المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(7) باب قسمة الغنائم والغلول فيها - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٩

[الطيبي]

الفصل: ‌(7) باب قسمة الغنائم والغلول فيها

الفصل الثالث

3984 -

عن ابن مسعود، قال: جاء ابن النواحة وابن أثال رسولا مسيلمة إلي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهما:((أتشهدان إني رسول الله؟)) فقالا: نشهد أن مسليمة رسول الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((آمنت بالله ورسوله، ولو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما)) قال عبد الله: فمضت السنة أن الرسول لا يقتل. رواه أحمد. [3984]

(7) باب قسمة الغنائم والغلول فيها

القسم الأول

3985 -

عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:((فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا، ذلك بأن الله رأي ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا)) متفق عليه.

ــ

((مظ)): يعني إن كنتم حلفتم في الجاهلية بأن يعين بعضكم، بعضا، ويرث بعضكم من بعض، فإذا أسلمتم فأوفوا به؛ فإن الإسلام يحرضكم علي الوفاء به، ولكن لا تحدثوا مخالفة في الإسلام بأن يرث بعضكم من بعض.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن ابن مسعود: قوله: ((قالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله)) جواب غير مطابق للسؤال ولا لنفس الأمر؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد بقوله: ((أتشهدان إني رسول الله)) إني قد ادعيت الرسالة وصدقتها بالمعجزة، فأقرا بذلك، فقولهما:((نشهد أن مسيلمة)) رد لهذا المعنى كأنهما أنكرا أن الرسالة تثبت بالمعجزة. وكان جوابهما من الأسلوب الأحمق، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما بعد ذلك:((آمنت بالله ورسوله)) إشارة إلي هذا المعنى حيث لم يقل: آمنت بالله وربي. بل قال: ((ورسوله)) أي لمن ادعى الرسالة، وأثبتها بالمعجزة كأننا من كان، وهو من الكلام المنصف. وكأنهم ترقبوا أن يشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم مسيلمة في الرسالة، فنفاه بقوله:((ورسوله)) أي إنه ليس من معنى الرسالة في شيء، فيكون كلامه صلى الله عليه وسلم من الأسلوب الحكيم. وقوله:((فمضت السنة)) معناه جرت السنة علي العادة الجارية فجعلتها سنة.

باب قسمة الغنائم والغلول فيها

المغرب: الغنيمة ما نيل من أهل الشرك عنوة والحرب قائمة، وهو أعم من النفل، والفيء أعم من الغنيمة؛ لأنه اسم لكل ما صار للمسلمين من أموال الشرك. قال أبو بكر الرازي:

ص: 2755

3986 -

وعن أبي قتادة، قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين، فضربته من ورائه علي حبل عاتقه بالسيف، فقطعت الدرع، وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر بن الخطاب، فقلت: ما بال الناس؟ قال: أمر الله، ثم رجعوا وجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((من قتل

ــ

الغنيمة فيء والجزية فيء ومال أهل الصلح فيء والخراج فيء؛ لأن ذلك كله مما أفاء الله علي المسلمين من المشكرين، وعند الفقهاء كل ما يحل أخذه من أموالهم فهو فيء.

الفصل الأول

الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((فلم تحل)) الفاء عاطفة علي كلام سابق لرسول الله صلى الله عليه وسلم علي هذا، ولفظة ((قال)) للراوي يوضحه حديث أبي هريرة في الفصل الثالث، والمشار إليه بـ ((ذلك)) ما في الذهن يبينه الخبر. وهو استقرار حل يوجبه الضعف والعجز. ((مظ)):((ذلك)) إشارة إلي تحليل الله الغنائم.

الحديث الثاني عن أبي قتادة: قوله: ((جولة)) ((نه)): يقال: جال واجتال إذا ذهب وجاء، ومنه الجولان في الحرب، والجائل الزائل عن مكانه.

((تو)): أي الصحابي كره لهم لفظ الهزيمة فكنى عنها بالجولة. ولما كانت الجولة مما لا استقرار عليه. استعملها في الهزيمة؛ تنبيها علي أنهم لم يكونوا استقروا عليها.

((مح)): وإنما كانت الهزيمة من بعض الجيش، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة معه فلم يزالوا، والأحاديث الصحيحة في ذلك مشهورة. ولم يرو أحد قط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انهزم في موطن من المواطن، بل ثبت فيها بإقدامه وثباته في جميع المواطن. وحبل العاتق ما بين العنق والكتف، وريح الموت استعارة من أثره أي وجدت منه شدة كشدة الموت.

قوله: ((ما بال الناس؟)) يحتمل وجهين: أحدهما: ما بالهم منهزمين فكان جوابه: أمر الله، أي كان ذلك من قضاء الله وقدره. وثإنيهما: ما بال الناس؟ أي ما حال المسلمين بعد الإنهزام؟ فكان جوابه: أمر الله غالب - أي النصرة للمسلمين.

ومعنى قوله: ((ثم رجعوا)) علي الأول: ثم رجع المسلمون بعد الهزيمة. وعلي الثاني: رجعوا بعد انهزام المشركين، وينصر الثاني قوله: وجلس النبي صلى الله عليه وسلم .... إلي آخره. قوله: ((قتيلا)) أوقع القتل علي المقتول باعتبار مآله، كقوله تعالي:{أَعْصِرُ خَمْرًا} .

ص: 2756

قتيلا له عليه بينة فله سلبه)) فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله، فقمت، فقال:((ما لك يا أبا قتادة؟)) فأخبرته، فقال رجل: صدق، وسلبه عندي فأرضه مني. فقال أبو بكر: لا ها الله، إذا لا يعمد أسد من أسد الله يقاتل عن

ــ

((نه)): السلب ما يأخذه احد الفارسين في الحرب من قرينه مما عليه ومعه من سلاح وثياب ودابة وغيرها، وهو فعل بمعنى مفعول كالقبض بمعنى المقبوض.

((مح)): اختلفوا فيه فقال مالك والأوزاعي والثوري وأحمد وغيرهم: يستحق القاتل السلب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك هذا القول أم لا. قالوا: وهذه فتوى من النبي صلى الله عليه وسلم وإخبار عن حكم الشرع. وقال أبو حنيفة والشافعي ومن تابعهما: لا يستحق بمجرد القتل إلا أن يقول الأمير قبل القتال: من قتل قتيلا فله سلبه. وجعلوا هذا إطلاقا من النبي صلى الله عليه وسلم وليس بفتوى منه ولا إخبار عام. وهذا الذي قالوه ضعيف؛ لأنه صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله بعد الفراغ من القتال.

أقول: ويؤيده حديث عوف بن مالك في الفصل الثاني؛ لأنه مطلق والأصل عدم التقييد.

قال الأوزاعي والشافعيون: لا يستحق السلب إلا في كل قتيل قتله قبل التحام الحرب. وفي قوله: ((عليه بينة)) دليل للشافعي والليث، أن السلب لا يعطى إلا لمن له بينة بأنه قتل ولا يقبل قوله. وقال مالك: يقبل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه بقول واحد ولم يحلفه.

والجواب: أنه صلى الله عليه وسلم علم أنه القاتل بطريق من الطرق. وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بالبينة فلا يكفي الواحد. واحتج بعضهم بأنه استحق بإقرار من هو في يده وهو ضعيف؛ لأن الإقرار إنما ينفع إذا كان المال منسوبا إلي من هو في يده. فينسب بإقراره وهنا منسوب إلي جميع الجيش.

قوله: ((فأرضه مني)) ((من)) ابتدائية أي أرض أبا قتادة لأجلي ومن جهتي. وذلك إما بالهبة أو بأخذه شيئا يسيرا مني بدله.

قوله: ((لا ها الله إذا)) ((مح)): في جميع روايات المحدثين في الصحيحين وغيرهما ((إذا)) بالألف قبل الذال، وأنكره الخطابي وأهل العربية. انتهي كلامه. قال النحويون: وقد يعوض عن واو القسم في ((والله) هاء التنبيه وهمزة الاستفهام فيجران الله كالواو. وقال المالكي: ليستا عوضا عنها وإن جر ما بعدهما بمقدر لم يلفظ به، كما ((أن)) نصب المضارع بعد الفاء ونحوه بمقدر. وفي ((ها الله)) لغات: أن يذكر بعد الهاء ألف وبعد همزة الوصل لأن لهمزة الله شأنا ليس لغيرها. بدليل يا الله بقطعها فيقال: ها الله، وأن يحذفا معا، فحذف الهمزة للوصل والألف للساكنين. وأن يحذف الهمزة؛ لأنها للوصل دون الألف نظرا إلي أنه جعل كجزء الله وأن تبقى الهمزة لما مر. وتحذف الألف نظرا إلي أن الهمزة محذوفة حكما.

والدليل علي أنهما [عوضان] * عن حرف القسم امتناع اجتماعهما معه إذ يمتنع ((ها والله واو الله)) ووجوب الجر بعدهما، ولا يلزم من امتناع اجتماعهما مع الواو وكونهما عوضين، إذ

ص: 2757

الله ورسوله فيعطيك سلبه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صدق فأعطه)) فأعطإنيه، فابتعت به مخرفا في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام. متفق عليه.

ــ

يمتنع اجتماع أن الناصبة مع الفاء في جواب الأشياء الستة، وليست الفاء عوضا من حرف النصب، وإنما نشأ هذا الحكم الوهمي من أن العوض والمعوض عنه لا يصح اجتماعهما، فذهب الوهم إلي العكس الكلي وليس كذلك. ثم قال الخليل:((ذا)) في ((لا ها الله ذا)) وفي ((ها لعمر الله ذا)) مقسم عليه، وأصله: والله للأمر هذا، فقدم ((ها)) وجعل عوضا عن الواو لكثرة القسم بالله. وقال الأخفش: هو من جملة القسم تكيد له كأنه قال: ذا قسمي لأمرين الأول: أنهم يذكرون المقسم عليه بعده نحو لاها الله ذا لقد كان كذا، وهذا يدل علي أنه من جملة القسم.

الثاني: أنهم يأتون بالمقسم عليه منفيا، ولو كان ذا من المقسم عليه وهو مثبت لكان المقسم عليه إذا ذكر طائفة في الإثبات.

قال الحاجبي: كلا القولين باطل، أما قول الخليل فلأن المقسم عليه علي ما قاله في هذا الكلام مثبت، وقد علم بالاستقراء أنه منفي؛ إذ لا نزاع في أن ((لا)) في ((لا ها الله)) للنفي. وأما قول الأخفش فلأنه أيضا قدره مثبتا، وأجاز حذفه بأسره، وهو خلاف الأصل وجعل ((ذا)) إشارة إلي القسم ولم يوجد له نظير في كلامهم. ثم قال: والمستقيم أن يجعل ذا مقسم عليه لا علي ما ذكره الخليل، بل علي معنى ((لا ها الله)) يكون الأمر، فيسلم من المحذورات المتقدمة. قال الدار الحديثي [استقراؤهما] * أقوى من استقرائه. ونص الزمخشري أن ((لا)) في ((لا ها الله)) زائدة للتوكيد، كقوله تعالي:{لا أُقْسِمُ} كما قال الخليل والأخفش، وما ورد في هذا الحديث حمله بعض النحويين علي أنه غلط من بعض الرواة، إذ العرب لا تستعمل ((لا ها الله)) بدون ((ذا)) وإن سلم استعماله بدون ذا فليس هذا موضع ((إذن))؛ لأنه للجزاء. وهو ها هنا علي نقيضه ومقتضى الجزائية أن لا يذكر ((لا)).

ويقال: إذا ((يعمد إلي أسد)) ليصح جوابا لطالب السلب، وليس بعامل فقالوا: الظاهر أن الحديث ((لا ها الله إذا لا تعمد)) فصحف ثم نقل كذلك، قال: الحديث صحيح، ولا يجب أن تلازم ذا ها القسم كما لا يجب أن تلازم ذا ها غيرها من حروفه. وتحقيق الجزائية (بإذن لا تعمد) أصح؛ إذ معناه إذا صدق أسد غيرك لا يعمد النبي صلى الله عليه وسلم بإبطال حقه وإعطاء سلبه إياك. أقول: وفي شرح مسلم للشيخ محيي الدين عن أبي زيد ما يشعر بأن ((إذن)) زائدة، ونظيره في الزيادة قول الحماسي: إذا لقام بنصري.

قال أبو البقاء: قيل: جواب لو لم تستبح. وقوله: ((لقام)) بدل منه. فيكون التقدير: والله لا يعمد إلي أسد، كقولك: والله إذن لا أفعل. والعجب من الذين يعتنون بشرح الحديث، كيف يرجحون نقل بعض الأدباء علي أولئك الجهابذة من المحدثين وينسبون الغلط والتصحيف إليهم. ولا أقول: عم أعدل وأتقن ونقلهم أوثق؛ إذ هو يقتضي المشاركة بينهم. ولله در الدار الحديثي حيث ذب عنهم بما هو الحق الصريح والصدق المحض.

ص: 2758

3987 -

وعن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم: سهما له وسهمين لفرسه. متفق عليه.

ــ

((مح)): فيه دليل علي أن هذه اللفظة تكون يمينا. قال أصحابنا: إن نوى اليمين كانت يمينا وإلا فلا؛ لأنها ليست متعارفة في الأيمان. قوله: ((عن الله)) فيه وجهان: أحدهما أن تكون ((عن)) صلة، فيكون المعنى يصدر قتاله عن رضي الله ورسوله، أي بسببهما كقوله تعالي:{ومَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} وقول الشاعر:

وينهون عن أكل وعن شرب

وثإنيهما: أن يكون حالا أي يقاتل ذابا عن دين الله أعداء الله ناصرا لأولياء الله.

((مح)): المعنى يقاتل لنصرة دين الله وشريعة رسوله؛ لتكون كلمته هي العليا. وفيه دلالة ظاهرة علي فضل الصديق رضي الله عنه ومكانته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لإفتائه بحضرته صلوات الله عليه وتصديقه له وعلي منقبة أبي قتادة؛ فإنه سماه أسدا من أسد الله. والمخرف بفتح الميم والراء الوعاء الذي يجعل فيه ما يجتنى من الثمار. وقوله: ((تأثلته)) أي اقتنيته وتأصلته.

الحديث الثالث عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((سهما له)) ((مظ)): اللام في قوله: ((سهما له)) لام التمليك. وفي ((لفرسه)) لام النسبة. ((حس)): لفنائه بفي الحرب و [لما] * يلزمه مونته إذا كان معلوما أن مؤنة الفرس متضاعفة علي مؤنة صاحبه.

((تو)): هذا الحديث صحيح لايرون خلافه. وإنما ترك أبو حنيفة العمل بهذا الحديث لا لرأيه بل لما يعارضه من حديث ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((للفارس سهمان وللراجل سهم)). وأبو حنيفة أخذ بهذا الحديث لحديث مجمع بن حارثة وهو مذكور في الحسان.

((مح)): اختلفوا فيه فقال ابن عباس ومجاهد والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز ومالك والأوزاعي والثوري والليث والشافعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وابن جرير وآخرون: للفارس ثلاثة أسهم. وقال أبو حنيفة: للفارس سهمان فقط، سهم له وسهم لها.

ولم يقل بقوله هذا أحد إلا ما روى عن علي وأبي موسى رضي الله عنهما. وحجة الجمهور هذا الحديث وهو صريح. وأما الحديث المذكور فيه: ((قسم من النفل للفارس سهمين وللرجل سهما)) هكذا في أكثر الروايات. وفي بعضها: ((للفرس سهمين وللراجل سهما)) بالألف وفي بعضها للفارس سهمين، والمراد بالنفل هنا الغنيمة لغة؛ فإن النفل في اللغة الزيادة والعطية والغنيمة عطية من الله تعالي، ومن روى للراجل بالألف فروايته محتملة، فيتعين حملها علي موافقة الأول جمعا بين الروايتين.

ص: 2759

3988 -

وعن يزيد بن هرمز، قال: كتب نجدة الحروري إلي ابن عباس يسأله عن العبد والمرأة يحضران المغنم، هل يقسم لهما؟ فقال ليزيد: اكتب إليه أنه ليس لهما سهم، إلا أن يحذيا. وفي رواية: كتب إليه ابن عباس: إنك كتبت إلي تسألني: هل كان رسول اله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب لهم بسهم؟ فقد كان يغزو بهن يداوين المرضي ويحذين من الغنيمة، وأما السهم فلم يضرب لهن بسهم. رواه مسلم.

3989 -

وعن سلمة بن الأكوع، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه، فما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار علي ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقمت علي أكمة، فاستقبلت المدينة فناديت ثلاثا: يا صباحاه ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل. وارتجز وأقول:

ــ

أقول: يريد أنه لما تعارض الروايتان في هذا الحديث أعني فارس وفرس وراجل ورجل، فينبغي أن ترجح إحدى الروايتين علي الأخرى فرجحنا الأولي لحديث ابن عمر [علي] * أن رواية إحدى الروايتين أكثر من الأخرى. وإن تأول الأخرى بأن المراد بالسهم النصيب علي الإجمال، أي للفارس نصيبان، نصيب له ونصيب لفرسه فيكون البين الرواية الأخرى، وحديث ابن عمر يبينه الحديث الذي يتلوه في حديث ابن الأكوع:((أعطإني صلى الله عليه وسلم سهمين)) إذ لم يرد به المساواة؛ لقوله: ((سهم للفارس وسهم للراجل)). وأما حديث مجمع فعليه كلام سيجيء.

الحديث الرابع عن يزيد: قوله: ((اكتب إليه أنه)) أنه بالفتح ظاهر ويجوز الكسر علي الحكاية أي اكتب معنى هذا القول. وقوله: ((إنك كتبت)) الظاهر فيه الكسر، ويجوز الفتح علي المعنى أي اكتب معنى هذا القول. قوله:((إلا أن يحذيا)) أي إلا أن يعطيا. ((نه)): في الحديث ((إن لم يحذك من عطره علقك من ريحه)) أي إن لم يعطك، يقال: أحذيته أحذية وهي الحذيا والحذية، وكذا قوله:((يحذين من الغنيمة)) أي يعطين. ((حس)) العمل علي هذا عند أكثر أهل العلم أن العبيد والصبيان والنسوان إذا حضروا القتال يرضخ لهم ولا يسهم.

الحديث الخامس عن سلمة: قوله: ((بظهره)) ((نه)): الظهر الإبل التي يحمل عليها ويركب، يقال: عند فلان ظهر أي إبل. و ((الأكمة)) هي الرابية. و ((يا صباحاه)) كلمة يقولها المستغيث وأصلها إذا صاحوا للغارة؛ لأنهم أكثر ما يغيرون عند الصباح، فكان المستغيث يقول: قد غشينا العدو، وقيل: هو نداء المقاتل عند الصباح يعني قد جاء وقت الصباح فتأهبوا للقتال.

ص: 2760

أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع

فما زلت أرميهم، وأعقر بهم حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري، ثم ابتعتهم أرميهم، حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا، يستخفون، ولا يطرحون شيئا إلا جعلت عليه آراما من الحجارة، يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحق أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن فقلته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة)). قال: ثم أعطإني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين: سهم الفارس وسهم

ــ

قوله: ((اليوم يوم الرضع)) ((مح)): أي يوم هلاك اللئام من قولهم: لئيم راضع أي راضع اللؤم في بطن أمه. وقيل: لأنه يمص حلمة الشاء والناقة لئلا يسمع السؤال والضيفان صوت الحلاب فيقصدوه. وقيل: اليوم يعرف من أرضعته كريمة فأشجعته، أو لئيمة فأجبنته. وقيل: معناه اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره وتدرب بها ويعرف غيره.

قوله: ((وأعقر بهم)) ((نه)): أي اقتل مركوبهم، يقال: عقرت به إذا قتلت مركوبه وجعلته راجلا. أقول: يريد أنه كناية عن جعل الفارس راجلا؛ لأنه إذا أعقر دابته وهو عليها سقط منها، فيبقى راجلا والباء في ((بها)) مثلها في قول الشاعر:

تدوس بنا الجماجم والتريبا

قوله: ((من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم) بيان قوله: ((من بعير)) و ((من)) فيه زائدة تفخيما لشأنها؛ ولذلك قال: ((خلق الله)) كأنه أخذته العزة والحمية علي أن يغير أولئك اللئام أمثال هذه الشرائف، ألا ترى كيف ارتجز بقوله:((اليوم يوم الرضع)) وكرر اليوم في الخبر أي يوم له شأن. يوم يظهر لمن أرضعته الحرب شجاعنه.

قوله: ((آراما)) ((نه)): الآرام الأعلام وهي الحجارة تجمع وتنصب في المفازة يهتدى بها، واحدها إرم كعنب، وكان من عادة الجاهلية إذا وجدوا شيئا في طريقهم لا يمكنهم استصحابه، تركوا عليه حجارة يعرفونه بها حتى إذا عادوا أخذوه.

قوله: ((سهم الفارس وسهم الراجل)) ((نه)): يشبه أن يكون إنما أعطاه من الغنيمة سهم الراجل فحسب؛ لأن سلمة كان راجلا في ذلك اليوم وأعطاه الزيادة نفلا لما كان من حسن بلائه.

((مح)): فيه فضيلة الشجاعة ومنقبة لسلمة وأبي قتادة، وجواز الثناء علي من فعل جميلا،

ص: 2761

الراجل فجمعهما إلي جميعا، ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه علي العضباء راجعين إلي المدينة. رواه مسلم.

3990 -

وعن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسمة عامة الجيش. متفق عليه.

3991 -

وعنه، قال: نفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفلا سوى نصيبنا من الخمس، فأصابني شارف، والشارف: المسن الكبير. متفق عليه.

3992 -

وعنه، قال: ذهبت فرس له فأخذها العدو، فظهر عليهم المسلمون فرد عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: أبق عبد له، فلحق بالروم، فظهر عليهم المسلمون، فرد عليه خالد بن الوليد بعد النبي صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري.

3993 -

وعن جبير بن مطعم، قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلي النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا: أعطيت بني المطلب من خمس خيبر، وتركتنا، ونحن يمنزلة واحدة منك؟! فقال: إنما بنو هاشم وبنو المطلب واحد)). قال جبير: ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس وبني نوفل شيئا رواه البخاري.

ــ

واستحقاق ذلك إذا ترتب عليه مصلحة، وجواز عقر خيل العدو في القتال، واستحباب الرجز في الحرب، وجواز القول بإني أنا ابن فلان بن فلان، وجواز المبارزة بغير إذن الإمام، وحب الشهادة والحرص عليها، وإلقاء النفس في غمرات الموت.

الحديث السادس والسابع عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((نفلا سوى نصيبنا)) ((حس)): النفل اسم لزيادة يعطيها الإمام بعض الجيش علي القدر المستحق، ومنه سميت النافلة لما زاد علي الفرائض من الصلوات. وقد اختلفوا في إعطاء النفل وفي أنه من أين يعطى. وتمام تحريره مذكور في شرح السنة.

الحديث الثامن عن ابن عمر: قوله: ((ذهبت فرس له)) ((حس)): فيه دليل علي أن الكفار إذا أحرزوا أموال المسلمين واستولوا عليها لا يتملكونها. وإذا استنقذها المسلومن من أيديهم ترد إلي ملاكها. وهو قول الشافعي سواء كان قبل القسمة أو بعدها خلافا لجماعة إذا كان بعد القسمة.

الحديث التاسع عن جبير: قوله: ((ونحن بمنزلة واحدة)) أي من كوننا بني عبد مناف، وذلك أن هاشما والمطلب ونوفلا وعبد شمس هم أبناء مناف، وجبير من بني نوفل

ص: 2762

3994 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيما قرية أتيتموها وأقمتم فيها، فسهمكم فيها. وأيما قرية عصت الله ورسوله؛ فإن خمسها لله ولرسوله، ثم هي لكم)) رواه مسلم.

3995 -

وعن خولة الأنصارية، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن رجالا يختوضون من مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة)). رواه البخاري.

ــ

وعثمان من بني عبد شمس. ورسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم، وقوله صلى الله عليه وسلم في الجواب:((إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد)) معناه ما ذكر في شرح السنة: أراد الحلف الذي كان بين بني هاشم وبني المطلب في الجاهلية. وذلك أن قريشا وبني كنانة حالفت علي بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم وفي غير هذه الرواية ((إنا لم نفترق في جاهلية ولا في الإسلام)) وكان يحيى بن معين يرويه: ((سي واحد)) – بالسين المهملة 0 أي مثل سواء يقال: هذا سي، أي مثله ونظيره.

الحديث العاشر عن بي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((أيما قرية أتيتموها)) ((مح)): قال القاضي: يحتمل أن يكون المراد بالاولي الفيء الذي لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، بل جلا عنه أهله وصالحوا عليه، فيكون سهمهم فيها، أي حقهم من العطاء كما يصرف الفيء. ويكون المراد بالثانية ما أخذ عنوة فيكون غنيمة يخرج منه الخمس ولا خمس في الفيء بهذا الحديث، وقد أوجب الشافعي الخمس في الفيء كما أوجبوه كلهم في الغنيمة. وقال جميع العلماء سواه: لا خمس إلا في الفيء.

((شف)): أي كل قرية غزوتموها واستوليتم عليها ولم أكن أنا فيكم، وقسمتم الغنائم بأنفسكم فسهمكم في تلك الغنائم. ((وأيما قرية عصت الله ورسوله)) أي وأنا قد حضرت قتالها بنفسي فأنا أخمس الغنائم وأقسم عليكم بنفسي.

أقول: ثم في قوله: ((ثم هي لكم)) للتراخي في الإخبار. والضمير في ((فإن خمسها)) للقرية والمراد هي وما فيها وكذلك ((هي)) راجعة إلي القرية، أي القرية وما فيها بعد إخراج الخمس لكم، وكنى عن مقاتلتهم بقوله:((عصت الله ورسوله)) تعظيما لشأن المخاطبين، وأنهم إنما يقاتلون في الله ويجاهدون في الله فمن قاتله فقد عصى الله ورسوله.

الحديث الحادي عشر والثاني عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((فذكر الغلول)) ((مح)): قال أبو عبيد: هو الخيانة في الغنيو خاصة. وقال غيره: هو أعلم ((وعظم أمره)) عطف علي قوله: ((فعظمه)) علي طريقة أعجبني زيد وكرمه أي كرم زيد. وقوله تعالي: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا} أي يخادعون الذين آمنوا بالله. وقوله: ((فعظمه)) عطف علي ((فذكر الغلول))

ص: 2763

3996 -

وعن أبي هريرة، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فذكر الغلول، فعظمه وعظم أمره، ثما قال:((لا ألفين أحدكم يجيء سوم القيامة علي رقبته بعير له رغاء، يقول: يا رسول الله أغثني فأقول: ((لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة علي رقبته فرس له حمحمة، فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة علي رقبته شاة لها ثغاء، يقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة علي رقبته نفس لها صياح، فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة علي رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة علي رقبته صامت، فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك)). متفق عليه. وهذا لفظ مسلم، وهو أتم.

3997 -

وعنه، قال: أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما يقال له: مدعم فبينما مدعم يحط رحلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أصابه سهم عائر فقتله، فقال الناس: هنيئا له

ــ

علي هذا المنوال. ((ولا ألفين أحدكم)) كقوله: لا أرينك ها هنا، نهي نفسه عن أن يجدهم علي هذه الحالة، والمراد نهيهم عن ذلك، وهو أبلغ.

وقوله: ((يجيء)) حال من ((أحدكم)) ((وعلي رقبته)) من الضمير في ((يجيء))، و ((بعير)) فاعل الظرف لاعتماده أي هذه حالة فظيعة شنيعة لا ينبغي لي أن أراكم عليها لفضيحتكم علي رءوس الأشهاد، ويدل علي هذا التأويل حديث عبادة بن الصامت في الفصل الثاني من قوله:((فإنه عار علي أهله يوم القيامة)).

قوله: ((رغاء)) ((نه)): الرغاء صوت الإبل يقال: رغا يرغو رغاء. والحمحمة صوت الفرس دون الصهيل، والصامت الذهب والفضة خلاف الناطق. قوله:((نفس لها صياح)) ((تو)): يريد بالنفس المملوك الذي يكون قد غله من السبي، وأراد بالرقاع الثياب يغلها من الغنيمة، و ((تخفق)) أي يضطرب اضطراب الراية. قوله:((وهو أتم)) أي لفظ مسلم أتم تفصيلا من لفظ البخاري.

الحديث الثالث عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((سهم عائر)) ((حس)): هو الجائز عن قصده ومنه عار الفرس إذا ذهب علي وجهه كأنه منقلب. والشملة كساء يشتمل به الرجل ويجمع علي الشمال. قوله: ((إن الشملة)) إلي آخره جوابا عن قولهم: ((هنيئا له الجنة)) مشعر

ص: 2764

الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلا، والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم؛ لتشتغل عليه نارا)). فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((شراك من نار أو شراكان من نار)). متفق عليه.

3998 -

وعن عبد الله بن عمرو، قال: كان علي ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة، فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((هو في النار)) فذهبوا ينظرون فوجدوا عباءة قد غلها. رواه البخاري.

3999 -

وعن ابن عمر، قال: كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه. رواه البخاري.

ــ

بأنهم قطعوا علي أنه الآن في الجنة يتنعم فيها، وأدخل ((كلا)) ليكون ردعا لحكمهم وإثباتا لما يعده، وينصره الرواية الأخرى، ((إني رأيته في النار)). وقوله:((نارا)) تمييز وفيه مبالغة أي الشملة اشتعلت وصارت بجملتها نارا، كقوله تعالي:{واشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} .

قوله: ((شراكين من نار)) ((نه)): الشراك أحد سيور النعل التي تكون علي وجهها. ((مح)): فيه تنبيه علي المعاقية بهما، إما بنفسهما أي يغلي بهما وهما من نار أو هما سببان لعذاب النار. وفيه غلظ تحريم الغلول، وأنه لا فرق بين قليله وكثيره في التحريم حتى الشراك، وأن الغلول يمنع من إطلاق اسم الشهادة علي من غل، وجواز الحلف بالله من غير ضرورة، وأن من رد شيئا مما غل يقبل منه ولا يحرق متاعه. وأما حديث:((من غل فأحرقوا متاعه)) فضعيف بين ابن عبد البر وغيره ضعفه، قال الطحاوي: لو كان صحيحا لكان منسوخا.

الحديث الرابع عشر عن عبد الله: قوله: ((علي ثقل النبي صلى الله عليه وسلم)((فا)): هو بالتحريك المتاع المحمول علي الدابة، في الغريبين: العرب تقول: لكل خطير نفيس ثقل.

قوله: ((كركرة)) ((مح)): هو بفتح الكاف الأولي وكسرها والثانية مكسورة فيهما.

قوله: ((فذهبوا)) الفاء عاطفة علي محذوف، أي سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحققوا أن سبب وروده النار هو الغلول، مع كونه علي ثقله فذهبوا ينظرون. قوله:((عباءة)) الجوهري: العباء والعباءة ضرب من الأكسية والجمع العباءات.

الحديث الخامس عشر عن عبد الله: قوله: ((ولا نرفعه)) يحتمل أن يريد أنا لا نرفعه إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونستأذنه في أكله؛ لما سبق منه الإذن، وأن يريد نأكله ولا ندخره.

الحديث السادس عشر عن عبد الله بن مغفل: قوله: ((من شحم)) ((من)) بيان وهو صفة

ص: 2765

4000 -

وعن عبد الله بن مغفل قال: أصبت جرابا من شحم يوم خيبر، فالتزمته، فقلت: لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا، فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم الي. متفق عليه. وذكر حديث أبي هريرة ((ما أعطيكم)) في باب ((رزق الولاة)).

الفصل الثاني

4001 -

عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن الله فضلني علي الأنبياء – أو قال: فضل أمتي علي الأمم – وأحل لنا الغنائم)) رواه الترمذي. [4001]

ــ

((جرابا)) أي جرابا مملوءا من شحم. وفي قوله: ((اليوم)) إشعار بأنه كان مضطرا إليه وبلغ الاضطرار إلي أن يستأثر نفسه علي الغير، ولم يكن ممن قيل فيه:{ويُؤْثِرُونَ عَلي أَنفُسِهِمْ ولَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} ومن ثم تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

((مح)): فيه إباحة أكل الطعام في دار الحرب. قال القاضي عياض: أجمع العلماء علي جواز أكل طعام الحربيين ما دام المسلمون في دار الحرب علي قدر حاجتهم، ولم يشترط أحد من العلماء استئذان الإمام إلا الزهري، وجمهورهم علي أنه لا يجوز أن يخرج معه منه شيئا إلي عمارة دار الإسلام، فإنه أخرجه لزمه رده إلي المغنم، وعلي أنه لا يجوز أنه لا يجوز بيع شيء منه في دار الحرب، ويجوز أن يركب دوابهم ويلبس ثيابهم ويستعمل سلاحهم في حال الحرب بغير الاستئذان، وشرطه الأوزاعي. وفيه دليل علي جواز أكل شحوم ذبائح اليهود وإن كانت محرمة عليهم.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن أبي أمامة: قوله: ((وأحل لنا الغنائم)) عطف ((أحل)) علي ((فضل)) علي طريقة الحصول والوجود، وفوض ترتيب الثاني علي الأول إلي ذهن السامع، كما في قوله تعالي:{ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الحَمْدُ لِلَّهِ} . وفي ((لنا)) علي التقديرين تعظيم، أما علي الأول فظاهر؛ لأن العدول إلي ضمير الجمع مشعر بالتعظيم، وعلي الثاني فإنه صلى الله عليه وسلم أدخل نفسه الزكية في غمار الأمة، وفي هذا الحديث وفي الحديث الأول من الباب وهو قوله:((ذلك بأن الله رأي ضعفنا وعجزنا)) أن الفضيلة عند الله تعالي هي إظهار الضعف والعجز بين يدي الله تعالي.

ص: 2766

4402 -

وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ – يعني يوم حنين -: ((من قتل كافرا فله سلبه)). فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا، وأخذ أسلابهم. رواه الدارمي. [4002]

4003 -

وعن عوق بن مالك الأشجعي، وخالد بن الوليد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في السلب للقاتل. ولم يخمس السلب. رواه أبو داود. [4003]

4004 -

وعن عبد الله بن مسعود، قال: نفلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر سيف أبي جهل، وكان قتله. رواه أبو داود. [4004]

4005 -

وعن عمير مولي آبي اللحم، قال: شهدت خيبر مع سادتي، فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلموه إني مملوك فأمرني فقلدت سيفا، فإذا أنا أجره، فأمر لي بشيء من خرثي المتاع، وعرضت عليه رقية كنت أرقي بها المجإنين، فأمرني بطرح بعضها وحبس بعضها. رواه الترمذي، وأبو داود إلا أن روايته انتهت عند قوله: المتاع. [4005]

4006 -

وعن مجمع بن جارية، قال: قسمت خيبر علي أهل الحديبية، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمإنية عشر سهما، وكان الجيش ألفا وخمسمائة، فيهم ثلثمائة فارس، فأعطى الفارس سهمين، والراجل سهما. رواه أبو داود. وقال: حديث ابن

ــ

الحديث الثاني والثالث عن عوف: قوله: ((ولم يخمس السلب)) تكلم الشيخ التوربشتى فيه وأطال، وقد سبق بيان الاختلاف فيه بين العلماء في حديث أبي قتادة في الفصل الأول.

الحديث الرابع عن عبد الله بن مسعود: قوله: ((نفلني)) يجيء بحثه في الفصل الثالث.

الحديث الخامس عن عمير: قوله: ((وكلموه)) عطف علي قوله: ((فكلموا في)) أي كلموا في حقي وشإني أولا بما هو مدح لي، ثم أتبعوه بقولهم: إني مملوك. وقوله: ((حرثى المتاع)) هو أثاث البيت وأسقاطه، وإنما رضخه بهذا؛ لأنه كان مملوكا.

الحديث السادس عن مجمع: قوله: ((فأعطى الفارس سهمين)) ((قض)): هذا الحديث مشعر بأنه قسمها ثمإنية عشر سهما، فأعطى ستة أسهم منها الفرسان علي أن يكون لكل مائة منهم سهمان، وأعطى الباقي وهو اثنا عشر سهما للرجالة، وهم كانوا ألفا ومائتين، فيكون لكل مائة سهم فيكون للراجل سهم وللفارس سهمان. وإليه ذهب أبو حنيفة ولم يساعده في ذلك أحد من مشاهير الأئمة حتى القاضي أبو يوسف ومحمد، لأنه صح عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم أسهم للرجل

ص: 2767

عمر أصح فالعمل عليه، وأتى الوهم في حديث مجمع أنه قال: إنه قال: ثلثمائة فارس، وإنما كانوا مائتي فارس. [4006]

4007 -

وعن حبيب بن مسلمة الفهري، قال شهدت النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البدأة، والثلث في الرجعة رواه أبو داود. [4007]

4008 -

وعنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل الربع بعد الخمس، والثلث بعد الخمس إذا قفل. رواه أبو داود. [4008]

ــ

ولفرسه ثلاثة أسهم، سهما له وسهمين لفرسه؛ فإنه حديث متفق علي صحته مصرح بأنه أسهم للفارس ثلاثة أسهم.

وليس في هذا الحديث ما يدل صريحا بل ظاهرا علي أن للفارس سهمين؛ فإن ما ذكرناه شيء يقتضيه الحساب والتخمين، مع أن أبا داود السجستإني هو الذي أورده في كتابه وأثبته في ديوانه، وهو قال: وهذا وهم، وإنما كانوا مائتي فارس، فعلي هذا يكون مجموع الغانمين ألفا وأربعمائة نفر. ويؤيد ذلك قوله:((قسمت خيبر علي أهل الحديبية)) وهم كانوا ألفا وأربعمائة. علي ما صح عن جابر والبراء بن عازب وسلمة بن الأكوع وغيرهم، فيكون للراجل سهم وللفارس ثلاثة أسهم علي ما يقتضيه الحساب.

وأما ما روي عن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن نافع عن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((للفرس سهمان وللراجل سهم)) فلا يعارض ما رويناه، فإنه يرويه أخوه عبيد الله بن عمر بن حفص عن نافع عن ابن عمر، وهو أحفظ وأثبت باتفاق أهل الحديث كلهم؛ ولذلك أثبته الشيخان في جامعيهما، ورويا عنه ولم يلتفتا إلي رواية عبد الله.

الحديث السابع والثامن عن حبيب: قوله: ((ينفل الربع)) ((قض)): النفل اسم لزيادة يخص بها الإمام بعض الجيش علي ما يعإنيه من المشقة لمزيد سعي واقتحام خطر، والتنفيل إعطاء النفل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفل الربع أي في البدأة كما صرح به في حديثه الآخر وهي ابتداء سفر الغزو، وكان إذا نهضت سرية من جملة العسكر، وابتدروا إلي العدو وأوقعوا بطائفة منهم، فما غنموا كان يعطيهم منها الربع ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة أرباعه، وكان ينفل الثلث في الرجعة، وهي قفول الجيش من الغزو، فإذا قفلوا ورجعت طائفة منهم، فأوقعوا بالعدو مرة ثإنية، كان يعطيهم مما غنموا الثلث؛ لأن نهوضهم بعد القفل أشق، والخطر فيه أعظم. وحكى عن مالك أنه كان يكره التنفيل.

وقوله: ((بعد الخمس)) يدل علي أنه يعطى من الأخماس الأربعة التي هي للغانمين. وإليه

ص: 2768

4009 -

وعن أبي الجويرية الجرمي، قال: أصبت بأرض الروم جرة حمراء، فيها دنإنير في إمرة معاوية، وعلينا رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني سليم، يقال له: معن بن يزيد، فأتيته بها، فقسمها بين المسلمين وأعطإني منها مثلما أعطى رجلا منهم، ثم قال: لولا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا نفل إلا بعد الخمس) لأعطيتك. رواه أبو داود. [4009]

4010 -

وعن أبي موسى الأشعري، قال: قدمنا فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، فأسهم لنا – أو قال: فأعطانا منها – وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا، إلا لمن شهد معه، إلا أصحاب سفينتنا جعفرا وأصحابه، أسهم لهم معهم. رواه أبو داود. [4010]

ــ

ذهب أحمد وإسحاق. وقال سعيد بن المسيب والشافعي وأبو عبيد: إنما يعطي النفل من خمس الخمس سهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم من ذلك. وعلي هذا فقوله: (الخمس)) وهم من الراوي أو زيادة من بعض الرواة، ويؤيد ذلك عدمها في حديثه الآخر المساوي له في المعنى. وقال أبو ثور: يعطي النفل من أصل الغنيمة كالسلب.

الحديث التاسع عن أبي الجويرية: قوله: ((لا نفل إلا بعد الخمس)) ((قض)): ظاهر هذا الكلام يدل علي أنه لم ينفل أبا الجويرية من الدنإنير التي وجدها، لسماعه قوله صلى الله عليه وسلم:((لا نفل إلا بعد الخمس)) وأنه المانع لتنفيله، ووجهه أن ذلك يدل علي أن النفل إنما يكون من الأخماس الأربعة التي هي للغانمين كما دل عليه الحديث السابق. ولعل التي وجدها كانت من عداد الفيء فلذلك لم يعط النفل منه.

الحديث العاشر عن أبي موسى: قوله: ((حين افتتح خيبر)) تنازع فيه الفعلان السابقان عليه، وأصحاب السفينة جعفر بن أبي طالب مع جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، هاجروا من مكة إلي الحبشة، فلما هاجر صلى الله عليه وسلم من مكة إلي المدينة وقوي دينه، فلما سمع جعفر ومن معه بذلك، هاجروا من الحبشة إلي المدينة، وكانوا راكبين في سفينة، فلما وافق قدومهم فتح خيبر، فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم وأعطاهم من غنيمة خيبر سهامهم.

قوله: ((إلا لمن شهد معه)) استثناء منقطع للتأكيد و ((إلا أصحاب سفينتنا)) استثناء متصل من قوله: ((لأحد))، ووهم بعضهم وزعم أن المراد بمن شهد معه أصحاب الحديبية، فيكون الاستثناء متصلا وليس بذلك؛ لأن من حضر فتح خيبر هم أصحاب الحديبية لا غير.

((قض)): وإنما أسهم لهم لأنهم وردوا عليه قبل حيازة الغنيمة؛ ولذلك قال الشافعي في أحد

ص: 2769

4011 -

وعن يزيد بن خالد: أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر، فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:((صلوا علي صاحبكم)) فتغيرت وجوه الناس لذلك. فقال: ((إن صاحبكم غل في سبيل الله)) ففتشنا متاعة فوجدنا خرزا من خرز يهود لا يساوي درهمين. رواه مالك، وأبو داود، والنسائي. [4011]

4012 -

وعن عبد الله بن عمرو، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب غنيمة، أمر بلالا فنادى في الناس، فيجيئون بغنائمهم، فيخمسه ويقسمه، فجاء رجل يوما بعد ذلك بزمام من شعر، فقال: يا رسول الله! هذا فيما كنا أصبناه من الغنيمة. قال: ((أسمعت بلالا نادى ثلاثا؟) قال: نعم قال: ((فما منعك أن تجيء به؟)) فاعتذر. قال: ((كن أنت تجيء به يوم القيامة، فلن أقبله عنك)). رواه أبو داود. [4012]

ــ

قوليه: من حضر بعد انقضاء القتال وقبل حيازة الغنيمة شارك فيها الغانمين، ومن لم ير ذلك حمله إلي أنه أسهم لهم بعد استئذان أهل الحديبية ورضاهم.

أقول: هذا التأويل أظهر مما ذهب إليه من أنه إنما أعطاهم صلى الله عليه وسلم من الخمس الذي هو حقه دون حقوق من شهد الواقعة؛ لأن قوله: ((فأسهم)) يقتضي القسمة من نفس الغنيمة، وما يعطى من الخمس ليس بسهم، وأيضا الاستثناء في قوله:((إلا أصحاب سفينتنا)) يقتضي إثبات القسمة لهم. والقسمة لا تكون من الخمس؛ ولأن سياق كلام أبي موسى وارد علي الافتخار والمباهاة. فيستدعي اختصاصهم بما ليس لأحد غيرهم. والرضخ * والخمس مشترك فيه اليتامى والمساكين وغيرهما فلا مزية لهم فيه. وإذا تقرر هذا ظهر أن قسمة خيبر زادت علي ثمإنية عشر سهما. وهذا وهم آخر في حديث مجمع عليه؛ فلا ينهض دليلا علي أن للفارس سهمان. والله أعلم.

الحديث الحادي عشر والثاني عشر عن عبد الله: قوله: ((فيجيئون)) حكاية حال ماضية استحضارا لتلك الحالة. وهي امتثالهم لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بإحضار الغنائم لم يمكثوا ولم يلبثوا. ولما مكث الرجل وتخلف عنهم عاد إلي مقتضى الظاهر، وقال: فجاء رجل يوما بعد ذلك. ((مظ)): إنما لم يقبل ذلك منه؛ لأن لجميع الغانمين فيه شركة وقد تفرقوا، وتعذر إيصال نصيب كل واحد منهم إليه، فتركه في يده؛ ليكون إثمه عليه لأنه هو الغاصب.

قوله: ((كن أنت تجيء)) فيه أنواع من التأكيد وهي تأكيد الضمير المستتر، وبناء الخبر عليه علي سبيل التقوى وتخصيص الكينونة. والأنسب أن يكون ((أنت)) مبتدأ ((وتجيء)) خبره، والجملة خبر كان، فقدم الفاعل المعنوي للتخصيص، أي أنت تجيء به لا غيرك.

((غب)): وقد تستعمل ((كان)) في جنس الشيء متعلقا بوصف له هو موجود فيه، فبينه أن

ص: 2770

4013 -

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه. رواه أبو داود. [4013]

4014 -

وعن سمرة بن جندب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من يكتم غالا فإنه مثله)). رواه أبو داود. [4014]

4015 -

وعن أبي سعيد، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شري المغانم حتى تقسم. رواه الترمذي. [4015]

4016 -

وعن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: نهي أن تباع السهام حتى تقسم. رواه الدارمي.

ــ

ذلك الوصف لازم له قليل الانفكاك، منه قوله تعالي:{وكَانَ الإنسَانُ كَفُورًا} . انتهي كلامه. وهذا وارد علي سبيل التغليظ لا أن توبته غير مقبولة، ولا أن رد المظالم علي أصحابها أو الاستحلال منهم غير ممكن.

الحديث الثالث عشر عن عمرو: قوله: ((حرقوا)) ((حس)): هذا حديث غريب، وذهب بعض أهل العلم إلي ظاهر هذا الحديث، منهم الحسن قال: يحرق ماله إلا أن يكون حيوانا أو مصحفا، وكذلك قال أحمد وإسحاق، قالوا: ولا يحرق ما غل؛ لأنه حق الغانمين يرد عليهم، فإن استهلكه غرم قيمته. وقال: الأوزاعي: يحرق متاعه الذي غزا به وسرجه وإكافه *، ولا تحرق دابته ولا نفقته ولا سلاحه ولا ثيابه التي عليه. وذهب آخرون إلي أنه لا يحرق رحله، لكنه يعزر علي سوء صنيعه، وإليه ذهب مالك والشافعي وأصحاب أبي حنيفة، وحملوا الحديث علي الزجر والوعيد دون الإيجاب. قال البخاري: قد روى في غير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغال، ولم يأمر بحرق متاعه.

الحديث الرابع عشر عن سمرة: قوله: ((غالا)) أي غلول غال فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

الحديث الخامس والسادس عشر عن أبي سعيد: قوله: ((حتى تقسم)) ((قض)): المقتضي للنهي عدم الملك عند من يرى أن الملك يتوقف علي القسمة. وعند من يرى الملك قبل القسمة المقتضي له الجهل بعين المبيع وصفته، إذا كان في المغنم أجناس مختلفة.

((مظ)): يعني لو باع أحد من المجاهدين نصيبه من الغنيمة لا يجوز؛ لأن نصيبه مجهول؛ ولأنه ملك ضعيف يسقط بالإعراض. والملك المستقر لا يسقط بالإعراض.

ص: 2771

4017 -

وعن خولة بنت قيس، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن هذه المال خضرة حلوة، فمن أصابه بحقه بورك له فيه، ورب متخوض فيما شاءت به نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلا النار)). رواه الترمذي. [4017]

4018 -

وعن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر. رواه أحمد، وابن ماجه، وزاد الترمذي: وهو الذي رأي فيه الرؤيا يوم أحد. [4018]

ــ

الحديث السابع عشر عن خولة: قوله: ((إن هذه المال)) أنث المال علي تأويل الغنيمة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم بعده:((من مال الله ورسوله)) والفاء في ((فمن أصابه)) تفصيلية، وكان من الظاهر أن يقال: فمن أصابه كذا ومن لم يصب بحقه فليس له إلا النار، فعدل إلي قوله:((فرب ((متخوض)) إشارة إلي أن من يأخذها بحقه قليل. والأكثرون من يتخوض فيها بغير حق؛ ولذلك قيل في الأول: ((حلوة خضرة)) أي مشتهاة والنفوس إليها مائلة جدا، وفي القرينة الثانية قيل: فيما شاءت به نفسه. و ((من مال الله) مظهر أقيم مقام المضمر إشعارا بأنه لا ينبغي التخوض في مال الله ورسوله والتصرف فيها بمجرد التشهي.

قوله: ((ليس له يوم القيامة إلا النار)) حكم مرتب علي الوصف المناسب له وهو الخوض في مال الله تعالي، فيكون مشعرا بعليته.

الحديث الثامن عشر عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((تنفل)) ((تو)): أي أخذه زيادة لنفسه، والمراد منه أنه اصطفاه لنفسه، ومنه الصفي وهو ما يتخيره من المغنم، ولم أجد تنفل مستعملا في المعنى الذي ذكرناه، والرواية وجدناها كذلك. أقول: وقد وجدناه في الكشاف في قوله تعالي: {يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} حيث قال: وقرأ طاوس {يُصَوِّرُكُمْ} أي صوركم لنفسه ولتعبده كقولك: أثلت مالا إذا جعلته أثلة أي أصلا، وتأثلته إذا أثلته لنفسه.

قوله: ((ذا الفقار)) ((فا)): هو بفتح الفاء، والعامة يكسرونها وسميت بذلك؛ لأنه كان في شفرته خزوز شبهت بفقار الظهر، وكان لمنبه بن الحجاج فتنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله:((رأي فيه الرؤيا)) ((تو)): والرؤيا التي رأي فيه في منامه يوم أحد، أنه هز ذا الفقار فانقطع من وسطه، ثم هزه هزة أخرى فعاد أحسن ما كان. وقيل: الرؤيا هي ما قاله فيه: ((رأيت في ذباب سيفي ثلما فأولته هزيمة، ورأيت كإني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة)) الحديث.

ص: 2772

4019 -

وعن رويفع بن ثابت، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة في فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوبا في فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه)). رواه أبو داود. [4019]

4020 -

وعن محمد بن أبي المجالد، عن عبد الله بن أبي أوفي، قال: قلت: هل كنتم تخمسون الطعام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: اصبنا طعاما يوم خيبر، فكان الرجل يجيء فياخذ منه مقدار ما يكفيه، ثم ينصرف. رواه أبو داود. [4020]

4021 -

وعن ابن عمر: أن جيشا غنموا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما وعسلا، فلم يؤخذ منهم الخمس. رواه أبو داود. [4021]

4022 -

وعن القاسم مولي عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كنا نأكل الجزور في الغزو، ولا نقسمه، حتى إذا كنا لنوجع إلي رحالنا وأخرجتنا منه مملوؤة. رواه أبو داود. [4022]

4023 -

وعن عبادة بن الصامت، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((أدوا الخياط والمخيط، وإياكم والغلول، فإنه عار علي أهله يوم القيامة. رواه الدارمي. [4023]

4024 -

ورواه النسائي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. [4024]

ــ

الحديث التاسع عشر عن رويفع: قوله: ((حتى إذا أعجفها)) ((حتى)) هي الداخلة علي الجملة الشرطية، أشعر بأن الركوب إذا لم يؤد إلي الهزال يجوز. وقد سبق بحثه في الحديث الرابع عشر من الفصل الأول.

الحديث العشرون إلي الثاني [والعشرين) * عن القاسم: قوله: ((لنرجع)) اللام المتصلة هي اللام الجاعلة الفعل المضارع حالا. قوله: ((وأخرجتنا)) ((تو)) **: الأخرجة جمع الخراج الذي هو من الأوعية. والصواب فيه الخرجة بكسر الخاء وتحريك الراء بالفتح علي مثال حجرة.

الحديث الثالث والعشرون عن عبادة: قوله: ((فإنه عار علي أهله)) أي فضيحة وتشهير علي رءوس الأشهاد. وهي ما سبق في حديث أبي هريرة في الفصل الأول من قوله: ((علي رقبته بغير له رغاء)) الحديث.

ص: 2773

4025 -

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: دنا النبي صلى الله عليه وسلم من بغير فأخذ وبرة من سنامه، ثم قال:((يا أيها الناس إنه ليس لي من هذا الفيء شيء ولا هذا – ورفع اصبعه – إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدوا الخياط والمخيط)) فقام رجل في يده كبة من شعر، فقال: أخذت هذه لأصلح بها بردعة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك)) فقال: أما إذا بلغت ما أرى فلا أرب لي فيها، ونبذها. رواه أبو داود. [4025]

4026 -

وعن عمرو بن عبسة، قال: صلي بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي بعير من المغنم، فلما سلم أخذ وبرة من جنب البعير ثم قال:((ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس، والخمس مردود فيكم)). رواه أبو داود. [4026]

4027 -

وعن جبير بن مطعم، قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى بين بني هاشم وبني المطلب أتيته أنا وعثمان بن عفان، فقلنا: يا رسول الله هؤلاء إخواننا من بني هاشم، لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله منهم، أرأيت

ــ

الحديث الرابع والعشرون عم عمرو: قوله: ((ولا هذا)) تأكيد وهو إشارة إلي الوبرة علي تأويل شيء، والمستثنى بالرفع علي البدل وهو الأفصح ويجوز النصب.

قوله: ((كبة)) ((المغرب)): الكبة من الغزل بالضم والجر وهق*، وكذا في الصحاح. قوله:((وأما ما كان لي)) ((أما)) للتفصيل وقرينتها محذوفة، أي وأما ما كان لي فهو حل لك. وما كان للغانمين فعليك بالاستحلال من كل واحد. وقوله:((أما إذا بلغت)) هذه الكبة إلي ما أرى من الضايقة فلا حاجة لي إليها، أو إذا بلغت القضية إلي هذه الغاية.

الحديث الخامس والعشرون عن عمرو: قوله: ((إلي بعير)) أي مستقبلا إليه ((ولا يحل)) عطف علي محذوف وهو مقول القول، أي لا أنصرف ولا يحل.

الحديث السادس والعشرون عن جبير: قوله: ((لمكانك)) كنى ((بمكانك)) عن ذاته الزكية صلى الله عليه وسلم، كما في قوله تعالي:{ولِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} علي قول، وكما تقول: أخاف جانب فلان وفعلت هذا لمكانك. وحق الظاهر أن يقال: الذي وضعه؛ ليرجع إلي الموصول، فأقام ضمير الخطاب مقام ضمير الغائب نظرا إلي لفظ ((مكانك)) وقريب منه:

أنا الذي سمتني أمي حيدره

و ((من)) في ((منهم)) ابتدائية متعلقة بوضع، أي أنشأ وأصدر وضعك منهم، أي لا ننكر فضلهم لأن الله تعالي أنشأك منهم لا منا.

ص: 2774

إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا)) وشبك بين أصابعه. رواه الشافعي. وفي رواية أبي داود، والنسائي نحوه وفيه:((إنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام، وإنما نحن وهم شيء واحد)). وشبك بين أصابعه. [4027]

الفصل الثالث

4028 -

عن عبد الرحمن بن عوف، قال: إني واقف في اصف يوم بدر، فنظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما، فقال: يا عم! هل تعرف أبا جهل؟ قلت:

ــ

فإن قلت: من أي قبيل هو من فن البيان؟ قلت: من فن التعريض علي سبيل الكناية، فإنهم قد يعبرون عن المسمى بالمجلس والجانب والمكان إجلالا له وتنويها لشأنه وأنشد في معناه لزهير:

فعرض إذا ما جئت بالباب والحمى وإياك أن تنسى فتذكر زينبا

سيكفيك من ذاك المسمى إشارة فدعه مصونا بالجمال محجبا

ونظيره مثلك يجود بمعنى أنت تجود لا يريدون بالمثل الشبيه والنظير، وإنما المراد من هو بمنزلته من الأريحية والسماحة يجود. قوله:((إخواننا)) يجوز النصب علي شريطة التفسير يعني أعطيت إخواننا. وقوله: ((من بين المطلب)) حال، والرفع علي الابتداء و ((من بني المطلب)) خبره ((وأعطيتهم)) هو المستخبر عنه والجملة موطئة.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن عبد الرحمن: قوله: ((بين أضلع منهما)) ((نه)): أي بين رجلين أقوي من الرجلين الذين كنت بينهما وأشد. أقول: لعله لما رأي نفسه بين الغلامين وهما حديثا السن، استشعر وتمنى أن يكون بين أقوى منهما يدل عليه ((فغموني)) لأن الغمز العصر والكبس باليد. قوله:((سوادي سواده)) أي شخصي شخصه، وفيه استهانة لنفسه وأنه يفيدها لله))، وفداء في رسوله صلى الله عليه وسلم ((حتى يموت الأعجل منا)) أي الأقرب منا أجلا. وقوله ((لم أنشب)) أي لم أمكث. وقوله:((صاحبكما)) يجوز أن يكون منصوبا بدلا من ((هذا)) أي ألا تنظران إلي صاحبكما، وأن يكون مرفوعا علي أن يكون ((هذا)) مبتدأ وهو خبره. ((وتريان)) مفوله لا يقدر إذ المراد إيجاد الرؤية كقوله تعالي:{قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} الكشاف: ترك المفعول غير مذكور؛ لأن الغرض هو الفعل لا المفعول. وقوله: ((كلاكما قتله)) أفرد الضمير في ((قتله)) نظرا إلي لفظه ((كلا)) كما في قوله تعالي: {كِلْتَا الجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} .

ص: 2775

نعم، فما حاجتك إليه يا بن أخي؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك، قال: وغمزني الآخر، فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلي أبي جهل يجول في الناس، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألإني عنه. قال: فابتدراه بسيفيهما، فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبراه، فقال:((أيكما قتله؟)) فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال:((هل مسحتما سيفيكما؟)) فقالا: لا. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي السيفين، فقال:((كلاكما قتله)). وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح. والرجلان: معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء. متفق عليه.

4029 -

وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: ((من ينظر لنا ما صنع

ــ

قوله: ((قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن عمرو بن الجموح)) ((مح)): اختلفوا في معناه فقال أصحابنا: اشترك هذان الرحلان في جراحته لكن معاذ بن عمرو أثخنه أولا فاستحق السلب، وإنما قال صلى الله عليه وسلم:((كلاكما قتله)) تطييبا لقلب الآخر من حيث أن له مشاركة في قتله، وإلا فالقتل الشرعي يتعلق به استحقاق السلب وهو الإثخان وإخراجه عن كونه ممتنعا، وإنما وجد من معاذ ابن عمرو فلهذا قضى له بالسلب. وإنما أخذ السيفين؛ ليستدل بهما علي حقيقة كيفية قتلهما، فعلي أن ابن الجموح أثخنه ثم شاركه الثاني بعد ذلك وبعد استحقاقه السلب.

وقال أصحاب مالك: إنما أعطاه لأحدهما؛ لأن الإمام مخير في السلب يفعل فيه ما شاء، وذكر في صحيح البخاري في حديث إبراهيم بن سعد أن الذي ضربه ابن عفراء، وفي روايه أن انبي عفراء ضرباه حتى برد. وذكر غيره أن ابن مسعود هو الذي أجهز عليه وأخذ رأسه. قال الشيخ: يحمل هذا علي أن الثلاثة اشتركوا في قتله، وكان الإثخان من عمرو بن الجموح، وجاء ابن مسعود بعد ذلك وفيه رمق فحز رأسه.

وفيه من الفوائد: المبادرة إلي الخيرات والغضب لله ولرسوله. وفيه أنه لا ينبغي لأحد أن يحتقر أحدا لصغره ونحافة جسمه أن يصدر عنه أمر خطير. واحتج به المالكية علي استحقاق القاتل السلب فهو له بلا بينة. والجواب أنه صلى الله عليه وسلم لعله عرف ذلك ببينة أو غيرها.

الحديث الثاني عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((ما صنع)) ((ما)) استفهامية علي معنى ((ينظر)

ص: 2776

أبو جهل؟)) فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد. قال: فأخذ بلحيته، فقال: أنت أبو جهل. فقال: وهل فرق رجل قتلتموه. وفي رواية: قال: فلو غير أكار قتلني. متفق عليه.

4030 -

وعن سعد بن أبي وقاص، قال: أعطى رسول لله صلى الله عليه وسلم رهطا وأنا جالس، فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم رجلا وهو أعجبهم إلي، فقمت، فقلت: مالك عن فلان؟ والله إني لأراه مؤمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أو مسلما)) ذكر سعد ثلاثا وأجابه بمثل ذلك، ثم قال:((إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكب في النار علي وجهه)). متفق عليه. وفي رواية لهما: قال الزهري: فنرى أن الإسلام الكلمة، والإيمان العمل الصالح.

ــ

أي من يتأمل لأجلنا ما حال أبي جهل؟. ((مح)): وسبب السؤال أن يسر المسلمون بذلك.

قوله: ((حتى برد)) مات وهنا محمول علي المشارفة؛ لقوله بعده: ((فأخذ بلحيته)) إلي آخره. وبدليل رواية أخرى: ((حتى برك)) بالباء الموحدة والكاف. ((مح)): في بعض النسخ ((ترك)): بالكاف، والمراد به سقط يعني أن ابني عفراء تركاه عقيرا.

قوله: ((وهل فوق رجل قتلتموه؟)) ولما بالغ في إهانته وتحقيره بأخذ لحيته ونبزه بأبي جهل أجابه بهذا الجواب.

قوله: ((أكار)) ((نه)): الأدار الزراع أراد به احتقاره وانتقاصه كيف مثله يقتل مثله؟. ((مح)) أشار أبو جهل به إلي ابني عفراء الذي قتلاه، وهما من الأنصار وهما أصحاب زرع ونخل. ومعناه: لو كان الذي قتلني غير أكار لكان أحب إلي وأعظم لشإني. أقول: ((وغير)) ينبغي أن يكون مرفوعا بفعل يفسره ما بعده؛ لأن مدخول لو فعل كقوله تعالي: {لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ} ، ويجوز أن يحمل لو علي التمني، فلا يقتضي جوابا.

الحديث الثالث عن سعد: قوله: ((أعجبهم)) أي أرضاهم عندي دينا، وقوله:((عن فلان)) حال، أي مالك متجاوزا عن فلان؟. وقوله:((أو مسلما)) ((أو)) بمعنى ((بل)) كما في قوله:

أو أنت في العين أملح

أضرب عن كلامه وترقى أي أنا أعلم فوق ما تعلم.

((غب)): الإسلام في الشرع علي ضربين أحدهما: دون الإيمان وهو الاعتراف باللسان وبه

ص: 2777

4031 -

وعن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام – يعني يوم بدر – فقال:((إن عثمان انطلق في حاجة الله، وحاجة رسوله وإني أبايع له)) فضرب له رسول الله بسهم، ولم يضرب بشيء لأحد غاب غيره. رواه أبو داود. [4031]

4032 -

وعن رافع بن خديج، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل في قسم المغنم عشرا من الشاء ببعير. رواه النسائي. [4032]

4033 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((غزا نبي من الأنبياء، فقال لقومه: لا ينبغي رجل ملك بعض امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن لها، ولا

ــ

يحقن الدم، حصل معه الاعتقاد أو لم يحصل، وإياه قصد بقوله:{قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا ولَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} . والثاني: فوق الإيمان وهو أن يكون مع الاعتراف اعتقاد بالقلب ووفاء بالفعل واستلام لله تعالي في جميع ما قضى وقدر كما ذكر عن إبراهيم عليه السلام في قوله تعالي: {إذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ} .

((مح)): معناه أن سعدا رأي النبي صلى الله عليه وسلم يعطي ناسا وترك من هو أفضل منهم في الدين، فظن أن العطاء بحسب الفضائل في الدين، وظن أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم حال هذا الإنسان فأعلمه به. ولم يفهم سعد عن قوله:((أو مسلما)) هيه عن الشفاعة، فكرر فأعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن العطاء ليس علي حسب الفضائل في الدين، وقال:((إني أعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله تعالي في النار)). يعني إني أعطي أناسا مؤلفة في إيمانهم ضعف، لو لم أعطهم لكفروا، وأترك قوما هم أحب إلي من الذين أعطيهم، ولا أتركهم احتقارا لهم ولا لنقص دينهم بل أكلهم إلي ما جعل الله تعالي في قلوبهم من النور والإيمان التام. وأما تأويل الزهري فيجب حمل ((أو)) علي التنويع كما في قوله تعالي:{عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} أي مؤمن مسلم جمع بين الإيمان والإسلام ظاهرا وباطنا.

الحديث الرابع عن ابن عمر: قوله: ((في حاجة الله)) توطئة لقوله: ((حاجه رسوله))؛ لقوله تعالي: {إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ} وكرر الحاجة لزيادة تأكيد. وعثمان رضي الله عنه تخلف في المدينة لتمريض بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي زوجته.

((وإني أبايع له)) أي لأجله. فضرب بيمينه صلى الله عليه وسلم علي شماله. وقال: هذا يد عثمان.

الحديث الخامس والسادس عن أبي هريرية رضي الله عنه: قوله: ((فقال)) عطف علي ((غزا))

ص: 2778

أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها، ولا رجل اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر ولادها، فغزا، فدنا من القرية صلاة العصر أو قريبا من ذلك، فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا، فحبست حتى فتح الله عليه، فجمع الغنائم، فجاءت – يعن النار – لتأكلها، فلم تطعمها، فقال: إن فيكم غلولا، فليبايعني من كل قبيلة رجل، فلزقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول، فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب، فوضعها، فجاءت النار فأكلتها)). زاد في رواية:((فلم تحل الغنائم لأحد قبلنا، ثم أحل الله لنا الغنائم، رأي ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا)). متفق عليه.

ــ

علي معنى أراد أن يغزو فقال، يدل عليه قوله:[((لا يبتغي))] *، والبضع يطلق علي عقد النكاح والجماع معا وعلي الفرج. والخلفات جمع الخلفة بفتح الخاء وكسر اللام الحامل من النوق. وأخلفت إذا حملت، ويحتمل أن يرجع الضمير في ((ولادها)) إلي الطائفتين من الغنم والإبل علي سبيل التغليب. قوله:((فدنا)) كذا في البخاري، وفي مسلم (فأدنى)).

((مح)) **: هكذا في جميع النسخ بهمزة القطع، وكذا عن القاضي عياض أيضا إما أن يكون تعدية ((لدنا)) أي قرب أدنى جيوشه إلي القرية، وإما أن يكون بمعنى حان أي حان فتحها من قولهم: أدنت الناقة إذا حان وقت نتاجها ولم يقل في غير الناقة. ((نه)): ((فأدنى بالقرية)) هكذا جاء في مسلم وهو افتعل من الدنو، وأصله ادتنى فأدغم التاء في الدال.

قوله: ((فحبست)) ((مح)): قال القاضي عياض: اختلفوا في حبس الشمس فقيل: ردت علي أدراجها. وقيل: وقفت بلا رد، وقيل: بطء تحركها، وذلك من معجزات النبوة. قال: ويقال: إن الذي حبست عليه يوشع بن نون عليه السلام. وقال القاضي: قد روى أن نبينا صلى الله عليه وسلم حبست له الشمس مرتين: إحداهما: يوم الخندق حين شغلوا عن صلاة العصر حتى غربت الشمس، فردها الله تعالي عليه حتى صلي العصر. قاله الطحاوي وقال: رواته ثقات، والثانية: صبيحة الإسراء حتى انتظر العير التي أخبر بوصولها مع شروق الشمس.

قوله: ((فلم تطعمها)) ((مح)): وكانت عادة الأنبياء صلوات الله عليهم أن يجمعوا الغنائم فتجيء نار من السماء فتأكلها علامة لقبولها وعدم الغلول فيها؛ وكذلك كان أمر قرابينهم، وفيه أن الأمور المهمة ينبغي أن لا تفوض إلا إلي أولي الحزم وفراغ البال لها، ولا تفوض إلي متعلقي القلب بغيرها؛ لأن ذلك يضعف عزمه. وفيه إباحة الغنائم لهذه الأمة زادها الله شرفا وأنها مختصة بذلك.

ص: 2779