الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
، نظراً لأهميته، والله المستعان.
أولاً بيان درجة أبي الزبير المكي:
اختلف العلماء في أبي الزبير المكي على قولين:
القول الأول: أنه ثقة:
وإليك طائفة من أقوال العلماء في توثيقه، وبيان قوة حفظه.
قال أبو بكر بن أبى خيثمة، عن يحيى بن معين: ثقة، وقال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين: صالح.
قال النسائي: ثقة.
قال أبو أحمد بن عدى: وروى مالك عن أبى الزبير أحاديث، وكفى بأبي الزبير صدقا أن يحدث عنه مالك، فإن مالكا لا يروى إلا عن ثقة، ولا أعلم أحدا من الثقات تخلف عن أبى الزبير إلا وقد كتب عنه، وهو في نفسه ثقة، إلا أن يروى عنه بعض الضعفاء فيكون ذلك من جهة الضعيف.
قال محمد بن عثمان بن أبى شيبة: سألت ابن المديني عنه، فقال: ثقة ثبت.
قال عثمان الدارمي: قلت ليحيى: فأبو الزبير؟ قال: ثقة. قلت: محمد بن المنكدر أحب إليك أو أبو الزبير؟ قال: كلاهما ثقتان.
وقال هشيم عن حجاج وابن أبى ليلى عن عطاء: كنا نكون عند جابر فإذا خرجنا من عنده تذاكرنا حديثه فكان أبو الزبير أحفظنا.
قال يعلى بن عطاء فيما روى عنه: حدثني أبو الزبير، وكان أكمل الناس عقلا وأحفظهم.
قال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث إلا أن شعبة تركه لشيء زعم أنه رآه فعله في معاملة.
القول الثاني: أنه ضعيف:
وقد روي تضعيفه عن: شعبة، وأيوب السختياني، وابن عيينة، والشافعي، وأبو حاتم، وأبو زرعة. وإليك أقوالهم، ومناقشتها؛ إذ لا يقبل الجرح إلا مفسراً.
قال هشام بن عمار، عن سويد بن عبد العزيز: قال لي شعبة: تأخذ عن
أبى الزبير وهو لا يحسن أن يصلى!.
قال نعيم بن حماد: سمعت هشيما يقول: سمعت من أبى الزبير، فأخذ شعبة كتابي فمزقه.
قال محمد بن جعفر المدائني عن ورقاء: قلت لشعبة: مالك تركت حديث أبى الزبير قال: رأيته يزن ويسترجح في الميزان.
وقال شعبة: لم يكن في الدنيا أحب إلى من رجل يقدم فأسأله عن أبى الزبير، فقدمت مكة فسمعت منه، فبينا أنا جالس عنده إذ جاءه رجل فسأله عن مسألة، فرد عليه، فافترى عليه، فقال له: يا أبا الزبير تفتري على رجل مسلم؟ قال: إنه أغضبني. قلت: ومن يغضبك تفتري عليه! لا رويت عنك شيئا.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبى: كان أيوب السختياني يقول: حدثنا أبو الزبير، وأبو الزبير أبو الزبير! قلت لأبى: كأنه يضعفه؟ قال: نعم.
قال نعيم بن حماد: سمعت ابن عيينة يقول: حدثنا أبو الزبير وهو أبو الزبير. أي كأنه يضعفه.
قال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي يقول: أبو الزبير يحتاج إلى دعامة.
قال عبد الرحمن بن أبى حاتم: سألت أبى عن أبى الزبير، فقال: يكتب حديثه، ولا يحتج به، وهو أحب إلى من أبى سفيان.
وقال أيضا: سألت أبا زرعة عن أبى الزبير؟ فقال: روى عنه الناس. قلت: يحتج بحديثه؟ قال: إنما يحتج بحديث الثقات.
مناقشة وجوه التضعيف:
1 -
قال د. صالح بن أحمد رضا في رسالته: " صحيفة أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما ": [فالأمور التي ذكر أن شعبة أنتقدها علي أبي الزبير، وترك الرواية عنه لأجلها أربعة:
1 -
الافتراء على من أغضبه.
2 -
الإسترجاح في الوزن- وقد ردها ابن حبان لأنها ليست سبباً في ترك رواية الراوي.
3 -
إساءة الصلاة.
4 -
الشدة والقسوة.
فأما إساءة الصلاة، وعدم إحسانها فهو أمر نسبي، فلعل شعبة قاس الأمور على نفسه فقد كان هو من العباد المكثرين من الصلاة حتى رق جلده، ومن الذين يحسنوا أداءها وليس كل من لا يكون على مثل شعبة في الصلاة مردود الرواية إذ ليس من المعقول أن يكون أبو الزبير التابعي الذي يعيش في مكة المكرمة لا يحسن الصلاة إلا إذا كان المقصود ما قلت. . والله أعلم.
وأما الشدة والقسوة والإفتراء على من أغضبه، فيظهر أن أبا الزبير يتصف بذلك لسرعة الغضب، ويظهر ذلك فيه واضحاً إذا أزعجه إنسان، وبخاصة حين كبر في السن وجاوز الستين من العمر-كما ألمحت سابقاً أن شعبة قد تأخر في الذهاب للسماع من أبي الزبير- ولعل ذلك كان قليلاً فيه، ونادراً، ولذلك لم نر أحداً روى عنه ذلك إلا شعبة
…
بل وجدنا أقرانه كيعلي بن عطاء يقول عنه: وكان أكمل الناس عقلاً، فمن ظهر منه شيء مرة لا يترك حديثه، ثم إن هذه أمور خاصة، وطباع شخصية لا تتعلق بالرواية، ولهذا رأينا شعبة نفسه لم يطعن في روايته للحديث، وهو الواسع الإطلاع.
قال بن رجب الحنبلي - في شرح العلل - بعد أن ذكر ما أخذه شعبة على أبي الزبير: ولم يذكر عليه كذباً أو سوء حفظ.]
2 -
وقال د. صالح أيضاً: [وأبو الزبير أبو الزبير.
قلت: وهذا الأسلوب يحتمل أمرين:
التوثيق، ولذا حمله الترمذي على أنه عنى حفظه وإتقانه.
التضعيف: ولذا قال الإمام أحمد: يضعفه بذلك وأنا أرجح حمل ذلك على التوثيق، وذلك:
- لقول محمد بن يحي راوي الكلام عن سفيان عن أيوب: أي يوثقه.
- وزاد في رواية: وقال-يعني أيوب-: بكفه فقهينا.
فهذه الزيادة تدل على التوثيق لا على التضعيف.
- ولرواية الترمذي: قال سفيان بيده يقبضها. فقبض اليد يدل على التوثيق لا
على التضعيف.
وقد قال الإمام الذهبي: قد روى عنه مثل أيوب ومالك. قلت: فلو كان يضعفه لما روى عنه].
ثم قال د. رضا: [خلاصة القول في أبي الزبير:
أنه أحفظ الرواة عن جابر.
وروى عنه مالك وأيوب فلو كانا يضعفانه لما رويا عنه.
ووثقه علي بن المديني ويحي بن معين والنسائي وابن حبان والساجي وابن سعد وابن عون والذهبي.
ونسب ابن حجر توثيقه إلى الجمهور.
- وجعله الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة من درجة رواية الحديث الحسن وفي رواية وثقة.
- وضعه الشافعي وابن أبي حاتم وأبو زرعة وجعلوا حديثه مما يعتبر به.
- وترك حديثه شعبة لأمور خاصة لا تقدح بصدقه وضبطه].
وقد أجاب الشيخ عبد الله السعد في أحد دروسه لشرح الترمذي عن تضعيف الأئمة: أيوب، والشافعي، وأبي حاتم، وأبي زرعة لأبي الزبير بقوله: [أما أيوب فقال (حدثنا أبو الزبير، وأبو الزبير أبو الزبير) قال أحمد بن حنبل (يضعفه بذلك) وهذا التضعيف ليس بظاهر من كلامه وحتى لو حمل على التضعيف فهو تضعيف مجمل غير مفسر وكذا فهو مخالف بمن ذكرنا من الحفاظ الذين وثقوه.
• وأما الشافعي فقال (يحتاج إلى دعامة) ويجاب عن لك بأجوبة:
1 -
أنه قد خالفه غيره من الحفاظ الذين سبق ذكرهم.
2 -
أن هذا تضعيف مجمل غير مفسر.
3 -
أن من وثقه أمكن منه في هذا المجال - أي مجال نقد الرجال والجرح والتعديل -.
4 -
أن الشافعي قال ذلك في حالة غضب حيث احتج عليه رجل بحديث أبي الزبير فغضب وقال ذلك، ومعلوم أن الإنسان إذا غضب قد يقول ما لا يريد أن
يقوله.
5 -
أن الشافعي احتج بجملة من الأحاديث فيها أبو الزبير.
• أما تضعيف أبو حاتم الرازي له، فيجاب عن ذلك بأجوبة:
1 -
أن أبا حاتم الرازي شديد التزكية للرجال، وقد وصفه بذلك جماعة من أهل العلم كشيخ الإسلام والحافظ الذهبي، والحافظ ابن حجر، ومن تتبع كلامه في الرجال تبين له ذلك بجلاء، ومما يدل على تشدده ما قاله عن الإماما الشافعي والإمام مسلم وأبو حفص الفلاس حيث قال عن كل واحد منهم (صدوق) ومن المعلوم أن هؤلاء أئمة حفاظ. وكذا قوله عن عبد الرزاق (يكتب حديثه ولا يحتج به).
2 -
أن هذه اللفظة كثيراً ما يستخدمها أبو حاتم وهي ليست صريحة في التضعيف، بل أحياناً يقولها في أئمة حفاظ كما تقدم فيما قاله عن عبد الرزاق فلعل هذا التضعيف محمول على التضعيف النسبي أي أنهم كذلك بالنسبة للثوري وشعبة ومالك مثلاً. وقد روي عن بعضهم أنه قال:(إنما الحجة الثوري وشعبة مالك).
• وأما أبو زرعة فهو كذلك يتشدد في الرواة أحياناً.
هذا مجمل ما يمكن أن يجاب به على القائلين بتضعيف أبي الزبير.].
وهذه الأجوبة، لا يخلو بعضها من نظر، لذا فالمصير إلى الجمع بين أقوال الفريقين هو المتعين، وقد جمع بين أقوالهم ابن حجر في التقريب بجعل مرتبته " صدوق " - التي هي دون الثقة - إعمالاً لكلام كلا الفريقين.
قال د. وليد بن حسن العاني في رسالته: "منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها " عند الكلام على المرتبة الرابعة عند ابن حجر في التقريب وهي مرتبة " الصدوق " أو " لا بأس به ": [لقد تبين لي من خلال دراسة رجال هذه المرتبة أن رجلاً ما يوثقه جماعة من النقاد المعتدلين منهم، والمتشددين، ثم يظهر للباحث أن واحداً من النقاد خالف الجمهور، وقال فيه قولاً يجرحه فيه، فالباحث العادي يمضي ولا يلتفت إلى القول المخالف للجمهور، لكن ابن حجر يتوقف عند قول المخالف ويدرسه هل له وجه معتبر أم لا
…
؟ فإن كان له وجه معتبر جعل هذا الراوي من المختلف فيه ووضعه في المرتبة الخامسة - أي مرتبة من وصفه: