الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الخطيب البغدادي: " ويجب أن يكون وقت الأداء مسلماً لأن الله تعالى قال: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وإن أعظم الفسق الكفر، فإن كان خبر الفاسق مردوداً (1) مع صحة اعتقاده فخبر الكافر بذلك أولى (2) فالإسلام إذا شرط عند الأداء والتبليغ وليس شرطاً عند التحمل فيصح تحمل الكافر " وقد ثبت روايات كثيرة لغير واحد من الصحابة كانوا حفظوها قبل إسلامهم وأدوها بعده " (3).
وأضرب أمثلة على ذلك من صحيح البخاري رحمه الله:
1) رواية محمد بن جبير عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي " (4)
قال الحافظ: واستدل به على صحة أداء ما تحمله الراوي في حال الكفر، وكذا الفسق إذا أداه في حال العدالة " (5).
2) حديث أبي سفيان بقصة هرقل (6) التي كانت قبل إسلامه فقد رواها البخاري في صحيحه كاملة في كتاب بدء الوحي ثم قطعها في مواضع كثيرة مستنبطاً منها في كل مرة حكماً فقهياً أو فائدة جديدة.
ثانياً: البلوغ:
هذا الشرط يتعلق بحالتين من حالات الراوي: حالة السماع والتحمل، ثم حالة الأداء والرواية.
ولقد تنازع العلماء والمحدثون قديماً في ذلك، فمنهم من اشترط سناً معيناً للتحمل، ومنهم من صحح سماع الصغير. وقد ذكر هذا الخلاف الخطيب البغدادي في الكفاية فقال: " قل من كان يكتب الحديث - على ما بلغنا - في عصر التابعين
(1) والآية لا تدل على أن خبر الفاسق مردود إلا إن حمل على الكاذب، وإنما مقصود الآية التوقف في خبر الفاسق حتى يتبين صدقه.
(2)
الكفاية في علم الرواية ص99.
(3)
المصدر نفسه.
(4)
البخاري في كتاب المغازي، باب شهود الملائكة بدراً (4/ 1475)(3798).
(5)
فتح الباري ج2 ص290.
(6)
رجه البخاري في كتاب بدء الوحي، باب 6 حديث رقم (7)، ج1 ص42 - 44 مع الفتح.
وقريباً منه إلا من جاوز حد البلوغ، وصار في عداد من يصلح لمجالسة العلماء ومذاكرتهم، وسؤالهم. وقيل إن أهل الكوفة لم يكن الواحد منهم يسمع الحديث إلا
بعد استكماله عشرين سنة، ويشتغل قبل ذلك بحفظ القرآن وبالتعبد.
وقال قوم: الحد في السماع خمس عشرة سنة، وقال غيرهم: ثلاث عشرة، وقال جمهور العلماء: يصح لمن سنه دون ذلك، وهذا هو عندنا الصواب " (1).
وقد ذهب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه إلى صحة سماع الصغير قبل البلوغ، وقد ترجم لهذه المسألة في كتاب العلم بقوله:"باب متى يصح سماع الصغير؟ " وأورد فيه حديثين:
أولهما: حديث ابن عباس قال:" أقبلت راكباً على أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، وأرسلت الأتان ترتع، فدخلت في الصف، فلم ينكر لك علي"(2).
وثانيهما: حديث محمود بن الربيع قال: " عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو "(3).
وقال العلامة العيني: " ومراده (أي بهذه الترجمة) الاستدلال على أن البلوغ ليس شرطاً في التحمل "(4).
ومن المحدثين من قيده بخمس سنين. قال ابن الصلاح رحمه الله: " والتحديد بخمس هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث من المتأخرين
…
والذي ينبغي في ذلك أن يعتبر في كل صغير حاله على الخصوص، فإن وجدناه مرتفعاً عن حال من لا يعقل فهماً للخطاب ورداً للجواب ونحو ذلك صححنا سماعه، وإن كان دون خمس. وإن لم يكن كذلك لم نصحح سماعه وإن كان ابن خمس بل ابن
(1) الكفاية في علم الرواية ص73.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب متى يصح سماع الصغير حديث رقم (76) ج1 ص205.
(3)
أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب متى يصح سماع الصغير حديث رقم (77) ج1 ص207.
(4)
عمدة القاري شرح صحيح البخاري ج2 ص68.