الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولهذا لا يقسم الحديث باعتباره، وإن كان يختلف ضبط الكتاب باختلاف الكُتَّاب].
وقال السيوطي في تدريب الراوي (1/ 304):] ذكر الحافظ أبو الحجاج المزي في الأطراف: أن الوهم تارة يكون في الحفظ، وتارة يكون في القول، وتارة في الكتابة، قال: وقد روى مسلم حديث: " لا تسبوا أصحابي " عن يحيى بن يحيى، وأبي بكر، وأبي كريب، ثلاثتهم عن أبي معاوية عن، الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، ووهم عليهم في ذلك إنما رووه عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبى صالح عن أبي سعيد كذلك، رواه عنهم الناس كما رواه ابن ماجه عن أبي كريب أحد شيوخ مسلم فيه قال: والدليل على أن ذلك وقع منه في حال كتابته لا في حفظه أنه ذكر أولا حديث أبي معاوية ثم ثنى بحديث جرير وذكر المتن وبقية الإسناد ثم ثلث بحديث وكيع ثم ربع بحديث شعبة ولم يذكر المتن ولا بقية الإسناد عنهما بل قال عن الأعمش بإسناد جرير وأبي معاوية بمثل حديثهما فلولا أن إسناد جرير وأبي معاوية عنده واحد لما جمعهما في الحوالة عليهما].
والصحيح إمكان وقوع الوهم في الكتاب وهو قليل بالنسبة لوقوعه في ضبط الصدر، وترجم الذهي في كتابه "المغني في الضعفاء" لابن سعدون بذلك فقال:(مُحَمَّد بن سعدون الأندلسي لَقِي ابْن الْورْد، قَالَ ابْن الفرضي: ضَعِيف الْكتاب غير ضَابِط (1)).
4 - بمَّ يعرف ضبط الصدر
؟
قال ابن الصلاح في مقدمته (ص/61): [يعرف كون الراوي ضابطا بأن نعتبر روايته بروايات الثقاة المعروفين بالضبط والإتقان. فإن وجدنا رواياته موافقة - ولو من حيث المعنى - لرواياتهم، أو موافقة لها في الأغلب، والمخالفة نادرة، عرفنا حينئذ كونه ضابطا ثبتا. وإن وجدناه كثير المخالفة لهم عرفنا اختلال ضبطه، ولم نحتج بحديثه، والله أعلم].
وقال ابن أمير الحاج في التقرير والتحبير شرح تحرير ابن الهمام (2/ 242) عند الكلام على شرائط الراوي: [(وَمِنْهَا رُجْحَانُ ضَبْطِهِ عَلَى غَفْلَتِهِ لِيَحْصُلَ
(1) - انظر "تاريخ علماء الأندلس" لابن الفرضي (2/ 107).
الظَّنُّ) بِصِدْقِهِ إذْ لَا يَحْصُلُ بِدُونِهِ وَالْحُجَّةُ هِيَ الْكَلَامُ الصِّدْقُ (وَيُعْرَفُ) رُجْحَانُ ضَبْطِهِ (بِالشُّهْرَةِ وَبِمُوَافَقَةِ الْمَشْهُورِينَ بِهِ) أَيْ بِالضَّبْطِ فِي رِوَايَتِهِمْ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى (أَوْ غَلَبَتِهَا) أَيْ الْمُوَافَقَةِ (وَإِلَّا) إنْ لَمْ يَعْرِفْ رُجْحَانَ ضَبْطِهِ بِذَلِكَ (فَغَفْلَةٌ)].
@ وللشيخ المأربي بحث جبد حول هذه المسألة فقال - حفظه الله - في "الجواهر السليمانبة شرح المنظومة البيقونية"(ص/61): (يعرف العلماء ذلك بأمور:
1 -
استفاضة ضبط الراوي بين الأئمة، وهذه الصورة هي أعلى الصور في هذا الباب.
2 -
تزكية بعض أئمة الجرح والتعديل للراوي بأنه يحفظ حديثه ويتقنه.
3 -
سَبْر روايات الراوي، ومقارنتها بروايات غيره من الثقات؛ لينظر هل يوافقهم أم يخالفهم؟ ويُحْكَم على حديثه بعد ذلك بما يستحق، كما قال ابن معين: قال لي إسماعيل بن علية يومًا: كيف حديثي؟ قلت: أنت مستقيم الحديث، فقال لي: وكيف علمتم ذاك؟ قلت له عارَضْنا بها أحاديث الناس، فرأيناها مستقيمة، فقال: الحمد لله. . . اهـ (1).
4 -
إذا نصُّوا على أن الراوي ثقة، وليس له كتاب، فهذا يدل على أنه يحفظ حديثه في صدره.
5 -
ومن ذلك قول الراوي عن نفسه:" ما كتبت سوداء في بيضاء " أو " ما يضُرُّني أن تُحْرَق كتبي" ونحو ذلك مما يدل على إتقانه لحديثه.
6 -
باختبار الراوي، وللاختبار صور، منها:
أ - أن يأتي إليه أحد أئمة الجرح والتعديل، فيسأله عن بعض الأحاديث، فيحدثه بها على وجه ما، ثم يأتي إليه بعد زمن، فيسأله عن الأحاديث نفسها، فإن أتى بها كما سمعها منه في المرة الأولى؛ علم أن الرجل ضابط لحديثه، ومتقن له، أما إذا خَلَّط فيها، وقَدَّم وأَخَّر؛ عَرَفَ أنه ليس كذلك، وتكلم فيه على قدر خطئه
(1) - انظر " سؤالات ابن محرز "(2/ 39) اهـ نقلاً عن " الإرشادات "(ص 21) للشيخ طارق عوض الله - حفظه الله -.
ونوعه، فإن كانت هذه الأخطاء يسيرة عددا ونوعا؛ احتملوها له إذا كان مكثرا، وإلا طُعِن فيه.
ومسألة كثرة الخطأ وقلته مسألة نسبية، ترجع إلى كثرة حديث الراوي وقلته، فمن كان مكثرًا من أحاديثه الصحيحة، وأخطأ في أحاديث قليلة؛ احْتُمِل له ذلك الخطأ، كمن كان عنده عشرة آلاف حديث - مثلاً - وأخطأ في عشرين حديثًا منها، وهذا بخلاف من لم يكن عنده إلا حديث واحد - مثلا - وأخطأ فيه، فمثل هذا يكون متروكا، أو كمن عنده عشرة أحاديث، وأخطأ في خمسة منها؛ فهذا يطعن فيه مع أن الخطأ في عشرين حديثًا، أو خمسين حديثًا، لا يضر من كان مكثرًا، واسع العلم والحصيلة.
إلا أن النظر لا يقتصر على مسألة القلة والكثرة فقط، بل يُراعَى في ذلك أيضاً نوع الخطأ: فقد يكون الخطأ قليلاً، إلا أنه فاحش، فيذهب بحديث الراوي، كما جاء عن الدارقطني أنه قال في الربيع بن يحيى بن مقسم: حَدَّث عن الثوري عن ابن المنكدر عن جابر، قال: جَمَع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بين الصلاتين، ثم قال: وهذا حديث ليس لابن المنكدر فيه ناقة ولاجمل، وهذا يُسقط مائة ألف حديث " وقال أبو حاتم في "العلل ":" هذا باطل عن الثوري " اهـ (1).
ب - وهناك صورة أخرى لاختبار الرواة لمعرفة ضبطهم، وهي أن يُدْخِل الإمام منهم في حديث الراوي ما ليس منه، ثم يقرأ عليه ذلك كله، موهمًا أن الجميع حديثه، فإن أقره وقبله، مع ما أُدخل فيه؛ طعن في ضبطه، وإن ميز حديثه من غيره؛ علم أن الرجل ضابط، ومثال ذلك: ما حصل من يحيى بن معين مع أبي نعيم الفضل بن دكين الكوفي (2) ولعل لذلك صلة بالتلقين الآتي في الصورة الثالثة.
ج - ومن صور الاختبار - أيضًا - أن يلقن الإمام منهم الراوي بقصد اختباره شيئا في السند أو في المتن، لينظر هل سيعرف ويميز؛ فيرد ما لُقِّنَه، أو لا يميز؛ فيقبل ما أُدخل عليه، فإن ميز؛ فهو ضابط، وإلا فغير ضابط.
ومن قبول التلقين: أن يسأل الإمامُ أحدَ الرواة عن مجموعة من الأحاديث،
(1) - انظر: " تهذيب التهذيب "(2/ 227).
(2)
- انظر " تاريخ بغداد "(3/ 353) ترجمة أبي نعيم.