الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل " (1) ولأن حال الراوي إذا كان طفلاً أو مجنوناً
دون حال الفاسق من المسلمين. وذلك أن الفاسق يخاف ويرجو، ويجتنب ذنوباً، ويعتمد قربات، وكثير من الفساق يعتقدون أن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتعمد له ذنب كبير، وجرم غير مغفور، فإذا كان خبر الفاسق الذي هذه حاله غير مقبول فخبر الطفل والمجنون أولى بذلك، والأمة مع هذا مجتمعة على ما ذكرناه لا نعرف بينها خلاف فيه " (2).
رابعاً: السلامة من أسباب الفسق
(3):
الفسق هو ارتكاب الكبيرة أو الإصرار على الصغيرة (4) وقد أفاض العلماء في تعريف الكبيرة والصغيرة، وكيفية التمييز بين الصغائر والكبائر وعددها، بل هناك من أفردها بالتصنيف (5) والذي يهمنا هنا هو ذكر مسألتين وقع فيهما النزاع ومحاولة معرفة الراجح فيهما.
المسألة الأولى:
ما حكم التائب من الكذب (6) في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب
(1) رواه أبو داود بنفس لفظ الخطيب من طريق علي رضي الله عنه في كتاب الحدود، باب
المجنون يسرق أو يصيب حداً ج4 ص560، رقم (4403) بإسناد حسن، وهو حديث صحيح بطرقه.
(2)
الكفاية ص99.
(3)
سبق أن تكلمنا على الفسق وعلاقته بالعدالة، وإنما نضيف هنا بعض المسائل التي لم نتكلم عليها هناك.
(4)
فتح المغيث ج1 ص315. وروي: " لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار" مرفوعا من حديث ابن عباس وأنس وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم وجميع أسانيدها واهية ساقطة. وانظر تفصيلها في: السلسة الضعيفة (رقم4810)، ولكنه صح من قول ابن عباس عند البيهقي وابن أبي حاتم وابن جرير وغيرهم. ولكن الإصرار يحتاج لضابط.
(5)
انظر: مدارج السالكين: ج1 ص321، وقواعد الأحكام في مصالح الأنام: ج1 ص19، والكبائر للذهبي، والزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي، وهما خاصان بهذا الموضوع.
(6)
وينبغي التفريق بين ممن اتهم بالكذب وبين من اتصف فعلاً بالكذب، وإن كان كلاً من
الوصفين من أوصاف الجرح. لكن لا يخفى أن الكذاب قد تحقق فيه الوصف فعلاً أما المتهم بالكذب فلم يتحقق فيه هذا الوصف.
أكثر العلماء والمحدثين إلى أن التائب من الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقبل روايته. وإلى هذا ذهب سفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك ورافع بن الأشرس، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وأحمد بن حنبل، وأبو بكر الحميدي، ويحي بن معين (1) ووجه عدم قبول روايته - وإن حسنت توبته - أن ذلك تغليظاً وجزراً بليغاً عن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم لعظم مفسدته، فإنه يصير شرعاً مستمراً إلى يوم القيامة. بخلاف الكذب على غيره والشهادة، فإن مفسدتهما قاصرة ليست عامة (2) وألحقوا بالكاذب المتعمد من أخطأ وصمم على خطئه بعد أن يبين له ذلك ممن يثق بعلمه لمجرد عناد (3).
لكن ذهب الإمام النووي رحمه الله إلى قبول رواية التائب من الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: " هذا الذي ذكره هؤلاء الأئمة ضعيف مخالف للقواعد الشرعية، والمختار القطع بصحة توبته في هذا وقبول رواياته بعدها إذا صحت توبته بشروطها المعروفة وهي: الإقلاع عن المعصية، والندم على فعلها، والعزم على أن لا يعود إليها، فهذا هو الجاري على قواعد الشرع، وقد أجمعوا على صحة رواية من كان كافراً فأسلم، وأكثر الصحابة كانوا بهذه الصفة - أي كانوا كفاراً فأسلموا - وأجمعوا على قبول شهادتهم، ولا فرق بين الشهادة والرواية في هذا، والله أعلم "(4).
وما ذهب إليه الإمام النووي رحمه الله مبني على القواعد الأصولية حيث استعمل القياس لإثبات هذا الحكم، وهو قياس التائب من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم على الكافر إذا أسلم، ومثل له بقبول الأئمة لرواية الصحابة، وقد كانوا كفاراً ثم أسلموا. لكن هذا القياس معترض، بأن الصحابة قد عدلهم القرآن
(1) شروط الأئمة الخمسة للحازمي ص53، وفتح المغيث للسخاوي: ج1 ص365 - 369.
(2)
شرح صحيح مسلم ج1 ص70.
(3)
فتح المغيث: ج1 ص366.
(4)
شرح صحيح مسلم ج1 ص70.