الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1) باب الفأل والطيرة
الفصل الأول
4576 -
عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا طيرة، وخيرها الفأل)) قالوا: وما الفأل؟ قال: ((الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم)) متفق عليه.
4577 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر من الأسد)) رواه البخاري.
ــ
باب الفأل والطيرة
((نه)): الفأل مهموز فيما يسر ويسوء. والطيرة لا تكون إلا فيما يسوء. وربما استعملت فيما يسر. والطيرة بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن هي التشاؤم بالشيء، وهو مصدر تطير طيرة وتخير خيرة، ولم يجيء من المصادر هكذا غيرهما. وأصله فيما يقال: التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما. وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه. وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر. انتهى كلامه. والفرق بين الفأل والطيرة يفهم مما روى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:((لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل قالوا: وما الفأل؟ قال: كلمة طيبة)).
الفصل الأول
الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((وخيرها الفأل)) الضمير المؤنث راجع إلى ((الطيرة))، وقد علم أن لا خير فيها، فهو كقوله تعالى:{أَصْحَابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًا} هذا مبني على زعمهم، أو هو من باب قولهم: الصيف أحر من الشتاء أي الفأل في بابه أبلغ من الطيرة في بابها. ومعنى الترخص في الفأل والمنع من الطيرة، وهو أن الشخص لو رأي شيئاً فظنه حسناً ويحرضه على طلب حاجته، فليفعل ذلك، وإن رأي ما يعده مشئوما ويمنعه من المضي إلى حاجته، فلا يجوز قبوله بل يمضي لسبيله. فإذا قبل وانتهى عن المضي في طلب حاجته فهو الطيرة؛ لأنها اختصت بأن تستعمل في الشؤم. قال الله تعالى:{إنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} أي [تشاءمنا] بكم. قوال: {طَائِرُكُم مَّعَكُمْ} أي سبب شؤمكم معكم.
الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لا عدوى)) ((تو)): العدوى هنا مجاوزة العلة من صاحبها إلى غيره. يقال: أعدى فلان فلانا من خلقه أو من علة به. وذلك على ما
ــ
يذهب إليه المتطببة في علل سبع: الجذام والجرب والجدري والحصبة والبخر والرمد والأمراض الوبائية. وقد اختلف العلماء في التأويل، فمنهم من يقول: إن المراد منه نفي ذلك وإبطاله على ما يدل عليه ظاهر الحديث، والقرائن [المسوقة] على العدوى، وهم الأكثرون. ومنهم من يرى أنه لم يرد إبطالها فقد قال صلى الله عليه وسلم:((فر من المجذوم كما تفر من الأسد)) وقال: ((لا يوردن ذو عاهة على مصح)).
وإنما أراد بذلك نفي ما كان يعتقده أصحاب الطبيعة؛ فإنهم كانوا يرون أن العلل المعدية مؤثرة لا محالة، فأعلمهم بقوله هذا أن ليس الأمر على ما تتوهمون، بل هو متعلق بالمشيئة إن شاء كان، وإن لم يشأ لم يكن. ويشير إلى هذا المعنى قوله:((فمن أعدى الأول؟)) أي: إن كنتم ترون أن السبب في ذلك العدوى لا غير، فمن أعدى الأول؟ ، وبين بقوله:((فر من المجذوم)) وبقوله: ((لا يوردن ذو عاهة على مصح)) أن مداناة ذلك من أسباب العلة، فليتقه اتقاءه من الجدار المائل والسفينة المعيوبة، وقد رد الفرقة الأولى على الثانية قد استدلالهم بالحديثين أن النهي فيهما إنما جاء شفقا على مباشر أحد الأمرين، فتصيبه علة في نفسه أو عاهة في بدنه، فيعتقد أن العدوى حق.
قال: وأرى القول الثاني أولى التأويلين؛ لما فيه [من] التوفيق بين الأحاديث الواردة فيه ثم؛ لأن القول الأول يفضي إلى تعطيل الأصول الطبية، ولم يرد الشرع بتعطيلها بل ورد بإثباته، والعبرة بها على وجه لا يناقض أصول التوحيد. ولا مناقضة في القول بها على الوجه الذي ذكرناه.
وأما استدلالهم بالقرائن المنسوقة عليها، فإنا قد وجدنا الشارع قد يجمع في النهي بين ما هو حرام، وبين ما هو مكروه، وبين ما ينهي عنه لمعنى، وبين ما ينهي عنه لمعان كثيرة. ويدل على صحة ما ذكرنا قوله صلى الله عليه وسلم للمجذوم المبايع:((قد بايعناك فارجع)) في حديث الشريد بن سويد الثقفي، وهو مذكور بعد. وقوله صلى الله عليه وسلم للمجذوم الذي أخذ بيده فوضعها معه في القصعة:((كل ثقة بالله وتوكلا عليه)). ولا سبيل إلى التوفيق بين هذين الحديثين إلا من هذا الوجه، يبين بالأول التوقي من أسباب التلف، وبالثاني التوكل على الله في متاركة الأسباب؛ ليثبت بالأول التعرض بالأسباب وهو سنة. وبالثاني ترك الأسباب وهو حاله.
قوله: ((ولا طيرة)) مضى بحثه في ترجمة الباب. قوله: ((ولا هامة)) قال أبو داود في سننه: قال بقية: سألت محمد بن راشد عن قوله: ((لا هامة)) قال: كان أهل الجاهلية يقولون: ليس أحد يموت فيدفن إلا خرج من قبره هامة.
((مح)): هي بتخفيف الميم على المشهور. وقيل: بتشديدها. وفيها تأويلان: أحدهما: أن العرب كانت تتشاءم بها، وهي من طير الليل. وقيل: هي البومة. قالوا: كانت إذا سقطت على دار أحدهم فيراها ناعية له نفسه أو بعض أهله، وهو تفسير مالك بن أنس. وثانيهما: كانت
4578 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى ولا هامة ولا صفر)). فقال أعرابي: يا رسول الله! فما بال الإبل تكون في الرمل لكأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها؟ فقال رسول الله: ((فمن أعدى الأول)) رواه البخاري.
4579 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى ولا هامة ولا نوء ولا صفر)) رواه مسلم.
ــ
تعتقد أن عظام الميت وقيل: روحه، تنقلب هامة تطير، وهذا تفسير أكثر العلماء وهو المشهور. ويجوز أن يكون المراد النوعين معا فإنهما باطلان.
قوله: ((ولا صفر)) قال أبو داود في سننه: قال بقية: سألت محمد بن راشد عنه فقال: كانوا يتشاءمون بدخول صفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((لا صفر)). قال: وسمعت من يقول: هو وجع يأخذ في البطن، يزعمون أنه يعدي. قال أبو داود: قال مالك: كان أهل الجاهلية يحلون صفرا عاما ويحرمونه عاما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا صفر)).
((مح)): قيل: كانت العرب تعتقد أن في البطن دابة تهيج عند الرجوع، وربما قتلت صاحبها، وكانت العرب تراها أعدى من الجرب. وهذا التفسير هو الصحيح، وبه قال مطرف وابن وهب وأبو عبيد وغيرهم. وقد ذكره مسلم عن جابر بن عبد الله راوي الحديث فتعين اعتماده. قال الراغب: سمعت العرب بالصفر الذي هو [الخلوصية] الجوف من حيث إنه يتألم به الجوف. وذلك أن العرق الممتد من الكبد إلى المعدة إذا لم يجد غذاء امتص آخر المعدة، فاعتقدت جهلة العرب أن ذلك حية في البطن تعض [الشراسيف]، حتى نفي النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:((لا صفر)). وأنشد للأعشى:
لا يغمز الساق من [أبن] ولا تعب ولا يعض على شرسوفه الصفر
((فض)): ويحتمل أن يكون نفيا لما يتوهم أن شهر صفر تكثر فيه الدواهي والفتن.
الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: وقوله: ((في الرمل)) هو خبر كان و ((كأنها الظباء)) حال من الضمير المستتر في الخبر، وهو تتميم لمعنى النقاوة؛ وذلك لأنه إذا كان في الترب ربما يلصق به شيء منه وقوله:((فمن أعدى الأول)) إنما أتى بـ ((من)) والظاهر أن يقال فما أعدى الأول ليجاب بقوله: الله تعالى. وذكر ((أعدى)) للمشاكلة والازدواج، كما في قوله: كما تدين تدان.
الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ولا نوء)) ((نه)): الأنواء منازل القمر وكانت العرب تزعم أن عند كل نوء مطرا وينسبونه إليه، فيقولون: مطرنا بنوء كذا. وإنما سمؤ نوء؛ لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب فالطالع بالمشرق ينوء نوءا، أي ينهض ويطلع.
4580 -
وعن جابر، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا عدوى ولا صفر ولا غول)) رواه مسلم.
ــ
وقيل: أراد بالنوء الغروب وهو من الأضداد. قال أبو عبيد: لم يسمع في النوء أنه السقوط إلا في هذا الموضع.
وإنما غلظ النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الأنواء؛ لأن العرب كانت تنسب المطر إليها. فأما من جعل المطر من فعل الله تعالى وأراد بقوله: مطرنا بنوء كذا، أي في وقت كذا وهو هذا النوء الفلاني، فإن ذلك جائز. أي إن الله تعالى قد أجرى العادة أن يأتي المطر في هذه الأوقات.
الحديث الخامس عن جابر: قوله: ((لا غلول)) ((نه)): الغول واحد الغيلان وهي جنس من الجن والشياطين، كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة تترأي للناس، فيتغول تغولا أي يتلون تلونا في صور شتى، ويغولهم أي يضلهم عن الطريق ويهلكهم، فنفاه النبي صلى الله عليه وسلم وأبطله.
وقيل: قوله: ((لا غلول)) ليس نفيا لعين الغول ووجوده. وإنما فيه إبطال زعم العرب في تلونه بالصورة المختلفة واغتياله، فيكون المعنى بقوله:((لا غول)) إنها لا تستطيع أن تضل أحدا.
ويشهد له الحديث الآخر: ((لا غول ولكن السعالى)) والسعالى سحرة الجن، أي ولكن في الجنة سحرة لهم تلبيس وتخييل. ومنه الحديث:((إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان))، أي ادفعوا شرها بذكر الله تعالى. وهذا يدل على أنه لم يرد بنفيها عدمها. ومنه حديث أبي أيوب:((كان لي ثمرة في سهوة، وكانت الغيل تجيء فتأخذه)).
((تو)): قال الطحاوي: يحتمل أن الغول قد كان ثم دفعه الله تعالى عن عباده وعن بعضهم.
هذا ليس ببعيد؛ لأنه يحتمل أنه من خصائص بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم ونظيره منع الشياطين من استراق السمع بالشهاب الثاقب.
أقول: إن (لا) التي لنفي الجنس دخلت على المذكورات ونفت ذواتها، وهي غير منفية فتوجه النفي إلى أوصافها وأحوالها التي هي مخالفة للشرع؛ فإن العدوى وصفر وهامة والنوء موجودة والمنفي هو ما زعمت الجاهلية إثباتها، فإن نفي الذات لإرادة نفي الصفات أبلغ، لأنه من باب الكناية. وقريب منه قوله تعالى:{فَلا تَمُوتُنَّ إلَاّ وأَنتُم مُّسْلِمُونَ} . فنهاهم عن الموت وهو ليس بمقدورهم، فالمنفي هو حالة إذا أدركهم الموت لم يجدهم عليها، وهي أن يكونوا على غير ملة الإسلام. فالوجه ما ذهب إليه صاحب النهاية من الوجه الثاني. واختاره الشيخ التوربشتى.
4581 -
وعن عمرو بن الشريد، عن أبيه، قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم:((إنا قد بايعناك فارجع)) رواه مسلم.
الفصل الثاني
4582 -
عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفاءل ولا يتطير، وكان يحب الاسم الحسن رواه في ((شرح السنة)). [4582]
4583 -
وعن قطن بن قبيصه، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((العيافة والطرق والطيرة من الجبت)) رواه أبو داود. [4583]
ــ
الحديث السادس عن عمرو: قوله: ((إنا قد بايعناك فارجع)) هذا إرشاد إلى رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم يكن له درجة التوكل أن يراعي الأسباب، فإن لكل شيء من الموجودات خاصية وأثرا أودعها فيه الحكيم جل وعلا.
الفصل الثاني
الحديث الأول عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((كان يحب الاسم الحسن)) هو بيان تفاؤله صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يتجاوز عن ذلك، يدل عليه حديث أنس وبريدة كما سيجيء.
الحديث الثاني عن قطن: قوله: ((العيافة)) ((نه)): العيافة رجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها، وهو من عادة العرب كثيرا، وهو كثير في أشعارهم. يقال: عاف يعيف عيفا إذا رجر وحدس وظن. وبنو أسد يذكرون بالعيافة ويوصفون بها. قيل عنهم: إن قوما من الجن تذاكروا عيافتهم فأتوهم، فقالوا: ضلت لنا ناقة فلو أرسلتم معنا من يعيف، فقالوا لغليم منهم: انطلق معهم. فاستردفه أحدهم، ثم ساروا، فلقيهم عقاب كاسرة إحدى جناحيها، فاقشعر الغلام وبكى. فقالوا: ما لك؟ فقال: كسرت جناحا، ورفعت جناحا، وحلفت بالله صراحا، ما أنت بإنسي ولا تبغي لقاحا.
وأنشد الشيخ التوبشتي:
وقال صحابي: هدهد فوق بأنه هدى وبيان بالنجاح يلوح
وقالوا: حمامات فحم [لقاؤها] وطلح [فثلت] والمطي طليح
وقال آخر: يغني الطائان ببين سلمى على غصنين من غرب وبان
وقال آخر: جرت سنحا، فقلت لها: أجيري نوى مشمولة، فمتى اللقاء؟
4584 -
وعن عبد الله بن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((الطيرة شرك)) قاله ثلاثا، وما منا إلا؛ ولكن الله يذهبه بالتوكل. رواه أبو داود، والترمذي، وقال: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان سليمان بن حرب يقول في هذا الحديث: ((وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل)) هذا عندي قول ابن مسعود. [4584]
ــ
السانح مما كانوا يتيمنون به. أي قلت للنفس: أجيري أي خلفي حال نوى. والمشمولة المكروهة من الشمال، فإنهم يكرهونها لما فيها من البرد، وذهابها بالغيم الذي فيه الخصب [والحيا].
قوله: ((والطرق)) ((نه)): هو الضرب بالحصى الذي يفعله النساء. وقيل: هو الخط في الرمل واقتصر في الفائق على الوجه الأول. وأنشد قول لبيد:
لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانع
((فا)): الجبت هو السحر والكهانة. وقيل: هو كل ما عبد من دون الله. وقيل: هو الساحر. قوله: ((من الجبت)) معناه من عمل الجبت. وقالوا: ليست بعربية. وعن سعيد بن جبير: هي هبشيةز وقال قطرب: الجبت عند العرب الخسيس الذي لا خير عنده. انتهى كلامه. وعن بعضهم: ولا بد من إضمار في الأولين، مثل: إنه يماثل عبادة الجبت، أو من قبيلها، أو من أعمال الجبت، أي الساحر.
أقول: ((من)) فيه إما ابتدائية أو تبعيضية، فعلى الأول المعنى: الطيرة ناشئة من الساحر. وعلى الثاني: الطيرة من جملة السحر والكهانة، أو من جملة عبادة غير الله، أي الشرك، يؤيده قوله في الحديث الآتي:((الطيرة شرك)). ويجوز أن يكون على هذا أيضا ابتدائية، أي ناشئة من الشرك.
الحديث الثالث عن عبد الله: قوله: ((الطيرة شرك)) ((قض)): إنما سماها شركا؛ لأنهم كانوا يرون ما يتشاءمون به سببا مؤثرا في حصول المكروه، وملاحظة الأسباب في الجملة شرك خفي، فكيف إذا انضم إليها جهالة وسوء اعتقاد؟. قوله:((وما منا إلا)) ((تو)): أي: إلا من يتعرض له الوهم من قبل الطيرة، كره أن يتم كلامه لك؛ لما يتضمنه من الحالة المكروهة.
وهذا نوع من أدب الكلام يكتفي دون المكروه منه بالإشارة، فلا يضرب لنفسه مثل السوء.
قوله: ((يذهبه بالتوكل)) جاء بفتح الياء وضمها، وعلى الثاني اجتمع فيه حرفا التعدية للتأكيد. والمراد بالإذهاب ما يخطر في قلب المؤمن من لمة الملك المذهبية للمة الشيطان.
4585 -
وعن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة، وقال:((كل ثقة بالله، وتوكلا عليه)). رواه ابن ماجه. [4585]
4586 -
وعن سعد بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا هامة ولا عدوى ولا طيرة. وإن تكن الطيرة في شيء ففي الدار والفرس والمرأة)) رواه أبو داود. [4586ٍ
ــ
الحديث الرابع عن جابر: قوله: ((ثقة بالله)) عن بعضهم: هو منصوب على الحال وصاحبها محذوف، أي كل معي واثقا بالله تعالى. انتهى كلامه. ويحتمل أن يكون هو من كلام الراوي حالا من فاعل ((قال))، وأن يكون مفعولا مطلقا، أي: كل، ثم استأنف بقوله: أثق ثقة بالله.
الحديث الخامس عن سعد: قوله: ((ولا طيرة)) ((تو)): الأصل في الطيرة هو التشاؤم بالطير على ما ذكر. ثم إنهم اتسعوا فيها على أن وضعوها موضع الشؤم. قوله: ((وإن تكن الطيرة)) ((مح)): قال الخطابي وكثيرون: هو في معنى الاستثناء من الطيرة، أي: الطيرة منهي عنها إلا في هذه الأشياء. أقول: ويحتمل أن يكون معنى الاستثناء على حقيقته، وتكون هذه الأشياء خارجة عن حكم المستثنى منه، أي الشؤم ليس في شيء من الأشياء إلا في هذه الأشياء كما ورد في رواية لمسلم:((إنما الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار)). وفي رواية: ((الشؤم في الدار والمرأة والفرس)) وفي حديث أنس: ((ذروها ذميمة)) كما سيجيء.
ويحتمل أن ينزل على باب قوله تعالى: {ولا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ} وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لو كان شيء سابق القدر سبقته العين)). وقد سبق تقريره، وعليه كلام.
القاضي حيث قال: ووجه تعقيب قوله: ((ولا طيرة)) بهذه الشرطية يدل على أن الشؤم أيضا منفي عنها. والمعنى أن الشؤم لو كان له وجود في شيء، لكان في هذه الأشياء؛ فإنها أقبل الأشياء لها، لكن لا وجود له فيها فلا وجود له أصلا. انتهى كلامه.
فعلى هذا الشؤم في الأحاديث المستشهد بها محمول على الكراهية التي سببها ما في الأشياء من مخالفة الشرع أو الطبع، كما قيل: شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها، وشؤم المرأة عدم ولادتها وسلاطة لسانها ونحوهما، وشؤم الفرس أن لا يغرى عليه. وقيل: حرانها وغلاء ثمنها. فشؤمها عدم موافقتها له شرعا أو طبعا. ويؤيده ما ذكره في شرح السنة كأنه يقول: إن كان لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس لا يعجبه، فليفارقها بأن ينتقل عن الدار ويطلق المرأة ويبيع الفرس، حتى يزول عنه ما يجده في نفسه من الكراهة كما قال صلى الله عليه وسلم في جواب من قال: يا رسول الله! إنا كنا في دار كثر فيها عددنا إلى آخره: ((ذروها ذميمة)).
4587 -
وعن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه إذا خرج لحاجة أن يسمع: يا راشد يا نجيح. رواه الترمذي. [4587]
4588 -
وعن بريدة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتطير من شيء، فإذا بعث عاملا سأل عن اسمه فإذا أعجبه اسمه فرح به، ورئي بشر ذلك في وجهه. وإن كره اسمه رئي كراهية ذلك في وجهه. وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإن أعجبه اسمها فرح به ورئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رئي كراهية ذلك في وجهه. رواه أبو داود. [4588]
4589 -
وعن أنس، قال: قال رجل: يا رسول الله! إنا كنا في دار كثر فيها عددنا وأموالنا فتحولنا إلى دار قل فيها عددنا وأموالنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذروها ذميمة)) رواه أبو داود. [4589]
ــ
فأمرهم بالتحول منها؛ لأنهم كانوا فيها على استثقال بظلها واستيحاش، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالانتقال عنها ليزول عنهم ما يجدون من الكراهة، لا أنها سبب في ذلك.
الحديث السادس عن بريدة: قوله: ((سأل عن اسمه)) ((حس)): ينبغي للإنسان أن يختار لولده وخدمه الأسماء الحسنة؛ فإن الأسماء المكروهة قد توافق القدر. وروى عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لرجل: ما اسمك؟. قال: جمرة. قال: ابن من؟ قال: ابن شهاب. قال: ممن؟ قال: من الحراقة. قال: أين مسكنك؟ قال: بحرة النار. قال: بأيها؟ قال: بذات لظى. قال عمر: أدرك أهلك قد احترقوا، فكان كما قال عمر رضي الله عنه.
أقول: ونظيره ما حكى أن [رشيدا] سأل رجلا: ما اسمك؟. فقال: سعيد أسعدك الله. قال: ابن من؟. قال: سالم، سلمك الله. قال: أبو من: قال: أبو عمرو عمرك الله. فقال: بارك الله فيك، وأكرمه.
الحديث السابع عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((ذروها ذميمة)) ((نه)): أي اتركوها مذمومة، فعليه بمعنى مفعولة. وإنما أمرهم بالتحول عنها إبطالا لما وقع في نفوسهم، من أن المكروه إنما أصابهم بسبب السكنى، فإذا تحولوا عنها انقطعت مادة ذلك الوهم، وزال عنهم ما خامرهم من الشبهة، وهذا كلام الخطابي.
4590 -
وعن يحيى بن عبد الله بن بحير، قال: أخبرني من سمع فروة بن مسيك يقول: قلت: يا رسول الله! عندنا أرض يقال لها: أبين، وهي أرض ريفنا وميرتنا، وإن وباءها شديد. فقال:((دعها عنك فإن من القرف التلف)) رواه أبو داود. [4590]
الفصل الثالث
4591 -
عن عروة بن عامر، قال: ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أحسنها الفأل، ولا ترد مسلما، فإذا رأي أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي
ــ
الحديث الثامن عن يحيى: قوله: ((أبين)) ((نه)): هو بوزن ((أحمر)) قرية إلى جانب البحر ناحية اليمن. وقيل: هو اسم مدينة عدن. و ((الريف)) الأرض ذات الزرع والخصب. ((الميرة)) الطعام المجلوب. وإنما هو من باب الطب؛ فإن استصلاح الهواء من أعون الأشياء على صحة الأبدان، وفساد الهواء من أسرع الأشياء إلى الأسقام.
أقول: وسبب إيراد هذا الحديث في هذا الباب أنه زعم أن وباءها من شؤمها، فيجب التحول عنها كما مر في الحديث السابق ((فتحولنا إلى دار قل فيها عددنا)). فأجاب صلى الله عليه وسلم أنه ليس من الشؤم في شيء، فإذا فارقتها لكراهتك إياها. وإلى هذا المعنى أشار شرح السنة بقوله: وأمرهم بالانتقال ليزول عنهم ما يجدون من الكراهية، لا أنها سبب في ذلك.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن عروة: قوله: ((أحسنها الفأل)) يجوز أن يحمل على معنى التفضيل فيه على زعم القوم والسائل، يعني أحسنها ما يشابه الفأل المندوب إليه. ومع ذلك لا يرد المسلم عن المضي في حاجته. وفي تخصيص المسلم بالذكر إشعار بالعلية، أي ليس من شأن المسلم الكامل في إسلامه الراسخ في إيمانه ذلك، بل يتوكل على الله تعالى ويمضي لسبيله قائلا:((اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت)) إلى آخره.
وما ألطف النسج على هذا المنوال؛ فإنه من باب إرخاء العنان في مخادعات الأقوال، يرخى عنان الكلام ويجريه على زعم الخصم واعتقاده، على وجه لا يشمئز عن التفكر فيه فيعثر عند