الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحتفئوا بها بقلاً، فشأنكم بها)) معناه: إذا لم تجدوا صبوحاً أو غبوقاً ولم تجدوا بقلة تأكلونها حلت لكم الميتة. رواه الدارمي. [4262]
(3) باب الأشربة
الفصل الأول
4263 -
عن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفس في الشراب ثلاثاً متفق عليه. وزاد مسلم في رواية ويقول: ((إنه أروى وأبرأ وأمرأ)).
ــ
تحتفئوا بها)) ((نه)): قال أبو سعيد الضرير: صوابه ((ما لم تحتفوا بها)) بغير همز من إحفاء الشعر. ومن قال: ((تحتفئوا)) مهموزاً من الحفاء وهو البردي فباطل؛ لأن البردي ليس من البقول. وقال أبو عبيد: هو من الحفاء مهموز مقصور، وهو أصل البردي الأبيض الرطب منه، وقد يؤكل، يقول: ما لم تقتلعوا هذا بعينه فتأكلوه. ويروى ((ما لم تختفوا)) بتشديد الفاء من ((أحففت الشيء)): إذا أخذته كله، كما تحف المرأة وجهها من الشعر. ويروى ((ما لم تجتفوا بقلا)) بالجيم أي تقلعوه وترموا به، من ((جفات القدر)): إذا رميت بما يجتمع على رأسها من الزبد والوسخ. ويروى بالخاء فيقال: خفيت الشيء إذا أظهرته، وأخفيته إذا سترته.
أقول: ((أو)) في القرينتين يحتمل أن تكون بمعنى الواو كما في قوله تعالى: {عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} قال القتيبي: هو بمعنى الواو، قال القتيبي: هو بمعنى الواو، فيجب الجمع بين الخلال الثلاث حتى يحل له تناول الميتة. وعليه ظاهر كلام الشيخ التوربشتي. وأن يكون لأحد الأمرين كما عليه ظاهر كلام الإمام في شرح السنة حيث قال: إذا اصطبح الرجل أو تغذى بالطعام لم يحل له نهاره ذلك أكل الميتة. وكذلك إذا تعشى أو شرب غبوقاً لم يحل له ليلته تلك؛ لأنه يتبلغ بتلك الشربة.
وقوله: ((ما لم تصطحبوه)) ((ما)) للمدة، والعامل محذوف كأنه قيل: تحل لكم مدة عدم اصطباحكم. والفاء في ((فشأنكم)) جزاء شرط محذوف، ويحتمل أن تكون شرطية، وقوله: جزاؤه أي مهما فقدتم هذه الأشياء فالتزموا تناول الميتة، كقوله تعالى:{ومَا عَلَّمْتُم مِّنَ الجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا} . ((حس)): قال مسروق: من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل ولم يشرب حتى يموت دخل النار. قال معمر: ولم يسمع في الخمر رخصة، والله أعلم.
باب الأشربة
الفصل الأول
الحديث الأول عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((يتنفس في الشراب)) ((حس)): المراد من هذا
4264 -
وعن ابن عباس، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من في السقاء. متفق عليه.
4265 -
وعن أبي سعيد الخدري، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية. زاد في رواية: واختناثها: أن يقلب رأسها ثم يشرب منه. متفق عليه.
4266 -
وعن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه نهى أن يشرب الرجل قائماً. رواه مسلم.
4267 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يشربن أحد منكم قائماً، فمن نسي منكم فليستقئ)). رواه مسلم.
ــ
الحديث أن يشرب ثلاثاً، كل ذلك يبين الإناء عن فيه. ((قض)): الشرب بثلاث دفعات أقمع للعطش، وأقوى على الهضم، وأقل أثراً في برد المعدة وضعف الأعصاب. ((شف)):((أروى)) أشد رواء فحذف الوصلة كقوله: ((أذهب للب الرجل الحازم)). ((مظ)): و ((أبرأ)) أي أكثر إبراء أي صحة للبدن ((وأمرأ)) أي أكثر مراءة.
الحديث الثاني عن ابن عباس: قوله: ((من في السقاء)) ((مظ)): وذلك أن جريان الماء دفعة وانصبابه في المعدة مضر بها. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدفعات كما سبق.
الحديث الثالث عن أبي سعيد: قوله: ((عن اختناث الأسقية)) الاختناث أن يكسر شفة القربة ويشرب منها. قيل: إن الشرب منها كذلك، إذ دام مما يغير ريحها، وقد جاء في حديث آخر إباحة ذلك، فيحتمل أن يكون النهي عن السقاء الكبير دون الإداوة ونحوها، أو أنه أباحه للضرورة والحاجة إليه، والنهي لئلا يكون عادة. وقيل: إنما نهاه لسعة فم السقاء لئلا ينصب الماء عليه، أو أنه يكون الثاني ناسخاً للأول. وقيل: لأنه ربما يكون فيه دابة، وقد روى عن أيوب قال: نبئت أن رجلا شرب من في السقاء فخرجت منه حية.
الحديث الرابع عن [أنس]: قوله: ((نهى أن يشرب الرجل قائما)) ((مح)): وفي رواية: ((حذر عن الشرب قائما)). وفي حديث أبي هريرة: ((لا يشربن أحدكم قائماً، فمن نسي فليستقئ)). وعن ابن عباس: ((سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمزم، فشرب وهو قائم)) وفي أخرى انه صلى الله عليه وسلم شرب من زمزم وهو قائم. وروى أن عليا – رضي الله عنه شرب قائما، قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت.
وقد أشكل على بعضهم وجه التوفيق بين هذه الأحاديث، وأولوا بما لا جدوى في نقلها. والصواب فيها أن النهي محمول على كراهة التنزيه. وأما شربه صلى الله عليه وسلم قائماً فبيان للجواز. وأما من زعم النسخ أو الضعف فقد غلط غلطاً فاحشاً، وكيف يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع بينهما لو ثبت التاريخ، وأنى لو بذلك وإلى القول بالضعف مع صحة الكل.
4268 _
* وعن ابن عباس، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء زمزم، فشرب وهو قائم. متفق عليه.
4269 -
وعن علي – رضي الله عنه: أنه صلى الظهر ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة، حتى حضرت صلاة العصر، ثم أتي بماء، فشرب وغسل وجهه ويديه، وذكر رأسه ورجليه، ثم قام فشرب فضله وهو قائم، ثم قال: إن أناساً يكرهون الشرب قائماً، وإن النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثلما صنعت. رواه البخاري.
4270 -
وعن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأنصار، ومعه صاحب
ــ
وأما قوله: ((فمن نسي فليستقئ)) فمحمول على الاستحباب، فيستحب لمن شرب قائماً أن يتقيأه لهذا الحديث الصحيح الصريح؛ فإن الأمر إذا تعذر حمله على الوجوب حمل على الاستحباب. ((قض)): هذا النهي من قبيل التأديب والإرشاد إلى ما هو الأخلق والأولى، وليس نهى تحريم، حتى يعارضه ما روى أنه فعل خلاف ذلك مرة أو مرتين.
الحديث الخامس إلى الثامن عن علي رضي الله عنه: قوله: ((وذكر رأسه)) أي ذكر الراوي بعد قوله: ((وجهه ويديه)) ((رأسه ورجليه)). وفائدة الذكر أن [راوي الراوي] نسي ما ذكره الراوي الأول في شأن الرأس والرجلين. و ((فشرب)) عطف على ((قام)). وقوله: ((وهو قائم)) حال مؤكدة، وإنما جيء بها لرفع توهم من يزعم أنه بعد القيام قعد فشرب.
وقوله: ((إن أناساً)) التنكير فيه للتحقير ذماً لهم لهم على ما زعموا كراهة الشرب في حالة القيام، ومصحح وقوعه اسم إن معنى التنكير فيه كقولهم: شر أهر ذا ناب. والكلام فيه إنكار. وقوله: ((إن النبي صلى الله عليه وسلم) حال مقررة لجهة الإشكال كقوله تعالى: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} . وهذا الحديث يرد زعم من أثبت النسخ في الشرب قائماً؛ لأنه رضي الله عنه فعل ذلك وهو بالكوفة.
((حس)): ممن رخص في الشرب قائماً علي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم. وأما النهي فنهى أدب وإرفاق؛ ليكون تناوله على سكون وطمأنينة فيكون أبعد عن الفساد.
الحديث التاسع عن جابر: قوله: ((وهو يحول الماء)) ((تو)): يحول الماء أي ينقله من عمق البئر إلى ظاهرها. ((مظ)): أي يجري الماء من جانب إلى جانب في بستانه.
له، فسلم فرد الرجل وهو يحول الماء في حائط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((إن كان عندك ماء بات في شنة وإلا كرعنا؟)) فقال: عندي ماء بات في شن، فانطلق إلى العريش فسكب في قدح ماءاً، ثم حلب عليه من داجن، فشرب النبي صلى الله عليه وسلم ثم أعاد فشرب الرجل الذي جاء معه. رواه البخاري.
4271 -
وعن أم سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)). متفق عليه. وفي رواية لمسلم: ((إن الذي يأكل ويشرب في آنية الفضة والذهب)).
ــ
قوله: ((في شنة)) ((تو)): الشن والشنة القربة الخلقة، وهو أشد تبريداً للماء من الجديدة، والجمع الشنان. انتهى كلامه. قوله:((وإلا كرعنا)) ((إن)) فيه شرطية، أدغمت في ((لا)) النافية، أي: إن كان عندك ماء فأتنا به، وإن لم يكن ((كرعناه)): وهو التناول بالفم من غير أن يشرب بكفيه. و ((العريش)) المسقف من البستان بالأغصان، وأكثر ما يكون في الكروم. قال ابن السكيت: شاة داجن: إذا ألفت البيوت واستأنست.
الحديث العاشر عن أم سلمة: قوله: ((يجرجر)) ((مح)): اختلفوا في ((نار جهنم)) أمنصوب هي أم مرفوعة؟ ، والصحيح المشهور النصب، ورجحه الزجاج والخطابي والأكثرون، ويؤيده الرواية الثالثة ((ناراً من جهنم)). وروينا في مسند الأسفرائني من رواية عائشة رضي الله عنها:((في جوفه ناراً)) من غير ذكر جهنم. ((فا)): الأكثر النصب فالشارب هو الفاعل والنار مفعوله، يقال: جرجر فلان الماء إذا جرعه جرعاً متواترا له صوت، فالمعنى كأنما يجرع نار جهنم. وأما الرفع فمجاز؛ لأن جهنم على الحقيقة لا تجرجر في جوفه. والجرجرة صوت البعير عند الضجر، ولكنه جعل صوت جرع الإنسان للماء في هذه الأواني المخصوصة؛ لوقوع النهي عنها، واستحقاق العقاب على استعمالها كجرجرة نار جهنم في بطنه من طريق المجاز. وقد ذكر ((يجرجر)) بالياء للفصل بينه وبين النار.
((مح)): أجمعوا على تحريم الأكل والشرب في إناء الذهب والفضة على الرجل والمرأة، ولم يخالف في ذلك أحد إلا ما حكاه أصحابنا العراقيون، أن للشافعي قولا قديماً، أنه يكره ولا يحرم. وحكى عن داود الظاهري تحريم الشرب وجواز الأكل وسائر وجوه الاستعمالات، وهما باطلان بالنصوص والإجماع، فيحرم استعمالها في الأكل والشرب والطهارة، والأكل بالملعقة من أحدهما، والتجمر بمجمره، والبول في الإناء وسائر استعمالها في الأكل والطهارة، والأكل بالملعقة من أحدهما، والتجمر بمجمره، والبول في الإناء وسائر استعمالهما سواء كان صغيراً أو كبيراً.
قالوا: وإن ابتلى في طعام فيهما فليخرجه إلى إناء آخر من غيرهما، وإن ابتلى بالدهن في قارورة فضة فليصبه في يده اليسرى، ثم يصبه في اليمنى ويستعمله. ويحرم تزيين البيوت
4272 -
وعن حذيفة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها؛ فإنها لهم في الدنيا وهي لكم في الآخرة)). متفق عليه.
4273 -
وعن أنس، قال: حلبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة داجن، وشيب لبنها بماء من البئر التي في دار أنس، فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم القدح، فشرب وعلى يساره أبو بكر، وعن يمينه أعرابي، فقال عمر: أعط أبا بكر يا رسول الله!، فأعطى الأعرابي الذي عن يمينه، ثم قال:((الأيمن فالأيمن)) وفي رواية: الأيمنون الأيمنون، ألا فيمنوا)). متفق عليه.
ــ
والحوانيت وغيرهما بأوانيهما. قال الشافعي والأصحاب: ولو توضأ أو اغتسل من إناء ذهب أو فضة عصى بالفعل، وصح وضوؤه وغسله. وكذا لو أكل أو شرب منه فعصى، ولا يكون المأكول والمشروب حراماً، وأما إذا اضطر إليهما فله استعمالهما كما يباح له الميتة. وبيعهما صحيح؛ لأن ذلك عين طاهرة ويمكن الانتفاع بها بعد الكسر.
الحديث الحادي عشر عن حذيفة: قوله: ((لهم في الدنيا)) الضمير للكفار وإن لم يجر لهم ذكر؛ لدلالة السياق عليه. ((مح)): ليس في الحديث حجة لمن يقول: الكفار غير مخاطبين بالفروع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصرح فيه بإباحته لهم. وإنما أخبر عن الواقع في العادة أنهم هم الذين يستعملونه في الدنيا، وإن كان حراماً عليهم كما هو حرام على المسلمين.
الحديث الثاني عشر والثالث عشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((فأعطى الأعرابي الذي على يمينه)) فإن قالت: لم استعمل ((على)) ها هنا و ((عن)) أولا؟. قلت: الوجه فيه أن تجرد ((عن)) و ((على)) عن معنى التجاوز والاستعلاء، ويراد بهما الحصول من اليمين والشمال. ولو قصدت معناهما لركبت شططا.
الكشاف في قوله تعالى: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ومِنْ خَلْفِهِمْ وعَنْ أَيْمَانِهِمْ وعَن شَمَائِلِهِمْ} المفعول فيه عدى إليه الفعل نحو تعديته إلى المفعول به، فكما اختلفت حروف التعدية في ذلك، اختلف في هذا، وكانت لغة تؤخذ ولا تقاس، وإنما يفتش عن صحة موقعها فقط. فلما سمعناهم يقولون: جلس على يمينه وعن يمينه وعن شماله وعلى شماله، قلنا: معنى ((على يمينه)) أنه تمكن من جهة اليمين تمكن المستعلي من المستعلي عليه. ومعنى ((عن
4274 -
وعن سهل بن سعد، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح، فشرب منه وعن يمينه غلام أصغر القوم، والأشياخ عن يساره. فقال:((يا غلام! أتاذن أن أعطيه الأشياخ؟)) فقال: ما كنت لأوثر بفضل منك أحداً يا رسول الله! فأعطاه إياه. متفق عليه.
وحديث أبي قتادة [سنذكره] في ((باب المعجزات)) إن شاء الله تعالى.
ــ
يمينه)) أي جلس متجافيا عن صاحب اليمين، ثم كثر حتى استعمل في المتجافي وغيره كما في ذكرنا في ((تعال)).
قوله: ((الأيمن فالأيمن)) ((مح)): ضبطه بالنصب والرفع وهما صحيحان، النصب على تقدير ((أعطى الأيمن)) والرفع على تقدير ((الأيمن أحق)) أو نحو ذلك. وفي رواية أخرى:((الأيمنون)) وهو يرجح الرفع.
وفيه استحباب التيامن في كل ما كان من أنواع الإكرام، وأن الأيمن في الشراب ونحوه يقدم، وإن كان صغيراً ومفضولاً؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم الأعرابي والغلام. وأما تقديم الأفاضل والكبار فهو عند التساوي في باقي الأوصاف؛ ولهذا يقدم الأعلم الأقرأ على الأسن النسيب في الإمامة في الصلاة. وقيل: إنما استأذن الغلام دون الأعرابي إدلالا على الغلام وهو ابن عباس؛ وتطييباً لنفسه بالاستئذان نفسه، لاسيما والأشياخ أقاربه، ومنهم خالد بن الوليد.
وفي بعض الروايات ((عمك وابن عمك)) وفعل ذلك أيضاً استئناساً لقلوب الأشياخ وإعلاما بودهم وإيثار كرامتهم. وإنما لم يستأذن الأعرابي مخافة إيحاشه وتأليفاً لقلبه لقرب عهده بالجاهلية وعدم تمكنه من معرفة خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. واتفقوا أنه لا يؤثر في القرب الدينية والطاعات، وإنما الإيثار ما كان في حظوظ النفوس، فيكره أن يؤثر غيره موضعه من الصف الأول مثلا.
وفيه أن من سبق إلى موضع مباح أو من مجلس العالم والكبير فهو أحق به ممن يجيء بعده. وأما قول عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعط أبا بكر)) فإنما قاله للتذكير بأبي بكر؛ مخافة من نسيانه وإعلاماً لذلك الأعرابي الذي على اليمين بجلالة أبي بكر رضي الله عنه. انتهى كلامه.
وقوله: ((أصغر القوم)) خبر مبتدأ محذوف، والجملة صفة ((غلام)) واللام في ((لأوثر)) لتأكيد النفي، أي لا ينبغي لي ولا يستقيم مني أن أوثر فضلك هذا، وإنما نكره تعظيماً أو تقليلاً ليعم.
الفصل الثاني
4275 -
عن ابن عمر، قال: كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام. رواه الترمذي، وابن ماجه، والدارمي. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. [4275]
4276 -
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائماً وقاعداً. رواه الترمذي. [4276]
4277 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء، أو ينفخ فيه. رواه أبو داود، وابن ماجه. [4277]
4278 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تشربوا واحداً كشرب البعير، ولكن اشربوا مثنى وثلاث، وسموا إذا أنتم شربتم، واحمدوا إذا أنتم رفعتم)). رواه الترمذي. [4278]
4279 -
وعن أبي سعيد الخدري، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الشراب. فقال رجل: القذاة أراها في الإناء. قال: ((أهرقها)). قال: فإني لا أروى من نفس واحد. قال: ((فأبن القدح عن فيك، ثم تنفس)). رواه الترمذي، والدارمي [4279]
ــ
الفصل الثاني
الحديث الأول إلى الرابع عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((لا تشربوا واحداً كشرب العبير)) موقعه التأخير أي اشربوا مثنى وثلاث، ولا تشربوا واحداً كشرب البعير، فقدم الأمر على النهي اهتماماً كقوله تعالى {ولَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ فَلا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إسْرَائِيلَ} قدم {فَلا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ} اهتماماً بشأنه؛ ولأن الشرب مراراً لإبانة القدح حذراً عن التنفس في الإناء مسنون لا كشرب البعير؛ فإنه يتنفس عند الكرع فيه.
4280 -
وعنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من ثلمة القدح، وأن ينفخ في الشراب. رواه أبو داود. [4280]
4281 -
وعن كبشة، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب من في قربة معلقة قائماً، فقمت إلى فيها فقطعته. رواه الترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح. [4281]
4282 -
وعن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلو البارد. رواه الترمذي، وقال: والصحيح ما روى عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. [4282]
4283 -
وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه. وإذا سقي لبنا فليقل: اللهم بارك بارك لنا فيه، وزدنا منه؛ فإنه ليس شيء يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن)). رواه الترمذي، وأبو داود. [4283]
ــ
((حس)): النهي عن التنفس فيه من أجل ما يخاف أن يبرز من ريقه فيقع في الماء، وقد يكون النكهة من بعض من يشرب متغيرة، فتعلق الرائحة بالماء لرقته ولطفه، ثم إنه من فعل الدواب إذا كرعت في الأواني جرعت ثم تنفست فيها ثم عادت فشربت، فيكون الأحسن أن يتنفس بعد إبانة الإناء عن فمه كما جاء بعده ((فأبن القدح عن فيك)).
الحديث الخامس والسادس عن أبي سعيد: قوله: ((من ثلمة القدح)) من موضع الكسر منه. ((خط)): إنما نهى عن الشرب من ثلمة القدح؛ لأنها لا تتماسك عليها شفة الشارب، فإذا شرب منها ينصب الماء على وجهه وثوبه.
الحديث السابع عن كبشة: قوله: ((فقطعته)) وفي معناه ما روى عن أم سليم أنها قالت بعد ما قامت إليها: ((فقطعتها لا يشرب منها أحد بعد شرب النبي صلى الله عليه وسلم منه)). والله أعلم.
الحديث الثامن والتاسع والعاشر عن ابن عباس: قوله: ((فإنه ليس شيء يجزئ)) ((خط)): هذا لفظ مسدد، وهو الذي روى عنه أبو داود هذا الحديث، فظاهر اللفظ يوهم انه من تتمة