المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكشف عن الاختلاط: - شرح الموقظة للذهبي

[أبو المنذر المنياوي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة:

- ‌فيها مسائل:

- ‌الأولي:

- ‌الثانية:

- ‌توطئة:

- ‌ الحديثُ الصحيح:

- ‌فائدة: الفرق بين قولهم: حديث صحيح، وإسناد صحيح

- ‌قوله: (هو ما دَارَ)

- ‌قوله: (على عَدْلً)

- ‌(تعريف العدالة:

- ‌واعترض الصنعاني في " ثمرات النظر في علم الأثر " على هذا التعريف بعدة اعتراضات:

- ‌الاعتراض الأول: عدم الملازمة بينه وبين التعريف اللغوي للعدالة:

- ‌الاعتراض الثاني: نقد العدالة بالملكة المذكورة:

- ‌الاعتراض الثالث: قبولهم رواية فاسق التصريح:

- ‌الاعتراض الرابع: القصور في تعريف التقوى:

- ‌الاعتراض الخامس: العدالة والبدعة

- ‌المبتدع الداعية إلى بدعته:

- ‌إخراج الشيخان لبعض المبتدعة:

- ‌(تعريفات أخرى للعدالة:

- ‌شروط أخرى للعدالة:

- ‌أولاً: الإسلام:

- ‌ثانياً: البلوغ:

- ‌ثالثاً: العقل:

- ‌رابعاً: السلامة من أسباب الفسق

- ‌التائب من الكذب في حديث الناس وغيره من أسباب الفسق

- ‌خامساً: السلامة من خوارم المروءة:

- ‌مسائل تتعلق بالعدالة:

- ‌إذا روى الثقة حديثاً فسئل عنه فنفاه، فهل يقبل قوله؟ ثم هل يؤثر ذلك النفي في عدالة الفرع الراوي عنه أم لا

- ‌إذا كان المحدث يغشى السلطان، أو يتولى شيئاً من أعماله، فهل ذلك يقدح في عدالته أم لا

- ‌أخذ الأجرة على التحديث

- ‌تعريف العدالة:

- ‌ هل الأصل في الراوي العدالة أم الجهالة

- ‌ بم تثبت العدالة

- ‌(مسائل أخرى متعلقة بالعدالة

- ‌المسألة الأولى: قبول تعديل العبد والمرأة:

- ‌المسألة الثانية: هل يثبت التعديل بواحد:

- ‌المسألة الثالثة: هل تُعد رواية العدل تعديلاً لمن روى عنه

- ‌من كان من الحفاظ لا يروي إلا عن ثقة:

- ‌المسألة الرابعة: قول العدل حدثني الثقة:

- ‌المسألة الخامسة: قول الراوي: حدثني من لا أتهم

- ‌المسألة السادسة: يقبل التعديل على الإجمال:

- ‌الشرط الثاني من شروط الحديث الصحيح: الإتقان

- ‌الأولى:قال الإمام الذهبي في الموقظة: [تُشتَرَطُ العدالةُ في الراوي كالشاهد، ويمتازُ الثقةُ بالضبطِ والإتقان، فإن انضاف إلى ذلك المعرفةُ والإكثارُ، فهو حافظ]

- ‌ مرتبة الحافظ أعلى من مرتبة الثقة

- ‌فائدة: هل يلزم من قول المحدثين عن راو أنه (حافظ) أن يكون ضابطاً

- ‌المسألة الثانية:فرَّق أبو هلال العسكري في معجم الفروق اللغوية بين الإتقان والإحكام

- ‌المسألة الثالثة: الكلام على الضبط:

- ‌1 - تعريف الضبط:

- ‌أ - تعريفه لغة:

- ‌ب - اصطلاحاً:

- ‌2 - أقسام الضبط:

- ‌3 - هل يقع الوهم في الكتاب كما يقع في الحفظ:

- ‌4 - بمَّ يعرف ضبط الصدر

- ‌5 - بم يعرف ضبط الكتاب

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌قوله: (واتَّصَل سَنَدُه).فيه مسائل:

- ‌المسألة الأولى: معنى الاتصال:

- ‌أ - لغة:

- ‌ب ـ اصطلاحاً:

- ‌تنبيه:

- ‌المسألة الثانية: معنى السند:

- ‌أ- لغة:

- ‌ب ـ اصطلاحاً:

- ‌قوله: (واتَّصَل سَنَدُه؛ فإن كان مُرسَلاً ففي الاحتجاج به اختلاف)

- ‌قوله: (وزاد أهلُ الحديث: سلامتَهُ من الشذوذِ والعِلَّة. وفيه نظر على مقتضى نظر الفقهاء، فإنَّ كثيراً من العِلَل يأبَوْنها).فيه مسائل:

- ‌المسألة الأولى: تعريف الشاذ:

- ‌‌‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة: الكلام على العلة

- ‌1 - معنى العلة:

- ‌أ - لغة:

- ‌ب - اصطلاحاً:

- ‌العلة بالمعنى الخاص:

- ‌[العلة بالمعنى العام:

- ‌2 - فوائد:

- ‌الأولى: علاقة المعنى اللغوي للعلة بالمعنى الاصطلاحي:

- ‌الثانية: ما هو القياس في الحديث الذي طرأت عليه العلة

- ‌فائدة: أيهما أولى استعمال معلول أو معلل

- ‌3 - أسباب العلة:

- ‌الكشف عن الاختلاط:

- ‌4 - معرفة العلة ووسائل الكشف عنها:

- ‌5 - خطوات معرفة العلل:

- ‌6 - أقسام العلة وأنواعها:

- ‌المسألة الثالثة:قوله: (وفيه نظر على مقتضى نظر الفقهاء، فإنَّ كثيراً من العِلَل يأبَوْنها)

- ‌ملاحظة: مناقشة كلام الشيخ المليباري في التلازم بين العلة وبين القدح في الصحة:

- ‌قوله: (فالمجُمْعُ على صِحَّتِه إذاً: المتصلُ السالمُ من الشذوذِ والعِلَّة، وأنْ يكون رُواتُه ذوي ضَبْطٍ وعدالةٍ وعدمِ تدليس)

- ‌المسألة الأولى:

- ‌ بعض الشروط الأخرى التي ذكرها العلماء في الحديث الصحيح

- ‌1 - اشتراط نفي النكارة:

- ‌2 - عدم شموله للصحيح لغيره:

- ‌3 - اشتراط أن يكون راويه مشهورا بالطلب:

- ‌4 - اشتراط الفهم والمعرفة وكثرة السماع والمذاكرة:

- ‌5 - اشتراط علمه بمعاني الحديث حيث يروي بالمعنى:

- ‌6 - اشتراط فقه الراوي:

- ‌7 - اشتراط ثبوت السماع:

- ‌8 - اشتراط العدد:

- ‌المسألة الثانية: قوله: [وعدمِ تدليس]

- ‌الكلام على بعض الأسانيد:

- ‌المسألة الأولى:قوله: [فأعلى مراتبِ المجمَع عليه]

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:الكلام على هذه الأسانيد والمراتب من ناحية التفصيل:

- ‌الفائدة الأولى: بيان أن إبراهيم النخعي مدلس، وكان يرسل، وبيان أن مراسيله عن ابن مسعود صحيحة:

- ‌الفائدة الثانية: بيان وجه دقة استبدال الإمام الذهبي الأعمش بمنصور بن المعتمر:

- ‌فائدة: مراتب أخرى أغفلها الإمام الذهبي في المرتبة الأولى للصحيح:

- ‌فائدة:

- ‌فوائد:

- ‌أولاً بيان درجة أبي الزبير المكي:

- ‌ثانياً: تدليس أبي الزبير:

- ‌بيان قصة أبي الزبير التي هي العمدة في وصفه بالتدليس، واعترافه على نفسه بذلك:

- ‌بيان ما وقفت عليه من أحاديث التي تثبت تدليس أبي الزبير:

- ‌ملاحظة:

- ‌فائدة:

- ‌قوله: [ونحوُ ذلك من أفراد البخاري أو مسلم

الفصل: ‌الكشف عن الاختلاط:

قليلة منهم وهي فئة المحدثين وذلك لما في اختلاط المحدث من أثر على روايته لا سيما وأنه الثقة العدل المحتج به.

‌الكشف عن الاختلاط:

والكشف عن الاختلاط يلقي على الناقد رجل العلل مهمة عسيرة وشاقة إلى جانب أنها دقيقة وخطيرة فهي لا تقتصر على متابعة المحدث في فترة دون فترة أو مكان دون آخر أو عن شيخ دون سواه بل تمتد مهمة رجل العلل حتى وفاة الرجل موضع النقد والعلة ولمعرفة طريقة النقاد في الكشف عن الاختلاط وتحديد زمنه يحسن بنا أن نستشهد بما ذكره البرذعي في مسائله لأبي زرعة الرازي قال: قلت لأبي زرعة: قرة بن حبيب تغير؟ فقال: نعم كنا أنكرناه بأخرة غير أنه كان لا يحدث إلا من كتابه ولا يحدث حتى يحضر ابنه ثم تبسم فقلت لم تبسمت قال أتيته ذات يوم وأبو حاتم فقرعنا عليه الباب واستأذنا عليه فدنا من الباب ليفتح لنا فإذا ابنته قد لحقت وقالت يا أبت إن هؤلاء أصحاب الحديث ولا آمن أن يغلطوك أو أن يدخلوا عليك ما ليس من حديثك فلا تخرج إليهم حتى يجيء أخي تعني علي بن قرة فقال لها أنا أحفظ فلا أمكنهم ذاك فقالت لست أدعك تخرج إليهم فإني لا آمنهم عليك فما زال قرة يجتهد ويحتج عليها في الخروج وهي تمنعه وتحتج عليه في ترك الخروج إلى أن يجيء علي بن قرة حتى غلبت عليه ولم تدعه. قال أبو زرعة فانصرفنا وقعدنا حتى وافى ابنه علي. قال أبو زرعة فجعلت أعجب من صرامتها وصياتنها أباها

وأحيانا كان الناقد يدخل على المختلط يخضعه لاختبار دقيق فيقلب عليه الأسانيد والمتون ويلقنه ما ليس من روايته فإن لم يتنبه الشيخ لما يراد به فإنه يتأكد اختلاطه ويحذر الناس من الرواية عنه؛ روى أبو محمد الرامهرمزي من طريق يحيى بن سعيد قال: قدمت الكوفة وبها ابن عجلان وبها من يطلب الحديث مليح بن وكيع وحفص بن غياث وعبد الله بن إدريس ويوسف بن خالد التيمي قلنا نأتي ابن عجلان نقلب على هذا الشيخ ننظر فهمه قال فقلبوا فجعلوا ما كان عن سعيد عن أبيه وما كان عن أبيه عن سعيد ثم جئنا إليه لكن ابن إدريس تورع وجلس بالباب وقال لا أستحل وجلست معه ودخل حفص ويوسف بن خالد ومليح فسألوه

ص: 90

فمر فيها فلما كان عند آخر الكتاب انتبه الشيخ فقال أعد العرض فعرض عليه فقال ما سألتموني عن أبي فقد حدثني به سعيد وما سألتموني عن سعيد فقد حدثني به أبي.

ولكن بصيرة الناقد ويقظة المجتمع ليس لهما تلك القدرة التي تحدد ساعات بدء الاختلاط إذ الاختلاط حالة عقلية تبدأ خفية ثم يتعاظم أمرها بالتدريج وبين الخفاء والظهور يكون المختلط قد روى أحاديث تناقلها الثقات عن الثقات وما دورا أنهم أخذوها عن الثقة ولكن في اختلاطه، وهكذا تدخل العلة من هذا الطريق الذي هو طريق الاختلاط ولكن رجال هذا العلم بما لديهم من وسائل الدراية يقفون بالمرصاد لتمييز الصحيح من السقيم

وقد ذكر ابن رجب طائفة من مشاهير المختلطين وفصل أحوالهم وما يتعلق باختلاطهم وهم عطاء بن السائب الثقفي وحصين بن عبد الرحمن السلمي وسعيد بن إياس الجريري وسعيد بن أبي عروبة وعبد الرحمن بن عبد الله المسعودي وأبان بن صمعة وسفيان بن عيينة وأبو قلابة الرقاشي ومحمد بن الفضل السدوسي

ذكر ضابط التمييز بين السماع قبل الاختلاط وبعده:

وقد فصل ابن رجب في هذا الأمر وجمع أقوال العلماء التي تصلح ضابطا للتمييز بين الرواية عنه قبل الاختلاط وبعده ونرى مثل هذا في كلامه على اختلاط عطاء بن السائب فقال: وقد اختلفوا في ضابط من سمع منه قديما ومن سمع منه بأخرة - فمنهم من قال من سمع منه بالكوفة فسماعه صحيح ومن سمع منه بالبصرة فسماعه ضعيف - ومنهم من قال دخل عطاء البصرة مرتين فمن سمع منه في المرة الأولى فسماعه صحيح ومنهم الحمادان والدستوائي ومن سمع منه في المقدمة الثانية فسماعه ضعيف منهم وهيب وإسماعيل بن علية - ومنهم من قال إن حدث عطاء عن رجل واحد فحديثه جيد وإن حدث عن جماعة فحديثه ضعيف وهو ضابط التمييز عند شعبة بالنسبة لروايات عطاء - ومنهم من قال حديث شعبة وسفيان عنه صحيح لأنه قبل الاختلاط.

السبب الرابع: خفة الضبط بالأسباب العارضة:

ونقصد بالأسباب العارضة أمورا تعرض للمحدث تؤثر في ضبطه دون أن

ص: 91

تؤثر في إدراكه وبهذا نميز هذه الأمور العارضة عن الاختلاط ولا أرى ضمها إلى الاختلاط كما فعل السخاوي في كتابه فتح المغيث وهذه العوارض تعتري المحدث الذي يعتمد على كتابه في الرواية فإذا ضاع الكتاب أو احترق أو أضر الراوي أو لم يصطحب كتابه معه إذا رحل في كل هذه الحالات يختل ضبط الراوي ويكون سبب خفة الضبط هذا العارض الذي اعترض المحدث

ولكن ضبط الكتاب لا يغني وبالتالي يقع المحذور في حالة بعد الكتاب أو فقده وفقد آلة النظر في الكتاب ومن هنا دخلت العلة في أحاديث بعض الثقات فكان لا بد من دخول الناقد رجل العلل في دائرة أحاديث هؤلاء الثقات لتمييز سقيمها ومعلولها من صحيحها ومستقيمها.

وممن خف ضبطه لبعده عن كتبه معمر بن راشد

ومن الحفاظ من خف ضبطه لضياع كتبه فدخلت الأوهام على حديثه فمنهم علي بن مسهر القرشي الكوفي قاضي الموصل ولي قضاءها للمهدي (سنة 166هـ) وكان ثقة صالح الكتاب قبل ذهاب كتبه.

ومن أسباب خفة الضبط - وبالتالي دخول الوهم والعلل- الانشغال عن العلم حفظا وكتابة وضبطا وقد ذكر هذا السبب في علل من تولوا القضاء كشريك بن عبد الله النخعي وحفص بن غياث

ومن الثقات من فقد بصره وكان يعتمد على كتبه فخف ضبطه ووهم فيما حدث به بعد ذلك وهؤلاء كثيرون منهم عبد الرزاق بن همام

وقد ذكر ابن رجب ضابطا لرواية الضرير والأمي فقال وهذا يرجع إلى أصل وهو أن الضرير والأمي إذا لم يحفظا الحديث فإنه لا تجوز الرواية عنهما ولا تلقينهما ولا القراءة عليها من كتاب وقد نص على ذلك أحمد -في رواية عبد الله- في الضرير والأمي لا يجوز أن يحدثا إلا بما حفظا وقال كان أبو معاوية الضرير إذا حدثنا بالشيء الذي نرى أنه لا يحفظه يقول في كتابي كذا وكذا، ولقد أخذ على يزيد بن هارون أنه لما أضر كانت جاريته تحفظه من كتاب فيتلقن.

قال ابن رجب: وحاصل الأمر أن الناس ثلاثة أقسام حافظ متقن يحدث من حفظه فهذا لا كلام فيه وحافظ نسي فلقن حتى ذكر أو تذكر حديثه من كتاب فرجع

ص: 92

إليه حفظه الذي كان نسيه وهذا أيضا حكمه حكم الحافظ ومن لا يحفظ وإنما يعتمد على مجرد التلقين فهذا الذي منع أحمد ويحيى من الأخذ عنه.

السبب الخامس: قصر الصحبة للشيخ وقلة الممارسة لحديثه:

أعطى المحدثون طول ملازمة الشيخ وممارسة حديثه أهمية كبيرة فرجحوا - من أجل ذلك - أسانيد كثيرة على أخرى وأعانتهم معرفتهم بالصحبة والممارسة على تمييز كثير من الأوهام والعلل، واهتمام النقاد بهذا الأمر جعلهم يتابعون الرواة عن شيخ ما فيقسمونهم فئات بين الأطول صحبة والأقصر والأقل ممارسة والأكثر وممن اعتنى اعتناء فائقا باختيار أكثر رجاله من بين الأوثق والأطول صحبة الإمام محمد بن إسماعيل البخاري في كتابه الصحيح وفي هذا يقول الإمام ابن رجب - في شرحه لعلل الترمذي - وأما البخاري فشرطه أشد من ذلك وهو أنه لا يخرج إلا للثقة الضابط ولمن ندر وهمه ونذكر لذلك مثالا وهو أن أصحاب الزهري خمس طبقات: الطبقة الأولى جمعت الحفظ والإتقان وطول الصحبة للزهري والعلم بحديثه والضبط له كمالك وابن عيينة وعبيد الله بن عمر ومعمر ويونس وعقيل وشعيب وغيرهم وهؤلاء متفق على تخريج حديثهم عن الزهري. الطبقة الثانية أهل حفظ وإتقان ولكن لم تطل صحبتهم للزهري وإنما صحبوه مدة يسيرة ولم يمارسوا حديثه وهم في إتقانه دون الأولى كالأوزاعي والليث وهؤلاء يخرج لهم مسلم عن الزهري. الطبقة الثالثة لازموا الزهري وصحبوه ولكن تكلم في حفظهم كسفيان بن حسين ومحمد بن إسحاق. الطبقة الرابعة قوم رووا عن الزهري من غير ملازمة ولا طول صحبة ومع ذلك تكلم فيهم مثل إسحاق بن أبي فروة وهؤلاء قد يخرج الترمذي لبعضهم. الطبقة الخامسة قوم من المتروكين والمجهولين كالحكم الأيلي وعبد القدوس بن حبيب. ورجال البخاري - كما دل عليه الاستقراء - هم في معظمهم من الطبقة الأولى طبقات الثقات ذات الصحبة والممارسة؛ وهكذا نرى أن درجة الثقة وحدها لا تكفي لقبول الحديث بل لا بد من معرفة سياق السند ومعرفة ممارسة كل رجل من رجاله لحديث شيخه ومعرفة هذه الممارسة تجعل نظرة المحدث تختلف - عما قبل المعرفة - وهو يرى حديث الأوزاعي عن الزهري وحديث معمر عن الزهري فمما لا شك فيه أن الأوزاعي

ص: 93

أكبر وأجل ولكن إسناد معمر أصح وأدق إذ أن معمر عن الزهري من الطبقة الأولى والأوزاعي عن الزهري من الطبقة الثانية لقصر صحبته وقلة ممارسته؛ ومن أجل هذه الممارسة كان بعض المحدثين لا يرضى أن يسمع الحديث من الشيخ مرة واحدة قال حماد بن زيد ما أبالي من خالفني إذا وافقني شعبة لأن شعبة كان لا يرضى أن يسمع الحديث مرة واحدة يعاود صاحبه مرارا.

وتظهر هذه الممارسة في عبارات القوم وهم يقولون ليس هذا الحديث من حديث فلان أو يقولون هذا الحديث أشبه بفلان إلى غير ذلك من العبارات التي تدل على خبرة واسعة بعلاقة الرواة بعضهم ببعض.

والجدير بالذكر أن هذه الممارسة قد ترفع الراوي من رتبة الصدوق إلى رتبة الثقة أو إلى رتبة أوثق الناس في هذا الشيخ ومثاله حماد بن سلمة فقد اتفق النقاد أنه أوثق الناس في ثابت بالرغم من أن حمادا بشكل عام كثير الوهم والخطأ

وهذا كله في مجال تقديم إسناد على آخر إذ يتقدم الأفهم والأكثر ممارسة على غيره. (1)

السبب السادس: اختصار الحديث أو روايته بالمعنى:

رأى الجمهور على أن الرواية بالمعنى جائزة وقد دلل ابن رجب على جوازها بأقوال بعض الصحابة والتابعين وعلماء الحديث المتقدمين وبأن الله يقص قصص القرون السالفة بغير لغاتها وقد قيد العلماء هذا الجواز فاشترطوا فيمن يروي الحديث بالمعنى أن يكون عارفا بمواقع الألفاظ بصيرا بدلالاتها حتى لا يحيل الحلال حراما أو يضع الدليل في غير مكانه وفي شرح علل الترمذي تفصيل لهذا الموضوع وعرض لأقوال العلماء فيه وأن الرواية بالمعنى إن لم يلتزم راويها بشرطها الذي يضمن عدم الإحالة فإن هذه الرواية تكون سببا في دخول العلة على الحديث

السبب السابع: تدليس الثقات:

وقد يكون سبب العلة تدليسا أدركه النقاد فكشفوا فيه عن انقطاع في الإسناد أو

رواية عن ضعيف غير اسمه أو كنيته وغالبا ما تكون العلة في حديث الأعمش أو

(1) - لاحظ الفرق بين هذه المسألة، ومسألة انفراد الثقة بما لم يرو غيره، وسيأتي الكلام عنها بمشيئة الله.

ص: 94