المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1) باب الضيافة - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٩

[الطيبي]

الفصل: ‌(1) باب الضيافة

4242 -

وعن نبيشة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أكل في قصعة ثم لحسها، تقول له القصعة: أعتقك الله من النار كما أعتقتني من الشيطان)). رواه رزين. [4242]

(1) باب الضيافة

الفصل الأول

4243 -

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)). وفي رواية: بدل ((الجار)). ((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليصل رحمه)). متفق عليه.

ــ

الحديث السابع عن نبيشة: قوله: ((ثم لحسها)) ((ثم)) للتراخي في الرتبة أي لحسها أكمل من مجرد الأكل منها؛ ولهذا عقبه بقوله: ((تقول له)) والقول هنا يحتمل أن يكون حقيقة وأن يكون استعارة، كما في قول الشاعر:

تقول الأنساع للبطن الحقي

باب الضيافة

((غب)): أصل الضيف الميل يقال: ضفت إلى كذا وأضيفت كذا إلى كذا. والضيف من مال إليك نازلا بك، صارت الضيافة متعارفة في القرى. وأصل الضيف مصدر، ولذلك استوى فيه الواحد والجمع في عامة كلامهم.

الفصل الأول

الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((فليكرم ضيفه)) ((حس)): قال الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ} . قيل: أكرمهم إبراهيم عليه السلام بتعجيل قراهم والقيام بنفسه عليهم، وطلاقة الوجه، وكان سلمان إذا دخل عليه رجل فدعا بما حضر خبزا وملحا، وقال: لولا أنا نهينا أن يتكلف بعضنا بعضا لتكلفت لك. ((مح)): قال القاضي عياض: من التزم شرائع الإسلام لزمه إكرام جاره وضيفه وبرهما، وقد أوصى الله تعالى بالإحسان إلى الجار، والضيافة من محاسن الشريعة ومكارم الأخلاق.

ص: 2864

4244 -

وعن أبي شريح الكعبي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوى عنده حتى يحرجه)). متفق عليه.

ــ

وقد أوجبها الليث ليلة واحدة، واحتج بحديث عقبة:((إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بحق الضيف فاقبلوا، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم)). وعامة الفقهاء على أنها من مكارم الأخلاق. وحجتهم قوله صلى الله عليه وسلم: ((جائزته يوم وليلة))، والجائزة العطية والمنحة والصلة، فذلك لا يكون إلا مع الاختيار. وقوله:((فليكرم ضيفه)) يدل على هذا أيضا؛ إذ ليس يستعمل مثله في الواجب. وتأولوا الأحاديث أنها كانت في أول الإسلام إذ كانت المواساة واجبة.

واختلف: هل الضيافة على الحاضر والبادي أم على البادي خاصة؟ فذهب الشافعي ومحمد بن عبد الحكم إلى أنها عليهما. وقال مالك وسحنون: إنما ذلك على أهل البوادي؛ لأن المسافر يجد في الحضر المنازل في الفنادق ومواذع النزول، وما يشتري في الأسواق، هذا كلام القاضي. وأما قوله:((فليقل خيرا أو ليصمت)) فمعناه أنه إذا أراد أن يتكلم، فإن كان ما يتكلم به خير محققا يثاب عليه، واجبا كان أو مندوبا فليتكلم. وإن لم يظهر له خيره فليمسك عنه سواء ظهر له أنه حرام أو مكروه أو مباح، فعلى هذا يكون الكلام المباح مأمورا بتركه مندوبا إلى الإمساك عنه مخافة من الجرارة إلى الحرام.

وقال الشافعي في معنى الحديث: من أراد أن يتكلم فليتفكر، فإن ظهر له أنه لا ضرر عليه، تكلم، وإن ظهر له فيه ضرر أو شك فيه امسك. وقال بعض علماء المالكية: جماع آداب الخير تتفرع من أربعة أحاديث: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)) ((ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه))، وقوله للذي اختصر له الوصية. ((لا تغضب)) وقوله:((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).

الحديث الثاني عن أبي شريح: قوله ((جائزته يوم وليلة)) ((فا)): الجائزة من أجازه بكذا إذا أتحفه وألطفه كالفاضلة واحدة الفواضل من أفضل عليه. ((حس)): سئل عن ذلك مالك بن أنس فقال: يكرمه ويتحفه يوما وليلة.

قوله: ((والضيافة ثلاثة أيام)) ((نه)): أي يضاف ثلاثة أيام فيتكلف له في اليوم الأول ما اتسع له من بر وإلطاف، ويقدم له في اليوم الثاني والثالث ما حضر ولا يزيد على عادته، ثم يعطيه ما يجوز به مسافة يوم وليلة وتسمى الجيزة. وهو قدر ما يجوز به المسافة من منهل إلى منهل، فما كان بعد ذلك فهو صدقة ومعروف إن شاء فعل وإن شاء ترك.

ص: 2865

4245 -

وعن عقبة بن عامر، قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: ((إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقروننا، فما ترى؟ فقال لنا: ((إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا؛ فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم)). متفق عليه.

ــ

((حس)): قد صح عن عبد الحميد عن ابن شريح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة)). قال: وهذا يدل على أن الجائزة بعد الضيافة، وهو أن يقري ثلاثة أيام ويعطي ما يجوز به مسافة يوم وليلة.

أقول: ((جائزته)) إلى آخره، جملة مستأنفة بيان للأولى، كأنه قيل: كيف يكرمه؟ فأجيب: جائزته. ولا بد من تقدير مضاف أي: زمان جائزته، أي بره وإلطافه يوم وليلة. وفي هذا الحديث يحمل على اليوم الأول، وفي الحديث الآخر على اليوم الآخر أي: قدر ما يجوز به المسافر ما يكفيه يوما وليلة، فينبغي أن يحمل على هذا عملا بالحديثين.

قوله: ((أن يثوى عنده)) ((فا)): هو من الثواء وهو الإقامة، والحراج التضييق.

الحديث الثالث عن عقبة: قوله: ((لا يقروننا)) بإثبات النون، وفي أصل المالكي بإسقاطه، قال: حذف نون الرفع موضع الرفع لمجرد التخفيف، ثابت في الكلام الفصيح نثره ونظمه. فمن النثر قول الراوي لعائشة رضي الله عنها: بلغنا أنك تصليهما يعني الركعتين بعد العصر، وقول مسروق لها: لم تأذني له؟ يعني حسان رضي الله عنه. ومنه ما رواه البغوي من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنزا ولا تؤمنوا حتى تحابوا)) ومن النظم قول أبي طالب:

فإن سرقوا ما بعض ما قد صنعتموا ستحتلبوها [لا قحا] * غير باهل

وسبب هذا الحذف كراهية تفضيل النائب على المنوب عنه، وذلك أن النون نائب عن الضمة، والضمة قد حذفت لمجرد التخفيف، كقراءة أبي عمرو بتسكين راء ((يشعركم ويأمركم وينصركم)).

قوله: ((ينبغي لهم)) هكذا هو في صحيح مسلم والحميدي وشرح السنة. وقد غيروا في المصابيح إلى ((له))، ولم ينتبهوا على أن الضيف مصدر يستوي فيه الجمع والواحد. قال الله تعالى:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ} ((مح)): قد حمل أحمد والليث الحديث على ظاهره، وتأوله الجمهور على وجوه:

أحدها: أنه محمول على المضطرين فإن ضيافتهم واجبة.

ثانيها: أن المعنى إن لكم أن تأخذوا من أعراضكم بألسنتكم وتذكروا للناس لومهم.

ص: 2866

4246 -

وعن أبي هريرة، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال:((ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟)) قالا: الجوع قال: ((وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، قوموا)) فقاموا معه، فأتى رجلا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة قالت: مرحبا وأهلا. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أين فلان؟)) قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء. إذ جاء الأنصاري

ــ

وثالثها: أن هذا كان في أول الإسلام وكانت المواساة واجبة، فلما أشيع الإسلام نسخ، وهذا التأويل باطل؛ لأن الذي ادعاه المؤول لا يعرف قائله.

ورابعها: أنه محمول على من بأهل الذمة الذي شرط عليهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين، وهذا أيضا ضعيف إنما صار هذا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((الجوع)) ((مح)): فيه جواز ذكر الإنسان ما ناله من ألم ونحوه، لا على التشكي وعدم الرضاء وإظهار الجزع. ولما كانا رضي الله عنهما على المراقبة ولزوم الطاعة، فعرض لهما هذا الجوع المفرط المانع من كمال النشاط بالعبادة وتمام التلذذ بها، سعيا في إزالته بالخروج في طلب سبب مباح يدفعانه به. وقد نهى عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين وبحضرة الطعام. وقوله:((فإنا)) بالفاء في بعض النسخ وفي بعضها بالواو.

وقوله: ((قوموا فقاموا)) هكذا هو في الأصول بضمير الجمع وهو جائز، فمن قال: بأن أقل الجمع اثنان فظاهر. ومن قال بأن أقله ثلاثة فمجاز.

قوله: ((فأتى رجلا)) ((شف)): إفراد الضمير وإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد قوله: ((قوموا فقاموا)) إيان بأنه صلى الله عليه وسلم المطاع، وأنهما كانا مطيعين ومنقادين كمن لا اختيار له. ((مح ((: الرجل هو أبو الهيثم مالك بن التيهان بفتح التاء وكسر الياء المثناة تحت وتشديدها.

وفيه جواز الإدلال على الصاحب الذي يوثق به واستتباع جماعة إلى بيته. وفيه منقبة له وكفي به شرفا بذلك. وفيه استحباب إكرام الضيف بقوله: ((مرحبا وأهلا)) أي: صادفت رحبا وسعة وأهلا تستأنس بهم، وفيه جواز سماع كلام الأجنبية ومراجعتها الكلام للحاجة. وجواز إذن المرأة في دخول منزل زوجها لمن علمت علما محققا أنه لا يكرهه بحيث لا يخلو بها الخلوة المحرمة. وقوله:((فأتى رجلا)) أي بيت رجل أو قصده، فلما بلغ بيته فإذا هو ليس في بيته، أي وقت خلوة من بيته، كقوله تعالى:{إذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}

ص: 2867

فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني. قال: فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كلوا من هذه، وأخذ المدية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إياك والحلوب)) فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق، وشربوا، فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر:((والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم)). رواه مسلم.

وذكر حديث أبي مسعود: كان رجل من الأنصار في ((باب الوليمة)).

ــ

قوله: ((يستعذب لنا)) أي يأتينا بماء عذب طيب، و ((من)) إما بيانية أو تبعيضية. وقوله:((إذ جاء الأنصاري)) أي هم في ذلك إذ جاء الأنصاري. ((مح)): في قوله: ((الحمد لله)) استحباب الشكر عند هجوم بغية أو اندفاع نقمة. وفيه استحباب إظهار البشر والفرح بالضيف في وجهه. والعذق هنا بكسر العين الكباسة وهي الغصن من النخل. وفيه استحباب تقديم الفاكهة على الطعام، والمبادرة إلى الضيف بما تيسر، وإكرامه بعده بما يصنع له من الطعام. وقد كره جماعة من السلف التكلف للضيف، وهو محمول على ما يشق على صاحب البيت مشقة ظاهرة؛ لأن ذلك يمنعه من الإخلاص وكمال السرور بالضيف. وأما فعل الأنصاري وذبحه الشاة فليس مما يشق عليه، بل لو ذبح أغناما كان مسرورا بذلك مغبوطا فيه. و ((الحلوب)) ذات اللبن مفعول بمعنى مفعولة.

وفي قوله: ((فما أن شبعوا)) دليل على جواز الشبع، وما جاء في كراهته فمحمول على المداومة عليه؛ لأنه يقسي القلب وينسي أمر المحتاجين. قوله:((أخرجكم من بيوتكم)) إلى آخره جملة مستأنفة بيان لموجب السؤال عن النعيم، يعني حيث كنتم محتاجين إلى الطعام مضطرين إليه، فنلتم غاية مطلوبكم من الشبع والري، يجب أن تسألوا ويقال لكم: هل أديتم شكرها أم لا إله إلا الله.

((مح)): قال القاضي المراد السؤال عن القيام بحق شكره، والذي نعتقده أن السؤال هنا سؤال تعداد النعم وإعلام بالامتنان بها وإظهار الكرامة وإشاعتها، لا سؤال تقريع وتوبيخ ومحاسبة.

أقول: ويدل على أنه سؤال توبيخ وتقريع الحديث الأول من الفصل الثالث حيث قال: ((فأخذ عمر العذق فضرب به الأرض حتى تناثر البسر)) إلى آخره.

ص: 2868

الفصل الثاني

4247 -

عن المقدام بن معدي كرب، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:((أيما مسلم ضاف قوما، فأصبح الضيف محروما؛ كان حقا على كل مسلم نصره حتى يأخذ له بقراه من ماله وزرعه)). رواه الدارمي وأبو داود. [4247]

وفي رواية له: ((وأيما رجل ضاف قوما فلم يقروه، كان له أن يعقبهم بمثل قراه)).

4248 -

وعن أبي الأحوص الجشمي، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله! أرأيت إن مررت برجل فلم يقرني ولم يضفني ثم مر بي بعد ذلك، أأقرية أم أجزيه؟ قال:((بل أقره)) رواه الترمذي. [4248]

4249 -

وعن أنس – أو غيره – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة، فقال:((السلام عليكم ورحمة الله)) فقال سعد: وعليكم السلام ورحمة الله، ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثا، ورد عليه سعد ثلاثا، ولم يسمعه، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم، فأتبعه سعد، فقال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني ولقد رددت عليك ولم أسمعك، أحببت أن أستكثر من سلامك ومن البركة، ثم دخلوا البيت، فقرب له زبيبا، فأكل نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ قال:((أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون)). رواه في ((شرح السنة)). [4249]

ــ

الفصل الثاني

الحديث الأول عن المقدام: قوله: ((فأصبح الضيف)) مظهر أقيم مقام المضمر إشعارا بأن المسلم الذي ضاف قوما يستحق لذاته أن يقرى، فمن منع حقه فقد ظلمه، فحق لغيره من المسلمين نصره. وقوله:((بقراه)) أي بمثل قراه كما في الرواية الأخرى. وإفراد الضمير في قوله: ((من ماله وزرعه)) باعتبار المنزل عليه والمضيف، وهو واحد. و ((يعقبهم)) أي يتبعهم ويؤاخذهم، وهذا في أهل الذمة من سكان البوادي إذا نول بهم مسلم.

الحديث الثاني عن أبي الأحوص: قوله: ((بل أقره)) فيه حث على القرى ودفع السيئة بالحسنة كقوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}

الحديث الثالث عن أنس: قوله: ((أحببت أن أستكثر من سلامك)) فيه دليل على استحباب عدم إسماع رد السلام لمثل هذا الغرض الخطير. قوله: ((أكل طعامكم الأبرار)) ((مظ)): يجوز أن

ص: 2869

4250 -

وعن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((مثل المؤمن ومثل الإيمان كمثل الفرس في آخيته يجول ثم يرجع إلى آخيته، وإن المؤمن يسهو ثم يرجع إلى الإيمان؛ فأطعموا طعامكم الأتقياء، وأولوا معروفكم المؤمنين)) رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) وأبو نعيم في ((الحلية)). [4250]

4251 -

عن عبد الله بن بسر، قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قصعة، يحملها أربعة رجال، يقال لها: الغراء، فلما أضحوا وسجدوا الضحى، أتى بتلك القصعة وقد ثرد فيها،

ــ

يكون هذا دعاء منه صلى الله عليه وسلم، وأن يكون إخبارا، وهذا الوصف موجود في حقه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أبر الأبرار [وأما من غيره، يكون دعاء؛ لأنه لا يجوز أن يخبر أحد عن نفسه أنه بر. أقول: ولعل إطلاق ((الأبرار))] وهو جمع على نفسه صلوات الله عليه للتعظيم، كقوله تعالى:{إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} وقوله: {شِهَابًا رَّصَدًا} .

الحديث الرابع عن أبي سعيد: قوله: ((في آخيته)) ((نه)): الآخية بالمد والتشديد حبيل أو عويد يعرض في الحائط ويدفن طرفاه فيه، ويصير وسطه كالعروة ويشد فيها الدابة، وجمعها الأزاخي مشددا، والأخايا على غير قياس ((قض)): ومعناه أن المؤمن مربوط بالإيمان لا انفصام له عنه، وأنه اتفق أن يحوم حول المعاصي ويتباعد عن قضية الإيمان من ملازمة الطاعة والاجتناب عن المعاصي، فإنه يعود بالآخرة إليها بالندم والتوبة وتلافي ما فرط فيها.

أقول: ((وإن المؤمن يسهو)) عطف على قوله: ((يجول)) وخولف بين الجملتين لإرادة التجدد في الأولى والثبوت في الثانية؛ لأن المؤمن لا ينفك عن الإيمان البتة، وكلاهما بيان للسابق كأنه قيل: لم شبهت حال المؤمن بحال الفرس وما حال المشبه به؟ فأجيب يجول أي الفرس والتشبيه تمثيلي؛ لأة الوجه منتزع من عدة أمور متوهمة.

والفاء في ((فأطعموا)) جزاء شرط محذوف أي إذا كان حكم الإيمان حكم الآخية، فقووا الوسائل بينكم وبينه. كما ورد عن عبد الله بن عمرو:((أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام وتبدأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)). وإنما خص الأتقياء بالطعام؛ لأن الطعام يصير جزء البدن، فيتقوى على الطاعة، فيدعو لك ويستجاب دعاؤه في حقك، وليس كذلك سائر المعروف، وعلى هذا معنى قوله:((أكل طعامكم الأبرار)) على الدعاء كما سبق.

الحديث الخامس والسادس عن عبد الله: قوله: ((وسجدوا الضحى)) أي صلوها.

ص: 2870

فالتفوا عليها، فلما كثروا، جثا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال أعرابي: ما هذه الجلسة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله جعلني عبدا كريما، ولم يجعلني جبارا عنيدا)) ثم قال: ((كلوا من جوانبها، ودعوا ذروتها يبارك فيها)). رواه أبو داود. [4251]

4252 -

وعن وحشي بن حرب، عن أبيه، عن جده: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله! إنا نأكل ولا نشبع. قال: ((فلعلكم تفترقون؟)) قالوا: نعم. قال: ((فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه)). رواه الترمذي. [4252]

الفصل الثالث

4253 -

عن أبي عسيب، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا، فمر بي فدعاني، فخرجت إليه، ثم مر بأبي بكر بدعاه، فخرج إليه، ثم مر بعمر فدعاه، فخرج إليه، فانطلق حتى دخل حائطا لبعض الأنصار، فقال لصاحب الحائط:((أطعمنا بسرا)) فجاء بعذق فوضعه، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم دعا بماء بارد، فشرب فقال:((لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة)) قال: فأخذ عمر العذق فضرب به الأرض حتى تناثر البسر قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا رسول الله! إنا لمسئولون عن هذا يوم القيامة؟ قال: ((نعم، إلا من ثلاث: خرقة لف بها الرجل عورته، أو كسرة سد بها جوعته، أو حجر يتدخل فيه من الحر والقر)). رواه أحمد، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) مرسلا. [4253]

ــ

وقوله: ((ما هذه الجلسة)) هذه نحوها في قوله تعالى: {ومَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا} كأنه استحقرها ورفع منزلته عن مثلها، فأجاب صلى الله عليه وسلم أن هذه جلسة تواضع لا حقارة؟ ولذلك وصف عبدا بقوله:((كريما)).

الفصل الثالث

الحديث الأول عن أبي عسيب: قوله: ((إنا لمسئولون عن هذا يوم القيامة؟)) يجوز أن يكون

ص: 2871

4254 -

وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا وضعت المائدة فلا يقوم رجل حتى ترفع المائدة، ولا يرفع يده وإن شبع حتى يفرغ القوم، وليعذر فإن ذلك يخجل جليسه، فيقبض يده، وعسى أن يكون له في الطعام حاجة)) رواه ابن ماجه، والبيهقي في ((شعب الإيمان)). [4254]

4255 -

وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل مع قوم كان آخرهم أكلا. رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) مرسلا. [4255]

4256 -

وعن أسماء بنت يزيد، قالت: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بطعام فعرض علينا، فقلنا: لا نستهيه. قال: ((لا تجمعن جوعا وكذبا)). رواه ابن ماجه. [4256]

4257 -

وعن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلوا جميعا ولا تفرقوا، فإن البركة مع الجماعة)). رواه ابن ماجه. [4257]

4258 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من السنة أن يخرج الرجل مع ضيفه إلى باب الدار)) رواه ابن ماجه. [4258]

ــ

المشار إليه المذكور قبله، وأن يكون المشار إليه العذق المتناثر تحقيرا لشأنه. قوله:((أو حجر)) لعل الأنسب فيه ضم الجيم وبعده حاء ساكنة ليوافق القرينتين السابقتين في الحقارة تشبيها بحجر اليرابيع ونحوها في الحقارة؛ ومن ثم عقبه بقوله: ((يتدخل)) فإنه يدل على أنه بقدر الحاجة بل أقل، وأقله يدفع عنه الحر والبرد.

الحديث الثاني عن ابن عمر: قوله: ((فإن ذلك يخجل)) المشار إليه مقدر أي وليعذر إن رفع يده، فإن رفع يده عن الطعام بلا عذر يخجل صاحبه. ومنه أخذ أبو حامد الغزالي حيث قال: لا يمسك يده قبل إخوانه إذا كانوا يحتشمون الأكل بعده، فإن كان قليل الأكل توقف في الابتداء وقلل الأكل. وإن امتنع لسبب فليعتذر إليهم دفعا للخجلة عنهم.

الحديث الثالث والرابع عن أسماء: قوله: ((لا تجمعن جوعا وكذبا)) يعني إباؤكن عن الطعام بقولكن، لا نشتهيه وأنتن جائعات جمع بين الجوع والكذب. وقريب منه قوله:((المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)).

ص: 2872