المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(10) باب إخراج اليهود من جزيرة العرب - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٩

[الطيبي]

الفصل: ‌(10) باب إخراج اليهود من جزيرة العرب

لا يمنع من أصحابه أحدا إن أراد أن يقيم بها)) فلما دخلها، ومضى الأجل، أتوا عليا

ــ

السلف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى كتب. قال القاضي: والي جواز هذا ذهب الباجي وحكاه عن السمنإني وأبي ذر وغيرهما.

وذهب الأكثرون إلي المنع مطلقا، هذا الذي زعموا يبطله وصف الله تعالي إياه بالنبي الأمي. وقوله تعالي:{ومَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ ولا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)). قالوا: ومعنى ((كتب)) أمر بالكتابة كما يقال: رجم ماعزا وقطع السارق وجلد الشارب.

قال القاضي: فأجاب الأولون أن معنى الآية: لو كنت تقرأ وتكتب قبل الوحي لشك المبطلون، وكما جاز أن يتلو جاز أن يخط، ولا يقدح هذا في كونه أميا؛ إذ ليست المعجزة مجرد كونه أميا، فإن المعجزة حاصلة بكونه أولا كذلك، ثم جاء بالقرآن وبعلوم لا يعلمها الأميون.

والجواب عن قولهم: ((كتب: أي أمر)) أنه عدول عن الظاهر ولا ضرورة إليه؛ لأن قوله: ((وليس يحسن يكتب فكتب)) كالنص أنه كتب بنفسه.

أقول: ويمكن أن يقال: سبيل هذه الكتابة مع هذه الآية وكونه أميا، سبيل قوله صلى الله عليه وسلم:((هل أنت إلا أصبع دميت* وفي سبيل الله ما لقيت)) ونحوه مع قوله تعالي: {ومَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ ومَا يَنْبَغِي لَهُ} قالوا: ما هو إلا كلام من جنس الكلام الذي يرمي علي السليقة من غير صنعة أو قصد إلي ذلك ولا التفات منه إليه.

((مح)): فيه دليل علي استحباب الكتبة في أول الوثاق وكتب الأملاك والصداق، ونحوهما: هذا ما اشترى فلان أو هذا ما أصدق فلان أو أعتق أو نحوها. وعلي أنه يكفي في الاسم المشهور أن يضم مع الأب خلافا لمن قال: لابد من أربعة: أبيه وجده ونسبه.

وهذا الذي فعله علي رضي الله عنه من عدم الامتثال من باب الأدب المستحب؛ لأنه لم يهم من الأمر التحتم؛ ولهذا لم ينكر، ولو أجب عليه نحوه لم يجز له الترك. وفيه دلالة علي أن مكث ثلاثة أيام للمسافر في موضوع ليس له حكم الإقامة.

قوله: ((هذا ما قاضي)) ((هذا)) إشارة إلي ما في الذهن، و ((ما قاضي)) خبره مفسر له.

وقوله: ((لا يدخل)) إلي آخره تفسير للتفسير. وقوله: ((ومضى الأجل)) أي قرب انقضاء الأجل أو شارف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عليه قضاء الأجل، كقوله تعالي: {فَإذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ

فقالوا: قل بصاحبك: اخرج عنا، فقد مضى الأجل، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم. متفق عليه.

(10) باب إخراج اليهود من جزيرة العرب

الفصل الأول

4050 -

وعن أبي هريرة، قال: بينا نحن في المسجد، خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

ــ

ص: 2792

بِمَعْرُوفٍ} ولابد من هذا التأويل لئلا يلزم عدم الوفاء بالشرط؛ ولإظهار كراهة المشركين إقامته صلوات الله عليه فيها، قالوا ذلك قبل انقضاء الأجل.

((مح)): فيه أن للإمام أن يعقد الصلح علي ما رآه مصلحة للمسلمين، وإن كان لا يظهر ذلك لبعض الناس في بادئ الرأي. وفيه احتمال المفسدة اليسيرة لدفع مضرة كبيرة، أو لجلب منفعة أعظم منها.

ومن مصالح هذا الصلح وثمراته الباهرة، وفوائده المتظاهرة فتح مكة وإسلام أهلها، ودخول الناس في دين الله أفواجا، وذلك أنهم قبل الصلح لم يكونوا يختلطون بالمسلمين، ولا تتظاهر أمور النبي صلى الله عليه وسلم كما هي عندهم. ولما حصل الحديبية اختلطوا بالمسلمين وجاءوا إلي المدينة، وذهب المسلمون إلي مكة وسمعوا منهم أحواله صلى الله عليه وسلم مفصلة، فوقفوا علي معجزاته الظاهرة وأعلام نبوته المتظاهرة وحسن سيرته وجميل طريقته، وعاينوا بأنفسهم كثيرا من ذلك فمالت نفوسهم إلي الإيمان، حتى بادر خلق منهم إلي الإسلام قبل فتح مكة، وازداد الآخرون ميلا إلي الإسلام، فلما كان يوم الفتح أسلموا كلهم، وكانت العرب في البوادي ينتظرون إسلام أهل مكة، فلما أسلموا أسلمت العرب كلهم. والله أعلم.

باب إخراج اليهود من جزيرة العرب

((نه)): الجزيرة اسم موضوع من الأرض وهو ما بين خفر أبي موسى الأشعري إلي أقصى اليمن في الطول، وما بين رمل يزين إلي منقطع السماوة في العرض. وقيل: هو من أقصى عدن إلي ريف العراق طولا، ومن جدة وساحل البحر إلي أطراف الشام عرضا. قال الأزهري: سميت جزيرة؛ لأن بحر فارس وبحر السودان أحاطا بجانبيها، وأحاط بالجانب الشمالي دجلة والفرات.

الفصل الأول

الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((بيت المدارس)) ((قض)): المدارس

ص: 2793

((انطلقوا إلي يهود)) فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدارس، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال:((يا معشر يهود! أسلموا تسلموا، اعلموا أن الأرض لله ولرسوله، وإني أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه)) متفق عليه.

ــ

مفعال من الدراسة إما للمبالغة كالمكثار والمعطار، والمراد به صاحب دراسة كتبهم التي يدارسها الناس، وإما بمعنى المدرس، والمراد به الموضوع الذي يقرأ فيه أهل الكتاب كتبهم ويدرسونها فيه. وإضافة البيت إليه كإضافة المسجد إلي الجامع، ويدل علي المعنى الثاني أن بعض روايات الصحاح:((حتى أتى المدارس)) وفيه ((إني أريد أن أجليكم)) أي أخرجكم من منازلكم هذه، والخطاب مع من بقي في المدينة وحرماتها بعد قتل قريظة وإجلاء بني النضير كيهود بني قينقاع؛ فإن إجلاء بني النضير كان في السنة الرابعة من الهجرة، وقتل قريظة في خامستها وإسلام أبي هريرة في السنة السابعة، فيكون ما ذكره بعد ذلك بسنتين.

قوله: ((أسلموا)) جملة مستأنفة فإنه صلى الله عليه وسلم لما خاطبهم بقوله: ((أسلموا تسلموا)) اتجه لهم أن يقولوا: لماذا تخاطبنا بهذا وما سنح لك من الرأي؟. قال: ((أسلموا)) فقوله: ((تسلموا)) من العلم الذي خص منه البعض بقينه الحال، أي تسلموا من الإجلاء، وفائدته أن أول ما تسلمون من الآفات هو الإجلاء ومفارقة الأوطان المألوفة التي هي أشد البلاء؛ ومن ثم فسر قوله تعالي:{والْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ} بالإخراج من الوطن؛ لأنه عقب بقوله: {وأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} وأنشد:

لقتل بحد السيف أهون موقعا علي النفس من قتل بحد فراق

وقال:

يقولون: إن الموت صعب وإنما مفارقة الأوطان والله أصعب

ومعنى قوله: ((إن الأرض لله ولرسوله)) كما في قوله تعالي: {إنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} أي أرضكم هذه تعلقت مشيئة الله تعالي بأن يورثها المسلمين ففارقوها. وإنما أسند الإجلاء إلي نفسه صلوات الله عليه؛ لأنه خليفة الله في أرضه تعظيما لشأنه، وأن إجلاءه إجلاؤه تعالي، نحو قوله تعالي:{قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ والرَّسُولِ} والباء في ((بماله)) للبدل كما في قولهم: بعت هذا بهذا

((مظ)): أي فمن وجد شيئا مما لا يتيسر له نقله، فليبعه مثل الأرض والأشجار. ((خط)): استدل بهذا الحديث أبو عبد الله البخاري في جواز بيع المكره، وهذا ببيع المضطر أشبه، فأما

ص: 2794

4051 -

وعن ابن عمر، قال: قام عمر خطيبا، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهودي خيبر علي أموالهم، وقال:((نقركم ما أقركم الله)). وقد رأيت إجلاءهم، فلما أجمع عمر علي ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق فقال: يا أمير المؤمنين! أتخرجنا وقد أقرنا محمد وعاملنا علي الأموال؟ فقال عمر: أظننت إني نسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف بك إذا أخرجت من خيبر، تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة؟)) فقال: هذه كانت هزيلة من أبي القاسم. فقال: كذبت ياعدو الله! فأجلاهم عمر، وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالا وإبلا، وعروضا من أقتاب وحبال وغير ذلك. رواه البخاري.

ــ

المكره علي البيع فهو الذي يحمل علي بيع الشيء شاء أو أبي، واليهود لو لم يبيعوا أراضيهم لم يحملوا عليه، وإنما أشفقوا علي أموالهم فاختاروا بيعها، فصاروا كأنهم اضطروا إلي بيعها كمن اضطر إلي بيع ماله فيكون ذلك جائزا ولو أكره عليه لم يجز.

((مح)): أوجب مالك والشافعي وغيرهما من العلماء إخراج الكفار من جزيرة العرب، وقالوا: لا يجوز تمكينهم سكانها، ولكن الشافعي خص هذا الحكم بالحجاز، وهو عنده مكة والمدينة واليمامة وأعمالها دون اليمن وغيره. وقالوا: لا يمنع الكفار من التردد مسافرين في الحجاز، ولا يمكنون من الإقامة فيه أكثر من ثلاثة أيام. قال الشافعي: إلا مكة وحرمها فلا يجوز تمكين كافر من دخولها بحال، فإن دخلها بخفية وجب إخراجه، فإن مات ودفن فيها نبش وأخرج منها ما لم يتغير، وجوز أبو حنيفة دخولهم الحرم. وحجة الجماهير قوله تعالي:{إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} .

الحديث الثاني عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((وقد رأيت إجلاءهم)) بيان انتهاء المدة المستفادة من قوله: ((ما أقركم الله)) وقوله: ((أجمع عمر)) أي صمم عزمه واتفق آراؤه علي إجلاء يهود خيبر. والإجماع والإزماع تصميم العوم، ((وعاملنا علي الأموال)) أي جعلنا عاملين علي أرض خيبر بالمساقاة و ((كيف بك)) ، ((مظ)): كيف يكون حالك؟ انتهي كلامه.

ويجوز ايقدر: كيف تراك، والباء زائدة في المفعول، وأن يقدر: كيف تصنع بك وقت إخراجك؟. وقوله: ((بك)) حال من الفاعل أي كيف تعدو قلوصك ملابسا بك؟ كقوله:

تدوس بنا الجماجم والتريبا

ص: 2795

4052 -

وعن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاثة: قال: ((أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ماكنت أجيزهم)) قال ابن عباس: وسكت عن الثالثة – أو قال: فأنسيتها – متفق عليه.

4053 -

وعن جابر بن عبد الله، قال: أخبرني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أدع فيها إلا مسلما)) رواه مسلم. وفي رواية: ((لئن عشت إن شاء الله لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب))

الفصل الثاني

ليس فيه إلا حديث ابن عباس ((لا تكون قبلتان)) وقد مر في باب الجزية.

الفصل الثالث

4054 -

عن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أجلي اليهود

ــ

والجملة حال من فاعل ((أخرجت)) ((وهزيلة)) تصغير هزلة وهي المراد من الهزل الذي هو نقيض الجد. وقوله: ((مالا)) بدل من قوله: ((قيمة ما كان لهم)) و ((الأقتاب)) جمع قتب وهي للجمل كالإكاف لغيره.

الحديث الثالث والرابع عن ابن عباس: قوله: ((وأجيزوا الوفد)) ((نه)): أي أعطوهم والجائزة العطية يقال: أجازه يجيزه إذا أعطاه. والوفد هم الذين يقصدون الأمراء لزيارة أو استرفاد وانتجاع وغير ذلك. يقال: وفد وفدا فهو وافد وأوفدته فوفد.

((تو)): وإنما أخرج ذلك بالوصية عن عموم المصالح؛ لما فيه من المصلحة العظمى، وذلك أن الوافد سفير قومه، وإذا لم يكرم رجع إليهم من سفارته [بما] * يفتر دونه رغبة القوم في قبول الطاعة والدخول في الإسلام. ثم إن الوافد يفد علي الإمام فتجب رعايته من مال الله الذي أقيم لمصالح العباد والبلاد، وإضاعته تفضي إلي الدناءة التي أجار الله عنها أهل الإسلام.

قوله: ((وسكت عن الثالثة)) ((مح)): قال القاضي عياض: ويحتمل أن الثالث قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تتخذوا قبري وثنا يعبد)) فذلك مالك في [الموطأ إجلاء] ** اليهود من حديث ابن عمر رضي الله عنه.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((تيماء وأريحاء)) ((مح)): هما ممدودتان

ص: 2796