الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(9) باب الصلح
الفصل الأول
4042 -
عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، قالا: خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، فلما أتى ذا الحليفة، قلد الهدي، وأشعر، وأحرم منها بعمرة، وسار حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها، بركت به راحلته، فقال الناس: حل حل، خلأت القصواء! خلأت القصواء! فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل)) ثم قال:: ((والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها)) ثم زجرها، فوثبت، فعدل عنهم، حتى نزل بأقصى الحديبية علي ثمد قليل الماء يتربصه
ــ
باب الصلح
المغرب: الصلاح خلاف الفساد، والصلح اسم بمعنى المصالحة، والتصالح خلاف المخاصمة والتخاصم.
الفصل الأول
الحديث الأول عن المسور: قوله: ((عام الحديبية)) ((نه)): الحديبية قرية قريبة من مكة سميت ببئر هناك وهي مخففة الباء، وكثير من المحدثين يشددونها، وقد روينا في صحيح البخاري أن الحديبية خارج من الحرم. ((قض)): إنما أضاف العام إليها لنزوله صلى الله عليه وسلم فيه حين صد عن البيت في بضع عشرة مائة من أصحابه، أي مع ألف ومائة. وقد سبقت الرواية عن جمع من أكابر الصحابة بأنهم كانوا ألفا وأربعمائة رجل، وعن مجمع بن حارثة بأنهم كانوا ألفا وخمسمائة. انتهي كلامه. وهذا التمييز من الغرائب التي لم تعهد. قوله:((حل حل)) ((خط)): هي كلمة معناها الزجر، يقال لزجر البعير ((حل)) بالتخفيف، وحلحلت الإبل إذا قلت لها: حل حل لتنبعث.
قوله: ((خلأت القصواء)) ((فا)): الخلأ للناقة كالجران للفرس، ولا يقال الخلأ إلا للنوق.
قوله: ((خلأت القصواء)) ((فا)): الخلأ للناقة كالجران للفرس، ولا يقال الخلأ إلا للنوق.
قوله: ((ولكن حبسها حابس الفيل)) أي الله تعالي. ((قض)): روى أن أبرهة لما هم بتخريب الكعبة واستباحة أهلها توجه إليها في عسكر جم، فلما وصل إلي ذي المجاز امتنعت الفيلة من التوجه إلي مكة، وإذا صرفت عنها إلي غيرها أسرعت مشيا. قوله:((خطة)) (نهه)): الخطة الحال والأمر والخطب. ((قض)): المعنى لا يسألوني خصلة يريدون به تعظيم ما عظمه الله، وحرم هتك حرمته إلا أسعفتهم إليها، ووضع الماضي موضع المضارع مبالغة في الإسعاف.
قوله: ((فعدل عنهم)) أي مال عنهم وتوجه غير جانبهم، و ((الثمد)) الماء القليل الذي لا مادة له،
الناس تبرضا، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه، وشكي إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه، فبينا هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة، ثم أتاه عروة بن مسعود. وساق الحديث إلي أن قال: إذ جاء سهيل بن عمرو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله)). فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك؛ ولكن اكتب: محمد بن عبد الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((والله إني لرسول الله وإن كذبتموني. اكتب: محمد بن عبد الله)) فقال سهيل: وعلي أن لا يأتيك منا رجل وإن كان علي دينك إلا رددته علينا. فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:((قوموا فانحروا، ثم احلقوا)) ثم جاء نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا جَاءَكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} الآية، فنهاهم الله تعالي أن يردوهن، وأمرهم أن
ــ
وأثمد الرجل إذا ورد الثمد، وسمى قوم صالح ثمود لنزولهم علي ثمد. والظاهر أنه أراد به محله علي سبيل المجاز؛ ليحسن وصفه بقليل الماء.
قوله: ((يتبرضه)) ((نه)): أي يأخذه الناس قليلا قليلا، والبرض الشيء القليل، وكذلك البراض بالضم، يقال: ماء برض أي قليل، والجمع براض وبروض وأبراض.
قوله: ((يجيش)) أي يفور ماؤه ويرتفع.
قوله: ((بالري)) أي بما يرويهم أو بالماء الكثير من قولهم: عين رية أي كثيرة الماء. قوله: ((ما قاضى)) ((نه)): هو فاعل من القضاء أي الفصل والحكم؛ لأنه كان بينه وبين أهل مكة، وأصل القضاء القطع والفصل يقال: قضى يقضي قضاء قاض إذا حكم وفصل.
قوله: ((قوموا فانحروا)) ((شف)): فيه دليل علي أن من أحرم بحج أو عمرة فأحصر فإنه ينحر الهدي مكانه ويحل، وإن لم يكن بلغ هديه الحرم. قوله:((أن يردوا الصداق)) أي الصحابة صداقهن إلي أزواجهن من المشركين.
((حس)): اختلفوا في أن الصلح هل وقع علي رد النساء أم لا؟. قيل: إنه وقع علي رد الرجال والنساء جميعا لما روينا: ((أنه لا يأتيك منا أحد إلا رددته))، ثم صار الحكم في النساء منسوخا بقوله تعالي:{فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إلي الكُفَّارِ} . وقيل: إن الصلح لم يقع علي رد
يردوا الصداق، ثم رجع إلي المدينة، فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين، فدفعه إلي الرجلين، فخرجا به، حتى إذا بلغا ذا الحليفة، نزلوا يأكلون من تمر لهم. فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذه يا فلان جيدا، أرني انظر إليه. فأمكنه منه، فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((لقد رأي هذا ذعرا)) قال: قتل والله صاحبي، وإني لمقتول. فجاء أبو بصير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد)) فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف
ــ
النساء؛ لقوله في هذا الحديث: ((لا يأتيك منا رجل)) وذلك لأن الرجل لا يخشى عليه من الفتنة.
قوله: ((حتى برد)) ((قض)): أي مات، ويقال: برده فلان إذا قتله علي سبيل الكناية؛ فإن البرودة من توابع الموت ولوازمه، ومنه السيوف البوادر. قوله:((لقد رأي هذا ذعرا)) أي ما خاف منه. قوله: ((ويل أمة)) ((نه)): الويل في الأصل الحزن والمشقة والهلاك، وقد يرد الويل بمعنى التعجب وهو المراد هاهنا، وقيل:((وى)) كلمة مفردة ولامه مفردة، وهي كلمة تفجع وتعجب. وحذفت الهمزة من أمه تخفيفا، وألقيت الحركة علي اللام. والمسعر والمسعار ما تحرك به النار من آلة الحديد، يقال: سعرت النار الحرب إذا أوقدتههما يصفه بالمبالغة في الحرب والنجدة. ((قض)): لما شبه الحرب بالنار مثل الذي يهيجه بمسعر التنور.
أقول: تقريره أنه شبه الحرب بالنار الهامدة تشبيها بليغا، ثم أثبت للحرب ما يلازم النار من المسعر؛ ليكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة. ولما كانت القرينة في الاستعارة المكنية مستعارة. قيل: مثل أي شبه أبو بصير بالمسعر ثم حذف المشبه وأقيم المشبه به مقامه.
قوله: ((عرف أنه سيرده)) ((قض)): إنما عرف ذلك من قوله: ((مسعر حرب لو كان له أحد)) فإنه يشعر بأنه لا يؤويه ولا يعينه، وإنما خلاصة عنهم بأن يستظهر بمن يعينه علي محاربتهم.
أقول: قد سبق أن أبا بصير شبه بالمسعر، ووجه التشبيه إثارة ما هو ساكن، وهذا المعنى في المشبه، هو إثارة الحرب الساكنة بالمهادنة، (ولو) يقتضي الجواب، والسابق يدل عليه، يعني إن فرض له معين وناصر لأثار الفتنة وأفسد الصلح، فعلم من هذا أنه سيرده إليهم.
قوله: ((سيف البحر) أي ساحله، والإضافة لمجرد البيان لا للعهد. الأساس: قال: نزلوا بالسيف بالساحل وهم أهل أسياف وأرياف. والعير يقال للإبل بأحمالها. قوله: ((تناشده
البحر، قال: وانفلت أبو جندل بن سهيل، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فو الله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلي الشام إلا اعترضوا لها، فقتلوهم، وأخذوا أموالهم.
فأرسلت قريش إلي النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم، فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم. رواه البخاري.
4043 -
وعن البراء بن عازب، قال: صالح النبي صلى الله عليه وسلم المشركين يوم الحديبية علي ثلاثة أشياء: علي أن من أتاه من المشركين رده إليهم، ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه، وعلي أن يدخلها من قابل ويقيم بها ثلاثة أيام، ولا يدخلا إلا بجلبان السلاح والسيف والقوس ونحوه، فجاء أبو جندل يحجل في قيوده، فرده إليهم. متفق عليه.
ــ
الله والرحم)) ((نه)): نشدتك الله والرحم أي سألتك بالله وبالرحم، يقال: نشدتك الله وأنشدتك الله وبالله وناشدتك الله وبالله، أي سألتك وأقسمت عليك، ونشدته نشدة ونشدانا ومناشدة، وتعديته إلي مفعولين إما لأنه يمنزلة دعوت حيث قالوا: نشدتك الله وبالله، أو لأنه ضمنوه معنى ذكرت.
قوله: ((لما أرسل)) ((تو)): الرواية في ((لما)) بالتشديد وهي في موضع ((إلا)) كقوله تعالي: {إن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} علي قراءة من قرأ بالتشديد. والعرب لا تستمل هذا الحرف في كلامهم علي الوجه الذي في الحديث، إذا أرادو المبالغة في المطالبة، كأنهم يبتغون من المسئول، أن لا يهتم بشيء إلا بذلك، أقول:((فمن أتاه)) الفاء جواب شرط محذوف، المعنى: أي أرسلت قريش ما تطلب منه صلى الله عليه وسلم شيئا إلا ردهم إلي المدينة، فإذا فعلت ذلك فمن أتاه صلى الله عليه وسلم من مكة مسلما بعد، فهو آمن من الرد إلي قريش.
الحديث الثاني عن البراء: قوله: ((لم يردوه)) فإن قلت: كيف أتى بالجزاء هنا بلفظ المضارع وفيما سبق بالماضي، وما فائدته عند علماء المعإني؟. قلت: اهتمامهم بشأن رد المسلمين من أتاهم من المشركين أشد وأولي من ردهم المسلمين إليهم. وقوله: ((علي أن من أتاه)) بدل من قوله: ((ثلاثة أشياء)) ((ومن أتاهم من المسلمين)) عطف علي ((من أتاه)) علي سبيل تقدير أن لا الانسحاب.
4044 -
وعن أنس: أن قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم فاشترطوا علي النبي صلى الله عليه وسلم أن من جاءنا منكم لم نرده عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا فقالوا: يا رسول الله! أنكتب هذا؟ قال: ((نعم! إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاء منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا)) رواه مسلم.
4045 -
وعن عائشة، قالت في بيعة النساء: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحنهن بهذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} فمن أقرت بهذا الشرط منهن قال لها: ((قد بايعتك)) كلاما يكلمها به، والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة متفق عليه.
ــ
((قض)): شرط رد المسلم إلي الكفار فاسد يفسد الصلح، إلا إذا كان بالمسلمين خور وعجز ظاهر؛ ولذلك شرطه صلوات الله عليه في صلح الحديبية. و ((الجلبان)) جراب من الأدم يوضع فيه السلاح. وقد يقال لغاشية السرج الجلبانة. ولما كان من ديدن العرب أن لا يفارقوا السلاح في السلم والحرب شرطوا عليهم أن لا يجردوا السلاح، ولا يدخلها متأهبا للحرب. فأتاه ((أبو جندل)) هو ابن سهيل بن عمرو بن بد شمس بن عبد ود، أسلم بمكة فقيده المشركون ((يحجل في قيوده)) أي يمشي علي وثبة كما يمشي الغراب. والحجل مشى الغراب، فرد إليهم محافظة للعهد ومراعاة للشرط.
الحديث الثالث عن أنس: قوله: ((أن من جاءنا منكم)) إلي آخره، حكاية ما تلفظوا به واشترطوا عليه، وقوله:((إنه من ذهب منا إليهم)) بيان لـ ((نعم)) علي الاستئناف وهو جواب لإنكارهم في قولهم: ((أنكتب؟)) كأنهم استبعدوا هذا الشرط فرفع صلى الله عليه وسلم شبهتهم بما ذكر.
الحديث الرابع عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((فمن أقرت بهذا الشرط)) أي من قبلته وقررته والباء زائدة، و ((كلاما)) حال من فاعل ((قال)) ويجوز أن يكون منصوبا علي التمييز من ((بايعتك)) والعامل ((قال)) وأن يكون مفعولا مطلقا، و ((يكلمها)) إما مستأنفة أو صفة مؤكدة لدفع توهم التجوز.
الفصل الثاني
4046 -
عن المسور، ومروان: أنهم اصطلحوا علي وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس، وعلي أن بيننا عيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال ولا إغلال رواه أبو داود. [4046]
ــ
الفصل الثاني
الحديث الأول عن المسور: قوله: ((عشر سنين)) ((قض)): إنما هادنهم عشر سنين لضعف المسلمين، وهي أقصى مدة المهادنة عند الشافعي فلا تجوز الزيادة عليها؛ لأنه تعالي أمر بقتال الكفار في عموم الأحوال والأوقات، فلا يستثنى منه إلا القدر الذي استثناه الرسول صلى الله عليه وسلم وقيل: لا يجوز أكثر من ثلاث سنين إذ الصلح لم يبق بينهم أكثر من ذلك؛ فإن المشركين نقضوا العهد في السنة الرابعة، فغزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الفتح، وضعفه ظاهر.
وقيل: لا حد لها وإن تقدير مدتها موكول إلي رأي الإمام واقتضاء الحال، هذا إذا كان ضعف، وأما في حال القوة فيجوز الصلح إلي أربعة أشهر؛ لقوله تعالي:{فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} ؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم جعل لصفوان بعد فتح مكة يسير أربعة أشهر، ولا يجوز يهدنهم سنة بلا جزية وفيما بينهما خلاف، والأصح المنع. وقوله:((علي أن بيننا عيبة مكفوفة)) أي صدرا نقيا من الغل والخداع مطويا علي حسن العهد والوفاء، والعيبة تستعار للقلوب والصدور من حيث أنها مستودع الأسرار، كما أن العياب مستودع الثياب والمتاع.
وقيل: معناه أن تكون بيننا موادعة ومصادقة تكون بين المتصادقين المتشاورين في الأمور، فيكون كل منا صاحب مشورة للآخر وعيبة سره، ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم:((الأنصار كرشي وعيبتي)).
وقيل: معناه: علي أن يكون ما سلف منا في عيبة مكفوفة، أي مشروحة مشدودة لا يظهره أحد منا ولا يذكره، كما قال الله تعالي:{عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} . وقيل: علي أن يكون بيننا كتاب صلح نحفظه ولا نضيعه كالمتاع المضبوط في العيبة المشدودة. و ((الإسلال)) السرقة الخفية، وكذلك السلة. و ((الإغلال)) الخيانة.
أقول: فإن قلت: لم خص الإسلال والإغلال بالذكر من بين سائر الفساد، وأتى بضمير الشأن؟. قلت: لما نفي الدخول التي كانت بينهم وأن لا ينشروها، بل يتكافون عنها، أتبعه ما يتعلق بالظاهر، وإنما خصهما بالذكر للاستيعاب؛ ومن ثم كرر ((لا)) التي لنفي الجنس وحذف الخبر نسيا منسيا، نحوه قوله تعالي:{لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وعَشِيًا} ، كأنه قيل: ينبغي أن
4047 -
عن صفوان بن سليم، عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن آبائهم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ألا من ظلم معاهدا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس؛ فأنا حجيجه يوم القيامة)). رواه أبو داود. [4047]
4048 -
وعن أميمة بنت رقيقة، قالت: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة، فقال لنا:((فيما استطعتن وأطقتن)) قلت: الله ورسوله أرحم بنا منا بأنفسنا، قلت يا رسول الله! بايعنا – تعني صافحنا – قال:((إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة)).رواه. [4048]
الفصل الثالث
4049 -
عن البراء بن عازب، قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة فأبي
ــ
تكون بواطننا خالية عن جميع الفساد ظواهرنا كذلك. ((حس)): معناه أن بعضنا يأمن بعضا، فلا يتعرض لدمه ولا ماله سرا ولا جهرا.
الحديث الثاني عن صفوان: قوله: ((أو انتقصه)) قال في الاساس: استنقصه وانتقصه عابه وما فيه نقيصة ومنقصة. وقوله: ((فأنا حجيجه)) ((نه)): أي محاجه ومغالبه بإظهار الحجج عليه، والحجة الدليل والبرهان، يقال: حاججته حجاجا ومحاجة وأنا حجاج، وحجيج فعيل بمعنى فاعل.
الحديث الثالث عن أميمة: قوله: ((فيما استطعتن)) متعلق بمحذوف أي أبايعكن فيما استطعتن كأنه صلى الله عليه وسلم أشفق عليهن؛ حيث قيد المبايعة في التكاليف بالاستطاعة؛ ومن ثمة قالت: الله ورسوله أرحم بنا منا، و ((بنا)) متعلق بقوله:((أرحم)) ، وبأنفسنا تأكيد له. فإن قلت: كيف يطابق قوله: ((إنما قولي لمائة امرأة)) جوابا عن قولها: صافحنا؛ لأنها طلبت المصافحة باليد فأجابها بالقول، وطلبت المصافحة لسائرهن فقال:((قولي لمائة امرأة كقولي لمرأة واحدة)). قلت: قوله: ((إنما قولي)) رد لقولها: صافحنا بوجهين أحدهما: أن المبايعة مقصورة علي القول دون الفعل. وثإنيهما: أن قولي لك بمحضر النساء كقولي لسائرهن. والله أعلم.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن البراء: قوله: ((يدخل مكة)) مفعول به أي لم يذروه أن يدخل، فحذف
أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة، حتى قاضاهم علي أن يدخل – يعني من العام المقبل – يقيم بها ثلاثة أيام. فلما كتبوا الكتاب، كتبوا: هذا ما قاضي عليه محمد رسول الله. قالوا: لا نقر بها، فلو نعلم أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منعناك، ولكن أنت محمد بن عبد الله. فقال:((أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله)). ثم قال لعلي بن أبي طالب: ((امح رسول الله)) قال: لا والله، لا أمحوك أبدا. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس يحسن يكتب، فكتب: ((هذا ما قاضي عليه محمد بن عبد الله: لا يدخل مكة بالسلاح إلا السيف في القراب، وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه، وأن
ــ
((أن)) فارتفع الفعل. قوله: ((فلو نعلم)) فإن قلت: ((لو)) تقتضي أن يليها الماضي فما فائدة العدول إلي المضارع؟ قلت: ليدل علي الاستمرار أي استمرار عدم علمنا برسالتك في سائر الأزمنة بل الماضي والمضارع، كقوله تعالي:{لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} وقولك: لو تحسن إلي لشكرت.
قوله: ((أنا محمد بن عبد الله)) هو من الأسلوب الحكيم يعني استدراككم بقولكم: ((أنت محمد بن عبد الله)) بدل قولي: ((محمد رسول الله)) يؤذن بأن الجمع بينهما غير مستقيم، وليس كذلك لأن الرسالة تثبت بدعواها وإثبات المعجزة، وقد حصل ذلك، وهو كقول الرسل:{قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إنَّا إلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} جوابا علي قولهم: {مَا أَنتُمْ إلَاّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} .
قوله: ((وليس يحسن يكتب)) أي وليس يحسن أن يكتب، فحذف أن وهو جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه، أي فأخذ الكتاب فكتب، كذا في بعض رواية البخاري.
وقوله: ((ليس يحسن يكتب)) يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون من باب قوله: علي لا حب لا يهتدي بمنارة، وقوله تعالي:{ولا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} أي لا كتابة ولا إجادة فيها وعلي هذا وقع الاختلاف.
((مح)): قال القاضي عياض: احتج بهذا أناس علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب ذلك بيده، وقالوا: إن الله تعالي أجرى ذلك علي يده، إما بأن كتب القلم بيده وهو غير عالم بما كتب، أو بأن الله تعالي علمه ذلك حينئذ، زيادة في معجزته كما علمه ما لم يعلم، وجعله تاليا بعدما لم يكن يتلو بعد النبوة، وهو لا يقدح في وصفه بالأمي. واحتجوا بآثار جاءت في هذا عن الشعبي وبعض