المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(3) باب الترجل - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٩

[الطيبي]

الفصل: ‌(3) باب الترجل

4417 -

وعن ابن عباس، قال: من السنة إذا جلس الرجل أن يخلع نعليه فيضعهما بجنبه. رواه أبو داود.

4418 -

وعن ابن بريدة، عن أبيه، أن النجاشي أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم خفين أسودين ساذجين، فلبسهما. رواه ابن ماجه. وزاد الترمذي عن ابن بريدة، عن أبيه: ثم توضأ ومسح عليهما. [4418]

[وهذا الباب خال عن: الفصل الثالث].

(3) باب الترجل

الفصل الأول

4419 -

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض. متفق عليه.

4420 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط)) متفق عليه.

ــ

باب الترجل

((نه)): الترجل والترجيل تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه.

الفصل الأول

الحديث الأول والثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((الفطرة خمس)) ((قض)): فسرت الفطرة بالسنة القديمة التي اختارها الأنبياء، واتفقت عليها الشرائع، فكأنها أمر جبلي فطروا عليه. والمراد بالاستحداد استعمال الحديد في حلق العانة، ونتف الإبط نتف شعوره، كذا في صحيح البخاري ومسلم وجامع الأصول، وبعض نسخ المصابيح، وفي بعضها ((الآباط)) بالجمع.

قوله: ((الفطرة خمس)) معناه خمس من الفطرة، كما في الرواية الأخرى:((عشر من الفطرة)) وليست الفطرة منحصرة في العشر، ثم إن معظم هذه الخصال سنة ليست بواجبة، وفي بعضها خلاف كالختان، ولا يمتنع قران الواجب بغيره كما قال تعالى:{كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} فالإيتاء واجب، والأكل ليس بواجب.

ص: 2923

3321 -

وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خالفوا المشركين: أوفروا اللحى، وأحفوا الشوارب)). وفي رواية: ((أنهكوا الشوارب، وأعفوا اللحى)) متفق عليه.

4422 -

وعن أنس، قال: وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا تترك أكثر من أربعين ليلة. رواه مسلم.

ــ

الختان عند الشافعي واجب على الرجال والنساء، ثم إن الواجب في الرجل أن يقطع جميع الجلدة التي تغطي الحشفة حتى تنكشف. وفي المرأة يجب قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج.

((حس)): كان ابن عباس يشدد في الختان فيقول: الأقلف لا تجوز شهادته ولا تؤكل ذبيحته ولا تقبل صلاته. وكان العباس بن شريح يقول: لا خلاف أن ستر العورة واجب، فلولا أن الختان فرض لما جاز كشف عورة المختون لأجل الختان.

الحديث الثالث عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((أوفروا اللحى)) ((قض)): أي اتركوا اللحى كثيراً بحالها، ولا تتعرضوا لها واتركوها لتكثر. وفي معناه:((وأعفوا اللحى وأحفوا الشوارب قصوها)). قيل: أصل الإحفاء الاستقصاء في الكلام، ثم استعير للاستقصاء في أخذ الشارب. وفي معناه:((أنهكوا الشوارب)) في الرواية الأخرى. والإنهاك المبالغة في الشيء، وقد يستعمل في الطعام والقتال والعقوبة والشتم.

قال الشيخ أبو حامد في الإحياء: في اللحية عشر خصال مكروهة، وبعضها أشد من بعض، وهو: خضابها بالسواد، وتبييضها بالكبريت وغيره، ونتفها ونتف الشيب، والنقصان منها والزيادة فيها، وتسريحها تصنعاً لأجل الرياء، وتركها شعشة إظهاراً للزهد، والنظر إلى سوادها عجباً بالشباب، وإلى بياضها تكبراً بعلو السن، وخضابها بالحمرة [والصفرة] تشبيهاً بالصالحين، لا لاتباع السنة. وزاد الشيخ محيي الدين: وعقدها وتصفيفها طاقة فوق طاقة وحلقها، إلا إذا نبتت للمرأة لحية فيستحب لها حلقها.

الحديث الرابع عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((وقت لنا)) المغرب: قولهم: هل في ذلك وقت أي حد بين القليل والكثير. وقد اشتقوا منه فقالوا: وقت الله الصلاة أي بين وقتها وحددها، ثم قيل لكل محدود موقوت وموقت.

ص: 2924

4423 -

وعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم)) متفق عليه.

4424 -

وعن جابر، قال: أتى بأبي قحافة يوم فتح مكة، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((غيروا هذا بشيء، واجتنبوا السواد)) رواه مسلم.

4425 -

وعن ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه، وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون رءوسهم، فسدل النبي صلى الله عليه وسلم ناصيته، ثم فرق بعد. متفق عليه.

ــ

((مح)): معناه لا يترك تركاً يتجاوز أربعين لا أنهم وقت لهم الترك أربعين؛ لأن المختار أنه يضبط الحلق والتقليم والقص بالطول، فإذا طال حلق وقص وقلم. ((حس)): عن أبي عبد الله الأغر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقص شاربه ويأخذ من أظفاره في كل جمعة.

الحديث الخامس والسادس عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((كالثغامة)) ((نه)): هو نبت أبيض الزهر والثمر، يشبه بن الشيب. قال أبو [عبد الله]: وقيل: شجرة تبيض كأنها الثلج. وقوله: (بياضا)) تمييز عن النسبة التي فيها التشبيه.

الحديث السابع عن ابن عباس رضي الله عنه: قوله: ((فيما لم يؤمر فيه)) ((مح)): اختلفوا في تأويل موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه فيه شيء، فقيل: فعله ائتلافاً لهم في أول الإسلام وموافقة لهم على مخالفة عبدة الأوثان، فلما أغنى الله تعالى عن ذلك، وأظهر الإسلام على الدين كله، خالفهم في أمور، منها صبغ الشيب، وقال آخرون: يحتمل أنه أمر باتباع شرائعهم فيما لو يوح فيه إليه شيء. وإنما كان هذا فيما علم أنهم لم يبدلوه.

واستدل بعض الأصوليين بالحديث أن شرع من قبلنا شرع لنا، ما لم يرد شرعنا بخلافه. وقال آخرون: بل هذا يدل على أنه ليس بشرع لنا؛ لأنه قال: ((يحب موافقتهم)) فأشار أنه كان مخيراً فيه، ولو كان شرعاً لنا لتحتم اتباعه.

وأراد بالسدل هنا إرسال الشعر على الجبين وإثخانه، واتخاذه كالناصية. يقال: سدل شعره وثوبه إذا أرسل ولم يضم جوانبه.

والفرق فرق الشعر بعضه من بعض قالوا: والفرق سنة لأنه الذي رجع إليه النبي صلى الله عليه وسلم، والظاهر أنه إنما رجع إليه بوحي؛ لقوله:((إنه كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به)). فقال القاضي عياض: نسخ السدل فلا يجوز فعله ولا اتخاذ الناصية والجمة. قال: ويحتمل

ص: 2925

4426 -

وعن نافع، عن ابن عمر، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهي عن القزع. قيل لنافع: ما القزع؟ قال: يحلق بعض رأس الصبي، ويترك البعض. متفق عليه. وألحق بعضهم التفسير بالحديث.

4427 -

وعن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي صبياً قد حلق بعض رأسه وترك بعضه، فنهاهم عن ذلك، وقال:((احلقوا كله أو اتركوا كله)) رواه مسلم.

4428 -

وعن ابن عباس، قال: لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء، وقال:((أخرجوهم من بيوتكم)) رواه البخاري.

4429 -

وعنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال)). رواه البخاري.

ــ

أن المراد جواز الفرق لا وجوبه، ويحتمل أن الفرق كان اجتهاداً في مخالفة أهل الكتاب لا بوحي، فيكون الفرق مستحباً. وقد جاء في الحديث أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم لمة، فإن افترقت فرقها، وإلا تركها. فالحاصل أن الصحيح المختار جواز السدل والفرق، والفرق أفضل.

الحديث الثامن عن نافع رضي الله عنه. قوله: ((عن القزع)) ((حس)): أصل القزع قطع السحاب المتفرقة، شبه تفاريق الشعر في رأسه بها. ((مح)): القزع حلق بعض الرأس مطلقاً وهو الأصح؛ لأنه تفسير الراوي وهو غير مخالف للظاهر فوجب العمل به. وأجمعوا على كراهة القزع إذا كان في مواضع متفرقة. إلا أن يكون لمداواة، وهي كراهة تنزيه.

الحديث التاسع والعاشر عن ابن عباس رضي الله عنه: قوله: ((والمترجلات)) ((نه)): يعني بالمترجلات من النساء، المتشبهات منهن بالرجال في زيهم وهيأتهم. أما في العلم والرأي فمحمود، كما روى أن عائشة رضي الله عنها كانت رجلة الرأي، أي كان رأيها كرأي الرجال.

((مظ)): خنث يخنث كعلم يعلم إذا انكسر الشيء ولان وفتر. ((حس)): روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بمخنث، قد خضب يديه ورجليه بالحناء، فأمر به فنفي إلى البقيع.

((مح)): المخنث ضربان: أحدهما من خلق كذلك، ولم يتكلف التخلق بأخلاق النساء، وزيهن وكلامهن وحركاتهن، وهذا لا ذم عليه ولا إثم ولا عتب ولا عقوبة؛ لأنه معذور. والثاني من المخنث من تكلف أخلاق النساء وحركاتهن وهيأتهن وكلامهن وزيهن، فهذا هو المذموم الذي جاء في الحديث لعنه.

ص: 2926

4430 -

وعن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لعن الله الواصلة، والمستوصلة، والواشمة، والمستوشمة)) متفق عليه.

4431 -

وعن عبد الله بن مسعود، قال: لعن الله الواشمات، والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المتغيرات خلق الله، فجاءته امرأة، فقالت: إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت. فقال: مالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هو في كتاب الله. فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين، فما وجدت فيه ما تقول. قال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، أما قرأت:{ومَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ومَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} ؟ قالت: بلى. قال: فإنه قد نهى عنه. متفق عليه.

ــ

الحديث الحادي والثاني عشر عن ابن عمر: قوله: ((الواصلة)) ((تو)): الواصلة التي تصل شعرها بشعر آخر زوراً، والمستوصلة التي تأمر من يفعل بها ذلك. ((مح)): الأحاديث صريحة في تحريم الوصل مطلقاً وهذا هو الظاهر المختار. وقد فصله أصحابنا فقالوا: إن وصلت بشعر آدمي فهو حرام بلا خلاف؛ لأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته، وأما الشعر الطاهر من غير الآدمي، فإن لم يكن لها زوج ولا سيد فهو حرام أيضاً، وإن كان، فثلاثة أوجه: أصحها إن فعلته بإذن السيد والزوج جاز.

قال مالك رضي الله عنه والطبري والأكثرون: الوصل ممنوع بكل شيء، شعر أو صوف أو خرف أو غيرها، واحتجوا بالأحاديث. وقال الليث: النهي مختص بالعشر فلا بأس بوصله بصوف وغيره. وقال بعضهم: يجوز بجميع ذلك، وهو مروى عن عائشة بل الصحيح عنها كقول الجمهور.

الحديث الثالث عشر عن عبد الله: قوله: ((الواشمات)) ((مح)): الوشم هو أن تغرز إبرة أو نحوها في البدن، حتى يسيل الدم ثم يحشى بالكحل والنورة فيخضر. و ((المستوشمة)) من طلبت فعل ذلك، وهو حرام على الفاعلة والمفعول بها. والموضع الذي وشم يصير نجسا؛ فإن أمكن إزالته بالعلاج وجبت، وإن لم يمكن إلا بالجرح، فإن خاف منه التلف أو فوات عضو أو منفعة أو شيئاً فاحشاً في عضو ظاهر لم تجب إزالته، وإذا تاب لم يبق عليه إثم، وإن لم يخف شيئاً من ذلك لزمه إزالته ويعصي بتأخيره. و ((المتنمصة)) هي التي تطلب إزالة الشعر من الوجه وهو حرام، إلا إذا نبتت للمرأة لحية أو شوارب.

ص: 2927

4432 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العين حق)) ونهى عن الوشم. رواه البخاري.

4433 -

وعن ابن عمر، قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ملبداً)). رواه البخاري.

4434 -

وعن أنس، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل. متفق عليه.

ــ

قوله: ((والمتفلجات)) ((نه)): الفلج بالتحريك فرجة ما بين الثنايا والرباعيات والفرق بين السنين. والمراد بهن النساء اللاتي يفعلن ذلك بأسنانهن رغبة في التحسين.

و ((للحسن)) اللام فيه للتعليل، ويجوز أن يكون المتنازع فيه بين الأفعال المذكورة، والأظهر أن يتعلق بالأخير ((مح)): فيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن، أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه، فلا بأس به. انتهى كلامه.

وقوله: ((المغيرات خلق الله)) كالتعليل لوجوب اللعن. ((ومن هو في كتاب الله)) عطف على قوله ((من لعن)) أي من هو ملعون في كتاب الله. والمراد باللوحين الدفتان، واللام في ((لئن كنت)) موطئة للقسم. والثانية لجواب القسم الذي سد مسد جواب الشرط. والياء في ((قرأتيه)) تولدت من إشباع كسرة التاء، أي لو قرأته بالتدبر والتأمل عرفت أن قوله تعالى:{ومَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} إشارة إلى أن لعن رسول الله الواشمات إلى آخره كلعن الله تعالى فيجب أن يؤخذ به.

الحديث الرابع عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((العين حق)) ((نه)): يقال: أصابت فلانا عين، إذا نظر إليه عدو أو حسود، فأثرت فيه فمرض بسببها، يقال: عانه يعينه عينا فهو عائن إذا أصابه بالعين، والمصاب معين. ((مح)): أراد بالعين الإصابة بالعين، ومعنى أنه حق أي كائن مقضي به في الوضع الإلهي، لا شبهة في تأثيره في النفوس والأموال. أقول: ولعل اقتران النهي عن الوشم بإصابة العين رد لزعم الواش أنه يرد العين.

الحديث الخامس عشر عن ابن عمر رضي الله عنه: قوله: ((ملبداً)) ((فا)): التلبيد أن يجعل في رأسه لزوقا صمغا أو عسلا، ليتلبد فلا يقمل.

الحديث السادس عشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((أن يتزعفر الرجل)) ((حس)): قال أبو عيسى: معنى كراهة التزعفر للرجل أن يتطيب به، والنهي عن التزعفر للرجل يتناول

ص: 2928

4435 -

وعن عائشة، قالت: كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم بأطيب مانجد، حتى أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته. متفق عليه.

4436 -

وعن نافع، قال: كان ابن عمر إذا استجمر؛ استجمر بألوة غير مطرأة، وبكافور يطرحه مع الألوة، ثم قال: هكذا كان يستجمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم.

الفصل الثاني

4437 -

عن ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقص، أو يأخذ من شاربه، وكان إبراهيم خليل الرحمن صلوات الرحمن عليه يفعله. رواه الترمذي.

ــ

الكثير، أما القليل منه فقد روى الرخصة فيه للمتزوج؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم رأي عبد الرحمن بن عوف وعليه ردع من زعفران ولم ينكر عليه. وقال ابن شهاب: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلقون ولا يرون بالخلوق بأساً. قال عبد الملك: رأيت الشعبي دخل الحمام فخلق بخلوق ثم غسله.

الحديث السابع عشر عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((وبيص الطيب)) ((نه)): الوبيص البريق وقد وبص وبيصا. ((مظ)): ولا يشكل هذا بقوله: ((طيب الرجال ما خفي لونه)) لأن المراد ما له لون يظهر زينة وجمالا كالحمرة والصفرة، وما لم يكن كذلك كالمسك والعنبر فهو جائز.

الحديث الثامن عشر عن نافع: قوله: ((إذا استجمر)) أي استعمل المجمر وحصل الجمر فيه للبخور. ((مح)): الاستجمار هنا استعمال الطيب والتبخر به مأخوذ من المجمرة وهو البخور. والألوة بفتح الهمزة وضمها وضم اللام، وحكى الأزهري بكسر اللام وتشدد وتخفف وهي العود الذي يتبخر به. قال الأصمعي: أراها فارسة معربة.

وقوله: ((غير مطراة)) أي غير مخلوطة بغيرها من الطيب كالمسك والعنبر. ((تو)): والمطراة هي المرباة بما يزيد في الرائحة من الطيب، يقال: عود مطري ومطير أيضاً وهو مقلوب من مطري. قال الشاعر:

إذا مشت نادى بما في ثيابها ذكي الشذا والمندلي المطير

أقول: الباء في ((بما في ثيابها)) تجريدية؛ لأن ذكي الشذا والمندلي غير ما في ثيابها، وهي كقولك: رأيت بك أسداً.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((وكان إبراهيم)) يعني كان رسول الله

ص: 2929

4438 -

وعن زيد بن أرقم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من لم يأخذ من شاربه فليس منا)). رواه أحمد، والترمذي، والنسائي. [4438]

4439 -

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها. رواه الترمذي، وقال هذا حديث غريب. [4439]

4440 -

وعن يعلى بن مرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي عليه خلوقاً، فقال:((ألك امرأة؟)) قال: لا. قال: ((فاغسله. ثم اغسله، ثم اغسله، ثم لا تعد)) رواه الترمذي والنسائي. [4440]

4441 -

وعن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقبل الله صلاة رجل في جسده شيء من خلوق)). رواه أبو داود. [4441]

4442 -

وعن عمار بن ياسر، قال: قدمت على أهلي من سفر وقد تشققت يداي، فخلقوني بزعفران، فغدوت على النبي صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه، فلم يرد على وقال:((اذهب فاغسل هذا عنك)) رواه أبو داود. [4442]

ــ

صلى الله عليه وسلم يتبع سنة أبيه إبراهيم عليه السلام كما ينبئ عنه قوله تعالى: {وإذِ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} قيل: الكلمات خمس في الرأس: الفرق، وقص الشارب، والسواك، وغير ذلك.

الحديث الثاني والثالث عن عمرو: قوله: ((كان يأخذ من لحيته)) هذا لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم: ((أعفوا اللحى))؛ لأن المنهي عنه هو قصها كفعل الأعاجم أو جعلها كذنب الحمام. والمراد بالإعفاء التوفير منه كما في الرواية الأخرى. والأخذ من الأطراف قليلا، لا يكون من القص في شيء.

الحديث الرابع عن يلعى: قوله: ((ألك امرأة)) ((مظ)): يعني إن كان لك امرأة أصابك من بدنها وثوبها الخلوق من غير أن تقصد استعماله، حتى تكون معذوراً فيه. فقال: ليس لي امرأة فأمر بغسله ثلاث مرات للمبالغة.

ص: 2930

4443 -

وعن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه)) رواه الترمذي والنسائي. [4443]

4444 -

وعن أنس، قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سكة يتطيب منها. رواه أبو داود. [4444]

4445 -

وعنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه، وتسريح لحيته، ويكثر القناع، كأن ثوبه ثوب زيات. رواه في شرح السنة. [4445]

4446 -

وعن أم هانئ، قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا بمكة قدمة، وله أربع غدائر. رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. [4446]

4447 -

وعن عائشة، قالت: إذا فرقت لرسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه صدعت فرقه عن يافوخه، وأرسلت ناصيته بين عينيه. رواه أبو داود. [4447]

ــ

الحديث الخامس والسادس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ما ظهر لونه)) ((حس)): قال سعد: أراهم حملوا قوله: ((وطيب النساء)) إذا أرادت أن تخرج، فأما إذا كانت عند زوجها فلتتطيب بما شاءت. روى عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم:((كل عين زانية، فالمرأة إذا استعطرت بالمجلس فهي كذا وكذا)) يعني زانية.

الحديث السابع عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((سكة)) السكة بالضم ضرب من الطيب.

الحديث الثامن عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((دهن رأسه)) ((قض)): الدهن بالفتح استعمال الدهن، وتسريح اللحية تمشيطها. والقناع خرقة تلقى على الرأس عند استعمال الدهن؛ لئلا تتسخ العمامة، شبهت بقناع المرأة. والمعنى تكثير اتخاذه واستعماله بعد الدهن.

الحديث التاسع عن أم هانئ [رضي الله عنها]: قوله: ((قدمة)) القدمة المرة الواحدة من القدوم، والغدائر الضفائر، الواحدة غديرة.

الحديث العاشر عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((صدعت)) أي فرقت ((فرقة)) بسكون الراء وهو الخط الذي يظهر بين شعر الرأس إذا قسم قسمين. وذلك الخط هو بياض بشرة الرأس، الذي يكون بين الشعر واليافوخ وسط الرأس، وموضع ما يتحرك من رأس الطفل، يعني كان أحد طرفي ذلك الخط عند اليافوخ، والطرف الآخر عند جبهته محاذيا لما بين عينيه.

ص: 2931

4448 -

وعن عبد الله بن مغفل، قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غباً. رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي. [4448]

4449 -

وعن عبد الله بن بريدة، قال: قال رجل لفضالة بين عبيد: مالي أراك شعثاً؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عن كثير من الإرفاه. قال: مالي لا أرى عليك حذاء؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نحتفي أحياناً. رواه أبو داود. [4449]

4450 -

وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من كان له شعر فليكرمه)) رواه أبو داود. [4450]

4451 -

وعن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحسن ما غير به الشيب الحناء والكتم)) رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي. [4451]

ــ

قوله: ((وأرسلت ناصيته بين عينيه)) أي جعلت رأس فرقه محاذياً لما بين عينيه، بحيث يكون نصف شعر ناصيته من جانب يمين ذلك الفرق، والنصف الآخر من جانب يسار ذلك الفرق.

الحديث الحادي عشر عن عبد الله: قوله: ((عن الترجل)) ((قض)): أراد به التمشط، و ((الغب)) أن يفعل يوما ويترك يوما. والمراد به النهي عن المواظبة عليه والاهتمام به؛ لأنه مبالغة في التزين وتهالك به.

الحديث الثاني عشر عن عبد الله بن بريدة: قوله: ((من الإرفاه)) في الغريبين: أصله من ورود الإبل في الماء متى شاءت. وأرفه القوم إذا فعلت إبلهم ذلك، شبه كثرة التدهن وإدمانه به. قال أبو سعيد: الإرفاه التنعم والدعة، ومظاهرة الطعام على الطعام واللباس على اللباس. ((حس)): ومنه أخذت الرفاهية، فكره النبي صلى الله عليه وسلم الإفراط في التنعم من التدهين والترجيل، على ما هو من عادة الأعاجم، وأمر بالقصد في جميع ذلك. وليس معناه ترك الطهارة والتنظيف؛ فإن النظافة من الدين.

الحديث الثالث عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله ((فليكرمه)) يعني فليزينه ولينظفه بالغسل والتدهين، ولا يتركه متفرقا؛ فإن النظافة وحسن المنظر محبوب.

الحديث الرابع عشر عن أبي ذر رضي الله عنه: قوله: ((والكتم)) ((نه)): هو نبت يخلط بالوسمة ويصبغ به الشعر أسود. وقيل: هو الوسمة، ومنه الحديث: ((إن أبا بكر كان يصبغ

ص: 2932

4452 -

وعن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بهذا السواد، كحواصل الحمام، لا يجدون رائحة الجنة)) رواه أبو داود، والنسائي. [4452]

4453 -

وعن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس النعال السبتية، ويصفر لحيته بالورس والزعفران، وكان ابن عمر يفعل ذلك. رواه النسائي. [4453]

4454 -

وعن ابن عباس، قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل قد خضب بالحناء. فقال: ((ما أحسن هذا)). قال: فمر آخر قد خضب بالحناء والكتم. فقال: ((هذا

ــ

بالحناء والكتم)). ويشبه أن يراد استعمال الكتم مفرداً عن الحناء؛ فإن الحناء إذا خضب به مع الكتم، جاء أسود، وقد صح النهي عن السواد، ولعل الحديث بالحناء أو الكتم على التخيير، ولكن الروايات على اختلافها بالحناء والكتم. ((حس)): سئل أنس بن مالك هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لم يشنه الشيب ولكن خضب أبو بكر بالحناء.

الحديث الخامس عشر عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((بهذا السواد)) قيل: معناه يخضبون الشيب بالسواد، وأراد جنس السواد لا نوعه المعين. والحواصل: الصدور، وإن كانت الحوصلة المعدة، ومعناه كحواصل الحمام في الغالب؛ لأن حواصل بعض الحمامات ليست بسود.

وقوله: ((لا يجدون رائحة الجنة)) مبالغة في زجر تغيير الشيب بالسواد. ويجوز أن يكون الإشارة بهذا لأكمل التمييز، والتشبيه بالحواصل لأجل أن لا يشوبه شيء من لون آخر. ونحوه في التشبيه قول ابن المعتز:

كأن البرق مصحف قار فانطباقا مرة وانفتاحا

لم ينظر إلى شيء من أوصاف المشبه والمشبه به سوى الهيئة من انبساط غب انقباض.

الحديث السادس عشر عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((السبتية)) ((نه)): السبت بالكسر جلود البقر المدبوغة بالقرظ، يتخذ منها النعال، سميت ذلك؛ لأن شعرها قد سبت عنها، أي حلق وأزيل وقيل: لأنها انسبتت بالدباغ أي لانت. وفي تسميتهم النعال المتخذة من السبت سبتياً اتساع، مثل قولهم: فلان يلبس الصوف والقطن والإبريسم أي الثياب المتخذة منها.

ص: 2933

أحسن من هذا)). ثم مر آخر قد خضب بالصفرة. فقال: ((هذا أحسن من هذا كله)) رواه أبو داود. [4454]

4455 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود)) رواه الترمذي. [4455]

4456، 4457 - * ورواه النسائي، عن ابن عمر، والزبير. [4456]، [4457]

4458 -

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تنتفوا الشيب؛ فإنه نور المسلم. من شاب شيبة في الإسلام؛ كتب الله له بها حسنة، وكفر عنه بها خطيئة، ورفعة بها درجة)) رواه أبو داود. [4458]

4459 -

وعن كعب بن مرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من شاب شيبة في الإسلام؛ كانت له نوراً يوم القيامة)). رواه الترمذي، والنسائي. [4459]

ــ

الحديث السابع عشر إلى التاسع عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((فإنه نور المسلم)) أي وقاره. وعن مالك عن سعيد بن المسيب: أن إبراهيم عليه السلام أول من اختتن، وأول من رأي الشيب، فقال: رب ما هذا؟. فقال له: وقار، فقال: رب زدني وقاراً. انتهى كلامه. وذلك لأن الوقار يمنع الشخص عن الغرور والطرب والنشاط، ويميل إلى الطاعة والتوبة، وتنكسر نفسه عن الشهوات، فيصير ذلك نوراً، يسعى بين يديه في ظلمات الحشر إلى أن يدخله الجنة. والإضافة في قوله:((نور المسلم)) لمزيد الاختصاص به، وأما ستره بالخضاب فلأمر عارض وهو إرغام الأعداء وإظهار الجلادة لهم؛ كيلا يظن بهم الضعف في بنيتهم، والقدح في شجاعتهم.

ص: 2934

4460 -

وعن عائشة، قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، وكان له شعر فوق الجمة، ودون الوفرة. رواه الترمذي، والنسائي. [4460]

4461 -

وعن ابن الحنظلية، رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نعم الرجل خريم الأسدي، لولا طول جمته، وإسبال إزاره)) فبلغ ذلك خريماً، فأخذ شفرة، فقطع بها جمته إلى أذنيه، ورفع إزاره إلى أنصاف ساقيه. رواه أبو داود. [4461]

4462 -

وعن أنس، قال: كانت لي ذؤابة، فقالت لي أمي: لا أجزها، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمدها، ويأخذها. رواه أبو داود. [4462]

4463 -

وعن عبد الله بن جعفر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمهل آل جعفر ثلاثاً، ثم أتاهم، فقال:((لا تبكوا على أخي بعد اليوم)). ثم قال: ((ادعوا لي بني أخي)) فجيء بنا كأنا أفرخ. فقال: ((ادعوا لي الحلاق)) فأمره فحلق رءوسنا. رواه أبو داود، والنسائي. [4463]

ــ

الحديث العشرون والحادي والعشرون والثاني والعشرون عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((دون الوفرة)) ((حس)): الوفرة الشعر إلى شحمة الأذن، والجمة إلى المنكب، واللمة هي التي ألمت بالمنكبين.

الحديث الثالث والعشرون عن ابن الحنظلية: قوله: ((رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) مجرور على البدل. ويجوز ذلك لكونه موصوفاً. وقوله: ((جمته إلى أذنيه)) ((حس)): هذا في حق الرجال. وأما النساء فإنهن يرسلن شعورهن، لا يتخذن جمة. ((شف)): فيه دليل على أنه يجوز للمسلم أن يذكر أخاه الغائب بما فيه مما يزري به شرعاً، إذا علم أنه يرتدع عنه، ويترك عند سماعه.

الحديث الرابع والعشرون عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((لا أجزها)) هذا لا يخالف الحديث السابق؛ لأنها عللت عدم الجز بأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها تبركا وتيمنا.

الحديث الخامس والعشرون عن عبد الله: قوله: ((أمهل)) أي أمهلهم أن يبكوا ثلاثة أيام.

ص: 2935

4464 -

وعن أم عطية الأنصارية: أن امرأة كانت تختن بالمدينة. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة، وأحب إلى البعل)). رواه أبو داود، وقال: هذا الحديث ضعيف، وراويه مجهول. [4464]

4465 -

وعن كريمة بنت همام: أن امرأة سألت عائشة عن خضاب الحناء. فقالت: لا بأس، ولكني أكرهه، كان حبيبي يكره ريحه. رواه أبو داود. والنسائي.

4466 -

وعن عائشة، أن هنداً بنت عتبة قالت: يا نبي الله! بايعني. فقال: ((لا أبايعك حتى تغيري كفيك، فكأنهما كفا سبع)). رواه أبو داود. [4466]

4467 -

وعنها، قالت: أومت امرأة من وراء ستر، بيدها كتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده. فقال:((ما أدرى أيد رجل أم يد امرأة؟)).

قالت: بل يد امرأة. قال: ((لو كنت امرأة لغيرت أظفارك)) يعني بالحناء. رواه أبو داود، والنسائي. [4467]

ــ

((تو)): إنما قال: ثلاثا عناية لليالي ((وادعوا لي بني أخي)) أراد عبد الله وعونا ومحمداً بني جعفر ابن أبي طالب. وإنما حلق رءوسهم؛ لأنه رأي أمهم أسماء بنت عميس حقيقة بأن تشغل عن ترجيل شعورهم وغسل رءوسهم لما أصابها من الفجيعة.

الحديث السادس والعشرون عن أم عطية: قوله: ((لا تنهكي)) ((حس)): أي لا تبالغي في الخفض، ويروى ((أشمى)) أي لا تستقصي.

الحديث السابع والعشرون والثامن والعشرون عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((كفا سبع)) شبه يديها حين لم تخضبهما بكفي سبع في الكراهية؛ لأنها جينئذ متشبهة بالرجال. ويؤيده الحديث الذي يجيء بعد: ((لو كنت امرأة لغيرت أظفارك)). وفيه بيان كراهية خضاب الكفين للرجال تشبيهاً بالنساء.

الحديث التاسع والعشرون عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((بيدها كتاب)) صفة، ويجوز أن تكون الجملة حالا. والوجه أن تحمل على أن ((كتاب)) فاعل للجار والمجرور لا مبتدأ؛ للزوم أن تكون الجملة الاسمية حالا، بغير واو، وإن جاز على ضعف، قوله:((لو كنت امرأة)) أي لو كنت تراعين شعار النساء لخضبت يدك.

ص: 2936

4468 -

وعن ابن عباس، قال: لعنت الواصلة والمستوصلة، والنامصة، والمتنمصة، والواشمة، والمستوشمة من غير داء. رواه أبو داود. [4468]

4469 -

وعن أبي هريرة، قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل. رواه أبو داود. [4469]

4470 -

وعن ابن أبي مليكة، قال: قيل لعائشة: إن امرأة تلبس النعل. قالت: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء. رواه أبو داود. [4470]

4471 -

وعن ثوبان، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر، كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة، وأول من يدخل عليها فاطمة، فقدم من غزاة وقد علقت مسحاً أو ستراً على بابها، وحلت الحسن والحسين قلبين من فضة، فقدم فلم يدخل، فظنت أن ما منعه أن يدخل ما رأي، فهتكت الستر، وفكت القلبين عن الصبيين، وقطعته منهما، فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكيان، فأخذه منهما فقال: ((يا ثوبان! اذهب بهذا

ــ

الحديث الثلاثون عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((من غير داء)) ((مظ)): أي أن احتاجت إلى الوشم للمداواة جاز، وإن بقي منه أثر.

الحديث الحادي والثلاثون والثاني والثلاثون عن ابن أبي مليكة: قوله: ((من النساء)) بيان ((للرجلة))؛ لأن التاء فيها لإرادة الوصفية. الكشاف في قوله صلى الله عليه وسلم: ((وانطواء الشجة)): يريد الوسيطة بين السمينة والعجفاء وصفها بالشج، الذي هو وسط الظهر؛ إلا أنه ألحق تاء التأنيث مراعاة لحق الوصف.

الحديث الثالث والثلاثون عن ثوبان: قوله: ((من أهله فاطمة)) ((فاطمة)) خبر ((كان)) على تقدير مضاف أي عهد فاطمة ليصح الحمل، والجملة جواب الشرط والشرطية خبر ((كان)). والمسح البلاس، والقلب – بالضم – السواران. و ((ما)) في ((أن ما منعه)) موصولة لاكافة. وحقها أن تكتب غير موصولة ((بأن))، ويجوز أن تكون كافة. و ((ما)) في ((ما رأي)) موصولة فاعل ((منعه))، وعلى الأول مصدرية.

قوله: ((فأخذه منهما)) ((شف)): أي أخذ النبي صلى الله عليه وسلم شيء من الرأفة والرقة عليهما. أقول: ويجوز أن يكون الضمير واقعا موقع اسم الإشارة، أي أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، أي القلب المفكك. ويدل على أنه بمعنى اسم الإشارة التصريح بقوله:((اذهب بهذا)) وهذا للتحقير.

ص: 2937

إلى فلان، إن هؤلاء أهلي أكره أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا. يا ثوبان! اشتر لفاطمة قلادة من عصب، وسوارين من عاج)). رواه أحمد، وأبو داود. [4471]

4472 -

وعن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((اكتحلوا بالإثمد، فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر)). وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له مكحلة يكتحل بها كل ليلة، ثلاثة في هذه وثلاثة في هذه. رواه الترمذي. [4472]

4473 -

عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتحل قبل أن ينام بالإثمد ثلاثاً في كل عين. قال: وقال: ((إن خير ما تداويتم به: اللدود، والسعوط، والحجامة، والمشي.

ــ

قوله: ((إن هؤلاء أهلي)) هو استئناف لبيان الموجب للمنع، ((وأهلي)) خبر (لإن)، فالإتيان باسم الإشارة للتعظيم. فالمعنى لا يجوز هذا المحقر في هؤلاء العظماء. وقوله:((وأكره)) استئناف آخر.

قوله: ((من عصب)) ((نه)): قال الخطابي في المعالم: إن لم تكن الثياب اليمانية، فلا أدري ما هو؟ وما أرى أن القلادة تكون منها. وقال أبو موسى: يحتمل عندي أن الرواية إنما هي العصب بفتح الصاد، وهو إطناب مفاصل الحيوانات، وهو شيء مدور، فيحتمل أنهم كانوا يأخذون عصب بعض الحيوانات الطاهرة، فيقطعونه ويجعلونه شبه الخرز فإذا يبس يتخذون منه القلائد. وإذا جاز وأمكن أن يتخذ من عظام السلحفات وغيرها الأسورة، جاز وأمكن أن يتخذ من عصب أشباهها خرز وينظم منها القلائد. قال: ثم ذكر لي بعض أهل اليمن أن العصب من دابة بحرية تسمى فرس فرعون، يتخذ منها الخرز وغير الخرز من نصاب سكين وغيره، ويكون أبيض.

قوله: ((من عاج)) [((تو))]: ذكر الخطابي في تفسيره أن العاج هو الذيل وهو عظم أظهر السلحفات البحرية، ونقل ذلك عن الأصمعي. ومن العجب العدول عن اللغة المشهورة إلى ما لم يشتهر بين أهل اللسان، والمشهور أن العاج عظم أنياب الفيلة.

((مح)): طهارة عظم الحيوانات لا تحصل إلا بالذكاة في مأكول اللحم، إلا إذا قلنا بالضعيف أن عظام الميتة طاهرة، ذكره في الروضة.

الحديث الرابع والثلاثون والخامس والثلاثون عن ابن عباس: قوله: ((اللدود)) ما يسقى المريض في أحد شقي فيه، وأصله اللديد لجانب الوادي. والسعوط ما يصب منه في الأنف. والمشي بالفتح الدواء المسهل. ويقال: المشو أيضاً فهما فعيل وفعول من المشي. وأصله

ص: 2938

وخير ما اكتحلتم به الإثمد، فأنه يجلو البصر، وينبت الشعر، وإن خير ما تحتجمون فيه يوم سبع عشرة، ويوم تسع عشرة. ويوم إحدى وعشرين)) وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث عرج به، ما مر على ملأ من الملائكة إلا قالوا: عليك بالحجامة. رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب. [4473]

4474 -

وعن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الرجال والنساء عن دخول الحمامات، ثم رخص للرجال أن يدخلوا بالمئازر. رواه الترمذي، وأبو داود. [4474]

4475 -

وعن أبي المليح، قال: قدم على عائشة نسوة من أهل حمص. فقالت: من أين أنتن؟ قلن: من الشام. فلعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمامات؟ قلن: قالت: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تخلع امرأة

ــ

الذهاب والإطلاق. ((نه)): وإنما سمى الدواء المسهل مشياً؛ لأنه يحمل شاربه على المشي والتردد إلى الخلاء.

((تو)): وجه مبالغة الملائكة في الحجامة سوى ما عرفوا فيها من المنفعة التي تعود إلى الأبدان، هو أن الدم مركب من القوى النفسانية الحائلة بين العبد وبين الترقي إلى ملكوت السموات، والوصول إلى الكشوف الروحانية. وبغلبته يزداد جماح النفس وصلابتها، فإذا نزف الدم يورثها ذلك خضوعا وخموداً ولينا ورقة. وبذلك ينقطع الأدخنة المنبعثة عن النفس الأمارة وتحسم مادتها، فتزداد [البصيرة] نوراً إلى نورها.

قوله: ((يوم سبع عشرة)) ((يوم)) مرفوع خبر ((إن)). وقوله: ((وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى آخره، جملة مستطردة قالها الراوي حثاً على الحجامة.

الحديث السادس والثلاثون عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((نهى الرجال والنساء)) ((مظ)) إنما لم يرخص للنساء في دخول الحمام؛ لأن جميع [أعضائهن] عورة، وكشفها غير جائز إلا عند الضرورة، مثل أن تكون مريضة تدخل للتداوي، أو تكون قد انقطع نفاسها، تدخل للتنظيف، أو تكون جنباً والبرد شديد ولم تقدر على تسخين الماء، وتخاف من استعمال الماء البارد ضرراً. ولا يجوز للرجال الدخول بغير إزار ساتر لما بين سرته وركبته.

الحديث السابع والثلاثون عن أبي مليح: قوله: ((من الكورة)) هي المدينة والصقع، والجمع [كور]. وقوله:((إلا هتكت الستر بينها وبين ربها)) وذلك أن الله تعالى أنزل لباساً ليوارى به سوآتهن، وهو لباس التقوى، فإذا لم يتقين الله وكشفن سوآتهن، فهتكن الستر بينهن وبين الله تعالى.

ص: 2939

ثيابها في غير بنت زوجها؛ إلا هتكت الستر بينها وبين ربها)). وفي رواية: ((في غير بيتها؛ إلا هتكت سترها بينها وبين الله عز وجل). رواه الترمذي، وأبو داود. [4475]

4476 -

وعن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ستفتح لكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتاً، يقال لها: الحمامات، فلا يدخلنها الرجال إلا بالأزر، وامنعوها النساء، إلا مريضة، أو نفساء)). رواه أبو داود. [4476]

4477 -

وعن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فلا يدخل الحمام بغير إزار. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فلا يدخل حليلته الحمام. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فلا يجلس على مائدة تدار عليها الخمر)). رواه الترمذي، والنسائي. [4477]

الفصل الثالث

4478 -

عن ثابت، قال: سئل أنس عن خضاب النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: لو شئت أن أعد شمطات كن في رأسه؛ فعلت. قال: ولم يختضب. زاد في رواية: وقد اختضب أبو بكر بالحناء والكتم، واختضب عمر بالحناء بحتاً. متفق عليه.

ــ

الحديث الثامن والتاسع والثلاثون عن عبد الله: قوله: ((إلا بالأزر)) ((حس)): عن جبير بن نفير: قال: قرئ علينا كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالشام: لا يدخل الرجل الحمام إلا بمئرز، ولا تدخل المرأة إلا من سقم. واجعلوا اللهو في ثلاثة أشياء: الخيل، والنساء، والنصال.

وعن أبي الدرداء: أنه كان يدخل الحما فيقول: نعم البيت الحمام يذهب الصنة ويذكر النار. قال الأزهري أراد بالصنة الصنان. وروى أن ابن عباس دخل حماماً بالجحفة وهو محرم، فقال: ما يعبؤ الله بأوساخنا شيئاً.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن ثابت: قوله: ((شمطات)) ((نه)): الشمطات الشعرات البيض التي كانت في شعر رأسه، يريد قتلها. والبحت الخالص الذي لا يخالطه شيء.

ص: 2940

4479 -

وعن ابن عمر، أنه كان يصفر لحيته بالصفرة حتى تمتلئ ثيابه من الصفرة فقيل له: لم تصبغ بالصفرة؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها، ولم يكن شيء أحب إليه منها، وقد كان يصبغ بها ثيابه كلها، حتى عمامته. رواه أبو داود والنسائي. [4479]

4480 -

وعن عثمان بن عبد الله بن موهب، قال: دخلت على أم سلمة، فأخرجت إلينا شعراً من شعر النبي صلى الله عليه وسلم مخضوباً. رواه البخاري.

4481 -

وعن أبي هريرة، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخنث، قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ما بال هذا؟)) قالوا: يتشبه بالنساء. فأمر به فنفي إلى النقيع. فقيل: يا رسول الله! ألا تقتله؟ فقال: ((إني نهيت عن قتل المصلين)). رواه أبو داود. [4481]

4482 -

وعن الوليد بن عقبة، قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم، فيدعو لهم بالبركة. ويمسح رءوسهم، فجيء بي إليه وأنا مخلق، فلم يمسني من أجل الخلوق. رواه أبو داود.

4483 -

وعن أبي قتادة، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي جمة، أفأرجلها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((نعم، وأكرمها)). قال: فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين من أجل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم، وأكرمها)). رواه مالك. [4483]

ــ

الحديث الثاني عن ابن عمر: قوله: ((يصفر لحيته بالصفرة)) ((حس)): كان الحسن البصري يصفر لحيته حيناً ثم تركه. وعن أبي أمامة وجرير بن عبد الله والمغيرة بن شعبة وعبد الله بن بسر أنهم كانوا يصفرون لحاهم، وكان سالم بن عبد الله وسعيد بن المسيب يفعلان ذلك، ويكرهون الخضاب بالسواد ولم يره بعض. قال سعيد بن جبير: يعمد أحدكم إلى نور جعله الله في وجهه فيطفئه. وكان شديد بياض الرأس واللحية.

الحديث الثالث والرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((إلى النقيع)) هو بالنون موضع بالمدينة كان حمى.

الحديث الخامس إلى السابع عن الحجاج: قوله: ((وأنت يومئذ غلام)) حال عن مقدر يعني

ص: 2941

4484 -

وعن الحجاج بن حسان، قال دخلنا على أنس بن مالك، فحدثتني أختي المغيرة، قالت: وأنت يومئذ غلام، ولك قرنان، أو قصتان، فمسح رأسك، وبرك عليك، وقال:((احلقوا هذين أو قصوهما؛ فإن هذا زي اليهود)). رواه أبو داود. [4484]

4485 -

وعن علي، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها. رواه النسائي. [4485]

4486 -

وعن عطاء بن يسار، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فدخل رجل ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فكأنه يأمره بإصلاح شعره ولحيته، ففعل، ثم رجع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم وهو ثائر الرأس كأنه شيطان)). رواه مالك. [4486]

4487 -

وعن ابن المسيب سمع يقول: ((إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود؛ فنظفوا – أراه قال: أفنيتكم -، ولا تشبهوا باليهود)). [4487]

ــ

أنا أذكر أنا دخلنا على أنس مع جماعة، ولكني أنسيت كيفية الدخول فحدثتني أختي، وقالت: أنت يوم دخولك غلام .. إلى آخره. والمغيرة هذه رأت أنساً وروت عنه. و ((القصة)) بالقاف المضمومة والضاد المعجمة شعر الناصية، وقرون الشعر الضفائر.

الحديث الثامن عن علي رضي الله عنه: قوله: ((أن تحلق المرأة رأسها)) وذلك أن الذوائب للنساء كاللحى للرجال في الهيئة والجمال. وفيه جواز حلق الرجل.

الحديث التاسع والعاشر عن ابن المسيب: قوله: ((فنظفوا)) الفاء فيه جواب شرط محذوف، إذا تقرر ذلك فطيبوا كل ما أمكن تطييبه. ونظفوا كل ما سهل لكم تنظيفه حتى أفنية الدار. وهي متسع أمام الدار، وهو كناية عن نهاية الكرم والجود؛ فإن ساحة الدار إذا كانت واسعة نظيفة طيبة، كانت أدعى لجلب الضيفان الواردين والصادرين. وإليه ينظر قول الحماسي:

فإن تمش مهجور الفناء فربما أقام به بعد الوفود وفود

ص: 2942

قال: فذكرت ذلك لمهاجر بن مسمار، فقال: حدثنيه عامر بن سعد، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، إلا أنه قال:((نظفوا أفنيتكم)). رواه الترمذي.

4488 -

وعن يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: كان إبراهيم خليل الرحمن أول الناس ضيف الضيف، وأول الناس اختتن، وأول الناس قص شاربه، وأول الناس رأي الشيب. فقال: يا رب: ما هذا؟ قال الرب تبارك وتعالى: وقار يا إبراهيم. قال: رب زدني وقاراً. رواه مالك. [4488]

ــ

ومنه حديث أم أبي زرع ((قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك؟، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك)). والفرق بين الكرم والجود أن الجود بذل المقتنيات. ويقال: رجل جواد وفرس جواد، يجود بمدخر عدوه. والكرم إذ وصف الإنسان به فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة التي تظهر منه، ولا يقال: هو كريم، حتى يظهر ذلك منه. وقوله {إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} فإنما كان كذلك؛ لأن الكرم الأفعال المحمودة، وأشرف ما يقصد به وجه الله تعالى، فمن قصد ذلك بمحاسن فعله، فهو التقى، فإذن أكرم الناس أتقاهم كل شيء يشرف في بابه، فإنه يوصف بالكرم. قال تعالى {كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} {ومَقَامٍ كَرِيمٍ} {إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} قاله الراغب.

الحديث الحادي عشر عن يحيى: قوله: ((ضيف)) الضيف هو خبر ((كان)) و ((أول الناس)) ظرف له، وكذا ما بعده. ويحتمل أن يكون ((أول الناس)) خبر ((كان)) و ((ضيف)) يكون مؤولا بمصدر وقع تمييزاً، أي أول الناس تضييفاً، أو يقدر المميز ويكون الفعل المذكور بياناً له. و ((ضيف الضيف)) مجاز باعتبار ما يؤول إليه، كقول ابن عباس رضي الله عنهما: إذا أراد أحدكم الحج، فليعجل؛ فإنه يمرض المريض، وتضل الضالة. فسمى المشارف للضيف، والمرض والضلال ضيفاً ومريضاً وضالة. وسمى الشيب وقاراً؛ لأن زمان الشيب أوان رزانة النفس والسكون والثبات في مكارم الأخلاق. قال الله تعالى:{لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وقَارًا} . قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما لكم لا تخافون لله عاقبة؛ لأن العاقبة حال استقرار الأمور، وثبات الثواب والعقاب، من وقر إذا ثبت واستقر.

ص: 2943