه وسلم كره إفناء أمة من الأمم وإعدام جيل من الخلق؛ لأنه ما من خلق الله تعالى إلا وفيه نوع من الحكمة وضرب من المصلحة. يقول: إذا كان الأمر على هذا ولا سبيل إلى قتلهن كلهن فاقتلوا أشرارهن، وهي السود البهم، وأبقوا ما سواها لتنتفعوا بهن في الحراسة.

أقول: قوله: ((أمة من الأمم)) إشارة إلى قوله تعالى: {ومَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ ولا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إلَاّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم} أي أمثالكم في كونها دالة على الصانع ومسبحة له، قال تعالى:{وإن مِّن شَيْءٍ إلَاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} أي يسبح بلسان القال أو الحال حيث يدل على الصانع، وعلى قدرته وحكمته وتنزيهه عما لا يجوز عليه، فبالنظر إلى المعنى لا يجوز التعرض لها بالقتل والإفناء. لكن إذا كان لدفع مضرة كقتل الفواسق الخمس، أو جلب منفعة كذبح الحيوانات المأكولة، جاز ذلك، وينصر هذا التأويل الحديث الآخر من الفصل الأول من الباب الثاني من قوله:((أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح؟)) فأنكر إحراق قريتها لكونها مسبحة.

الحديث الثاني عن ابن عباس قوله: ((عن التحريش)) ((مخ)): هو الإغراء وتهييج بعضها على بعض كما يفعل بين الجمال والكباش والديوك وغيرها.

ص: 2817

41050 -

وعن ابن عباس، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير. رواه مسلم.

4106 -

وعن أبي ثعلبة، قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية. متفق عليه.

4107 -

وعن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل. متفق عليه.

4108 -

وعن أبي قتادة، أنه رأي حمارا وحشيا فعقره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((هل معكم من لحمه شيء؟)) قال: معنا رجله، فأخذها فأكلها. متفق عليه.

ــ

باب ما يحل أكله وما يحرم

الفصل الأول

الحديث الأول والثاني قد مر تفسيرهما في الفصل الثاني من باب الصيد والذبائح في حديث العرباض.

الحديث الثالث عن أبي ثعلبة: قوله: ((لحوم الحمر الأهلية)) ((حس)): كل حيوان لا يحل أكله فلا يحل شرب لبنه إلا الآدميات، وكل طير لا يحل لحمه لا يحل بيضه.

الحديث الرابع عن جابر: قوله: ((وأذن في لحوم الخيل)) ((حس)): اختلفوا في إباحة لحوم الخيل فذهب جماعة إلى إباحته، روى ذلك عن شريح والحسن وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وحماد بن أبي سليمان، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق. وذهب جماعة إلى تحريمه روى ذلك عن ابن عباس وهو قول أصحاب أبي حنيفة.

((مح)): واحتج أبو حنيفة بقوله تعالى: {والْخَيْلَ والْبِغَالَ والْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وزِينَةً} ولم يذكر الأكل. وذكر الأكل من الأنعام وفي الآية التي قبلها، وبحديث خالد بن الوليد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الخيل والبغال والحمير. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.

وأجاب الأصحاب عن الآية بأن ذكر الركون والزينة لا يدل على أن منفعتها مقصورة عليهما، وإنما خصتا بالذكر لأنهما معظم المقصود من الخيل كقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ والدَّمُ ولَحْمُ الخِنزِيرِ} ، فذكر اللحم لأنه معظم المقصود. وقد أجمعوا على تحريم شحمه ودمه وسائر أجزائه؛ ولهذا سكت عن ذكر حمل الأثقال على الخيل مع قوله تعالى في الأنعام:{وتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ} ولم يلزم من هذا منع حمل الأثقال على الخيل. وعن الحديث

ص: 2818

4109 -

وعن أنس، قال: انفجنا أرنبا بمر الظهران، فأخذتها فأتيت بها أبا طلحة فذبحها وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذيها فقبله. متفق عليه.

4110 -

وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الضب لست آكله ولا أحرمه)). متفق عليه.

4111 -

وعن ابن عباس: أن خالد بن الوليد أخبره أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة وهي خالته وخالة ابن عباس، فوجد عندها ضبا محنوذا، فقدمت الضب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عن الضب. فقال خالد: أحرام الضب يا رسول الله؟ فقال: ((لا، ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه)) قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلي. متفق عليه.

ــ

بأن علماء الحديث اتفقوا على أنه ضعيف؛ قال أبو داود: هذا الحديث منسوخ. وقال النسائي: حديث الإباحة أصح، ويشبه إن كان هذا صحيحا أن يكون منسوخا. واحتج الجمهور بأحاديث الإباحة التي ذكرها مسلم وغيره، وهي صحيحة ولم يثبت في النهي حديث صحيح. والله أعلم.

الحديث الخامس والسادس عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((أنفجنا)) ((حس)): أنفجت الأرنب من جحره أي أثرته فثار، وأنفجت الأرنب وثبت، واختلفوا في الأرنب، فذهب أكثرهم إلى إباحته، وكرهه جماعة وقالوا: إنها تدمى. ((مح)): ((مر الظهران)) بفتح الميم والظاء موضع قريب من مكة. قوله: ((فقبله)) الضمير راجع إلى المبعوث أو بمعنى اسم الإشارة كما في قول رؤية شعرا:

فيه سواد وبياض وبلق كأنه في الجلد توليع البهق

الحديث السابع عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((لست بآكله)) فيه بيان إظهار الكراهة مما يجد في نفسه؛ لقوله في حديث آخر: ((فأجدني أعافه)).

الحديث الثامن عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((محنوذا)) أي مشويا، وقيل: المشوى على الرضف وهي الحجارة المحماة. ((مح)): أجمعوا على أن الضب حلال ليس بمكروه إلا ما حكي عن أصحاب أبي حنيفة من كراهته. قال القاضي عن قوم: هو حرام، وما أظنه يصح عن أحد.

ص: 2819

4112 -

وعن أبي موسى، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل لحم الدجاج، متفق عليه.

4113 -

وعن ابن أبي أوفي، قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات كنا نأكل معه الجراد. متفق عليه.

4114 -

وعن جابر، قال: غزوت جيش الخبط، وأمر علينا أبو عبيدة فجعنا جوعا شديدا، فألقى البحر حوتا ميتا لم نر مثله يقال له: العنبر، فأكلنا منه نصف شهر، فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه فمر الراكب تحته، فلما قدمنا ذكرنا ذلك للنبي

ــ

الحديث التاسع والعاشر عن ابن أبي أوفي: قوله: ((نأكل معه الجراد)) ((تو)): رواية من روى ((معه)) تأول على أنهم أكلوه وهم معه فلم ينكر عليهم. وهذا يدل على إباحته ولو صرفه مؤول إلى الأكل فإنه محتمل، وإنما رجحنا التأويل الأول خلو أكثر الروايات من هذه الزيادة. ثم لما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يأكل الجراد، وذكر ذلك من حديث سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم – وقد سئل عن الجراد – فقال:((أكثر جهود الله، لا آكله ولا أحرمه)).

فإن قيل: كيف يترك الحديث الصحيح بمثل هذا الحديث؟. قلنا: لم نتركه وإنما أولناه لما فيه من الاحتمال؛ كي يوافق سائر الروايات، ولا نرد الحديث الذي أوردناه وهو من الواضح الجلي بما فيه خفاء والتباس.

أقول: التأويل الأول وهو قوله: ((أكلوه وهم معه)) بعيد لأن المعية تقتضي المشاركة في الفعل، كما في قوله:((غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وقد صرح به صاحب الكشاف وقد مر بيانه.

والرواية الخالية عنه مطلقة تحتمل الأمرين، وهذه مقيدة، فالمطلق يحمل على المقيد. وقوله في الحديث الآخر:((وقد سئل عن الجراد)) الحديث ضعفه محيي السنة. ورواية الراوي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يأكل الجراد، إخبار عن عدم الأكل بأنه لم يكن معه فلم يشاهد، فبقي الكلام في لفظة ((معه)).

الحديث الحادي عشر عن جابر: قوله: ((جيش الخبط)) منصوب على انتزاع الخافض أي غزوت مصاحبا لجيش الخبط، والخبط – بتحريك الباء – ورق الشجر يضرب بالعصا فيسقط، وهو فعل بمعنى مفعول وبالسكون المصدر، وهو الهش بضرب العصا، وسموا بجيش الخبط؛ لأنهم أكلوه من الجوع حتى قرحت أشداقهم. وقوله:((فقال: كلوا)) كأنه صلى الله عليه وسلم استحضر تلك

ص: 2820

صلى الله عليه وسلم فقال: ((كلوا رزقا أخرجه الله إليكم، وأطعمونا إن كان معكم)) قال: فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله. متفق عليه.

4115 -

وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه؛ فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء)). رواه البخاري.

ــ

الحالة واستحمدهم عليها فأمرهم بالأكل؛ ومن ثم صرح بقوله: ((رزقا)) ووصفه بقوله: ((أخرجه الله)) وعقبه بقوله: ((أطعمونا)).

((مح)): وإنما طلب صلى الله عليه وسلم منه تطييبا لقلوبهم ومبالغة في حله؛ وليعلم أنه لا شك في إباحته، وقصد به البركة في كونه طعمة من الله تعالى خارقة للعادة أكرمهم الله تعالى بها. وفيه استحباب للمفتي أن يتعاطى بعض المباحات التي يشك فيها المستفتي، إذا لم يكن فيه مشقة على المفتي. وكان فيه طمأنينة للمستفتي.

قوله: ((فأكلنا منه نصف شهر)) وفي رواية أخرى: ((قمنا عليه شهرا)) وفي أخرى: ((فأكل منه الجيش ثماني عشرة يوما)). ووجه الجمع أن من روى شهرا هو الأصل لأن معه زيادة علم، ومن روى دونه لم ينف الزيادة ولو نفاها لقدم المثبت. وقد ثبت عند الأصوليين أن مفهوم العدد لا حكم له فلا يلزم نفي الزيادة لو لم يعارضه إثبات الزيادة، فكيف وقد عارضه؟ فوجب قبول الزيادة، وقد مر ما يتعلق بأحكام هذا الحديث في الفصل الثالث من كتاب الصيد والذبائح.

الحديث الثاني عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((إذا وقع الذباب)) ((تو)): قد وجدنا لكون أحد جناحي الذباب داء والآخر دواء فيما أقامه الله تعالى لنا من عجائب خلقه وبدائع فطرته شواهد ونظائر، فمنها النحلة يخرج من بطنها الشراب النافع وينبت من إبرتها السم الناقع، والعقرب تهيج الداء بإبرتها، ويتداوى من ذلك بجرمها. وأما إتقاؤه بالجناح الذي فيه الداء على ما ورد في غير هذه الرواية، وهو في الحسان من هذا الباب؛ فإن الله تعالى ألهم الحيوان بطبعه الذي جبله عليه ما هو أعجب من ذلك، فلينظر المتعجب من ذلك إلى النملة التي هي أصغر وأحقر من الذباب كيف تسعى في جمع القوت؟ وكيف تصون الحب عن الندى باتخاذ الريعة على نشز من الأرض، ثم لينظر إلى تجفيفها الحب في الشمس إذا أثر فيه الندى، ثم إنها تقطع الحب؛ لئلا ينبت وتترك الكزبرة بحالها؛ لأنها لا تنبت وهي صحيحة، فتبارك الله رب العالمين. وأي حاجة بنا إلى الاستشهاد، على ما أخبر غنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، لولا الحذر من اضطراب الطبائع والشفقة على عقائد ذوي الأوضاع الواهية، وإلى الله اللجأ ومنه العصمة.

ص: 2821

4116 -

وعن ميمونة، أن فأرة وقعت في سمن، فماتت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((ألقوها وما حولها وكلوه)). رواه البخاري.

4117 -

وعن ابن عمر، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اقتلوا الحيات، واقتلوا ذا الطفيتين، والأبتر فإنهما يطمسان البصر، ويستسقطان الحبل. قال عبد الله: فبينا أنا أطارد حية أقتلها، ناداني أبو لبابة: لا تقتلها. فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الحيات. فقال: إنه نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت، وهن العوامر. متفق عليه.

ــ

((حس)): وفيه دليل على أن الذباب طاهر، وكذلك أجسام جميع الحيوانات إلا ما دلت عليه السنة من الكلب والخنزير. وفيه دليل على أن ما لا نفس له سائلة، إذا مات في ماء قليل أو شراب لا ينجسه، وذلك مثل الذباب والنمل العقرب والخنفساء والزنبور ونحوها؛ وهذا لأن غمس الذباب في الإناء قد يأتي عليه، فلو كان ينجسه إذا مات فيه لم يأمره بالغمس؛ للخوف من ننجيس الطعام، وهذا قول عامة الفقهاء.

الحديث الثالث عشر من ميمونة: قوله: ((أن فأرة وقعت في السمن)) ((حس)): فيه دليل على أن غير الماء من المائعات إذا وقعت فيه نجاسة تنجس، قل ذلك المائع أو كثر، بخلاف الماء حيث لا ينجس عند الكثرة ما لم يتغير بالنجاسة. واتفقوا على أن الزيت إذا مات فيه فأرة أو وقعت فيه نجاسة أخرى، أنه ينجس ولا يجوز أكله. وكذلك لا يجوز بيعه عند أكثر أهل العلم، وجوز أبو حنيفة بيعه. واختلفوا في الانتفاع به، فذهب جماعة إلى أنه لا يجوز الانتفاع به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:((فلا تقربوه)) وهو أحد قولي الشافعي، وذهب قوم إلى أنه يجوز الانتفاع به بالاستصباح وتدهين السفن ونحوه. وهو قول أبي حنيفة، وأظهر قولي الشافعي. والمراد قوله:((فلا تقربوه)) أكلا وطعما لا انتفاعا.

الحديث الرابع عشر عن ابن عمر: قوله: ((ذا الظفيتين)) ((نه)): الطفية خوصة المقل في الأصل. وجمعها طفي، شبه الخطين اللذين على ظهر الحية بخوصتين من خوص المقل.

قوله: ((والأبتر)) قيل: هو الذي يشبه المقطوع الذنب لقصر ذنبه، وهو من أخبث ما يكون من الحيات. قوله:((يطمسان)) ((قض)): أي يعميان البصر ويسقطان الحبل عند النظر إليهما بالخاصية، جعل ما يفعلان بالخاصية كالذي يفعلانه بقصد وطلب، وفي خواص الحيوان عجائب لا تنكر. وقد ذكر في خواص الأفعى أن الحبل يسقط عند موافقة النظرين، وفي خواص بعض الحيات أن رؤيتها تعمى.

((مح)): ((يطمسان البصر)) يخطفانه بمجرد نظرهما إليه بخاصية جعلها الله تعالى في بصرها إذا وقع على بصر الإنسان. ويؤيد هذه الرواية الأخرى لمسلم: ((يخطفان)).

ص: 2822

4118 -

وعن أبي السائب قال: دخلنا على أبي سعيد الخدري، فبينما نحن جلوس إذا سمعنا تحت سريره حركة فنظرنا، فإذا فيه حية، فوثبت لأقتلها وأبو سعيد يصلي، فأشار إلي أن أجلس، فجلست، فلما انصرف، أشار إلى بيت في الدار، فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم. فقال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس، قال: فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار، فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يوما، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((خذ عليك سلاحك فإنس أخشى عليك قريظة)) فأخذ الرجل سلاحه، ثم رجع، فإذا امرأته بين البابين قائمة، فأهوى إليها بالرمح ليطعنها به، وأصابته غيرة. فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني! فدخل، فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرمح، فانتظمها به، ثم خرج فركزه في

ــ

قال العلماء: وفي الحيات نوع يسمى الناظر، إذا وقع نظره على عين إنسان مات من ساعته.

قوله: ((وهن الموامر)) ((نه)): العوامر الحيات التي تكون في البيوت واحدها عامرة، وقيل: سميت عوامر لطول عمرها. ((تو)): عمار البيوت وعوامرها سكانها من الجن.

الحديث الخامس عشر عن أبي السائب: قوله: ((حديث عهد)) يجوز بالرفع على أنه صفة تعد صفة ((لفتى))، وبالنصب على أنه حال من الضمير في ((منا)). قوله:((بأنصاف النهار)) ((مح)): هو بفتح الهمزة أي منتصفه، وكأنه وقت آخر النصف الأول وأول حاجاتهم ويؤنس امرأته؛ فإنها كانت عروسا.

أقول: يحتمل أن يراد بالنهار الجنس وأن يكون عكس قوله: ((كلوا في بعض بطنكم تعفوا)) أي بأنصاف النهار فأتى بالإفراد اعتمادا على القرينة. قوله: ((خذ عليك سلاحك)) أي احمل عليك السلاح آخذا حذرك من قريظة. وقوله: ((وأصابته غيرة)) حال من المستكن في ((أهوى)).

وقوله: ((فانتظمها)) ((نه)): أي غرز الرمح في الحية حتى طواها فيه، فشبهه بالسلك الذي يدخل في الخرز. وفي الأساس: رمى صيدا فانتظمه بسهم، وطعنه بانتظمه ساقيه أو جنبيه.

وقوله: ((عليه)) حال أي اضطربت الحية صائلة على الفتى. وقوله: ((فقال: استغفروا)) يريد أن الذي ينفعه هو استغفاركم لا الدعاء بالإحياء لأنه مضى لسبيله.

ص: 2823

الدار، فاضطربت عليه، فما يدري أيهما كان أسرع موتا: الحية أم الفتى؟ قال: فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرنا ذلك له، وقلنا: ادع الله يحييه لنا. فقال: ((استغفروا لصاحبكم)) ثم قال: ((إن لهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم منها شيئا فخرجوا عليها ثلاثا، فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر)) وقال لهم: ((اذهبوا فادفنوا صاحبكم)). وفي رواية قال: ((إن بالمدينة جنا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان)). رواه مسلم.

4119 -

وعن أم شريك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزع وقال: ((كان ينفخ على إبراهيم)). متفق عليه.

4120 -

وعن سعد بن أبي وقاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وسماه فريسقا. رواه مسلم.

ــ

قوله: ((فحرجوا عليها)) ((نه)): أي قولوا لها: أنت في حرج أي ضيق إن عدت إلينا فلا تلومينا أن نضيق عليك بالتتبع والطرد والقتل. ((مح)): قال القاضي عياض: روى ابن الحبيب عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه يقول: أنشدكم بالعهد الذي أخذ عليكم سليمان بن داود أن لا تؤذونا ولا تظهروا لنا)) ونحوه عن مالك. قوله: ((فآذنون)) أي فأعلموا وأنذروا. ((مح)): قال العلماء: إذا لم يذهب بالإنذار علمتم أنه ليس من عوامر البيوت، ولا ممن أسلم من الجن بل هو شيطان فلا حرمة له عليكم فاقتلوه، ولن يجعل الله له سبيلا للإضرار بكم.

الحديث السادس عشر عن أم شريك: قوله: ((الوزع)) ((نه)): الوزغ جمع وزعة بالتحريك وهي التي يقال لها: سام أبرص وجمعها أوزاغ ووزعات. ((قض)): ((وكان ينفخ على إبراهيم)) بيان لخبث هذا النوع وفساده، وأنه بلغ في ذلك مبلغا استعمله الشيطان، فحمله على أن ينفخ في النار التي ألقي فيها خليل الله صلوات الله عليه، وسعى في اشتعالها، وهو في الجملة من ذوات السموم المؤذية.

الحديث السابع عشر عن سعد: قوله: ((فويسقا)) ((مح)): تسميته فويسقا؛ لأنه نظير للفواسق الخمسة التي تقتل في الحل والحرم، وأصل الفسق الخروج عن الطريق المستقيم، وهذه المذكورات خرجن عن خلق معظم الحشرات بزيادة الضرر والأذى. انتهى كلامه. وأما تصغيره فللتعظيم كما في قوله:((دويهية)) على ما ذهب إليه الشيخ التوربشتي، أو للتحقير لإلحاقه صلى الله عليه وسلم بالفواسق الخمس.

ص: 2824

4121 -

وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من قتل وزغا في أول ضربة كتبت له مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك)). رواه مسلم.

4211 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قرصت نملة نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله تعالى إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح؟)). متفق عليه.

الفصل الثاني

4123 -

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا وقعت الفأرة في السمن

ــ

الحديث الثامن عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((في أول ضربة)) ((مح)): سبب تكثير الثواب في قتله أول ضربة، الحث على المبادرة بقتله، والاعتناء به والحرص عليه؛ فإنه لو فاته ربما انفلت وفات قتله. والمقصود انتهاز الفرصة بالظفر على قتله.

الحديث التاسع عشر عن أبي هريرة: قوله: ((قرصت)) القرص الأخذ بأطراف الأصابع وهنا يراد به العض. وقوله: ((أن قرصتك)) الجملة هي الموحى بها أي أوحى الله تعالى بهذا الكلام، يعني: لأن قرصتك نملة أحرقت امة مسبحة لله تعالى وإنما وضع المضارع موضع المسبحة، ليدل على الاستمرار ومزيد الإنكار كقوله تعالى:{إنَّا سَخَّرْنَا الجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ} الكشاف: فيه الدلالة على حدوث تسبيح من الجبال شيئا بعد شيء وحالا بعد حال، وكأن السامع يحاضر تلك الحال ويسمعها، والظاهر أن يقال:((فأحرقت)) إلا أنه أراد بقرية النمل مسكنها ومنزلها. سمى قرية لاجتماعة فيها، ومنه القرية المتعارفة لاجتماع الناس فيها. قوله:((فأمر بقرية النمل)) أي بإحراق قرية النمل، ويفهم من قوله:((أحرقت أمة)) جواز إحراق تلك النملة القارصة.

((مح)): هذا محمول على أن شرع ذلك النبي كان فيه جواز قتل النمل والإحراق بالنار، ولم يعتب عليه في أصل القتل والإحراق، بل في الزيادة على نملة واحدة. وأما في شرعنا فلا يجوز إحراق الحيوان بالنار إلا بالاقتصاص، وسواء في منع الإحراق بالنار القمل وغيره للحديث المشهور:((لا يعذب بالنار إلا الله تعالى)) وأما قتل النمل فمذهبنا أنه لا يجوز؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل أربع من الدواب وسيجيء في الفصل الثاني.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((فلا تقربوه)) مضى بيانه في الحديث الثالث عشر من الفصل الأول.

ص: 2825

فإن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعا فلا تقربوه)). رواه أحمد، وأبو داود. [4123]

4124 -

ورواه الدارمي عن ابن عباس.

4125 -

وعن سفينة، قال: أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حبارى. رواه أبو داود. [4125]

4126 -

وعن ابن عمر، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها. رواه الترمذي. وفي رواية أبي داود: قال: نهى عن ركوب الجلالة. [4126]

4127 -

وعن عبد الرحمن بن شبل: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحم الضب. رواه أبو داود. [4127]

4128 -

وعن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الهرة وأكل ثمنها. رواه أبو داود، والترمذي. [4128]

ــ

الحديث الثاني عن سفينة: قوله: ((حبارى)) الجوهري: حبارى طائر يقع على الذكر والأنثى واحدهما وجمعهما سواء. وإن شئت قلت: الجمع حباريات، وألفه ليست للتأنيث ولا للإلحاق، وإنما بني الاسم لها فصارت كأنها من نفس الكلمة لا تنصرف في معرفة ولا نكرة.

الحديث الثالث عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((عن أكل الجلالة)) في الغريبين يعني التي تأكل العذرة، يقال جل يجل واجتل يجتل إذا التقط البعر.

((فا)): كنى عن العذرة بالجلة وهي البعر فقيل لأكلها: ((جلالة))، وقد جل الجلة وأجلها التقطها.

((حس)): الحكم في الدابة التي تأكل العذرة أن ينظر فيها، فإن كانت تأكلها أحيانا فليست بجلالة ولا يحرم بذلك أكلها كالدجاج، وإن كان غالب علفها منها حتى ظهر ذلك على لحمها ولبنها، فاختلفوا في أكلها، فذهب قوم إلى أنه لا يحل أكلها إلا أن تحبس أياما، وتعلف من غيرها حتى يطيب لحمها. وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأحمد. وكان الحسن لا يرى بأسا بأكل الجلالة، وهو قول مالك. وقال إسحاق: لا بأس بأكلها بعد أن تغسل غسلا جيدا. وإنما كره ركوبها لأنها إذا عرقت تنتن رائحتها كما ينتن لحمها.

الحديث الرابع والخامس عن جابر: قوله: ((أكل الهرة)) أكل الهرة حرام بالاتفاق، وأما جواز بيعها وأكل ثمنها ففيه خلاف مضى في باب البيع.

ص: 2826

4129 -

وعنه، حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم – يعني يوم خيبر – الحمر الإنسية، ولحوم البغال، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير. رواه الترمذي. وقال: هذا حديث غريب. [4129]

4130 -

وعن خالد بن الوليد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير. رواه أبو داود، والنسائي. [4130]

4131 -

وعنه، قال: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر، فأتت اليهود، فشكوا أن الناس قد أسرعوا إلى خضائرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ألا لا يحل أموال المعاهدين إلا بحقها)). رواه أبو داود [4131]

4132 -

وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحلت لنا ميتتان ودمان. الميتتان: الحوت والجراد، والدمان: الكبد والطحال)). رواه أحمد، وابن ماجه، والدارقطني. [4132]

4133 -

وعن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ألقاه البحر وجزر عنه الماء فكلوه. وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه)). رواه أبو داود، وابن ماجه. وقال محيي السنة: الأكثرون على أنه موقوف على جابر. [4133]

ــ

الحديث السادس والسابع مضى ما يتعلق بالحديثين من معنى الأول وضعف الثاني ونسخه.

الحديث الثامن عن خالد: قوله: ((إلى خضائرهم)) الجوهري: الخضيرة النخلة التي ينتشر بسرها وهو أخضر.

الحديث التاسع والعاشر عن أبي الزبير: قوله: ((وجزر عنه)) ((نه)): ما جزر عنه البحر أي ما انكشف عنه الماء من حيوان البحر، يقال: جزر الماء يجزر جزرا إذا ذهب ونقص. ومنه الجزر رجوع الماء. والطافي الذي يعلو ويظهر على رأس الماء.

((حس)): اختلفوا في إباحة السمك الطافي، فأباحه جماعة من الصحابة والتابعين وبه قال مالك والشافعي، وكرهه جماعة، روى ذلك عن جابر وابن عباس وأصحاب أبي حنيفة.

ص: 2827

4134 -

وعن سلمان، قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الجراد، فقال:((أكثر جنود الله، لا آكله ولا أحرمه)). رواه أبو داود. وقال محيي السنة: صعيف. [4134]

4135 -

وعن زيد بن خالد، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سب الديك، وقال:((إنه يؤذن للصلاة)). رواه في ((شرح السنة)). [4135]

4136 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة)). رواه أبو داود. [4136]

4137 -

وعن عبد الرحمن بن أبي ليلي، قال: قال أبو ليلي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ظهرت الحية في المسكن فقولوا لها: إنا نسألك بعهد نوح وبعهد سليمان بن داود أن لا تؤذينا، فإن عادت فاقتلوها)). رواه الترمذي، وأبو داود. [4137]

4138 -

وعن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لا أعلمه إلا رفع الحديث: أنه كان يأمر بقتل الحيات، وقال:((من تركهن خشية ثائر فليس منا)). رواه في ((شرح السنة)). [4138]

4139 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما سالمناهم منذ حاربناهم، ومن ترك شيئا منهم خيفة فليس منا)). رواه أبو داود. [4139]

ــ

الحديث الحادي عشر عن سلمان: قوله: ((عن الجراد)) يحتمل أن يكون لفظ السائل أتأكل الجراد أم لا؟. أو هو حرام أم لا؟ فينطبق عليه الجواب أي لا آكله ولا أحرمه. وقوله: ((أكثر جنود الله)) كالتوطئة للجواب والتعليل له كأنه قيل: هو جند من جنود الله يبعثه أمارة لغضبه إلى بعض البلاد، فإذا نظر إلى هذا المعنى ينبغي أن لا يؤكل، وإذا نظر إلى كونه يقوم مقام الغذاء يحل.

الحديث الثاني عشر إلى الخامس عشر عن عكرمة: قوله: ((لا أعلمه إلا رفع)) أي رفع ابن عبسا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لأن قوله:((أنه كان يأمر)) محتمل لأن ينسب إلى ابن عباس فيكون موقوفا. قوله: ((خشية ثائر)) ((نه)): الثائر طالب الثأر وهو طلب الدم، يقال: ثأرت القتيل وثأرت به فأنا ثائر أي قتلت قاتله.

الحديث السادس عشر عن أبي هريرة: قوله: ((ما سالمناهم)) ((قض)): أي المعاداة بين

ص: 2828

4140 -

وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقتلوا الحيات كلهن، فمن خف ثأرهن فليس مني)). رواه أبو داود، والنسائي. [4140]

4141 -

وعن العباس رضي الله عنه، قال: يا رسول الله! إنا نريد أن نكنس زمزم وإن فيها من هذه الجنان – يعني الحيات الصغار – فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلهن. رواه أبو داود. [4141]

4142 -

وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((اقتلوا الحيات كلها إلا الجان الأبيض الذي كأنه قضيب فضة)). رواه أبو داود. [4142]

4143 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فاملقوه، فإن في أحد جناحية داء وفي الآخر شفاء، فإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء، فليغمسه كله)). رواه أبو داود. [4143]

ــ

الإنسان والحية جبلية لا تقبل الزوال؛ فإن كل واحد منهما قاتل للآخر بالطبع [إذا] وقع الحرب بينهما من لدن آدم، [ولم يرفعها بعد] بعد. وقوله:((ومن ترك شيئا منهم خيفة)) أي من ترك التعرض لها مخافة أن يلحقه منها أو من صاحبها ضرر فليس منا، أي من المقتدين بنا والتابعين لهدينا، فإن من زعمات الجاهلية أن الحية إذا قتلت طلب ثأرها من القاتل فاقتص منه.

أقول: الضمير في قوله: ((ما سالمناهم)) للحيات، والقرينة ما رواه أبو داود أيضا عن ابن عباس:((من ترك الحيات مخافة طلبهن فليس منا، ما سالمناهن منذ حاربناهن)) وإنما أتى بضمير العقلاء في الحديث الذي في المتن لإجراء أوصافهم عليها من المحاربة والمسالمة، كقوله تعالى:{والشَّمْسَ والْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} .

الحديث السابع عشر والثامن عشر عن العباس: قوله: ((من هذه الجنان)) ((من)) التبعيضية منصوبة لأنها اسم ((إن)) أي إن فيها بعض الجنان نحوه قوله تعالى: {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ} أي بعضها. و ((الجنان)) بالتشديد جمع ((جان)). ((فا)): كغيطان وغائط وحيطان وحائط، وإنما أمر بقتلهن هنا ونهى في الحديث الآتي تطهيرا لماء زمزم منهن.

ص: 2829

4144 -

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إذا وقع الذباب في الطعام فامقلوه فإن في أحد جناحيه سما، وفي الآخر شفاء، وإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء)). رواه في ((شرح السنة)). [4144]

4145 -

وعن ابن عباس، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد. رواه أبو داود، والدارمي. [4145]

الفصل الثالث

4146 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذرا، فبعث الله نبيه، وأنزل كتابه، وأحل حلاله، وحرم حرامه. فما أحل فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، وتلا {قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا} الآية. رواه أبو داود. [4146]

ــ

الحديث التاسع عشر والعشرون والحادي والعشرون عن أبي سعيد: قوله: ((فامقلوه)) المقل الغمس، وقد سبق في الحديث الثاني عشر من الفصل الأول.

الحديث الثاني والعشرون عن ابن عباس: قوله: ((عن قتل أربع من الدواب)) ((مظ)): إن النهي إنما جاء في قتل النمل عن نوع خاص منه وهو الكبار ذات الأرجل الطوال؛ لأنها قليلة الأذى والضرر، وأما النحلة فما فيها من المنفعة وهو العسل والشمع، وأما الهدهد والصرد فلتحريم لحمهما؛ لأن الحيوان إذا نهي عن قتله ولم يكن ذلك لاحترامه أو لضرر فيهن كان لتحريم لحمه. ألا ترى أنه نهى عن قتل الحيوان لغير مأكلة.

ويقال: إن الهدهد منتن الريح، فصار في معنى الجلالة، والصرد يتشأم به العرب ويتطير بصوته وشخصه. وقيل: إنما كرهوه من اسمه من التصريد وهو التقليل. ((نه)): الصرد هو طائر ضخم الرأس والمنقار، له ريش عظيم نصفه أبيض ونصفه اسود.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((وأحل حلاله)) حلاله مصدر وضع موضع المفعول، أي أظهر بالبعث والإنزال ما أحله الله تعالى. وقوله:((فهو عفو)) أي متجاوز عنه لا تؤاخذون به. وتلا أي ابن عباس ردا لفعلهم وأكلهم ما يشتهونه وتركهم ما يكرهونه

ص: 2830