الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَابُ الثَّامِنُ
فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبِدَعِ وَالْمَصَالِحِ المرسلة والاستحسان
هَذَا الْبَابُ يُضْطَرُّ إِلَى الْكَلَامِ فِيهِ عِنْدَ النَّظَرِ فِيمَا هُوَ/ بِدْعَةٌ وَمَا لَيْسَ بِبِدْعَةٍ؛ فإن كثيراً من الناس عدُّوا أكثر (صور)(1) الْمَصَالِحِ/ الْمُرْسَلَةِ (2) بِدَعًا، وَنَسَبُوهَا إِلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَجَعَلُوهَا حُجَّةً فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ (مِنْ)(3) اخْتِرَاعِ الْعِبَادَاتِ.
وَقَوْمٌ جَعَلُوا الْبِدَعَ تَنْقَسِمُ بِأَقْسَامِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ؛ فَقَالُوا: إِنَّ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ، وعدُّوا مِنَ الْوَاجِبِ كَتْبَ الْمُصْحَفِ وَغَيْرِهِ، وَمِنَ الْمَنْدُوبِ الِاجْتِمَاعُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَصَالِحَ الْمُرْسَلَةَ يَرْجِعُ مَعْنَاهَا إِلَى اعْتِبَارِ الْمُنَاسِبِ (4) الَّذِي لَا يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ، فَلَيْسَ لَهُ عَلَى هَذَا شاهد شرعي على الخصوص،
(1) ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
(2)
اختلفت تعريفات الأصوليين للمصلحة المرسلة، وأفضلها هو تعريف الشاطبي والذي سيأتي في (ص8)، والموافقات (1 16)، وانظر بقية التعريفات في المراجع التالية: المستصفى للغزالي (1 286)، وروضة الناظر (ص148)، ومعالم طريقة السلف في أصول الفقه (ص413 ـ 418)، رحلة الحج للشنقيطي (ص175)، رسالة المصالح المرسلة للشنقيطي، منهج الشنقيطي في تفسير آيات الأحكام (ص340 ـ 348)، وهي رسالة ماجستير بجامعة أم القرى إعداد عبد الرحمن السديس. وقد تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية بكلام مهم في المصالح المرسلة والعمل بها في مجموع الفتاوى (11 342).
(3)
في (م): كلمة غير واضحة.
(4)
المناسب سيذكره الشاطبي مشروحاً (ص7).
ولا كونه (مناسباً)(1) بِحَيْثُ إِذَا عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ. وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الْبِدَعِ الْمُسْتَحْسَنَةِ؛ فَإِنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى أُمُورٍ فِي الدِّينِ مَصْلَحِيَّةٍ ـ فِي زَعْمِ وَاضِعِيهَا ـ فِي الشَّرْعِ عَلَى الْخُصُوصِ.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنْ كَانَ اعْتِبَارُ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ حَقًّا، فَاعْتِبَارُ الْبِدَعِ الْمُسْتَحْسَنَةِ حَقٌّ، لِأَنَّهُمَا يَجْرِيَانِ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ.
/وَإِنْ لَمْ يَكُنِ اعْتِبَارُ الْبِدَعِ حَقًّا، لَمْ يَصِحَّ اعْتِبَارُ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقَوْلَ بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، بَلْ قَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْأُصُولِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
فَذَهَبَ الْقَاضِي (2) وَطَائِفَةٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى رَدِّهِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى لَا يُعْتَبَرُ مَا لَمْ يَسْتَنِدْ إِلَى أَصْلٍ، وَذَهَبَ مَالِكٌ (3) إِلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ (وَبَنَى)(4) الْأَحْكَامَ عَلَيْهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمُعْظَمُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى التَّمَسُّكِ بِالْمَعْنَى/ الَّذِي لَمْ يَسْتَنِدْ إِلَى أَصْلٍ صَحِيحٍ، لَكِنْ بِشَرْطِ قُرْبِهِ مِنْ مَعَانِي الْأُصُولِ الثَّابِتَةِ، هَذَا مَا حَكَى الْإِمَامُ الْجُوَيْنِيُّ (5).
وَذَهَبَ الْغَزَالِيُّ إِلَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ إِنْ وَقَعَ فِي رُتْبَةِ التَّحْسِينِ وَالتَّزْيِينِ لَمْ يُعْتَبَرْ حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ أصل لمعين، وَإِنْ/ وَقَعَ فِي رُتْبَةِ الضَّرُورِيِّ فَمَيْلُهُ إِلَى قَبُولِهِ، لَكِنْ (بِشَرْطٍ) (6). قَالَ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يؤدي إليه اجتهاد/ مجتهد.
(1) في (ط): "قياسا".
(2)
وهو القاضي الباقلاني ووافقه أكثر الشافعية، والمتأخرون من الحنابلة، وبعض الحنفية. انظر: تيسير التحرير (4 171)، والإحكام للآمدي (4 160).
(3)
ذهب مالك إلى أنه حجة مطلقاً، وهو منقول عن الشافعي في القديم. انظر: شرح تنقيح الفصول (446 ـ 447)، وشرح الإسنوي (3 135).
(4)
في (غ) و (ر): "وبناء".
(5)
انظر: البرهان (2 1113).
(6)
في (غ) و (ر): "بشروط".
وَاخْتَلَفَ (قَوْلُهُ)(1) فِي الرُّتْبَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ، وَهِيَ رُتْبَةُ الْحَاجِيِّ (2)، فَرَدَّهُ فِي/ الْمُسْتَصْفَى (3) وَهُوَ آخِرُ قَوْلَيْهِ، وقبله في شفاء الغليل (4) كَمَا قَبِلَ مَا قَبْلَهُ.
وَإِذَا اعْتُبِرَ مِنَ الْغَزَالِيِّ اخْتِلَافُ قَوْلِهِ، فَالْأَقْوَالُ خَمْسَةٌ، فَإِذًا الرَّادُّ لِاعْتِبَارِهَا لَا يَبْقَى لَهُ فِي الْوَقَائِعِ (5) الصَّحَابِيَّةِ مستند إلا أنها (بدع) (6) / مُسْتَحْسَنَةٌ ـ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي الِاجْتِمَاعِ لِقِيَامِ رَمَضَانَ: نِعْمَتِ البدعة هذه ـ إذ لا يمكنهم ردها لإجماعهم عَلَيْهَا.
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الِاسْتِحْسَانِ فَإِنَّهُ ـ عَلَى ما (بينه)(7) الْمُتَقَدِّمُونَ ـ رَاجِعٌ إِلَى الْحُكْمِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَالنَّافِي لَهُ لَا يَعُدُّ الِاسْتِحْسَانَ سَبَبًا، فَلَا يُعْتَبَرُ في الأحكام (الحكمة)(8) البتة، فصار كالمصالح المرسلة (إذ)(9) قِيلَ بِرَدِّهَا.
فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَوْضِعُ مَزَلَّةَ قَدَمٍ لِأَهْلِ الْبِدَعِ أَنْ يَسْتَدِلُّوا عَلَى بِدْعَتِهِمْ من جهته، كان (من)(10) الْحَقُّ الْمُتَعَيَّنُ النَّظَرَ فِي مَنَاطِ الْغَلَطِ الْوَاقِعِ لِهَؤُلَاءِ، حَتَّى (يَتَبَيَّنَ)(11) أَنَّ الْمَصَالِحَ الْمُرْسَلَةَ لَيْسَتْ مِنَ الْبِدَعِ فِي وِرْدٍ وَلَا صَدْرٍ، بِحَوْلِ الله، والله الموفق.
فنقول:/ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبُ (12) الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ الْحُكْمُ لَا يخلو من ثلاثة أقسام:
(2)(1) ما بين القوسين ساقط من (م).
رتبة الحاجيات: هي ما يفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب. انظر: الموافقات (2/ 4).
(3)
انظر: المستصفى (1 293 وما بعدها).
(4)
انظر: شفاء الغليل (ص209)، وللوقوف على تفصيل مسألة المصالح المرسلة راجع المحصول للرازي (2 218 ـ 225)، والإبهاج (3 177 ـ 188)، وفصلها الواعي في البدعة والمصالح المرسلة (ص241 ـ 287)، وحقيقة البدعة وأحكامها لسعيد الغامدي (2 146 ـ 189).
(5)
في: (م) و (ط) و (خ): "في الواقع له في الوقائع الصحابية". وكذلك في (ت) إلا أنه في هامشها كتب: "بحذف في الواقع له".
(6)
في (ط): "بدعة".
(7)
في (م) وفي (خ): "بياض بقدر كلمة وفي (غ) و (ر): صوّر.
(8)
ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
(9)
في (ط) و (غ) و (ر): "إذا".
(10)
ما بين القوسين ساقط من (ط).
(11)
في (م): تبين.
(12)
انظر: رسالة المصالح المرسلة للشنقيطي (ص9)، ورحلة الحج (ص175 ـ 181)،=
أَحَدُهَا: أَنْ يَشْهَدَ الشَّرْعُ بِقَبُولِهِ، فَلَا إِشْكَالَ فِي صِحَّتِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي إِعْمَالِهِ، وَإِلَّا كان مناقضة للشريعة/ (كشرعية)(1) الْقِصَاصِ حِفْظًا لِلنُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ وَغَيْرِهَا.
وَالثَّانِي: مَا شَهِدَ الشَّرْعُ بِرَدِّهِ فَلَا سَبِيلَ إِلَى قَبُولِهِ، إِذِ الْمُنَاسَبَةُ لَا تَقْتَضِي الْحُكْمَ لِنَفْسِهَا، وَإِنَّمَا ذلك مذهب أهل التحسين (والتقبيح)(2) الْعَقْلِيِّ (3)، بَلْ (إِذَا)(4) ظَهَرَ الْمَعْنَى وَفَهِمْنَا مِنَ الشَّرْعِ اعْتِبَارَهُ فِي اقْتِضَاءِ الْأَحْكَامِ، فَحِينَئِذٍ نَقْبَلُهُ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَصْلَحَةِ عِنْدَنَا:/ مَا (فُهِمَ)(5) رِعَايَتُهُ فِي حَقِّ الْخَلْقِ مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ بِدَرْكِهِ عَلَى حَالٍ، فَإِذَا لَمْ يَشْهَدِ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِ ذلك المعنى، بل (برده)(6) كان مردوداً باتفاق المسلمين.
(ومثاله)(7) مَا حَكَى الْغَزَالِيُّ عَنْ بَعْضِ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ أنه دخل على
=والمحصول (3 218 ـ 219)، والمدخل لابن بدران (ص293 ـ 294).
(1)
في باقي النسخ ما عدا (غ) و (ر) كشريعة.
(2)
ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
(3)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ: "وأما مسألة تحسين العقل وتقبيحه ففيها نزاع مشهور بين أهل السنة والجماعة من الطوائف الأربعة وغيرهم. فالحنفية وكثير من المالكية والشافعية والحنبلية يقولون بتحسين العقل وتقبيحه، وهو قول الكرامية والمعتزلة، وهو قول أكثر الطوائف من المسلمين واليهود والنصارى والمجوس وغيرهم، وكثير من الشافعية والمالكية والحنبلية ينفون ذلك، وهو قول الأشعرية، لكن أهل السنة متفقون على إثبات القدر
…
والمعتزلة وغيرهم من القدرية يخالفون في هذا
…
وقد ظن بعض الناس أن من يقول بتحسين العقل وتقبيحه ينفي القدر ويدخل مع المعتزلة في مسألة التعديل والتجوير وهذا غلط بل جمهور المسلمين لا يوافقون المعتزلة على ذلك ولا يوافقون الأشعرية على نفي الحكم والأسباب، بل جمهور طوائف المسلمين يثبتون القدر ويقولون إن الله خالق كل شيء من أفعال العباد وغيرها
…
إلخ. انظر مجموع الفتاوى (8 428 ـ 436)، باختصار. وقد فصل الكلام فيها ابن القيم رحمه الله تعالى في مفتاح دار السعادة (ص334 ـ 446)، وشفاء العليل (ص391 ـ 434).
(4)
في (غ) و (ر): "بياض بمقدار كلمة" وساقطة من (ر).
(5)
في (غ) و (ر): "فهم الشرع".
(6)
في (ط): "يرده".
(7)
في (ط): "ومثال"
بَعْضِ السَّلَاطِينِ فَسَأَلَهُ عَنِ الْوِقَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَقَالَ: عَلَيْكَ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَلَمَّا خَرَجَ رَاجَعَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ (وَقَالُوا لَهُ) (1): الْقَادِرُ عَلَى إِعْتَاقِ الرَّقَبَةِ كَيْفَ يُعْدَلُ بِهِ إِلَى الصَّوْمِ، وَالصَّوْمُ وَظِيفَةُ الْمُعْسِرِينَ، وَهَذَا الْمَلِكُ يَمْلِكُ عَبِيدًا غَيْرَ مَحْصُورِينَ؟ فَقَالَ (لَهُمْ) (2): لَوْ قُلْتُ لَهُ عَلَيْكَ إِعْتَاقُ رَقَبَةٍ لَاسْتَحْقَرَ ذَلِكَ وَأَعْتَقَ عَبِيدًا مِرَارًا، فَلَا يَزْجُرُهُ إِعْتَاقُ الرَّقَبَةِ، وَيَزْجُرُهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.
فَهَذَا الْمَعْنَى مُنَاسِبٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مَقْصُودُ الشَّرْعِ مِنْهَا الزَّجْرُ، وَالْمَلِكُ لَا يَزْجُرُهُ الْإِعْتَاقُ، وَيَزْجُرُهُ الصِّيَامُ. وَهَذِهِ الْفُتْيَا بَاطِلَةٌ/ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ/ بَيْنَ قائلَين: قَائِلٌ بِالتَّخْيِيرِ، وَقَائِلٌ بِالتَّرْتِيبِ، فَيُقَدِّمُ الْعِتْقَ عَلَى الصِّيَامِ، فَتَقْدِيمُ الصِّيَامِ بالنسبة (للغني)(3) لَا قَائِلَ بِهِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَنْ مَالِكٍ شَيْءٌ يُشْبِهُ هَذَا، لَكِنَّهُ عَلَى صَرِيحِ الْفِقْهِ.
قَالَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ (4): "حَنَثَ الرشيد في يمين فجمع العلماء فأجمعوا (على)(5) أَنَّ عَلَيْهِ/ عِتْقَ رَقَبَةٍ. فَسَأَلَ مَالِكًا، فَقَالَ: صيام ثلاثة أيام. (فقال: ثم أنا معدم؟ وقال الله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} فأقمتني مقام المعدم؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين كل ما في يديك ليس لك فعليك صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ)(6). وَاتَّبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ إِسْحَاقُ بن إبراهيم من فقهاء قرطبة (7).
(1) في (م) و (غ) و (ر): "وقال".
(2)
ما بين القوسين ساقط من (م) و (غ) و (ر).
(3)
في (غ) و (ر): "إلى الغني".
(4)
هو: يحيى بن عبد الله بن بكير المصري ولد سنة 155هـ سمع من مالك، والليث بن سعد وابن لهيعة وغيرهم، وأخرج له الشيخان وابن ماجه، ومات 231هـ. انظر: التاريخ الكبير (8 284)، والجرح والتعديل (9 165)، وسير أعلام النبلاء (10 612)، وتهذيب التهذيب (1 237).
(5)
ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
(6)
ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
(7)
هو: شيخ المالكية بقرطبة، أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم بن مسرة التجيبي، فقيه قدوة، مات في 352هـ، هكذا قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (16 79 ـ 80)، وكرر ترجمته في (16 107)، وذكر أنه توفي في 354هـ، وذكر الضبي ترجمته في بغية الملتمس (1 287)، أنه توفي سنة 352 هـ، ومثله الحميدي في جذوة المقتبس (1 258)، ومثله ابن الفرضي في تاريخ علماء الأندلس (1/ 143).
(حَكَى)(1) ابْنُ بِشْكُوَالَ (2) أَنَّ الْحَكَمَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (3) أرسل (للفقهاء)(4) وَشَاوَرَهُمْ فِي مَسْأَلَةٍ نَزَلَتْ بِهِ، (فَذَكَرَ)(5) لَهُمْ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ عَمَدَ إِلَى إِحْدَى كَرَائِمِهِ (6) وَوَطِئَهَا فِي رَمَضَانَ؛ فَأَفْتَوْا بِالْإِطْعَامِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَاكِتٌ. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: مَا يَقُولُ الشَّيْخُ فِي فَتْوَى أَصْحَابِهِ؟ / فَقَالَ لَهُ (إسحاق)(7): لَا أَقُولُ بِقَوْلِهِمْ، وَأَقُولُ بِالصِّيَامِ./ فَقِيلَ لَهُ: أليس مذهب مالك الإطعام؟ فقال لهم: (لم تحفظوا)(8) مَذْهَبَ مَالِكٍ، (إِلَا إِنْ كُنْتُمْ)(9) تُرِيدُونَ مُصَانَعَةَ أمير المؤمنين (10)،/ إنما أمر مالك بِالْإِطْعَامِ لِمَنْ لَهُ مَالٌ، وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَا مال له، إنما هو (مال بيت)(11) المسلمين. فأخذ بقوله أمير المؤمنين (وشكره)(12) عليه. انتهى.
وَهَذَا صَحِيحٌ، نَعَمْ حَكَى ابْنُ بَشْكُوَالَ أَنَّهُ اتَّفَقَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ مِثْلُ هَذَا فِي رَمَضَانَ، فَسَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ تَوْبَتِهِ مِنْ ذلك
(1) في (غ) و (ر): "بياض بمقدار كلمة".
(2)
هو الإمام محدث الأندلس أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن موسى بن بشكوال الأنصاري القرطبي، ولد سنة 494هـ؛ وله عدة تصانيف، ومات في سنة 578هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (21 139)، والوفيات لابن خلكان (2 240)، وابن كثير في البداية والنهاية (12 312)، وابن العماد في شذرات الذهب (4 261).
(3)
هو: الحكم بن عبد الرحمن بن محمد المستنصر بالله، كان حسن السيرة، جامعاً للعلم، مكرماً للأفاضل، جمع من الكتب ما لم يجمعه أحد من الملوك، ولد في سنة 302هـ، ومات سنة 366هـ. انظر: تاريخ علماء الأندلس (1 31)، وبغية الملتمس (1 40)، وجذوة المقتبس (1 42)، وسير أعلام النبلاء (8 269)، وكررها في (16 230)، ونفح الطيب (1 386).
(4)
في (ط) و (م) و (خ) و (غ) و (ر): "في الفقهاء".
(5)
في (ت): "وذكر".
(6)
علق رشيد رضا (2 114)، هنا فقال: المراد بكرائمه عقائل نسائه الحرائر، لا بناته كما هو المستعمل في عرف زماننا.
(7)
ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
(8)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "تحفظون".
(9)
في (ط) و (ت) و (خ): "أنكم".
(10)
في (م) زيادة: "فقال لهم". وفي (غ) و (ر): "قال لهم".
(11)
في (غ) و (ر): "بيت مال".
(12)
في سائر النسخ ما عدا (ت): "وشكر له".
(وَكَفَّارَتِهِ)(1). فَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (2): يُكَفِّرُ ذَلِكَ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. فَلَمَّا (بَرَزَ)(3) ذَلِكَ مِنْ يَحْيَى سَكَتَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ حَتَّى خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ، فَقَالُوا لِيَحْيَى: مَا لَكَ لَمْ تُفْتِهِ بِمَذْهَبِنَا عَنْ مَالِكٍ (مِنْ)(4) أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ العتق (والإطعام)(5) وَالصِّيَامِ؟ فَقَالَ لَهُمْ: لَوْ فَتَحْنَا (لَهُ)(6) هَذَا الْبَابَ سَهُلَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ كُلَّ يَوْمٍ وَيُعْتِقَ رَقَبَةً، وَلَكِنْ حَمَلْتُهُ عَلَى أَصْعَبِ الْأُمُورِ لِئَلَّا يَعُودَ (7).
فَإِنْ صَحَّ هَذَا عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى رحمه الله، وَكَانَ كَلَامُهُ عَلَى ظاهره، كان مخالفاً للإجماع.
(القسم)(8) الثَّالِثُ: مَا سَكَتَتْ عَنْهُ الشَّوَاهِدُ الْخَاصَّةُ، فَلَمْ تَشْهَدْ بِاعْتِبَارِهِ وَلَا بِإِلْغَائِهِ، فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
/أَحَدُهُمَا: (أَنْ)(9) يَرِدَ نَصٌّ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ المعنى، كتعليل منع (القاتل الميراث بالمعاملة)(10) بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ (عَلَى)(11) تَقْدِيرِ أَنْ لَمْ يَرِدْ نَصٌّ عَلَى وَفْقِهِ، (فَإِنَّ)(12) هَذِهِ الْعِلَّةَ لَا عَهْدَ بِهَا فِي تَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ بِالْفَرْضِ/ وَلَا (تلائمها)(13) بِحَيْثُ يُوجَدُ لَهَا جِنْسٌ مُعْتَبَرٌ، فَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهَا، وَلَا بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا بِاتِّفَاقٍ، وَمِثْلُ هَذَا تَشْرِيعٌ مِنَ الْقَائِلِ بِهِ/ فَلَا يمكن قبوله.
(1) ما بين القوسين ساقط من (غ) و (ر).
(2)
هو: يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس بن شملال فقيه الأندلس المصمودي القرطبي، ولد سنة 152هـ، ومات سنة 234هـ. انظر: تاريخ علماء الأندلس (2 898)، وبغية الملتمس (2 685) وجذوة المقتبس (2 609)، وسير أعلام النبلاء (10 519)، وتهذيب التهذيب (11 300)، وغيرها.
(3)
في (ر): "بدر".
(4)
ما بين القوسين ساقط من (غ) و (ر).
(5)
في سائر النسخ ما عدا (ت): "الطعام".
(6)
ما بين القوسين ساقط من (م).
(7)
انظر القصة في: ترتيب المدارك (2/ 542)، ووفيات الأعيان (6/ 145)، ونفح الطيب (2/ 10 ـ 11).
(8)
ما بين القوسين زيادة من (ت).
(9)
في (م): "ألا".
(10)
في باقي النسخ مع عدا (غ) و (ر): "القتل للميراث فالمعاملة".
(11)
زيادة من (م) و (غ) و (ر).
(12)
في (غ) و (ر): "بأن".
(13)
في باقي النسخ ما عدا (غ) و (ر): "بملائمها".
وَالثَّانِي: أَنْ يُلَائِمَ تَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ، وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ لِذَلِكَ الْمَعْنَى جِنْسٌ اعْتَبَرَهُ (الشَّارِعُ)(1) فِي الْجُمْلَةِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ الِاسْتِدْلَالُ الْمُرْسَلُ (2) الْمُسَمَّى بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ/ وَلَا بُدَّ مِنْ بَسْطِهِ بالأمثلة حتى يتبين وجهه بحول الله تعالى.
ولنقتصر على عشرة أمثلة:
(أَحَدُهَا)(3): أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اتفقوا على جمع (القرآن في)(4) الْمُصْحَفِ، وَلَيْسَ ثَمَّ نَصٌّ عَلَى جَمْعِهِ وكَتْبه أَيْضًا، بَلْ قَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: كَيْفَ نَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ/ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه مَقْتَلَ (أَهْلِ)(5) الْيَمَامَةِ، وإذا عنده عمر رضي الله عنه فقال أَبُو بَكْرٍ:(إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ)(5): إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ استحرَّ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يستحرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا، فَيَذْهَبَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ لِي: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِي ذَلِكَ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لَهُ، وَرَأَيْتُ فِيهِ الَّذِي رَأَى عُمَرُ./ قَالَ زَيْدٌ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا (نَتَّهِمُكَ)(6)، قَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ.
قَالَ زَيْدٌ: فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنْ
(1) في (م) و (غ) و (ر): "الشرع".
(2)
الاستدلال يقصد به أحد معنيين: أحدهما: مثل الاستصلاح تماماً، والاستصلاح هو: ترتيب الحكم الشرعي على المصلحة المرسلة. فهو ـ كما يقول ابن بدران ـ: اتباع المصلحة المرسلة. والثاني: ما يشمل الأدلة المختلف فيها، وترتيب الأحكام على وفقها كالاستصحاب والاستحسان وغيرهما. انظر: المدخل لابن بدران (ص293)، وضوابط المصلحة للبوطي (ص352).
(3)
في (ط): "المثال الأول".
(4)
ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
(5)
ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
(6)
في (م): "كلمة غير واضحة". وفي (خ): "لا تقصر".
ذَلِكَ. فَقُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ يراجعني في ذلك أبو بكر (وعمر)(1) حتى شرح الله صدري للذي شرح (صدورهما له)(2) فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والعسب (3) واللخاف (4) ومن صدور (الرجال)(5). (فوجدت آخر سورة براءة مع حذيفة بن ثابت {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} حتى ختم السورة)(6).
فَهَذَا عَمَلٌ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ خِلَافٌ عَنْ أحد من الصحابة رضي الله عنهم.
ثُمَّ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ كَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّامِ (مع أهل)(7) الْعِرَاقِ فِي فَتْحِ أَرْمِينِيَّةَ (8) وَأَذْرَبِيجَانَ (9)، فَأَفْزَعَهُ اخْتِلَافُهُمْ/ فِي الْقُرْآنِ، فَقَالَ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَدْرِكْ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ كَمَا اخْتَلَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إلى حفصة:(أن)(10)
(1) ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
(2)
في (ط) و (غ) و (ر): "له صدورهما". وفي (خ) و (ت): "صدورهما".
(3)
العسب هو جريد النخل. انظر: لسان العرب مادة عسب.
(4)
اللخاف: بالكسر: هو حجارة بيض عريضة رقاق واحدتها (لخْفة)، انظر: لسان العرب مادة لخف.
(5)
في باقي النسخ ما عدا (غ) و (ر): "الرجل".
(6)
ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر)، والحديث أخرجه البخاري (4986 و7191)، وأبو داود الطيالسي في مسنده (ص3)، وأبو عبيد في فضائل القرآن (3 ـ 49)(ص152)، وبرقم (8 ـ 49)(ص155)، وأحمد في المسند (77 و21135)، والترمذي (3103)، والنسائي في السنن الكبرى (7995 و8002 و8288)، وأبو بكر المروزي في مسند الصديق (45)، وأبو يعلى في مسنده (64، 65، 71، 91)، وابن أبي داود في المصاحف (12 و13 و14) وابن حبان (4506 و4507)، والطبراني في الكبير (4901 ـ 4903)، والبيهقي في السنن (2202 و20193)، وأخرجه مختصراً جداً أبو علي الأشيب في جزئه (47).
(7)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "وأهل".
(8)
بفتح الهمزة وقيل بكسرها، بلاد واسعة تقع بين أران وبلاد الكرج والروم والجزيرة وأذربيجان. معجم البلدان (1 160).
(9)
تقع بين أران وإرمينية والجزيرة والعراق وجيلان والديلم، وأهم مدنها تبريز. انظر: معجم البلدان (1 128).
(10)
ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
أَرْسِلِي (إِلَيَّ بِالصُّحُفِ)(1) / نَنْسَخُهَا/ فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نردها عليك. فأرسلت حفصة (به)(2) إِلَى عُثْمَانَ، فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَإِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بن العاصي (3) وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ (4) فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَنْسَخُوا (الصُّحُفَ)(5) فِي الْمَصَاحِفِ، ثُمَّ قَالَ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلَاثَةِ:/ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ (أَنْتُمْ)(6) وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ؛ فَإِنَّهُ نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ.
قَالَ: فَفَعَلُوا، حَتَّى (إِذَا)(7) نَسَخُوا (الصُّحُفَ)(8) فِي الْمَصَاحِفِ، بَعَثَ عُثْمَانُ فِي كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِنْ تِلْكَ الْمَصَاحِفِ/ الَّتِي نَسَخُوهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ (9).
فَهَذَا أَيْضًا إِجْمَاعٌ آخَرُ فِي كَتْبِهِ، وَجَمْعِ الناس على قراءة (لا)(10)
(1) في (م) و (غ) و (ر): "بالصحف". وفي (ت): "بالمصحف" وكتب في هامشها: "بالصحيفة".
(2)
في (م): "بالصحف". وفي (خ) و (ت): "إلي بالمصحف. وفي رواية البخاري والترمذي: إلينا بالصحف.
(3)
هو: سعيد بن العاص بن أبي أحيحة القرشي الأموي، قال أبو حاتم: له صحبة، وقال الذهبي: لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن عمر وعائشة، وهو مقل. مات سنة 57 أو 58هـ. انظر: التاريخ الكبير (3 502)، وطبقات ابن سعد (5 30)، وتاريخ الطبري (5 293)، ومعجم الطبراني الكبير (6 73). وسير أعلام النبلاء (3 444).
(4)
هو عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، قال الذهبي: ولا صحبة لعبد الرحمن، بل له رؤية، وتلك صحبة مقيدة. وروى عن أبيه، وعمر، وعثمان، وعلي، وأم المؤمنين حفصة، وطائفة ومات قبل معاوية. انظر: التاريخ الكبير (5 272)، وطبقات ابن سعد (5 5)، وسير أعلام النبلاء (3 484).
(5)
في (م) و (خ) و (ت): "المصحف"، وفي (غ) و (ر)، ورواية البخاري والترمذي: الصحف في المصاحف.
(6)
ما بين القوسين ساقط من (غ) و (ر).
(7)
زيادة من (ط) و (غ) و (ر).
(8)
في (خ): "المصحف".
(9)
أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن (4987)، والترمذي (3104)، والنسائي في السنن الكبرى (7988)، وأبو يعلى (92)، وابن حبان (4507).
(10)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "لم".
يحصل منها فِي الْغَالِبِ اخْتِلَافٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا إِلَّا فِي الْقِرَاءَاتِ حَسْبَمَا نَقَلَهُ الْعُلَمَاءُ الْمُعْتَنُونَ بِهَذَا الشَّأْنِ. فَلَمْ يُخَالِفْ فِي الْمَسْأَلَةِ إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَإِنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ طَرْحِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْقِرَاءَةِ الْمُخَالِفَةِ لِمَصَاحِفِ عُثْمَانَ، وَقَالَ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، وَيَا أَهْلَ الْكُوفَةِ اكْتُمُوا الْمَصَاحِفَ الَّتِي عِنْدَكُمْ وَغُلُّوهَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ:{وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (1)، (فالقوا الله بِالْمَصَاحِفِ)(2).
فَتَأَمَّلْ كَلَامَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي جَمْعِهِ، وَإِنَّمَا خَالَفَ (أَمْرًا)(3) آخَرَ، وَمَعَ ذَلِكَ فقد قال ابن (شهاب) (4): بَلَغَنِي أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رِجَالٌ مِنْ أَفَاضِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (5).
وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَا صَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمْ رَأَوْهُ مَصْلَحَةً تُنَاسِبُ تَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ قَطْعًا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى حِفْظِ الشَّرِيعَةِ/ وَالْأَمْرُ بِحِفْظِهَا مَعْلُومٌ، وَإِلَى مَنْعِ الذَّرِيعَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي أَصْلِهَا الَّذِي هُوَ الْقُرْآنُ، وَقَدْ عُلم النَّهْيُ عَنِ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ.
وَإِذَا اسْتَقَامَ هَذَا الْأَصْلُ فَاحْمِلْ عَلَيْهِ كَتْبَ الْعِلْمِ مِنَ السُّنَنِ وَغَيْرِهَا، إِذَا خِيفَ عَلَيْهَا الِانْدِرَاسُ، زِيَادَةً عَلَى مَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنَ الْأَمْرِ بكَتْبِ الْعِلْمِ.
وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَكُونَ كَتْبَ هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي وَضَعْتُ يَدِي فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنِّي رَأَيْتُ بَابَ الْبِدَعِ فِي كَلَامِ العلماء مُغْفَلاً جداً إلا من النقل (الجملي)(6) / كما (نقل)(7) ابن وضاح (8)، أو يؤتى (فيه)(9) بأطراف من
(1) سورة آل عمران: الآية (161).
(2)
في سائر النسخ: "وألقوا إليه بالمصاحف، والمثبت من (غ) و (ر) وسنن الترمذي، والأثر أخرجه الترمذي بعد سياقه للحديث السابق، وأخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (6 ـ 49).
(3)
في (غ) و (ر): "في أمر".
(4)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "هشام"، والصواب ابن شهاب، وفي الترمذي (3104) قال الزهري.
(5)
انظر: الترمذي (3104).
(6)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "الجلي".
(7)
في (ر): "فعل".
(8)
الإمام الحافظ المحدث أبو عبد الله محمد بن وضاح المرواني، تقدمت ترجمته (1 39).
(9)
ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
الْكَلَامِ لَا (يَشْفِي)(1) الْغَلِيلَ بِالتَّفَقُّهِ فِيهِ/ كَمَا ينبغي، ولم (أجده)(2) عَلَى شِدَّةِ بَحْثِي عَنْهُ إِلَّا مَا وَضَعَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الطَّرْطُوشِيُّ (3)، وَهُوَ يَسِيرُ فِي جَنْبِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِيهِ، وَإِلَّا مَا وَضَعَ النَّاسُ فِي الْفِرَقِ الثِّنْتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ، وَهُوَ فَصْلٌ مِنْ فُصُولِ الْبَابِ وَجُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ، فأخذت نفسي بالعناء فيه، عسى (الله أن ينفع)(4) به واضعه، وقارئه، وَنَاشِرُهُ، وَكَاتِبُهُ، وَالْمُنْتَفِعُ بِهِ، وَجَمِيعُ (الْمُسْلِمِينَ)(5)، إِنَّهُ ولي ذلك ومسديه (بسعة)(6) رحمته.
/الْمِثَالُ الثَّانِي:
اتِّفَاقُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ (7)، وَإِنَّمَا مُسْتَنَدُهُمْ فِيهِ الرُّجُوعُ إِلَى الْمَصَالِحِ وَالتَّمَسُّكُ بِالِاسْتِدْلَالِ الْمُرْسَلِ.
قَالَ الْعُلَمَاءُ: لَمْ يَكُنْ فِيهِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدٌّ مُقَدَّرٌ، وَإِنَّمَا جَرَى الزَّجْرُ فِيهِ مَجْرَى التَّعْزِيرِ، وَلَمَّا انْتَهَى الْأَمْرُ إِلَى أبي بكر رضي الله عنه (قدره)(8) عَلَى طَرِيقِ النَّظَرِ بِأَرْبَعِينَ، ثُمَّ/ انْتَهَى الْأَمْرُ إلى (عمر)(9) رضي الله عنه فَتَتَابَعَ النَّاسُ، فَجَمَعَ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم فَاسْتَشَارَهُمْ؛ فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه/
(1) في (ت): "تشفي".
(2)
في (ط) و (خ) و (ت): "أجد" وفي (ر): "لم أجده".
(3)
في (غ) و (ر): "أبو الوليد الطرطوشي"، والمشهور أنه أبو بكر وهو أبو بكر محمد بن الوليد بن خلف بن سليمان الأندلسي الطرطوشي، تقدمت (4) ترجمة (1 261).
(5)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "أن ينتفع".
(6)
ما بين القوسين ساقط من (غ) و (ر).
(7)
في (م): "سعة".
(8)
ضرب شارب الخمر ثمانين أخرجه من حديث السائب بن يزيد، البخاري برقم (6779) وأحمد (3/ 449) والبيهقي في السنن الكبرى (17314)، وأخرجه من حديث أنس بن مالك، البيهقي في السنن الكبرى (17310 ـ 17313) وأخرجه من حديث عبد الرحمن بن أزهر، أبو داود (4488، 4489) والطبراني في الأوسط (1916) وفي الكبير (1003) والدارقطني في سننه (227) والبيهقي في السنن الكبرى (17315 ـ 17320)، وأخرجه من حديث وبرة الكلبي البيهقي في الكبرى (17317)، وأخرجه من حديث ابن عباس، البيهقي في الكبرى (17321، 17322) وأخرجه من حديث علي بن أبي طالب، البيهقي في الكبرى (17324، 17325) وأخرجه من حديث عبد الله بن أبي الهذيل، البيهقي (17323).
(9)
في (غ) و (ر) و (ط): "قرره".
(10)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "عثمان".
مَنْ سَكِرَ (هَذَى)(1) وَمَنْ (هَذَى)(13) افْتَرَى، فَأَرَى عَلَيْهِ حَدَّ الْمُفْتَرِي (2).
وَوَجْهُ إِجْرَاءِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الاستدلال المرسل (3) أن الصحابة (رأوا)(4) الشَّرْعَ (يُقِيمُ)(5) الْأَسْبَابَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مَقَامَ الْمُسَبَّبَاتِ، وَالْمَظِنَّةَ مَقَامَ الْحِكْمَةِ، فَقَدْ جَعَلَ الْإِيلَاجَ/ فِي أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ يَجْرِي مَجْرَى الْإِنْزَالِ، وَجَعَلَ الْحَافِرَ لِلْبِئْرِ فِي مَحَلِّ الْعُدْوَانِ وَإِنْ لَمْ يكن ثم مُرد كَالْمُرْدِي نَفْسَهُ، وَحَرَّمَ الْخَلْوَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ حَذَرًا مِنَ الذَّرِيعَةِ إِلَى الْفَسَادِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ (المسائل)(6)، فَرَأَوُا الشُّرْبَ ذَرِيعَةً إِلَى الِافْتِرَاءِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ (كثرة)(7) الهذيان (عند السكر)(8) فإنه (أول)(9) سابق إلى السكران.
(1) في (ط): "هذر"، والهذر: الكلام الذي لا يعبأ به، وهو قريب من الهذيان، لأن الهذيان: كلام غير معقول، وهذى: إذا هذر بكلام لا يفهم. انظر: لسان العرب، مادة هذر وهذى.
(2)
انظر: الموطأ (1533)، ومصنف عبد الرزاق (7 378) برقم (13542)، ومسند الشافعي (ص286) وبنحوه أخرجه النسائي في السنن الكبرى (5289) والحاكم (8131، 8132)، وذكر الأثر ابن حجر في التلخيص الحبير (4 75)، وبيّن أنه منقطع من رواية مالك، وقد وصله النسائي والحاكم، وقال:"وفي صحته نظر لما ثبت في الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين، فلما كان عمر استشار الناس، فقال عبد الرحمن: أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر"، ولا يقال: يحتمل أن يكون عبد الرحمن وعلي أشارا بذلك جميعاً لما ثبت في صحيح مسلم عن علي في جلد الوليد بن عقبة أنه جلده أربعين وقال: جلد رسول الله أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلُّ سنة، وهذا أحبّ إليّ، فلو كان هو المشير بالثمانين ما أضافها إلى عمر، ولم يعمل بها لكن يمكن أن يقال: إنه قال لعمر باجتهاده، ثم تغير اجتهاده".
(3)
وانظر ما ذكره الغزالي في هذه المسألة، وإجرائها على المصالح المرسلة في: المستصفى (1 305 ـ 306).
(4)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "أو".
(5)
في (م) و (خ): "تقيم". وفي تعليق المطبوعة (في نسخة ثانية ـ الشريعة تقيم ـ كما يستفاد من هامش الأصل).
(6)
في (ط) و (م) و (خ): "الفساد". وفي (ت): "المفاسد". وصححت في هامشها بـ"المسائل".
(7)
في (م): "كثرة هذا".
(8)
ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
(9)
في (م): "أو".
قَالُوا: فَهَذَا مِنْ/ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ عَلَى (إِسْنَادِ)(1) الْأَحْكَامِ إِلَى الْمَعَانِي الَّتِي (لَا أَصُولُ)(2) لَهَا ـ يعني على (الخصوص)(3) ـ وهو مقطوع (به)(4) من الصحابة رضي الله عنهم.
المثال الثالث:
إن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم قَضَوْا بِتَضْمِينِ الصُّنَّاعِ. قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إِلَّا ذَاكَ (5).
وَوَجْهُ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ أَنَّ النَّاسَ لَهُمْ حَاجَةٌ إِلَى الصُّنَّاعِ، وَهُمْ يَغِيبُونَ عَنِ الْأَمْتِعَةِ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ، وَالْأَغْلَبُ عَلَيْهِمُ التَّفْرِيطُ، وَتَرْكُ الْحِفْظَ، فَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ تَضْمِينُهُمْ مَعَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ إِلَى اسْتِعْمَالِهِمْ لَأَفْضَى ذَلِكَ إِلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا تَرْكُ الِاسْتِصْنَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَذَلِكَ شَاقٌّ عَلَى/ الْخَلْقِ، وإما أن يعملوا ولا يضمنوا (عند دعواهم)(6) الْهَلَاكَ وَالضَّيَاعَ، فَتَضِيعُ الْأَمْوَالُ، وَيَقِلُّ الِاحْتِرَازُ، وَتَتَطَرَّقُ الخيانة، فكانت المصلحة (في)(7) التَّضْمِينَ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إِلَّا (ذَاكَ)(8).
/وَلَا يُقَالُ: إِنَّ هَذَا (نَوْعٌ)(9) من الفساد؛ وهو تضمين البريء، إذ
(1) في (م): "إسقاط".
(2)
في (م): "الأصول".
(3)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "الخصوص به".
(4)
ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
(5)
أخرجه الشافعي في الأم (7/ 96) ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (11444). وقال الشافعي: وقد روى من وجهٍ لا يثبت أهل الحديث مثله أن علي بن أبي طالب ضمّن الغسّال والصباغ وقال: لا يصلح الناس إلا ذلك". وأخرجه من نفس الطريق ابن أبي شيبة (4/ 360) رقم (21051)، وابن حزم في المحلى (8/ 202) وضعف سند الأثر ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 61) ثم ذكر متابعتين للأثر.
وانظر مسألة تضمين الصناع والكلام فيها في: المغني (6 105 ـ 115)، والمعيار المعرب (13 162 ـ 171)، والمدونة (3 372 ـ 385).
(6)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "ذلك بدعواهم".
(7)
ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
(8)
في (م) و (غ) و (ر): "ذلك".
(9)
في (م) و (خ): "النوع".
لَعَلَّهُ مَا أَفْسَدَ وَلَا فَرَّطَ؛ فَالتَّضْمِينُ مَعَ/ (هذا)(1)(الإمكان نوع)(2) مِنَ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إِذَا تَقَابَلَتِ الْمَصْلَحَةُ والمضرة فشأن العقلاء النظر إلى التفاوت، ووقوع التَّلَفِ مِنَ الصُّنَّاعِ مِنْ غَيْرِ تَسَبُّبٍ وَلَا تفريط بعيد، (والغالب)(3)(عند فوات)(4) الأموال (أنها)(5) لَا تَسْتَنِدُ إِلَى التَّلَفِ السَّمَاوِيِّ، بَلْ تَرْجِعُ إلى صنع العباد على (وجه)(6) الْمُبَاشَرَةِ أَوِ التَّفْرِيطِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: (لَا ضَرَرَ ولا ضرار)(7)، وتشهد لَهُ الْأُصُولُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (نهى)(8) أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَقَالَ:(دَعِ النَّاسَ (9) يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ) (10)، وَقَالَ: (لَا تلقوا الركبان بالبيع، حتى يهبط
(1) في (ط) و (ت): "ذلك".
(2)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "كان نوعاً".
(3)
في (ت): "وغالب".
(4)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "الفوت فوت".
(5)
في (ط) و (خ) و (ت): "وأنها".
(6)
ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
(7)
قال الألباني في إرواء الغليل (896): صحيح، روي من حديث عبادة بن الصامت، وعبد الله بن عباس، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، جابر بن عبد الله، وعائشة بنت أبي بكر الصديق، وثعلبة بن أبي مالك القرظي، وأبي لبابة رضي الله عنهم. ثم ساق التخريج مطولاً، وأهم من عزى إليه الحديث هم: ابن ماجه (2340 و2341)، والإمام أحمد في المسند (1 313) و (5 326 ـ 327)، والطبراني في الكبير (3 136 1) و (1 70 1)، وفي الأوسط (1 141)، والدارقطني (522)، والبيهقي في السنن الكبرى (6 69)، ومالك في الموطأ (2 745 31). ثم قال ـ حفظه الله ـ: فهذه طرق كثيرة لهذا الحديث قد جاوزت العشر، وهي وإن كانت ضعيفة مفرداتها؛ فإن كثيراً منها لم يشتد ضعفها، فإذا ضم بعضها إلى بعض تقوى الحديث
…
انظر: الإرواء (3 408 ـ 414).
(8)
في (ط) و (م): "نهى عن".
(9)
في (ت): "الناس في غفلاتهم".
(10)
هذا الحديث أخرجه جم كبير من أهل العلم، منهم البخاري في الصحيح (2158 ـ 2163)، ومسلم (1413 و1515 و1520 ـ 1523)، ومالك في الموطأ (1366) وأبو داود الطيالسي (1752 و1930) وأحمد في المسند (1 163 و368)(2 42 و153 و238 و243 و254 و274 و379 و394 و402 و420 و465 و481 و484، و487 و491، 501 و512 و525)، (3 307 و312 و386 و392)، (4 314)، (5 11)، وإسحاق بن راهويه (159)، وابن الجعد (2637 و2775 و3014)، وابن ماجه (2175 ـ 2177)، والترمذي (1222 و1223)، والنسائي (3239 و4492 ـ 4497=
بِالسِّلَعِ (إِلَى)(1) الْأَسْوَاقِ) (2) وَهُوَ مِنْ بَابِ تَرْجِيحِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْخَاصَّةِ، فَتَضْمِينُ الصُّنَّاعِ من ذلك القبيل.
/الْمِثَالُ الرَّابِعُ:
أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الضَّرْبِ بِالتُّهَمِ (3)، وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى جَوَازِ السَّجْنِ فِي التُّهَمِ (4)، وَإِنْ كَانَ السَّجْنُ نَوْعًا مِنَ الْعَذَابِ/، وَنَصَّ أَصْحَابُهُ عَلَى جَوَازِ الضَّرْبِ (5)، وَهُوَ عِنْدَ الشُّيُوخِ مِنْ قَبِيلِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ
=و4500 و4502 و4506 و4507)، وابن الجارود في المنتقى (563 و573 و577)، وأبو يعلى (643 و644 و1839 و2169 و2767 و2776 و2838 و5807 و5884 و5887 و6187 و6345)، وابن حبان (4960 ـ 4967)، والطبراني في الصغير (466)، وفي الأوسط (1139)، وفي الكبير (6930 و7487 و10923 و13280 و13545 و13547) وغيرهم.
من حديث جابر رضي الله عنه، بلفظ:(لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض).
(1)
ساقطة من (م) و (غ) و (ر).
(2)
أخرجه البخاري (2165)، ومسلم (1517)، ومالك (1366)، وأحمد (2 156 و394 و465)، (4 314)، وابن ماجه (2179)، وأبو داود برقم (3436)، والنسائي (4487 و4496)، وأبو يعلى (6321 و6345)، والدارقطني (3 275)، والبيهقي في السنن الكبرى (10697) وغيرهم.
(3)
اختلف العلماء، في الإقرار بالإكراه سواء كان الإكراه بالضرب أو بغيره على قولين: الأول: ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة والظاهرية إلى إلغاء الإقرار وعدم ترتب أي أثر عليه. الثاني: مذهب المالكية في العموم، عدم لزوم الإقرار للمستكره بغير حق؛ أي أن المستكره بعد زوال الإكراه مخير بين أن يجيز الإقرار وبين ألا يجيزه. انظر عدد من المسائل في الضرب بالتهم في: المعيار المعرب (2 379 ـ 380 و403 و433 ـ 434)، وانظر: جامع أحكام القرآن للقرطبي (10 118 ـ 125) في تفسير سورة النحل: الآية (106)، وأحكام القرآن لابن العربي (1 233 ـ 234)، في تفسير سورة البقرة: الآية (356) وفي (3 1086)، في تفسير سورة يوسف: الآية (33) وفي (3 1176)، في تفسير سورة النحل: الآية (106)، وفي (3 1297 ـ 1298)، في تفسير سورة الحج: الآية (40)، وراجع المستصفى للغزالي (1 141). وتفصيل الخلاف في الفقه الإسلامي للزحيلي (5 408 ـ 409).
(4)
انظر تفصيل المسألة في: الطرق الحكمية لابن القيم (ص110 وما بعدها).
(5)
وذكر الغزالي أن مالكاً قال بجواز ضرب المتهم للاستنطاق، انظر: المستصفى (1 141).
لَمْ (يَكُنِ)(1)(الضَّرْبُ وَالسَّجْنُ)(2) بِالتُّهَمِ لَتَعَذَّرَ اسْتِخْلَاصُ الْأَمْوَالِ مِنْ أَيْدِي السرَّاق، والغصَّاب، إِذْ قَدْ يَتَعَذَّرُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، فَكَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي التَّعْذِيبِ وسيلة إلى التحصيل بالتعيين (أو)(3) الإقرار.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا فَتْحُ بَابِ (تَّعْذِيبِ)(4) الْبَرِيءِ. (قِيلَ)(5): (فَفِي)(6) الْإِعْرَاضِ عَنْهُ إِبْطَالُ اسْتِرْجَاعِ الْأَمْوَالِ، بَلِ الْإِضْرَابُ عَنِ التَّعْذِيبِ أَشَدُّ ضَرَرًا، إِذْ لَا يُعَذَّبُ أَحَدٌ (لِمُجَرَّدِ)(7) الدَّعْوَى، بَلْ مَعَ اقْتِرَانِ (قَرِينَةٍ)(8) تَحِيكُ فِي النَّفْسِ، وَتُؤَثِّرُ فِي الْقَلْبِ نَوْعًا مِنَ الظَّنِّ؛ فَالتَّعْذِيبُ ـ فِي الْغَالِبِ ـ لا يصادف البريء، وإن أمكن مصادفته (فمغتفر)(9)، كما اغتفر فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ.
فَإِنْ قِيلَ:/ لَا فَائِدَةَ (فِي الضَّرْبِ)(10)، وَهُوَ لَوْ أَقَرَّ لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ.
فَالْجَوَابُ: إِنَّ لَهُ فائدتين (11):
أحدهما: أَنْ يُعَيِّنَ الْمَتَاعَ، فَتَشْهَدُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِرَبِّهِ، وَهِيَ/ فَائِدَةٌ ظَاهِرَةٌ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ غَيْرَهُ قَدْ يَزْدَجِرُ حَتَّى لَا يَكْثُرَ الْإِقْدَامُ/ فَتَقِلَّ أَنْوَاعُ هَذَا الْفَسَادِ.
/وَقَدْ عَدَّ لَهُ سَحْنُونُ (12) فَائِدَةً ثالثة: وهو الإقرار حالة التعذيب؛
(1) في (غ) و (ر): "يثبت".
(2)
في (ر): كتبت هكذا: (السجنخ والضربق) إشارة إلى تقديم كلمة (الضرب) على كلمة (السجن).
(3)
في (ط) و (خ): "و".
(4)
في (ط): "التعذيب". وفي (ت): "لتعذيب".
(5)
ما بين القوسين ساقط من (غ).
(6)
في (ت): "في".
(7)
في (غ) و (ر): "بمجرد".
(8)
في (غ) و (ر): "تهمة".
(9)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "فتغتفر".
(10)
في (غ) و (ر): "للضرب".
(11)
في (ت): "فائدتان".
(12)
هو: فقيه المغرب أبو سعيد، عبد السلام بن حبيب بن حسان التنوخي تقدمت ترجمته.
(فإنه)(1) يؤخذ عنده بما (أقر)(2)(به)(3) فِي تِلْكَ الْحَالِ. قَالُوا: وَهُوَ ضَعِيفٌ. فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (4)(وَلَكِنْ)(5) / نَزَّلَهُ سَحْنُونُ عَلَى مَنْ أُكْرِهَ بِطَرِيقٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ، كَمَا إِذَا أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ، أَمَّا إِذَا أُكْرِهَ بِطْرِيقٍ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ يؤخذ به كالكافر يُسْلِمُ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ بِهِ، وقد تتفق له (هذه)(6) الْفَائِدَةِ عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِ سَحْنُونَ إِذَا أَقَرَّ حَالَةَ التَّعْذِيبِ ثُمَّ تَمَادَى عَلَى الْإِقْرَارِ بَعْدَ أمنه، فيؤخذ به.
قال الغزالي ـ بعد ما حَكَى عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ ـ: وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَالْمَسْأَلَةُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ ـ قَالَ ـ: ولسنا نحكم (ببطلان مذهب)(7) مَالِكٍ عَلَى الْقَطْعِ، فَإِذَا وَقَعَ النَّظَرُ فِي تَعَارُضِ الْمَصَالِحِ، كَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا مِنَ النَّظَرِ في تعارض الأقيسة المؤثرة.
المثال الخامس:
إنا إذا (قدَّرنا)(8) إِمَامًا مُطَاعًا (مُفْتَقِرًا)(9) إِلَى تَكْثِيرِ الْجُنُودِ لِسَدِّ الثُّغُورِ وَحِمَايَةِ الْمُلْكِ الْمُتَّسِعِ الْأَقْطَارِ، وَخَلَا بَيْتُ المال (عن الْمَالِ)(10)، (وَارْتَفَعَتْ)(11) حَاجَاتُ الْجُنْدِ إِلَى مَا (لَا)(12) يَكْفِيهِمْ، فَلِلْإِمَامِ إِذَا كَانَ عَدْلًا أَنْ يُوَظِّفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ مَا يَرَاهُ كَافِيًا لَهُمْ فِي الحال، إلى أن يظهر مال (في)(13) بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ إِلَيْهِ النَّظَرُ فِي تَوْظِيفِ ذَلِكَ عَلَى الْغَلَّاتِ وَالثِّمَارِ (أَوْ)(14) غَيْرِ ذَلِكَ، كَيْلَا يُؤَدِّيَ تَخْصِيصُ النَّاسِ بِهِ (إِلَى)(15) إِيحَاشِ الْقُلُوبِ، وَذَلِكَ يَقَعُ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ، بِحَيْثُ لا يجحف بأحد ويحصل
(1) في (ط): "بأنه".
(2)
في (ط): "أقد".
(3)
ما بين القوسين زيادة من (غ).
(4)
سورة البقرة: الآية (256).
(5)
في (غ) و (ر): "وقد".
(6)
في سائر النسخ ما عدا (غ): "بهذه".
(7)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "بمذهب".
(8)
في سائر النسخ ما عدا (م): "قررنا".
(9)
في (م): "مفتقر".
(10)
زيادة من (م) و (غ) و (ر).
(11)
في (غ): "وارهقت".
(12)
زيادة من (ط).
(13)
زيادة من (غ) و (ر).
(14)
في (ط): "و".
(15)
زيادة من (ط) و (خ) و (غ) و (ر).
(الْغَرَضُ)(1) الْمَقْصُودُ.
/وَإِنَّمَا لَمْ يُنْقَلْ مِثْلُ (هَذَا)(2) عَنِ الْأَوَّلِينَ لِاتِّسَاعِ (مَالِ)(3) بَيْتِ الْمَالِ فِي زمانهم بخلاف زماننا؛ فإن القضية فيه (أخرى)(4)، وَوَجْهُ الْمَصْلَحَةِ هَنَا/ ظَاهِرٌ؛ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يفعل الإمام ذلك (لانحلَّ)(5) النظام (وبطلت)(6) شَوْكَةُ الْإِمَامِ، وَصَارَتْ دِيَارُنَا عُرْضَةً لِاسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ.
وإنما نظام ذلك كله شوكة الإمام (بعدته)(7)(فالذين يحذرون)(8) من الدواهي لو (تنقطع)(9) عَنْهُمُ الشَّوْكَةُ، (يَسْتَحْقِرُونَ)(10) بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهَا أَمْوَالَهُمْ كُلَّهَا، فَضْلًا عَنِ الْيَسِيرِ/ مِنْهَا، فَإِذَا عُورِضَ هَذَا الضَّرَرُ الْعَظِيمُ بِالضَّرَرِ اللَّاحِقِ لَهُمْ بِأَخْذِ الْبَعْضِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَلَا يُتَمَارَى فِي تَرْجِيحِ الثَّانِي (على)(11) الْأَوَّلِ/ وَهُوَ مِمَّا يُعْلَمُ مِنْ مَقْصُودِ الشَّرْعِ قبل النظر في الشواهد (والملاءمة)(12)(ألا ترى)(13) أَنَّ الْأَبَ/ فِي طِفْلِهِ، أَوِ الْوَصِيَّ فِي يَتِيمِهِ، أَوِ الْكَافِلَ فِيمَنْ يَكْفُلُهُ، مَأْمُورٌ بِرِعَايَةِ الْأَصْلَحِ لَهُ، وَهُوَ يَصْرِفُ مَالَهُ إِلَى وُجُوهٍ مِنَ النَّفَقَاتِ أَوِ الْمُؤَنِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهَا، وَكُلُّ مَا يَرَاهُ سَبَبًا لِزِيَادَةِ مَالِهِ أَوْ حِرَاسَتِهِ مِنَ التَّلَفِ جَازَ لَهُ بَذْلُ الْمَالِ فِي تَحْصِيلِهِ، وَمَصْلَحَةُ الْإِسْلَامِ عَامَّةٌ لَا تَتَقَاصَرُ عَنْ مَصْلَحَةِ طِفْلٍ، وَلَا نَظَرُ (إِمَامِ)(14) الْمُسْلِمِينَ (يَتَقَاعَدُ)(15) عَنْ نَظَرِ وَاحِدٍ مِنَ الْآحَادِ فِي حَقِّ محجوره.
(1) زيادة من (م) و (غ) و (ر).
(2)
في (غ) و (ر): "ذلك".
(3)
ما بين القوسين ساقط من (غ) و (ر).
(4)
في (خ) و (ط) و (م): "أحرى" وكذا في (ت) لكنها صححت في الهامش بـ"أخرى".
(5)
ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
(6)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "بطلت".
(7)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "بعدله".
(8)
في (م): "فالذي يحذر".
(9)
في (م): "انقطع". وفي (غ) و (ر): "انقطعت".
(10)
في (م) و (غ) و (ر): "يستحقر".
(11)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "عن".
(12)
ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
(13)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "والملاءمة الأخرى".
(14)
في (غ) و (ر): "لإمام".
(15)
في (غ) و (ر): "يتقا".
ولو وطئ الكفار أرض الإسلام لوجب (على الكافة)(1) بِالنُّصْرَةِ، وَإِذَا دَعَاهُمُ الْإِمَامُ وَجَبَتِ الْإِجَابَةُ، وَفِيهِ (إِتْعَابُ)(2) النُّفُوسِ وَتَعْرِيضُهَا إِلَى الْهَلَكَةِ، زِيَادَةً إِلَى إِنْفَاقِ الْمَالِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِحِمَايَةِ الدِّينِ، وَمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ.
فَإِذَا قَدَّرْنَا هُجُومَهُمْ، وَاسْتَشْعَرَ الْإِمَامُ فِي الشَّوْكَةِ ضَعْفًا وَجَبَ عَلَى الْكَافَّةِ إِمْدَادُهُمْ، كَيْفَ وَالْجِهَادُ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَاجِبٌ عَلَى الْخَلْقِ (3).
وَإِنَّمَا يَسْقُطُ (بِاشْتِغَالِ)(4) الْمُرْتَزَقَةِ (بِهِ)(5)، فَلَا يُتَمَارَى فِي بَذْلِ الْمَالِ لِمِثْلِ ذَلِكَ. (وَإِذَا)(6) قَدَّرْنَا انْعِدَامَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ/ (يُخَافُ)(7) مِنْ جِهَتِهِمْ، فَلَا يُؤْمَنُ (مِنَ)(8) انْفِتَاحِ بَابِ الْفِتَنِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى حَالِهَا كَمَا كَانَتْ، وَتَوَقُّعُ الْفَسَادِ عَتِيدٌ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْحُرَّاسِ. فَهَذِهِ مُلَاءَمَةٌ صَحِيحَةٌ، إِلَّا أَنَّهَا فِي مَحَلِّ ضَرُورَةٍ، فَتُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، فَلَا يَصِحُّ هَذَا الْحُكْمُ إِلَّا مَعَ وُجُودِهَا، وَالِاسْتِقْرَاضُ فِي (الْأَزَمَاتِ)(9) إِنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ (يُرْجَى)(10) / لِبَيْتِ الْمَالِ دَخْلٌ يُنْتَظَرُ أَوْ يُرْتَجَى، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يُنْتَظَرْ شَيْءٌ وَضَعُفَتْ وُجُوهُ الدَّخْلِ (بِحَيْثُ)(11) لَا يُغْنِي كَبِيرُ شَيْءٍ، فلا بد من جريان حكم التوظيف.
(1) ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
(2)
في (غ) و (ر): "إتباع".
(3)
اختلف العلماء في وجوب الجهاد على المسلمين في كل عام على قولين: الأول: الجمهور على أن غزوة واحدة في العام تسقط الفريضة، والباقي تطوع، وحجتهم على ذلك أن الجزية تجب بدلاً عن الجهاد، والجزية لا تجب في السنة أكثر من مرة اتفاقاً، فليكن بدلها كذلك. الثاني: أنه يجب غزو الكفار في عقر دارهم كلما أمكن ذلك من غير تحديد، وقوى هذا المذهب ابن حجر. انظر أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية (ص131 ـ 133)، وانظر مصادره التالية: المبسوط للسرخسي (10 3)، وتفسير القرطبي (8 152)، وفتح الباري (6 28).
(4)
في (غ) و (ر): "لاشتغال".
(5)
زيادة من (م) و (غ) و (ر).
(6)
في (غ) و (ر): "وإن".
(7)
في (غ) و (ر): "نخاف".
(8)
ما بين القوسين ساقط من (خ) و (ت) و (غ) و (ر).
(9)
في (غ) و (ر): "الأوقات".
(10)
في (غ) و (ر): "يرجى أن يكون".
(11)
في (ط): "بحديث".
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَصَّ عَلَيْهَا الْغَزَالِيُّ فِي مَوَاضِعَ من كتبه (1)، وَتَلَاهُ فِي تَصْحِيحِهَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ (2) لَهُ، وَشَرْطُ جَوَازِ/ ذَلِكَ كُلِّهِ عِنْدَهُمْ عَدَالَةُ الْإِمَامِ، وَإِيقَاعُ التَّصَرُّفِ فِي أَخْذِ الْمَالِ (وإعطائه)(3) على الوجه المشروع (والله أعلم)(4).
الْمِثَالُ السَّادِسُ:
أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يعاقب بأخذ المال على بعض الجنايات (5)، فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ، حَسْبَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ (6).
عَلَى أَنَّ الطَّحَاوِيَّ حَكَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَنْعِهِ (7).
فَأَمَّا الْغَزَالِيُّ فَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ/ قَبِيلِ الْغَرِيبِ الَّذِي لَا عَهْدَ بِهِ/ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا يُلَائِمُ تَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ، مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ الْخَاصَّةَ لَمْ تَتَعَيَّنْ، لِشَرْعِيَّةِ الْعُقُوبَاتِ الْبَدَنِيَّةِ بِالسِّجْنِ وَالضَّرْبِ (وَغَيْرِهِمَا)(8).
قَالَ:/ فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه شَاطَرَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي مَالِهِ، حَتَّى أَخَذَ رَسُولُهُ (فَرْدَ)(9) نَعْلِهِ وَشَطْرَ عِمَامَتِهِ (10).
قُلْنَا: الْمَظْنُونُ مِنْ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِعِ الْعِقَابَ بِأَخْذِ الْمَالِ عَلَى خِلَافِ الْمَأْلُوفِ مِنَ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِعَلَمِ عُمَرَ (باختلاط ماله)(11) بالمال/ المستفاد من الولاية وإحطاته بتوسعته (ولعله سبر)(12) المال فرأى شطر ماله
(1) انظر: المستصفى (1 303 ـ 304).
(2)
أحكام القرآن (1/ 460).
(3)
ساقط من (ت).
(4)
ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
(5)
هكذا في (ط) و (م) و (غ) و (ر)، وعلق رشيد رضا فقال: ينظر أين جواب (لو)، وما موقع الفاء في قوله (فاختلف العلماء).
(6)
انظر: شفاء الغليل (1 243).
(7)
انظر: شرح معاني الآثار (3 145).
(8)
ما بين القوسين ساقط من (ت).
(9)
في (ط) و (خ): "برد".
(10)
انظر: تاريخ ابن جرير (3 436 ـ 437).
(11)
في (م) و (خ) و (غ) و (ر): "باختلاطهما له".
(12)
في (ط) و (م) و (خ) و (غ) و (ر): "فلعله ضمن".
مِنْ فَوَائِدَ الْوِلَايَةِ، فَيَكُونُ اسْتِرْجَاعًا لِلْحَقِّ لَا عُقُوبَةً فِي الْمَالِ، لِأَنَّ هَذَا مِنَ الْغَرِيبِ الَّذِي لَا يُلَائِمُ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ هَذَا مَا قال.
(وَلِمَا فَعَلَ)(1) عُمَرُ رضي الله عنه وَجْهٌ آخَرُ غَيْرُ هَذَا، وَلَكِنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْعُقُوبَةِ (بِالْمَالِ)(2)، كَمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ.
/وَأَمَّا مذهب مالك رحمه الله (3)، فَإِنَّ الْعُقُوبَةَ فِي الْمَالِ عِنْدَهُ (ضَرْبَانِ) (4):
أَحَدُهُمَا: كَمَا صَوَّرَهُ الْغَزَالِيُّ، فَلَا مِرْيَةَ فِي أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، عَلَى أَنَّ ابْنَ الْعَطَّارِ (5) فِي (وثائقه)(6) صغى إلى إجازة ذلك، فقال: في (إجارة)(7) أَعْوَانِ الْقَاضِي إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ، أنها على الطالب، فإن (أدين)(8) المطلوب كانت الإجارة عَلَيْهِ.
وَمَالَ إِلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ (9)، وَرَدَّهُ عَلَيْهِ (ابن الفخار) (10) القرطبي وقال: إن
(1) هكذا في جميع النسخ ولعل الصواب: ولفعل عمر
…
إلخ. أو يكون المعنى: (وللذي فعل عمر
…
) باعتبار (ما): موصولة.
(2)
في (غ) و (ر): "في المال".
(3)
مسألة التعزير بالعقوبات المالية بسطها ابن القيم رحمه الله تعالى في الطرق الحكمية (ص273 ـ 277).
(4)
في (غ) و (ر): "على ضربين".
(5)
هو محمد بن أحمد بن عبد الله المعروف بابن العطار، كان فقيهاً نحوياً، وكان يزري بأصحابه المفتين، فحملوا عليه بالعداوة، توفي سنة 399هـ. انظر: ترتيب المدارك (4 650)، والديباج المذهب (2 231).
(6)
في (ط): "رقائقه". وهو خطأ، والصواب (وثائقه) كما في (م) و (خ) و (ت) و (غ) و (ر)، وفي معلمة الفقه المالكي (ص21):(الوثائق: هي العقود التي يسجلها الموثقون العدول) وهي كثيرة جداً في المغرب وبلاد الأندلس. انظر: المصدر السابق (ص21 ـ 23).
(7)
في (ط) و (خ) و (ت): "إجازة".
(8)
في (م) و (ت) و (غ) و (ر): "كلمة غير واضحة". وفي (ر): "لدّ".
(9)
هو: أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكي (الجد)، وهو شارح العتبية المسمى (البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل)، توفي سنة 520هـ. انظر: بغية الملتمس (1 74)، وأزهار الرياض (3 59)، والسير (19 501)، وشذرات الذهب (4 62).
(10)
في (خ) و (ط): "ابن النجار". والصواب: "ابن الفخار" وهو: محمد بن عمر بن=
ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ فِي الْمَالِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى حَالٍ.
وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ جِنَايَةُ الْجَانِي فِي نَفْسِ ذَلِكَ الْمَالِ أَوْ فِي عِوَضِهِ، فَالْعُقُوبَةُ فِيهِ عِنْدَهُ ثَابِتَةٌ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الزَّعْفَرَانِ الْمَغْشُوشِ إِذَا وُجِدَ بِيَدِ الَّذِي غَشَّهُ: إِنَّهُ يُتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ.
(وَذَهَبَ)(1) ابْنُ الْقَاسِمِ (2)، وَمُطَرِّفٌ (3)، وَابْنُ الْمَاجِشُونَ (4) إِلَى أَنَّهُ يُتَصَدَّقُ بِمَا قَلَّ منه دون ما كثر.
وذلك محكي (نحوه)(5) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَأَنَّهُ أَرَاقَ اللَّبَنَ الْمَغْشُوشَ بِالْمَاءِ (6)، وَوَجَّهَ ذَلِكَ التَّأْدِيبَ لِلْغَاشِّ، وَهَذَا التَّأْدِيبُ لَا نَصَّ يَشْهَدُ له (ولكنه)(7) مِنْ بَابِ الْحُكْمِ عَلَى الْخَاصَّةِ لِأَجْلِ الْعَامَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ، فِي مَسْأَلَةِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ (8).
=يوسف المالكي القرطبي أبو عبد الله كان من أهل العلم والذكاء والحفظ والفهم. مات عام 419هـ. ترجمته في: الصلة لابن بشكوال (2/ 747)، والديباج المذهب (2/ 235).
(1)
في (خ): "ذهب".
(2)
هو عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة أبو عبد الله تلميذ الإمام مالك وعالم ديار مصر ومفتيها، تقدمت ترجمته (1 79).
(3)
لم يحدد من هو، وفي تاريخ علماء الأندلس (11) شخصاً اسمه (مطرف)، وكلهم متقاربون في الذكر بالفقه والعلم. انظر: المصدر السابق (2 833 ـ 837).
(4)
هو: أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله الماجشون، تلميذ الإمام مالك رحمه الله، توفي سنة 213هـ وقيل سنة 214هـ، وقال المعلق على السير:(والماجشون: بكسر الجيم وفتحها وضمها، وعلى كسرها اقتصر السمعاني في الأنساب، وابن خلكان في الوفيات، والنووي في شرح مسلم، وابن حجر في التقريب، وابن فرحون في الديباج المذهب، وفي شرح الشفاء: معناه: الأبيض المشرب بحمرة، معرب (ماه كون) معناه: لون القمر. انظر: شرح القاموس (4 348). انظر: السير (10 359)، وطبقات ابن سعد (5 442)، وترتيب المدارك (2 360)، ووفيات الأعيان (3 166)، وتهذيب التهذيب (6 408).
(5)
زيادة من (غ) و (ر).
(6)
ذكر ابن تيمية أن مالك روى عن عمر بن الخطاب أنه طرح اللبن المغشوش بالماء، انطر: مجموع الفتاوى (28/ 115)، وذكره ابن القيم في الطرق الحكمية (ص275).
(7)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "لكن".
(8)
انظر: (ص18).
عَلَى أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ اللَّخْمِيَّ (1)، قَدْ وَضَعَ له أصلاً شرعياً، وذلك أنه/ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ الَّتِي (أُغْلِيَتْ)(2) بِلُحُومِ الْحُمُرِ قَبْلَ أَنْ تُقَسَّمَ (3)، وَحَدِيثُ الْعِتْقِ بِالْمُثْلَةِ (4)(أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ)(5).
وَمِنْ مَسَائِلِ مَالِكٍ فِي الْمَسْأَلَةِ: (إذا)(6) اشترى مسلم/ من نصراني خمراً (فإنها تكسر)(7) عَلَى الْمُسْلِمِ، وَيُتَصَدَّقُ بِالثَّمَنِ أَدَبًا لِلنَّصْرَانِيِّ/ إِنْ كَانَ النَّصْرَانِيُّ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَرَّعَ أَصْحَابُهُ فِي مَذْهَبِهِ، وَهُوَ كُلُّهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ فِي الْمَالِ، إِلَّا أَنَّ وَجْهَهُ مَا تقدم.
/الْمِثَالُ السَّابِعُ:
أَنَّهُ لَوْ طَبَّقَ الْحَرَامُ الْأَرْضَ، أَوْ نَاحِيَةً مِنَ الْأَرْضِ يَعْسُرُ الِانْتِقَالُ (مِنْهَا)(8) وَانْسَدَّتْ طُرُقُ الْمَكَاسِبِ (الطَّيِّبَةِ)(9)، ومسَّت الْحَاجَةُ إِلَى الزيادة
(1) هو: علي بن موسى بن زياد اللخمي، من أهل قرطبة، يكنى أبا الحسن، توفي بعد السبعين وثلثمائة. انظر: تاريخ علماء الأندلس (2 533).
(2)
في (غ) و (ر): "غليت".
(3)
أخرجه البخاري برقم (2477، 4196، 5496. 6148، 6891)، ومسلم (1937 ـ 1938)، وأحمد في المسند (2 21 و143)، (3 125 و164)، (4 291، 354 و356)، وابن ماجه (3196)، وأبو يعلى (1728 و2828 و5526)، وابن حبان (5274)، والبيهقي في السنن الكبرى (19238 و19245 و19246 و19250).
(4)
وردت عدة أحاديث في العتق بالمُثلة، منها ما أخرجه ابن ماجه (2680)، وأبو داود برقم (4519)، أنه جاء رجل مستصرخ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال له:(ما لك؟ قال: شر، أبصر لسيده جارية له فغار، فجبَّ مذاكيره. فقال: اذهب فأنت حر، قال: يا رسول الله، على من نصرتي؟ قال: نصرتك على كل مسلم)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، وذكر ابن سعد في الطبقات (7 505)، أن اسم العبد هو سندر، وذكر الحديث السابق فيه، وأخرج الحاكم في المستدرك (8102)، من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم:(من مثَّل بعبده فهو حر وهو مولى الله ورسوله)، وقال الذهبي:"حمزة هو النصيبي يضع الحديث". وفي الباب عن سمرة بن جندب وأبي هريرة، انظرها في: جامع الأصول (8 76 ـ 78) ونصب الراية (4 176).
(5)
في (ت): "من ذلك أيضاً".
(6)
في (غ) و (ر): "ما إذا".
(7)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "فإنه يكسر".
(8)
في (م) و (غ) و (ر): "عنها".
(9)
في (م): "الطيب".
عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ، فَإِنَّ ذَلِكَ سَائِغٌ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ الضَّرُورَةِ، وَيَرْتَقِيَ إِلَى قَدْرِ الحاجة في الوقت والملبس والمسكن، إذ لو (اقتصروا)(1) عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ لَتَعَطَّلَتِ الْمَكَاسِبُ وَالْأَشْغَالُ/، وَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ فِي مُقَاسَاةِ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَهْلِكُوا، وَفِي ذَلِكَ خَرَابُ الدِّينِ، لَكِنَّهُ لَا ينتهي إلى (مقدار)(2) التَّرَفُّهِ وَالتَّنَعُّمِ، كَمَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى مِقْدَارِ الضَّرُورَةِ.
وَهَذَا مُلَائِمٌ لِتَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى عَيْنِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَجَازَ أَكْلَ/ الْمَيْتَةِ (لِلْمُضْطَرِّ)(3)، وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْخَبَائِثِ الْمُحَرَّمَاتِ.
وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ الشِّبَعِ عِنْدَ تَوَالِي الْمَخْمَصَةِ (4)، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا إِذَا لَمْ (تَتَوَالَ)(5) هَلْ يَجُوزُ لَهُ الشِّبَعُ أَمْ لَا؟ وَأَيْضًا فَقَدَ أَجَازُوا أَخْذَ مَالِ الْغَيْرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَيْضًا، فَمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَقْصُرُ عَنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ بَسَطَ الْغَزَالِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْإِحْيَاءِ بَسْطًا شَافِيًا جداً (6)، وذكرها (أيضاً)(7) في كتبه الأصولية كالمنخول (8)، وشفاء (الغليل)(9).
الْمِثَالُ الثَّامِنُ:
أَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ، وَالْمُسْتَنَدُ فِيهِ الْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ؛ إِذْ لَا نَصَّ عَلَى عَيْنِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَكِنَّهُ (مَنْقُولٌ)(10) عَنْ عُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه (11)،
(1) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "اقتصر".
(2)
زيادة من (غ) و (ر).
(3)
ساقطة من (غ) و (ر).
(4)
انظر: أحكام القرآن (1 55)، في تفسير سورة البقرة: الآية (173).
(5)
في (م) و (ت): "تتوالى".
(6)
انظر: الإحياء (4 191).
(7)
زيادة من (م) و (غ) و (ر).
(8)
المنخول (ص365).
(9)
في (ط): "العليل". وانظر: شفاء الغليل (ص245 ـ 246).
(10)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "المنقول".
(11)
قتل الجماعة بالواحد: أخرجه البخاري في كتاب الديات، باب إذا أصاب قوم من رجل هل يعاقب أم يقتص منهم كلهم برقم (6896) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن غلاماً قتل غيلة، فقال عمر: لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم. وروى ابن أبي شيبة في المصنف (9 296) برقم (7529)، عن سعيد بن المسيب: أن عمر قتل ثلاثة نفر من=
وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ (1).
وَوَجْهُ/ الْمَصْلَحَةِ أَنَّ الْقَتِيلِ مَعْصُومٌ، وَقَدْ قُتِلَ عَمْدًا، فَإِهْدَارُهُ دَاعٍ إِلَى خَرْمِ أَصْلِ الْقَصَاصِ، وَاتِّخَاذِ الِاسْتِعَانَةِ وَالِاشِتِرَاكَ ذريعة إلى (التشفي)(2) بِالْقَتْلِ إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا قَصَاصَ فِيهِ، وَلَيْسَ أَصْلُهُ قَتْلَ/ الْمُنْفَرِدِ فَإِنَّهُ قَاتِلٌ تَحْقِيقًا، وَالْمُشْتَرِكُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ تَحْقِيقًا.
/فَإِنْ قِيلَ: هَذَا أَمْرٌ بَدِيعٌ فِي الشَّرْعِ، وَهُوَ قَتْلُ غَيْرِ الْقَاتِلِ؟
قُلْنَا: لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَمْ يُقْتَلُ إِلَّا الْقَاتِلُ، وَهُمْ الْجَمَاعَةُ مِنْ حَيْثُ الِاجْتِمَاعُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، فَهُوَ مُضَافٌ إِلَيْهِمْ تَحْقِيقًا إِضَافَتُهُ/ إِلَى الشَّخْصِ الْوَاحِدِ، وَإِنَّمَا التَّعْيِينُ فِي تَنْزِيلِ الْأَشْخَاصِ مَنْزِلَةَ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ؛ وَقَدْ دَعَتْ إِلَيْهِ الْمَصْلَحَةُ، فَلَمْ يَكُنْ مُبْتَدِعًا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ حِفْظِ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ فِي حَقْنِ الدِّمَاءِ، وَعَلَيْهِ يَجْرِي عِنْدَ مَالِكٍ قَطْعُ الْأَيْدِي باليد الواحدة، وقطع الأيدي في النصاب (الواحد)(3).
=أهل صنعاء بامرأة، ونحوه أنه قتل سبعة من أهل صنعاء برجل، وأنه قال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعهم. انظر: المصنف لابن أبي شيبة (9 347) برقم (7743 ـ 7745)، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب، والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهما، انظر: المصدر السابق (7746 ـ 7749)، وانظر: مصنف عبد الرزاق (18069 ـ 18071) و (18073 ـ 18079)، وهو مذهب ابن عباس كما في المصنف لعبد الرزاق (9 475 ـ 480)، وانظر: السنن الكبرى للبيهقي (8 40 ـ 41)، والموطأ (1584).
(1)
ذهب جمع من العلماء إلى قتل الجماعة بالواحد، ذكر منهم ابن قدامة: عمر، وعلي، والمغيرة بن شعبة، وابن عباس رضي الله عنهم، وسعيد بن المسيب، والحسن، وأبو سلمة، وعطاء وقتادة، وهو مذهب مالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي. وحكي عن الإمام أحمد في رواية أنهم لا يقتلون وتجب عليهم الدية، وهو قول ابن الزبير، والزهري، وابن سيرين، وحبيب بن أبي ثابت، وربيعة، وداود، وابن المنذر وحكي عن ابن عباس، وذهب معاذ بن جبل وابن الزبير وابن سيرين والزهري أنه يقتل منهم واحد ويؤخذ من الباقين حصصهم من الدية. انظر: المغني (9 366 ـ 367)، وفتح الباري (12 236 ـ 237).
(2)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "السعي".
(3)
في (ط) و (خ) و (م): "الواجب"، وكذا في (ت) لكن صححت في الهامش بـ:"الواحد".
الْمِثَالُ التَّاسِعُ:
إِنَّ الْعُلَمَاءَ نَقَلُوا الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَةَ الْكُبْرَى لَا تَنْعَقِدُ إِلَّا لِمَنْ نَالَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَالْفَتْوَى فِي عُلُومِ الشَّرْعِ (1)، كَمَا أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا أَيْضًا ـ أَوْ كَادُوا أَنْ يَتَّفِقُوا ـ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بَيْنَ النَّاسِ لَا يحصل إلا لمن رقي (رُتْبَةِ)(2) الِاجْتِهَادِ (3)، وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَلَكِنْ إِذَا فُرِضَ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ يَظْهَرُ بَيْنَ النَّاسِ، وَافْتَقَرُوا إِلَى إِمَامٍ يُقَدِّمُونَهُ لِجَرَيَانِ الْأَحْكَامِ وَتَسْكِينِ ثَوْرَةِ الثَّائِرِينَ، وَالْحِيَاطَةِ عَلَى دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِقَامَةِ الْأَمْثَلِ مِمَّنْ لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ (4)، لِأَنَّا بَيْنَ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُتْرَكَ النَّاسُ فَوْضًى، وَهُوَ عَيْنُ الْفَسَادِ وَالْهَرَجِ، وَإِمَّا أَنْ يُقَدِّمُوهُ فَيَزُولُ الْفَسَادُ بَتَّةً، وَلَا يَبْقَى إِلَّا فَوْتُ الِاجْتِهَادِ، وَالتَّقْلِيدُ كَافٍ بِحَسَبِهِ.
وَإِذَا ثَبَتَ/ هَذَا فَهُوَ نَظَرٌ مَصْلَحِيٌّ يشهد له وضع أصل الإمامة (بل هو)(5) مَقْطُوعٌ/ بِهِ بِحَيْثُ لَا يَفْتَقِرُ فِي صِحَّتِهِ وَمُلَاءَمَتِهِ إِلَى شَاهِدٍ.
هَذَا ـ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ (مخالفاً)(6) لما نقلوا من الإجماع (فإن
(1) اختلف العلماء في اشتراط بلوغ مرتبة الاجتهاد في إمام المسلمين، فذهب بعض العلماء إلى اشتراط الاجتهاد فيه، حكاه الجويني في غياث الأمم، وقال الرملي: وهو مذهب الشافعي، وهو قول الماوردي وأبي يعلى، وعبد القاهر البغدادي، والقرطبي صاحب أحكام القرآن وابن خلدون. وذهب آخرون من العلماء إلى عدم اشتراط الاجتهاد، ذكر ذلك الشهرستاني، ورأي ابن حزم أنه من الشروط المستحبة لا من الواجبة، وهو مذهب أكثر الحنفية وقول الغزالي. انظر تفصيل المسألة في الإمامة العظمى للدكتور عبد الله الدميجي (ص247 ـ 251).
(2)
في (ط) و (خ) و (ت): "في رتبة".
(3)
حكى ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2 86) أنه لا يجوز لغير المجتهد أن يتقلد القضاء، ولا يجوز للإمام توليته.
(4)
جاء في هامش نسخة (ت) ما نصه: "قلت: رأيت في أجوبة الشيخ محمد بن سحنون أنه إذا اتفق أن أهل بلد كلهم فساق فلا بد من إقامة وظائف الدين فيهم من القضاء والإمامة والعدالة واختيار الأمثل فالأمثل منهم لذلك، وإلا تعطلت أحوال الناس، وبطلت مراسم الدين".
(5)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "وهو".
(6)
في (م): "مخالف".
الْإِجْمَاعِ) (1)(فِي)(2) الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا انْعَقَدَ/ عَلَى فَرْضِ أَنْ لَا يَخْلُوَ الزَّمَانُ (مِنْ)(3) مُجْتَهِدٍ، فَصَارَ مِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِمَّا لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ، فصح الاعتماد فيه على المصلحة.
الْمِثَالُ الْعَاشِرُ:
إِنَّ الْغَزَالِيَّ قَالَ فِي بَيْعَةِ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ: إِنْ رَدَدْنَا فِي مبدأ التولية بين مجتهد في علوم (الشريعة)(4) وَبَيْنَ مُتَقَاصِرٍ عَنْهَا، فَيَتَعَيَّنُ تَقْدِيمُ الْمُجْتَهِدِ؛ لِأَنَّ اتّباعَ/ الناظرِ علمَ نفسهِ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى (صاحب)(5) اتّباعِ عِلْمِ غَيْرِهِ (بِالتَّقْلِيدِ)(6) وَالْمَزَايَا لَا سَبِيلَ إِلَى إِهْمَالِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مُرَاعَاتِهَا.
أَمَّا إِذَا انْعَقَدَتِ الْإِمَامَةُ (بِالْبَيْعَةِ)(7) أَوْ تَوْلِيَةِ الْعَهْدِ لِمُنْفَكٍّ عَنْ رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ، وَقَامَتْ لَهُ الشَّوْكَةُ، وَأَذْعَنَتْ لَهُ الرِّقَابُ، بِأَنْ خَلَا الزَّمَانُ عَنْ قُرَشِيٍّ مُجْتَهِدٍ مُسْتَجْمِعٍ جَمِيعَ الشَّرَائِطِ، وَجَبَ الِاسْتِمْرَارُ.
وإن قدر حضور قرشي (8) مجتهد مستجمع (للورع)(9) وَالْكِفَايَةِ وَجَمِيعِ شَرَائِطِ الْإِمَامَةِ، وَاحْتَاجَ/ الْمُسْلِمُونَ فِي خلع الأول إلى (تعرض)(10) لِإِثَارَةِ فِتَنٍ وَاضْطِرَابِ أُمُورٍ،/ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ خلعه والاستبدال به، بل تجب عليهم
(1) زيادة من (غ) و (ر).
(2)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "وفي".
(3)
في (غ) و (ر): "عن".
(4)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "الشرائع".
(5)
زيادة من هامش (ت). وفي (ر): "على اتباعه".
(6)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "فالتقليد".
(7)
في (غ) و (ر): "بالبدعة".
(8)
اشتراط القرشية وردت به نصوص صريحة، وهو قول جمهور علماء المسلمين، ولم يخالف في ذلك إلا الخوارج وبعض المعتزلة والأشاعرة. انظر: الإمامة العظمى (ص265 ـ 295).
(9)
في (م): "لنردع". وفي (ت) و (ط) و (خ): "للفروع".
(10)
في (ط) و (خ): "تعرضه".
الطَّاعَةُ لَهُ، وَالْحُكْمُ بِنُفُوذِ وِلَايَتِهِ، وَصِحَّةِ إِمَامَتِهِ، لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ (الْعِلْمَ)(1) مَزِيَّةٌ رُوعِيَتْ فِي الْإِمَامَةِ تَحْصِيلًا لِمَزِيدِ الْمَصْلَحَةِ فِي الِاسْتِقْلَالِ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنِ التَّقْلِيدِ، وَأَنَّ الثَّمَرَةَ الْمَطْلُوبَةَ مِنَ (الإمامة)(2) تُطْفِئُةُ الْفِتَنُ الثَّائِرَةُ مِنْ تَفَرُّقِ الْآرَاءِ الْمُتَنَافِرَةِ، فَكَيْفَ (يَسْتَجِيزُ)(3) الْعَاقِلُ تَحْرِيكَ الْفِتْنَةِ، وَتَشْوِيشَ النِّظَامِ، وَتَفْوِيتَ أَصْلِ الْمَصْلَحَةِ فِي الْحَالِ، تَشَوُّفًا إِلَى مَزِيدِ دَقِيقَةٍ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ النَّظَرِ وَالتَّقْلِيدِ؟.
/قَالَ: وَعِنْدَ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَقِيسَ الْإِنْسَانُ مَا يَنَالُ الْخَلْقَ مِنَ الضَّرَرِ بِسَبَبِ عُدُولِ الْإِمَامِ عَنِ النَّظَرِ إِلَى التَّقْلِيدِ بِمَا يَنَالُهُمْ لَوْ تَعَرَّضُوا لِخَلْعِهِ وَالِاسْتِبْدَالِ بِهِ، أَوْ حَكَمُوا بِأَنَّ إِمَامَتَهُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ (4).
هَذَا مَا قَالَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ بِحَسَبَ النَّظَرِ الْمَصْلَحِيِّ، وَهُوَ مُلَائِمٌ لِتَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ، وَإِنْ لَمْ يُعَضِّدْهُ نَصٌّ عَلَى التَّعْيِينِ.
وَمَا قَرَّرَهُ هُوَ أَصْلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ؛ قِيلَ لِيَحْيَى بْنِ يَحْيَى: الْبَيْعَةُ مَكْرُوهَةٌ؟ قَالَ: لَا. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانُوا أَئِمَّةَ جَوْرٍ؟ فَقَالَ: قَدْ بَايَعَ ابْنُ عُمَرَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَبِالسَّيْفِ أَخَذَ الْمُلْكَ. أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ مَالِكٌ عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ، وَأَمَرَ لَهُ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ محمد صلى الله عليه وسلم.
قَالَ يَحْيَى: وَالْبَيْعَةُ خَيْرٌ مِنَ الْفُرْقَةِ.
قَالَ: وَلَقَدْ أَتَى مَالِكًا الْعُمَرِيَّ (5) فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، بَايَعَنِي أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ، وَأَنْتَ تَرَى سِيرَةَ أَبِي جَعْفَرٍ، فَمَا تَرَى؟ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: أَتَدْرِي مَا الَّذِي مَنَعَ عُمَرَ بن عبد العزيز رحمه الله/ أن يولي رجلاً صالحاً؟ فقال/
(1) في (ت): "للعلم".
(2)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "الإمام".
(3)
في (م): "يستجر" وفي (ت): "يستحل".
(4)
انظر: فضائح الباطنية (ص119).
(5)
هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، من أقران مالك، كان مشهوراً بالوعظ عابداً زاهداً، توفي سنة 184هـ. انظر: السير (8 373)، وتهذيب التهذيب (5/ 302).
العمري: لا أدري، فقال مَالِكٌ: لَكِنِّي أَنَا أَدْرِي، إِنَّمَا كَانَتِ الْبَيْعَةُ لِيَزِيدَ بَعْدَهُ، فَخَافَ عُمَرُ إِنْ وَلَّى رَجُلًا صَالِحًا أَنْ لَا يَكُونَ لِيَزِيدَ بُدٌّ مِنَ الْقِيَامِ، فَتَقُومُ هَجْمَةٌ، فَيَفْسَدُ مَا لَا يُصْلَحُ، فَصَدَرَ رَأْيُ هَذَا الْعُمَرِيِّ (عَلَى رَأْيِ)(1) مَالِكٍ.
فَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ إِذَا خِيفَ عِنْدَ خَلْعِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ، وَإِقَامَةِ الْمُسْتَحِقِّ أَنْ تَقَعَ فِتْنَةٌ وَمَا لَا يَصْلُحُ، فَالْمَصْلَحَةُ فِي التَّرْكِ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ/ الْقِيَامَةِ) وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعَةِ/ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلْعَهُ وَلَا تَابَعَ/ فِي هَذَا الْأَمْرِ إِلَّا كَانَتِ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ (2).
(قَالَ)(3) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْخَيَّاطِ: إِنَّ بَيْعَةَ عَبْدِ اللَّهِ لِيَزِيدَ كَانَتْ كُرْهًا، وَأَيْنَ يَزِيدُ مَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَكِنْ رَأَى بِدِينِهِ وَعِلْمِهِ التَّسْلِيمَ لِأَمْرِ اللَّهِ وَالْفِرَارَ عَنِ التَّعَرُّضِ لِفِتْنَةٍ فِيهَا مِنْ ذَهَابِ الأموال والأنفس ما لا يخفى، (بخلع)(4) يَزِيدَ، (لَوْ)(5) تَحَقَّقَ أَنَّ الْأَمْرَ يَعُودُ فِي نصابه، فكيف ولا يعلم ذلك؟ (قال) (6): وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فَتَفَهَّمُوهُ (وَالْزَمُوهُ)(7) تَرْشُدُوا إِنْ شاء الله.
(1) في (غ) و (ر): "عن".
(2)
قصة ابن عمر والحديث الذي رواه، أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8 159 ـ 160)، (9 142 ـ 320)، وقد روى الحديث عدد من الصحابة، انظر البخاري كتاب الجزية والموادعة، باب إثم الغادر للبر والفاجر برقم (3186 ـ 3188 و6177 ـ 7111، 6966، 6178)، ومسلم (3 1359 ـ 1361)، من رقم (1735 ـ 1738)، والترمذي برقم (2191، 1581)، وابن ماجه برقم (2873، 2872)، وأبو داود برقم (2756).
(3)
في (غ) و (ر): "بياض بمقدار كلمة".
(4)
في (ط) و (م) و (خ): "فخلع".
(5)
في (م): "أو". وفي (ت): "و".
(6)
زيادة من (غ) و (ر).
(7)
في (غ) و (ر): "والتزموه".