الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويتجنبها في الأحكام والحلال والحرام، كما هو مذهب كثير من أئمة الحديث، فهو يرى أن الراوي إما أن يكون من العدالة والضبط بحيث تقبل أحاديثه جملة، أو
ينزل عن درجة القبول فترد أحاديثه جملة.
خامساً: السلامة من خوارم المروءة:
عرفت المروءة بتعاريف كثيرة، جلها يرجع إلى العادات الجارية بين الناس. فقال بعضهم:"المروءة كمال المرء كما أن الرجولة كمال الرجل ".
وقال بعضهم:"المروءة هي قوة للنفس تصدر عنها الأفعال الجميلة المستحقة للمدح شرعاً وعقلاً وعرفاً ".
وقال آخرون: " المروءة صون النفس عن الأدناس، ورفعها عما يشين عند الناس " وقيل: "سيرة المرء بسيرة أمثاله في زمانه ".
ومن أحسن تعاريفها " هي آداب نفسانية، تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق، وجميل العادات "(1).
واشتراط العلماء للمروءة سببه: أن الإخلال بها إما يكون لخبل في العقل، أو لنقصان في الدين، أو لقلة حياء وكل ذلك رافع للثقة بقوله (2).
وقد جرى نزاع كبير واعتراض على من أدخل المروءة في شروط العدالة المتفق عليها (3).
ومما يجدر التنبيه إليه هنا - وهو أن اشتراط المروءة والقدح في الراوي الذي يتصف بما هو من خوارمها، إنما هو موكول للعالم الناقد مع إضافة أسباب أخرى قد فصلها الإمام الخطيب البغدادي حيث قال: " وقد قال الكثير من الناس: يجب أن يكون المحدث والشاهد مجتنبين لكثير من المباحات نحو التبذل والجلوس للتنزه في الطرقات، والأكل في الأسواق، وصحبة العامة الأرذال، والبول على قوارع
(1) توجيه النظر إلى أصول الأثر ص28 - 29.
(2)
المرجع نفسه ص 29.
(3)
انظر هذه الاعتراضات والجواب عليها في: التقييد والإيضاح ص114 - 115 وفتح المغيث: ج1 ص316 - 317، وشرح العراقة لألفيته: ج1 ص300 - 303، وتدريب الراوي: ج1 ص305 - 306.
الطرقات، والبول قائماً، والانبساط إلى الخلق (1) في المداعبة والمزاح، وكل ما قد اتفق على أنه ناقص القدر والمروءة، ورأوا أن فعل هذه الأمور يسقط العدالة ويوجب رد الشهادة (2).
قال الخطيب: والذي عندنا في هذا الباب رد خبر فاعلي المباحات إلى العالم، والعمل في ذلك بما يقوى في نفسه فإن غلب على ظنه من أفعال مرتكب المباح المسقط للمروءة أنه مطبوع على فعل ذلك، والتساهل به، مع كونه ممن لا يحمل نفسه على الكذب في خبره وشهادته، بل يرى إعظام ذلك وتحريمه، والتنزه عنه قبل خبره، وإن ضعفت هذه الحال في نفس العالم واتهمه عندها، وجب عليه ترك العمل بخبره ورد شهادته " (3).
فالأمر إذن موكول إلى الناقد، فإن أكثر الشخص من الأفعال المخلة بالمروءة وتكرر منه ذلك وأعلن به في الناس كان ذلك دليلاً على السفه وخفة العقل ورقة الدين، وهذا مما يسقط العدالة ويوجب رد الرواية.
ومما يؤيد ما ذهب إليه الخطيب البغدادي رحمه الله من رد خبر فاعلي المباحات إلى العالم - صنيع الأئمة النقاد ومنهم الإمام البخاري رحمه الله.
فهذا المنهال بن عمرو تركه شعبة، لما سمع في داره صوت الطنبور (4)، وفي رواية أخرى أنه سمع قراءة لحان، فكره السماع منه (5). قال ابن القطان:" هذا ليس بجرحه إلا أن يتجاوز إلى حد يحرم، ولم يصح ذلك عنه "(6).
(1) وردت في المطبوع (الخرق) ولعل الصواب ما أثبته.
(2)
((قال السخاوي في فتح المغيث (1/ 291): [وما أحسن قول الزنجابي في شرح الوجيز المروة يرجع في معرفتها إلى العرف فلا تتعلق بمجرد الشارع وأنت تعلم أن الأمور العرفية قلما تضبط بل هي تختلف باختلاف الأشخاص والبلدان فكم من بلد جرت عادة أهله بمباشرة أمور لو باشرها غيرهم لعد خرما للمروءة. وفي الجملة رعاية مناهج الشرع وآدابه والاهتداء بالسلف والاقتداء بهم أمر واجب الرعاية قال الزركشي وكأنه يشير بذلك إلى انه ليس المراد سيرة مطلق الناس بل الذين نقتدي بهم وهو كما قال]
(3)
الكفاية علم الرواية ص139.
(4)
المصدر نفسه ص140.
(5)
فتح المغيث: ج1 ص329.
(6)
المرجع نفسه ص330.
وقال السخاوي: " وجرحه بهذا تعسف ظاهر، وقد وثقه ابن معين والعجلي وغيرهما كالنسائي وابن حبان، وقال الدارقطني: إنه صدوق "(1).
لذا نجد الإمام البخاري قد احتج به في صحيحه. روى له حديثين أحدهما: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في تعويذ الحسن والحسين (2)، وثانيهما في تفسير سورة فصلت (3). وروى له تعليقاً من طريق شعبه نفسه (4) وفيه دليل على أن شعبة لم يترك الرواية عنه وذلك إما بما لعله سمعه منه قبل ذلك، أو لزوال المانع منه عنده.
ومن ذلك أيضاً ما رواه الخطيب عن شعبة قال: " لقيت ناجية الذي روى عنه أبو إسحاق فرأيته يلعب بالشطرنج فتركته فلم أكتب عنه، ثم كتبت عن رجل عنه ".
قال الخطيب: " ألا ترى أن شعبة في الابتداء جعل لعبه بالشطرنج مما يجرحه، فتركه، ثم استبان له صدقه في الرواية، وسلامته من الكبائر، فكتب عنه نازلاً "(5).
قال السخاوي في "فتح المغيث"(2/ 6): (وما أحسن قول الزنجاني في شرح (الوجيز): " المروءة يرجع في معرفتها إلى العرف، فلا تتعلق بمجرد الشرع، وأنت تعلم أن الأمور العرفية قلما تضبط، بل هي تختلف باختلاف الأشخاص والبلدان، فكم من بلد جرت عادة أهله بمباشرة أمور لو باشرها غيرهم لعد خرما للمروءة. وفي الجملة رعاية مناهج الشرع وآدابه، والاهتداء بالسلف، والاقتداء بهم أمر واجب الرعاية ". قال الزركشي: " وكأنه يشير بذلك إلى أنه ليس المراد سيرة
(1) المرجع نفسه ص 330.
(2)
أخرجه البخاري في: كتاب أحاديث الأنبياء، في قصة إبراهيم. حديث رقم (3371) ج6 ص470 مع الفتح.
(3)
أخرجه البخاري في: كتاب التفسير، سورة حم السجدة ج8 ص418 مع الفتح.
(4)
أخرجه البخاري في: كتاب الذبائح والصيد، باب ما يكره من المثلة والمصبورة والمجثمة، حديث رقم (5515)، ج9 ص558.
(5)
الكفاية ص139.